معاني كلمات القران الكريم




فهرس معاني الكلمات001 الفاتحة ►002 البقرة ►003 آل عمران ►004 النساء ►005 المائدة ►006 الأنعام ►007 الأعراف ►008 الأنفال ►009 التوبة ►010 يونس ►011 هود ►012 يوسف ►013 الرعد ►014 إبراهيم ►015 الحجر ►016 النحل ►017 الإسراء ►018 الكهف ►019 مريم ►020 طه ►021 الأنبياء ►022 الحج ►023 المؤمنون ►024 النور ►025 الفرقان ►026 الشعراء ►027 النمل ►028 القصص ►029 العنكبوت ►030 الروم ►031 لقمان ►032 السجدة ►033 الأحزاب ►034 سبأ ►035 فاطر ►036 يس ►037 الصافات ►038 ص ►039 الزمر ►040 غافر ►041 فصلت ►042 الشورى ►043 الزخرف ►044 الدخان ►045 الجاثية ►046 الأحقاف ►047 محمد ►048 الفتح ►049 الحجرات ►050 ق ►051 الذاريات ►052 الطور ►053 النجم ►054 القمر ►055 الرحمن ►056 الواقعة ►057 الحديد ►058 المجادلة ►059 الحشر ►060 الممتحنة ►061 الصف ►062 الجمعة ►063 المنافقون ►064 التغابن ►065 الطلاق ►066 التحريم ►067 الملك ►068 القلم ►069 الحاقة ►070 المعارج ►071 نوح ►072 الجن ►073 المزمل ►074 المدثر ►075 القيامة ►076 الإنسان ►077 المرسلات ►078 النبأ ►079 النازعات ►080 عبس ►081 التكوير ►082 الإنفطار ►083 المطففين ►084 الانشقاق ►085 البروج ►086 الطارق ►087 الأعلى ►088 الغاشية ►089 الفجر ►090 البلد ►091 الشمس ►092 الليل ►093 الضحى ►094 الشرح ►095 التين ►096 العلق ►097 القدر ►098 البينة ►099 الزلزلة ►100 العاديات ►101 القارعة ►102 التكاثر ►103 العصر ►104 الهمزة ►105 الفيل ►106 قريش ►107 الماعون ►108 الكوثر ►109 الكافرون ►110 النصر ►111 المسد ►112 الإخلاص ►113 الفلق ►114 الناس ►

مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بؤامج نداء الايمان

النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق/مدونة ديوان الطلاق//المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة

الجامع لمؤلفات الشيخ الألباني / / /*الـذاكـر / /القرآن الكريم مع الترجمة / /القرآن الكريم مع التفسير / /القرآن الكريم مع التلاوة / / /الموسوعة الحديثية المصغرة/الموسوعة الفقهية الكبرى //برنامج الأسطوانة الوهمية /برنامج المنتخب فى تفسير القرآن الكريم //برنامج الموسوعة الفقهية الكويتية / /برنامج الموسوعة القرآنية المتخصصة / /برنامج حقائق الإسلام في مواجهة المشككين / /برنامج فتاوى دار الإفتاء في مائة عام ولجنة الفتوى بالأزهر / /برنامج مكتبة السنة / /برنامج موسوعة المفاهيم الإسلامية / /برنامج موسوعة شرح الحديث الشريف فتح البارى لشرح صحيح البخارى وشرح مسلم لعبد الباقى وشرح مالك للإمام اللكنوى / /خلفيات إسلامية رائعة / /مجموع فتاوى ابن تيمية / /مكتبة الإمام ابن الجوزي / /مكتبة الإمام ابن حجر العسقلاني / /مكتبة الإمام ابن حجر الهيتمي / /مكتبة الإمام ابن حزم الأندلسي / /مكتبة الإمام ابن رجب الحنبلي / /مكتبة الإمام ابن كثير / /مكتبة الإمام الذهبي / /مكتبة الإمام السيوطي / /مكتبة الإمام محمد بن علي الشوكاني / /مكتبة الشيخ تقي الدين الهلالي / /مكتبة الشيخ حافظ بن أحمد حكمي / /مكتبة الشيخ حمود التويجري / /مكتبة الشيخ ربيع المدخلي / /مكتبة الشيخ صالح آل الشيخ / /مكتبة الشيخ صالح الفوزان / /مكتبة الشيخ عبد الرحمن السعدي / /مكتبة الشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم / /مكتبة الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان / /مكتبة الشيخ عبد المحسن العباد / /مكتبة الشيخ عطية محمد سالم / /مكتبة الشيخ محمد أمان الجامي /مكتبة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي / /مكتبة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / /مكتبة الشيخ مقبل الوادعي / /موسوعة أصول الفقه / /موسوعة التاريخ الإسلامي / /موسوعة الحديث النبوي الشريف / /موسوعة السيرة النبوية / /موسوعة المؤلفات العلمية لأئمة الدعوة النجدية / موسوعة توحيد رب العبيد / موسوعة رواة الحديث / موسوعة شروح الحديث / /موسوعة علوم الحديث / /موسوعة علوم القرآن / /موسوعة علوم اللغة / /موسوعة مؤلفات الإمام ابن القيم /موسوعة مؤلفات الإمام ابن تيمية /

الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

اسلوب (كم) و(كأين) و(كذا)

..

 

من موقع -- دليل معهد آفاق التيسير..

 
   
  (كم) و(كأين) و(كذا)  
 
كمْ وكَأَيِّنْ وكَذَا
مَيِّزْ في الاستفهامِ كمْ بِمِثْلِ ما = مَيَّزْتَ عِشرينَ كَكَمْ شَخْصًا سَمَا
وأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا = إنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا
واستَعْمِلَنْهَا مُخْبِرا كعَشَرَةْ= أَوْ مائةٍ كَكَمْ رِجالٍ أوْ مَرَةْ
كَكَمْ كأيِّنْ وكَذَا ويَنْتَصِبْ = تَمييزُ ذَيْنِ أوْ بهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ
 
اااااااااااااااااااااااااااااااا
 
   شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)
كَمْ وَكَأَيٍّ وَكَذَا
مَيِّزْ فِي الِاسْتِفْهَامِ "كَمْ" بِمِثْلِ مَا = مَيَّزْتَ عِشْرِينَ، كَكَمْ شَخْصًا سَمَا([1])
وَأَجِزْ انْ تَجُرَّهُ "مِنْ" مُضْمَرَا = إِنْ وَلِيَتْ "كَمْ" حَرْفَ جٍّر مُظْهَرَا([2])
" كَمْ " اسمٌ والدليلُ على ذلك دخولِ حروفِ الجرِّ عليها، ومنه قولهم: "على كمْ جِذْعٍ سَقَفْتَ بيتَك" وهي اسمٌ لعددٍ مبهُمٍ، ولا بدَّ لها مِنْ تمييزٍ نحو: "كمْ رجلاً عندك"؟ وقد يُحْذَفُ للدَّلالةِ عليه نحو: "كمْ صمْتَ؟" أي: كم يومًا صمْتَ.
وتكونُ استفهاميَّةً، وخبريَّةً؛ فالخبريَّةُ سيذكُرُهَا، والاستفهاميَّةُ يكونُ مُمَيِّزُها كَمُمَيِّزِ "عشرين" وأخواتِه، فيكُونُ مفردًا منصوبًا نحو: "كم دِرْهْمًا قبضْتَ؟" ويجُوزُ جرُّهُ بـ"مَنْ" مُضْمَرَةٍ إن وَلِيَتْ "كَمْ" حرفَ جرٍّ: نحو: "بِكَمْ درهمٍ اشتريْتَ هذا؟" أي: بكمْ مِنْ درهمٍ فإنْ لمْ يدخُلْ عليها حرفُ جرٍّ وجبَ نصبُه.
واسْتعَمِلَنْهَا مُخْبِرًا كَعَشَرَهْ = أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ([3])
كَكَمْ كَأَيٍّ، وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ = تَمْيِيزُ ذَيْنِ أَوْ بِهِ صِلْ "مَنْ" تُصِبْ([4])
تُستعملُ "كَمْ" للتكثيرِ، فتمَيَّزُ بجمعٍ مجرورٍ كعشرةٍ أو بمفردٍ مجرورٍ كمائةٍ نحو: "كَمْ غِلْمَانَ مَلَكْتَ، وكَمْ درهمٍ أَنْفَقْتَ" والمعنى: كثيرًا مِنَ الغلمانِ ملكْتُ، وكثيرٌا مِنَ الدراهمِ أنفقتُ.
ومِثْلُ "كم" في الدَّلالةِ على التكثيرِ كذا وكأيٍّ، ومُمَيِّزُهما منصوبٌ أو مجرورٍ بمِنْ - وهو الأكثرُ- نحو قولِه تعالى: {وَكَأَيٍّ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ} و"ملكْتُ كذا درهمًا".
وتُستعملُ "كذا" مفردةً كهذا المثالِ ومركَّبةً نحو: "ملكْتُ كَذَا كَذَا درهمًا" ومعطوفًا عليها مثلها نحو: "ملكْتُ كَذَا وكَذَا درهمًا"([5]).
و"كم" لها صدرُ الكلامِ استفهاميَّةً كانت أو خبريَّةً فلا تقولُ: "ضربْتُ كَمْ رجلاً" و"لا ملكْتُ كَمْ غِلْمَانَ" وكذلك "كَأَيًّ" بخلافِ "كذا" نحو: "ملكْتُ كَذَا درهمًا".
([1])(ميز) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (في الاستفهام) جار ومجرور متعلق بميز (كم) قصد لفظه: مفعول به لميز (بمثل) جار ومجرور متعلق بميز، ومثل مضاف و(ما) اسم موصول: مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر (ميزت) فعل وفاعل (عشرين) مفعول به لميزت، والجملة من الفعل الذي هو ميزت – وفاعله ومفعوله لا محل لها صلة الموصول والعائد ضمير محذوف مجرور بحرف جر مثل الحرف الذي جر المضاف إلى الموصول أي: ميزت به عشرين (ككم) الكاف جارة، ومجرورها قول محذوف، وكم: اسم استفهام مبتدأ (شخصا) تمييز لكم (سما) فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كم الواقعة مبتدأ والجملة من سما وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول للقول المحذوف.
([2])(وأجز) الواو عاطفة أو للاستئناف، أجز: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (أن) مصدرية (تجره) تجر: فعل مضارع منصوب بأن، والهاء مفعول به لتجر (من) قصد لفظه: فاعل تجر، و(أن) المصدرية وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به لأجز (مضمرا) حال من (من) (إن) شرطية (وليت) ولي: فعل ماض، والتاء للتأنيث (كم) قصد لفظه: فاعل وليت (حرف) مفعول به لوليت، وحرف مضاف و(جر) مضاف إليه (مظهرا) نعت لحرف جر، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.
([3])(واستعملنها) الواو عاطفة أو للاستئناف واستعمل: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وها: مفعول به لاستعمل (مخبرا) حال من فاعل استعمل (كعشرة) جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا، أي: واستعملنها استعمالا كائنا كاستعمال عشرة (أو) حرف عطف (مائة) معطوف على عشرة (ككم) الكاف جارة لقول محذوف، وكم: خبرية بمعنى كثير مبتدأ خبره محذوف والتقدير: كثير عندي مثلا ويجوز أن يكون كم مفعولا به لفعل محذوف، وتقديره: رأيت كثيرا أو نحو: ذلك وكم مضاف و(رجال) مضاف إليه (أو) حرف عطف (مره) معطوف على رجال.
([4])(ككم) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم (كأي) مبتدأ مؤخر (وكذا) معطوف على كأي (وينتصب) الواو عاطفة، ينتصب: فعل مضارع (تمييز) فاعل ينتصب وتمييز مضاف و(ذين) مضاف إليه (أو) عاطفة (به) جار ومجرور متعلق بقوله (صل) الآتي (صل) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (من) قصد لفظه: مفعول به لصل (تصب) فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر الذي هو قوله صل وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
([5])يجعل الفقهاء في الإقرارات كذا المركبة نحو: "له علي كذا كذا قرشا" مكنيا بها عن أحد عشر – إلى تسعة عشر، والمعطوف عليها مثلها نحو: "له عندى كذا وكذا دينارا" مكنيا بها عن واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين وهو كلام حسن.
 
