الهمزة مع الباء
النبي صلى الله عليه وسلم - في ذكر مجلسه، عن علي رضي الله عنه: مجلس حلمٍ وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحُرم، ولا تُنثى فلتأته؛ إذا تكلم أطرق جلساؤه كأن على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يَقبل الثناء إلا من مكافئ.
لا تؤْبن: أي لا تُقذف ولا تُغتاب، يقال: أَبنته أَبنتهُ. وأبنهُ أبناً وهو من الأًُبن، وهي العقد في القضبان؛ لأنها تعيبها.
ومنه قوله في حديث الإفك: أَشيروا عليّ في أُناس أَبنوا أهلي.
ومنه حديث أبي الدرداء إن تؤبن بما ليس فينا فربما زُكينا بما ليس فينا.
البث والنث والنثو: نظائر.
الفلتة: الهفوة. وافُتلت القول: رُمي به على غير روية؛ أي إذا فرطت من بعض حاضريه سقطة لم تنشر عنه، وقيل هذا نفي للفلتات ونثوها، كقوله:
ولا تَرى الضبّ بها ينْجَحْر
كأن على رؤوسهم الطير: عبارة عن سكونهم وإنصاتهم؛ لأن الطير إنما تقع على الساكن، قال الهذلي:
إذا حلَّت بنو لَيْثٍ عُكاظا ... رأيت على رُؤسهم الغُرَابا
المكافئ: المجازي. ومعناه أنه إذا اصطنع فأُثني عليه على سبيل الشكر والجزاء تقبله. وإذا ابتُدئ بثناء تسخَّطه، أو لا يقبله إلا عمن يكافئ بثنائه ما يرى في المثنى عليه، أي يماثل به ولا يتزيد في القول، كما جاء في وصف عمر رضي الله عنه زهيراً: وكان لا يمدح الرجل إلا بما فيه.
* * * * وكتب لوائل بن حجر: من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبو أمية: إن وائلا يُستسعى ويترفل على الأقوال حيث كانوا من حضرومت.
وروى أنه كتب له: من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، على التيعة شاة، والتيمة لصاحبها، وفي السُّيوب الخُمس، لا خِلاط ولا وِراط، ولا شِناق ولا شِغار، ومن أجبى فقد أربى، وكل مُسكر حرام.
وروى إلى الأقيال العباهلة والأرواع المشابيب من أهل حضرموت بإقام الصلاة المفروضة وأداء الزكاة المعلومة عند محلها؛ في التيعة شاة، لا مقورَّة الألياط ولا ضناك، وأنطو الثبجة وفي السيوب الخمس، ومن زل مم بكر فاصقعوه مائة واستوفضوه عاما، ومن زنى مم ثيب فضرّجوه بالأضاميم، ولا توصيم في دين الله، ولا غمة في فرائض الله، وكل مُسكر حرام. ووائل بن حجر يترفل على الأقيال، أمير أمره رسول الله فاسمعوا وأطيعوا.
وروى أنه كتب: إلى الأقوال العباهلة، لا شغار ولا وراط، لكل عشرة من السرايا ما يحمل القراب من التمر. وقيل هو القراف.
أبو أمية: تُرك في حال الجر على لفظه في حال الرفع؛ لأنه اشتهر بذلك وعُرف، فجرى مجرى المثل الذي لا يغير. وكذلك قولهم: علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان.
يُستسعى: يُستعمل على الصدقات، من الساعي وهو المصدَّق.
ويترفل: يتسود ويترأس. يقال: رفّلته فترفل. قال ذو الرمة:
إذَا نَحْنُ رَفَّلْنَا امْرَأً سَادَ قَوْمَه ... وإن لم يكنْ من قبل ذَلِك يُذْكَر
استعارة من ترفيل الثوب، وهو إسباغه وإسباله.
حضرموت اسم غير منصرف رُكب من اسمين وبُني الأول منهما على الفتح. وقد يُضاف الأول إلى الثاني فيعتقب على الأول وجوه الإعراب ويخير في الثاني بين الصرف وتركه. ومنهم من يضم ميمه فيخرجه على زنة عنكبوت.
أقوال: جمع قيل. وأصله قَيّل فَيْعِل من القول فحذفت عينه. واشتقاقه من القول كأنه الذي له قول، أي ينفذ قوله. ومثله أموات في جمع ميت. وأما أقيال فمحمول على لفظ قَيْل، كما قيل أرياح في جمع ريح؛ والشائع أرواح؛ ويجوز أن يكون من التقيل وهو الاتباع كقولهم تُبّع.
تاعباهلة: الذين أُقرُّوا على ملكهم لا يزالون عنه، من عبهله بمعنى أبهله إذا أهمله، العين بدل من الهمزة، كقوله:
أعَنْ توسَّمتَ من خَرْقَاءَ مَنْزِلةً ... ماءُ الصَّبَابَةِ من عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ
وقوله: ولله عن يشفيك أغنى وأوسع.
وعكسه: أُفُرّة في عُفُرَّة، وأُباب في عباب، والتاء لاحقة لتأكيد الجمع كتاء صياقلة وقشاعمة. والأصل عباهل. قال أبو وجزة السعدي:
عَبَاهِلٍ عَبْهَلَها الوُرَّادُ
ويجوز أن يكون الأصل عباهيل، فحذفت الياء وعوضت منها التاء، كقولهم: فرازنة وزنادقة في فرازين وزناديق، وحذف الشاعر ياءها بغير تعويض على سبيل الضرورة كما جاء في الشعر: المرازبة الجحاجح. وأن يكون الواحد عبهولا، ويؤنّس به قولهم: العزهول واحد العزاهيل، وهي الإبل المهملة. ويجوز أن يكون علما للنسب، على أن الواحد عبهلي منسوب إلى العبهلة التي هي مصدر، وقد حذفها الشاعر، كقولهم: الأشاعث في الأشاعثة.
التيعة: الأربعون من الغنم، وقيل: هي اسم لأدنى ما تجب فيه الزكاة، كالخمس من الإبل وغير ذلك، وكأنها الجملة التي للسعاة عليها سبيل. من تاع إليه يتيع إذا ذهب إليه، أو أن يرفعوا منها شيئاً ويأخذوا، من تاع اللّبأ والسمن يتوع ويتيع إذا رفعه بكسرة أو تمرة. أو من قولك: أعطاني درهماً فتعت به أي أخذته، أو أن يقعوا فيها ويتهافتوا من التتايع في الشيء. وعينها متوجهة على الياء والواو جميعاً بحسب المأخذ.
التيمة: الشاة الزائدة على التيعة حتى تبلغ الفريضة الأخرى. وقيل: هي التي ترتبطها في بيتك للاحتلاب ولا تسيمها. وأيتهما كانت فهي المحبوسة إما عن السوم وإما عن الصدقة، من التتييم، وهو التعبيد والحبس عن التصرف الذي للأحرار، ويؤكد هذا قولهم لمن يرتبط العلائف: مبنن، من أبنّ بالمكان إذا احتبس فيه وأقام. قال:
يعيِّرُني قومٌ بانّي مُبَنِّن ... وهل بَّننَ الأشراط غيرُ الأَكارم
السيوب: الركاز، وهو المال المدفون في الجاهلية أو المعدن، جمع سيب، وهو العطاء؛ لأنه من فضل الله لمن أصابه.
الخلاط: أن يخالط صاحب الثمانين صاحب الأربعين في الغنم، وفيهما شاتان لتُؤخذ واحدة.
الوراط: خداع المصدق بأن يكون لهأربعون شاة فيعطي صاحبه نصفها لئلا يأخذ المصدِّق شيئاً، مأخوذ من الورطة، وهي الأصل الهوة الغامضة، فجُعلت مثلا لكل خطة وإبطء عشوة، وقيل هو تغييبها في هوة أو خمر لئلا يعثر عليها المصدق، وقيل هو أن يزعم عند الرجل صدقةً وليست عنده فيورطه.
الشناق: أخذ شيء، من الشنق، وهو ما بين الفريضتين، سُمي شنقاً لأنه ليس فريضة تامة، فكأنه مشنوق أي مكفوف عن التمام، من شنقت الناقة بزمامها إذا كففتها، وهو المعنى في تسميته وقصا؛ لأنه لما لم يتم فريضة فكأنه مكسور، وكذلك شنق الدية: العدة من الإبل التي كان يتكرم بها السيدزيادة على المائة. قال الأخطل:
قَرمٌ تُعَلَّقُ أَشْنَاقُ الدِّيَاتِ بِهِ ... إذَا المُئونَ أُمِرَّتْ فَوْقَهُ حَمَلا
الشغار: أن يشاغر الرجل الرجل، وهو أن يزوجه أخته على أن يزوجه هو أخته، ولا مهر إلا هذا، من قولهم: شغرت بني فلان من البلد إذا أخرجتهم. قال:
ونحنُ شَغَرْنَا ابْنيَ نِزَارِ كِلَيْهِمَا ... وكلْباً بِوَقْعٍ مُرْهقٍ مُتَقَارِبِ
ومن قولهم: تفرقوا شغَرَ بغَر؛ لأنهما إذا تبادلا بأختيهما فقد أخرج كل واحد منهما أخته إلى صاحبه وفارق بها إليه.
أَجبى: باع الزرع قبل بدو صلاحه، وأصله الهمز، من جبأ عن الشيء إذا كف عنه، ومنه الجباء: الجبان؛ لأن المبتاع ممتنع من الانتفاع به إلى أن يُدرك، وإنما خُفف يزاوج أَربى.
والإرباء: الدخول في الربا، والمعنى أنه إذا باعه على أن فيه كذا قفيزا، وذلك غير معلوم، فإذا نقص عما وقع التعاقد أو زاد فقد حصل الربا في أحد الجانبين.
الأرواع: الذين يروعون بجهارة المناظر وحسن الشارات، جمع رائع، كشاهد وأَشهاد.
المشابيب: الزُّهر الذين كأنما شُبت ألوانهم، أي أوُقدت، جمع مشبوب. قال العجاج:
ومِنْ قريش كُلُّ مَشْبوبِ أَغَرّ
الاقورار: تشان الجلد واسترخاؤه للهزال، ويفضل حينئذ عن الجسم ويتسع؛ من قولهم: دار قوراء.
الليط: القشر اللاصق بالشجر والقصب، من لاط حُبّه بقلبي يليط ويلوط إذا لصق، فاستعير للجلد. واتسع فيه حتى قيل: ليط الشمس للونها، وإنما جاء به مجموعاً؛ لأنه أراد ليط عضو.
الضناك: المكتنزة اللحم، من الضنك؛ لأن الاكتناز تضام وتضايق، ومطابقة الضناك المقورة في الاشتقاق لطيفة.
الإنطاء: الإعطاء، يمانية.
ألحق تاء التأنيث بالثبج، وهو الوسط؛ لانتقاله من الاسمية إلى الوصفية؛ والمراد أعطوا المتوسطة بين الخيار والرُّذال.
قلب نون " من " ميما في مثل قوله: مم ثيب لغة يمانية كما يبدلون الميم من لام التعريف، وأما مم بكر فلا يختص به أهل اليمن؛ لأن النون الساكنة عند الجميع تقلب مع الباء ميما، كقولهم شنباء وعنبر. والبكر والثيب يطلقان على الرجل والمرأة.
الصَّقع: الضرب على الرأس، ومنه: فرس أصقع وهو المبيض أعلى رأسه؛ والمراد ههنا الضرب على الإطلاق.
الاستيقاض: التغريب، من وفض وأوفض إذا عدا وأسرع.
التضريج: التدمية، من الضرج، وهو الشق.
الأضاميم: جماهير الحجارة: الواحدة إضمامة، إفعالة من الضم، أراد الرجم.
التوصيم: أصله من وصم القناة وهو صدعها، ثم قيل لمن به وجع وتكسُّر في عظامه موصم، كما قيل لمن في حسبه غميزة موصوم، ثم شبهّ الكسلان المتثاقل بالوجِع المتكسر، فقيل به توصيم. كما قيل: مرَّض في الأمر. والمعنى لا هوادة ولا محاباة في دين الله! الغُمّة: من غَمَّه إذا ستره؛ أي لا تُخفى فرائضه وإنما تُظهر ويُجاهر بها.
القِراب: شبه جراب يضع فيه المسافر زاده وسلاحه.
والقِراف: جمع قرف وهو ما يُحمل فيه الخلع. أوجب عليهم أن يزودوا كل عشرة من السرايا المجتازة ما يسعه هذا الوعاء من التمر.
* * * * سُئل عن بعير شرد فرماه بعضهم بسهم حبسه الله به عليه، فقال: إن هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا.
أوابد الوحش: نفّرها. أبدت تأْبدُ ُ وتأبِدُ أُبوداًن وهو من الأبد؛ لأنها طويلة العمر لا تكاد تموت إلا بآفة، ونظيره ما قالوه في الحية إنها سُميت بذلك لطول حياتها. وحكوا عن العرب: ما رأينا حية إلا مقتولة ولا نسراً إلا مقبَّشاً.
البهيمة: كل ذات أربع في البر والبحر، والمراد ههنا الأهلية، وهذه إشارة إليها.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - كانت رديته التأبط.
هو أن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن، ثم يلقيه على عاتقه الأيسر.
الرِّدية: اسم لضرب من ضروب التردي كاللبسة والجلسة؛ وليست دلالتها على أن لام رداء ياء بحتم، لأنهم قالوا: قنية، وهو ابن عمي دنيا.
* * * * عمرو - قال لعمر رضي الله عنه: إني والله ما تأبطتني الإماءُ، ولا حملتني البغايا في غبَّرات المآلي - أي لم يحضنني.
البغايا: جمع بغي فعول بمعنى فاعلة من البغاء.
الغُبَّرات: جمع غُبَّر، جمع غابر؛ وهو البقية.
المآلي: جمع مئلاة وهي خرقة الحائض ههنا، وخرقة النائحة في قوله:
وأنواحاً عليهن المآلي
ويقال: آلت المرأة إيلاء إذا اتخذت مئلاة. ويقولون للمتسلية المتألية. نفى عن نفسه الجمع بين سبتين: إحداهما أن يكون لغية، والثانية أن يكون محمولا في بقيةحيضة، وأضاف الغبَّرات إلى المآلي لملابستها لها.
* * * * يحيي بن يعمر - أي مال أديت زكاته فقد ذهبت أبلته.
همزتها عن واو، من الكلأ الوبيل، أي وباله ومأثمته.
* * * * وهب - لقد تأبل آدم على ابنه المقتول كذا وكذا عاماً لا يصيب حوَّاء.
أي امتنع من غشيان حوَّاء متفجعاً على ابنه، فعدَّى بعلى لتضمنه معنى تفجَّع، وهو من أبلت الإبل وتأبلت إذا جزأت.
* * * * في الحديث: يأتي على الناس زمان يغبط الرجل بالوحدة كما يغبط اليوم أبو العشرة. هو الذى له عشرة أولاد، وغبطته بهم أن رحله كان يخصب بما يصير إليه من أرزاقهم؛ وذلك حين كان عيالات المسلمين يرزقون من بيت المال.
وروى: يغبط الرجل بخفة الحاذ، أى بخفة الحال، حذف الراجع من صفة الزمان إليه، كما حذف في قوله تعالى: (واتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً).
والتقدير يغبطه ولا تجزيه، أي يغبط فيه ولا يجزي فيه.
* * * * لا تبع الثمر حتى تأمن عليه الأُبْلة.
هي العاهة بوزن الأُهبة، وهمزتها كهمزة الأبلة في انقلابها عن الواو من الكلأ الوبيل، إلا أنها منقلبة عن واو مضمومة، وهو قياس مطرد غير مفتقر إلى سماع، وتلك - أعني المفتوحة - لابد فيها من السماع.
* * * * مأْبورة في " سك " . ليس لها أبو حسن في " عض " . لا يؤبه له في " ضع " . إبَّان في " قح " . لا أبالك في " له " . أَبطحي في " قح " . مآبضه في " حن " . بأبي قحافة في " ثغ " . ابن أبي كبشة في " عن " . الإباق في " دف " .
* * * *
الهمزة مع التاء
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - سأل عاصم بن عدى الأنصاري عن ثابت بن الدحداح حين توفي: هل تعلمون له نسبا فيكم؟ فقال: إنما هو أتى فينا. فقضى بميراثه لابن أخته. هو الغريب إلى قدم بلادك. فعول بمعنى فاعل، من أتى. توفى ابنه إبراهيم فبكى عليه فقال: لولا أنه وعد حق، وقول صدق، وطريق مئتاء لحزنا عليك يا إبراهيم حزنا أشد من حزننا.
هو مفعال من الإتيان؛ أى يأتيه الناس كثيرا ويسلكونه، ونظيره دار محلال للتي تحل كثيرا، أراد طريق الموت.
وعنه عليه السلام أن أبا ثعلبة الخشني استفتاه في اللُّقَطة، فقال: ما وجدت في طريق مئتاء فعرِّفه سنة.
* * * * عثمان رضي الله عنه - أرسل سليط بن سليط وعبد الرحمن بن عتاب إلى عبد الله بن سلام فقال: ائتياه فتنكرا له وقولا: إنا رجلان أتاويان وقد صنع الناس ما ترى فما تأمر؟ فقالا له ذلك، فقال: لستما بأتاويين ولكنكما فلان وفلان وأرسلكما أمير المؤمنين.
الأتاوى: منسوب إلى الأتي وهو الغريب. والأصل أتويّ كقولهم في عدي عدوي، فزيدت الألف؛ لأن النسب باب تغيير، أو لإشباع الفتحة، كقوله: بمنتزاح. وقوله: لا تهاله.
ومعنى هذا النسب المبالغة، كقولهم في الأحمر أحمري، وفي الخارج خارجي، فكأنه الطارئ من البلاد الشاسعة. قال:
يُصْبِحْنَ بالقَفْرِ أَتَاوِيَّاتِ ... هَيْهَاتِ عن مُصْبَحها هَيْهَاتِ
هيهاتِ حَجْرٌ مِن صُنَيْبِعَات
* * * * عبد الرحمن - إن رجلا أتاه فرآه يؤَتِّي الماء في أرض له.
أي يطرِّقُ له ويسِّهل مجراه، وهو يُفَعِّل من الإتيان * * * * النخعي - إن جارية له يقال لها كثيرة زنت فجلدها خمسين، وعليها إتب لها وإزار.
هو البقيرة، وهي بردة تبقر أي تُشق فتلبس بلا كمين ولا جيب.
* * * *
الهمزة مع الثاء
النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصي اليتيم يأكل من ماله غير متأثل مالاً. أي غير متخذ إياه لنفسه أثلة، أي أصلا؛ كقولهم: تديرت المكان إذا اتخذته داراً؛ وتبنيته، وتسريتها، وتوسدت ساعدي.
ومنه حديث عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في أرضه بخيبر أن يحبس أصلها ويجعلها صدقة، فاشترط، فقال: ولمن وليها أن يأكل منها ويؤكل صديقا غير متأثل - وروى غير متمول.
* * * * خطب في حجته أو في عام الفتح فقال: ألا إن كل دمٍ ومالٍ ومأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي هاتين؛ منها دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج.
المأثرة: واحدة المآثر، وهي المكارم التي تؤثر؛ أي تروي، يعني ما كانوا يتفاخرون به من الأنساب وغير ذلك من مفاخر أهل الجاهلية.
سدانة الكعبة: خدمتها، وكانت هي واللواء في بني عبد الدار، والسقاية والرفادة إلى هاشم، فأُقرَّ ذلك في الإسلام عالى حاله. وإنما ذكر أحد الشيئين دون قرينه - أعني السدانة دون اللواء، والسقاية دون الرفادة؛ لأنهما لا يفترقان ولا يخلو أحدهما من صاحبه؛ فكان ذكر الواحد متضمنا لذكر الثاني.
وهذا استثناء من المآثر وإن احتوى العطف على ثلاثة أشياء. ونظيره قولك: جاءتني بنو ضبة، وبنو الحارث، وبنو عبس، إلا قيس بن زهير. وذلك لأن المعنى يدعوه إلى متعلقه.
قوله: تحت قدمي، عبارة عن الإهدار والإبطال، يقول الموادع لصاحبه: اجعل ما سلف تحت قدميك، يريد طأ عليه واقمعه.
الضمير في منها يرجع إلى معنى كل، كقوله تعالى: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ).
وكذلك الضمير في كانت وفي قوله فهي.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون لفظ كانت صفة للذي أُضيف إليه كل وللمعطوفين عليه فيستكن فيه ضميرها؟ قلت: لا والمانع منه أن الفاء وقع في الخبر لمعنى الجزاء الذي تتضمنه النكرة الذي هو كل، وحقه أن يكون موصوفاً بالفعل، فلو قطعنا عنه كانت لم يصلح لأن يقع الفاء في خبره؛ فكانت إذن في محل النصب على أنه صفة كل وكائن فيه ضميره، وفيه دليل على أن إنَّ لا يُبطل معنى الجزاء بدخوله على الأسماء المتضمنة لمعنى الشرط.
أبطل الدماء التي كان يطلب بها بعضهم بعضاً فيدوم بينهم التغاور والتناجز، والأموال التي كانوا يستحلونها بعقود فاسدة، هي عقود ربا في الإسلام، والمفاخر التي كانت ينتج منها كل شر وخصومة وتهاج وتعاد.
وأما دم ربيعة فقد قُتل له ابن صغير في الجاهلية فأضاف إليه الدم، لأنه وليه، وربيعة هذا عاش إلى أيام عمر.
* * * *
وفي الحديث: من سرَّة أن يبسط الله في رزقه وينسأ في أثره فليصل رحمه. قيل هو الأجل؛ لأنه يتبع العمر، واستشهد بقول كعب:
واَلمرْءُ ما عَاشَ ممدودٌ له أَمَلٌ ... لا يَنْتَهِي العمْرُ حتَّى يَنْتَهِي الأثَرُ
ويجوز أن يكون المعنى إن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم.
* * * * عمر رضي الله عنه - سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يحلف بأبيه، فهاه، قال: فما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً.
من آثر الحديث إذا رواه، أي ما تلفظت بالكلمة التي هي " بأبي " لا ذاكراً لها بلساني ذكراً مجرداً من عزيمة القلب ولا مخبّراً عن غيري بأنه تكلم بها؛ مبالغة في تصوني وتحفظي منها. وإنما قال حلفت، وليس الذكر المجرد ولا الإخبار بحلف حلفاً؛ لأنه لافظ بما يلفظ به الحالف.
* * * * الحسن رحمه الله - ما علمنا أحداً منهم ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثماً. أي تجنباً للإثم؛ ومثله: التحوّب والتحرّج والتهجّد.
* * * * من الأثام في " شب " . وأثرته في " كل " . فجلد بأثكول النخل في " حب " . لآثين بك في " تب " . الأثل في " زخ " .
* * * *
الهمزة مع الجيم
النبي صلى الله عليه وسلم - من بات على إجارٍ ليس عليه ما يرد قدميه فقد برئت منه الذمة، ومن ركب البحر إذا التجَّ - وروى ارتجَّ - فقد برئت منه الذمة. أو قال: فلا يلومن إلا نفسه.
الإجَّار: السطح.
ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ظهرت على إجَّارٍ لحفصة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على حاجته مستقبلاً بيت المقدس مستدبراً الكعبة. وكذلك الإِجار. وجاء في حديث الهجرة: فتلقى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق وعلى الأناجير.
ما يردُّ قدميه: أي لم يحوَّط بما يمنع من الزليل والسقوط.
الذمة: العهد كأن لكل أحد من الله ذمة بالكلاءة، فإذا ألقى بيده إلى التهلكة فقد خذلته ذمة الله وتبرأت منه.
التجَّ: من اللجة، وارتجَّ: من الرجَّة وهي الصوت والحركة. وارتجَّ: زخر وأطبق بأمواجه، قال:
في ظُلْمَةٍ من بعيدِ القَعْرِ مِرْتَاجِ
* * * * أراد أن يصلي على جنازة رجل فجاءت امرأة معها مجمر، فما زال يصيح بها حتى توارت بآجام المدينة.
هي الحصون، الواحد أجم، سمي بذلك لمنعه المتحصن به من تسلط العدو. ومنه الأجمة لكونها ممنَّعة، وأجم الطعام: امتنع منه كراهية. وكذلك الأطم لقولهم: به إطام، وهو احتياس البطن، ولالتقائهما قالوا: تأطم عليه وتأجم إذا قوى غضبه.
* * * * قال له رجل: إني أعمل العمل أُسرّه فإذا اطّلِع عليه سرني. فقال: لك أجران: أجر السر وأجر العلانية.
عرف منه أن مسرته بالاطلاع على سره لأجل أن يقتدى به؛ فلهذا بشره بالأجرين.
أُسره في محل النصب على الحال أي مُسرَّا له.
* * * * مكحول رحمه الله - كنا مرابطين بالساحل فتأجل متأجل، وذلك في شهر رمضان، وقد أصاب الناس طاعون فلما صلينا المغرب، ووضعت الجفنة قعد الرجل وهم يأكلون فخرق.
أي سأل أن يُضرب له أجل ويؤذن له في الرجوع إلى أهله؛ فهو يمعنى استأجل، كما قيل تعجّل بمعنى استعجل.
خَرِق: سقط ميتا، وأصل الخَرِق أن يبهت لمفاجأة الفزع.
* * * * في الحديث في الأضاحي: كلوا وادَّخروا وأتجروا.
أي اتخذوا الأجر لأنفسكم بالصدقة منها، وهو من باب الاشتواء والاذِّباح. واتجروا على الإدغام خطأ؛ لأن الهمزة لا تُدغم في التاء، وقد غُلط من قرأ: الذي اتُّمن، وقولهم: اتَّزر عاميّ، والفصحاء على ائتزر.
وأما ما روي أن رجلا دخل المسجد وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته فقال: من يتَّجر فيقوم فيصلي معه.
فوجهه - إن صحّت الرواية - أن يكون من التجارة؛ لأنه يشتري بعمله المثوبة، وهذا المعنى يعضده مواضع في التنزيل والأثر، وكلام العرب.
* * * * فخرج بها يؤجُّ في " دو " . ارتوى من آجن في " ذم " . أجم النساء في " ثم " . ترمض فيه الآجال في " رص " . أَجنك في " جل " . أَجل في " ذق " .
* * * *
الهمزة مع الحاء
النبي صلى الله عليه وسلم - قال لسعد بن أبي وقاص ورآه يومئ باصبعيه: أَحِّدْ أَحِّدْ.
أراد وَحِّد، فقلب الواو بهمزة، كما قيل أحد وأُحاد وإحدى، فقد تلعَّب بها القلب مضمومة ومكسورة ومفتوحة. والمعنى أشر بإصبع واحدة.
* * * *
ابن عباس رضي الله عنهما - سُئل عن رجل تتابع عليه رمضانان فسكت، ثم سأله آخر، فقال: إحدى من سبع، يصوم شهرين ويُطعم مسكينا.
أراد أن هذه المسألة في صعوبتها واعتياصها داهية، فجعلها كواحدة من ليالي عاد السبع التي ضُربت مثلا في الشدة. تقول العرب في الأمر المتفاقم: إحدى الإحد وإحدى من سبع.
* * * * في الحديث: في صدره إِحنة على أخيه. هي الحقد، قال:
متى يَكُ في صَدْرِ ابْن عَمِّكَ إِحْنَةٌ ... فلا تَسْتَثِرْها سوف يَبْدُو دَفِيُنها
وأحن عليه يأحن، ولعل همزتها عن واو؛ فقد جاء وحن بمعنى ضغن. قال أبو تراب: قال الفراء: وحن عليه، وأحن؛ أي حقد. وعن اللحياني وحن عليه وحنة؛ أي أحن إحنة، وأما ما حكى عن الأصمعي أنه قال: كنا نظن أن الطرماح شيء حتى قال:
وأَكره أن يعيبَ عليّ قومي ... هجائي الأَرْذَلين ذوي الحِنَاتِ
فاسترذال منه لوحن وقضاء على الهمز بالإصالة، أو برفض الواو في الاستعمال.
* * * * أحد أحد في " شب " .
* * * *
الهمزة مع الخاء
عمر رضي الله عنه - كان يكلم النبي عليه الصلاة والسلام كأخي السرار، لا يسمعه حتى يستفهمه.
أي كلاما كمثل المسارة وشبهها لخفض صوته. قال امرؤ القيس:
عَشِيَّةَ جَاوَزْنَا حَمَاةَ وسَيْرُنا ... أَخُو الجَهْد ِلا نلوي عَلَى مَنْ تَعَذَّرَا
ويجوز في غير هذا الموضع أن يُراد بأخي السرار الجهار، كما تقول العرب: عرفت فلاناً بأخي الشر، يعنون الخير يريدون بالشر. ولو أُريد بأخي السرار المُسار كان وجهاً، والكاف على هذا في محل النصب على الحال. وعلى الأول هي صفة المصدر المحذوف، والضمير في لا يسمعه يرجع إلى الكاف إذا جُعلت صفة للمصدر.
ولا يسمعه منصوب المحل بمنزلة الكاف على الوصفية، وإذا جُعلت حالا كان الضمير لها أيضا إلا أنه قُدِّر مضاف محذوف، كقولك يسمع صوته، فحذف الصوت وأقيم الضمير مقامه، ولا يجوز أن يجعل لا يسمعه حالا من النبي صلى الله عليه وسلم لأن المعنى يصير خلفا.
* * * * عائشة رضي الله عنها - جاءتها امرأة فقالت: أُؤخِّذُ جملي؟ فلم تفطن لها حتى فُطِّنت فأمرت بإخراجها - وروي أنها قالت: أ أقيد جملي؟ فقالت: نعم. فقالت: أ أقيد جملي؟ فلما علمت ما تريد قالت: وجهي من وجهك حرام.
جعلت تأخيذ الجمل وهو المبالغة في أخذه وضبطه مجازاً عن الاحتيال لزوجها بحيل من السحر تمنعه بها عن غيرها، ويقال: لفلانة أُخذة تُؤخذ بها الرجال عن النساء.
حرام: أي ممنوع من لقائه، تعني أني لا ألقاك أبداً.
* * * * مسروق رحمه الله - ما شبهت أصحاب محمد إلا الإخاذ؛ تكفي الإخاذة الراكب وتكفي الإخاذة الراكبين، وتكفي الإخاذة الفئام من الناس.
هي المستنقع الذي يأخذ ماء السماء. وسمي مساكة لأنها تُمسكه، وتنهيه ونهيا لأنها تنهاه، أي تحبسه وتمنعه من الجري، وحاجرا لأنه يحجره، وحائراً لأنه يحار فيه فلا يدري كيف يجري. قال عدي:
فاضَ فيه مِثْل العُهُونِ من الرَّوْ ... ضِ وما ضَنَّ بالإخَاذِ غُدُرْ
وفي بعض الحديث: وكان فيها إخاذات أمسكت الماء. يقال: شبهت الشيء بالشيء، ويعدي أيضا إلى مفعولين فيقال: شبهته كذا؛ وعليه ورد الحديث.
الفِئام: الجماعة التي فيها كثرة وسعة، من قولهم للهودج الذي فُئم أسفله، أي وسع، وللأرض الواسعة: الفئام. والمفام من الرحال: الواسع المزيد فيه بنيقتان، ومن الرجال: الواسع الجوف. أراد تفاضلهم في العلوم والمناقب.
* * * * في الحديث: لا تجعلوا ظهوركم كأخايا الدواب.
هي جمع آخية، وهي قطعة حبل تُدفن طرفاها في الأرض فتظهر مثل العروة فتشد إليها الدابة، وتسمى الآري والإدرون، وهذا الجمع على خلاف بنائها، كقولهم في جمع ليلة: ليال. وجمعها القياسي أواخي كأواري. وقياس الأخايا أخية كألية وألايا، كما أن قياس واحدة الليالي ليلاة.
أراد تقوسوها في الصلاة حتى تصير كهذه العُرى.
* * * * جوف الليل الآخر في " سم " .
* * * *
الهمزة مع الدال
النبي صلى الله عليه وسلم - قال للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه - وخطب امرأة - لو نظرت إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما.
الأدم والإيدام: الإصلاح والتوفيق. من أدم الطعام وهو إصلاحه بالإدام وجعله موافقاً للطعام.
لو هذه: في معنى ليت، والذي لاقى بينهما أن كل واحدة منهما في معنى التقدير. ومن ثم أجيبت بالفاء، كأنه قيل ليتك نظرت إليها فإنه، والغرض الحث على النظر. ومثله قولهم: لو تأتيني فتحدثني، على معنى ليتك تأتيني فتحدثني.
والهاء في قوله: فإنه راجعة إلى مصدر نظرت، كقولهم: من أحسن كان خيراً له.
وقوله: أن يؤدم: أصله بأن يؤدم، فحذفت الباء، وحذفها مع أنْ وأنّ كثير. والمعنى فإن النظر أولى بالإصلاح وإيقاع الأُلفة والوفاق بينكما، ويجوز أن تكون الهاء ضمير الشأن. وأحرى أن يؤدم جملة في موضع خبر أن.
* * * * نعم الإدام الخل.
هو اسم لكل ما يؤتدم به ويصطبغ، وحقيقته ما يؤدم به الطعام أي يُصلح، وهذا البناء يجيء لما يُفعل به كثيراً، كقولك: الرِّكاب لما يركب به، والحزام لما يحزم به؛ ونظائره جمَّة.
* * * * لما خرج إلى مكة عرض له رجل فقال: إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج. فقال: إن الله منع من بني مدلج لصلتها الرحم، وطعنهم في ألباب الإبل - وروى لبات.
الأدمة من الإبل: البياض مع سواد المقلتين.
عليك: من أسماء الفعل، يقال: عليك زيدا أي الزمه، وعليك به: أي خذ به، والمراد هاهنا أوقع ببني مدلج.
الألباب: جمع لبب، وهو المنحر، واللبة مثله، وقيل: جمع لب، وهو الخالص؛ يعني أنهم ينحرون خالصة إبلهم وكرائمها. ويجوز أن يكون جمع لبة على تقدير حذف التاء، كقولهم في جمع بدرة بدر وشدة أشد. وصفهم بالكرم وصلة الرحم وأنهم بهاتين الخصلتين استوجبوا الإمساك عن الإيقاع بهم.
* * * * أمير المؤمنين علي رضي الله عنه - سنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله؛ ما لقيت بعدك من الإدد والأود - وروى من اللدد! والإدة: الداهية، ومنها قوله تعالى: (لقد جئتمُ شَيْئاً إدّا). والأود: العوج. واللدد: الخصومة.
ما لقيت بعدك: يريد أي شيء لقيت! على معنى التعجب، كقوله:
يا جارتَا ما أنتِ جارهْ
ابن مسعود رضي الله عنه - إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلَّموا من مأدبته - وروى مأدبة الله فمن دخل فيها فهو آمن.
المأدبة: مصدر بمنزلة الأدب، وهو الدعاء إلى الطعام كالمعتبة بمعنى العتب. وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوكيرة والوليمة. وشبهها سيبويه بالمسربة، وغرضه أنها ليست كمَفْعَلة ومَفْعلة في كونهما بناءين للمصادر والظروف.
وفي حديث كعب رحمه الله: إنه ذكر ملحمة للروم، فقال: ولله مأدبة من لحوم الروم بمروج عكَّاء.
أي ضيافة للسباع.
وعكاء: موضع.
* * * * في الحديث: يوشك أن يخرج جيش من قبل المشرق آدى شيء وأعده، أميرهم رجل طوال أدلم أبرج.
آدي وأعد: من الأداة والعدة، أي أكمل شيء أداة، وأتمه عدة، وهما مبنيان من فِعْلٍ على تقدير فَعُل، وإن كان غير مستعمل، كما قال سيبويه في قولهم: ما أشهاها! بمعنى ما أفضلها في كونها مشتهاة: إنه على تقدير فَعُل وإن يُستعمل. ويجوز أن يكون من قولك: رجل مؤد: أي كامل الأدوات. أو من استعد على حذف الزوائد كقولهم: هو أعطاهم للدينار والدرهم. وهو آداهم للأمانة. ويجوز أن يكون الأصل آيد شيء وأعتده فقيل: آدى على القلب، كقولهم: شاكٍ في شائك. وأعدّ على الإدغام، كقولهم ودّ في وتدِ.
الطوال: البليغ الطول، والطوَّال أبلغ منه.
الأدلم الأسود، ومنه سمي الأرندج بالأدلم.
الأبرج: الواسع العين الذي أحدق بياض مقلته بسوادها كله لا يغيب منه شيء، ومنه التبرج وهو إظهار المرأة محاسنها. وسفينة بارجة لا غطاء عليها.
* * * * في الأُداف الدية كاملة.
هو الذّكر. فُعال من ودف إذا قطر، وقلبُ الواو المضمومة همزة قياس مطرد. قال:
أولْجتُ في كَعْثَبِهَا الأُدَافَا ... مِثْلَ الذِّرَاعِ يَمْتَرى النِّطَافَا
ويروى الأُذاف - بالذال المعجمة - من وذف، بمعنى قطر أيضا.
كاملة نصب على الحال، والعامل فيها ما في الظرف من معنى الفعل والظرف مستقر، ويجوز أن تُرفع على أنها خبر ويبقى الظرف لغواً.
* * * * آدمة في " قر " . أدبه في " نج " . فاستألها في " سو " . مؤدون في " قو " " آدم " في " هب " و " زه " .
* * * *
الهمزة مع الذال
النبي صلى الله عليه وسلم - ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن.
والأذن: الاستماع. ومنه قوله تعالى: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ). وقال عدي:
في سَمَاعٍ يَأْذَنُ الشَيْخُ لَهُ ... وحَدِيثٍ مثْلِ ماذِيٍّ مُشَار
المراد بالتغني: تحزين القراءة وترقيقها. ومنه الحديث: زينوا القرآن بأصواتكم.
* * * * وعن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه - أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الفتح. فقال: لولا أن يجتمع الناس لحكيت تلك القراءة وقد رجَّع. والمعنى بهذا الاستماع الاعتداد بقراءة النبي وإبانة مزيتها وشرفها عنده. ومنه قولهم: الأمير يسمع كلام فلان؛ يعنون أن له عنده وزنا وموقعا حسنا.
* * * * في الحديث: كل مؤذٍ في النار.
يريد أن كل ما يؤذي من الحشرات والسباع وغيرها يكون في نار جهنم عقوبة لأهلها. وقيل: هو وعيد لمن يُؤذي الناس.
وأما الأذى في قوله: الإيمان نيف وسبعون درجة أدناها إماطة الأذى عن الطريق؛ فهو الشوك والحجر وكل ما يؤذي المسالك.
وفي قوله في الصبي: أميطوا الأذى عنه؛ هو العقيقة تحلق عنه بعد أسبوع.
* * * * بين الأذانين في " قر " . الأذربيّ في " بر " .
* * * *
الهمزة مع الراء
النبي صلى الله عليه وسلم - أُتي بكتف مُؤَرَّبة فأكلها وصلى ولم يتوضأ.
هي الموفَّرَة التي لم يُؤخذ شيء من لحمها، فهي متلبسة بما عليها من اللحم متعقِّدة به؛ من أربت العقدة إذا أُحكمت شدّها.
من الناس من يوجب الوضوء بأكل ما مسته النار، وعن أهل المدينة أنهم كانوا يرون هذا الرأي، وهذا الحديث وأشباهه ردٌّ عليهم.
* * * * إن الإسلام ليأزر إلى المدينة كما تأزر الحية إلى جحرها.
أي تنضوي إليه وتنضم، ومنه الأروز للبخيل المنقبض.
وعن أبي الأسود الدؤلي: إن فلانا إذا سُئل أرز، وإذا دُعي انتهز - وروى اهتز.
* * * * قال يزيد بن شيبان: أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف بمكانٍ يباعده عمرو، فقال: أنا رسولُ رسولِ الله إليكم، اثبتوا على مشاعركم هذه، فإنكم على إرثٍ من إرث إبراهيم.
هو الميراث، وهمزته عن واو، كإشاح وإسادة، وهذا قياس عند المازني. من للتبيين، مثلها في قوله تعالى: (فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ).
المشاعر: مواضع النسك؛ لأنها معالم للحج.
* * * * أُتي بلبن إبل أوراك وهو بعرفة فشرب منه - أتاه به العباس.
أرَكَت الإبِلُ تَأْرِك وتَأْرُك: أقامت في الأراك؛ فُعِل ذلك ليعلم أصائم هو أم مفطر.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر بصيامه ولا أنهي عنه.
* * * * اشتكى إليه رجل امرأته، فقال: اللهم أرِّ بينهما - وروى أنه دعا بهذا الدعاء لعلي وفاطمة عليهما السلام.
التأرية: التثبيت والتمكين. ومنه الآري. وتقول العرب: أرِّ لفرسك وأوكد له؛ أي اشدد له آريا في الأرض؛ وهو المحبس من وتد أو قطعة حبل مدفونة.
والمعنى الدعاء بثبات الود بينهما.
* * * * قال له أبو أيوب رضي الله عنه: يا سول الله؛ دُلني على عمل يدخلني الجنة. فقال: أرِبَ ما له؟ تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم - وروى أَرِبٌ ماله! قيل في أرب: هو دعاء بالافتقار من الأرب، وهو الحاجة، وقيل: هو دعاء بتساقط الآراب؛ وهي الأعضاء.
وماله: بمعنى ما خطبه؟ وفيه وجه آخر لطيف؛ وهو أن يكون أرب مما حكاه أبو زيد من قولهم: أرِب الرجل إذا تشدد وتحكّر؛ من تأريب العقدة، ثم يتأول بمنع؛ لأن البخل منع، فيعدى تعديته، فيصير المعنى منعز ماله: دعاء عليه بلصوق عار البخلاء به ودخولهم له في غمار اللئام على طريقة طباع العرب، كقول الأشتر:
بًقَّيت وَفْرى وانحرفتُ عن العُلاَ ... ولقِيتُ أضيافي بوجْهِ عَبُوس
وكذلك حديث عمر رضي الله عنه: إن الحارث بن أوس سأله عن المرأة تطوف بالبيت، ثم تنفر من غير أن أَزِف طواف الصدر إذا كانت حائضاً. فأفتاه أن يفعل ذلك، فقال الحارث: كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: أربت عن ذي يديك.
وروى: أربت من ذي يديك؛ أتسألني وقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كي أخالفه؟ ومعناه مُنعت عما يصيب يديك وهو ماله.
ومعنى أربت من يديك: نشأ بخلك من يديك، والأصل فيما جاء في كلامهم من هذه الأدعية التي هي: قاتلك الله، وأخزاك الله، ولا درّ درك، وتربت يداك وأشباهها. وهم يريدون المدح المفرط والتعجب للإشعار بأن فعل الرجل أو قوله بالغٌ من الندرة والغرابة المبلغ الذي لسامعه أن يحسده وينافسه حتى يدعو عليه تضجرا أو تحسرا، ثم كثر ذلك حتى استعمل في كل موضع استعجاب؛ وما نحن فيه متمحض للتعجب فقط. ولتغيّر معنى قاتله الله عن أصل موضوعه غيروا لفظه، فقالوا: قاتعه الله وكاتعه.
ويجوز أن يكون على قول من فسر أَرِب بافتقر وأن يجري مجرى عدم فيعدّى إلى المال. وأما أَرِب فهو الرجل ذو الخبرة والفطنة. قال:
يَلُفُّ طَوائِفَ الفرسا ... ن وَهْوَ بِلَفِّهِمْ أَرِبُ
وهو خبر مبتدأ محذوف، تقديره هو أرب، والمعنى أنه تعجّب منه أو أخبر عنهبالفطنة أولاً ثم قال: ماله؟ أي لِمَ يستفتي فيما هو ظاهر لكل فًطن، ثم التفت إليه فقال: تعبد الله، فعدد عليه الأشياء التي كانت معلومة له تبكيتاً.
وروى أن رجلا اعترضه ليسأله فصاح به الناس فقال عليه السلام: دعوا الرجل أرب ماله؟ قيل معناه احتاج فسأل. ثم قال: ماله؟ أي ما خطبه يُصاح به - وروى دعوه فأَرب ما له: أي فحاجة ما له. وما إبهامية، كمثلها في قولك: أريد شيئاً ما.
* * * * ذكر الحيات فقال: من خشي إربهن فليس منا.
أي دهيهن وخبثهن، ومنه المواربة؛ والمعنى ليس من جملتنا من يهاب الإقدام عليهن ويتوقى قتلهن كما كان أهل الجاهلية يدينونه.
* * * * لا صيام لمن لم يؤرضه من الليل.
أي لم يهيئه بالنية، من أرضت المكان: إذا سويته، وهو من الأرض.
* * * * عن أبي سفيان بن حرب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يوفك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك الأريسيين، ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم...الآية.
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده اللجب، وارتفعت الأصوات.
الأريس والأريسي: الأكار. قال ابن الأعرابي: وقد أَرسَ يأْرِس أَرْساَ وأَرَّس. والمعنى أن أهل السواد وما صاقبه كانوا أهل فلاحة وهم رعية كسرى ودينهم المجوسية، فأعلمه أنه إن لم يؤمن - وهو من أهل الكاب - كان عليه إثم المجوس الذين لا كتاب لهم. فلما قال: يعني الرسول الذي أوصل الكتاب إليهم وقرأه على هرقل.
اللّجب: اختلاط الأصوات، وأصله من لجب البحر، وهو صوت التطام أمواجه.
* * * * إذا وقعت الأُرف فلا شفعة.
هي الحدود.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه: إنه خرج إلى وادي القرى، وخرج بالقسام، فقسموا على عدد السهام، وأعلموا أُرفها، وجعلوا السهام تجري؛ فكان لعثمان خطر، ولعبد الرحمن بن عوف خطر، ولفلان خطر، ولفلان نصف خطر.
الخطر: النصيب، ولا يُستعمل إلا فيما له قدر ومزية، يقال فلان خطير فلان، أي معادله في المنزلة.
* * * * وفي الحديث: أي مال اقتسم وأُرّف عليه فلا شفعة فيه.
أي أديرت عليه أُرف.
* * * * عمر رضي الله عنه - قال أسلم مولاه: خرجت معه حتى إذا كنا بحرة واقم فإذا نار تؤرّت بصرار، فخرجنا حتى أتينا صرارا فقال عمر: السلام عليكم يأهل الضوء، وكره أن يقول يأهل النار، أ أدنو؟ فقيل: ادن بخير أودع، قال: وإنذ هم ركب قد قصر بهم الليل والبرد والجوع، وإذا امرأة وصبيان، فنكص على عقبيه، وأدبر يهرول حتى أتى دار الدقيق، فاستخرج عدلا من دقيق، وجعل فيه كبة من شحم، ثم حمله حتى أتاهم، ثم قال للمرأة: ذرّي وأنا أحرُّ لك.
تأريث النار: إيقادها.
صرار: بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق.
أودع: يريد أودع الدنو إن لم يكن بخير.
وإذا هم: هي إذا المفاجأة. وهي اسم أي ظرف مكان، كأنه قال: وبحضرته هم ركب، والمعنى أنهم فجئوه عند دنوه.
قصر بهم: حبسهم عن السير.
الهرولة: سرعة المشي.
الكبة: الجروهق.
الذر: التفريق، يقال ذر الحب في الارض، وذر الدواء في العين.
والمراد ذري الدقيق في القدر.
أحُرُّ - بالضم: أتخذ حريرة، وهي حساء من دقيق ودسم.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - أزلزلت الأرض أم بي أرض.
هي الرعدة. قال ذو الرمة:
إذَا تَوَجَّسَ رِكْزاً مِنْ سَنَابكها ... أَوْ كانَ صاحبَ أرْض أَوْ بِهِ مُومُ
* * * * عائشة رضي الله عنها - كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبّل ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه.
والإرب: الحاجة. وقيل هو العضو، أرادت بملكه حاجته أو عضوه قمعه لشهوته.
* * * * عبد الرحمن بن يزيد رضي الله عنه - قال محمد ابنه: قلت له في إمرة الحجاج: يا أبة؛ أنغزو! فقال: يا بني لو كان رأي الناس مثل رأيك ما أُدي الاريان.
هو الخراج. قال الحيقطان:
وقلتم لَقَاحٌ لا تؤدِّي إِتاوةً ... وإعطاءُ أَرْيَان من الضُّر أَيْسَر
وكأنه فعلان من التأرية؛ لأنه شيء أكد على الناس وألزموه. وقيل الأشبه بكلام العرب أن يكون الأربان بالباء وهو الزيادة على الحق. يقال: أربان وعربان.
* * * * الشعبي رحمه الله - اجتمع جوار فأرنّ وأشرن ولعبن الحزقَّة.
الأرن: النشاط، ومهر أرن. ومنه قول زيد بن عدي للنعمان: لقد عقدت لك آخية لا يحلها المهر الأرن.
الحزقة: لعبة، من التحزق وهو التقبض.
* * * * عون رحمه الله - ذكر رجلا فقال: تكلم فجمع بين الأروى والنعام. أي بين كلامين متباعدين؛ لأن الأروى جبلية والنعام سهلية.
وفي أمثالهم: ما يجمع بين الأروى والنعام؟ * * * * في الحديث: مؤاربة الأريب جهل وعناء.
وهي المداهاة والمخاتلة، من الإرب وهو الدهاء والنكر. يريد أن العاقل لا يُخدع.
كيف تبلغك صلاتنا وقد أرمت.
* * * * قيل: معناه بليت.
* * * * كمثل الأرزة في " خو " . جعلت عليه آراما في " سر " . ذي أروان في " طب " . مس أرنب في " غث " . كما تتوقل الأروية في " وق " . والأرف تقطع في " فح " . إربة أربتها في " حو " . أرز في " هي " . الأرنبة والأرينة في " قل " . أرن في " ري " . أرز الكلام في " جد " .
* * * *
الهمزة مع الزاي
النبي صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. هو الغليان.
المرجل، عن الأصمعي: كل قدر يُطبخ فيها من حجارة أو خزف أو حديد. وقيل: إنما سمي بذلك لأنه إذا نُصب فكأنه أُقيم على أرجل.
في حديث كسوف الشمس - قال: فدفعنا إلى المسجد، فإذا هو بأزز - وروى: يتأزز، وذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه خطب وذكر خروج الدجال، وأنه يحصر المسلمين في بيت المقدس، قال: فيؤزلون أزلا شديداً.
الأزز: الامتلاء والتضام.
وعن أبي الجزل الأعرابي: أتيت السوق فرأيت النساء أززاً. قيل: ما الأزز؟ قال: كأزز الرمانة المحتشية.
يتأزز: يتفعل من الأزيز، وهو الغليان؛ أي يغلي بالقوم لكرتهم.
الإحصار: الحبس.
يؤزلون: يضيق عليهم. يقال: أزلت الماشية والقوم: حبستهم وضَّيقت عليهم.
وأزلوا: قحطوا.
* * * * في حديث المبعث - قال ورقة بن نوفل: إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. أي قوياً، من الأزر وهو القوة والشدة، ومنه الإزار؛ لأن المؤتزر يشد به وسطه، ويحكى صلبه، من قوله:
فَوْقَ مَنْ أَحْكَأَ صُلْباً بإزَارِ
وأزرت الرجل: شددت عليه الإزار. فكأن المؤزر مستعار من هذا، ومعناه المشدد المقوي. قال جواس:
وأيامَ صدق كلَّها قد علمتم ... نصرنا ويوم المَرْج نصراً مُؤَزّرا
* * * * قال للأنصار ليلة العقبة: أُبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه أُزرنا.
كنى عن النساء بالأزر كما كنى عنهن باللباس والفرش. وقيل: أراد نفوسهم من قوله:
أَلاَ أَبْلِغ أبا حَفْصٍ رَسُولاً ... فِدىً لَك من أَخِي ثِقَةٍ إِزَارِي
وهذا كما قيل في قول ليلى:
رَمَوْها بأَثوابٍ خفاف فلَنْ تَرَى ... لها شبها إلا النَّعامَ المنفَّرا
أرادت النفوس.
* * * * كان إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله وشد المئزر - وروى: ورفع المئزر. أي أيقظهم للصلاة واعتزل النساء، فجعل شد الإزار كناية عن الاعتزال كما يُجعل حله كناية عن ضد ذلك. قال الأخطل:
قومٌ إذا حاربُوا شَدُّوا مَآزرهم ... دون النساءِ ولو باتت بأطْهَار
ويجوز أن يراد تشميره للعبادة، ومن شأن المشمر المنكمش أن يقلص إزاره ويرفع أطرافه ويشدها. وقد كثر هذا في كلامهم حتى قال الراجز في وصف حمار وحشٍ ورد ماءً:
شَدَّ على أَمْرِ الورُودِ مِئزَرَهْ ... لَيْلاً وما نَادَى أَذِينُ اَلمَدَرَهْ
* * * * اختلف من كان قبلنا على ثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرها؛ فرقة آزت الملوك وقاتلهم على دين الله ودين عيسى حتى قُتلوا. وفرقة لم تكن لهم طاقة بمؤازاة الملوك، فأقاموا بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى؛ فأخذتهم الملوك فقتلتهم وقطعتهم بالمناشير. وفرقة لم تكن لهم طاقة بمؤازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهراني قومهم فيدعوهم إلى دين الله ودين عيسى فساحوا في الجبال وترهبوا، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا).
المؤازاة: المقاومة، من قولك، هو إزاء مال، أي قائم به.
سائرها: باقيها، اسم فاعل من سأر إذا بقى، ومنه سؤر. وهذا مما تغلط فيه الخاصة فتضعه موضع الجميع.
أقام فلان بين أظهر قومه وظهرانيهم: أي أقام بينهم.
وإقحام الأظهر: وهو جمع ظهر - على معنى أن إقامته فيهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم. وأما ظهرانيهم فقد زيدت فيه الألف والنون على ظهر عند النسبة للتأكيد، كقولهم: في الرجل العيون نفساني وهو نسبة إلى النفس بمعنى العين، والصيدلاني والصيداني منسوبان إلى الصيدب والصيدن، وهما أصول الأشياء وجواهرها. فألحقوا الألف والنون عند النسبة للمبالغةن وكأن معنى التثنية أن ظهراً منهم قدامة وآخر وراءه، فهو مكنوف من جانبيه، هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقاً وإن لم يكن مكنوفا.
* * * * أبو بكر - رضي الله عنه - قال للأنصار يوم سقيفة بني ساعدة: لقد نصرتم وآزرتم وآسيتم.
أي عاونتم وقوّيتم.
آسيتم: وافقتم وتابعتم؛ من الأسوة وهي القدوة.
* * * * نظرت يوم أُحد إلى حلقة درع قد نشبت في جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكببت لأنزعها، فأقسم علي أبو عبيدة فأزم بها بثنيته فجذبها جذباً رفيقاً.
الأزم والأرم: العض. ويقال للأسنان: الأُزَّم والأُرّم.
عمر - رضي الله عنه - سأل الحارث بن كلدة: ما الدواء؟ فقال: الأَزم. هو الحمية. ومنه الأزمة من المجاعة والإمساك عن الطعام.
* * * * فأَزم القوم في " حف " . عام أزبة في " صف " . مؤزلة في " صب " . أزب في " ول " . أزلكم في " ال " . متزر في " كس " . بإزاء الحوض في " شب " . إزر صاحبنا في " حش " . فأزم عليها في " هت " .
* * * *
الهمزة مع السين
النبي صلى الله عليه وسلم - سُئل عن موت الفجأة. فقال: راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر.
أي أخذة سخط، من قوله تعالى: (فَلَّما آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ). وذلك لأن الغضبان لا يخلو من حزن ولهف، فقيل له أسف. ثم كثر حتى استعمل في موضع لا مجال للحزن فيه.
وهذه الإضافة بمعنى من كخاتم فضة؛ ألا ترى أن اسم السخط يقع على أخذة وقوع اسم الفضة على خاتم. وتكون بمعنى اللام نحو قوله: قول صدق ووعد حقٍ.
* * * * ومنه حديث النخعي رحمه الله: إن كانوا ليكرهون أخذة كأخذة الأسف. إن هذه هي المخففة من الثقيلة، واللام للفرق بينها وبين إن النافية. والمعنى إنه كانوا يكرهون؛ أي إن الشأن والحديث هذا.
* * * * أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبة في الدنيا معروفا، فإذا حال بينه وبينه ما هو أولى به استرجع ثم قال: رب آسني لما أمضيت، وأعني على ما أبقيت - وروى أسني مما أمضيت - وروى أثبني على ما أمضيت.
التأسية: التعزية، وهي تحريض المصاب على الأسى والصبر. والمعنى امنحني الصبر لأجل من مضيته. وإنما قال " ما " ذهاباً إلى الصفة.
أُسني من الأوس وهو العوض. قال رؤبة:
يا قائد الجيش وزيد المجلس ... أُسْنِي فقد قلّت رفَادُ الأَوْسِ
على ما أبقيت: أي على شكره، فحذف. استمنحه الصبر على الماضي أو الخلف عنه، واستوزعه الشكر على الباقي.
أيغلب: من غلب فلان عن كذا إذا سلبه وأخذ منه.
والأصل على أن يصاحب فحُذف، وحذف حرف الجر مع أن شائع كثير، ومعناه أتؤخذ منه استطاعة ذلك حتى لا يفعله.
التصغير في الصويحب بمعنى التقريب وتلطيف المحل.
معروفا: أي صحابا مرضيا تتقبله النفوس فلا تنكره ولا تنفر عنه.
ما هو أولى به: أي أخلق به من صحبته، وهو الانتقال إلى جوار ربه.
* * * * كتب: من محمد رسول الله لعباد الله الأسديين؛ ملوك عُمان وأسد عُمان، من كان منهم بالبحرين - وروى الأسبذين.
أهل العلم بالنسب يقولون في القبيلة التي من اليمن التي تسميها العامة الأزد: الأسد. والأسبذون: كلمة أعجمية معناها عبدة الفرس. وكانوا عبدون فرساً، والفرس بالفارسية أسب.
* * * * عمر رضي الله عنه - إن رجلاً أتاه فذكر أن شهادة الزور قد كثرت في أرضهم، فقال: لا يؤسر أحد في الإسلام بشهداء السوء، فإنا لا نقبل إلا العدول.
أي لا يُسجن، وفسر قوله تعالى: (وَيَتِيماً وَأسِيرا)؛ بالمسجون.
* * * * علي رضي الله عنه - لا قود إلا بالأسل.
هو كل حديد رهيف من سنان وسيف وسكين. والأسل في الأصل الشوك الطويل فشبه به، والمؤسل المحدد. قال مزاحم:
تُبَارى سَدِيسَاها إذا ما تَلَمَّجَتْ ... شباً مِثْل إبْزِيم السِّلاَحِ المُؤَسَّلِ
* * * * عائشة رضي الله عنها - قالت حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه الذي مات فيه: إن أبا بكر رجل أسيف، ومتى يقم مقامك لا يقدر على القراءة.
هو السريع الحزن والبكاء، فعيل بمعنى فاعل من أسف، كحزين من حزن، ويقال: أسُوف أيضاً.
* * * * خالد الربعي رحمه الله - إن رجلا من عباد بني إسرائيل أذنب ذنباً ثم تاب، فثقب رقوته فجعل فيها سلسلة، ثم أوثقها إلى آسية من أواسي المسجد.
هي السارية، قال النابغة:
فإنْ تَكُ قَدْ وَدَّعْتَ غَيْرَ مُذَمَّمٍ ... أوَاسِيَ مُلْكٍ أثْبَتَتْها الأوَائِلُ
سميت آسية لأنها صلح السقف وتقيمه بعمدها إياه، من أسوت بين القوم: إذا أصلحت بينهم.
* * * * ثابت البناني رحمه الله - كان داود عليه السلام إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله، فلا يشدها إلا الأسر.
أي العصب.
* * * * إن خرج أسد في " غث " . ذا الأسد في " بج " . فأسن في " خش " . يأسن في " نه " . إسافا في " ري " . الأسامات في " حو " . هذه الأواسي في " قل " . والأسفاء في " عس " . وآسيتم في " أز " .
* * * *
الهمزة مع الشين
النبي صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فرفع بهاتين الآيتين صوته: (يأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيٌء عَظِيم). فتأشب أصحابه حوله وأبلسوا حتى ما أوضحوا بضاحكة.
أي التفوا عليه، من أشب الشجر وهو التفافه.
ومنه حديثه: إن ابن أم مكتوم قال له: إني رجل ضرير، وبيني وبينك أشبٌ فرخّص لي في العشاء والفجر. قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، فلم يرخص له.
أراد التفاف النخل.
أبلسوا: سكنوا، ومنه الناقة المبلاس، وهي التي لا ترغو من شدة الضبعة. وإنما قيل لليائس عن الشيء مبلس؛ لأن نفسه لا تحدثه بعقد الرجاء به.
حكى عن الزجاج أوضح: بمعنى وضح، ويقال للمُقبل: من أين أوضحت؟ أي من أين طلعت؟ والمعنى ما طلعوا بضاحكة؛ وهي واحدة الضواحك من الأسنان؛ أي ما أظلعوا ضاحكة، والضاحك أشيع.
* * * * كان إذا رأى من أصحابه بعض الأشاش مما يعظهم.
همزته مبدلة من هاء الهشاش؛ كما قيل في ماهٍ: ماء. وتلحقه التاء كما يقال: الهشاشة. " ما " في مما يعظهم: مصدرية، وقبلها مضاف محذوف؛ أي كان من أهل موعظتهم إذا رآهم نشيطين لها، ويجوز أن تكون موصولة مقامة مقام من إرادة لمعنى الوصفية.
* * * * الأشاء تين في " بر " . مؤتشب في " دي " . تأشبوا في " صو " .
* * * *
الهمزة مع الصاد
النبي صلى الله عليه وسلم - قال له عمر: يا رسول الله؛ أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب، وخضعت له الأجساد؛ ما هو؟ قال: ظل الله في الأرض، فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر، واذا أساء فعيه الإصر وعليكم الصبر.
هو الثقل الذي يأصر حامله؛ أي يحبسه في مكانه لفرط ثقله، والمراد الوزر العظيم. ومنه حديث ابن عمر: من حلف على يمين فيها إصر فلا كفارة لها.
قيلك هو أن يحلف بطلاق أو عتاق أو مشي أو نذر. وكل واحد من هذه فيه ثقل فادح إلى الحالف؛ لأنه لا يتفصى عنه بكفارة كما يتفصى بها عن القسم بالله تعالى. وإنما قيل للعهد إصر؛ لأنه شيء أُصر: أي عُقد.
* * * *
معاوية رضي الله عنه - بلغه أن صاحب الروم يريد أن يغزو بلاد الشام أيام فتنة صفين، فكتب إليه يحلف بالله لئن تممت على ما بلغني من عزمك لأصالحن صاحبي، ولأكونن مقدمته إليك؛ فلأجعلن القسطنطينية البخراء حمة سوداء ولأنتزعنك من الملك انتزاع الإصطفلينة، ولأردنك إريساً من الأرارسة ترعى الدّوابل.
هي الجزرة شامية، والجمع بحذف التاء.
ومنه حديث القاسم بن مخيمرة رحمه الله تعالى: إن الوالي لينحت أقاربه أمانته كما تنحت القدوم الإصطفلينة، حتى تخلص إلى قلبها.
مرّ الإريس في " أر " .
الدوابل: جمع دوبل، وهو الخنزير، وقيل الجحش.
تم على الأمر: إذا استمر عليه وتممه، كما يقال: مضى على ما عزم إذا أمضاه.
اللام في لئن هي الموطئة للقسم، وقد لف القسم والشرط ثم جاء بقوله: لأصالحن؛ فوقع جواباً للقسم وجزاءً للشرط دفعةً.
المقدمة: الجماعة التي تتقدم الجيش؛ من قدَّم بمعنى تقدَّم، وقد استعيرت لأول كل شيء فقيل منه: مقدمة الكتاب ومقدمة الكلام؛ وفتح الدال خلف.
* * * * أصلة في " زه " . بالأصطبة في " عل " . الإصر في " وص " .
* * * *
الهمزة مع الضاد
النبي صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل وهو عند أضاة بني غفار، فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تقري أمتك على سبعة أحرف.
هي الغدير.