 
هذا بابُ كِنَايَاتِ العددِ
وهي ثلاثةٌ: كَمْ وكَأَيٍّ وكَذَا.
أمَّا (كَمْ) فتَنْقَسِمُ إلى: استفهاميَّةٍ بمعنى أيِّ عَدَدٍ، وخَبَرِيَّةٍ بمعنى كَثِيرٍ([1]).
ويشتركانِ في خَمْسَةِ أُمُورٍ([2]):
كَوْنُهُما كِنَايَتَيْنِ عن عددٍ مجهولِ الجنسِ والمِقدارِ، وكَوْنُهُما مَبْنِيَّيْنِ، وكَوْنُ البِنَاءِ على السكونِ، ولزومُ التصديرِ، والاحتياجُ إلى التمييزِ.
ويَفْتَرِقَانِ أيضاً في خمسةِ أمورٍ أيضاً([3]):
أَحَدُها: أنَّ (كَم) الاستفهاميَّةَ تُمَيَّزُ بمنصوبٍ مفردٍ، نحوُ: (كَمْ عَبْداً مَلَكْتَ؟)، ويَجُوزُ جَرُّهُ بمِن مُضْمَرَةً جَوَازاً إنْ جُرَّتْ كَمْ بحَرْفٍ، نحوُ: (بِكَمْ دِرْهَمٍ اشْتَرَيْتَ ثَوْبَكَ؟) وتُمَيَّزُ الخَبَرِيَّةُ بمجرورٍ مُفْرَدٍ أو مجموعٍ، نحوُ: (كَمْ رِجَالٍ جَاؤُوكَ)، و(كم امْرَأَةٍ جَاءَتْكَ)، والإفرادُ أكثرُ وأَبْلَغُ.
والثاني: أنَّ الخَبَرِيَّةَ تَخْتَصُّ بالماضي كرُبَّ، لا يَجُوزُ (كم غِلْمَانٍ سَأَمْلِكُهُم)، كما لا يَجُوزُ (رُبَّ غِلْمَانٍ سَأَمْلِكُهُم)، ويَجُوزُ: (كم عَبْداً سَتَشْتَرِيهِ؟).
والثالِثُ: أنَّ المُتَكَلِّمَ بها لا يَسْتَدْعِي جواباً مِن مُخَاطِبِه.
والرابِعُ: أنه يَتَوَجَّهُ إليه التصديقُ والتكذيبُ.
والخامِسُ: أنَّ المُبْدَلَ مِنها لا يَقْتَرِنُ بهمزةِ الاستفهامِ، تقولُ: (كَمْ رِجَالٍ في الدارِ عِشْرُونَ بل ثلاثونَ)، ويقالُ: (كَمْ مَالُكَ؟ أَعِشْرُونَ أم ثلاثون؟).
تنبيهٌ: يُرْوَى قولُ الفَرَزْدَقِ:
529- كَمْ عَمَّةًٍ ٌ لَكَ يَا جَرِيرُ وخَالَةًٍ ٌ = فَدْعَاءَ ُقدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي([4])بجرِّ (عَمَّةٍ) و(خَالَةٍ) على أنَّ كم خَبَرِيَّةٌ، وبِنَصْبِهِما، فقيلَ: إنَّ تَمِيماً تُجِيزُ نَصْبَ مُمَيِّزَ الخَبَرِيَّةِ مُفْرَداً([5]). وقيلَ: على الاستفهامِ التَّهَكُّمِيِّ. وعليهما فهي مبتدأٌ، و(قد حَلَبَتْ) خبرٌ، والتاءُ للجماعةِ؛ لأنَّهما عَمَّاتٍ وخالاتٍ، وبِرَفْعِهِما على الابتداءِ، و(حَلَبَتْ) خبرٌ للعَمَّةِ أو الخالةِ، وخبرُ الأُخْرَى محذوفٌ، وإلاَّ لقِيلَ: (قد حَلَبَتَا)، والتاءُ في (حَلَبَتْ) للواحدةِ؛ لأنَّهما عَمَّةٌ وخَالَةٌ واحدةٌ، و(كم) نَصْبٌ على المصدريَّةِ أو الظرفيَّةِ؛ أي: كم حَلْبَةً أو وَقْتاً.
وأمَّا (كَأَيٍّ) فبمنزلةِ (كَمِ)([6]) الخبريَّةِ في إفادةِ التكثيرِ، وفي لُزُومِ التصديرِ، وفي انْجِرَارِ التمييزِ، إلاَّ أنَّ جَرَّهُ بِمِن ظَاهِرَةً، لا بالإضافةِ؛ قالَ اللهُ تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا}([7])، وقد يُنْصَبُ؛ كقولِه:
530- اطْرُدِ الْيَأْسَ بِالرَّجَا فَكَأيٍّ = آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بعدَ عُسْرِ([8])وأمَّا (كذا)([9]) فيُكَنَّى به عن العددِ القليلِ والكثيرِ، ويَجِبُ في تَمْيِيزِهَا النصبُ، وليسَ لها الصدرُ؛ فلذلك تقولُ: (قَبَضْتُ كذا وكذا دِرْهَماً).
([1]) يَسْتَعْمِلُ (كم) الاستفهاميَّةَ مَن يَسْأَلُ عن كَمِّيَّةِ الشيءِ، ويَسْتَعْمِلُ (كم) الخبريَّةَ مَن يُرِيدُ الافتخارَ والتكثيرَ، ولا تَسْتَدْعِي الخبريَّةُ جواباً.
([2]) تَبَيَّنَ لنا أنَّ مجموعَ ما يَتَّفِقُ فيه النوعانِ تِسْعَةُ أمورٍ:
الأوَّلُ: أنَّ كُلاًّ منهما اسمٌ؛ بدليلِ إضافَتِهما ودُخُولِ حرفِ الجرِّ عليهما، فأنتَ تقولُ: بِكَمْ دِرْهَمٍ اشْتَرَيْتَ هذا الكتابَ، وتقولُ: غلامُ كَمْ رَجُلٍ قَهَرْتَ.
الثاني: أَنَّهُما مَبْنِيَّانِ؛ لِشَبَهِهِمَا للحرفِ في الوَضْعِ على حرفيْنِ، أو في المعنَى، فالاستفهاميَّةُ تُشْبِهُ هَمْزَةَ الاستفهامِ في المعنَى، والخبريَّةُ تُشْبِهُ رُبَّ في الدَّلالةِ على التكثيرِ.
الثالِثُ: أنَّ بِنَاءَهُما على السكونِ، وهذا واضِحٌ.
الرابِعُ: أنَّ كُلاًّ مِنهما مُحْتَاجٌ إلى التمييزِ؛ لِكَوْنِهِمَا يَدُلاَّنِ على عَدَدٍ مُبْهَمِ الجِنْسِ والمِقْدَارِ، وإنما يَزُولُ إبهامُ الجِنْسِ بالتمييزِ، تقولُ في الاستفهامِ: (كم رَجُلاً أَعَانَكَ؟) وفي الإخبارِ: (كم رِجَالٍ أَعَانُوكَ)، أو: (كم رَجُلٍ أَعَانَكَ)، فلا يَظْهَرُ الجنسُ إلا بذِكْرِ التمييزِ.
الخامِسُ: أنه يَجُوزُ معَ كُلٍّ مِنهما حذفُ التمييزِ إنْ دَلَّ عليه دليلٌ، نحوُ: (كَمْ صُمْتَ) ومَنَعَ قومٌ مِن النحاةِ حَذْفَ تمييزِ كمِ الخبريَّةِ.
السادِسُ: أنَّ تَمْيِيزَ كُلٍّ مِنهما لا يكونُ منفيًّا، فلا تقولُ: (كم لا رَجُلاً جَاءَكَ) نَصَّ عليه سِيبَوَيْهِ.
السابِعُ: أنَّ كُلاًّ مِنهما بَسِيطٌ غيرُ مُرَكَّبٍ على الراجِحِ، وذَهَبَ الفَرَّاءُ إلى أنَّ (كم) مُرَكَّبَةٌ، وانْظُرْ ص246.
الثامِنُ: أنَّ كُلاًّ مِنهما يَجِبُ تَصْدِيرُه، فلا يجوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ على إِحْدَاهما العاملُ فيها إلاَّ أنْ يكونَ حرفَ جرٍّ أو مضافاً.
التاسِعُ: أنَّ كُلاًّ مِنهما يَقَعُ في مواقعِ الإعرابِ التي يَقَعُ فيها الآخَرُ.
فيكونُ كُلٌّ مِنهما مجرورَ المَحَلِّ إنْ دَخَلَ عليه حرفُ جرٍّ، نحوُ: (بكم اشْتَرَيْتَ؟)، =أو مضافٌ، نحوُ: (غلامَ كم رَجُلٍ عِنْدَكَ؟)
وكلٌّ مِنهما يكونُ في مَحَلِّ نَصْبٍ إنْ لم يَتَقَدَّمْهُ حرفُ جرٍّ أو مضافٌ، وكانَ كنايةً عن مصدرٍ أو ظرفٍ، فإنْ كانَ كنايةً عن مصدرٍ فهو مفعولٌ مطلقٌ، وإن كانَ كنايةً عن ظرفٍ فهو مفعولٌ فيه، فالأوَّلُ نحوُ: (كَمْ حَلْبَةً حَلَبْتَ؟)، والثاني نحوُ: (كَمْ يَوْماً صُمْتَ؟).
وكلٌّ مِنهما إذَا وَلِيَهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ لم يَسْتَوْفِ مَفْعُولَه، فهو في مَحَلِّ نصبٍ مفعولٌ به، نحوُ: (كم رَجُلٍ ضَرَبْتَ)، وإلاَّ فهو في مَحَلِّ رفعٍ مبتدأٌ، وذلك يَشْمَلُ خمسَ صُوَرٍ:
الصورةُ الأولى: ألاَّ يَقَعَ بعدَهما فِعْلٌ أَصْلاً، نحوُ قولِكَ: (كم رَجُلٍ في دَارِكَ)، ونحوُ: (كم كِتَابٍ عِنْدَكَ).
الصورةُ الثانيةُ: أنْ يَقَعَ بعدَهما فعلٌ لازمٌ، نحوُ قَوْلِكَ: (كم رَجُلٍ قامَ) ونحوُ قولِكَ: (كمْ كتابٍ دَخَلَ في مِلْكِكَ).
الصورةُ الثالثةُ: أنْ يَقَعَ بعدَهما فعلٌ مُتَعَدٍّ رَافِعٌ لضميرِ (كم)، نحوُ قَوْلِكَ: (كم رَجُلٍ ضَرَبَ عَمْراً)، ونحوُ قولِكَ: (كم صَدِيقٍ أَعَانَكَ في هذا الأمرِ).
الصورةُ الرابعةُ: أنْ يَقَعَ بعدَهما فعلٌ مُتَعَدٍّ رَافِعٌ لاسمٍ ظاهرٍ مضافٍ إلى ضميرِ (كم)، نحوُ قَوْلِكَ: (كم رَجُلٍ ضَرَبَ أَخُوه بَكْراً)، ونحوُ قولِكَ: (كم رَجُلٍ أَعَانَكَ أَخُوهُ).
الصورةُ الخامسةُ: أنْ يَقَعَ بعدَ كلٍّ مِنهما فعلٌ مُتَعَدٍّ رافعٌ لأجنبيٍّ وقد اسْتَوْفَى مَفْعُولَه، نحوُ قَوْلِكَ: (كم رَجُلٍ ضَرَبَ زيدٌ عَمْراً أَمَامَه)، ونحوُ قولِكَ: (كم رَجُلٍ باعَ عَمْرٌو دَارَهُ بِشَهَادَتِهِ).
ويَجِبُ في الصورةِ الخامسةِ أنْ يكونَ المفعولُ الذي نَصَبَه الفعلُ غيرَ ضميرِ (كم)، فإنْ كانَ المفعولُ الذي نَصَبَه الفعلُ ضميراً يعودُ إلى كم – نحوُ قولِكَ: (كم رَجُلٍ ضَرَبْتَه) وقولِكَ: (كم كِتَابٍ قَرَأْتَهُ) – كانَ المثالُ من بابِ الاشتغالِ، وجازَ إعرابُ (كم) مبتدأً خَبَرُه الجملةُ التي بعدَه، وجازَ إعرابُ (كمْ) مفعولاً به لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ بعدَه.
فتَلَخَّصَ مِن هذا الكلامِ أنَّ (كم) تكونُ في مَحَلِّ جرٍّ أَلْبَتَّةَ في صورتيْنِ: أنْ يَدْخُلَ عليها حرفُ جرٍّ، أو مُضافٌ، وأنها تكونُ في مَحَلِّ نصبٍ في ثلاثِ صُوَرٍ: أنْ تكونَ كنايةً عن مصدرٍ، وأنْ تكونَ كنايةً عن ظرفٍ، وأنْ يَقَعَ بعدَها فعلٌ مُتَعَدٍّ ولم يَسْتَوْفِ مَفْعُولَه، وأنها تكونُ في مَحَلِّ رفعٍ مبتدأٌ في خمسِ صُوَرٍ: أنْ يَقَعَ فعلٌ لازِمٌ أو فِعْلٌ مُتَعَدٍّ رَافِعٌ لِضَمِيرِها، أو مُتَعَدٍّ رَافِعٌ لِسَبَبِها، أو رافعٌ لأجنبيٍّ، وقد اسْتَوْفَى مفعولَه، وهو غيرُ ضَمِيرِها، أو لا يَقَعُ بعدَها فعلٌ أَصْلاً، وأنها تكونُ مُحْتَمِلَةً للرفعِ على الابتداءِ وللنصبِ على المفعوليَّةِ في صورةٍ وَاحِدَةٍ، وهي أنْ يَلِيَهَا فعلٌ مُتَعَدٍّ اسْتَوْفَى مفعولَه، وهو ضميرٌ عائدٌ إلى كم، فهذه إِحْدَى عَشْرَةَ صُورَةً، وقد عَرَفْتَهَا في بيانٍ واضحٍ وتفصيلٍ حاصِرٍ، فكُنْ منها على ثَبَتٍ، واللهُ يَهْدِيكَ ويُوَفِّقُكَ.
([3]) تَبَيَّنَ لنا أنَّ الفرقَ بينَ كم الاستفهاميَّةِ وكم الخبريَّةِ من ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ تَمْيِيزَ الاستفهاميَّةِ لا يكونُ إلاَّ مُفْرَداً، نحوُ قولِكَ: (كم كِتاباً قَرَأْتَ؟) هذا مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ، وفي هذا مذهبانِ آخرانِ: أَحَدُهما: مَذْهَبُ جُمْهُورِ الكُوفِيِّينَ، وحاصِلُه أنه يجوزُ أنْ يَقَعَ تمييزُ الاستفهاميَّةِ جَمْعاً مُطْلَقاً، نحوُ قولِكَ: (كم شُهُوداً لَكَ؟)، والثاني مَذْهَبُ الأخفشِ، وحاصلُه أنه يجوزُ أنْ يُؤْتَى بالتمييزِ جَمْعاً إنْ كانَ السؤالُ عن الجماعاتِ، نحوُ قَوْلِكَ: (كم غِلْمَاناً لَكَ) إنْ كُنْتَ تُرِيدُ السؤالَ عن أَصْنَافِ الغِلْمَانِ.
والبَصْرِيُّونَ =الذي يُوجِبُونَ إفرادَ تَمْيِيزِ كم الاستفهاميَّةِ يقولونَ: ما أَوْهَمَ مَجِيءَ تَمْيِيزِ الاستفهاميَّةِ جمعاً فإنَّ هذا الجمعَ يُجْعَلُ حالاً، ويكونُ التمييزُ مُفْرَداً محذوفاً.
أما تَمْيِيزُ كم الخبريَّةِ فقد يكونُ مُفْرداً، نحوُ قَوْلِكَ: (كم رَجُلٍ زَارَكَ) وقد يكونُ مجموعاً، نحوُ قولِكَ: (كم رِجَالٍ زَارُوكَ) بغيرِ خِلافٍ، والإفرادُ أكثرُ في الاستعمالِ، وأَبْلَغُ في المعنى، والمفردُ هنا ما كانَ لَفْظُه مفرداً، فهو يَشْمَلُ ما يُؤَدِّي معنى الجمعِ؛ كقومٍ ورَهْطٍ.
الوَجْهُ الثاني: أنَّ تَمْيِيزَ كَم الاستفهاميَّةِ الأصلُ فيه أنْ يكونَ منصوباً، نحوُ قَوْلِكَ: (كم قِرشاً ثَمَنُ هذا الكتابِ؟) وقد أَوْجَبَ ذلك جماعةٌ مِن النُّحاةِ، فلم يُجِيزُوا جَرَّهُ مُطْلَقاً، وفي هذا مَذهبانِ آخرانِ: أَحَدُهما: أنه يَجُوزُ جرُّ تَمْيِيزِ كم الاستفهاميَّةِ مُطْلَقاً، وهذا مَذْهَبُ الفَرَّاءِ والزَّجَّاجِ والفَارِسِيِ، والثاني أنه يجوزُ جرُّ تَمْيِيزِ كم الاستفهاميَّةِ إنْ كانَتْ هي قدْ وَقَعَتْ مجرورةً بحرفٍ، نحوُ قولِكَ: (بكم دِرْهَمٍ اشْتَرَيْتَ ثَوْبَكَ) وجارُّ التمييزِ عندَ الجمهورِ هو مِن مُضْمَرَةً، وزَعَمَ الزَّجَّاجُ أنَّ جَرَّهُ بإضافةِ كم إليه، وليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّ كم الاستفهاميَّةَ بمنزلةِ العددِ المركَّبِ؛ كأَحَدَ عَشَرَ، وهو لا يَعْمَلُ الجرَّ في التمييزِ.