الأحرف: الوجوه والأنحاء التي ينحوها القراء، يقال: في حرف ابن مسعود كذا؛ أي في وجهه الذي ينحرف إليه من وجوه القراءة.
ومنه حديثه الآخر: نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كافٍ شافٍ فاقرءوا كما علمتم.
* * * *
الهمزة مع الضاد
النبي صلى الله عليه وسلم - ذكر المظالم التي وقعت يها بنو إسرائيل والمعاصي، فقال: لا، والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم وتأطروه على الحق أَطراً.
الأطر: العطف، ومنه إطار المنخل. قال طرفة:
كأنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفَانِها ... وَأَطْرَ قِسيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ
حتى متعلقة بلا، كأن قائلا قال له عند ذكره مظالم بني إسرائيل: هل نعذر في تخلية الظالمين وشأنهم؟ فقال: لا حتى تأخذوا. أي لا تعذرون حتى تجبروا الظالم على الإذعان للحق، وإعطاء النصفة للمظلوم؛ واليمين معترضة بين لا وحتى، وليست لا هذه بتلك التي يجيء بها المقسم تأكيداً لقسمه.
* * * * لما خرج صلى الله عليه وسلم إلى أُحد جعل نساءه على أطم، قال صفية بنت عبد المطلب: فأطلّ علينا يهودي فقمت فضربت رأسه بالسيف، ثم رميت به عليهم؛ فتقضقضوا وقالوا: قد علمنا أن محمداً لم يترك أهله خلوفا.
الأطم: الحصن. ومنه حديثه: إنه انطلق في رهط من أصحابه قبل ابن صياد، فوجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد له: أشهد أني سول الله؟ فرصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: آمنت بالله ورسوله.
ومنه حديث بلال: إنه كان يؤذن على أطم في دار حفصة يرقى على ظلفات أقتاب مغرزة في الجدار.
أطل: أشرف، وحقيقته أوفى بطلله وهو شخصه، وأما أظله فمعناه ألقى عليه ظله، يقال: أظلتهم السحابة والشجرة. ثم اتُّسِع فيه فقيل: أظله أمر، وأظلنا شهر كذا؛ والفرق بينهما أن أظل متعد بنفسه، وأطل يعدَّى بعلى.
تقضقضوا: تفرقوا، وهو من معنى القضّ لا من لفظه.
خلوفا: أي خالين من حامٍ. يقال: القوم خلوف إذا غابوا عن أهاليهم لرعي وسقي، كأنه جمع خالف وهو المستقي. ويقال لمن تُركوا في الأهالي: خلوف أيضا؛ لأنهم خلفوهم في الديار؛ أي بقوا بعدهم.
رصه: ضغطه وضم بعضه إلى بعض.
الظلفات: الخشبات الأربع التي تقع على جنبي البعير.
* * * * أنس رضي الله عنه - قال ابن سيرين: كنت معه في يوم مطير حتى إذا كنا بأطط والأرض فضفاض صلى بنا على حمار صلاة العصر، يومئ برأسه إيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
هو موضع بين البصرة والكوفة.
فضفاض: من قولهم: الحوض ملآن يتفضفض؛ أي يفيض من نواحيه امتلاء، أراد كثرة المطر، وإنما ذكره لأنه أراد واد أو أبطح فضفاض، أو تأول الأرض بالمكان كقوله:
ولا أرضَ أَبْقَلَ إبْقَالها
وقد سهل أمره أنه كان صفة فليس له فعل كأسماء الفاعلين والصفات المشبهة، فضرب له هذا سهماً في شبه الأسماء الجامدة.
مطير: فعيل بمعنى فاعل، لقولهم: ليلة مطيرة، كأنه مطر فهو مطير، كقولهم: رفيع وفقير من رفع وفقر المتروك استعمالها.
* * * * عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - سئل عن السنّة في قص الشارب، فقال: أن تقصّه حتى يبدو الإطار.
هو حرف الشفة المحيط بها.
* * * * في الحديث: أطَّت السماء، وحق لها أن تئط؛ فما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد.
الأطيط: الحنين والنقيض، والمعنى أن كثرة ما فيها من الملائكة أثقلتها حتى أنقضتها، وهذا مثلٌ وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثمة أطيط.
* * * * أهل أطيط في " غث " . فأطره في " وط " . وأتطى العشاء في " وط " .
* * * *
الهمزة مع الفاء
النبي صلى الله عليه وسلم - قال لبشير ابن الخصاصية: ممن أنت؟ قال: من ربيعة. قال: أنتم تزعمون لو لا بيعة لائتفكت الأرض بمن عليها.
اب لانقلبت بأهلها، من أفكه فائتفك. ومنه الإفك: وهو الكذب؛ لأنه مقلوب عن وجهه، والمعنى: لولا هم لهلك الناس.
تزعمون بمعنى تقولون، ومفعولها الجملة بأسرها.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - نعم الفارس عويمر غير أُفَّةٍ.
أي غير جبان، وهو من قولهم: أف له أي نتنا ودفرا، يقوله المتضجر من الشيء، فكأن أصله غير ذي أفةٍ؛ أي غير متأفف من القتال. وقولهم للجبان: يأفوف من هذا أيضا، وغير خبر مبتدأ محذوف تقديره هو غير أُفّة.
وأما حديث: فألقى طرف ثوبه على أنفه ثم قال: أُفّ أفّ - فهو اسم للفعل الذي هو أتضجر أو أتكره مبني على الكسر.
* * * * الأحنف - رضي الله عنه - خرجنا حجاجاً، فمررنا بالمدينة أيام قتل عثمان، فقلت لصاحبي: قد أفد الحجُّ، وإني لا أرى الناس إلا قد نشبوا في قتل عثمان، ولا أراهم إلا قاتليه.
أفد: حان وقته. قال النابغة:
أَفِد الترحُّل غيرَ أنّ رِكابنا ... لمَّا تَزُل برحالنا وكأنْ قَدِ
نشبوا: أي وقعوا فيه وقوعا لا منزع لهم عنه.
* * * * أفَّاف في " بج " . والأفن في " سأ " . المؤتفكات في " رس " . أَفيقة في " دب " . أفيق في " سف " .
* * * *
الهمزة مع القاف
أقط في " ثو " . أفطاً أم تمرا في " شع " .
* * * *
الهمزة مع الكاف
النبي صلى الله عليه وسلم - قال بعض بني عذرة: أتيته بتبوك، فأخرج إلينا ثلاث أُكل من وطيئة.
جمع أُكلة وهي القرص.
الوطيئة: القعيدة. وهي الغرارة التي يكون فيها الكعك والقديد؛ سميت بذلك لأنها لا تفارق المسافر، فكأنها تواطئه وتقاعده.
* * * * النبي صلى الله عليه وسلم - ما زالت أُكلة خيبر تُعادُّني، فهذا أوان قطعت أبهري.
هي اللقمة.
المعادة: معاودة الوجع لوقت معلوم. وحقيقتها أنه كان يحاسب صاحبه أيام الإفاقة، فإذا تم العدد أصابه، والمراد عادَّته أُكلة خيبر فحذف.
الأبهر: عرق مستبطن في الصلب والقلب متصل به، فإذا انقطع مات صاحبه. قال:
وللْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الغُلامِ وَرَاءَ الغَيْبِ بالحَجَرِ
أوان: يجوز فيه البناء على الفتح، كقوله:
على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصّبا
* * * * نهى عن المؤاكلة.
هي أن يتحف الرجل غريمه فيسكت عن مطالبته؛ لأن هذا يأكل المال وذلك يأكل التحفة فهما يتآكلان.
* * * * أُمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب.
أي يفتح أهلها القرى ويغنمون أموالها؛ فجعل ذلك أكلاً منها للقرى على سبيل التمثيل، ويجوز أن يكون هذا تفضيلا لها على القرى، كقولهم: هذا حديث يأكل الأحاديث. وأسند تسميتها يثرب إلى الناس تحاشيا من معنى التثريب. وكان يسميها طيبة وطابة.
يقولون: صفة للقرية، والراجع منه إليها محذوف والأصل يقولون لها.
* * * * عمر رضي الله عنه - الله ليضربن أحدكم أخاه بمثل آكلة اللحم، ثم يرى أني لا أُقيده منه، والله لاقيدنه منه.
قيل: هي السكين، وأكلها اللحم: قطعها له، ومثلها العصا المحددة أو غيرها. وقيل: هي النار، ومثلها السياط؛ لإحراقها الجلد.
الله: أصله أبا الله، فأضمر الباء، ولا تُضمر في الغالب إلا مع الاستفهام.
يرى: يظن.
* * * * في الحديث: لُعن آكل الربا ومؤاكله.
أي معطيه.
* * * *
لا تشربوا إلا من ذي إكاء.
أي من سقاء له إكاء، وهو الوكاء.
* * * * الأكولة في " غذ " . الأُكرة في " زق " . المأكمة في " زو " . أُكلها في " زف " . ألة أو أكلتين في " شف " . مأكول في " هب " .
* * * *
الهمزة مع اللام
النبي صلى الله عليه وسلم - عجب ربكم من أَلِّكُم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم. وروى: من أزلكم.
الألّ والأَلَل والأَليل: الأنين ورفع الصوت بالبكاء.
والمعنى أن إفراطكم في الجؤار والنحيب، فعل القانطين من رحمة الله، مُستغرب مع ما ترون من آثار الرأفة عليكم، ووشك الاستجابة لأدعيتكم.
والأزل: شدة اليأس.
* * * * ويل للمتألين من أمتي.
قيل: هم الذين يحلفون بالله متحكمين عليه فيقولون: والله إن فلانا في الجنة وإن فلانا في النار.
ومنه حديث ابن مسعود: إن أبا جهل قال له: يابن مسعود لأقتلنك. فقال: من يتأل على الله يكذِّبه. والله لقد رأيت في النوم أني أخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك، ورأيتني أضرب كتفيك بنعل، ولئن صدقت الرؤيا لأطأن على رقبتك، ولأذبحنك ذبح الشاة.
لأقتلنك: جواب قسم محذوف، معناه والله لأقتلنك، ولهذا قال: من يتأل على الله يكذّبه؛ أي من يقسم به متحكما عليه لم يصدّقه الله فيما تحكم به عليه، فخّيب مأموله.
الحدجة: ما صلب واشتد ولما يستحكم إدراكه من الحنظل أو البطيخ.
* * * * إن الناس كانوا علينا ألباً واحدا.
فيه وجهان: أحدهما أن يكون مصدراً، من ألب إلينا المال إذا اجتمع، أو من ألبناه نحن إذا جمعناه، أي اجتماعا واحدا أو جمعا واحدا. وانتصابه إما على أنه خبر كان على معنى ذوي اجتماع أو ذوي جمع، وإما على أنه مصدر ألّبوا الدال عليه: كانوا علينا؛ لأن كونهم عليهم في معنى التألب عليهم والتعاون على مناصبتهم. والثاني: أن يكون معناه يدا واحدة، من الإلب وهو الفتر. قال حسان:
والنَّاسُ إلْب علينا فيك ليس لنَا ... إلا السُّيوف وأَطْرَاف القَنَا وَزَرُ
تفل في عين علي، ومسحها بألية إبهامه.
* * * * هي اللحمة التي في أصلها، كالضرة في أصل الخنصر.
* * * * عمر رضي الله عنه - قال له رجل: اتق الله يا أمير المؤمنين. فسمعها رجل فقال: أتألت على أمير المؤمنين؟ فقال عمر رضي الله عنه: دعه فلن يزالوا بخير ما قالوها لنا.
يقال: ألته يمينا إذا أحلفه، وتقول العرب: ألتك بالله لما فعلت. وإذا لم يعطك حقك فقّيده بالألت. وهو من ألته حقّه إذا نقصه؛ لأن من أحلفك فهو بمنزلة من أخذ منك شيئاً ونقصك إياه. ولما كان من شأن المحلف الجسارة على المحرج إلى اليمين والتشنيع عليه قال: أتألت على أمير المؤمنين؟ بمعنى أتجسر وتشنّع عليه فعل الآلت؛ والضمير في " فسمعها، وقالوها " للمقالة التي هي: اتق الله.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - لقد علمت قريش أن أول من اخذ لها الإيلاف وأجاز لها العيرات لهاشم.
الإيلاف: الحبل؛ أي العهد لذي أخذه هاشم بن عبد مناف من قيصر وأشراف أحياء العرب لقومه بألا يتعرض لهم في مجتازاتهم ومسالكهم في رحلتهم. وهو مصدر من آلفة بمعنى ألفة؛ لأن في العهد ألفة واجتماع كلمة، ويقال له أيضاً: إلف وإلاف. قال:
زَعَمْتم أنّ إخْوَتَكم قُرَيْشٌ ... لهمْ إلْف ولَيْسَ لَكم إلاَفُ
العيرات: جمع عير. قال الكميت:
عِيرات الفِعال والحَسب الَعْو ... دِ إليهم مَحْطُوطةُ الاعْكَامِ
قال سيبويه: أجمعوا فيها على لغة هذيل، يعني تحريك الياء في مثل قوله:
أَخُو بَيَضَاتٍ رائحٌ مُتَأَوِّبُ
وكان القياس التسكين، وأن يقال عيرات كما يقال بيضات.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يقوم له الرجل من إليته - وروى من لية نفسه - وروى من ليته، فما يجلس في مجلسه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يقيمن أحدكم أخاه فيجلس في مكانه.
الإلية والليلة: كلتاهما فعلة من ولى، فقلبت الواو همزة أو حذفت.
والمعنى: كان يلي القيام طيبة به نفسه من غير أن يغصب عليه، ويُجبر على الانزعاج من مجلسه.
وأما الليلة فالأقرباء الأدنون من الليّ؛ لأن الرجال ينتطق بهم، فكأنه يلويهم على نفسه.
ومعناه: كان يقوم له الرجل الواحد من أقاربه. ويقال في الأقارب أيضاً: لية بالتخفيف من الولي وهو القرب.
* * * *
ابن عمر رضي الله عنهما - ذكر البصرة فقال: أما إنه لا يخرج أهلها منها إلا الأُلبة.
هي المجاعة، من التألب وهو التجمع؛ لأنهم في القحط يخرجون جماعة إلى الأمتيار.
* * * * البراء رضي الله عنه - السجود على أليتي الكفِّ.
أراد ألية الإبهام وضرة الخنصر، فغلَّب؛ كقولهم: العمران والقمران.
* * * * وهيب رضي الله عنه - إذا وقع العبد أُلْهَانِيَّةِ الربِّ، ومهمينية الصديقين، ورهبانية الأبرار لم يجد أحداً يأخذ بقلبه ولا تلحقه عينه.
هذه نسبة إلى اسم الله عز وعلا، إلا أنه وقع فيها تغيير من تغييرات النسب واقتضاب صيغة، ونظيرها الرجولية في النسبة إلى الرجل؛ والقياس إلهية ورُجليه كالمهيمنية والرهبانية في النسبة إلى المهيمن والرَّهبان؛ والرهبان: هو الراهب فعلان من رهب كغضبان من غضب.
والمهيمن: أصله مؤيمن، مفيعل من الأمانة، والمراد الصفات الإلهية والمعاني لمهيمنية والرهبانية؛ أي إذا علق العبد أفكاره بها وصرف همه إليها أبغض الناس، حتى لا يميل قلبه إلى أحد ولا يطمح طرفه نحوه.
* * * في الحديث: اللهم إنه نعوذ بك من الألس والألق والكبر والسخيمة.
الألس: اختلاط العقل، قال المتلمس:
إني إذن لضعيفُ الرأي مَأْلُوس
وقيل: الخيانة، قال الأعشى:
هُمُ السَّمنُ بالسَّنُّوتِ لاَ أَلْسَ فيهمُ
الألق: الجنون، ألقَ فهو مأْلوق. وقيل: الكذب، أَلقَ يأْلِق فهو آلِق: إذا انبسط لسانه بالكذب. السخيمة: الحقد.
* * * أل الله الأرض في " هض " . وهو إليك في " خش " . اللهم إليك في " ور " . تؤلتوا أعمالكم في " حب " . وفي الأل في " غث " . لم يخرج من أل في " نق " . المآلي في " أب " ألا وألى في " أو " لم آله في " ثم " . إيلاء في " حد " . الألوة في " لو " . علمي إلى علمه في " قر " .
* * *
الهمزة مع الميم
النبي صلى الله عليه وسلم - إن الله تعالى أوحى إلى شعيا أني أبعث أعمى في عميان وأميًّا في أميين؛ أُنزل عليه السكينة وأُؤيده بالحكمة، لو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه، ولو يمر على القصب الرَّعراع لم يُسمع صوته.
نسب الأُمي إلى أمة العرب حين كانوا لا يُحسنون الخطّ ويخطّ غيرهم من سائر الأمم، ثم بقي الاسم وإن استفادوه بعد. وقيل: نسب إلى الأم، أي كما ولدته أمه.
السكينة: الوقار والطمأنينة. فعيلة من سكن كالغفيرة من غفر. وقيل لآية بني إسرائيل سكينة؛ لسكونهم إليها.
الرَّعراع: الطويل المهتز، من ترعرع الصبي وهو تحركه وإيفاعه، ومن ترعرع السراب وهو اضطرابه. وصف بأنه بلغ من توقره وسكون طائره أنه لا يُطفئ السراج مروره به ملاصقا له، ولا يحرك القصب الطويل الذي يكاد يتحرك بنفسه حتى يسمع صوت تحركه.
* * * كان يحب بلالاً ويمازحه، فرآه يوماً وقد خرج بطنه فقال: أم حُبين.
هي عظاية لها بطن بارز؛ من الحبن وهو عظم البطن.
إن أميري من الملائكة جبريل.
هو فعيل من المؤامرة وهي المشاورة، قال زهير:
وقال أميري ما ترى رأْيَ ما نَرَى ... أَنختله عن نفسه أم نصاوله
ومثله العشير والنزيل بمعنى المعاشر والمنازل، وهو من الأمر لأن كل واحد منهما يباث صاحبه أمره، أو يصدر عن رأيه وما يأمر به. والمراد ولييِّ وصاحبي الذي أفزع إليه.
* * * ابن مسعود رضي الله عنه - لا يكونن أحدكم إمّعة. قيل: وما الإمعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع الناس.
وعنه: اغد عالماً أو متعلماً ولا تغد إمعة.
وعنه: كنا نعدُّ الإمعة في الجاهلية الذي يتبع الناس إلى الطعام من غير أن يُدعى؛ وإن الإمعة فيكم اليوم المُحقب الناس دينه.
الإمعة: الذي يتبع كلَّ ناعقٍ ويقول لكل أحد: أنا معك؛ لأنه لا رأي له يرجع إليه. ووزنه فعَّلة كدمنة، ولا يجوز الحكم عليه بزيادة الهمزة؛ لأنه ليست في الصفات إِفعلة، وهي في الأسماء أيضا قليلة.
المُحقب: المردف، من الحقيبة وهي كل ما يجعله الراكب خلف رحله. ومعناه المقلّد الذي جعل دينه تابعاً لدين غيره بلا روية ولا تحصيل برهان.
* * * حذيفة رضي الله عنه - ما منا إلا رجل به آمة يبجسها الظُّفُر.
هي الشجة التي تبلغ أم الرأس، والمأمومة مثلها. يقال: أممت الرجل بالعصا إذا ضربت أم رأسه؛ وهي الجلدة التي تجمع الدماغ كقولك: رأسته وصدرته وظهرته: إذا ضربت منه هذه المواضع؛ فالأم: الضرب، والمأمونة: أم الرأس. وإنما قيل للشجة آمة ومأمومة بمعنى ذات أم، كقولكم: عيشة راضية، وسيل مفعم.
وفي الحديث: في الآمة ثلث الدية - وروي في المأمومة.
يبجسها: يفجرها. أراد ليس منا أحد إلا به عيب فاحش. وضرب الشجة الممتلئة من القيح البالغة النضج غايته التي لا يعجز عنها الظفر فيحتاج إلى بطها بالمبضع مثلاً لذلك.
* * * الخدري رضي الله عنه إن الله حرم الخمر فلا أمت فيها.
أي لا نقص في تحريمها. يعني أنه تحريم بليغ، من قولهم: ملأ مزادته حتى لا أمت فيها أو لا شك، من قولهم: بيننا وبين الماء ثلاثة أميال على الأمت؛ أي على الحزر والتقدير؛ لأن الحزر ظن وشكّ. أو لا لين ولا هوادة، من قولهم: سار سيراً لا أمت فيه.
* * * ابن عباس رضي الله عنهما - لا يزال أمر هذه الأمة مؤامًّا ما لم ينظر وافي الولدان والقدر.
المؤامّ: المقارب؛ مفاعل من الأمِّ وهو القصد؛ لأن الوسط مشارف للتناهي مقارب له قاصد نحوه، وقولهم: شيء قصد، والاقتصاد يشهد لذلك.
ومنه الحديث: لا تزال الفتنة مؤامًّا بها ما لم تبدأ من الشَّام.
ومؤامّ ههنا تقديره مفاعل بالفتح؛ لأن معناه مقارباً بها. والباء للتعدية.
الولدان: أطفال المشركين، أراد ما لم يتنازعوا الكلام فيهم وفي القدر.
* * * الزهري رحمه الله - من امتحن في حد فأَمه، ثم تبرَّأ فليست عليه عقوبة، وإن عُوقب فأَمه فليس عليه حدٌّ إلا أن يأمه من غير عقوبة.
الأمه: النِّسيان، وفي قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: وادَّكر بعد أَمه. ولما كان في نسيان الشيء تركه وإغفاله، ولهذا فسر قوله تعالى: فَنَسِيتُها - بالترك، قال: فأَمِه؛ أي ترك ما كان عليه من التبرؤ والجحود ترك الناسي له، ومعناه يؤول إلى الاعتراف.
* * * الحجاج - قال للحسن: ما أمدك يا حسن؟ قال: سنتان من خلافة عمر رضي الله عنه. فقال: والله لعينك أكبر من أمدك.
أراد بالأمد مبلغ سنه والغاية التي ارتقى عليها عدد سنيه، قال الطرماح:
كلُّ حيٍّ مستكمل عدة العُمْ ... رِ ومُودٍ إذا انْقَضَى أَمَدُه
سنتان: أي صدر ذلك وأوله سنتان؛ فحذف المبتدأ؛ لأنه مفهوم. ومعناه: ولدت وقد بقيت سنتان من خلافة عمر.
* * * * في الحديث - كانوا يتأممون شرار ثمارهم في الصدقة.
أي يقصدون، وفي قراءة عبد الله: (ولا تَأَمَّموُا الخَبِيث).
* * * * إن آدم لما زيّنت له حواء الأكل من الشجرة فأكل منها فعاقبه الله قال: من يُطِعْ إمَّرَةً لا يأكلْ ثمرَة.
هي تأنيث الإمَّر: وهو الأحمق الضعيف الرأي الذي يقول لغيره: مرني بأمرك.
والمعنى: من عمل على مشورة امرأة حمقاء حُرم الخير.
ويجوز أن تكون الإمرة - وهي الأنثى من أولاد الضأن؛ كناية عن المرأة، كما يكنون عنها بالشاة.
* * * * الأمانة غنى.
أي من شُهر بها كثر معاملوه فاستغنى.
* * * * مأمورة في " سك " . الإماق في " صب " . ويؤتمن الخائن في " تح " . تقع الأمنة في " هر " . لا يأتمر رشدا في " هي " . بإمرة في " ضر " . يوم أمار في " حص " . في تامورته في " حب " . أم القرى في " بك " . وأمر العامة في " خص " . أمة في " رب " . أمير أو مأمور في " قص " . وأميناً في " خي " .
* * * *
الهمزة مع النون
النبي صلى الله عليه وسلم - إن رجلا جاء يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجعل يتخطى رقاب الناس حتى صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم؛ فلما فرغ من صلاته قال: أما جمَّعت يا فلان؟ فقال : يا رسول الله؛ أما رأيتني جمعت معك ؟ فقال: رأيتك قي آنيت وآذيت .
أى أخرت المجىء ، قال الحطيئة:
وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشعرى فطال بى الأناء
وهو من التأني .
حكم جعل فى مثل هذا الموضوع حكم كاد في اقتضائه اسماً وخبرا هو فعل مضارع فى تأويل اسم فاعل . وبينهما من طريق المعنى مسافةٌ قصيرة؛ وهي أن كاد لمقاربة الفعل ومشارفته ، وجعل لابتدائه والخوض فيه.
التجميع: إتيان الجمعة وأداء ما عليه فيها .
والمعنى أنه جعل تجميعه في فقد الفضيلة لإيذائه الناس بالتخطي وتأخيره المجيء كلا تجميع؛ ونظيره لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد .
* * * * من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب فى أذنيه الآنك يوم القيامة - وروى : ملأ الله مسامعه من البرم - وروى : ملأ الله سمعه من البيرم .
الآنك: الاسرب أعجمية.
ومنه حديثه: من جلس إلى قينة ليستمع منها صب فى أذنيه الآنك يوم القيامة.
ا البرم والبيرم : الكحل المذاب .
القوم : الرجال خاصة. قال الله تعالى: (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُواْ خَيراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاء). وقال زهير:
أقومٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاء
وهذه صفة غالبة . جمع قائم كصاحب وصحب ، ومعنى القيام فيها ما فى قوله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) .
الواو فى وهم : واو الحال ، وهي مع الجملة التى بعدها منصوبة المحل ، وذو الحال فاعل استمع المستتر فيه ، و الذى سوغ كينونتها حالا عنه تضمنها ضميره . ويجوز أن تكون الجملة صفة للقوم ، والواو لتأكيد لصوق االصفة بالموصوف ، وأن الكراهة حاصلة لهم لا محالة . ونظيره قوله تعالى: (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم).
المسامع: جمع مسمع، وهو آلة السمع، أو جمع سمع على غير قياس ،كمشابه وملامح فى جمع شبه ولمحة، وإنما جمع ولم يثن لإرادته المسمعين وما حولهما مبالغة وج تغليظا . القينة عند العرب : الأَمة . والقين : العبد . ولإن الغناء أكثر ما كان يتولاه الإماء دون الحرائرسميت المغنية قينة.
* * * * فى قصة خروجه إلى المدينة وطلب المشركين إياه - قال سراقة بن مالك: فبينا أنا جالس أقبل رجل فقال : إني رأيت آنفا أسودة بالساحل أراهم دحمدأ وأصحابه . قال : فقلت ليسوا بهم ، ولكن رأيت فلانا وفلانا وفلانا انطلقوا بغياناً.
آنفا : أى الساعة ، من ائتناف الشيء وهو ابتداؤه، وحقيقته فى أول الوقت الذى يقرب منا.
ومنه : إنه قيل له : مات فلان ، فقال : أليس كان عندنا آنفا؟ قالوا : بلى قال : سبحان الله! كأنها أخذة على غضب . المحروم : من حُرم وصيته .
الأسودة : جمع سواد ، وهو الشخص .
البغيان : الناشدون ، جمع باغ ،كراعٍ ورعيان .
* * * * المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف ، إن قيد انقاد ، وإن أنيخ على صخرة استناخ.
أ نف البعير : إذا اشتكى عقر الخشاش أنفه، فهو أنف . وقيل: هو الذلول الذى كأنه يأنف من الزجر فيعطي ما عنده ويسلس قائده . وقال أبو سعيد الضرير: رواه أبو عبيد : كالجمل الآنف ، بوزن فاعل ، وهو الذى عقره الخشاش؛ والصحيح الأ نف على فعل، كالفقر والظهر.
والمحذوفة من ياءى هين ولين الأولى . وقيل الثانية .
الكاف مرفوعة المحل على أنها خبر ثالث، والمعنى:أن كل واحد منهم كالجمل ا لأنف ويجوز أن ينتصب محلها على أنها صفة لمصدر محذوف تقديره لينون لينا مثل لين الجمل الأنف.
* * * * قال لرافع حين مسح بطنه فألقى شحمة خضراء: إنه كان فيه سبعة أناسى .
جمع إنسان ، يعنى سبع أعين .
* * * * إن المهاجرين قالوا : يا رسول الله؛ إن الأنصار قد فضلو؛ إنهم اوونا وفعلوا بنا وفعلوا . فقال: ألستم تعرفون ذلك لهم؟ قالوا : بلى! قال: فإن ذاك .
ذاك: إشارة إلى مصدر تعرفون ، وهو اسم إن ، وخبرها محذوف ، أى فإن عرفانكم المطلوب منكم والمستحق عليكم. ومعناه أن اعترافكم بإيوائهم ونصرهم ومعرفتكم حق ذالك - ما أنتم به مطالبون ، فإذا فعلتموه فقد أديتم ما عليكم .
ومتله: قول عمر بن عبد العزيز لقرشي مت إليه بقرابة: فإن ذاك . ثم ذكر حاجته فقال: لعل ذاك .
أي فإن ذاك مصدق ، ولعل مطلوبك حاصل .
* * * * عمر رضي الله عنه - رأى رجلا يأنح ببطنه ، فقال : ما هذا ؟ فقال : بركة من الله . فقال : بل هوعذاب يعذبك الله به .
الأُنوح: صوت من الجوف معه بهر يعتري السمين والحامل حملا ثقيلا.
قال يصف منجنيقا :
ترى الفِئَام قياما يأنَحُونَ لها ... دأْبَ المُعَضّل إذ ضاقت مَلاَقيها
* * * * على رضي الله عنه - بعث عماراً إلى السوق فقال: لا تأكلوا الأنكليس من السمك.
قيل: هو الشلق، وقيل: سمك شبيه بالحيَّات، وتزعم الأطباء أنه ردىء الغذاء وكرهه لهذا لا لأنه محرم. وفيه لغتان الأنكليس والأنقليس بفتح الهمزة واللام، ومنهم من يكسرهما .
* * * * أقبل وعليه أندروردية.
الأندرورد: نوع من السراويل مشمَّر فوق التبان يغطي الركبة.
ومنه حديث سلمان قالت أم الدرداء: زارنا سلمان من المدائن إلى الشام ماشيا ، وعليه كساء وأندرورد .
والأندروردية منسوبة إليه؛ أي سراويل من هذا النوع .
* * * * ابن مسعود رضى الله عنه - إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل المسلم.
قال أبو زيد: إنه لمئنة من ذاك ، وإنهن لمئنة: أي مخلقة. وكل شىء دلك على شيء فهو مئنة له . وأنشد! ومَنْزِلٍ مِنْ هَوَى جُمْلٍ نَزَلْتُ بِهِ مَئِنَّة مِنْ مَرَاصيدِ اَلمنِيَّات و أنشد غيره:
نَسْقي على دَرَّاجَةٍ خَرُوس ... مَعْصُوبَةٍ بين رَكَاياشُوسِ
مَئِنَّةٍ من قَلَتِ النفوِس
ويقال : إن هذا المسجد مئنة للفقهاء. وأنت عمدتنا ومئنتنا .
وحقيقتها أنها مفعلة من معنى إن التأكيدية غير مشتقة من لفظها؛ لأن الحروف لا يشتق منها. وإنما ضمنت حروف تركيبها لإيضاح الدلالة على أن معناها فيها. كقولهم : سألتك حاجة، فلا ليت فيها. إذا قال: لا، لا. وأنعم لى فلان إذا قال: نعم. والمعنى: مكان قول القائل: إنه كذا. ولو قيل: اشتُقَّتْ من لفظها بعدما جُعلت اسما، كما أعربت ليت ولو ونونتا فى قوله : إن لوًّا وإنَّ ليتا عناء * كان قولا.
* * * * النخعى كانوا يكرهون المؤنث من الطيب ، ولا يرون بذ كورته بأساً.
هو ما يتطيب به النساء من الزعفران والخلوق وماله ردع .
والذكورة : طيب الرجال الذى ليس له ردع، كالكافور والمسك والعود وغيرها التاء فى الذكورة لتأنيث الجمع، مثلها فى الحزونة والسهولة.
* * * * وفى الحديث - لكل شىء أنفة، وأنفة الصلاة التكبيرة الأولى .
أى ابتداءٌ وأول. كأن التاء زيدت على أنف، كقولهم فى الذنب ذنبة .
جاء فى أمثالهم : إذا أخذت بذنبة الضب أعضبته . وعن الكسائي آنفة الصبا: ميعته وأوليته. وأنشد:
عذرتكَ فى سَلْمَى بآنِفة الصّبا ... ومَيْعَته إذ تَزْدَهيك ظِلالُها
* * * * مونقا فى (حى). وإنه فى (هض). - الأمر أنف فى (قف). أطول أنفأ فى (عش ) ورم أنفه فى (بر). أتأنق فى (اه). لجعلت أنفك فى قفاك فى (بر). إنه وإنه فى (غو). أنف فى السماء فى (مخ) الأنقليس فى(صل). آنيتكم فى(خم ). آنسهم فى (نف) أنابها فى (خص). أنف فى ( رد ).
* * * * الهمزة مع الواو النبي صلى الله عليه وسلم - لا يأوى الضالة إلا ضال.
أويته بمعنى آويته. قال الأزهرى: سمعت أعرابيا فصيحا من بني نمير يرعى إبلا جربا، فلما أراحها بالعشى نحاها عن مأوى الصحاح، ونادى عريف الحى، فقال: ألا إلى أين آوى بهذه الموقَّسة؟ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام للأنصار: أبايعكم على أن تأووني وتنصروني .
الضالة صفة فى الأصل للبهيمة فغلبت. والمعنى أن من يضمها إلى نفسه متملكا لها ولا ينشدها فهو ضال .
* * * * قال فيمن صام الدهر: لاصام ولا آل - وروى: ألا - وروى: ألى.
آل: رجع. وهذا دعاء عليه؛ أي لا صام هذا الصوم ولا رجع إليه.
وألا: قصّر، وترك الجهد.
وألى: أفرط فى ذلك. قال الربيع بن ضبع الفزارى:
وإنَّ كنائني لَنِساءُ صِدْقٍ ... ومَا أَلَّى بَنيَّ ولا أَسَاءُوا
ولا فى هذا الوجه. نافية بمنزلتها فى قوله: فلا صدق ولا صلى. والمعنى : لم يصم؛ على أنه لم يترك جهداً.
* * * * عمر رضي الله عنه - إن نادبته قالت: وا عمراه! أقام الأود، وشفى العمد. فقال على رضي الله عنه: ما قالته ولكن قوَّلته .
الأود: العوج. يقال : أدته فأود، كعجته فعوج.
العمد أن يدبر ظهر البعير ويرم، وهو متفرع على العميد؛ وهو المريض الذى لا يتمالك أن يجلس حتى يعمد بالوسائد لأنه مريض.
قولته الشيء وأقولته: إذا لقنته إياه وألقيته على لسانه.
والمعنى أن الله أجراه على لسانها. أراد بذلك تصديقها فى قولها والثناء على عمر.
لا بد للندبة من إحدى علامتين : إما يا وإما وا؛ لأن الندبة لإظهار التفجع؛ ومد الصوت وإلحاق الألف فى آخرها لفصلها من النداء وزيادة الهاء فى الوقف إرادة بيان الألف لأنها خفية، وتحذف عند الوصل كقولهم: وا عمرا أمير المؤمنين.
* * * * معاذ رضى الله عنه - لا تأووا لهم؛ فإن الله قد ضربهم بذل مفدم، وأنهم سبوا الله سباً لم يسبه أحد من خلقه؛ دعوا الله ثالث ثلاثة.
أي لا ترقوا للنصارى ولا ترحموهم . قال:
ولو أَنّني اسْتَأْوَيْتُه ما أَوَى لياَ
وهو من الإيواء؛ لأن المؤوي لا يخلو من رقة. وشفقة على المؤوي.
ومنه الحديث: كان يصلي حتى نأوي له.
المفدم: من الصبغ المفدم، وهو المشبع الخاثر. والمعنى: بذل شديد محكم مبالغ فيه.
* * * * ابن عمرر رضي الله عنهما - صلاة الأوابين ما بين أن ينكفت أهل المغرب إلى أن يثوب أهل العشاء.
هم التوابوان الراجعوان عن المعاصي. والأوب والتوب و الثوب أخوات.
انكفاتهم: انكفاؤهم إلى منازلهم. وهومطاوع كفت الشيء: إذا ضمه؛ لأن المنكفئ إلى منزله منضم إليه .
وثؤوبهم: عودهم إلى المسجد لصلاة العشاء. والمعنى: الإيذان بفضل الصلاة فيما بين العشاءين.
معاوية رضي الله عنه - قال يوم صفين: آها أبا حفص!
قد كان بَعدك أَنْبَاءٌ وَهَنْبَثَةٌ ... لو كنتَ شاهِدَهَا لم تكثر الْخُطَبُ
هى كلمة تأسف، وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر. كقولهم: ويحاً له! وتقدير فعل ينصبها، كأنه قال تأسفاً: على تقدير أتأسف تأسفا.
الهنبثة: إثارة الفتنة، وهي من النبث، و الهاء زائدة. و يقال للأمور الشداد هنا بث.
يريد ما وقع الناس فيه من الفتن بعد عمر رضي الله عنه. وهذا البيت يعزى إلى فاطمة . * * * * الأحنف - كتب إليه الحسين رضي الله عنه، فقال للرسول : قد بلونا فلانا وآل أبى فلان فلم نجد عندهم إيالة للملك ولا مكيدة فى الحرب .
آل الرعية ويؤولها أولا وإيالا وإيالة: أحسن سياستها. وفى أمثالهم: قد أُلنا وإيل علينا . وإنما قلبت الواو ياء فى الإيالة لكسر ماقبلها وإعلال الفعل كالقيام والصيام.
لا تأوى في ( زو ). من كل أوب فى (حس) اسنى فى (أس).
* * * * الهمزة مع الهاء النبى صلى الله عليه وآله وسلم - لو جعل القران فى إهاب ، ثم ألقى فى النار ما احترق.
هو الجلد؛ قيل لأنه أهبة للحي، وبناء للحماية له على جسده ، كما قيل له المسك؛ لإمساكه ماوراءه؛ وهذا كلام قد سلك به طريق التمثيل، والمراد أن حملة القران والعالمين به موقيون من النار .
* * * * كان يدعى إلى خبز الثعير والإهالة السنخة فيجيب .
هي الودك. وعن أبى زيد: كل دهن يؤتدم به .
السنخة والزنخة :المتغيرة لطول المكث.
* * * * ابن مسعود رضى الله عنه - إذا وقعت فى آل حم وقعت فى روضات دمثات، أتأنق فيهن.
أصل آل أهل، فأبدلت الهاء همزة ثم ألفاً؛ يدل عليه تصغيره على أُهيل. ويختص بالأشهر الأشرف، كقولهم: القراء آل الله وآلحمد صلى الله عليه وسلم؛ ولا يقال : آل الخياط والإسكاف ، ولكن أهل . والمراد السور التى فى أوائلها حم .
الدمث: المكان السهل ذو الرمل .
التأنق : تطلب الأنيق المعجب وتتبعه.
* * * * فيه أهب فى (سف). متن إهالة فى (بص). أهب فى (سف). خير أهلك فى (بر). آل داود فى (زم). إلى أهلها فى (فر). فأهريقوا فى (عق).
* * * *
الهمزة مع الياء
النبى صلى الله عليه وسلم - فى حديث كسوف الشمس على عهده ، وذلك حين ارتفعت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة: اسودت حتى آضت كأنها تنوّمة.
أي صارت، قال زهير:
قَطَعْت إذا ما الآلُ آضَ كأنَّه ... سيوفٌ تَنحَّى تارةً ثم تَلْتَقِى
وأصل الأيض: العود إلى الشيء، تقول: فعل ذلك أيضاً إذا فعله معاودا؛ فاستعير لمعنى الصيرورة؛ لالتقائه فى معنى الانتقال. تقول : صار الفقير غنيا وعاد غنيا. ومثله استعارتهم النسيان للترك والرجاء للخوف؛ لما في النسيان من معنى الترك، وفى الرجاء من معنى التوقع. وباب الاستعارة أوسع من أن يحاط به .
التنوم: نبت فيه سواد، وزنه فعول ، ويوشك أن تكون تاؤه منقلبة عن واو ، فيكون من باب ونم .
أصل قيد: قود ، واشتقاقه من القود وهو القصاص؛ لما فيه من معنى المماثلة والمقايسة، يدل عليه قولهم : قيس رمح ، وانتصابه على أنه صفة مصدر محذوف تقديره: ارتفعت ارتفاعا مقدار رمحين .
* * * * علي رضي الله عنه - من يطل أير أبيه ينتطق به.
ضرب طول الأير ص مثلا لكثرة الولد ، قال: فلو شَاءَ ربِّي كان أَيْرُ أَبيكُم طويلاً كأيْرِ الحارثِ في سَدُوس قال الأصمعي : كان للحارث أحد وعشرون ذكراً .
والانتطاق مثل للتقوى والاعتضاد. والمعنى : من كثر إخوته كان منهم فى عزٍ ومنعة .
صعي معاوية رضي الله عنه - قال عطاء : رأيتة إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة كانت إياها.
اسم كان وخبرها ضميرا السجدة . والمعنى: هي هي، لم يقترن بها قعدة بعدها؛ أي كان يرفع رأسه منها، وينهض للقيام إلى الركعة من غير أن يقعد قعدة خفيفة.
* * * * عكرمة رحمه الله - كان طالوت أياباً.
أس سقاء، وهي فارسية .
* * * * أبو قيس الأودي - سُئل ملك الموت عن قبض الأرواح . فقال: أويه بها كما يؤيه بالخيل، فتجيبنى.
التأييه: أن يدعوه ويقول له: إيه؛ ونظيره التأفيف في قوله : أف، قال طرفة:
فعدا فأيههن فاستعرضنه ... فثنى لهن بحد روق مدعس
مثل الأيم فى (جه) الأيمة في (عى). نفاق أيمه فكي (حظ). بقتل الأيم فى (جن). إيه والاله خا(نط). إياى في (مج). إي فى (حل).
هذا آخر كتاب الهمزة
===========
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الباء
الباء مع الهمزة
النبي صلى الله عليه وسلم - الصلاة مثنى وتشهد فى كل ركعتين وتبأس - وروى: وتباءس وتمسكن و تقنع يديك - وروى: وتقنع رأسك ، فتقول: اللهم اللهم؛ فمن لم يفعل ذلك فهى خداج .
تبأس : أى تذل وتخضع ذل البائس وخضوعه .
والتباؤس : التفاقر وأن يرى من نفسه تخشع الفقراء إخباتاً وتضرعا .
تمسكن : من المسكين ، وهو مفعيل من السكون؛ لأنه يسكن إلى الناس كثيرا. وزيادة الميم فى الفعل شاذة لم يروها سيبويه إلا فى هذا وفى وفي تمدرع وتمندل، وكان القياس تسكن وتدرع . ونظيره شذوذا استحوذ عن القياس دون الاستعمال.
إقناع اليدين : أن ترفعهما مستقبلا ببطونهما وجهك. وإقناع الرأس: أن ترفعه وتقبل بطرفك على ما بين يديك.
الخداج : مصدر خدجت الحامل: إذا ألقت ولدها قبل وقت النتاج، فاستعير .
والمعنى ذات خداج؛ أي ذات نقعصان؛ فحذف المضاف.
الضمير الراجع من الجزاء إلى الاسم المضمن معنى الشرط محذوف لظهوره؛ والتقدير: فهي منه خداج، ومثله قوله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)؛ أي إن ذلك منه .
* * * * إن رجل آتاه الله مالا فلم يبتئر خيرا .
أي لم يدخر؛ من البؤرة وهى الحفرة، أو من البئرة،والبئيرة: الذخيرة .
علي رضي الله عنه - سلم عليه رجل ، فرد عليه رد السنة . وكان فى الرجل باء، فقال له : ما أحسبك عرفتني قال : بلى ، وإني لأجد بنة الغزل منك. فقام الرجل ، وكان له فى نفسه قدر . فقيل له : يا أمير المؤمنين؛ ما كان هذا؟ قال: كان أبوه ينسسج الشمال باليمن.
الباء : الكبر والعجب .
البنة: الرائحة، من الإبنان وهو اللزوم؛ لأنها تعبق وتلزم .
الشمال: جمع شملة وهي كساء يشتمل به .
أريد السؤال عن الصفة، فقيل: ما كان هذا؟ ولم يقل: من كان؟ وموْضع ما نصب تقديره أي شيء كان هذا؟ * * * * لو لا بأوفيه فى (كل). من أفوه البئار في (هب). فبأوت بنفس في (حو). باءت في (بو). أبؤساً فى (غو).
* * * *
الباء مع الباء
عمر رضي الله عنه - لئن عشت إلى قابل لألحقن آخر الناس بأولهم ، حتى يكونوا ببانا.
أى ضربا واحدا فى العطاء. قال أبو علي الفارسي: هو فعال من باب كوكب، ولا يكون فعلان؛ لأن الثلاث لا يكون من موضع واحد. وأما ببة فصوت لاعبرة به.
وعن بعضهم بيانا؛ وليس بثبت .
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يقول إذا أقبل عبد الله بن الحارث: جاء ببَّة.
هذا صوت كان يصوَّت به في طفوليته، فلقَّب به؟ وكانت أمه تقول في ترقيصه:
لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ جَارِيَةً خِدَبَّهْ
* * * * كعب رحمه الله - قال فى قصة جريج الزاهد الراهب: لما رمى بتلك المرأة فجاءوا بمهد الصبي قال: يا بابوس؛ من أبوك ؟ ففتح الصبي حلقه وقال: فلان الراعي. ثم سكت.
هو الصبى الرضيع ، قال ابن أحمر:
حَنَّتْ قَلُوصِى إلى بَابُوسِها جَزَعأ ... فما حَنِيُنك أَمْ ما أَنتِ والذِّكَرُ
* * * *
الباء مع التاء
النبى صلى ألله عليه وسلم - سئل عن البتع؛ فقال : كل شراب أسكر فهو حرام .
هو نبيذ العسل؛ سمي بذلك لثسدة فيه، من البتع وهو شدة العنق.
وعن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه أنه خطب فقال: خمر المدينة من البسر والتمر، وخمر أهل فارس من العنب ، وخمر أهل اليمن البتع وهو من العسل ، وخمر الحبش السكركة.
* * * * لاصيام لمن لم يبيِّت الصيام من الليل - وروى يبت.
أى لم يقطعه على نفسه بالنية .
* * * * على رضي الله عنه - قال عبد خير: قلت له: أ أصلي الضحى إذا بزغت الشمس؟ قال : لا، حتى تبهر البتيراء الأرض.
هي اسم للشمس في أول النهار قبل أن يقوى فى ضوؤها ويغلب؛كأنها سميت بالبتيراء مصغرة؛ لتقاصر شعاعها عن بلوغ تمام الإضاءة والإشراق و قلته.
وعن سعد أنه أوتر بركعة فأنكر عليه ابن مسعود رضي الله عنه، وقال: ما هذه ا البتيراء التى لم نكن نعرفها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ * * * * * سعد رضي الله عنه - لقد رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ، ولو أذن له لا ختصينا.
هو أن يتكلف بتل نفسه عن التزوج؛ أي قطعها.
حذيفة رضي الله عنه - أُقيمت الصلاة فتدافعوا فصلى بهم ، ثم قال: لتبتلن لها إماماً غيري أو لتصلن وحداناً.
أي لتنصبن إماما ، ولتقطعن الأمر بإمامته.
الوحدان: جمع واحد ،كراكب وركبان.
* * * * عليه بت فى (جل). ولا تبتل فى (زم) عشر البتات فى (ضخ). والأبتر فى (طف). المنبت فى (وغ). أبتر فى ( صع ). البات فى (دف).
* * * *
الباء مع الثاء
ابن مسعود رضى الله عنه - ذكر بني إسرائيل وتحريفهم ، وذكر عالماً كان فيهم عرضوا عليه كتاباً اختلقوه على الله، فأخذ ورقة فيها كتاب الله، ثم جعلها فى قرن، ثم علقه فى عنقه، ثم لبس عليه الثياب. فقالوا : أتؤمن بها ؟ فأومأ إلى صدره وقال : آمنت بهذا الكتاب، يعني الكتاب الذى فى القرن . فلما حضر الموت بثبثوه فوجدوا القرن والكتاب فقالوا : إنما عنى هذا.
أي كشفوه وفتشوه ليعلم البث .
وتبثيثا فى (غث). وصار بثنية في (بن).
الباء مع الجيم
النبى صلى الله عليه وسلم - أتي القبور ، فقال : السلام عليكم، أصبتم خيرا بجيلا، وسبقتم شرا طويلا .
أي عظيما، من قولهم: رجل بجال وبجيل، وهو الضخم الجليل ، عن الأصمعي؛ ومنه التبجيل.
* * * * ما أخاف على قريش إلا أنفسها. ثم وصفهم وقال: أشحة بجرة، يفتنون الناس حتى تراهم بينهم كالغنم بين الحوضين، إلى هذا مرةً والى هذا مرة.
البجرة من الأبجر، وهو الناتئ السرة، كالصلعة من الأصلع، والنزعة من الأنزع.
والمعنى ذوو بجرة فحُذف المضاف. أو وصفوا بها كأنهم عين البجرة مبالغة في وصفهم بالبطانة ونتوء السرر.
ويجوز أن يكون هذا كناية عن كنزهم الأموال، واقتنائهم لها وتركهم التسمح بها.
* * * * إن لقمان بن عادٍ خطب امرأة قد خطبها إخوته قبله، فقالوا: بئس ما صنعت! خطبت امرأة قد خطبناها قبلك، وكانوا سبعة وهو ثامنهم! فصالحهم على أن ينعت لها نفسه وإخوته بصدق، وتختار هي أيهم شاءت.
فقال: خذي مني أخي ذا البجل. إذا رعى القوم غفل. وإذا سعى القوم نسل. وإذا كان الشأن اتَّكل. قريب من نضيج. بعيد من نيء. فلحياً لصاحبنا لحياً.
فقالت: عيال لا أريده.
ثم قال: خذي مني أخي ذا البجلة. يحمل ثقلي وثقله. يخصف نعلي ونعله. وإذا جاء يومه قدمت قبله.
فقالت: خادم لا أريده .
ثم قال: خذي مني أخي ذا العفاق . صفاق أفاق. يعمل الناقة والساق.
فقالت: فيج لا أُريده .
ثم قال : خذي مني أخي ذا الأسد. جوّاب ليل سرمد. وبحر ذو زبد .
فقالت : سارق لا أريده .
ثم قال: خذي منى أخي ذا النمر. حيى خفر. شجاع ظفر. أعجبني وهو خير من ذاك إذا سكر.
فقالت: يشرب الخمر فلا أريده .
ثم قال: خذي منى أخي ذا الحممة. يهب البكرة السنمة، والمائة البقرة العممة. والمائة الضائنة الزنمة. وإذا أتت على عادٍ ليلة مظلمة ، رتب رتوب الكعب وولاهم شزنه . وقال: اكفوني الميمنة . سأكفيكم المشأمة . وليست فيه لعثمة . إلا أنه أبن أمة .
فقالت : مسرف لا أريده .
ثم قال: خذي مني أخي حزينا. أولنا إذا غدونا. وآخرنا إذا استنجينا. وعصمة بنائنا إذا شتونا. وفاصل خطة أعيت علينا . ولا يعد فضله لدينا .
ثم قال: أنا لقمان بن عاد. لعادية وعاد. إذا أنضجعت لا أجلنظئ . ولا تملأ رئتى جنبى. إن أر مطمعى فحدا تلمع. وإلا أر مطمعي فوقاع بصلع. فتزوجت حزيناً.
فسر ذو البجل: بذى الضخامة. وقيل: هو من قولك بجلي هذا؛ أى حسبي.
ومنه الحديث: فألقى تمرات كن ف يده، وقال : بجلى الدنيا.
والمعنى أنه قصير الهمة، مقتصر على الأدنى. فإذا ظفر به قال : بجلى.
والوجه أن يكون هذا وسائر ما ابتدأ به ذكر إخوته أساميهم أو ألقابهم.
إذا رعى القوم غفل: أي إذا اهتموا برعاية بعفضهم بعضاً، أو برعاية ما معهم، او برعي الإبل لم يهتم بشيء من ذلك وكان غافلا عنه.
وإذا سعى القوم نسل: أي إذا بذلوا السعي وتناهضوا فيما يقئ عليهم خيرا أو ينجيهم من بلية نسل هو من بينهم؛ أي خرج وكان بمعزل من السعي معهم.
اتكل: أي اعتمد على غيره فى كفاية الشأن، ولم يتوله بنفسه عجزاً.
النىء : غير النضيج؛ يريد أنه لازم بيت جثامة، لا يصيد ولا يغزو فيأكل اللحم الملهوج.
ويحتمل أنه ليس بجلد يخدم أصحابه فى السفر ويطبخ لهم كالموصوف بقوله:
رُبَّ ابنِ عمِّ لسُلَيمى مُشْمَعِلْ ... طباخِ ساعاتِ الكَرَى زادَ الكَسَلْ
ولكنه يتكاسل عن ذلك، وعن معاونتهم أيضأ إذا باشروا الطبخ. فإذا قدموا أكل؛ فهو بعيد عن النئ وطبخه، قريب من النضيج وأكله.
فلحيا: من لحيت العود بمعنى لحوته؛ وهو دعاء عليه بالهلاك، والتكرير للتأكيد.
قيل فى ذي البجلة:هو ذو الشارة االحسنة، كأنه الذي له من الرواء ما يبجل لأجله.
وإذا جاء يومه: أي وقت وفاته وأجله . حمده لإعانته له وحمله عنه ، ودعا له .
ذو العفاق : من عفق يعفق إذا أسرع فى الذهاب. والعفاق: الحلب أيضاً . قال:
عَلَيْكَ الشّاءَ شَاءَ بَنِي تميمٍ ... فعافِقْها فإنّكَ ذُو عِفاقِ
صفاق من الصفق، وهو الجان . يقال: جاء أهل ذلك الصفق.
وأفاق : من الأفق ، أراد أنه مسفار مننقب فى النواحي والافاق.
يعمل الناقة والساق : أى يركب تارة ويترجل أخرى لجلادته.
ذو الأسد: أي ذو القوة الأسدية . والأسد : مصدر أسد ، في اصه استأسد.
ليل سرمد: أي دائم غير منقطع لفرط طوله .
والسنمة : العظيمة السنام .
العممة: التامة.
قوله: والمائة البقرة والمائة الضائنة بإدخال لام التعريف على المائة المضافة مما لا يجيزه البصريون؛ ويقولون: أخذت مائة الدرهم لا غير. وكذلك ثلاثة الأثواب؛ والثلاثة الأثواب خلف عندهم؛ لأن الإضافة معرفة ، فإذا عرِّف الاسم باللام لم يعرف ثانية بالإضافة. ويستشهدون بمثل قول الفرزدق:
وسما وأدرك خَمْسَة الأَشبارِ
وقول ذى الرمة :
ثلاثُ الأثافى و الديار البَلاَقعُ
ويخطئون من روى مثل هذا. ويقولون: الصواب ومائة البقرة ومائة الضائنة؛ وبرهانهم القياس الصحيح، واستعمال الفصحاء .
الزنمة: ذات الزنمة، وهي شيء لا يقطع من أذنها ويترك معلقا - وروى الزلمة - بمعناها.
الرُّتوب : الثبوت .
ولاهم شزنه؛ أي ولاهم عرضه، فخاطبهم بنفسه. يقال: وليته ظهري ، إذا جعله وراءه وأخذ يذب عنه . ومعناه جعلت ظهرى يليه - وروى : شزنه؛ أي شدته وغلظته. ومعناه: دافع عنهم ببأسه .
اللعثمة : التوقف؛ أي ليس في صفاته التي توجب تقدمه توقف.
إلا أنه ابن أمة: أي هذا عيبه فقط .
استنجينا: من النجاء وهو الفرار. يريد إذا خرجنا إلى الغزو تقدمنا وبادرنا .
وإذا انهزمنا تأخر عنا، ليحامي علينا ممن يتبعنا.
العادية : خيل تعدو، أو رجل يعدون. والعادي الواحد؛ أي أنا لجماعة ولواحد، يعنى أن مقاومته للجماعة والواحد واحدة لا تتفاوت لشدة بأسه وقوة بطشه.
نظير أضجعه فانضجع فى مجىء الفعل مطاوعا لأفعل أزعجه فانزعج، وأطلقه فانطلق؛ وحق الفعل أن يطاوع فعل لاغير؛ وإنما فعل هذا على سبيل إنابة أفعل مناب فعل .
الاجلنظاء. الاستلقاء ورفع الرجلين؛ يعنى أنه ينام على جنبه مستوفزا؛ كما قيل في تأبط شرا:
ما إن يمسُّ الأرضَ إلا جانبٌ ... منه وحرفُ الساق طيَّ المحمل
ولا تملأ رئتي جنبي: أي لست بجبان فينتفخ سحري حتى يملأ جنبى بانتفاخه.
يلمع: يخفق بجناحيه - وروى فحدو تلمع . والتلمع: تفعل منه.
والحدو : الحدأ بلغة أهل مكة .
الصلع: الحجر الأملس . وقيل : الموضع الذى ل ينبت من صلع الرأس. أراد أن عيشه عيش الحعاليك؛ إن ظفر بشيء ألمأ عليه. وإلا فهو موطن نفسه على معاناة خشونة الحال، وشظف العيش؛ كالحدأ الذي إن أبصر طعمته انقض عليها فاختطفها ، وإن لم ير شيئا لم يبرح واقعا عد الصلع.
* * * * عثمان رضي الله عنه - تكلم عنده صعصعة بن صوحان فأ كثر؛ فقال: أيها الناس؛ إن هذا البجباج النفاج لا يدرى ما الله ولا أين الله.
البجباج: الذى يهمز الكلام، وليس لكلامه جهة - وروى : الفجفاج؛ وهو الصياح المكثار، وقيل : المأفون المختال.
والنفاج : ال!شديد الصلف.
لا يدري ما الله ولا أين الله: معناه أن حاله فى وضع لسانه - من إكثار الخطل وما لاينبغي أن يقال - كل موضع كحال من لا يدرى أن الله سميع لكل كلام، عالم يجري فى كل مكان.
ولم ينسبه إلى الكفر؛ وقد شهد صعصعة مع على رضى الله عنه يوم الجمل ، وكان من أخطب الناس؛ وأخوه زيد الذى قال فيه الئبى عليه الصلاة والسلام: زاد الخير الأجذم من الخيار الأبرار.
* * * * 79 - أمير اإؤه :لجن أفل للبء ص ة : على رضى الله عة 9 - !، التقى الفر يقان * رج و ا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه - لما التقى الفريقان يوم الجمل صاح أهل البصرة:
ردُّوا علَيْنَا شيخنا ثم بَجَلْ
فقالوا:
كيف نردُّ شيخَكم وقد قَحَل
ثم اقتتلوا .
قال الراوى : فما شبهت وقع السيوف على الهام إلا بضرب البيازر على المواجن .
بجل: بمعنى حسب ، وسبب بنائهما أن الإضافة منوية فيهما. وإنما بني بجل على السكون دون حسب؛ لأنه لم يتمكن بالإعراب في موضع تمكنه .
قحل : مات فجف جلده على عظمه . يقال : قحل قحولا وهو الفصيح، وقحل قحلا.
البيازر : جمع بيزر؛ وهو الخشبة التي يدق بها القصار. والبيزرة: العصا وبزره بها ، إذا ضربه.
المواجن: جمع ميجنة؛ وهي خشبته التى يدق عليها .
* * * * جبير رضي الله عنه - نظرت والناس يقتتلون يوم حنين إلى مثل البجاد الأسود يهوى من السماء، حتى وقع؛ فإذا نمل مبثوث قد ملأ الوادي؛ فلم يكن إلا هزيمة القوم؛ فلم نشك فى أنها الملائكة .
البجاد : الكساء المخطط؛ سمى بذاك لتداخل ألوانه من قولهم: هو عالم ببجدة أمره. أي بدخلته.
والأسود من البجد: هو المنسوج على خطوط سود يفصل بينها بيض دقاق؛ فالمعنى أن النمل كان يهوى متساطرا كخطوط البجاد الأسود. ومنه: قيل لعبد الله ابن نهم: ذو البجادين؛ لأنه حين أراد المصير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعت أمه بجادا لها باثنين فائتزر بأحدهما وارتدى بالثاني .
ومنه حديث معاوية : إنه مازح الأحنف ين قيس فما رئى مازحان أوقر منهما؛ قال له: يا أحنف؛ ما الشيء الملفف فى البجاد؟ فقال: هو السخينة يا أمير المؤمنين! ذهب معاوية إلى قول الشاعر:
بخُبْزٍ أَوْ بتمر أو بسَمْن ... أوالشيء الملفَّفِ فى البجاَد
والأحنف إلى السخينة التي تعير بها قريش، وهي شيء يعمل من دقيق وسمن؛ لأنهم كانوا يولعون به حتى جرى مجرى النبز لهم قال كعب بن مالك:
زَعَمَتْ سَخِيَنُة أَنْ ستَغْلِبُ رَبَّها ... ولُتْغَلَبَّن مُغالِبُ الغَلاَّبِ
* * * * البجة في (جب). بجراء فى (عز). وبجحني في (غث). البجر في (بر). يبجسها في (أم). بجرى في (جد).
* * * *
الباء مع الحاء
النبى صلى الله عليه وسلم - شكا عبد الله بن أبى إلى سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله؛ اعف عنه، فو الذى أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق، ولقد اصطلح أهل البحر ة على أن يعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذى أعطاك شرق بذلك.
أراد بالبحرة: المدينة. يقولون: هذه بحرتنا؛ أي أرضنا و بلدتنا . وأصل البحرة: فجوة من الأرض تستبحر؛ أي تنبسط وتتسع. قال يصحف رسم الدار:
كأنّ بقاياه ببَحْرة مالك ... بقَّيةُ سَحْقٍ من رِدَاء مُحبَّرِ
العصابة: العمامة؛ لأنه يعصب الرأس بها، وعصبه: عممه. قال :
فتاةٌ أَبُوها ذُو العِمَامة وابنُه ... أَخُوها فما أَكْفَاؤُها بكَثير
وروى : ذو العصابة، ثم جعل التعصيب بالعصابة كناية عن التسويد؛ لأن العمائم تيجان العرب .
وقيل للسيد: المعمم والمعصب، كما قيل له : المتوج والمسود .
شرق بذلك: أي لم يقدر على إساغته والصبر عليه لتعاظمه إياه؛ فكأنه اعترض في حلقه فغصَّ به كما يغص الشارب بالماء .
* * * * من سرَّه أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد . .
هي من كل شىء وسطه وخياره ، قال جرير:
قَوْمِي تميمٌ همُ القومُ الذين هُمُ ... يَنْفَونَ تَغْلِب عَنْ بُحْبُوحَةِ الدَّارِ
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قال أنس بن سيرين: استحيضت امرأة من آل أنس ابن مالك فأمروني فسألت ابن عباس عن ذلك فقال: إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة؛ فإذا رأت الطهر ولم ساعة من النهار فلتغتسل ولتصلّ.
البحراني: الشديد الحمرة الضارب إلى السواد . منسوب إلى البحر ، وهو عمق الرحم، قال:
وَرْدٌ من الجَوْفِ وبَحْرَانِيُّ
* * * * فى الحديث - تخرج بحنانة من جهنم فتلقط المنافقين لقط الحمامة القرطم .
هي الشرارة الضخمة العظيمة، من قولهم: رجل بحون: عظيم البطن، ودلو بحونة، وجلة بحونة إذا كانتا واسعتين.
القرطم : حب العصفر.
* * * * إن غلامين كانا يلعبان البحثة.
هي لعب بالتراب.
* * * * بحيرة في (صر). بحرا فى (قر). بحرية في (نش). بحرها فى (حل). سورة البحوث فى (عذ). بحيرة فى (رج).
* * * *
الباء مع الخاء
النبي صلى الله عليه وسلم - يأتي على الناس زمان يستحل فيه الربا بالبيع، والخمر بالنبيذ، والبخس بالزكاة، والسحت بالهدية، والقتل بالموعظة.
المراد بالبخس المكس؛ لأن معنى كل واحد منهما النقصان، يقال: بخسنى حقي ومكسنيه؛ وقد روى فى قوله:
وفي كل ماباعَ امرؤ مَكْسُ درهم
بخس درهم. والمعنى: أنه يؤخذ المكس باسم العشر يتأول فيه معنى الزكاة، وهو ظلم.