أمَّا تَمْيِيزُ كم الخبريَّةِ فإنَّ الأصلَ فيه أنْ يكونَ مجروراً، وجَرُّهُ بإضافةِ كم إليه عندَ الجمهورِ، ووَجْهُهُ أنَّ كم الخبريَّةَ أَشْبَهَتِ العَشَرَةَ؛ فكانَ تَمْيِيزُها جمعاً مجروراً، وأَشْبَهَتِ المائةَ؛ فكانَ تَمْيِيزُها مُفرداً مجروراً، ولَمَّا كانَ جَرُّ تمييزِ العَشَرَةِ والمائةِ بالإضافةِ أُعْطِيَتْ كم حُكْمَهما؛ لِشِبْهِها بهما.
وقالَ الفَرَّاءُ: إنَّ جَرَّه بمِن مُضْمَرَةً، ونَسَبَ ذلك إلى الكُوفِيِّينَ، وهذا القولُ عندَنا أَرْجَحُ من قولِ الجمهورِ؛ لأنَّ (مِن) قد ظَهَرَتْ جارَّةً للتمييزِ في أَفْصَحِ كلامٍ، من ذلك قولُ اللهِ تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً}، بل قد يَجِبُ جرُّ التمييزِ بمِن في مَوْضِعٍ سَنَذْكُرُه لكَ فيما بعدُ، فإذا كانَتْ مِن تَظْهَرُ وُجُوباً أو جَوَازاً كانَ الأصحُّ تَقْدِيرَهَا إذا أُضْمِرَتْ.
الوجهُ الثالِثُ: أنَّ كَم الخبريَّةَ تَخْتَصُّ بالزمنِ الماضي، نحوُ قَوْلِكَ: (كم دِينَارٍ أَنْفَقْتَ)، ولا يجوزُ أنْ تقولَ: (كم دِينَارٍ سَأُنْفِقُه)، ووجهُ ذلك أنَّ الخبريَّةَ تَدُلُّ على التكثيرِ، ومن المعلومِ أنَّ التقليلَ والتكثيرَ إنما يُمْكِنُ الحُكْمُ بهما فيما وَقَعَ وعُرِفَ حَدُّهُ، فأما ما لم يَقَعْ فهو مجهولٌ غيرُ معروفِ الحدودِ، فلا يُمْكِنُ تكثيرُه، فأمَّا الاستفهاميَّةُ فلا تَخْتَصُّ بالماضِي؛ لِعَدَمِ دَلالتِها على التكثيرِ في الراجِحِ، فيجوزُ لكَ أنْ تقولَ: (كم كِتَاباً سَتَشْتَرِيهِ؟) كما تقولُ: (كم كِتاباً اشْتَرَيْتَه؟).
الوجهُ الرابِعُ: أنه يجوزُ الفصلُ بينَ كم الاستفهاميَّةِ وتَمْيِيزِها في السَّعَةِ، نحوُ قَوْلِكَ: (كم في دارِكَ رَجُلاً؟) أما تمييزُ كمِ الخبريَّةِ المجرورِ بإضافتِها إليه فلا يَقَعُ الفصلُ بينَه وبينَها إلاَّ في الضرورةِ؛ لأنَّ الفَصْلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه غيرُ جائزٍ، وهذا مَذْهَبُ جمهورِ البصريِّينَ، وتَعْلِيلُهُم مَبْنِيٌّ على ما ذَهَبُوا إليه مِن أَنَّ جَرَّ تَمْيِيزِ الخبريَّةِ بإضافتِها إليه، وقد ذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى جوازِ الفصلِ بينَ كم الخبريَّةِ وتَمْيِيزِها بناءً على رَأْيِهِم مِن أنَّ جَرَّهُ بِمِن مُضْمَرَةً، وقد اسْتَدَلُّوا لِمَا ذَهَبُوا إليه بقولِ الشاعِرِ:
كم دُونَ مَيَّةَ مَوْمَاةٍ يُهَالُ لَهَا = إِذَا تَيَمَّمَهَا الخِرِّيتُ ذُو الْجَلَدِوقولِ الآخَرِ:
كم بِجُودٍ مُقْرِفٍ نَالَ الْعُلاَ = وكَرِيمٍ بُخْلُهُ قَدْ وَضَعَهْوقولِ الآخَرِ:
كَمْ فِي بَنِي بَكْرِ بنِ سَعْدٍ سَيِّدٍ = ضَخْمِ الدَّسِيعَةِ مَاجِدٍ نَفَّاعِوالبَصْرِيُّونَ يَحْمِلُونَ أكثرَ ذلكَ على الضرورةِ، ويقولونَ: إنَّ الفاصلَ بينَ كمِ الخبريَّةِ وتَمْيِيزِها إمَّا أنْ يكونَ جملةً تامَّةً، وإمَّا أنْ يكونَ ظَرْفاً فقطْ، وإمَّا أنْ يكونَ جَارًّا ومجروراً فقطْ، وإمَّا أنْ يكونَ ظَرفاً وجارًّا ومجروراً معاً، فإنْ كانَ الفاصلُ جملةً أو كانَ ظرفاً وجارًّا ومجروراً معاً فالفصلُ شاذٌّ، ويَجِبُ نصبُ التمييزِ، وإنْ كانَ الفاصلُ ظرفاً فقطْ أو جارًّا ومجروراً فَقَطْ يَتَرَجَّحُ التمييزُ، وشَذَّ مَجِيئُهُ مَجْرُوراً والفاصلُ ظَرْفٌ، كما في البيتِ الأوَّلِ من الأبياتِ التي أَنْشَدْنَاهَا في الاستدلالِ لمَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ، كما شَذَّ مَجِيئُه مجروراً والفاصلُ جارٌّ ومجرورٌ كما في البيتيْنِ الثانِي والثالِثِ، ومن الفصلِ بالجملةِ معَ نصبِ التمييزِ قولُ القُطَامِيِّ:
كم نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْلاً عَلَى عَدَمٍ = إِذْ لاَ أَكَادُ مِنَ الإقتارِ أَحْتَمِلُومن الفصلِ بالظرفِ والجارِّ والمجرورِ معاً معَ نَصْبِ التمييزِ قولُ الشاعرِ:
تَؤُمُّ سِناناً وَكَمْ دُونَهُ = مِنَ الأَرْضِ مُحْدَوْدِباً غَارُهَافإنْ كانَ الفاصِلُ فِعْلاً مُتَعَدِّياً لم يَسْتَوْفِ ما يَسْتَحِقُّه من المفاعيلِ لم يَجُزْ جَرُّهُ؛ لِمَا سَبَقَ، ولم يَجُزْ نَصْبُه؛ لئلاَّ يُتَوَهَّمَ أنه مفعولٌ لذلك الفعلِ الفاصِلِ، بل يَجِبُ جَرُّهُ بِمِن – وهذا هو المَوْضِعُ الذي أَشَرْنَا إليه فيما مَضَى مِن كلامِنا، (أَوَّلَ صَفْحَةِ 240) – وفي هذا المَوْضِعُ تَشْتَرِكُ كم الاستفهاميَّةُ والخبريَّةُ في الحُكْمِ، فمثالُ الخبريَّةِ قولُه تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، وقولُه سُبْحَانَهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ}، ومثالُ الاستفهاميَّةِ قولُه تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ}.
ومن هذا الكلامِ يَتَّضِحُ لكَ أنَّ لتمييزِ كم الاستفهاميَّةِ حالتيْنِ: إحداهما: يَجِبُ فيها نَصْبُه، والثانيةُ: يَجِبُ فيها جَرُّهُ بمِن الظاهرةِ، وأنَّ لِتَمْيِيزِ كم الخَبَرِيَّةِ ثلاثُ حالاتٍ: إِحْدَاهُنَّ: يَتَعَيَّنُ فيها جَرُّه إمَّا بالإضافةِ، كما هو رأيُ البَصْرِيِّينَ، وإمَّا بمِن مُضْمَرَةً وُجُوباً كما هو رَأْيُ الكُوفِيِّينَ، وذلك فيما إذا اتَّصَلَ بها التمييزُ، وثانِيَتْهُنَّ: يكونُ فيها منصوباً؛ إما وُجُوباً وإما راجحاً، وذلك عندَ الفصلِ بينَ كمْ وبينَه، والثالثةُ: يكونُ فيها واجِبَ الجرِّ بمِن ظاهرةً.
الوجهُ الخامِسُ: أنَّ المُتَكَلِّمَ بكم الخبريَّةِ لا يَسْتَدْعي جَوَاباً مِن مُخَاطِبِه؛ لأنَّه مُخْبَرٌ، أمَّا المُتَكَلِّمُ بكم الاستفهاميَّةِ فإنَّه يَسْتَدْعِي جواباً مِمَّن يُخَاطِبُه؛ لأنَّه مُسْتَخْبِرٌ، ثمَّ الأجودُ في جوابِ الاستفهاميَّةِ أنْ يَجِيءَ على حَسَبِ مَوْضِعِها هي من الإعرابِ، فيكونَ مرفوعاً إنْ كانَ مَوْضِعُها رَفْعاً، نحوُ أنْ يُقالَ لكَ: (كم مَالُكَ؟) فتقولَ: (ثلاثونَ دِيناراً)، ويكونُ الجوابُ منصوباً إنْ كانَ مَوْضِعُ كم نَصباً، نحوُ أنْ يقالَ لكَ: (كم أَنْفَقْتَ؟) فتقولَ: (ثلاثينَ دِيناراً)، ويكونُ الجوابُ مجروراً إنْ كانَ مَوْضِعُ كمْ جَرًّا؛ كأنْ يُقالَ لكَ: (بكم اشْتَرَيْتَ هذا الثوبَ؟) فتقولَ: (بثلاثينَ ديناراً)، ويجوزُ أنْ يُؤْتَى بالجوابِ مرفوعاً في جميعِ الأحوالِ.
الوجهُ السادِسُ: وهو مُتَرَتِّبٌ على الوجهِ الخامِسِ – أنَّ المُتَكَلِّمَ بكم الخبريَّةِ يَتَوَجَّهُ إليه التصديقُ أو التكذيبُ؛ لأنَّه مُخْبَرٌ، فإنْ طابَقَ خَبَرُه الواقِعَ قيلَ له: صَدَقْتَ، وإنْ لم يُطَابِقْ خَبَرُه الواقِعَ قِيلَ له: كَذَبْتَ.
الوَجْهُ السابِعُ: أنَّ كم الخَبَرِيَّةَ تَدُلُّ على التكثيرِ اتِّفَاقاً، فأمَّا الاستفهاميَّةُ فالجمهورُ على أنها لا تَدُلُّ على التكثيرِ، وزَعَمَ ابنُ طَاهِرٍ وتلميذُه ابنُ خَرُوفٍ أنها تَدُلُّ عليه.
الوجهُ الثامِنُ: أنَّ الاسمَ المُبْدَلَ من كم الخبريَّةِ لا يَقْتَرِنُ بهمزةِ الاستفهامِ، تقولُ: (كم كتابٍ عِنْدِي، ثلاثونَ بل أَرْبَعُونَ) أما الاسمُ المبدَلُ مِن كم الاستفهاميَّةِ فيَقْتَرِنُ بهمزةِ الاستفهامِ، فتقولُ: (كم كتاباً عِنْدَكَ، أثلاثونَ أم أربعونَ؟) وهذا ظاهرُ العِلَّةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
([4]) 529-هذا بيتٌ مِن الكامِلِ، وهو كما قالَ المؤلِّفُ للفَرَزْدَقِ هَمَّامِ بنِ غَالِبٍ، من كَلِمَةٍ له يَهْجُو فيها جَرِيرَ بنَ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ، وكانَ الهِجَاءُ بينَهما مُسْتَدِيماً.
اللغةُ: (فَدْعَاءَ) هي الأُنْثَى مِن الفَدَعِ – بفتحِ الفاءِ والدالِ جميعاً – وهي التي اعْوَجَّتْ أَصَابِعُها من كثرةِ الحَلْبِ، ويقالُ: الفَدْعَاءُ هي التي أصابَ رِجْلَها الفَدَعُ؛ مِن كثرةِ مَشْيِها وَرَاءَ الإِبِلِ، والفَدَعُ: اعْوِجَاجٌ في المفاصِلِ كأنها قد زَالَتْ عن أماكنِها، أو هو زَيْغٌ في القَدَمِ بينَها وبينَ الساقِ، (عِشَارِي) العِشَارُ – بكسرِ العيْنِ – جَمْعُ عُشَرَاءَ – بضمٍّ ففتحٍ – وهي الناقةُ التي أَتَى عليها مِن وَضْعِها عَشَرَةُ أَشْهُرٍ.
الإعرابُ: تُرْوَى (عَمَّةٌٍ ً) و(خَالَةٌٍ ً) مرفوعيْنِ ومجروريْنِ ومنصوبيْنِ؛ فإنْ رَوَيْتَهُمَا مرفوعيْنِ فكم يَجُوزُ أنْ تكونَ خَبَرِيَّةً، ويَجُوزُ أنْ تكونَ استفهاميَّةً تَهَكُّمِيَّةً، وهي على كلِّ حالٍ إما مفعولٌ مُطْلَقٌ عامِلُه قولُه: حَلَبَتِ الآتي، وإمَّا ظَرْفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: حَلَبَتِ الآتي أيضاً، فهي مَبْنِيَّةٌ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، وتَمْيِيزُهَا محذوفٌ، وهذا التمييزُ المحذوفُ يُقَدَّرُ مجروراً إنْ قَدَّرْتَ كم خَبَرِيَّةً، ويُقَدَّرُ منصوباً إنْ قَدَّرْتَ كم استفهاميَّةً، وعلى كلِّ حالٍ يُقَدَّرُ من ألفاظِ الزمانِ إنْ جَعَلْتَ كم ظرفَ زمانٍ، ويُقَدَّرُ من ألفاظِ المصادرِ إنْ جَعَلْتَ كم مفعولاً مطلقاً، وعلى هذه الوجوهِ في كم تكونُ (عَمَّةٌ) مبتدأً، و(لك) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صفةٌ لِعَمَّةٌ، ولها صِفَةٌ أُخْرَى مُمَاثِلَةٌ لصفةِ خالةٌ المذكورةِ معَها، وتَقْدِيرُهُا فَدْعَاءُ، (يا) حرفُ نِداءٍ، (جَرِيرُ) مُنَادًى مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، (وخَالَةٌ) معطوفٌ على عمَّةٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ (فَدْعَاءُ) صفةٌ لِخَالَةٌ، ولها صفةٌ أُخْرَى مماثلةٌ لِصِفَةِ عَمَّةٌ المذكورةِ معَها، وتقديرُ الكلامِ: كم عَمَّةٌ لَكَ فَدْعَاءُ وخالةٌ لَكَ فَدْعَاءُ، فحَذَفَ مِن كلِّ واحدٍ مِثْلَ ما أَثْبَتَ في الآخَرِ، وهذا نوعٌ مِن البديعِ يُسَمَّى الاحتباكَ، (قد) حرفُ تحقيقٍ، (حَلَبَتْ) حَلَبَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي، (عَلَيَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بحَلَبَ، (عِشَارِي) عِشَارِ: مفعولٌ به لِحَلَبَ، وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، فإنْ نَصَبْتَ عَمَّةً وخالةً كانَتْ (كَم) استفهاميَّةً مبتدأً، و(عَمَّةً) تمييزاً لها، و(خالةً) معطوفاً على عَمَّةً، وإنْ جَرَرْتَ (عَمَّةٍ) و(خالةٍ) كانَتْ كم خبريَّةً مبتدأً، و(عَمَّةٍ) تمييزاً لها، و(خالةٍ) معطوفاً على عَمَّةٍ، وعلى كلِّ حالٍ فإنَّ جملةَ: (قد حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي) في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، سواءٌ أكانَ المبتدأُ هو كم نَفْسَها أم كانَ (عَمَّةٌ).