والسحت: أى الرشوة فى الحكم والشهادات والشفاعات وغيرها باسم الهدية، ويقتل من لا تحل الشريعة قتله ليتعظ به العامة .
* * * * أتاكم اهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة وأبخع طاعة.
أي أبلغ طاعة. من بخع الذبيحة: إذا بالغ فى ذبحها؛ وهو أن يقطع عظم رقبتها ويبلغ بالذبح البخاع.
والبخاع - بالباء: العرق الذى فى الصلب.
والنخع دون ذلك؛ وهو أن يبلغ بالذبح النخاع، وهو الخيط الأبيض الذى يجرى فى الرقبة.
هذا أصله ثم كثر حتى استعمل فى كل مبالغة، فقيل: بخعت له نصحي وجهدى وطاعتى. والفعل ههنا مجهول للطاعة، كأنها هي التي بخعت؛ أي بالغت، وهذا من باب: نهارك صائم ، ونام ليل الهوجل.
الفؤاد: وسط القلب، سمى بذلك لتفؤده أي لتوقده.
* * * * زيد بن ثابت - فى العين القائمة إذا بخقت مائة دينار.
أى فقئت، يعنى أنها إذا كانت عوراء لا يبصر بها إلا أنها غير منخسفة، فعلى فاقئها كذا.
* * * * القرظي - قال فى قوله تعالى: (قُلْ هو الله أحد. الله الصَّمَد) . لو سكت عنها لتبخص بها رجال فقالوا: ماصمد؟ فأخبرهم أن الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
أخذ من البخص، وهو لحم عند الجفن الأسفل يظهر من الناظر عند التحديق إذا أنكر شيئا أو تعجب منه.
يريد لو لا أن البيان اقترن بهذا الاسم لتحيروا فيه حتى تنقلب أجفانهم، وتشخص أبصهارهم.
* * * * الحجاج - أتي بيزيد بن المهلب يرسف فى حديد، فأقبل يخطر بيده، فغاظ ذلك الحجاج فقال:
جَمِيلُ المُحَيَّا بَخْتَرِيٌّ إذا مشى
وقد ولي عنه فالتفت إليه فقال:
وفى الدِّرْع ضَخْمُ اَلْمنكِبَيْنِ شِنَاقُ
فقال الحجاج: قاتله اله ! ما أمضى جنانه، وأحلف لسانه! البختري: المتبختر.
الشناق: الطويل.
رجل حليف اللسان : أى ذربه.
* * * * والبخقاء فى (صف). مبخوص الكعبين في (نه). بخ بخ في (نس). يبخع لنا في (ضج). وبخعها في (زف). باخق العين في (صع). مبخرة في (زو). بخ في (بر) وتبخلون في (جب).
* * * *
الباء مع الدال
النبي صلى الله عليه وسلم - إن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله؛ إني أُبدع بى فاحملنى.
أبدعت الراحلة: إذا انقطعت عن السير بكلال أو ظلع.
جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعا منها؛ أي إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها وألف، واتسع فيه حتى قيل: أبدعت حجة فلان. وأبدع بره بشكري: إذا لم يف شكره ببره .
ومعنى أبدع بالرجل انقطع به؛ أي انقطعت به راحلته، كقولك: سار زيد بعمرو؛ فإذا بنيت الفعل للمفعول به وحذفت الفاعل قلت سير بعمرو؛ فأقمت الجار والمجرور مقام الفاعل. وكما أن المعنى فى سير بعمرو: سير عمرو، كذلك المعنى فى انقطع بالرجل؛ قطع الرجل. أى قطع عن السير.
* * * * نفل فى البدأة الربع، وفى الرجعة الثلث.
بدأة الأمر: أوله ومبتدؤه، يقال: أما بادئ بدأة فإني أحمد الله .
وهي في الأصل المرة من البدء، مصدر بدأ؛ والمراد ابتداء الغزو.
يعنى أنه كان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو فأوقعت نفلها الربع مما غنمت ، وإذا فعلت ذلك عند قفول العسكر نفلها الثلث؛ لأن الكرة الثانية أشق والخطة فيها أعظم.
* * * * لا تبادروني بالركوع والسجود ، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت ، ومهما أسبقكم به إذا سجدت تدركوني إذا رفعت؛ إني قد بدنت.
أى صرت بدنا، والبدن: المسن، ونظيره عجزت المرأة، وعود الجمل، ونيبت الناقة.
وروى بدنت: أي ثقلت على الحركة ثقلها على الرجل البادن وهو الضخم البدن، يقال : بَدَن بُدْناً، وبَدُنَ بُدْناً وبَدَانة؛ ولا يصح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يوصف بالبدانة.
تدركوني، أي تدركوني به ، فحذف لأنه مفهوم، كحذفهم " منه " في قولهم: السمن منوان بدرهم.
والمعنى أي شيء من الركوع أو السجود سبقتكم به عند خفض الرأس فإنكم مدركوه عند رفعه لثقل حركتي.
* * * * قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: قدمت المدينة من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرجت أنا ورباح ومعي فرس أبى طلحة أبديه مع الإبل، فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل راعيها، ثم ذكر لحوقه به ورميه المشركين. قال: فإذا كنت في الشجراء خزقتهم بالنبل. فإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فرديتهم بالحجارة. ثم ذكر مجيئه إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: وهو على الماء الذى حلأتهم عنه بذي قرد، فقلت: خلنى فانتخب من أصحابك مائة رجل فآخذ على الكفار بالعشوة؛ فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته.
أبديه: أبرزه إلى المرعى.
الشجراء: الأشجار الكثيرة المتكاثفة. وهي اسم جمع للشجرة كالقصباء والطرفاء والأشاء.
الخزق: الإصابة، يقال: سهم خازق وخاسق؛ أي مقرطس نافذ.
الردى: الرمى بالحجر، وهو المرداة.
التحلئة: المنع والطرد، ومنها التحلئة التى يقشرها الدباغ عن الجلد؛ لأنها تمنع الدباغ.
العشوة - بالحركات الثلاث: ظلمة الليل، وقالوا في المثل: أوطأته العشوة؛ إذا سامه أمراً ملتبساً يغتر به، لأن من وطئ الظلمة يطأ مالا يبصره فربما تردى فى هوة أو وضع قدمه على هامة ، ثم كثر ذلك حتى استعملت العشوة فى معنى الغرة، فقيل: أخذت فلانا على عشوة ، وسمته عشوة.
* * * * إن تهامة كبديع العسل حلو أوله وآخره .
البديع: الزق الجديد ، وهي صفة غالبة كالحية والعجوز .
والمعنى استطابة أرض تهامة كلها، أولها وآخرها، كما يستحلي زق العسل من حيث يبتدأ فيه إلى أن ينتهى.
وقيل : معناه أنها فى أول الزمان وآخره على حال صالحة.
وقيل: لا يتغير طيبها؛ كما أن العسل حلو أول ها يشتار ويجعل فى الزق، وبعد ماتمضي عليه مدة طويلة .
* * * * لما كان انكشاف المسلمين يوم حنين أبد يده إلى الأرض، فأخذ منها قبضة من تراب، فخذا بها فى وجوههم؛ فما زال حدهم كليلا.
أي مدها، يقال : أبدَّ السائل رغيفا؛ أي مد يدك به إليه.
ومنه حديث عمر بن عبد العزيز: إنه لما حضرته الوفاة قال: أجلسوني فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله. ثم رفع رأسه فأبدَّ النظر، وقال: إني لا؛ أي لا أشرك، أو إني لا أعيش.
القبضة: بمعنى المقبوض، كالغرفة بمعنى المغروف.
حذا وحثا: واحد، كجذا وجثا.
* * * * من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن اقترب من أبواب السلطان افتتن.
بدوت أبدو: إذا أتيت البدو، ومنه قيل لأهل البادية: بادية، كما قيل لحاضري الأمصار: حاضرة.
جفا: أي صار فيه جفاء الأعراب لتوحشه وانفراده عن الناس.
غفل: أي شغل الصيد قلبه وألهاه حتى صارت فيه غفلة.
وليس الغرض ما يزعمه جهلة الناس أن الوحش نعم الجن فمن تعرض لها خبلته وغفلته.
* * * * الخيل مبدأة يوم الورد.
أي مقدمة على غيرها يبدأبها في السقي.
* * * * أُتي ببدر فيه خضرات من البقول.
هو الطبق، سمي بدرا لاستدارته، كما يسمى القمر حين يستدير بدرا.
خضرات: غضات، يقال: بقلة خضرة وورق خضر، قال الله تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً).
* * * * علي عليه السلام - الابدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب بالعراق.
هم خيار بدل من خيار، جمع بدل وبدل.
العصائب: جمع عصابة. يريد طوائف يجتمعون فيكون بينهم حرب.
* * * * لما خطب فاطمة عليهما السلام قيل له: ما عندك؟ قال: فرسي وبدني.
هي الدرع القصيرة؛ سميت بذلك لأنها مجول للبدن ليست بسابغة تعم الأطراف.
الزبير - كان حسن الباد على السرج إذا ركب.
البادَّان: أصلا الفخذين؛ سميا بذلك لانفراجهما. وقيل لامرأة من العرب: علام تمنعين زوجك القضة فإنه يعتل بك؟ قالت: كذب! والله إني لأطأطئ الوساد وأُرخي الباد.
والمعنى أنه كان حسن الركبة.
* * * * حمل يوم الخندق على نوفل بن عبد الله بن المغيرة بالسيف حتى شقه باثنين، وقطع أبدوج سرجه ، ويقال : خلص إلى كاهل الفرس ، فقيل: يا أبا عبد الله؛ ما رأينا مثل سيفك! فيقول: والله ما هو السيف، ولكنها الساعد أ كرهتها.
هو اللبد، كانها كلمة أعجمية.
* * * * سعد رضي الله عنه - قال يوم الشورى ، بعد ما تكلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: الحمد لله بديا كان وآخراَ يعود. أحمده كما أنجاني من الضلالة ، وبصرني من الجهالة؛ بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم استقامت الطرق ، واستنارت السبل ، وظهر كل حق ، ومات كل باطل ، إني نكبت قرني، فأخذت السهم الفالج، وأخذت لطلحة بن عبيد الله ما أخذت لنفسي فى حضوري، فأنا به زعيم، وبما أعطيت عنه كفيل ، والأمر إليك يابن عوف.
البدي: الأول ، ومنه : أفعل هذا بادئ بديٍّ؛ أي كان الله عز وجل أولاً قبل كل شيء ، ويكون حين تفنى الأشياء كلها، ويبقى وجهه آخرا كما كان أولا؛ فهو الأول والآخر .
ومعنى يعود: يصير، وقد مضى شرحه.
القرن: جعبة صغيرة تقرن إلى الكبيرة.
الفالج: السهم الفائز فى النضال.
والمعنى: إني نظرت في الآراء وقلبتها فاخترت الرأي الصائب منها ، وهو الرضاء بحكم عبد الرحمن بن عوف ، وأجزت على طلحة مثل ما أجزته على نفسي ، ، وأنا زعيم بذلك: أي ضامن .
* * * * أم سلمة - إن مساكين سألوها فقالت : يا جارية أبديهم تمرة تمرة.
أي فرقي فيهم، من التبديد، يقال: أبددتهم العطاء: إذا لم تجمع بين اثنين.
قال أبو ذؤيب:
فأَبدَّهُنَّ حُتُوَفُهَّن فَهَاربٌ ... بِذَمَائِه أو بارِكٌ مُتَجَعْجِعُ
* * * * ابن المسيب - في حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا، وفي القليب خمسون ذراعا.
هي التي بدئت فحُفرت في الأرض الموات، وليست بعادية، فليس لأحد أن يحفر حولها خمسا وعشرين ذراعا.
والقليب: العادية، فليس لأحد أن ينزل على خمسين ذراعا منها ويتخذها دارا؛ فإنها لعامة الناس * * * * عكرمة - إن رجلا باع من التمارين سبعة أصوع بدرهم، فتبددوه بينهم، فصار على كل رجل حصة من الورق، فاشترى من رجل منهم تمرا أربعة أصوع بدرهم، فسأل عكرمة، فقال: لا بأس أخذت أنقص مما بعت.
تبددوه: أي اقتسموه بددا: أي حصصا على السواء.
* * * * بكر بن عبد الله - كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمازحون حتى يتبادحون بالبطيخ، فإذا حزبهم أمر كانوا هم الرجال أصحاب الأمر.
أي يترامون.
والبدح: رميك بكل شيء فيه رخاوة.
حتى هذه التي يبدأ بعدها الكلام. كالتي في قوله:
وحتَّى الجِيادُ ما يقدْن بأَرْسَانِ
والتقدير حتى هم يتبادحون، ولو كانت هي الجارة لسقطت النون لإضمار أن بعدها.
* * * * بوادر في (ظه). بادناً في (شذ). المبدئ في (نك). فلا تبدحيه في (سد). البدن في (رج). بددا في (عل). وذو بدوان في (عد). بوادره في (سا).
الباء مع الذال
النبي صلى الله عليه وسلم - البذاذة من الإيمان.
يقال : بذذت بعدي بذاذة وبذاذا و بذذاً : أي رثت هيئتك. والمراد التواضع في اللباس، ولبس مالا يؤدي منه إلى الخيلاء والرفول، وأن لذلك موقعا ًحسناً في الإيمان. ورجل باذّ الهيئة وبذها.
ومنه: إن رجلاً دخل المسجد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فأمره أن يصلي ركعتين. ثم قال : إن هذا دخل المسجد في هيئة بذة ، فأمرته أن يصلي ركعتين، وأنا أريد أن يفطن له رجل فيتصدق عليه.
* * * * يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج من الذل.
هي كلمة فارسية تكلمت بها العرب ، وهو أضعف ما يكون من الحملان ، وتجمع على بذجان.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - سئل عن الباذق؛ فقال : سبق محمد الباذق، وما أسكر فهو حرام .
هو تعريب باذه ، ومعناها الخمر.
* * * * الشعبي رحمه الله - إذا عظمت الحلقة فإنما هي بذاء و نجاء.
أي مباذاة؛ وهي الفاحشة، ومناجاة.
* * * * فيه بذاذة في (تا). في هيئته بذاذة في (حج). بذيا في (طف). يبذ القوم في (مغ). فابذعر في (زف). البذر في (نو). فما ابذقر في (مذ).
* * * *
الباء مع الراء
النبي صلى الله عليه وسلم - لما توجه نحو المدينة خرج بريد ة الأسلمي رضي الله عنه فى سبعين راكبا هن أهل بيته من بني سهم، فتلقى نبي الله ليلا. فقال له: من أنت؟ فقال : بريدة، فالتفت إلى أبى بكر وقال: يا أبا بكر؛ برد أمرنا وصلح، ثم قال: ممن؟ قال: من أسلم . قال لأبي بكر: سلمنا. ثم قال: ممن ؟ قال : من بني سهم. قال : خرج سهمك.
برد أمرنا: أى سهل؛ من العيش البارد، وهو الناعم السهل، وقيل: ثبت، من برد لي عليه حق.
خرج سهمك: أي ظفرت. وأصله أن يجيلوا السهام على الشيء، فمن خرج سهمه حازه.
* * * * من صلى البردين دخل الجنة.
هما الغداة والعشي، لطيب الهواء وبرده فيهما.
* * * * إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة .
أي صلوها إذا انكسر وهج الشمس بعد الزوال، وإذا كانوا في سفر فزالت الشمس وهبت الأرواح تنادوا: أبردتم بالرواح .
وحقيقة الإبراد الدخول في البرد. كقولك: أظهرنا وأفجرنا.
والباء للتعدية . فالمعنى ادخلوا الصلاة في البرد.
* * * * الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة.
هي التي تجيء عفواً من غير أن يصطلي دونها بنار الحرب، ويباشر حر القتال.
وقيل : الثابتة الحاصلة، من برد لي عليه حق. وقيل: الهنية الطيبة من العيش البارد .
والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب والهناءة أن الهواء والماء لما كان طيبهما ببردهما خصوصاً في بلاد تهامة والحجاز قيل: هواء بارد، وماء بارد، على سبيل الاستطابة، ثم كثر حتى قيل: عيش بارد، وغنيمة باردة، وبرد أمرنا.
* * * * كان يكتب إلى أمرائه:إذا أبردتم إلي بريدأ فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم.
أي إذا أرسلتم إلي رسولا.
والبريد: في الأصل: البغل، وهي كلمة فارسية أصلها بريده دم: أي محذوف الذنب؛ لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب، فعربت الكلمة وخففت، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريداً، والمسافة التي بين السكتين بريداً.
والسكة: الموضع الذي يسكنه الفيوج المرتبون من رباط أو قبة أو بيت أو نحو ذلك - وبعدما السكتين فرسخنان، وكان يرتب في كل سكة بغال.
* * * * أبرقوا فأن دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين.
أي ضحوا بالبرقاء، وهي الشاة التي تشق صوفها الأبيض طاقات سود.
والعفراء: يضرب لونها إلى بياض، من عفرة الأرض.
* * * * سئل - أي الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.
بره، أي أحسن إليه فهو مبرور. ثم قيل: بر الله عمله إذا قبله كأنه أحسن إلى عمله بأن قبله ولم يرده.
ومنه حديث أبى قلابة: إنه قال لخالد الحذاء وقد قدم من مكة: بر العمل.
والبيع المبرور: هو الذي لم يخالطه كذب ولا شيء من المآثم؛ كأن صاحبه أحسن إليه بإخلائه عن ذلك.
* * * * يبعث الله منها سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب فيما بين البرث الأحمر وبين كذا.
هو الأرض اللينة، جمعها براث.
الضمير في منها لحمص، وإنما قال ذلك لأن جماعة كثيفة من المؤمنين قتلوا هناك.
* * * * أُهدي مائة بدنة منها جمل كان لأبي جهل في أنفه برة من فضة.
هى الحلقة، ونقصانها واو، لقولهم : برة مبروَّة، أي معمولة.
* * * *
سئل عن مضر، فقال :كنانة جوهرها، وأسد لسانها العربي، وقيس فرسان الله في الأرض، وهم أصحاب الملاحم، وتميم برثمتها وجرثمتها.
قيل: أراد بالبرثمة: البرثنة واحد البراثن وهي المخالب، والمراد شوكتها وقوتها؛ فأبدل من النون ميما لتعا قبهما و لتزاوج الجرثمة، كالغدايا والعشايا.
والجرثمة: الجرثومة؛ وهي أصل الشيء ومجتمعه.
* * * * انطلق للبراز فقال لرجل: ائت هاتين الأشاءتين فقل لهما حتى تجتمعا، فاجتمعتا فقضى حاجته.
البراز: الفضاء، واشتق منه تبرز، كما قيل من الغائط: تغط.
الأشاءة: النخلة الصغيرة.
* * * * إن أبا طلحة قال له : إن أحب أموالي إليّ بيرحي، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ! ذلك مال رابح، أو قال رائح.
بيرحي: اسم أرض كانت له، وكأنها فيعلى، من للبراح، وهي الأرض المنكشفة الظاهرة.
بخ: كلمة يقولها المعجب بالشيء.
رابح: ذو ربح، كقولهم: همٌّ ناصب.
رائح: قريب المسافة يروح خيره ولا يعزب. قال :
سأَطْلب مالاً بالمدينة إنني ... أَرَى عازبَ الأموال قلَّت فَوَاضِلُه
خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن اريقط، فمروا على خيمتي أم معبد ، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم. فسألوها لحماً وتمرا يشترونه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك. وكان القوم مرملين مشتين - وروى مسنتين؛ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. فقال: هل بها من لبن؟ قالت : هي أجهد من ذلك! قال: أتأذنين لي أن أحلبها قالت: بأبي أنت وأمي! إن رأيت بها حلبا فاحلبها.
وروي أنه نزل هو وأبو بكر بأم معبد وذفان مخرجه إلى المدينة. فأرسلت إليهم شاة فرأى فيها بصرة من لبن، فنظر إلى ضرعها، فقال: إن بهذه لبنا، ولكن أبغيني شاة ليس فيها لبن، فبعثت إليه بعناق جذعة، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمى الله ودعا لها فى شائها؛ فتفاجّت عليه ودرَّت واجترت.
وروى أنه قال لابن أم معبد: يا غلام ؟ هات قرواً، فأتاه به ، فضرب ظهر الشاة فاجترت ودرت ، ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب به ثجا حتى علاه البهاء - وروى: الثمال، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، فشرب آخرهم، ثم أراضوا عللا بعد نهل، ثم حلب فيه ثانية بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها ثم ارتحلوا عنها .
فلما لبثت حتى جاء زوج ا أبو معبد يسوق أعنزا عجافا تشاركن هزالا - وروي : تساوك - وروى : ما تساوق، مخهن قليل. فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حيال، ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صقلة - وروى صعلة - وروى لم يعبه نحلة، ولم يزر به صقلة ، وسيما قسيما، فى عينيه دعج، وفى أشفاره عطف. أو قال غطف - وروي وطف . وفى صوته صحل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق ، فصل لا نزر ولا هذر، كأنما منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفونه، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا معتد .
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، لقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.
فأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه :
جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جزاءه ... رفيقين قَالاَ خَيْمَتي أمِّ مَعْبَد
هما نَزَلاَها بالهُدى واهتدت بهم ... فقد فاز من أَمْسى رفيقَ محمد
فيا لقُصَيّ ما زوى اللهُ عنكمُ ... به من فَعَال لايُجَارى وسؤدد
ِلَيْهن بني كعب مقامُ فَتاتهم ... ومقعدُها للمؤمنين بمَرْصَد
سلُوا أختكم عن شَاتِها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاةَ تَشْهدِ
دعاها بشاةٍ حائِل فتحلّبت له بصريح ضَرَّةُ الشاةِ مُزْبِدِ
فغادرها رَهْناً لديها لحالب ... يردّدها في مَصْدرٍ ثم مَوْرد
البرزة: العفيفة الرزينة التي يتحدث إليها الرجال فتبرز لهم، وهي كهلة قد خلا بها سن، فخرجت عن حد المحجوبات، وقد برزت برازة.
المرمل: الذي نفذ زاده فرقت حاله وسخفت، من الرمل وهو نسج سخيف، ومنه الأرملة لرقة حالها بعد قيمها.
المشتى: الداخل فى الشتاء.
والمسنت: الداخل فى السنة، وهي القحط، وتاؤه بدل من هاء لأن أصل أسنت أسنهت.
الكسر - بالكسر والفتح: جانب البيت.
وذفان مخرجه: أي حدثان خروجه، وهو من توذف إذا مر مرَّاً سريعاً.
البصرة: أثر من اللبن يبصر في الضرع.
التفاخ: تفاعل من الفجج، وهو أشد من الفحج، ومنه قوس فجاء.
وعن ابنة الخس في وصف ناقة ضبعة: عينها هاج، وصلاها راج، وتمشي وتفاج.
القرو: إناء صغير يردد فى الحوائج، من قروت الأرض: إذا جلت فيها وترددت.
الإرباض: الإرواء إلى أن يثقل الشارب فيربض.
انتصاب ثجا بفعل مضمر؛ أي يثبج ثجا، أو بحلب لأن فيه معنى ثج، ويجوز أن يكون بمعنى قولك ثاجا نصباً على الحال.
المراد بالبهاء وبيص ا الرغوة.
والثمال: جمع ثمالة، وهي الرغوة.
أراضوا: من أراض الحوض: إذا استنقع فيه الما ، يى نقعوا بالري مرة بعد أخرى.
تشاركن هزالا: أي عمهن الهزال فكأنهن قد اشتركن فيه.
التساوك: التمايل من الضعف: قال كعب:
حَرْفٌ تَوَارَثها السِّفارُ فجسْمُها ... عارٍ تَسَاوَكُ والفُؤَادُ خَطِيفُ
تساوق االغنم: تتابعها في السير، كأن بعضها يسوق بعضها.
والمعنى: أنها لضعفها وفرط هزالها تتخاذل ويتخلف بعضها عن بعض.
الحلوب: التي تحلب. وهذا مما يستغربه أهل اللغة زاعمين أنه فعول بمعنى مفعولة نظر إلى الظاهر، والحقيقة أنه بمعنى فاعلة، والأصل فيه أن الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه والمطرق إلى إحداثه. ومنه قوله:
إذا رَدَّ عَافىِ القِدْرِ مَنْ يَسْتَعِيرها
وقولهم: هزم الأمير العدو ، و بني المدينة . ثم قيل على هذا النهج: ناقة حلوب؛ لأنها تحمل على احتلابها بكونها ذات حلب، فكأنها تحلب نفسها لحملها على الحلب، وكذلك ناقة ضبوث: التي يشك في سمنها فتضبث، فكأنها تضبث، نفسها لحملها على الضبث بكونها مشكوكا في شأنها. ومن ذلك: الماء الشروب، والطريق الركوب، وأشباها.
بلج الوجه: بياضه وإشراقه. ومنه: الحق أ بلج.
الثجلة والثجل: عظم البطن.
والصقلة والصقل: طول الصقل؛ وهو الخصر، وقيل ضمره وقلة لحمه وقد صقل، وهو من قولهم: صقلت الناقة إذا أضمرتها. بالسير.
والمعنى: إنه لم يكن بمنتفخ الخصر ولا ضامره جداً.
والنحل: النحول.
والصعلة: صغر الرأس، يقال : رجل صعل وأصعل، وامرأة صعلاء.
القسام: الجمال، ورجل مقسم الوجه، وكأن المعنى أخذ كل موضع منه من الجمال قسماً، فهو جميل كله، ليس فيه شيء يستقبح.
العطف: طول الأشفار وانعطاها، أي تثنيتها، والعطف والغطف، وانعطف و انغطف وانغضف أخوات.
الوطف: الطول.
الصحل: صوت فيه بحة لا يبلغ أن تكون جشة، وهو يستحسن لخلوه عن الحدة المؤذية للصماخ.
السطع: طول العنق، ورجل أسطع وامرأة سطعاء، وهو هن سطوع النار.
سما: قيل ارتفع وعلا على جلسائه. وقيل : علا برأسه أو بيده. ويجوز أن يكون الفعل للبهاء؛ أي سماه البهاء وعلاه على سبيل التأكيد للمبالغة في وصفه بالبهاء والرونق إذا أخذ في الكلام؛ لأنه عليه السلام كان أفصح العرب.
فصل: مصدر موضوع موضع اسم الفاعل؛ أي منطقه وسط بين النزر والهذر فاصل بينهما.
قالوا: رجل ربعة فأثنوا؛ والموصوف مذكر على تأويل نفس ربعة. ومثله: غلام يفعة و جمل حجأة.
لا يأس من طول: يروى أنه كان فويق الربعة. فالمعنى أنه لم يكن في حد الربعة غير متجاوز له، فجعل ذلك القدر من تجاوز حد الربعة عدم يأس من بعض الطول.
وفى تنكير الطول دليل على معنى البعضية - وروى: " ربعة لا يائس من طول " .
يقال فى المنظرالمستقبح: اقتحمته العين؛ أي ازدرته، كأنها وقعت من قبحه فى قحمة ، وهي الشدة.
محفود: مخدوم. وأصل الحفد مداركة الخطو.
محشود: مجتمع؛ عليه؛ تعنى أن أصحابه يزفون فى خدمته، ويجتمعون عليه.
خيمتي، نصب على الظرف، أجرى المحدود مجري المبهم كبيت الكتاب:
كما عَسَل الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
اللام في " يا لقصي " للتعجب، كالتي في قولهم: يا للدواهي ويا للماء! والمعنى: تعالوا ياقصي لنعجب منكم فيما أغفلتموه من حظكم، وأضعتموه من عزكم بعصيانكم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وإلجائكم إياه إلى الخروج من بين أظهركم.
وقوله: " ما زوى الله عنكم " ، تعجب أيضاً معناه أي شيء زوى الله عنكم! الضرة: أصل الذي لا يخلو من اللبن. وقيل: هي الضرع كله ما خلا الأطباء.
* * * * أبو بكر الصديق رضي الله عنه - دخل عليه عبد الرحمن بن عوف فى علته التي مات فيها فقال: أراك بارئا يا خليفة رسول الله، فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليَّ من وجعي؛ وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير، ولتألمن النوم على الصوف الأذربي، كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان؛ والذى نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا. يا هادي الطريق جرت؛ إنما هو الفجر أو البجر - وروى: البحر.
قال له عبد الرحمن: خفض عليك يا خليفة رسول الله ! فإن هذا يهيضك إلى ما بك. وروى أن فلاناً دخل عليه فنال من عمر، وقال : لو استخلفت فلاناً؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك، ولما أخذت من أهلك حقَّا.
ودخل عليه بعض المهاجرين وهو يشتكي في مرضه، فقال له : أتستخلف علينا عمر، وقد عتا علينا ولا سلطان له، ولو ملكنا كان أعتى وأعتى! فكيف تقول لله إذا لقيته! فقال أبو بكر: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أبالله تفرقنى فإني أقول له إذا لقيته: استعملت عليهم خير أهلك.
برئ من المرض، وبرأ، فهو بارئ، ومعناه مزايلة المرض والتباعد منه، ومنه: برئ من كذا براءةً.
ورم الأنف، كناية عن إفراط الغيظ؛ لأنه يردف الاغتياظ الشديد أن يرم أنف المغتاظ وينتفخ منخراه، قال:
ولا يُهَاجُ إذَا ما أَنْفُه وَرِما
النضائد: الوسائد والفرش ونحوها مما ينضد، الواحدة نضيدة.
الأذربي منسوب إلى أذربيجان - وروى: " الأذري " .
البجر: الأمر العظيم. والمعنى: إن انتظرت يضيء لك الفجر أبصرت الطريق. وإن خبطت الظلماء أفضت بك إلى المكروه. وقال المبرد فيعن رواه البحر: ضرب ذلك مثلا لغمرات الدنيا وتحييرها أهلها.
خفض عليك، أي أبق على نفسك ، وهون الخطب عليها.
الهيض: كسر العظم المجبور ثانية، والمعنى أنه يينكسك إلى مرضك.
جعل الأنف في القفا عبارة عن غاية الإعراض عن الشيء ولى الرأس عنه؛ لأن قصارى ذلك أن يقبل بأنفه على ما وراءه ، فكأنه جعل أنفه في قفاه؛ ومنه قولهم للمنهزم: عيناه في قفاه لنظره إلى ما وراءه دائبا فرقاً من الطلب؛ والمراد لأفرطت في الإعراض عن الحق، أو لجعلت ديدنك الإقبال بوجهك إلى من وراءك من أقاربك مختصاً لهم ببرك ، ومؤثرا إياهم على غيرهم.
تفرقني: تخوفني من أهلك. كان يقال لقريش: أهل الله؛ تفخيما لشأنهم، وكذلك كل ما يضاف إلى اسم الله كبيت الله وكقولهم: لله أنت، وكقول امرئ القيس:
فلِلّه عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ ... أَشَتَّ وَأَنْأَى من فِرَاقِ المُحصَّبِ
* * * * أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه - قال رجل: ضربني عمر، فسقط البرنس عن رأسي، فأغاثني الله بشفعتين في رأسي.
البرنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، درَّاعة كان أوجبه أو ممطراً.
الشفعة: خصلة في أعلى الرأس.
* * * * أمير المؤمنين علي عليه السلام - خير بئر في الأرض زمزم، وشر بئر في الأرض برهوت.
هي بئر بحضرموت يزعمون أن بها أرواح الكفار؛ وقيل: وادٍ باليمن وقيل: هو اسم للبلد الذي فيه هذه البئر، والقياس في تائها الزيادة، لكونها مزيدة في أخواتها الجائية على أمثالها مما عرف اشتقاقه؛ كالتربوت والخربوت وغير ذلك.
* * * *
سعد رضي الله عنه - قال: لما قُتل على راية المشركين من قُتل من بني عبد الدار أخذ اللواء غلام لهم أسود، وكان قد انتكس، فنصبه العبد وبربر يسب، فرميته وأصيبت ثغرته، فسقط صريعا، فأقبل أبو سفيان فقال: من رداه؟ من رداه؟ البربرة: كثرة الكلام، ويحكى أن إفريقيس أبا بلقيس غزا البربر فقال: ما أكثر بربرتهم! فسموا بذلك.
رداه: رماه بحجر.
* * * * عمار رضي الله عنه - الجنة تحت البارقة.
هي السيوف لبريقها، وهذا كقولهم: الجنة تحت ظلال السيوف.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - أصل كل داء البردة.
هي التخمة: لأنها تبرد حرارة الشهوة، أو لأنها ثقيلة على المعدة بطيئة الذهاب، من برد إذا ثبت وسكن؛ قال:
اليوم يومٌ بارِدٌ سَمُومُهُ ... مَنْ جَزِع اليَوْمَ فَلا نَلُومُه
والمعنى ذم الإكثار من الطعام؛ وعن بعضهم: لو سئل أهل القبور: ما سبب آجالكم؟ لقالوا التخم.
* * * * حذيفة رضي الله عنه - قال سبيع بن خالد: أتينا الكوفة، فإذا أنا برجال مشرفين على رجل، فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان، فقال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فبرشموا إليه.
أي حددوا النظر وأداموه إنكاراً لقوله وتعجباً منه، يقال برشم إليه وبرهم؛ وإنما كان يسأله عن الشر ليتوقاه فلا يقع فيه؛ ولهذا كانت عامة ما يروى من أحاديث الفتن منسوبة إليه.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - استعمله عمر على البحرين، فلما قدم عليه قال له: يا عدو الله وعدو رسوله؛ سرقت من مال الله، فقال: لست بعدو الله ولا عدو رسوله، ولكني عدو من عاداهما، ولكنها سهام اجتمعت ونتاج خيل، فأخذ منه عشرة آلاف درهم فألقاها في بيت المال؛ ثم دعاه إلى العمل فأبى، فقال عمر رضي الله عنه: فإن يوسف قد سأل عن العمل، فقال: إن يوسف مني بريء وأنا منه براء، وأخاف ثلاثا واثنتين، قال: أفلا تقول خمسا؟ قال: أخاف أن أقول بغير حكم، وأقضي بغير علم، وأخاف أن يُضرب ظهري، وأن يشتم عرضي، وأن يؤخذ مالي.
البراء: البريء. والمراد بالبراءة بُعده عنه في المقايسة، لقوة يوسف عليه السلام على الاستقلال بأعباء الولاية وضعفه عنه. وأراد بالثلاث والاثنتين الخلال المذكورة، وإنما جعلها قسمين لكون الثنتين وبالا عليه في الآخرة، والثلاث بلاء وضرارا في الدنيا.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - لكل داخل برقة.
هي المرة من البرق، مصدر برق يبرق إذا بقى شاخص البصر حيرة؛ وأصله أن يشيم البرق فيضعف بصره.
ومنه حديث عمرو بن العاص: إنه كتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين؛ إن البحر خلق عظيم، يركبه خلق ضعيف، دود على عود، بين غرق وبرق.
يريد أن راكب البحر إما أن يغرق أو يكون مدهوشا من الغرق.
* * * * علقمة رضي الله عنه - قال أبو وائل: قال لي زياد: إذا وليت العراق فائتني، فأتيت علقمة فسألته؛ فقال: لا تقربهم فإن على أبوابهم فتناً كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم إلا أصابوا من دينك مثليه.
أراد مبارك الإبل الجربى. يعني أن هذه الفتن تعدى من يقربهم إعداء هذه المبارك الإبل الملس إذا أنيخت فيها. قال:
تُعْدي الصحاحَ مَباركُ الجُرْب
* * * * عي بن الحسين صلوات الله عليهما - اللهم صلّ على محمد عدد البرى و الثرى والورى.
البرى: التراب الذي على وجه الأرض، وهو العفر، من برى له إذا عرض وظهر.
الثرى: الندى الذي تحت البرى، ومنه قولهم: التقى الثريان، أي ندى المطر وندى الثرى.
مجاهد رحمه الله - قال في قوله عز وجل: (وأَنتُمْ سَامِدُون) البرطمة.
هذا تفسير للسمود، والسامد: الرافع رأسه تكبراً، والمبرطم: المتخاوص في النظر، وقيل: المقطب المتغضب لكبره. وجاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (سَامِدون) متكبرون.
* * * * قتادة رضي الله عنه - تخرج نار من مشارق الأرض تسوق الناس إلى مغاربها سوق البرق الكسير.
هو الجمل تعريب " بره " .
* * * * في الحديث - لا تبردوا عن الظالم.
أي لا تخففوا عنه، ولا تسهلوا عليه من عقوبة ذنبه بشتمه ولعنه.
* * * *
البيرم والبرم في " أن " . التبريح في " ول " . يتبرضه في " خب " . البرد في " خي " . وثلاثين بردة في " سر " . من هذا البرح في " سر " . غير أبرام في " عب " . كثيرات المبارك في " غث " . البرهرهة في " هو " . بكم برة في " مس " . أبر عليهم في " نض " . من البرحاء في " وغ " . برانياًّ في " جو " . وهذه البرازق في " طر " . البرجمة في " رس " . إن البر دون الإثم في " رب " .
* * * *
الباء مع الزاي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كانت نبوة رحمة، ثم تكون خلافة رحمة، ثم تكون ملكاً يملِّكه الله من يشاء من عباده، ثم تكون بزبزياَّ: قطع سبيل، وسفك دماء، وأخذ أموال بغير حقها.
أي استيلاء منسوبا إلى البزبزة؛ وهي الإسراع في الظلم، والخفة إلى العسف، وأصلها السوق الشديد - وروى " بزيزي " بوزن " خليفي " ، وهي من مصدر من بزّ إذا سلب، ومعناها كثرة البزّ. الضمير في " كانت " للحال، وكذلك في " تكون " .
خطب يوم فتح مكة فقال: ألا في قتيل خطأ العمد ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة.
يقال: جمل بازل وناقة بازل: إذا تمت لهما ثماني سنين ودخلا في التاسعة. وإذا أتى على الجمل عام بعد البزول وقيل له: مخلف، فأما الناقة فلا تكون مخلفاً، ولكن يقال لها: بزول وبازل عام. والضمير في " عامها " ، يرجع إلى موصوف محذوف؛ لأن التقدير: إلى ناقة بازل عامها، ولا يجوز إلى " بازل " نفسها، لأن البازل مضافة إلى العام، فلو رجعت فأضفت العام إليها كنت بمنزلة من يقول: سيد غلامه، أي سيد غلام السيد، وهذا محال، ونظيره في قول حاتم يخاطب امرأته:
أماويّ إني رُبَّ وَاحدِ أُمِّه ... أَجَرْتُ فلا غرم عليه ولا أَسْرُ
والخلفة: واحدة المخاض، وهي الحوامل على غير لفظها.
* * * * في قصيدة أبي طالب يعاتب قريشاً في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
كذَبتُم وبَيْت الله يُبْزَي مُحمَّدُ ... ولما نُطَاعِنْ دُونَهُ ونُقَاتِلِ
أي لا يبزي، فحذفه لأنه لا يلبس، ومثله:
فقلت يمينَ اللهِ أبرحُ قاعِدا
وقوله:
آليتُ حبّ العِراق الدَّهر أطعمه
والبزو: القهر والغلبة، ويجوز أن يكون من الإبزاء، قال:
وإنّي أخوكَ الدائم العَهْد لم أحُلْ ... إِن ابْزَاك خَصْمٌ أو نَبَا بِك مَنْزِلُ
أمير المؤمنين علي رضي الله عنه - قال سعد بن أبي وقاص: رأيته يوم بدر وهو يقول:
بَازِلُ عامَيْنِ حَدِيثٌ سَنِّي ... سَنَحْنَحُ اللّيل كأنيَ جِنِّي
لمثل هذا وَلَدَتْني أمي ... ما تَنْقِمُ الحربُ العَوَانُ مِنِّي
سَنَحْنَحُ اللَّيْلِ كأنّيَ جِنِّي
وروى:
سَمَعْمَع كأنَّني من جِنَ
بازل عامين: هو البعير الذي تمت له عشر سنين، ودخل في الحادية عشرة فبلغ نهايته في القوة، وهو الذي يقال له: مخلف عام؛ والمعنى: أنا في استكمال القوة كهذا البعير مع حداثة السن.
السنحنح والسمعمع مما كرر عينه ولامه معاً، وهما من سنح وسمع. فالسنحنح: العريض الذي يسنح كثيراً، وإضافته إلى الليل على معنى أنه يكثر السنوح فيه لأعدائه والتعرض لهم لجلادته. والسمعمع: الخفيف السريع في وصف الذئاب، فاستعير، والذئب موصوف بحدة السمع، ولهذا قيل لولده من الضبع: السمع، وضرب به المثل فقيل: أسمع من سمع.
السن: أُنثت في تسمية الجارحة بها، ثم استعيرت للعمر، للاستدلال بها على طوله وقصره، فقيل: كبرت سني؛ مبقاة على التأنيث بعد الاستعارة، ونظيرها اليد والنار في إبقاء تأنيثهما بعد ما استعيرتا للنعمة والسمة.
وقوله: حديث سني، كما يقال: طلع الشمس، واضطرم النار؛ لأن " حديث " معتمد على " أنا " المحذوف وليس بخبر قدم.
خفف ياء " جني " ضروة، ويجوز في القوافي تخفيف كل مشدد ومثله قوله:
أصحوتَ اليومَ أم شاقَتْك هِرْ
خالف بين حرفي الروى؛ لتقارب النون والميم، وهذا يسمى الإكفاء في علم القوافي، ومثله:
يَا رِيَّهَا الْيَوْمَ على مُبين ... على مُبِينٍ جَرَدِ الْقَصِيمِ
* * * * زيد رضي الله عنه - قضى في البازلة بثلاثة أبعرة.
هي في الشجاج: المتلاحمة، لأنها تبزل اللحم أي تشقه.
* * * * بزيع في " خش " . بأشهب بازل في " شه " . البيازر في " بج " . بزّة في " شك " .
* * * *
الباء مع السين
النبي صلى الله عليه وسلم - يخرج قوم من المدينة إلى العراق والشام يبسون المدينة، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
البس: السوق والطرد، يقال: بس القوم عنك، أي اطردهم، ومنه بس عليه عقاربه؛ إذا بث نمائمه؛ قال أبو النجم:
وانْبَسَّ حَيَّاتُ الكَثيبِ الأَهْيَلِ
وبه فسر قوله تعالى: (وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَساًّ). والمعنى يسوقون بهائمهم سائرين؛ ولا محل له من الإعراب؛ لأنه بدل من " يخرج قوم " ، ولا يجوز أن يقال: هو في محل النصب على الحال؛ لأن الحال لا ينتصب عن النكرة، ويجوز أن يكون صفة لقوم؛ فيُحكم على موضعه بالرفع.
* * * * يد الله بسطان لمسيء النهار حتى يتوب بالليل، ولمسيء الليل حتى يتوب بالنهار.
يقال: يد فلان بسط: إذا كان منفاقا منبسط الباع، ومثله في الصفات: روضة أنف، ومشية سجح، ثم يخفف فيقال: بسط كعنق وأذن، جُعل بسط اليد كناية عن الجود، حتى قيل للملك الذي يطلق عطاياه بالأمر وبالإشارة: مبسوط اليد، وإن كان لم يعط منها شيئاً بيده، ولا يبسطها به البتة، وكذلك المراد بقوله: يدا الله بسطان، وبقوله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) الجواد والإنعام لا غير، من غير تصور يد ولا بسطها؛ لأن قولهم: مبسوط اليد وجواد عبارتان معتقبتان على معنى واحد، والمعنى: إن الله جواد بالغفران للمسيء التائب. رزقنا الله التوبة ومغفرة الذنوب. وفي قراءة ابن مسعود: (بل يداه بُسْطان).
وفي حديث عروة: مكتوب في الحكمة: ليكن وجهك بسطاً تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.
أي منبسطا منطلقا.
* * * * أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه - مات أُسيد بن حضير فأُبسل ماله بدينه، فبلغ عمر، فرده فباعه ثلاث سنين متوالية فقضى دينه.
* * * * أي أُسلم إذا كان مستغرقاً بالدين، ومنه أُبسل فلان بجريرته. قال الشنفري: هُنَالِك لا أَرْجُو حياةً تَسُرُّني سَجِيس اللَّيَالِي مُبْسَلاً بالجَرائر وكان المال نخلاً فباعه، أي باع ثمرته حتى قضى منها دينه.
قال في دعائه: آمين وبسلا.
قيل: معناه إيجاباً وتحقيقاً. قال أبو نخيلة:
لا خابَ من نَفْعِكَ مَنْ رَجَاكَا ... بَسْلاً وَعادَى اللهُ مَنْ عَادَاكَا
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - نزل آدم من الجبة ومعه الحجر الأسود متأبطه، وهو ياقوتة من يواقيت الجنة، ونزل بالباسنة ونخلة العجوة - وروى: " ونزل بالعلاة " .
الباسنة: آلات الصناع، وقيل سكة الحرَّاث.
العجوة: ضرب من أجود التمر. وعنه عليه وآله الصلاة والسلام: العجوة من الجنة. وهي شفاء من السم.
العلاة: السندان.
* * * * الأشجع العبدي رضي الله عنه - لا تبسروا ولا تثجروا ولا تعاقروا فتسكروا.
البسر: خلط البسر بالتمر وانتباذهما.
والثجر: أن يؤخذ ثجير البسر فيُلقى مع التمر، وهو ثفله.
والمعاقرة: الإدمان، مأخوذ من عقر الحوض؛ وهو مقام الشاربة، أي لا تلزموه لزوم الشاربة العقر.
* * * * الحسن رحمه الله - قال له وليد التياس: إني رجل تياس. قال: لا تبسر ولا تحلب.
وروى: سألت الحسن عن كسب التياس. فقال: لا بأس به ما لم يبسر ولم يمصر.
هو أن يحمل على الشاة غير الصارف والناقة غير الضبعة.
المصر: أن يحلب بإصبعين، أراد ما لم يسترق اللبن.
* * * * قد بُسَّ منه في " عي " . البساط في " عم " . وبواسقها في " قع " . فأنجاد بسل في " فر " . بعد تبسق في " رب " . ومرة بالبسر في " رغ " . الباسة في " بك " . أشأم من البسوس في " زو " .
* * * *
الباء مع الشين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا يوطن من المسجد للصلاة والذكر رجل إلا تبشيش الله به حين يخرج من بيته كما تبشبش أهل البيت بغائبهم إذا قدم عليهم.
التبشيش بالإنسان: المسرة به والإقبال عليه، وهو من معنى البشاشة لا من لفظها عند أصحابنا البصريين؛ وهذا مثل لارتضاء الله فعله ووقوعه الموقع الجميل عنده.
يخرج: في موضع الجر بإضافة حين إليه، والأوقات تضاف إلى الجمل، ومن لابتداء الغاية؛ والمعنى: إن التبشيش يبتدئ من وقت خروجه من بيته إلى أن يدخل المسجد؛ فترك ذكر الانتهاء لأنه مفهوم، ونظيره:
شمتُ البرقَ من خَلَل السحاب
ولا يجوز أن يفتح " حين " كما فتحه في قوله:
على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصّبا
لأنه مضاف إلى معرب، وذاك إلى مبني.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - من أحب القرآن فلْيَبْشَرْ - وروى فلْيَبْشُر يقال: بشرته، بمعنى بشرته، فبشر، كجبرته فجبر، وبشرت فبشر كثلجت صدره فثلج، والمعنى البشارة بالثواب العظيم الذي لا يبلغ كنهه وصف؛ ولهذا المعنى حذف المبشر به.
وقيل: المراد بقوله: " فليبشر " بالضم أن يضمر نفسه لحفظه؛ فإن كثرة الطعام تنسيه إياه، من بشر الأديم وهو أخذ باطنه بشفرة. ومثله قوله: " إني لأكره أن أرى الرجل سمينا نسياًّ للقرآن " . ونظير البشر في وقوعه عبارة عن التضمير النحت والبري في التعبير بهما عن الهزال وذهاب اللحم. يقال: براه السفر، قال:
وهو من الأَيْنِ حَفٍ نَحِيت
ومن البشر حديث ابن عمرو: أُمرنا أن نبشر الشوارب بشراً أراد أن نحفيها حتى تظهر البشرة.
* * * * ابن غزوان رضي الله عنه - خطب الناس بالبصرة، فقال: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما لنا طعام إلا ورق البشام حتى قرحت أشداقنا، ما منا اليوم رجل إلا على مصر من الأمصار.
وروى: " سابع سبعة قد سُلقت أفواهنا من أكل الشجر " .
البشام: شجر يستاك به. قال جرير:
أَتَذْكُرُ يَوْم تَصْقُل عَارِضَيْهَا ... بِفَرْع بَشامةٍ سُقِي البَشَام
سُلقت، من السلاق، وهو بثر يخرج في باطن الفم.
السابع على معنيين: يكون اسما للواحد من السبعة، واسم فاعل من سبعت القوم؛ إذا كانوا ستة، فأتممتهم بك سبعة. فالأول يُضاف إلى العدد الذي منه اسمه، فيقال: سابع سبعة، إضافة محضة بمعنى أحد سبعة، ومثله في القرآن: (ثاني اثنين)، وثالث ثلاثة. والثاني يضاف إلى العدد الذي دونه فيقال: سابع ستة إضافة غيره من أسماء الفاعلين، كضارب زيد، والمعنى سابع ستة.
* * * * الحجاج - دخل عليه سيابة بن عاصم السلمي، فقال: من أي البلدان أنت؟ قال: من حوران قال: هل كان وراءك من غيث؟ قال: نعم! أصلح الله الأمير. قال: انعت لنا كيف كان المطر وتبشيره؟ قال: أصابتني سحابة بحوران، فوقع قطر كبار وقطر صغار، فكأن الصغار لحمة للكبار، ووقع سبطاً متداركاً، وهو السَّحُّ الذي سمعت به؛ وادٍ سائل، وواد نادح، وأرض مقبلة، وأرض مدبرة، وأصابتني سحابة بالقريتين فلبدت الدماث، وأسالت العزاز، وصدعت عن الكمأة أماكنها، وجئتك في مثل جار الضبع.
وروى: فلبدت الدماث، ودحضت التلاع، وملأت الحفر، وجئتك في ماء يجرّ الضبع، ويستخرجها من وجارها؛ فقاءت الأرض بعد الري، وامتلأت الإخاذ وأفعمت الأودية.
ثم دخل عليه رجل من أهل اليمامة، فقال: هل كان وراءك من غيث؟ فقال: نعم، كانت سماءٌ ولم أرها، وسمعت الرواد تدعو في ريادتها، فسمعت قائلا يقول: أُظعنكم إلى محلة تطفأ فيها النيران، وتشتكي فيها النساء، وتنافس فيها المعزى.
فلم يفهم الحجاج ما قال، فاعتل عليه بأهل الشام، فقال: ويحك! إنما تحدث أهل الشام فأفهمهم. فقال: أما طفءُ النيران، فإنه: أخصب الناس فكثر السمن والزبد واللبن فلم يحتج إلى نار يخبز بها. وأما تشكي النساء فإن المرأة تربق بهمها وتمخض لبنها فتبيت ولها أنين. وأما تنافس المعزى فإنها ترى من ورق الشجر وزهر النبات ما يشبع بطونها ولا يُشبع عيونها؛ فتبيت ولها كظة من الشبع وتشتر فتتنزل الدرة.
ثم دخل رجل من بني أسد، فقال له: هل كان وراءك غيث؟ فقال: أغبر البلاد، وأكل ما أشرف من الجنة؛ فاستيقنا أنه عام سنة. فقال: بئس المخبر أنت.
ثم دخل رجل من الموالي من أشد الناس في ذلك الزمان، فقال له: هل كان وراءك غيث؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، غير أني لا أحسن أن أقول كما قال هؤلاء، إلا أنه أصابتني سحابة فلم أزل في ماءٍ وطينٍ حتى دخلت على الأمير.
فضحك الحجاج ثم قال: والله لئن كنت من أقصرهم خطبة في المطر إنك لمن أطولهم خطوة بالسيف.
التبشير: واحد التباشير؛ وهي الأوائل والمبادئ. ومنه تباشير الصبح، وهو في الأصل مصدر بشر؛ لأن طلوع فاتحة الشيء كالبشارة به، ومثله التعشيب والتنبيت.
لحمة للكبار؛ أراد أن القطر قد انتسج لفرط تتابعه، فشبه الكبار بسدي النسيج والصغار بلحمته.
السبط: الممتد المنبسط، وقد سَبِط وسَبُط.
النادح: الواسع، من ندح يندح إذا وسعه، وهو من باب العيشة الراضية، والماء الدافق، ومنه المندوحة وهي السعة، مصدر من ندح كالمكذوبة والمصدوقة.
الدماث: السهول، جمع مكان دمث أو أرض دمثة.
العزاز: الأرض الصلبة.
دحضت التلاع: صيرتها مداحض: أي مزالق.
الإخاذ: المصانع.
أُفعمت: مُلئت.
الريادة: مُخرجة على زنة الخياطة والقصارة؛ لأنها صناعة.
الكظة: الامتلاء المفرط من طعام أو شراب؛ من اكتظ الوادي إذا غص بالماء.
قلبت جيم " تجتر " شيناً لتقاربهما.
قيل في " تشكي النساء " وجه آخر؛ وهو اتّخاذهن شكاء اللبن، جمع شكوة، وهي القربة الصغيرة يقال: شكى الراعي وتشكى، قال:
وحَتَّى رَأَيْتُ العَنْزَ تَشْرَي وشَكَّتِ الْأيَامَى وأَضْحَى الرِّئْم بالدَّوِّ طَاوِيا
الجنة: عامة الشجر التي تتربل في الصيف.
السنة: القحط، أراد بطول الخطوة التقدم إلى الأقران، من قول ابن حطان:
إذا قصُرت أسيافُنا كَانَ وَصْلُها ... خُطَانا إلى أَعْدَائنا فنُضَارب
* * * * وأبشره في " قر " . فبشكه في " طر " . والبشام في " ظر " . بشق في " غث " .
* * * *
الباء مع الضاد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عن ابن طريف: كنت شاهداً النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر أهل الطائف، فكان يصلي بنا صلاة البصر، حتى لو أن إنسانا رمى بنبلة أبصر مواقع نبله.
البصر، بمعنى الإبصار، يقال: بصر به بصراً. وقيل لصلاة الفجر أو المغرب على خلاف فيها: صلاة البصر؛ لأنها تُصلى في وقت إبصار العيون للأشخاص بعد حيلولة الظلمة أو قبلها.
* * * * ذكر قوما يؤمون البيت ورجل متعوذ بالبيت قد لجأ به من قريش، فإذا كانوا بالبيداء خسف بهم. فقيل: يا رسول الله؛ أليس الطريق يجمع التاجر وابن السبيل والمستبصر والمجبور؟ قال: يهلكون مهلكا واحداً، ويصدرون مصادر شتى.
المستبصر: ذو البصيرة في دينه.
المجبور: المُجبر على الخروج، يقال: جبره على الأمر وأجبره؛ ومعناه أن قوما يقصدون بيت الله ليلحدوا في الحرم فيخسف بهم الله. فقيل له: إن تلك الرفقة قد تجمع من ليس قصده قصدهم. فقال: يهلكون جميعاً، ثم يذهبون مذاهب شتى في الجزاء.
* * * * بن مسعود رضي الله عنه - بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبصر كل سماء مسيرة خمسمائة عام.
البصر: غلظ الشيء، يقال: ثوب ذو بصر؛ إذا كان غليظاً وثيجا. ومنه البصرة والبصر لنوع الحجارة.
ويجوز أن يراد بالمسيرة المسافة التي يسار فيها كما قيل: المتيهة والمزلة. ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى السير كالمعيشة والمعيش، والمعجزة والمعجز.
* * * * كعب رضي الله عنه - تمسك النار يوم القيامة حتى تبص كأنها متن إهالة، فإذا استوت عليها أقدام الخلائق نادى منادٍ: أمسكي أصحابك ودعي أصحابي فتخنس بهم - وروى: فتخسف بهم، فيخرج منها المؤمنون ندية ثيابهم.
البصيص: البريق.
الإهالة: الودك.
خنس به يخنُس ويخنِس: إذا أخَّره وغيَّبه.
* * * * بصير وأعمى في " سف " . ما هذه البصرة في " كذ " . بصره في " بر " . وبصرها في " فر " . أصح بصرٍ في " خس " .
* * * *
الباء مع الضاد
النبي صلى الله عليه وسلم - لما تزوج خديجة بنت خويلد دخل عليها عمرو بن أُسيد، فلما رأى النبي عليه السلام قال: هذا البضع لا يقرع أنفه - وروى: لا يقدع.
وروى: أنه لما خطب خديجة استأذنت أباها وهو ثمل فقال: هو الفحل لا يقرع أنفه؛ فنحرت بعيراً، وخلَّقت أباها بالعبير. وكسته برداً أحمر؛ فلما صحا من سكره قال: ما هذا الحبير؟ وهذا العقير؟ وهذا العبير؟ البضع: مصدر بضع المرأة إذا جامعها، ومثله فيما حكاه سيبويه: قرعها قرعاً، وذقطها ذقطاً؛ وفعل في المصادر غير غريب؛ منه الشغل والسكر والكفر وأخوات لها. ويقال لعقد النكاح: بضع أيضا، كما استعمل النكاح في المعنيين. وأرادها هاهنا صاحب البضع فحذف.
قرع الأنف: عبارة عن الرد، وأصله في الفحل الهجين إذا أراد أن يضرب في كرائم الإبل قرع أنفه بالعصا ليرتد عنها.
والقدع: قريب من القرع، قالت ليلى الأخيلية:
ولم يقْدع الخصم الألدّ ويملأ الْ ... جِفان سديفاً يوم نكباء صرصر
أراد بالحبير: البرد الذي كسته، وبالعبير: الذي خلقته به. وبالعقير: البعير المنحور.
* * * *
عمر رضي الله عنه - كان لرجل حقٌّ على أم سلمة، فأقسم عليها أن تعطيه، فضربه أدباً له ثلاثين سوطاً كلها يبضع ويَحْدُر - وروى: يُحْدِر.
أي يشق الجلد، ومنه المبضع، ويورِّم، يقال: أحدره الضرب وحدره حدرا. وحدر الجلد بنفسه حدورا. قال عمر بن أبي ربيعة:
لو دَبَّ ذَرٌّ فَوْقَ ضَاحِي جِلْدِها ... لأَبَانَ مِنْ آثارِهِنّ حُدُورَا
وقيل: يُحدر الدم؛ أي يسيله.
* * * * النخعي رحمه الله تعالى - يقال: إن الشيطان يجري في الإحليل، ويبض في الدبر، فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئاً فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
البضيض: سيلان قليل، شبه الرشح؛ والمعنى أنه يدب فيه فيخيل إليك أنه بضيض بلل.
* * * * الحسن رحمه اللع تعالى - ما تشاء أن ترى أحدهم أبيض بضا يملخ في الباطل ملخا، ينفض مذرويه، ويضرب أسدريه، يقول: هأنذا فاعرفوني! قد عرفناك فمقتك الله، ومقتك الصالحون.
البض: الرقيق البشرة الرَّخْص الجسد.
الملخ: الإسراع والمر السهل، يقال: بكرة ملوخ، وقال رؤبة:
مُعْتَزِمُ التَّجْلِيخ مَلاَّخُ المَلَق
أي سريع في الملق، وهو ما استوى من الأرض.
المذروان: فرعا الأليتين، وإنما يقل: مذريان كقولهم: مذريان في ثنية مذري الطعام؛ لأن الكلمة مبنية على حرف التثنية، كما لم تقلب ياء النهاية، وواو الشقاوة همزة لبنائهما على حرف التأنيث.
الأسدران: العطفان، أي يضرب بيديه عليهما. عن ابن الأعرابي: وهو مثل للفارغ، ونفض المذروين للمختال.
قد عرفناك: يسمى التفاتا، وله في علم البيان موقع لطيف.
* * * * وتبضع طيبها في " كي " . ما تبض ببلال في " صب " . يبض ماء أصفر في " ند " . من كل بضع في " سح " . أن يستبضع في " نظ " .
* * * *
الباء مع الطاء
النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عيسى بن مريم عليه السلام، فإذا رجل أبيض مبطن مثل السيف.
وهو الضامر البطن.
* * * * ابن عمرو رضي الله عنهما - يؤتى برجل يوم القيامة، وتُخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وتخرج له تسعة وتسعون سجلاً فيها خطاياه فترجح بها.
قال ابن الأعرابي: البطاقة: الورقة - وروى " نطاقة " بالنون. وقال شمر: هي كلمة مبتذلة بمصر وما والاها، يدعون بها الرقعة الصغيرة المنوطة بالثوب التي فيها رقم ثمنه؛ لأنها تشد بطاقة من هدبه، وقيل لها: النطاقة؛ لأنها تنطق بما هو مرقوم عليها.
* * * * ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى - قال رجاء بن حيوة: كنت معه فضعف السراج فقلت: أقوم فأُصلحه، فقال: إنه للؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه، فقام فأخذ البطَّة فزاد في دهن السراج ثم رجع فقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
البطة: الدَّبَّة بلغة أهل مكة، وقيل: هي إناء كالقارورة، وكأنها سميت بذلك لأنها على شكل الطائر المعروف.
* * * * النخعي رحمه الله تعالى - كان يبطن لحيته ويأخذ من جوانبها.
أي يأخذ شعرها من تحن الذقن والحنك.
* * * * أبطحوا في " رف " . وبطن في " ظه " . والبطحاء في " جد " . بطيحاء في " كم " . ذو البطين في " جب " . بطاقة في " كه " . ليستبطنها في " غل " . أبا البطحاء في " قح " . إن الشوط بطين في " رح " . ببطنتك في " غض " . الأباطيل في " دح " . البطريق في " رس " . ما بطأ بهم في " ثب " .
* * * *
الباء مع الظاء
علي عليه السلام - أتى في فريضة، وعنده شريح فقال له: ما تقول أنت أيها العبد الأبظر؟ هو الذي في شفته العليا بظارة، وهي هنة ناتئة في وسطها لا تكون لكل أحد، ويقال لحلمة ضرع الشاة: بظارة أيضاً، وقيل: الأبظر الصخاب الطويل اللسان؛ وجعله عبداً؛ لأنه وقع عليه سباء في الجاهلية.
* * * * بظيت في " زر " .
* * * *
الباء مع العين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ما سُقي منها بعلا ففيه العُشر.
البعل: النخل النابت في أرض تقرب مادة مائها، فهو يجتزئ بذلك عن المطر والسقي؛ وإياه أراد النابغة في قوله:
مِن الوَارِدَات الماءَ بالْقَاعِ تَسْتَقِي ... بأَذْنَابِهَا قَبْلَ اسْتِقَاء الْحَناجِرِ
وإنما سمي بعلاً لأنه باجتزائه كل على منابته ومراسخ عروقه، من قولهم: أصبح فلان بعلاً على أهله؛ إذا صار كلاًّ وعيالا عليهم.
ومنه حديثه: إن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله؛ أُبايعك على الجهاد، فقال: هل لك من بعل؟ قال: نعم، قال: انطلق فجاهد فيه، فإن لك فيه مجاهدا ًحسنا.
قيل معناه: هل لك من يلزمك طاعته من أب وأم ونحوهما؟ من قولهم: هو بعل الدار والدابة، أي مالكهما. ومنه بعل المرأة. ويجوز أن يكون مخففاً عن بعِل، وهو العاجز الذي لا يهتدي لأمره من بعل بالأمر، وامرأة بعلة: بلهاء لا تحسن اللبس ولا إصلاح شأن النفس.
بعلا، نصب على الحال، والمعنى ما سقاه الله بعلاً.
* * * * تكلم لديه رجل فقال له: كم دون لسانك من حجاب؟ فقال: شفتاي وأسناني. قال: إن الله يكره الانبعاق في الكلام.
هو الإكثار والاتساع فيه، من انعبق المطر؛ وهو أن يسيل بكثرة وشدة.
* * * * ذكر أيام التشريق فقال: إنها أكل وشرب وبعال.