الشاهدُ فيه: قد ذَكَرَ المؤلِّفُ أنَّ البيتَ يُرْوَى في كَلِمَةِ (عَمَّة) و(خَالَة) على ثلاثةِ أَوْجُهٍ: الرفعِ، والجرِّ، والنصبِ، وذَكَرَ تخريجَ كلِّ وجهٍ مِنها، وقد أَوْضَحْنَا ذلك كلَّه في الإعرابِ.
ومِمَّا يُرْوَى بالأَوْجُهِ الثلاثةِ قولُ القُطَامِيِّ الذي أَنْشَدْنَاهُ مِن قبلُ (ص 242):
كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْلاً عَلَى عَدَمٍ = إذْ لا أَكَادُ مِنَ الإِقْتَارِ أَحْتَمِلُروَاهُ البَصْرِيُّونَ بنصبِ (فَضْلاً)؛ بِناءً على ما قَرَّرُوه من أنه إذا فُصِلَ بينَ كمِ الخبريَّةِ ومُمَيِّزِها نُصِبَ التمييزُ إنْ لم يُجَرَّ بمِن؛ لأنَّ جرَّ التمييزِ عندَهم بإضافةِ كم إليه، ولم يَجُزْ أحدٌ مِن النحاةِ الفصلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بجملةٍ؛ وعلى هذا يكونُ فاعلُ نالَ ضميراً مستتراً يعودُ إلى مصدرِ الفعلِ.
ورَوَاهُ الكُوفِيُّونَ بجرِّ (فَضْلٍ) على أنه تَمْيِيزُ كم الخبريَّةِ، والفصلُ عندَهم لا يُغَيِّرُ الحُكْمَ؛ بِناءً على أنَّ جَرَّ التمييزِ بمِن مُضْمَرَةً؛ لأنَّ (مِن) ظَهَرَتْ جَارَّةً للتمييزِ معَ الفصلِ، نحوُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} ومِن غيرِ فَصْلٍ، نحوُ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاِت لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً}.
ورَوَاهُ قومٌ برفعِ (فَضْلٌ) على أنه فاعلُ نَالَنِي.
([5]) قالَ الرَّضِيُّ: (وبعضُ العربِ يَنْصِبُ مُمَيِّزَ كم الخَبَرِيَّةِ مفرداً كانَ أو جمعاً بلا فصلٍ أيضاً؛ اعتماداً في التمييزِ بينَها وبينَ الاستفهاميَّةِ على قرينةِ الحالِ). اهـ. فيجوزُ على هذا أنْ يكونَ (عَمَّةً) منصوباً معَ أنَّ كم خبريَّةٌ.
وهذه اللغةُ التي حَكَاها الرَّضِيُّ صَرَاحَةً، وأَوْمَأَ إليها المؤلِّفُ ههنا - هي التي اعْتَمَدَها الذين أَجَازُوا في تمييزِ كم الخَبَرِيَّةِ النصبَ؛ أي: فجَرُّهُ عندَهم على لغةِ أَكْثَرِ العربِ، ونَصْبُه على لُغَةِ قومٍ مِنهم.
([6]) يقالُ: (كَأَيٍّ) بفتحِ الكافِ والهمزةِ وتشديدِ الياءِ مُنَوَّنَةً مكسورةً، ويقالُ: (كَائِنْ) بألفٍ بعدَ الكافِ، ثمَّ همزةٍ مكسورةٍ، ثمَّ نونٍ ساكنةٍ.
وقد جَعَلَ المؤلِّفُ كَأَيٍّ مثلَ كم الخبريَّةِ، وحَمَلَ التشبيهَ الواقِعَ في كلامِ ابنِ مالِكٍ في قَوْلِهِ: (كَكَمْ كَأَيٍّ) على أنَّ المُشَبَّهَ به هو كم الخبريَّةُ، وقَلَّدَهُ الأَشْمُونِيُّ في ذلك، معَ أنَّ مَذْهَبَ ابنِ مالِكٍ أنَّ (كَأَيٍّ) تكونُ خبريَّةً وتكونُ استفهاميَّةً على ما نُبَيِّنُه لكَ فيما بعدُ، في الوجهِ الخامِسِ مِن وُجُوهِ الاتفاقِ بينَ كأيٍّ وكم، وكانَ عليه أنْ يَحْمِلَ كلامَ الرجلِ على مَذْهَبِه هو، لا على ما يَتَرَجَّحُ عندَه، فاعْرِفْ ذلك.
واعْلَمْ أنَّ (كَأَيٍّ) تُوَافِقُ (كم) في خمسةِ أُمُورٍ:
الأوَّلُ: أنَّ كُلاًّ مِنهما اسمٌ مَبْنِيٌّ، أمَّا اسميَّةُ كم فقد مَضَى دَلِيلُها، وأمَّا اسميَّةُ كَأَيٍّ فدَلِيلُها أنَّ هذه الكَلِمَةَ تَقَعُ مبتدأً مُحَدَّثاً عنه، وأنها قد يَدْخُلُ عليها حرفُ الجرِّ، وأما بِنَاؤُها فلأنَّها أَشْبَهَتِ الحرفَ شَبَهاً مَعْنَوِيًّا كالذي قُلْنَاهُ في كم.
الثاني: أنَّ كُلاًّ مِنهما مُبْهَمُ الجِنْسِ والمِقْدَارِ، وأنَّ تَمْيِيزَ كلٍّ مِنهما يُبَيِّنُ جِنْسَه المُبْهَمَ.
الثالِثُ: افْتِقَارُ كلٍّ مِنهما إلى التمييزِ، وهذا مَبْنِيٌّ على الوجهِ الثاني.
الرابِعُ: أنَّ كُلاًّ مِنهما له صَدْرُ الكلامِ، ومعنى هذا أنه لا يجوزُ تقديمُ العاملِ فيه عليه.
الخامِسُ: أنَّ كُلاًّ مِنهما على نوعيْنِ: استفهاميَّةٍ، وخبريَّةٍ بمعنى كثيرٍ، وهذا مَذْهَبُ ابنِ قُتَيْبَةَ وابنِ عُصْفُورٍ وابنِ مالكٍ، وقد اسْتَدَلُّوا له بقولِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ لابنِ مَسْعُودٍ: =(كَأَيٍّ تَقْرَأُ سُورَةَ الأَحْزَابِ آيةً؟) فأَجَابَهُ بقولِهِ: (ثَلاَثاً وَسَبْعِينَ)، وجمهورُ النحاةِ على أنَّ (كَأَيٍّ) نوعٌ واحدٌ، وهو الخبريَّةُ التي بمعنى كثيرٍ، ولا يقولونَ بمجيئِها استفهاميَّةً بمعنى أيِّ عَدَدٍ.
ثم اعْلَمْ أنَّ (كَأَيٍّ) تُخَالِفُ (كم) في خمسةِ أمورٍ أيضاً:
الأوَّلُ: أنَّ الراجِحَ عندَ النُّحَاةِ في كأيٍّ أنها مُرَكَّبَةٌ مِن كافِ التشبيهِ وأيٍّ المنوَّنَةِ، والراجِحُ عندَهم أيضاً أنَّ كم بسيطةٌ، وقد ذَهَبَ أبو حَيَّانَ – تَبَعاً لِقَوْمٍ – إلى أنَّ (كَأَيٍّ) بسيطةٌ غيرُ مُرَكَّبَةٍ، وذَهَبَ الكِسَائِيُّ والفَرَّاءُ إلى أنَّ (كم) مُرَكَّبَةٌ من كافِ التشبيهِ و(ما) الاستفهاميَّةِ، وأنَّ ألِفَ (ما) حُذِفَتْ عندَ التركيبِ كما تُحْذَفُ في نحوِ (بِمَ) و(لِمَ) و(عَمَّ) و(فِيمَ)، ثمَّ سُكِّنَتِ الميمُ للتخفيفِ.
الثاني: أنَّ تمييزَ (كَأَيٍّ) مجيئُه مجروراً بِمِن، وإذا لم يُجَرَّ بمِن كانَ منصوباً، فأمَّا تمييزُ كم فقدْ عَرَفْتَ فيما مَضَى (ص 242) الصُّوَرَ التي يَجِيءُ عليها، وعَرَفْتَ أنَّ الأكثرَ في تَمْيِيزِ كم الخبريَّةِ المُتَّصِلِ بها أنْ يكونَ مجروراً مفرداً أو جَمْعاً، وزَعَمَ ابنُ عُصْفُورٍ أنَّ تمييزَ كَأَيٍّ لا يكونُ إلاَّ مجروراً بِمِن، وهو محجوجٌ بوُرُودِهِ منصوباً في البيتِ رَقْمِ 530 وما أَنْشَدْنَاهُ معَه.
الثالِثُ: أنَّ جمهورَ النحاةِ قد ذَهَبُوا إلى أنَّ (كَأَيٍّ) لا يَدْخُلُ عليها حرفُ الجرِّ، وذَهَبَ ابنُ قُتَيْبَةَ وابنُ عُصْفُورٍ إلى جوازِ جَرِّ كأيٍّ بحرفِ الجرِّ، وأنه يجوزُ لكَ أنْ تقولَ: بِكَأَيٍّ تَبِيعُ هذا الثوبَ؟ أمَّا (كم) فيَدْخُلُ عليها حرفُ الجرِّ عندَ الجميعِ.
الرابِعُ: أنَّ جُمْهُورَ النحاةِ على أنَّ (كَأَيٍّ) نوعٌ واحدٌ، وهو الخَبَرِيَّةُ التي بمعنى كَثِيرٍ، ولا تكونُ استفهاميَّةً، وذَهَبَ ابنُ قُتَيْبَةَ وابنُ عُصْفُورٍ وابنُ مالِكٍ إلى أنها تكون استفهامِيَّةً كما تكونُ خبريَّةً، وقد مَضَى ذِكْرُ ذلكَ في وُجُوهِ الاتفاقِ.
الخامِسُ: أنَّ تَمْيِيزَ (كَأَيٍّ) لم يَجِئْ إلاَّ مفرداً كما في قَوْلِهِ تعالى: {وَكَأَيٍّ مِنْ نَبِيٍّ}، وقولِهِ سُبْحَانَهُ: {وَكَأَيٍّ مِنْ دَابَّةٍ}، وقولِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَأَيٍّ مِنْ آيَةٍ}، وقولِهِ: {وَكَأَيٍّ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ}، وقولِه: {وَكَأَيٍّ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}، وقولِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَأَيٍّ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا}، وقولِهِ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ: {وَكَأَيٍّ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً}.
أمَّا تمييزُ كم الخبريَّةِ فقد جاءَ مُفرداً، مثلُ قولِهِ تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً}، ومثلُ قولِهِ سُبْحَانَهُ: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ}، وجاءَ جَمْعاً، نحوُ قولِ الشاعِرِ:
كَمْ مُلُوكٍ بَادَ مُلْكُهُمُ = وَنَعِيمٍ سُوقَةٍ بَادَاثم اعْلَمْ أنَّ (كَأَيٍّ) تَقَعُ مبتدأً، وهل يَجِبُ أنْ يكونَ خَبَرُها شيئاً مُعَيَّناً أم يجوزُ أنْ يكونَ كلُّ ما يَقَعُ خبراً للمبتدأِ أنْ يكونَ خَبَراً لها؟
قالَ الشيخُ خالدٌ: (ومِنها (أي: من وُجُوهِ الفرقِ بينَ كمْ وكَأَيٍّ) أنَّ خَبَرَها لا يَقَعُ مفرداً)، وتَوَسَّعَ تلميذُه السيُوطِيُّ في المَنْعِ فقالَ: (ولا يُخْبَرُ عنها )أي: عن كَأَيٍّ) إذا وَقَعَتْ مبتدأً إلا بجملةٍ فعليَّةٍ مُصَدَّرَةٍ بماضٍ أو مضارِعٍ، نحوُ: {وَكَأَيٍّ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ}، ونحوُ: {وَكَأَيٍّ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا}). اهـ كلامُه.
لكِنْ بالتأمُّلِ في استعمالاتِ هذه الكَلِمَةِ تَجِدُها وَقَعَتْ مبتدأً خَبَرُه جملةٌ فعليَّةٌ فِعْلُها ماضٍ؛ كالآيةِ الأُولَى في كلامِ السيُوطِيِّ، وتَجِدُها وَقَعَتْ مبتدأً خَبَرُه جملةٌ فعليَّةٌ فِعْلُها مضارِعٌ؛ كما في الآيةِ الثانيةِ مِن كلامِه، وتَجِدُها قد وَقَعَتْ مُبْتَدَأً خبرُه جملةٌ اسميَّةٌ؛ كما في أحدِ احتماليْنِ أَشَرْنَا إليها (ص248) في قَوْلِهِ تعالى: {وَكَأَيٍّ مِنْ دَابَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا} إذا جعَلْتَ جملةَ {اللهُ يَرْزُقُهَا} هي الخبرَ؛ لأنَّها مَحَطُّ الفائدةِ المقصودةِ من الآيةِ الكريمةِ، ونَجِدُها قد وَقَعَتْ مبتدأً خَبَرُه جارٌّ ومجرورٌ؛ كما في قولِ الشاعرِ:
وكَائِنْ لَنَا فَضْلاً عَلَيْكُمْ وَمِنَّةً = قديماً، ولاَ تَدْرُونَ مَا مَنَّ مُنْعِمُولم نَقِفْ على شاهدٍ وَقَعَتْ فيه مبتدأً وخَبَرُه مفردٌ؛ أي: ليسَ جملةً ولا شِبْهَ جملةٍ؛ ولهذا كانَتْ عبارةُ الشيخِ خالِدٍ أَدَقَّ مِن عِبارةِ السيُوطِيِّ.
وقد تَقَعُ (كَأَيٍّ) مفعولاً به؛ كقولِكَ: (كَأَيٍّ رَجُلاً رَأَيْتُ)؛ فإنَّ كَأَيٍّ في هذا المثالِ مفعولٌ به لِرَأَيْتُ، ومنه ما اسْتَدَلَّ به الذين ذَهَبُوا إلى أنَّ كَأَيِّنْ تَقَعُ استفهاميَّةً، وهو قولُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: =(كَأَيٍّ تَقْرَأُ سُورَةَ الأَحْزَابِ آيَةً)؛ فإنَّ كَأَيٍّ مفعولٌ ثانٍ لِتَقْرَأُ؛ لِتَضَمُّنِهِ معنى تَعُدُّ، وقد تَقَعُ مُحْتَمِلَةُ لأنْ تكونَ مبتدأً، ولأنْ تكونَ مفعولاً به؛ كما في قَوْلِهِ تعالى: {وَكَأَيٍّ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}؛ فإنَّ كأيٍّ في هذه الآيةِ يجوزُ أنْ تكونَ مبتدأً خبرُه جملةُ أَهْلَكْنَاهَا، كما يجوزُ أنْ تكونَ مفعولاً به لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ المذكورُ، على طريقةِ بابِ الاشتغالِ، وقد تَقَعُ كَأَيٍّ مجرورةً بحرفِ جرٍّ، عندَ ابنِ قُتَيْبَةَ وابنِ عُصْفُورٍ، نحوُ قولِهِم: (بِكَأَيٍّ تَبِيعُ هَذَا الثوبَ؟) والجمهورُ على أنها لا تَقَعُ مجرورةً بحرفِ جرٍّ.
([7]) سورةُ العَنْكَبُوتِ، الآيةُ: 60، وبعدَ ما تلاَهُ المؤلِّفُ: {اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}، ويجوزُ في هذه الآيةِ أنْ يكونَ قولُه سُبْحَانَهُ: {لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} خبراً عن {كَأَيٍّ} الواقِعِ مبتدأً، و{مِنْ آيَةٍ} هو تَمْيِيزَ كَأَيٍّ، ويجوزُ أنْ تكونَ جملةُ {لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} صِفَةً لدَابَّةٍ، ويكونَ الخبرُ هو جملةُ {اللهُ يَرْزُقُهَا}، وعلى الاحتمالِ الأوَّلِ يكونُ خبرُ كَأَيٍّ جملةً فعليَّةً، نظيرُ قولِهِ سُبْحَانَهُ: {وَكَأَيٍّ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، وعلى الاحتمالِ الثاني يكونُ خَبَرُ كَأَيٍّ جملةً اسميَّةً، والأوَّلُ أكثرُ مِن الثاني.
([8]) 530-هذا بيتٌ مِن الخفيفِ، ولم أَجِدْ أحداً نَسَبَ هذا الشاهِدَ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (اطْرُدِ) أرادَ منه هنا معنى أَزِلْ وأَبْعِدْ ونَحِّ عن نفسِكَ، (الْيَأْسَ) قَطْعُ الطَّمَاعِيَةِ في نَيْلِ الشيءِ، والقُنُوطُ من أنْ تَحْصُلَ عليه وبُعْدُ الأملِ فيه، (بِالرَّجَا) هو تَرَقُّبُ الشيءِ وتَوَقُّعُه وانتظارُ حُصُولِهِ، (كَأَيٍّ) معناهُ هنا كَثِيرٌ، (آلِماً) اسْمُ الفاعلِ من قولِهِم: (أَلِمَ فلانٌ مِن كذا يَأْلَمُ أَلَماً) مِن بابِ تَعِبَ يَتْعَبُ تَعَباً – وهو أحدُ الأفعالِ التي جَاءَتْ مِن بابِ تَعِبَ، وجاءَ مِنها اسمُ الفاعلِ على زِنَةِ ضارِبٍ وقاتِلٍ وكاتِبٍ، (حُمَّ) هُيِّئَ وقُدِّرَ وكُتِبَ.
الإعرابُ: (اطْرُدِ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (الْيَأْسَ) مفعولٌ به لاطْرُدْ، (بالرَّجَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باطْرُدْ، (فكَأَيٍّ) الفاءُ حرفٌ دالٌّ على التعليلِ مَبْنِيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، كَأَيٍّ: اسمٌ بمعنى كثيرٍ مبتدأٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ، (آلِماً) منصوبٌ على التمييزِ لِكَأَيٍّ، (حُمَّ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ مَبْنِيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (يُسْرُهُ) يُسْرُ: نائبُ فاعلِ حُمَّ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، ويُسْرُ مضافٌ وضميرُ الغائبِ مضافٌ إليه يعودُ إلى آلِمٍ، (بَعْدَ) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بِحُمَّ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ، وهو مضافٌ و(عُسْرِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وجملةُ حُمَّ ونائبِ فاعلِه وما تَعَلَّقَ به في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ الذي هو كَأَيٍّ، وكأنه قالَ: كثيرٌ مِن الآلِمِينَ قُدِّرَ يُسْرُهُم بعدَ عُسْرٍ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (آلِماً)؛ فإنَّه تَمْيِيزٌ لِقَوْلِهِ: (كَأَيٍّ)، وقد وَرَدَ في هذا البيتِ منصوباً؛ فدَلَّ على أنَّ تمييزَ (كَأَيٍّ) كما يكونُ مجروراً بمِن في نحوِ قولِهِ تعالى: {وَكَأَيٍّ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} يكونُ منصوباً كما في هذا البيتِ، وهذا بخلافِ تمييزِ (كم) الخبريَّةِ الذي لا يكونُ عندَ الجمهورِ منصوباً.
ونظيرُه قولُ الآخَرِ:
وكائِنْ لَنَا فَضْلاً عَلَيْكُمْ وَمِنَّةً = قَدِيماً، ولا تَدْرُونَ ما مَنَّ مُنْعِمُ
([9]) اعْلَمْ أَوَّلاً أنَّ (كذا) قد تَأْتِي لغيرِ الدَّلالةِ على العددِ، نحوُ قولِكَ: (قالَ فلانٌ كذا) وجاءَ في الحديثِ: ((يُقَالُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَتَذْكُرُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا))، وقالَ السيُوطِيُّ: (الَّذِي شَهِدَ بِهِ الاسْتِقْرَاءُ وَقَضَى عَلَيْهِ الذَّوْقُ الصحيحُ: أنَّ كَذَا المُكَنَّى بها عن غيرِ العددِ إنما يَتَكَلَّمُ بها مَن يُخْبِرُ عن غيرِه، فتكونُ مِن كلامِه، لا مِن كلامِ المخبَرِ عنه، فلا تقولُ ابتداءً: (مَرَرْتُ بدارِ كذا، أو بدارِ كذا وكذا). اهـ.
ثم اعْلَمْ أنَّ (كذا) تُوَافِقُ كم في أربعةِ أمورٍ، وهي: الاسميَّةُ، والبناءُ، والإبهامُ، والافتقارُ إلى التمييزِ، وهي تُوَافِقُ كَأَيٍّ في هذه الأربعةِ وفي خامسٍ، وهو أنَّ كُلاًّ مِن كَأَيٍّ وكذا مُرَكَّبٌ، أمَّا كَأَيٍّ فقد ذَكَرْنَا ذلكَ معَها، وذَكَرْنَا أنَّ مِن النُّحَاةِ مَن قالَ: إنها بسيطةٌ، وأمَّا كذا فإنَّها مُرَكَّبَةٌ مِن كافِ التشبيهِ و(ذا) الإشاريَّةِ.
ثم اعْلَمْ أنَّ كذا تُخَالِفُ (كم) في أربعةِ أمورٍ:
الأوَّلُ: أنَّ كم بَسِيطَةٌ على المُخْتَارِ، و(كذا) مُرَكَّبَةٌ مثلُ كَأَيٍّ على الصحيحِ.
والثاني: أنَّ كذا لا يَجِبُ لها التصديرُ، بل تَقَعُ في حَشْوِ الكلامِ، وقد ذَكَرَ المؤلِّفُ هذا الوجهَ.
والثالِثُ: أنه يَجِبُ في تمييزِ كذا النَّصْبِ، فلا يجوزُ أنْ يكونَ تَمْيِيزُها مجروراً بمِن اتِّفاقاً، وفي هذا خَالَفَتْ كَأَيٍّ أيضاً، كما لا يجوزُ أنْ يكونَ تمييزُ كذا مجروراً بالإضافةِ. هذا مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ.
وقالَ الكُوفِيُّونَ: قد يكونُ تَمْيِيزُ كذا جمعاً مجروراً بالإضافةِ، وقد يكونُ مفرداً مجروراً بالإضافةِ، وقد يكونُ مفرداً منصوباً، وبيانُ ذلك أنه يُكَنَّى بها عن جميعِ أنواعِ العددِ، وهي تُعَامَلُ معَ تَمْيِيزِهَا مثلَ معاملةِ العددِ المُكَنَّى بها عنه، فإذا كُنِّيَ بها عن الثلاثةِ أو إِحْدَى أَخَوَاتِها أُتِيَ بها نَفْسِها مفردةً – أي: غيرَ مُكَرَّرَةٍ – وبتمييزِها جمعاً مجروراً، فتقولُ: (مَعِي كذا دَرَاهِمَ) كما تقولُ: معي ثلاثةُ دَرَاهِمَ، إلى العَشَرَةِ، وإذا كُنِّيَ بها عن الأحدَ عَشَرَ أو إِحْدَى أَخَوَاتِها أُتِيَ بها مُكَرَّرَةً من غيرِ عطفٍ، وأُتِيَ بتمييزِها مُفرداً منصوباً، فتقولُ: (معي كذا كذا دِرْهَماً)، كما تقولُ: (معي أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَماً) إلى تِسْعَةَ عَشَرَ،، وإذا كُنِّيَ بها عن العشرينَ أو إِحْدَى أَخَوَاتِها أُتِيَ بها مفردةً – أي: غيرَ مُكَرَّرَةٍ – وبتمييزِها مفرداً منصوباً، فتقولُ: (مَعِي كذا دِرْهَماً)، كما تقولُ: (معي عشرون دِرْهَماً، أو ثلاثونَ، إلى التِّسْعِينَ) وإذا كُنِّيَ بها عن الواحدِ والعشرينَ أو إِحْدَى أَخَوَاتِها أُتِيَ بها مُكَرَّرَةً معَ عطفِ اللفظِ الثاني على الأوَّلِ، وبتمييزِها مفرداً منصوباً، فتقولُ: (معي كذا وكذا دِرْهَماً)، كما تقولُ: (معي واحدٌ وعشرون دِرْهماً) إلى تسعةٍ وتسعينَ، وإذا كُنِّيَ بها عن المائةِ أو إِحْدَى مُكَرَّرَاتِها أُتِيَ بها مفردةً – أي: غيرَ مُكَرَّرَةٍ – وبتمييزِها مُفْرَداً مجروراً، فتقولُ: (عِنْدِي كذا دِرْهَمٍ)، كما تقولُ: (عِنْدِي مائةُ دِرْهَمٍ، أو مائتا دِرْهَمٍ، أو ثلاثُمائةِ دِرْهَمٍ، إلى تِسْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ) وعلى هذا التفصيلِ قَضَى فُقَهَاؤُهُم في بابِ الإقرارِ، فإذا قالَ المُقِرُّ: (لفلانٍ عِنْدِي كذا دَرَاهِمَ) اعْتُبِرَ مُقِرًّا بثلاثةِ دَرَاهِمَ، وإذا قالَ: (لفلانٍ عندي كذا كذا دِرْهَماً) اعْتُبِرَ مُقِرًّا بأحدَ عَشَرَ دِرْهَماً، وإذا قالَ: (له عليَّ كذا دِرْهَماً) اعْتُبِرَ مُقِرًّا بعشرينَ دِرْهَماً، وإذا قالَ: (له عليَّ كذا وكذا دِرْهَماً) اعْتُبِرَ مُقِرًّا بواحدٍ وعشرينَ دِرْهَماً، وإذا قالَ: (له عندي كذا دِرْهَمٌ) اعْتُبِرَ مُقِرًّا بمائةِ دِرْهَمٍ، ومن هذا التقريرِ تَعْلَمُ أنهم يَجِيئُونَ بتمييزِ كذا مفرداً منصوباً في ثلاثِ صُوَرٍ، ومفرداً مجروراً في صورةٍ واحدةٍ، وجمعاً مجروراً في صورةٍ واحدةٍ، وأنَّ مِثْلَها في هذه الصورِ كلِّها مثلُ تمييزِ أنواعِ العددِ.
الوجهُ الرابِعُ مِمَّا تُخَالِفُ فيه كَذَا كَمْ وكَأَيِّنْ: أنَّ الكثيرَ في كذا اسْتِعْمَالُها معطوفاً عليها، نحوُ: (كذا وكذا)، حتى زَعَمَ ابنُ خَرُوفٍ أنَّ العربَ لم يَقُولُوا: (كذا دِرْهَماً) بالإفرادِ، ولم يقولوا: (كذا كذا دِرْهَماً) بالتَّكْرَارِ مِن غيرِ عطفٍ، وإنما قالُوا: (كذا وكذا دِرْهَماً) بالتَّكْرَارِ معَ العَطْفِ، وهو مَحْجُوجٌ بروايةِ العلماءِ الأثباتِ ذلك، ومَن حَفِظَ حُجَّةٌ على مَن لم يَحْفَظْ، وفي ذلك يقولُ ابنُ مالِكٍ في (التسهيلِ): (وقَلَّ وُرُودِ كذا مُفْرَداً، ومُكَرَّراً بلا واوٍ). اهـ، وقالَ مَرَّةً أُخْرَى: (وكَنَّى بعضُهم بالمفردِ المُمَيَّزِ بجمعٍ عن ثلاثةٍ وبابِه، وبالمفردِ المُمَيَّزِ بمفردٍ عن مائةٍ وبابِه، وبالمكرَّرِ دونَ عطفٍ عن أحدَ عَشَرَ وبابِه، وبالمكرَّرِ معَ عطفٍ عن أحدٍ وعِشْرِينَ وبابِه). اهـ.
وهو ما قَرَّرْنَاهُ لكَ في شرحِ مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ، وواضِحٌ أنه يُرِيدُ بالمفردِ ما ليسَ مُكَرَّراً، ولم يَذْكُرِ ابنُ مالِكٍ في عبارتِه الأخيرةِ ما يُكَنَّى به عن العشرينَ وبابِه، ولو ذَكَرَه لقالَ: (وبالمفردِ المُمَيَّزِ بمفردٍ مجرورٍ عن مائةٍ وبابِه، وبمفردٍ منصوبٍ عن عشرينَ وبابِه)، وعُذْرُهُ أنه لم يَذْكُرْ حَرَكَاتِ الإعرابِ في التمييزِ، ولا فرقَ بينَ المائةِ وبابِه والعشرينَ وبابِه، إلاَّ أنَّ التمييزَ يكونُ مجروراً معَ الأوَّلِ ومنصوباً معَ الثاني. وقدْ أَطَلْتُ عليكَ، واللهُ أَعْلَى وأَعْلَمُ.
 