هو المباعلة، وهي ملاعبة الرجل أهله، قال الحطيئة:
وكَمْ مِنْ حَصان ذَاتِ بَعْلٍ تَرَكْتَها ... إذا الليل أَدْجَى لم تَجِدْ من تُبَاعِلُه
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - ما مُصلى لامرأة أفضل من أشد مكان في بيتها ظلمة، إلا امرأة قد يئست من البعولة فهي في منقليها.
هي جمع بعل، والتاء لتأنيث الجمع، كالسهولة والحزونة، ويجوز أن يكون مصدرا، يقال: بعلت المرأة بعولة، أي صارت ذات بعل.
المنقل: الخف، قال الكميت:
وكَانَ الأَباطِحُ مِثْل الإِرِينْ ... وَشُبِّهَ بالحِفْوَةِ المَنْقَل
أي هي لابسة خفيها لخروجها من البيت، وترددها في الحوائج، والمعنى كراهة الصلاة في المسجد للشواب والترخيص فيها للعجائز.
لامرأة: في موضع الرفع صفة لمصلى.
وأفضل أما أن يُنصب على لغة أهل الحجاز، أو يرفع على لغة بني تميم.
* * * * حذيفة رضي الله عنه - قال: ما بقي من المنافقين إلا أربعة، فقال رجل: فأين الذين يبعقون لقاحنا، وينقبون بيوتنا؟ فقال: أولئك هم الفاسقون - مرتين.
بعق الناقة: نحرها، وبعق للتكثير.
* * * * وفي كلام الضبي - كانت قبلنا ذئبة مجرية، فأقبلت هي وعرسها ليلا، فبعقتا غنمنا.
أي شقتا بطونها، أو المراد اللصوص الذين يغيرون على أهل الحي فيستاقونها، ثم ينحرونها ويأكلونها.
* * * * إن للفتنة بعثات ووقفات، فمن استطاع أن يموت في وقفاتها فليفعل.
جمع بعثة، وهي المرة من البعث؛ أي إثارات وتهيجات.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قيل له: أخبرنا عن نفسك في قريش؟ فقال: أنا ابن بعثطها والله ما سوبقت إلا سبقت، ولا خضت برجل غمرة إلا قطعتها عرضا.
البعثط: سرة الوادي، أراد أنه من صميم قريش وواسطتها. وخوض الغمر عرضاً أمر شاق لا يقوى عليه إلا الكامل القوة، يقال: إن الأسد يفعل ذلك. والذي عليه العادة اتباع الجرية حتى يقع الخروج ببعدٍ من موضع الدخول، وهذا تمثيل لإقحامه نفسه فيما يعجز عنه غيره، وخوضه في مستصعبات الأمور وتفصّيه منها ظافراً بمباغيه.
* * * * عروة رضي الله عنه - قال: قتل في بني عمرو بن عوف قتيل، فجعل عقله على بني عمرو بن عوف؛ فما زال وارثه، وهو عمير بن فلان، بعلّيا حتى مات.
هو منسوب إلى البعل من النخل، وقد سبق تفسيره، والمراد ما زال غنيا ذا نخل كثير، ويجوز أن يكون بمعنى البعل وهو المالك، من قولهم: هو بعل هذه الناقة، والياء ملحقة للمبالغة مثلها في أحمري ودوَّاري؛ أي كثير الأملاك والقنية. وقيل: يشبه أن يكون بعلياء من قول العرب في أمثالها: ما زال منها بعلياء، يضرب لمن يفعل فعلة تكسبه شرفا ومجدا، ومثله قولهم: ما زال بعدها ينظر في خير.
والعلياء: اسم للمكان المرتفع كالنجد واليفاع، وليست بتأنيث الأعلى؛ الدليل عليه انقلاب الواو فيها ياء، ولو كانت صفة لقيل: العلواء، كما قيل: العشواء، والقنواء والخدواء، في تأنيث أفعلها، ولأنها استعملت منكرة، وأفعل التفضيل ومؤنثه ليسا كذلك.
* * * * فبعها في " كر " . يوم بعاث في " قي " . تبعل أزواجكن في " قص " . ولا باعوثا في " قل " . بعجت له في " حن " . اغدوا المبعث في " غد " . بعج الأرض في " زف " . بعل بالأمر في " هط " . وبعيثك في " دح " . من البعل في " ضح " . بُعد ما بين السماء والأرض في " رف " . بعلي رسولها في " سح " .
* * * *
الباء مع الغين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا معه في سفر، فأصابهم بُغيش فنادى مناديه: من شاء أن يصلي في رحله فليفعل.
تصغير بغش، وهو المطر الخفيف، وقد بغشت السماء الأرض تبغشها. قال رؤبة:
سيدا كَسِيدِ الرَّدْهَة المبغوشِ
* * * * أبو بكر الصديق رضي الله عنه - خرج في بغاء إبل، فدخل عند الظهيرة على امرأة يقال لها حبة، فسقته ضيحة حامضة.
أخرج بغاء الشيء على زنة الأدواء كالعطاس والنحاز تشبيها لشغل قلب الطالب بالداء، وبغاء المرأة على زنة العيوب كالشراد والحران؛ لأنه عيب فاحش.
الضيحة: من الضيح، وهو اللبن المرقق، كالشحمة من الشحم، والشهدة من الشهد، وهي الشيء اليسير منه.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - إذا رأيتك يا رسول الله قرَّت عيني، وإذا لم أرك تبغثرت نفسي.
التبغثر: خبث النفس من غثيان وسوء ظن وغير ذلك، والمراد هاهنا خبثها للوحشة بفقد المشاهدة.
* * * * باغ وهاد في " كر " . بغياناً في " أن " . بغوتها في " صح " . ابغني في " غف " . لا ينبغي له أن ينام في " قس " . باعوثا في " قل " . البغايا في " أب " . أبغيها الطعام في " دي " .
* * * * النبي صلى الله عليه وآله وسلم - تبقه وتوقّه.
التبقي: بمعنى الاستبقاء، كالتقصي بمعنى الاستقصاء، وفي أمثالهم: لا ينفعك من زادٍ تبقي. وقال ذو الرمة:
وأَدرَكَ المُتَبَقّي من ثَمِيَلِته
والمعنى الأمر باستقباء النفس، وألا يُلقي بها إلى التهلكة، والتحرز من المتالف، والهاء ملحقة للسكت.
* * * * نهى عن التبقر في الأهل والمال.
التبقر: تفعل، من بقر بطنه؛ إذا شقه وفتحه، فوضع موضع التفرق والتبدد. والمعنى النهي عن أن يكون في أهل الرجل وماله تفرق في بلاد شتى؛ فيؤدي ذلك إلى توزع قلبه. وهذا تفسير معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: فكيف بمال براذان ومالٍ بكذا؟ * * * * قال أبو مويهبة رضي الله عنه: طرقني رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا مويهبة؛ إني قد أُمرت أن أستغفر الله لأهل البقيع؛ فانطلقت معه، فلما تفوه البقيع قال: السلام عليكم. في كلام ذكره.
المراد بقيع الغرقد: مقبرة بالمدينة.
تفوه، أي دخل فوهته، وهي مدخله، يقال: تفوهت الزقاق والسكة.
* * * * أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه - قال أبو موسى الأشعري حين أقبلت الفتنة بعد مقتله: إن هذه الفتنة باقرة كداء البطن، لا يدري أين يؤتى له! أي صادعة للأُلفة شاقة للعصا، وشبهها في تعذر تلافيها والحيلة في كشفها بداء البطن الذي أعضل وأعيت مداواته.
* * * * أمير المؤمنين علي عليه السلام - حمل على عسكر المشركين فما زالوا يبقطون.
التبقيط: الإسراع في المشي والكلام. ويقال: بقَّط في الجبل وبرقط: أسرع في صعوده، والمعنى تعادوا إلى الجبال منهزمين.
* * * * معاذ رضي الله عنه - بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في صلاة العشاء، حتى ظننا أنه صلى ونام، ثم خرج إلينا فذكر فضل تأخير صلاة العشاء.
أي انتظرنا، والاسم منه البقوى، قلبت الياء فيها واواً. وكذلك كل " فعلى " إذا كانت اسماً كالتقوى والرعوى والشروى، وإذا كانت صفة لم تقلب ياؤها كقولهم: امرأة صديا وخزيا. قال:
فهُنَّ يَعْلُكْن حَدَائدَاتهَا ... جُنْحُ النَّوَاصي نَحْوَ أَلوِيَاتِهَا
كالطَّيْرِ تَبْقِي مُتَدَاوِماتِهَا
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - يوشك أن يستعمل عليكم بقعان أهل الشام. أراد خبثاؤهم، فشبههم في خبثهم بالبقع من الغربان التي هي أخبثها وأقذرها.
وقيل: أراد المولدين بين العرب والروميات لجمعهم بين سواد لون الآباء وبياض لون الأمهات.
* * * * وفي حديث الحجاج: إن بعضهم قال له في خيل ابن الأشعث: رأيت قوماً بقعاً. قال: ما البقع؟ قال: رقَّعوا ثيابهم من سوء الحال.
شبه الثياب المرقعة بلون الأبقع.
* * * * ابن المسيب رحمه الله - قال: لا يصلح بقط الجنان.
أي لا يجوز إعطاء البساتين على الثلث والربع، وإنما سمي هذا بقطاً؛ لأنه خلط الملك وتصييره مشاعاً، من قولهم: بقط الأقط: إذا بكله.
* * * * ابن ميسرة رحمه الله - إن حكيما من الحكماء كتب ثلاثمائة وثلاثين مصحفاً حكما فبثها في الناس فأوحى الله تعالى: إنك قد ملأت الأرض بقاقا، وإن الله لم يقبل من بقاقك شيئا.
هو كثرة الكلام، يقال: بق علينا فلان يبق بقاقا، كقولك: فك الرهن يفك فكاكا؛ إذا اندفع بكلام كثير، ومنه بقت المرأة: كثر ولدها.
وتكلم أعرابي فأكثر، فقال له أخوه: أحسن أسمائك أن تدعى مبقّا.
* * * * لقًّا زبقا في " لق " . باقعة في " نس " . عين بقة في " حزّ " . وبقر خواصرهما في " شر " .
* * * *
الباء مع الكاف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أُتي بشارب خمر، فقال: بكِّتوه فبكَّتوه.
التبكيت: استقباله بما يكره من ذم وتقريع، وأن تقول له: يا فاسق؛ أما اتقيت! أما استحييت! ومنه قيل للمرأة المعقاب: مُبكت؛ لأنها كلما وضعت أُنثى استقبلت زوجها بمكروه.
* * * * نحن معاشر الأنبياء فينا بكء.
أي قلة كلام؛ مثل بكء الناقة أو الشاة، وهو قلة لبنها، يقال: بكأت وبكؤت بُكاَء وبَكْأً وبُكوءاً، فهي بكئ وبكيئة.
* * * * وفي حديث عمر رضي الله عنه - إنه سأل جيشاً: هل يثبت لكم العدو قدر حلب شاة بكيئةٍ؟ فقالوا: نعم، فقال: غلّ القوم.
أي خانوا في القول، ومعناه يكذّبهم فيما زعموا من قلة ثبات العدو لهم.
* * * * علي عليه السلام - كانت ضرباته مبتكرات لا عوناً.
الضربة المبتكرة: هي التي ضُربت مرة واحدة ولم تعاود لشدتها وإتيانها على نفس المضروب؛ شبهت بالجارية المبتكرة وهي المفتضة؛ لأنها التي بُني عليهما مرة واحدة.
والعوان: التي وقعت مختلسة فأحوجت إلى المعاودة؛ شبهت بالمرأة العوان وهي الثيب. ومنه: حرب عوان، وحاجة عوان، ويجوز أن يراد أنه كان يوقعها على صفة في الشدة لم يسبقه إلى مثلها أحد من الأبطال.
* * * * مجاهد رحمه الله تعالى - من أسماء مكة بكة، وهي أم رحم، وهي أم القرى، وهي كوثى، وهي الباسة - وروى الناسة.
قيل: سميت بكة اتباك الناس فيها؛ وهو ازدحامهم. وقيل: لأنها تبك أعناق الجبابرة ومن ألحد فيها بظلم؛ أي تدقها.
وهي الباسة أو الناسة؛ لأنها تبسهم أي تطردهم. وتنّسهم أي تزجرهم وتسوقهم.
وأم رحم: أصل الرحمة، يقال: رحمه رحماً ورُحما. قال الله تعالى: (وأَقْرَبَ رُحْماً) - قرئ باللغتين، وقال زهير:
ومِنْ ضَريبِته التَّقْوَى ويَعْصِمُهُ ... من سَيِّءِ العَثَرَاتِ اللهُ والرُّحُمُ
وقيل في أم القرى: لأنها أول الأرض وأصلها ومنها دُحيت.
وكوثى: بقعة بمكة، وهي محلة بني عبد الدار، قال:
لَعن اللهُ مَنْزِلاً بَطْنَ كُوثَى ... ورماه بالفَقْرِ والإمْعَارِ
ليس كُوثَى العِرَاقِ أَعْنِي ولكِنْ ... كُوثَةَ الدَّارِ دَارِ عَبْدِ الدَّارِ
يريد بكوثى العراق؛ قرية ولد بها إبراهيم صلوات الله عليه.
* * * * الحجاج - كتب إلى عامل له بفارس: ابعث إليَّ بعسل أبكار، من عسل خلاَّر من الدستفشار، الذي لم تمسه النار.
أراد أبكار النحل وهي أَفتاؤها؛ لأن العسل إذا كان منها كان أطيب، وقيل أراد أن أبكار الجواري يلينه. والأول أصح، لأنه قد روى: ابعث إلي بعسل من عسل خُلاّر من النحل الأبكار.
خُلاّر: موضع بفارس.
الدستفشار: كلمة فارسية؛ أي مما عصرته الأيدي وعالجته.
* * * * بكر وابتكر في " غس " . أكار أولادكم في " نب " . إن تبكعني بها في " قر " . فبعكته في " قر " . وبكره في " رج " . بكلت في " لب " . مم بكر في " اب " . من بك في " خص " . شاة بكئ في " نو " .
* * * *
الباء مع اللام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله ما أطلعتهم عليه.
بله: من أسماء الأفعال، كرويد، ومه، وصه، يقال: بله زيدا؛ بمعنى دعه واتركه. وقد يوضع موضع المصدر فيقال: بله زيدٍ، كأنه قيل: ترك زيد، ويقلب في هذا الوجه فيقال: بهل زيد، لأن حال الإعراب مظنة التصرف.
وما أطلعتهم عليه: يصلح أن يكون منصوب المحل ومجروره على مقتضى اللغتين. وقد روى بيت كعب ابن مالك الأنصاري:
تَذَرُ الجَماجِمَ ضَاحِياً هاماماتُها ... بَلْهَ الأَكُفَّ كأنها لم تُخْلَقِ
على الوجهين. المعنى: رأته وسمعته، فحذف لاستطالة الموصول بالصلة، ونظيره قوله تعالى: (أَهَذَا الذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً).
* * * * بلوا أرحامكم ولو بالسلام.
لما رأوا بعض الأشياء يتصل ويختلط بالنداوة، ويحصل بينهما التجافي والتفرق باليبس استعاروا البل لمعنى الوصل، واليبس لمعنى القطيعة، فقالوا في المثل: لا تؤبس الثرى بيني وبينك. قال:
فلا تُؤْبِسوا بَيْنِي وَبَيْنَكم الثَّرَى ... فإنّ الذِي بيني وبينكم مُثْرِى
* * * * وفي حديث عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى - إذا استشن ما بينك وبين الله فابلله بالإحسان إلى عباده.
إن أهل الجنة أكثرهم البله.
هم الذين خلوا عن الدهاء والنكر والخبث، وغلبت عليهم سلامة الصدور وهم عقلاء.
وعن الزبرقان بن بدر: خير أولادنا الأبله العقول، قال النمر بن تولب:
ولَقَدْ لَهَوْتُ بطَفْلةٍ ميَّالةٍ ... بَلْهاءَ تُطْلِعُني عَلَى أَسْرَارِها
وفي المقامات التي أنشأتها في عظة النفس في صفة الصالحين: " هينون لينون، غير أن لا هوادة في الحق ولا إدهان، بله خلا أن غوصهم على الحقائق يغمر الألباب والأذهان.
* * * * من أحب أن يرق قلبه فليد من أكل البلس.
هو التين، وروى البلس والبلسن، وهما العدس، وقيل: حب يشبهه، والنون في البلسن مزيدة مثلها في خلبن ورعشن من الخلابة والرعشة.
* * * * ذكر الدجال فقال: رأيته بيلمانياًّ أقمر هجانا، إحدى عينيه كأنها كوكب دري - وروى فيلمانيا وفيلما.
البيلماني: الضخم المنتفخ، من قولك: أبلم الرجل إذا انتفخت شفتاه، ورأيت شفتيه مبلمتين، وأبلمت الناقة: ورم حياؤها، ويقال لطوط البردى: البيلم لطول انتفاخه.
والفيلماني والفيلم: العظيم الجثة، يقال: رأيت امرأً فيلماً: أي عظيماً. وقال الهذلي:
ويَحْمِي المُضَافَ إذا ما دَعا ... إذا فَرَّ ذُو الِّلمَّةِ الفَيْلَمُ
والألف والنون والياء المشددة المزيدات على الفيلم مبالغات في معناه.
الأقمر: الأبيض. والهجان تأكيد له.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - أرسل إلى أبي عبيدة رسولا، فقال له حين رجع: كيف رأيت أبا عبيدة؟ فقال: رأيت بللا من عيش. فقصر من رزقه، ثم أرسل إليه وقال للرسول حين قدم عليه: كيف رأيته؟ قال رأيت حفوفا. فقال: رحم الله أبا عبيدة بسطنا له فبسط، وقبضنا له فقبض.
جعل البلل والحفوف - وهو اليبس - عبارة عن الرخاء والشدة؛ لأن الخصب مع وجود الماء والجدب مع فقده. يقال: حفَّت أرضنا: إذا يبس بقلها.
وعن أعرابي: أتونا بعصيدة قد حفت فكأنها عقب فيها شقوق.
* * * * العباس رضي الله تعالى عنه - قال في زمزم: لا أُحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل.
قيل: بل إتباع لحل، وقيل: هو المباح بلغة حمير.
وعن الزبير بن بكار: معناه الشفاء، من بل المريض وأبل.
* * * * ابن عمر رضي الله تعالى عنهما - قال صلى الله عليه وآله وسلم: ستفتحون أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها البلانات، فمن دخلها ولم يستتر فليس منّا.
واحدها بلان، وهو الحمام، من بل، بزيادة الألف والنون؛ لأنه يبل بمائة أو بعرقة من دخله. ولا فعل له، إنما يقال: دخلنا البلانات - عن أبي الأزهر.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - سُئل عن الوضوء من اللبن، فقال: ما أُباليه بالة، اسمح يسمح لك.
أي مبالاة، وأصلها بالية، كعافية.
أَسمح وسَمَح وساَمَح: إذا ساهل في الأمر، يقال: أسمحت قرونته، وفي أمثالهم: إذا لم تجد عزاًّ فسمح.
عائشة رضي الله تعالى عنها - قالت لعلي رضي الله تعالى عنه - يوم الجمل: قد بلغت منا البلغين.
قيل: هي الدواهي، كقولهم: البرحين، والتحقيق فيهما أن يقال: كأنه قيل: خطبٌ بلغ، أي بليغ، وأمر برح أي مبرح، كقولهم: لحم زيم، ومكان سوي، وديناً قيما، ثم جمعا جمع السلامة؛ إيذانا بأن الخطوب في شدة نكباتها بمنزلة العقلاء الذين لهم قصد وتعمد. وفي إعراب نحو هذا طريقان: أحدهما أن يجري الإعراب على النون ويقر ما قبلها ياء، والثاني أن يفتح النون أبدا ويعرب ما قبلها؛ فيقال: هذه البلغون، ولقيت البلغين، وأعوذ بالله من البلغين، قالت ذلك حين جهدتها الحرب.
* * * *
وأبلسوا في " أش " . البُلُسُ والبُلسنُ في " جل " . من البلاغ في " رف " . بلح في " عن " . الأبلمة في " قد " . بالة في " خش " . بذي بلى وبذي بليان في " بن " . بلاقع في " خش " . أبلج الوجه في " بر " . وبلتها في " صح " . مُبلحاً في " مح " . البلقعة في " قي " . بليلة الإرعاد في " زو " . والبلت في " شن " . ما نبض ببلال في " صب " . وما ابتلت قدماه في " حن " .
* * * *
الباء مع النون
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي الأرض بشيء إلا في يوم مطير ألقينا تحته بناء.
معنى البناء: ضم الشيء إلى الشيء، ومنه قيل للنطع مِبناة ومَبناة وبناء؛ لأنه أديمان فصاعدا ضمَّ بعضها إلى بعض ووصل به.
في يوم مطير؛ أي مُطر فيه، فاتّسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول الصحيح، كما قيل: ويوم شهدناه، إلا أن الضمير استكنَّ هنا لانقلابه مرفوعا. وبرز في شهدناه؛ لأنه انقلب منصوبا، والنصب أخو الجر.
* * * * خالد رضي الله تعالى عنه - خطب الناس فقال: إن عمر استعملني على الشام، وهو له مهم؛ فلما ألقى الشام بوانيه، وصار بثنية وعسلا، عزلني واستعمل غيري فقال رجل: هذا والله هو الفتنة. فقال خالد: أما وابن الخطاب حي فلا، ولكن ذاك إذا كان الناس بذي بلى وذي بلى - وروى: " بذي بليان " .
البواني: أضلاع الزور لتضامها، الواحدة بانية، ويقال: ألقى البعير بوانيه، كما يقال: ألقى بركه، وألقى كلكله: إذا استناخ، فاستعاره لاطمئنان الشام وقرار أُموره.
البثنية: حنطة حب منسوبة إلى البثنة، وهي بلاد من ارض دمشق. والبثنة: الأرض السهلة اللينة؛ أي كثر فيها الحنطة والعسل، حتى كأن كله حنطة وعسل. والمراد ظهور الخصب والسعة فيه.
يقال لمن بَعُد حتى لا يدري أين هو: صار بذي بلى وذي بليان، من بل في الأرض إذا ذهب. والمعنى ضياع أمور الناس بعده وتشتت كلمتهم.
* * * * عائشة رضي الله تعالى عنها - كنت ألعب مع الجواري بالبنات، فإذا رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم انقمعن فيسر بهن إلي.
البنات: التماثيل التي يلعب الصبايا.
انقمعن: دخلن البيت وتغيبن.
يسربهن: يرسلهن، من السرب، وهو جماعة النساء.
* * * * شريح رحمه الله تعالى - قال له أعرابي - وأراد أن يعجل عليه بالحكومة: تبنن. أي تثبت، والبنين: العاقل المتثبت، وهو من باب ابن بالمكان.
* * * * أبيني عبد المطلب في " غل " . وبنسوا في " نس " . بنتّ الغزل في " با " . ابن أبي كبشة في " عن " .
* * * *
الباء مع الواو
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
أي غوائله وشروره، يقال: باقته بائقة تبوقه بوقا.
* * * * جاء وهم يبوكون حسي تبوك بقدح، فقال: ما زلتم تبوكونها بعد! فسميت تبوك.
وهو أن يحركوا فيه القدح حتى يخرج الماء.
ومنه حديثه: إن بعض المنافقين باك عيناً كان النبي صلى الله عليه وسلم وضع فيها سهماً.
* * * * ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما - إنه كانت له بندقة من مسك، وكان يبلها ثم يبوكها بين راحته، فتفوح روائحها.
أي يحركها بتدويره بين راحتيه.
* * * * قال علقمة الثقفي رضي الله عنه: كنت في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضرب لنا قبتين، فكان بلال رضي الله عنه يأتينا بفطرنا، ونحن مسفرون جدا حتى والله ما نحسب إلا أن ذاك شيء يبتار به إسلامنا، وكان يأتينا بطعامنا للسحور ونحن مسدفون فيكشف القبة فيسدف لنا طعامنا.
باره يبوره وابتاره، مثل خبره يخبره واختبره في البناء والمعنى.
الإسداف: الدخول في السدفة وهي الضوء؛ وقوله: " يسدف لنا طعامنا " ، أي يدخل في السدفة فيضيء لنا. أراد أنه كان يعجل الفطور ويؤخر السحور امتحانا لهم.
بفطرنا: أي بطعام فطرنا فحذف.
ومن الابتيار حديث عون، قال: بلغني أن داود سأل سليمان صلوات الله عليهما وهو يبتار علمه. فقال: أخبرني؛ ما شر شيء؟ قال: امرأة سوء إن أعطيتها باءت وفخرت، وإن منعتها شكت ونفرت.
الباء: الكبر.
* * * * كان بين حيين من العرب قتال، وكان لأحد الحيين طول على الآخر، فقالوا: لا نرضى إلا أن يقتل بالعبد منا الحر منكم، وبالمرأة الرجل؛ فأمرهم أن يتباءوا.
هو أن يتقاصوا في قتلاهم على التساوي؛ فيُقتل الحر بالحر والعبد بالعبد. يقال: هم بواء، أي أكفاء في القصاص، والمعنى ذوو بواء، قالت ليلى الأخيلية:
فإنْ تَكُنِ القَتْلَى بَوَاءً فإنّكُمْ ... فَتىً ما قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بنِ عامِرِ
ومنه الحديث: الجراحات بواء: أي سواء.
وكثر حتى قيل: هم في هذا الأمر بواء: أي سواء.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لعبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: إن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ولا تنازع الأمر أهله إلا أن تؤمر بمعصية بواحاً - أو قال: براحا.
يقال: باح الشيء، إذا ظهر - بواحا وبؤوحا، فجعل البواح صفة لمصدر محذوف تقديره إلا أن تؤمر أمراً بواحاً؛ أي بائحا ظاهرا.
براحا بمعناه من الأرض البراح، وهي البارزة.
* * * * ليس للنساء من باحة الطريق شيء، ولكن لهن حجرتا الطريق.
باحة الطريق: وسطه، وكذلك باحة الدار: وسطها، وهي عرصتها.
الحجرة: الناحية.
* * * * كان جالساً في ظل حجرة قد كاد ينباص عنه الظل.
أي ينقبض عنه ويسبقه، من باص، إذا سبق وفات.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه - إنه كان أراد أن يستعمل سعيد بن عامر فباص منه؛ أي فاته مستترا.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - إن الجن ناحت عليه فقالت:
عليك سلامٌ من أميرٍ وباركتْ ... يَدُ الله في ذاك الأَدِيم الممزّق
قضيتَ أُمُوراً ثم غادَرْتَ بَعْدَها ... بَوَائِجَ في أَكْمَامِهَا لم تُفَتّقِ
فمنْ يَسْعَ أو يركب جَنَاحيْ نَعامةٍ ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
أَبَعْدَ قَتيلٍ بالمَدِيَنةِ أَظْلَمتْ ... له الأرْضُ تهتَزُّ العِضَاه بأَسْوُقِ
البوائج: البوائق.
الأكمام: الأغطية، جمع كم؛ أي كانت الفتن في أيامك مستورة فانكشفت.
الأسوق: جمع ساق؛ أنكر على الشجر اخضرارها واهتزازها، أي كان يجب أن تجفَّ وتذهب رطوبتها بموته.
* * * * الأحنف رضي الله تعالى عنه - نُعي إليه شقيق بن ثور، فاسترجع وشقّ عليه، ونُعي إلى حسكة الحبطي فما ألقى لذلك بالاً؛ فغضب من حضره من بني تميم، فقال: إن شقيقاً كان رجلا حليما، فكنت أقول: إن وقعت فتنة عصم الله به قومه، وإن حسكة كان رجلا مشيَّعاً، فكنت أخشى أن تقع فتنة فيجر بني تميم إلى هلكة.
إلقاء البال للأمر: الاكتراث له، والاحتفال به.
قيل المشيع هنا: العجول؛ من شيعت النار: إذا ألقيت عليها ما يذكيها، وليس يبعد أن يراد به الشجاع، وديدن الشجعان اقتحام المهالك، والتخفف إلى الحروب والفتن، وقلة تدبر العواقب، ولا يخلو من هذا دأبه أن يورط نفسه وقومه.
* * * * عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى - رفع إليه رجل قال لرجل: انك تبوكها - يعني امرأةً ذكرها - فأمر بضربه، فجعل الرجل يقول: أ أضرب فلاطا.
وروى من وجه آخر: إن ابن أبي خنيس الزبيري ساب قرشيا، فقال له: علام تبوك يتيمتك في حجرك؟ فكتب سليمان بن عبد الملك إلى ابن حزم: إن البوك سفاد الحمار فاضربه الحد. فلما قدم ليضرب قال: إنا لله! أُضرب فلاطا! قال ابن حزم - وكان لا يعرف الغريب: لا تعجلوا عسى أن يكون في هذا حدٌّ آخر.
الفلاط: المفاجأة، وأفلطه: فاجأه، لغة هذيلية، قال المتنخل الهذلي:
بهِ أَحْمِي المُضافَ إذا دَعَانِي ... ونَفْسِي ساعةَ الفَزَعِ الفِلاَطِ
وقال أيضا:
أَفْلَطها اللَّيْلُ بعيرٍ فتَسْ ... عى ثوبُها مُجْتَنِبُ المْعدِلِ
وإنما قال ذلك لأنه لم يعلم أن الكلمة كانت قذفا.
* * * * بوغاء في " رج " . بائر في " هي " . فأولئكم بور في " شر " . بواء فليتبوأ في " مث " . والبور في " ند " . بآئلة وبيلتي في " فو " . بوّالا في " شص " . حتى باص في " ول " . وبوغاء في " عف " . بيص في " حي " .
* * * *
الباء مع الهاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أُتي بشارب خمر فخُفق بالنعال وبُهز بالأيدي.
البهز: الدفع العنيف. ومنه قيل لأولاد العلات: بنو بهز؛ لتدافعهم وقلة ترافدهم؛ وبه سمي ابن حكيم بهزاً.
* * * * سار ليلة حتى ابهارَّ الليل، ثم سار حتى تهور الليل.
ابهارَّ: انتصف، من البهرة وهي وسط كل شيء، وإنما قيل للوسط بهرة؛ لأنه خير موضع، فكأنه يبهر ما سواه.
تهوَّر: مستعار من تهور البناء وهو انهدامه، والغرض إدباره، ومثله قولهم: تقوّض الليل.
* * * * قال لرجل: أمن البهش أنت؟ أراد أمن أهل البهش؟ وهي بلاد الحجاز؛ لأن البهش ينبت بها، وهو المقل ما دام رطبا، فإذا يبس فهو خشل، وهو من بهش إليه، إذا أقبل باستبشار؛ لأن النبات إقباله ورونقه في رطوبته وغضاضته، وإدباره وإنكاسه في يبسه وجفوفه.
* * * * ومنه حديث عمر رضي الله عنه - إن رجلا قرأ عليه حرفاً أنكره، فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أبو موسى الأشعري. فقال: إن أبا موسى لم يكن من أهل البهش.
أراد أن القرآن نزل باللغة الحجازية وهو يمني.
* * * * ومنه حديث أبي ذر رضي الله عنه - إنه لما خرج إلى مكة أخذ شيئاً من البهش فتزوده.
* * * * يُحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غُرلاً بهما، قيل: وما البهم؟ قال: ليس معهم شيء.
البهم: جمع الأبهم، وهو البهيم، أي المصمت الذي لا يخالط لونه لون آخر.
ويجوز أن يكون جمع بهيم مخففاً كسبل، جمع سبيل. والمعنى " ليس معهم شيء من أعراض الدنيا. شبه خلو جسد العاري عن عرض يكون معه بخلو نقبة الفرس عن شية مخالفة لها.
والأبهم والبهيم أيضا: الحجر المصمت الذي لا خرق فيه. قال العجاج:
فَهَزَمْتَ ظَهْرَ السِّلاَمِ الأَبْهَم
ومن هذا جوّز أن يكون وصفا لأبدانهم بالصحة والسلامة من الأمراض والعاهات الدنيوية، إلا أنه فاسد من وجهين آخرين.
الغُرل: جمع أغرل وهو الأقلف.