كَمْ وَكَأَيِّنْ وكَذَا
هذِهِ ألفاظٌ يُكْنَى بِهَا عَنِ العَدَدِ، ولهَذَا أَرْدَفَ بِهَا بَابَ العَدَدِ.
أمَّا "كَمْ" فَاسْمٌ لعَدَدٍ مُبْهَمِ الجنسِ والمِقْدَارِ، وهِي عَلَى قِسْمَيْنِ: اسْتِفْهَامِيَّةٍ، بمعنَى أَيَّ عَدَدٍ، وخَبَريِّةٍ، بمعنَى عَدَدٍ كثيرٍ، وكُلٌّ مِنْهُمَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَمْيِيْزٍ، أَمَّا الأُوْلَى فمُمَيِّزُهَا كمُمَيِّزِ "عِشْرِيْنَ"، وأخواتِهِ فِي الإِفْرَادِ والنصبِ، وقَدْ أَشَارَ إِلَى ذلكَ بقولِهِ.
746- (مَيِّزْ فِي الاستفهامِ "كَمْ" بِمِثْلِ مَا = مَيَّزْتَ عِشْرِيْنَ كَكَمْ شَخْصًا سَمَا)
747- وَأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ "مِنْ" مُضُمْرَا = إِنْ وَلِيَتْ "كَمْ" حَرْفَ جَرٍّ مُظْهِرًا.
أمَّا الإِفْرَادُ فلازمٌ مُطْلَقًا، خِلَافًا للكوفيينَ، فَإِنَّهُم يُجِيْزُونَ جَمْعَهُ مُطلقًا، وفَصَّلَ بَعْضُهُم فَقَالَ: إِنْ كَانَ السؤالُ عَنِ الجَمَاعَاتِ، نحوُ: "كَمْ غِلْمَانًا لكَ" إِذَا أَرَدْتَ أَصْنَافًا مِنَ الغِلْمَانِ ـ جَازَ وإِلَّا فَلَا ـ وهُو مَذْهَبُ الأَخْفَشِ.
وأمَّا النصبُ، ففيهِ أيضًا ثَلاثَةُ مَذَاهِبٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ لازِمٌ مُطْلقًا، والثانِي: لَيْسَ بلازمٍ، بَلْ يجوزُ جَرُّهُ مُطْلقًا حَمْلًا عَلَى الخَبَرِيَّةِ، وإليهِ ذَهَبَ الفَرَّاءُ والزَّجَّاجُ والسِّيْرَافِيُّ، وعليهِ حَمَلَ أَكْثَرُهُم [مِنَ الكَامِلِ]:
كَمْ عَمَّةٍ لكَ يَا جَرِيْرُ وَخَالَةٍ = فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي
والثالثُ: أَنَّهُ لازِمٌ، إنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى "كَمْ" حَرْفُ جَرٍّ، وَرَاجِحٌ عَلَى الجَرِّ إِنْ دَخَلَ عليهَا حَرْفُ جَرٍّ، وهَذَا هُو المشهورُ، ولَمْ يَذْكُرْ سِيْبَويْهِ جَرَّهُ إِلَّا إِذَا دَخَلَ عليهَا حَرْفُ جَرٍّ، وإِلَى هَذَا الإشارةُ بقولِهِ:
(وأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا = إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا).
فيجوزُ فِي "بِكَمْ دِرْهَمٍ اشْتَرَيْتَ" النصبُ، وهُوَ الأَرْجَحُ، والجَرُّ أيضًا وفيهِ قولانِ، أحَدُهُمَا: أَنَّهُ بـ"مِنْ" مضمرةٍ كَمَا ذَكَرَ، وهُو مَذْهَبُ الخَلِيْلِ وسِيْبَويْهِ والفَرَّاءِ وجماعةٍ، والثانِي: أَنَّهُ بالإضافةِ، وهُو مذهبُ الزَّجَّاجِ.
وأمَّا الثانيةُ وَهِي الخَبَرِيَّةُ، فَمُمُيِّزُهَا يُسْتَعْمَلُ تَارَةً كَمُمَيِّزِ "عَشْرَةٍ" فيكونُ جَمْعًا مَجْرورًا، وتَارَةً كَمُمَيِّزِ "مَائَةٍ" فيكونُ مُفْرَدًا مَجْرُورًا، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلكَ بقولِهِ.
748- (واسْتَعْمِلْنَهَا مُخْبِرًا كَعَشْرَهْ = أوْ مَائَةٍ، كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ)
749- كَكَمْ كَأَيِّنْ وكَذَا وَيَنْتَصِبْ = تَمْيِيْزُ ذَيْنِ أَوْبِهِ صِلْ "مِنْ" تُصِبْ.
ومِنَ الأولِ قولُهُ [مِنَ المَدِيْدِ]:
1141- كَمْ مُلُوكٍ بَادَ مُلْكُهُمْ = ونَعِيْمٍ سُوقَةٍ بَادُوا
ومِنَ الثانِي قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1142- وكَمْ لَيْلَةٍ قَدْ بِتُّهَا غَيْرَ آثِمٍ = بِسَاجِيَةِ الحِجْلَيْنِ رَيَّانَةِ الْقَلْبِ
وقولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
كَمْ عَمَّةٍ لَكَ يَا جَرِيْرُ وَخَالَةٍ = فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي
ويُرْوَى هَذَا البيتُ بالنصبِ والرفعِ أَيْضًا، أَمَّا النصبُ فقيلَ: إِنَّ لُغَةَ تَمِيْمٍ نَصْبُ تَمْيِيْزِ الخَبَرِيَّةِ إِذَا كانَ مُفْردًا، وقِيْلَ: علَى تقديرِهَا استفهاميةً استفهامَ تَهَكُّمٍ، أَيْ: أَخْبِرْنِي بِعَدَدِ عَمَّاتِكَ وخَالاتِكَ اللاتِي كُنَّ يَخْدِمْنَنِي، فَقَدْ نَسِيْتُهُ، وعليهُمَا؛ فَكَمْ مُبتدأٌ خبرُهُ "قَدْ حَلَبَتْ"، وأَفْرَدَ الضميرَ حَمْلًا عَلَى لفظِ "كَمْ"، وأَمَّا الرفعُ فَعَلَى أَنَّهُ مبتدأٌ، وإِنْ كَانَ نَكِرَةً؛ لأَنَّها قَدْ وُصِفَتْ بـ "لَكَ" وبـ "فَدْعَاءَ" محذوفةٍ، مَدْلُولًا عليهَا بالمذكورةِ، كَمَا حُذِفَتْ "لكَ" مِنْ صِفَةِ "خَالَةٍ" مَدْلُولًا عَلَيْهَا بـ "لكَ" الأُوْلَى، والخبرُ "قَدْ حَلَبَتْ"، وَلَا بُدَّ مِنْ تقديرِ "قَدْ حَلَبَتْ" أُخْرَى، لأَنَّ المُخْبَرَ عَنْهُ حينئذٍ مُتَعَدِّدٌ لَفْظًا ومَعْنًى، نظيرُ: "زَينبٍ وهندٍ قَامَتْ" و"كَمْ" عَلَى هَذَا الوجهِ ظرفٌ أو مصدرٌ، والتمييزُ محذوفٌ، أَيْ: كَمْ وَقْتٍ أو حَلَبَةٍ.
تنبيهاتٌ: الأولُ: إِفْرَادُ تمييزِ الخبريةِ أكثرُ وأَفْصَحُ مِنْ جَمْعِهِ، وليسَ الجمعُ بشاذٍّ كَمَا زَعَمَ بعضُهُم.
الثانِي: الجَرُّ هُنَا بإضافةِ "كَمْ" عَلَى الصحيحِ، إِذْ لَا مَانِعَ مِنْهَا، وقالَ الفَرَّاءُ: إِنَّهُ بـ"مِنْ" مُقَدَّرَةٍ، ونُقِلَ عَنِ الكوفيينَ.
الثالثُ: شَرْطُ جَرِّ تمييزِ "كَمْ" الخبريةِ الاتصالُ، فَإِنُ فُصِلَ نُصِبَ، حَمْلًا عَلَى الاستفهاميةِ، فَإِنَّ ذلكَ جَائِزٌ فِيْهَا فِي السِّعَةِ، وقَدْ جَاءَ مَجْرُورًا مَعَ الفَصْلِ بظرفٍ أو مجرورٍ، كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1143- كَمْ دُوْنَ مَيَّةَ مَوْمَاةٍ يُهَالُ لَهَا = إِذَا تَيَمَّمَهَا الخِرِّيْتُ ذُو الجَلَدِ
وقولِهِ [مِنَ الرَّمَلِ]:
1144- كَمْ بِجُودٍ مُقْرِفٍ نَالَ العُلَا = وكَرِيْمٍ بُخْلُهُ قَدْ وَضَعَهْ.
وقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
1145- كَمْ فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ سَعْدِ سَيِّدٍ = ضَخْمِ الدَّسِيْعَةِ مَاجِدٍ نَفَّاعِ
والصحيحُ اخْتِصَاصُهُ بالشِّعْرِ، ومِثْلُهُ فَصْلُ تَمْيِيْزِ العَدَدِ المُرَكَّبِ وشَبَهِهِ، وقَدْ مَرَّ، وذَهَبَ الكوفيونَ إِلَى جوازِهِ فِي الاختيارِ، وقِيْلَ: إِنْ كَانَ الفصلُ بناقصٍ، نحوُ: "كَمْ اليومَ جَائِعٍ أَتَانِي" و"كَمْ بِكَ مَأْخُوذٍ جَاءَنِي" جَازَ وَإِنْ كَانَ بِتَامٍّ لا يجوزُ،ـ وهُو مذهبُ يُوْنُسَ، فَإِنْ كَانَ الفصلُ بجملةٍ كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1146- كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْلًا عَلَى عَدَمِ = إِذْ لَا أَكَادُ مِنَ الإِقْتَارِ أَحْتَمِلُ
أو بظرفٍ وجارٍ ومجرورٍ مَعًا كقولِهِ [مِنَ المُتَقَارَبِ]:
1147- تَؤُمُّ سِنَانًا وَكَمْ دُونَهُ = مِنَ الأَرْضِ مُحْدَوْدَبًا غَارُهَا
تَعَيَّنَ النصبُ، قَالَهُ المصنفُ، وهُو مَذْهَبُ سِيْبَويْهِ.
الرابعُ: الاستفهاميةُ والخبريةُ يَتَّفِقَانِ فِي سَبْعَةِ أُمُورٍ
، ويَفْتَرِقَانِ فِي ثَمَانِيَةِ أُمُورٍ.
فَيَتَّفِقَانِ فِي أَنَّهُمَا اسْمَانِ ودَلِيْلُهُ، واضِحٌ وأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ، وأَنَّ بناءَهُمَا عَلَى السُّكُونِ، وقَدْ سَبَقَ ذلكَ فِي أولِ الكتابِ، وأَنَّهُمَا يَفْتَقِرَانِ إلَى مُمَيِّزٍ لإبْهَامِهِمَا، وأَنَّهُمَا يجوزُ حذفُ مُمَيِّزِهَا، إِذَا دَلَّ عَليهِ دَليلٌ، خِلافًا لِمَنْ مَنَعَ حَذْفَ تَمْيُّزِ الخبريةِ، وأَنَّهُمَا يَلْزَمَانِ الصدرَ، فَلَا يَعْمَلُ فيهِمَا مَا قَبْلَهُمَا إلا المضافُ وحرفُ الجَرِّ، وأَنَّهُمَا علَى حَدٍّ واحدٍ في وُجُوهِ الإِعْرَابِ، فـ"كَمْ" بِقِسْمَيْهَا إِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا حرفُ جَرٍّ أَوْ مُضَافٌ، فَهِي مَجْرُورَةٌ، وإِلَّا فَإِنْ كانتْ كِنَايَةً عَنْ مَصْدَرٍ أَوْ ظرفٍ فهي منصوبةٌ عَلَى المَصْدَرِ أَوْ عَلَى الظرفِ، وإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَلِهَا فِعْلٌ، أَوْ وَلِيَهَا، وهُو لازِمٌ أَوْ رافعٌ ضميرَهَا أو سَبَبِيَّهَا فَهِي مبتدأٌ، وإِنْ وَلِيَهَا فِعْلٌ مُتَعَدٍّ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَفْعولَهُ فَهِي مَفْعولُهُ، وإِنْ أَخَذَهُ فهَي مبتدأٌ، إِلَّا أَنْ يكونَ ضميرًا يعودُ عليْهَا، فَفِيْهَا الابتداءُ والنصبُ عَلَى الاشْتِغَالِ.
ويَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ تَمْيِيْزَ الاستفهاميةِ أَصْلُهُ النَّصْبُ، وتمييزُ الخبريةِ أَصْلُهُ الجَرُّ، وفِي أَنَّ تمييزَ الاستفهاميةِ مُفْرَد ٌ وتمييزُ الخبريةِ يكونُ مُفْردًا وجَمْعًا، وفِي أَنَّ الفصلَ بينَ الاستفهاميةِ وبين مُمُيِّزِهَا جائزٌ فِي السَّعَةِ، ولا يُفْصَلُ بينَ الخبريةِ ومُمَيِّزِهَا إِلَّا فِي الضرورةِ عَلَى مَا مَرَّ، وفِي أَنَّ الاستفهاميةَ لا تَدُلُّ عَلَى تَكْثِيْرٍ، والخبريةُ للتكثيرِ، خِلافًا لابنِ طَاهِرٍ وتلميذِهِ ابْنِ خَرُوفٍ وفِي أَنَّ الخبريةَ تَخْتَصُّ بالماضِي كـ"رُبَّ" فَلَا يجوزُ "كَمْ غُلْمَانٍ لِي سَأَمْلُكُهُمْ"، كَمَا لا يجوزُ "رُبَّ غِلْمَانٍ سَأَمْلُكُهُمْ"، ويجوزُ "كَمْ عَبْدًا سَأَشْتَرِيْهِ"؟ وفِي أَنَّ الكلامَ مَعَ الخَبَرِيَّةِ مُحْتِمَلٌ للتصديقِ والتكذيبِ بِخِلَافِهِ مَعَ الاستفهاميةِ، وفِي أَنَّ الكلامَ مَعَ الخَبَرِيَّةِ لَا يَسْتَدْعِي جَوَابًا، بِخِلافِهِ مَعَ الاستفهاميةِ، وفِي أَنَّ الاسْمَ المُبْدَلَ مِنَ الخبريةِ لا يَقْتَرِنُ بالهمزةِ بِخِلَافِ المُبْدَلِ مِنَ الاستفهاميةِ، فَيُقَالُ فِي الخبريةِ: "كَمْ عَبِيْدٍ لِي، خَمْسُونَ بَلْ سِتُّونَ"، وفِي الاستفهاميةِ "كَمْ مَالُكَ أَعِشْرُونَ أَمْ ثَلاثُونَ"؟ ا هـ.
(كَكَمْ) يَعْنِي هَذِهِ، أَيْ:الخبريةُ فِي الدلالةِ عَلَى تَكْثيرِ عددٍ مُبْهَمِ الجنسِ والمِقْدَارِ، (كَأَيِّنْ وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ * تمييزُ ذَيْنِ أَوْ بِهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ) بِخِلافِ تمييزِ "كَمْ" الخبريةِ فتقولُ: "كَأَيِّنْ رَجُلًا رَأَيْتُ"، ومَنْهُ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1148- وَكَائِنْ لَنَا فَضْلًا عَلَيْكُمْ ومِنَّةً = قَدِيْمًا، وَلا تَدْرُونَ مَا مِنَّ مُنْعِمُ
وقولُهُ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
1149- اطْرُدِ اليأْسَ بالرَّجَاءِ، فَكَائِنْ = آلِمًا حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرِ
وتقولُ: "كَأَيِّنْ مِنْ رَجُلٍ لَقِيْتُ"، ومِنْهُ {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَل مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيْرٌ}، {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا}، وتقولُ: "رَأَيْتُ كَذَا رَجُلًا".
تنبيهاتٌ: الأولُ: تُوَافِقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ "كَأَيِّنْ" و"كَذَا" "كَمْ" فِي أُمُورٍ، وتُخَالِفُهَا فِي أمورٍ:
أَمَّا "كَأَيِّنْ" فَإِنَّهَا تُوَافِقُ "كَمْ" فِي خَمْسةِ أمورٍ وتخالِفُهَا فِي خَمْسَةٍ، فتوافِقُهَا فِي الإِبْهَامِ، والافْتِقَارِ إِلَى التمييزِ، والبِنَاءِ، ولزومِ التصديرِ وإِفَادةِ التكثيرِ، تَارَةً، ـ وهو الغالبُ ـ، والاستفهامِ أُخْرَى، وهُو نادِرٌ، وَلم يُثْبِتْهُ إلا ابْنُ قُتَيْبَةَ وابْنُ عُصْفُورٍ والمصنفُ، واسْتَدَّلَ لَهُ بقولِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لابْنِ مسَعْوُدٍ "كَأَيِّنْ تَقْرأُ سُورةَ الأَحْزَابِ آيةً"؟ فَقالَ: ثلاثًا وسَبْعِيْنَ.
وتُخَالِفُهَا فِي أَنَّها مُرَكَّبَةٌ، و"كَمْ" بَسِيْطَةٌ عَلَى الصحيحِ، وتركَيْبُهَا مِنْ كَافِ التشبيهِ، وأَيٍّ المُنَوَّنَةِ، ولهَذَا جَازَ الوقفُ عليْهَا بالنونِ، لأَنَّ التنوينَ لَمَّا دَخَل فِي التركيبِ أَشْبَهَ النونَ الأصليةَ، ولِهَذَا رُسِمَ فِي المُصْحَفِ نُونًا، وَمَنْ وقَفَ بِحَذْفِهِ اعْتَبَرَ حُكْمَهُ فِي الأَصْلِ، وهُو الحذفُ فِي الوَقْفِ، وفِي أَنَّ مُمَيِّزَهَا مَجْرورٌ بِـ "مِنْ" غَالبًا، حَتَّى زَعَم ابْنُ عُصْفُورٍ لِزُومَ ذلكَ، ويَرُدُّهُ مَا سَبَقَ، وفِي أَنَّها لا تَقَعُ اسْتِفْهَامِيَّةً عندَ الجمهورِ، وَقَدْ مَضَى، وفِي أَنَّها لا تقعُ مجرورةً خِلافًا لابْنِ قُتَيْبَةَ وابْنِ عُصْفُورٍ، أَجازَ بِكَأَيِّنْ تَبِيْعُ هَذَا الثَّوبَ؟ وفِي أَنَّ مُمَيِّزَهَا لا يَقَعُ إِلَّا مُفْردًا.
وأَمَّا "كَذَا" فَتُوَافِقُ "كَمْ" فِي أربعةِ أُمورٍ، وتُخَالِفُهَا فِي أَربعةٍ فَتُوَافِقُهَا فِي البِنَاءِ، والإِبْهَامِ، والافتقارِ إِلَى المُمَيِّزِ، وإفادةِ التكثيرِ، وتخالِفُهَا فِي أَنَّها مُرَكَّبَةٌ، وتَرْكِيْبُهَا مِنْ كَافِ التَّشْبِيْهِ و"ذَا" الإِشَارِيةِ، وأَنَّها لَا تَلْزَمُ التصدِيْرَ، فتقولُ: "قَبَضَّتُ كَذَا وكَذَا دِرْهَمًا"، وأَنَّها لَا تُسْتَعْمَلُ غَالبًا إِلَّا معطوفًا عليْهَا، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1150- عِدِ النَّفْسَ نُعْمَى بَعْدَ بُؤْسَاكَ ذَاكِرًا = كَذَا وكَذَا لُطْفًًا بِهِ نُسِيَ الجَهْدُ.
وزَعَمَ ابْنُ خَرُوفٍ أَنَّهُم لَمْ يقولُوا: "كَذَا دِرْهَمًا" ولَا "كَذَا كذَا دِرْهَمًا"، بِدُوْنِ عَطْفٍ، وذَكَرَ الناظمُ أَنَّ ذَلكَ مَسْموعٌ، ولكِنَّهُ قليلٌ، وعِبَارَةُ التَّسْهِيْلِ، وقَلَّ وُرُودُ كَذَا مُفْردًا ومُكَرَّرًا، بِلَا وَاوٍ، وأَنَّها يَجِبُ نَصْبُ تَمْيِيْزِهَا، فَلَا يَجوزُ جَرُّهُ بـ "مِنْ" اتِّفَاقًا، ولا بالإِضَافَةِ خِلَافًا للكوفيينَ، فَإِنَّهُم أَجَازُوا فِي غيرِ تَكْرَارٍ ولا عَطْفٍ أَنْ يُقَالَ: "كَذَا ثَوْبٍ" و"كَذَا أَثْوابٍ" قِيَاسًا عَلَى العَدَدِ الصريحِ، ولِهَذَا قَالَ فُقَهَاؤُهُمْ: إِنَّهُ يَلْزَمُهُ بقولِهِ: "عِنْدِي كَذَا دِرْهَمٌ"، مَائةٌ، وبقولِهِ: "كَذَا دَرَاهِمُ" ثلاثةٌ، وبقولِهِ: "كَذَا كَذَا دِرْهَمًا" أَحَدَ عَشَرَ، وبقولِهِ: "كَذَا دِرْهَمًا" عِشْرُونَ، وبقولِهِ: "كذَا وكَذَا دِرْهَمًا" أَحَدٌ وعِشْرُونَ، حَمْلًا عَلَى المُحَقَّقِ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ مِنَ العَدَدِ الصريحِ، ووَافَقَهُمْ عَلَى هذِهِ التفاصيلِ غيرَ مَسْأَلَتَيِ الإضافةِ المُبَرِّدُ والأَخْفَشُ وابْنُ كَيْسَانَ والسِّيْرَافِيِّ وابْنُ عُصْفُورٍ، وَوَهِمَ ابْنُ السَّيِّدِ، فَنَقَلَ اتفاقَ النحويينَ عَلَى إِجَازَةِ مَا أَجَازَهُ المُبَرِّدُ ومَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، وعِبَارةُ التَّسْهِيْلِ، + زَكُنَّى بعضُهُم بالمفردِ المميزِ بجمعٍ عَنْ "ثلاثةٍ" وبابِهِ، وبالمفردِ المميزِ بِمُفردٍ عَنْ "مَائةٍ" وبابِهِ، وبالمُكَرَّرِ دُونَ عطفٍ عَنْ "أَحَدَ عَشَرَ" وبابِهِ، وبالمُكَرَّرِ معَ عطفٍ عَنْ "أَحَدَ وعِشْرِيْنَ" وبابِهِ.
الثانِي: قَدْ بَانَ لَكَ أَنَّ قولَهُ: "أَوْ بِهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ" راجعٌ إلَى تمييزِ "كَأَيِّنْ" دُونَ "كذَا" فلوْ قالَ:
كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا، ونَصَبَا = وقِيْلَ كَائِنْ بَعْدَهُ مِنْ وَجَبَا
لكانَ أَحْسَنَ مِنْ أوجهٍ، أحدُهَا، التنصيصُ علَى الخُلْفِ السابقِ، ثانِيْهَا: التنبيهُ عَلَى اختصاصِ "كَأَيِّنْ" بـ"مِنْ" دُوْنَ "كَذَا"، ثالِثُهَا: إِفْهَامُ أَنَّ وُجُودَ "مِنْ" بَعْدَ "كَأَيِّنْ" أَكْثَرُ مِنْ عَدَمِهَا، لجَرَيَانِ خُلْفٍ فِي وُجُوبِهَا، رابِعُهَا: إِفَادَةُ أَنَّ "كائِنَّ" لُغَةٌ فِي "كَأَيِّنْ"، وفيهَا خمسُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهَا "كَأَيِّنْ"، وبِهَا قَرَأَ السبعةُ، إلا ابْنُ كَثِيْرٍ، ويَلِيَهَا "كَائِنْ" علَى وزنِ "كَاعِنْ"، وبِهَا قرَأَ ابْنُ كَثِيْرٍ، وهِي أَكْثَرُ فِي الشِّعْرِ مِنَ الأُوْلَى، وإِنْ كَانَتْ الأُوْلَى هِي الأَصْلُ، ومِنْهُ البيتانِ السابقانِ، وقولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
1151- وَكَائِنْ بِالْأَبَاطِحِ مِنْ صَدِيْقٍ = يَرَانِي لَوْ أُصَبْتُ هُو المُصَابَا
والثالثةُ: كَأَيْنَ مِثْلُ كَعَيْنَ، وبِهَا قَرَأَ الأَعْمَشُ وابْنُ مُيَحْصِنٍ، والرابعةُ: كَيْئِنْ بِوَزنِ كَيْعِنْ، والخامسةُ: "كَأَنْ" علَى وزنِ "كَعَنْ"، وسببُ تَلَعُّبِهِمْ بهذِهِ الكلمةِ كثرةُ الاستعمالِ.
الثالثُ: تَأْتِي "كَذَا" هَذِهِ، أَعْنِي المُرَكَّبَةَ كِنَايةً عَنْ غَيْرِ العَدَدِ، وهو الحديثُ، مُفْرَدَةً ومَعْطُوفَةً، ويُكْنَى بِهَا عَنِ المَعْرِفَةِ والنكرةِ، ومِنْهُ الحديثُ ((يُقَالُ للعَبْدِ يومَ القِيَامَةِ أَتَذْكُرُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا))، وتكونُ "كَذَا" أَيْضًا كلمتينِ عَلَى أَصْلِهِمَا، وهُمَا كافُ التشبيهِ، و"ذَا" الإِشَارِيةُ ـ نَحْوُ: "رَأَيْتُ زَيْدًا فاضِلًا وعَمْرًا كَذَا"، ومِنْهُ قولُهُ [مِنْ مَجْزُوءِ الوَافِرِ]:
1152- وأَسْلَمَنِي الزَّمَانُ كَذَا = فَلَا طَرَبٌ وَلَا أَنَسُ.
وتدخلُ عليهَا هَا التنبيهِ، نحوُ: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ}.
خاتمةٌ: يُكْنَى عَنِ الحديثِ أيضًا بِـ "كَيْتَ وكَيْتَ" و"ذَيْتَ وذَيْتَ"، بفتحِ التاءِ وكسرِهَا والفتحُ أَشْهَرُ، وهُمَا مُخَفَّفَتَانِ مِنْ "كَيَّةَ" و"ذَيَّةَ"، وقَالُوا عَلَى الأصلِ "كانَ مِنَ الأمرِ كَيَّةَ وكَيَّةَ وذَيَّةَ وذَيَّةَ" وليسَ فِيْهِمَا حينئذٍ إِلَّا البناءُ على الفتحِ، ولا يُقَالُ: "كَانَ مِنَ الأَمْرِ كَيْتَ" بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكْرَارِهَا، وكذلكَ "ذَيْتَ" لأَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ الحديثِ، والتكريرُ مُشْعِرٌ بالطولِ.  
 
دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
كَمْ، وَكَأَيِّنْ، وَكَذَا
1- كَم الاستفهاميَّةُ: مَعْنَاهَا، حُكْمُ تَمْييزِها:
746- مَيِّزْ فِي الاسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا = مَيَّزْتَ عِشْرِينَ كَكَمْ شَخْصاً سَمَا
747- وَأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا = إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفُ جَرٍّ مُظْهَرَا
هذا البابُ معقودٌ لكناياتِ العددِ، وهيَ ثلاثةٌ: كَمْ، وَكَأَيِّنْ، وَكَذَا. والكِنايَةُ: هيَ التعبيرُ عن الشيءِ بغيرِ اسْمِهِ لِسَبَبٍ بَلاغِيٍّ، وسُمِّيَتْ هذهِ الألفاظُ كِناياتٍ؛ لأنَّ كُلاًّ منها يُكَنَّى بهِ عنْ معدودٍ وإنْ كانَ مُبْهَماً.
أمَّا (كَمْ) فهيَ نوعانِ: استفهاميَّةٌ، وخَبَرِيَّةٌ.
أمَّا الاستفهاميَّةُ فمَعْنَاها: أَيُّ عَدَدٍ؟ فيُسْأَلُ بها عنْ كَمِّيَّةِ الشيءِ، وتمييزُها مُفْرَدٌ مَنصوبٌ، نحوُ: كَمْ سُورةً حَفِظْتَ؟ فـ(كَمْ): استفهاميَّةٌ مَبْنِيَّةٌ على السكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ مفعولٌ مُقَدَّمٌ (سُورَةً): تَمْيِيزٌ مَنْصُوبٌ.
قالَ تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعَادِّينَ}.
فـ(كَم): اسمُ استفهامٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الظرفيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بما بَعْدَهُ، وَ(عَدَدَ سِنِينَ): تَمييزُ (كَمْ) مَنصوبٌ بالياءِ؛ لأنَّهُ مُلْحَقٌ بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ السالِمِ.
ويَجوزُ جَرُّ التمييزِ إذا دَخَلَ عليها حَرْفُ جَرٍّ، نحوُ: بِكَمْ رِيَالٍ اشْتَرَيْتَ هذا الكتابَ؟ وهوَ مجرورٌ بـ(مِنْ) مُضْمَرَةٍ، أوْ بإضافةِ (كَمْ) إليهِ، وهوَ وَجِيهٌ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ التقديرِ، ولأنَّ حَرْفَ الْجَرِّ لا يَعْمَلُ إذا كانَ محذوفاً.
وهذا معنى قولِهِ: (مَيِّزْ في الاستفهامِ.. إلخ)؛ أيْ: مَيِّزْ (كَم) الاستفهاميَّةَ بِمِثْلِ ما مَيَّزْتَ بهِ العددَ (عشرينَ) وأخواتِهِ، وهوَ الْمُفْرَدُ المنصوبُ.
ثمَّ ذَكَرَ الْمِثالَ: (كَمْ شَخْصاً سَمَا)، فـ(كَمْ): مُبتدأٌ، و(شخصاً): تَمييزٌ منصوبٌ، وجُملةُ (سَمَا): خبرُ المبتدأِ، وهوَ بمعنى: عَلا.
وقولُهُ: (وأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ)، فعْلُ أَمْرٍ مِنْ أَجازَ يُجِيزُ، ويُقرأُ بفَتْحِ الزَّايِ بنَقْلِ فتحةِ همزةِ (أَنْ) إليها للوَزْنِ، والمعنى: يَجُوزُ لكَ جَرُّ التمييزِ بـ(مِن) مُضْمَرَةٍ إنْ دخَلَ على (كَمْ) حَرْفُ جَرٍّ ظاهرٌ.
2- كَم الخبريَّةُ: مَعْنَاهَا وحُكْمُ تمييزِها:
748- وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِراً كَعَشَرَهْ = أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ
749- كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ = تَمْيِيزُ ذَيْنِ أَوْ بِهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ
تُسْتَعْمَلُ (كَمْ) خَبَرِيَّةً كما تَقَدَّمَ بمعنى: كَثِيرٍ، فهيَ أداةٌ للإخبارِ عنْ معدودٍ كثيرٍ، نحوُ: كَمْ مَرَّةٍ يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وأنا أَغْفِرُ لهُ.
وتَمييزُها مَجْرُورٌ، وجَرُّهُ بإضافةِ (كَمْ) إليهِ، ويكونُ مُفْرَداً، وهوَ أكثَرُ وأَبْلَغُ، ويكونُ جَمْعاً، نحوُ: كم فَقِيرٍ ماتَ جُوعاً، كم سَاعَاتٍ قَضَيْتُهَا لاهياً، فـ(كَمْ): خَبَرِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعٍ مبتدأٌ، وهيَ مضافٌ، و(فَقِيرٍ): مضافٌ إليها، وجملةُ (مَاتَ): خبرُ (كَمْ).
3- كَأَيِّنْ: مَعْنَاهَا وحُكْمُ تَمْيِيزِها:
أمَّا (كَأَيِّنْ) فهيَ بِمَنْزِلَةِ (كَم) الْخَبريَّةِ في إفادةِ التكثيرِ، وتمييزُها مُفْرَدٌ مجرورٌ بـ(مِن) وهوَ الأكثرُ، نحوُ: كَأَيِّنْ مِنْ غَنِيٍّ لا يَقْنَعُ، قالَ تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}، فـ (كَأَيِّنْ): مُبْتَدَأٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعٍ، (مِنْ دَابَّةٍ): جارٌّ ومجرورٌ تمييزُ (كَمْ)، وجُملةُ (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا): صِفَةٌ لـ(دَابَّةٍ)، وقولُهُ سُبْحَانَهُ: (اللَّهُ يَرْزُقُهَا): خبرُ (كَأَيِّنْ).
وقالَ تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا}، فـ (كَأَيِّنْ): مُبتدأٌ، وجُملةُ (قَاتَلَ): خبرُ المبتدأِ. ولم يَقَعْ تَمييزُها في القرآنِ إلاَّ مَجْرُوراً بـ(مِن)، وقدْ يَأْتِي تمييزُها مَنصوباً، لَكِنَّهُ قليلٌ، نحوُ: كَأَيِّنْ رَجُلاً لَقِيتَ، ومنهُ قولُ الشاعِرِ:
اطْرُدِ الْيَأْسَ بالرَّجَا فَكَأَيٍّ = آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بعدَ عُسْرِ
فجاءَ تمييزُ (كَأَيٍّ) مَنصوباً، وهوَ قولُهُ: (آلِماً)، مِمَّا يَدُلُّ على جوازِهِ.
4- كَذَا: مَعْنَاهَا وحُكْمُ تمييزِها:
وأمَّا (كَذَا) فيُكَنَّى بها عن العددِ القليلِ والكثيرِ، وهيَ تُشْبِهُ (كَم) الخبريَّةَ في مُجَرَّدِ الإخبارِ، وإنْ كانتْ لا تُلازِمُ الدَّلالةَ على الكثرةِ، وهيَ مَبْنِيَّةٌ على السكونِ في مَحَلِّ رَفْعٍ أوْ نَصْبٍ أوْ جَرٍّ على حَسَبِ مَوْقِعِها مِن الْجُملةِ، ويَجِبُ في تمييزِها النصْبُ على الأَرْجَحِ، والأكثَرُ في استعمالِها أنْ تكونَ معطوفاً عليها، نحوُ: مَلَكْتُ كَذَا وَكَذَا دِرْهَماً، فـ(كَذَا): مفعولٌ بهِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، و(دِرْهَماً): تمييزٌ.
وهذا معنى قولِهِ: (واسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِراً كَعَشَرَهْ.. إلخ)؛ أي: اسْتَعْمِلْ (كمْ) حالَ كَوْنِكَ (مُخْبِراً) بها بأنْ تكونَ بمعنى: كثيرٍ (كَعَشَرَهْ): أيْ أنَّ تمييزَها يكونُ كتمييزِ العَشَرَةِ؛ أيْ: جَمْعاً مَجْرُوراً، (أو مِائةٍ)؛ أيْ: أوْ كتَمْيِيزِ الْمِائةِ؛ أيْ: مُفْرَداً مَجروراً. ولعلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدَّمَ الْجَمْعَ على الإفرادِ معَ أنَّ الإفرادَ أكْثَرُ وأَفْصَحُ كما تَقَدَّمَ؛ اهتماماً بالجمْعِ، ورَدًّا على مَنْ زَعَمَ شُذوذَهُ.
وقولُهُ: كَـ(كَمْ رِجَالٍ أوْ مَرَهْ)، (كَمْ): مبتدأٌ، وخبرُهُ محذوفٌ، أوْ مفعولٌ بهِ لفِعْلٍ محذوفٍ، و(رجالٍ): مضافٌ إليهِ، و(أَوْ مَرَهْ): معطوفٌ على (رِجَالٍ)، والتقديرُ على الابتدائيَّةِ: كَمْ رجالٍ أو امرأةٍ عِنْدِي، وعلى المفعوليَّةِ: كَمْ رجالٍ أو امرأةٍ وَعَظْتُ. و(مَرَهْ) لُغَةٌ في (امْرَأَةٍ)، ففي القاموسِ: الْمَرْءُ مُثَلَّثَةُ الميمِ: الإنسانُ، أو الرَّجُلُ، ولا يُجْمَعُ مِنْ لَفْظِهِ، وهيَ بِهَاءٍ (مَرْأَةٌ) ويُقَالُ: مَرَهْ، وامرأةٌ.
ثمَّ أشارَ على أنَّ (كَأَيِّنْ وَكَذَا) تُفيدانِ ما تُفيدُهُ (كَم) الخبريَّةُ مِن التكثيرِ والافتقارِ إلى تمييزٍ، لَكِنَّ تمييزَهما لا يكونُ إلاَّ مَنصوباً.
وقولُهُ: (أَوْ بهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ)؛ أيْ: أوْ صِلْ تمييزَ (كَأَيِّنْ) بـ(مِن) تُوَفَّقْ للإصابةِ والسَّدَادِ، فيكونُ ضميرُ (بِهِ) يعودُ على تمييزِ (كَأَيِّنْ) كما في (الكافيَةِ) وشَرْحِها. 
 
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل المقحمات هي الذنوب العظام كما قال النووي أم أنها ذنوب أرتكبت بقصد طاعة الله لكن التسرع والاندفاع دافع للخطأ من غير قصد

تعقيب علي المقحمات يتبين من تعريف المقحمات بين النووي ومعاجم اللغة العتيدة أن النووي أخطأ جدا في التعريف { المقحمات مفتوح للكتابة...