* * * * سمع رجلا حين فُتحت جزيرة العرب، أو مكة يقول: أبهوا الخيل، فقد وضعت الحرب أوزارها. فقال: لا تزالون تقاتلون الكفار حتى تقاتل بقيتكم الدجال.
إبهاء الخيل: تعرية ظهورها عند رك الغزو، من قولهم: أبهى البيت؛ إذا ركه غير مسكون. وأبهى الإناء؛ إذا فرَّغه.
* * * * كان يدلع لسانه للحسن، فإذا رأى الصبي حمرة لسانه بهش إليه.
أي أقبل إليه وخف بارتياح واستبشار. قال المغيرة:
سَبَقْتَ الرِّجالَ الْبَاهِشِينَ إلى العلا ... فِعَالاً ومَجْداً والفعَالُ سِبَاقُ
* * * * ومنه حديثه: إنه أرسل أبا لبابة إلى اليهود، فبهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه.
كان أبو لبابة يهودياًّ فأسلم؛ فلهذا ارتاحوا حين أبصروه مستغيثين إليه.
* * * * ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال أبو بشامة: قلت له: إني قتلت حية وأنا محرم. فقال: هل بهشت إليك؟ قلت: لا، قال: لا بأس بقتل الأفعو ولا برمي الحدو، فما نسيت خلاف كلامه لكلامنا.
أي هل أقبلت إليك تريدك؟ قلب ألف أفعى واواً، وهذه لغة لأهل الحجاز إذا وقفوا على الألف يقولون: هذه حبلو، ولقيت سعدو؛ ومنهم من يقلبها ياء فيقول: حبلي وسعدي، وأما الحدأ فإنه لما وقف عليه فسُكنت همزته خففها تخفيف همزة رأس وكأس، ثم عاملها معاملة الألف في أفعى.
* * * * في قصة حنين: حين خرجوا بدريد بن الصمة يتبهنسون به - وروى يتبيهسون به: فقال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال: نعم مجال الخيل! لا حزن ضرس ولا سهل دهس، مالي أسمع بكاء الصغير، ورغاء البعير، ونهاق الحمير، ويعار الشاء؟ قيل: ساق مالك بن عوف مع الناس الظعن والأموال. فقال: ما هذا يا مالك؟ قال: يا أبا قرة؛ أردت أن أحفظ الناس، وأن يقاتلوا عن أهليهم وأموالهم؛ فأنقض به، وقال: رويعي ضأن والله! ماله وللحرب! وهل يرد المنهزم شيء؟ وقال: أنت محل بقومك، وفاضح من عورتك. لو تركت الظعن في بلادها، والنعم في مراتعها، ثم لقيت القوم بالرجال على متون الخيل، والرجالة بين أضعاف الخيل أو متقدمة درية أمام الخيل كان الرأي. ثم قال: هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه، ثم أنشأ يقول:
يا لَيتني فيها جَذْعْ ... أخُبُّ فيها وَأَضَعْ
أقُودُ وَطْفَاء الزَّمَعْ ... كأنّها شَاةٌ صَدَعْ
التبهنس والتبهيس: مشية البهيس، وهو الأسد، ومشية تبختر، والنون والياء زائدتين بدليل تصريفي. وقيل اشتقاق البهيس من البهس وهو الجرأة، والمعنى؛ يمشون به على تؤدة كمش المتبختر، وقيل: إنما يتهبون به، وهو من قولهم: لضعيف البصر متهب لا يدري أين يطأ، مأخذه من الهبوة.
وروى: " يقاد به في شجار " ؛ وهو مركب للنساء.
ضرس: خشن. دهس: لين.
أُحفظ: من الحفيظة وهي الغضب؛ أي أدمرهم للحرب.
أنقض به: نقر بلسانه في فيه كما يزجى الحمار والشاة؛ فعلها استجهالاً له.
محل بقومك: مخرج لهم من الامن كمن يخرج من الحرم، أو من الأشهر الحرم، أو من حرمة هو فيها، أو منزل بهم بلية، فحذف المفعول.
الدرية: بعير يستتر به الصائد عند رمي الوحش، من رداه: إذا ختله، وهي الدريئة أيضا بالهمز، من الدرء وهو الدفع، لأنه يدرأ درءا ودراء حتى يقرب من الرمية، أي يجعل الرجالة ستراً دون الخيل.
الوضع: سير حثيث، يقال: أوضع الراكب البعير، ووضع البعير.
الوطفاء، من الوطف: وهو كثرة الشعر.
الزمع: زوائد من وراء الظلف.
الصدع: الخفيف.
* * * * عمر رضي الله عنه - رفع إليه غلام ابتهر جارية في شعره، فقال: انظروا إليه فلم يوجد أنبت، فدرأ عنه الحد.
الابتهار: أن يقول: فجرت ولم يفجر، من الشيء الباهر، وهو الظاهر.
والابتيار: أن يقول وقد فعل؛ من البؤرة وهي الحفرة، قال الكميت:
قَبِيحٌ بمْثلِيَ نَعتُ الْفَتَا ... ةِ إمَّا ابتِهاَراً وإمَّا ابتِياَرَا
ومنه حديث العوام بن حوشب رضي الله عنه: الابتهار بالذنب أعظم من ركوبه. لأن فيه تبجحا بالذنب، ولا تبجح به إلا مع استحسانه، واستحسان ما قضى الإسلام بقبحه يضرب إلى الكفر.
* * * * عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه - رأى رجلا يحلف عند المقام، فقال: أرى الناس قد بهئوا بهذا المقام.
أي أنسوا به حتى قلت هيبته في صدورهم، فلم يهابوا الحلف على الشيء الحقير عنده. ومنه حديث ميمون بن مهران رحمه الله: إنه كتب إلى يونس بن عبيد: عليك بكتاب الله؛ فإن الناس قد بهئوا به واستخفوا، واستحبوا عليه الأحاديث أحاديث الرجال.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - من شاء باهلته أن الله لم يذكر في كتابه جدَّا وإنما هو أب.
المباهلة: مفاعلة من البهلة وهي اللعنة، ومأخذها من الإبهال وهو الإهمال والتخلية؛ لأن اللعن والطرد والإهمال من وادٍ واحد، ومعنى المباهلة أن يجتمعوا إذا اختلفوا فيقولوا: بهلة الله على الظالم منا.
* * * * عمرو رضي الله عنه - إن ابن الصعبة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير ذهب وفضة.
البهار: ثلاثمائة رطل، وهو ما يُحمل على البعير بلغة أهل الشام. قال بريق الهذلي:
بِمُرْتَجزٍ كأنَّ عَلَى ذُرَاهُ ... ركاب الشَّامِ يَحْمِلْنَ البُهَارَا
ابن الصعبة: طلحة بن عبيد الله، أضافة إلى أمه وهي الصعبة بنت الحضرمي، وكانت قبل عبيد الله تحت أبي سفيان بن حرب، فلما طلقها تبعتها نفسه فقال:
فإني وصَعْبة فيما ترى ... بَعيدَانِ، والوُدُّوُدٌّ قَريب
فإن لا يكن نسبٌ ثاقبٌ ... فعند الفتاةِ جمالٌ وطِيبُ
وإنما أضافة إليها غضا منه، لأنها لم تكن في ثقابة نسب.
* * * * الحجاج - كان أبو المليح على الابلة فأُتي بلؤلؤ بهرجٍ، فكتب فيه إلى الحجاج، فكتب فيه أن يخمس - وروى نبهرج.
وهما الباطل الرديء. وبهرج السلطان دمه: إذا أهدره، وهي كلمة فارسية قد استعملها العرب وتصرفوا فيها، قال:
محارمُ اللَّيلِ لهن بهرج
* * * * وفي الحديث - وتنقل الأعراب بأبهائها إلى ذي الخلصة.
جمع بهو، وهو بيت من بيوت الأعراب يكون أمام البيوت.
ذو الخلصة: بيت فيه صنم كان يقال له: الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة، وقيل: هو الكعبة اليمانية.
* * * * أبهر القوم في " عز " . بهلة الله في " خف " . قطعت أبهري في " اك " . بهر جتني في " ضب " . وعلاه البهاء في " بر " . تبهر في " تب " . ابهار الليل في " هج " . البهيم في " زخ " . المبهمات في " ذم " . فبها ونعمت في " نع " . أنابها في " خص " . هذه البهائم في " اب " .
* * * *
الباء مع الياء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أُتوا الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم.
قيل معناه: غير أنهم، وأُنشد:
عَمْداً فَعَلْتُ ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي ... إِخَالُ إِنْ هَلَكْتُ لَمْ تَرَنِّي
* * * * وفي حديثه: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد ابن بكر - وروى: " ميدأني " .
* * * * لا تقوم الساعة حتى يظهر الموت الأبيض. قالوا: يا رسول الله؛ وما الموت الأبيض؟ قال: موت الفجاءة.
معنى البياض فيه خلوُّه عما يحدثه من لا يغافص؛ من توبة واستغفار، وقضاء حقوق لازمة، وغير ذلك، من قولهم: بيضت الإناء إذا فرغته، وهو من الأضداد.
* * * * عليكم بالحجامة، لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله.
قيل: هو قلب يتبغى، من البغي.
وعن ابن الأعرابي: تبيغ الدم، وتبوغ: ثار، وهو من البوغاء، وهو التراب إذا ثار.
* * * * لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه.
البيع هاهنا: الاشتراء، قال طرفة:
ويَأْتِيك بالأَخْبَارِ من لم تَبِعْ لَهُ ... بَتَاتاً ولم تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
* * * * ألا إن التبين من الله، والعجلة من الشيطان؛ فتبينوا.
هو التثبت والتأني.
* * * * قال لامرأة - وذكرت زوجها - أهو الذي في عينيه بياض؟ فقالت: لا. ذهب إلى البياض الذي حول الحدقة، وظنته المرأة الكوكب في العين.
* * * * قال لأبي ذر رضي الله عنه: كيف تصنع إذا مات الناس حتى يكون البيت بالوصيف؟ أراد بالبيت القبر، وأن مواضع القبور تضيق لكثرة الموتى حتى يبتاع القبر بالوصيف.
* * * * كان لا يبيت مالا ولا يقيله.
يعني أن مال الصدقة إذا وافاه مساء أو صباحاً لم يلبثه إلى الليل، أو إلى القائلة؛ بل كان يعجّل قسمته.
* * * * عائشة رضي الله عنها - تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بيت قيمته خمسون درهما - وروى: " على بتّ " .
البيت: فرش البيت وهو معروف عندهم. يقولون: تزوج فلان امرأة على بيت.
البتّ: الكساء، وقيل: الطيلسان من خزٍ.
* * * * بيعا في " خب " . بياح في " مك " . البياض أكثر في " رس " . يبين في " فد " . بيسان في " زو " . بيص في " حي " . بيعة في " سق " . والأبيض في " حم " . بيتك في " فض " . بين إحدى ثلاث في " خب " .
آخر كتاب الباء ولله الحمد والمنة
=======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف التاء
التاء مع الهمزة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أتاه رجل عليه شارة وثياب، فأتاره بصره. وجاءه رجل آخر فيه بذاذة تعلو عنه العين، فقال: هذا خير من طلاع الأرض ذهباً؛ إن هذا لا يريد أن يظلم الناس شيئاً.
الإتآر: إتباع النظر بحدة، قال:
أَتْأَرْتُهُمْ بَصَرِي وَالآلُ يَرْفَعُهُمْ ... حتى اْسَمَدرَّ بِطَرْفِ الْعَينِ إتْآري
تعلو عنه: أي تنبو عنه وتقتحمه.
طلاع الأرض: ما يملؤها حتى يطلع ويسيل.
ومنه قوس طلاع الكف. قال يصف قوسا:
كَتُومٌ طِلاَعُ الْكفِّ لا دُونَ مَلْئِهَاولا عَجْسُهَا عَنْ مَوْضِعِ الْكَفِّ أَفْضَلاَ
هذا خير: إشارة إلى شأن الرجل وحاله.
ذهبا: نصب على التمييز.
* * * * الفرس التئق في " سو " .
* * * *
التاء مع الباء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن الرجل يتكلم بالكلمة يتبن فيها يهوي بها في النار.
تبن: دقق النظر من التبانة وهي الفطنة، والمراد التعمق، والإغماض في الجدل، وأداء ذلك إلى التكلم بما ليس بحق.
ومنه حديث سالم رحمه الله: كنا نقول في الحامل المتوفي عنها زوجها: إنه ينفق عليها من جميع المال حتى تبنتم، ودققتم النظر حتى قلتم غير ذلك.
* * * * إن مريم ابنة عمران سألت ربها أن يطعمها مما لا دم فيه، فأطعمها الجراد. فقالت: اللهم أعشه بغير رضاع، وتابع بينه وبين شياع.
أي اجعله يتبع بعضه بعضا من غير أن يشايع به مشايعة الراعي بالنعم، وهي دعاؤه بها فتجتمع، قال جرير:
فَأَلْقِ اسْتَكَ الهَلْبَاء فَوْق قَعُودها ... وشَايِعْ بهَا واضْمُمْ إليكَ التَّوَالِيَا
* * * * قال له قيس بن عاصم المنقري: يا رسول الله، ما المال الذي ليس فيه تبعة من طالب ولا من ضيف؟ فقال: نعم المال الأربعون، والكثر الستون، وويل لأصحاب المئين، إلا من أعطى الكريمة، ومنح الغزيرة، وذبح السمينة؛ فأكل وأطعم القانع والمعتر.
وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف صنع في الطروقة؟ قال له: يغدو الناس بحبالهم، فلا يوزع رجل عن جمل يخطمه. وقال له: كيف تصنع في الأفقار؟ فقال: إني لأُفقر البكر الضرع، والناب المدبرة.
وقال له: كيف أنت عند القرى؟ قال: أُلصق والله يا رسول الله بالناب الفانية والضرع.
التبعة: ما يتبع المال من الحقوق.
الكثر: الكثير.
منح: من المنحة، وهي الناقة أو الشاة تعار للبنها ثم تسترد.
القانع: السائل، ومصدره القنوع.
المعتر: الذي يتعرض ولا يفصح بالسؤال.
في الطروقة؛ أي في صاحب الطروقة إذا استطرقك فحلا.
لا يوزع: لا يمنع، أراد أنه يطرق الفحول كل من أراد من غير مضايقة في ذلك.
الإفقار: إعارة البعير للركوب أو الحمل، والمعنى التمكين من فقاره.
الضرع: الصغير الضعيف.
الإلصاق بالناب: عرقبتها، والمعنى إلصاق السيف بساقها، قال الراعي:
فقُلْتُ لَهُ أَلْصِق بأَيْبَس سَاقِها ... فإن يُجْبَر العُرْقُوبُ لاَ يَرْقَأ النَّسَا
* * * * الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والتبر بالتبر مدى بمدى.
التبر: جوهر الذهب والفضة غير مطبوع، من التَّبار، فإذا طبع وضرب دنانير ودراهم فهو عين، من عين الشيء وهو خالصه.
المدى: مكيال لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا، والمكوك: صاع ونصف. الذهب مؤنثة، يقال ذهب حمراء - وروى الفراء تذكيرها.
* * * * علي عليه السلام - استخرج رجل معدنا، فاشتراه منه أبو الحارث الأزدي بمائة شاة متبع، فأتى أمه فأخبرها فقالت: يا بني؛ إن المائة ثلاثمائة؛ أمهاتها مائة، وأولادها مائة، وكفأتها مائة. فاستقاله فأبى فأخذه فأذابه فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البائع: لآتين بك علياً عليه السلام، فأتى عليا عليه السلام فأخبره، فقال له علي عليه السلام: ما أرى الخمس إلا عليك - يعني خمس المائة.
المتبع: التي يتبعها ولدها.
الكفأة في نتاج الإبل: أن تجعلها نصفين وتراوح بينها في الإضراب ليكون أقوى لها وأحرى أن لا تخلف. قال ذو الرمة:
تَرَى كُفْأَتَيْها تُنْفِضَانِ ولم يَجِدْ ... لها ثِيلَ سَقْب في النِّتَاجَيْنِ لامِسُ
وإنما سميت كفأة؛ لأنها جعل الإبل فرقتين متكافئتين، ولا كفأة للغنم، ولكنها أرادت نتاجها الذي لا يخلف ولا يرتاب فيه أن تفذّ: وهو أن تلد كل واحدة واحدا؛ لأنهن قد يتئمن، وفي ذلك ريب فسمته كفأة لذلك.
الأثي والأثو: السعاية، وعدَّاه على تأويل أخبر وأعلم، كأنه قال: لأخبرن بشأنك عليا، أو بحذف الجار وإيصال الفعل.
* * * * عمار رضي الله عنه - صلى في تُبان وقال: إني ممثون.
التبان: سراويل الملاحين، وقد تبنه: إذا ألبسه إياه.
الممثون: الذي يشتكي مثانته.
* * * * زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه - جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فسأله فقال: ما عندنا شيء ولكن أتبع علينا.
يقال: أتبعت فلانا على فلان: أي أحلته.
ومنه الحديث: إذا أُتبع أحدكم على ملئ فليتبع.
أي إذا أحيل فليحتل.
* * * * أبو واقد رضي الله تعالى عنه - تابعنا الأعمال فلم نجد شيئاً أبلغ في طلب الآخرة من الزهد في الدنيا.
أي مارسنا وأحكمنا معرفتها، من قولهم: تابع الباري القوس: إذا أحكم بريها، فأعطى كل عضو منها حقه. وتابع الراعي الإبل: إذا أنعم تسمينها وأتقنه، وكل بليغ في الاتساق والإحكام متتابع. ومعناه أنه أشبه بعضه بعضا، وتبعه في الإحكام؛ فليس فيه موضع غير محكم.
* * * * ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى - كان يلبس رداءً متبناً بزعفران.
هو المصبوغ على لون التبن.
* * * * وأُشرب التبن في " قو " .
* * * *
التاء مع الجيم
أبو ذر رضي الله عنه - كنا نتحدث أن التاجر فاجر.
هو الخمار. قال ابن يعفر:
ولَقَدْ أَرُوحُ إلى التِّجَارِ مُرَجَّلاً ... مَذِلاً بمالِي لَيِّناً أَجْيَادِي
وقيل: هو كل تاجر؛ لما في التجارة في الأغلب من الكذب والتدليس، وقلة التحاشي عن الربا، وغير ذلك.
* * * *
التاء مع الحاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول، وتظهر التحوت. قالوا: يا رسول الله؛ وما الوعول؟ وما التحوت؟ قال: الوعول: وجوه الناس وأشرافهم. والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم.
شبه الأشراف بالوعول لارتفاع مساكنها. وجعل " تحت " الذي هو ظرف نقيض " فوق " اسما؛ فأدخل عليه لام التعريف؛ ومثله قول العرب لمن يقول ابتداء: عندي كذا: أولك عند؟ * * * * ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: إنه ذكر أشراط الساعة، فقال: وإن منها أن تعلو التحوت الوعول. فقيل: ما التحوت؟ قال: بيوت القانصة يرفعون فوق صالحيهم.
كأنه ضرب لبيوت القانصة، وهي قر الصيادين، مثلا للأرذال والأدنياء؛ لأنها أرذل البيوت.
* * * * تحفة الكبير في " حب " .
* * * *
التاء مع الخاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ملعون من غير تخوم الأرض - وروى تخوم.
التخوم - بوزن هبوط وعروض: حد الأرض وهي مؤنثة. قال:
يا بَنِيَّ التُّخُومَ لا تَظْلمُوهَا ... إنَّ ظُلْمَ التُّخُومِ ذو عُقَّالِ
والتخوم جمع لا واحد له كالقتود، وقيل: واحدها تخم، وقيل: وهذه الأرض تتاخم أرض كذا: أي تحادها؛ والمعنى تغيير حدود الحرم التي حدها إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقيل: هو عام في كل حدٍ ليس لأحد أن يزوي من حد غيره شيئا.
وفي حديثه الآخر: من ظلم جاره شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين.
* * * *
التاء مع الراء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن منبري هذا على ترعة من ترع الجنة - وروى من ترع الحوض.
قيل: هي الروضة على مرتفع من الأرض، وذلك آنق لها وأخشن، ولهذا قالوا: رياض الحزن. وفسرت بالباب والدرجة ومفتح الماء؛ والأصل في هذا البناء الترع: وهو الإسراع والنزو إلى الشر، وفلان يتترع إلينا أي يتسرع ويتنزى إلى شرنا، ثم قيل: كوز ترع، وجفنة مترعة؛ لأن الإناء إذا امتلأ سارع إلى السيلان، ثم قيل لمفتح الماء إلى الحوض: ترعة؛ لأنه منها يترع أي يملأ، وشبه به الباب لأنه مفتح الدار، فقيل له: ترعة؛ وأما الترعة بمعنى الروضة على المرتفع والدرجة فمن النزو؛ لأن فيه معنى الارتفاع، ومنه قيل للأكمة المرتفعة على ما حولها: نازية.
والمعنى أن من عمل بما أخطب به دخل الجنة.
* * * * علي عليه السلام - لئن وليت بني أمية لأنفضهم نفض القصَّاب التراب الوذمة.
التِّرَاب: جمع تَرْب، تخفيف " تَرِب " .
الوذمة: المنقطعة الأوذام، وهي المعاليق، من قولهم: وذمت الدلو فهي وذمة، إذا انقطعت وذامها، وهي سيور العراقي؛ والمعنى كما ينفض اللحوم أو البطون التي تعفرت بسقوطها على الأرض لانقطاع معاليقها.
وقيل: هذا من غلط النقلة وإنه مقلوب، والصواب الوذام التربة، وفسرت الوذام بأنها جمع وذمة، وهي الحزة من الكرش أو الكبد والكرش نفسها؛ والوجه ما ذكرت.
* * * * مجاهد رحمه الله تعالى - لا تقوم الساعة حتى يكثر التراز.
قيل هو موت الفجاءة، وترز يترز ترزاً. قال ابن دريد: الترز: اليبس، ثم كثر حتى سموا الميت تارزا، قال الشماخ:
كأنَّ الذي يَرْمي من الْوَحْشِ تارِزٌ
وقيل: أصله أن تأكل الغنم حشيشاً فيه الندى، فيقطع بطونها فتموت، يقال: ترزت الغنم ونفصت: أصابها التراز والنفاص.
* * * * في الحديث: لو وزن رجاء المؤمن وخوفه بميزان تريص ما زاد أحدهما على الآخر.
هو المحكم العدل الذي لا يحيف، وقد ترص تراصة، قال:
فَشُدَّ يَدَيْكَ بالعَقْدِ التَّرِيصِ
* * * * تارّ في " لح " . تربت يداك في " وس " . تركته في " نف " . ترائك في " شر " .
* * * *
التاء مع العين
أبو هريرة رضي الله عنه - تعس عبد الدينار والدرهم، الذي إن أُعطي مدح وضبح، وإن منع قبح وكلح، تعس فلا انتعش، وشيك فلا انتقش.
تعس تعساً فهو تاعس: إذا انحط وعثر - وقد روى تعس فهو تعِس، وليس بذاك.
ضبح: من ضباح الثعلب وهو صياحه. شبه صوته في مخاصمته دونه ومجادلته عنه بالضباح. وهذا كقولهم: فلان كلب ينبح، وديك يضبح.
قبَّح، أو قبح له وجهه، بمعنى قبَّحه.
وكلح: عبس. شيك من قولهم: شاكه الشوك، إذا دخل رجله.
والانتقاش: استخراجه.
* * * * وقام نعار في " صب " .
* * * *
التاء مع الغين
الزهري رحمه الله - مضت السُّنَّة أنه لا يجوز شهادة خصم، ولا ظنين، ولا ذي تغبة في دينه.
هي الفساد، وقد تغب تغباً فهو تغب - وروى: " ذي تغبة " ، وقيل: هي العيب والفساد، ولا تخلو من أن تكون " تفعلة " ، من غبب الذي هو مبالغة في معنى غبَّ الشيء: إذا فسد وتغير، أو من غبب في الحاجة إذا لم يبالغ فيها، وفي ذلك فسادها، أو من غبب الذئب الغنم: إذا عاث فيها وعضض أغبابها.
* * * *
التاء مع الفاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات.
التفل: ألاَّ يتطيب فيوجد منه رائحة كريهة؛ من تفل الشيء من فيه: إذا رمى به متكرهاً. قال ذو الرمة:
متى يحس منه ذائقُ القوم يَتْفَل
ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمسن طيباً.
* * * * قال رافع بن خديج رضي الله عنه في النصل الذي في لبته: إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مسحه بيده وتفل عليه فلم يصر وبقي في طمّ غير أنه منتبر في رأس الحول.
أي بزق عليه.
لم يصر؛ أي لم يجمع المدة، مع صرى الماء.
الانتبار: التورم.
* * * * ابن مسعود رضي اللع تعالى عنه - ذكر القرآن فقال: لا يتفه ولا يتشان.
هو من تفه الطعام، إذا سنخ، وتفه الطيب: إذا ذهبت رائحته بمرور الأزمنة.
والتشان: الإخلاق، من الشن وهو الجلد اليابس البالي؛ أي هو حلو طيب، لا تذهب طلاوته، ولا يبلى رونقه وطراوته بترديد القراءة كالشعر وغيره.
ومنه قول علي عليه السلام: لا تخلق بكثرة الرد.
ويجوز أن يكون من تفه الثوب، إذا بلى. ولا يتشان تأكيداً له، ويجوز أن يكون من تفه الشيء: إذا قل وحقر؛ أي هو معظَّم في القلوب أبداً.
وقيل: معنى التشان الامتزاج بالباطل، من الشنانة، وهي اللبن المذيق.
* * * * الرجل التافه في " رب " . تتفل الريح في " جف " . التفث في " عم " .
* * * *
التاء مع القاف
التقدة في " جل " .
* * * *
التاء مع اللام
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - إن الملك يأتي العبد إذا وضع في قبره، فإن كان كافراً أو منافقا قال له: ما تقول في هذا الرجل؟ يعني محمداً صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيقول: لا دريت ولا تليت.
أي ولا اتبعت الناس بأن قول شيئاً يقولونه. ويجوز أن يكون من قولهم: تلا فلان تلو غير عاقل، إذا عمل عمل الجهال، أي لا علمت ولا جهلت؛ يعني هلكت فخرجت من القبيلين.
وقيل: لا قرأت، وقلب الواو ياء للازدواج. وقيل: الصواب أتليت. يدعو عليه بألا يتلي إبله؛ وإتلاؤها: أن يكون لها أولاد تتلوها، وقيل: هو ائتليت افتعلت من لا آلو كذا، إذا لم تستطعه.
* * * * عن عائشة رضي الله عنها - كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبدو إلى هذه التلاع، وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلى ناقة محرَّمة.
التلاع: مسابل الماء من الأعالي إلى الأسافل.
بَدَا بَدَاوة وبِدَاوة: خرج إلى الصحراء.
المحرَّمة: التي لم تذلل ولم تركب. ومنه أعرابي محرَّم: إذا لم يخالط أهل الحضر، وسوط محرَّم: لم تتم دباغته.
* * * * بينا أنا نائم أُتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي.
أي أُلقيت ووضعت، والمعنى ما فتح الله لأمته من خزائن الملوك بعده.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إنه أُتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذنني أن أُعطي هؤلاء؟ فقال: لا والله يا رسول الله، لا أُثر بنصيبي منك أحدا؛ فتله في يده.
* * * * ابن مسعود رضي الله تعالى عنه - أُتي بسكران فقال: تلتلوه ومزمزوه.
التلتلة من قولهم: مرَّ فلان يتلتل فلانا، إذا عنف بسوقه. وقيل: هي التخييس والتذليل.
والمزمزة: التحريك.
وهذا كقوله: بهز بالأيدي، وقيل: معناه حركوه حتى يوجد منه ريح ماذا شرب.
* * * * قال في سورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: هن من العتاق الأول، وهن من تلادي.
أي من قديم ما أخذت من القرآن، شبههن بتلاد المال. وتاؤه بدل من واو. ومعناه ما ولد عندك.
ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: إن أخاها عبد الرحمن مات فرأته في منامها، وإنها أعتقت عنه تلاداً من أتلاده.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربع! أتقنوا عليك البنيان، وتركوك لمتلك.
أي لمصرعك.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - سأله رجل عن عثمان، فقال: أنشدك الله تعالى! هل تعلم أنه فرَّ يوم أُحد، وغاب عن بدر، وعن بيعة الرضوان؟ فذكر عذره في ذلك كله، ثم قال: اذهب به تلان معك.
أراد الآن فخففه بألان وأسقط همزته وألقى حركتها على اللام، كما يقال: ألرض في الأرض، وزاد في أوله تاء، قال الشاعر:
نَوِّلِي قَبْلَ نَأْيٍ دَارِي جُمَانَا ... وَصِلينَا كما زَعَمتِ تَلاَنَا
وقد زادها على " حين " من قال:
العاطِفُونَ تَحِينَ ما مِن عَاطِفٍ ... والمُسْبغون يَداً إذَا ما أَنعَمُوا
* * * * فتلها إليه في " خل " . والتلوة في " ثغ " . تليدة في " ول " .
* * * *
التاء مع الميم
سليمان بن يسار رضي الله عنه - الجذع التام التمم يجزي في الصدقة.
أراد بالتام: الذي استوفى الوقت الذي يسمى فيه جذعا كله وبلغ أن يسمى ثنيا.
وبالتمم: التام الخلق. ومثله في الصفات خلق عمم وبطل وحسن.
يجزئ؛ أي يقضي في الأضحية.
* * * * النخعي رحمه الله - لم ير بالتتمير بأساً.
هو تقدير اللحم. وقيل: هو أن تقطَّعه صغاراً على قدر التمر فتجففه. والمراد الرخصة للمحرم في تزوده قديد الوحش؛ فأوقع المصدر على المفعول، كما يقال: الصيد بمعنى المصيد، والخلق بمعنى المخلوق.
* * * * تممت في " أص " . فتتامت في " قح " .
* * * *
التاء مع النون
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أتاه رجل وعليه ثوب معصفر، فقال له: لو أن ثوبك هذا كان في تنور أهلك، أو تحت قدر أهلك، لكان خيراً لك. فذهب الرجل فجعله في التنور أو تحت القدر، ثم غدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما فعل الثوب؟ فقال: صنعت ما أمرتني به. فقال: ما كذا أمرتك! أفلا ألقيته على بعض نسائك؟ قال أبو حاتم: التنور ليس بعربي صحيح، ولم تعرف له العرب اسما غيره، فلذلك جاء في التنزيل؛ لأنهم خوطبوا بما عرفوا.
وقال أبو الفتح الهمداني: كان الأصل فيه نوور فاجتمع واوان وضمة وتشديد، فاستثقل ذلك فقلبوا عين الفعل إلى فائه فصار ونور، فأبدلوا من الواو تاء، كقولهم: تولج في وولج.
وذات التنانير: عقبة بحذاء زبالة. أراد: لو صرفت ثمنه إلى دقيق تختبزه أو حطب تطبخ به كان خيرا لك.
والمعنى: إنه كره الثوب المعصفر للرجال.
* * * * عمر رضي الله عنه - مر قوم من الأنصار بحي من العرب، فسألوهم القرى فأبوا، فسألوهم الشراء فأبوا؛ فتضبطوهم فأصابوا منهم، فأتوا عمر فذكروا ذلك له؛ فهم بالأعراب وقال: ابن السبيل أحق بالماء من التانئ عليه.
هو المقيم.
* * * * ابن سلام رضي الله عنه - آمن ومن معه من يهود، وتنخوا في الإسلام. أي أقاموا وثبتوا. ومنه تنوخ؛ لأنها قبائل تحالفت فتنخت في مواضعها.
وروى: " ونتخوا " . وفسر برسخوا. والأصل في يهود ومجوس أن يستعملا بغير لام التعريف؛ لأنهما علمان خاصان لقومين كقبيلتين. قال:
فَرّتْ يَهُودُ وأَسْلَمتْ جِيرانَها ... صَمِّي لِمَا فَعَلَتْ يَهُودُ صَمام
وقال:
أَحارِ أُرِيك بَرْقاً هَبَّ وَهْنا ... كنَارِ مَجُوسَ تَسْتَعِر اسْتِعَارَا
وإنما جوز تعريفهما باللام لأنه أجرى يهودي ويهود ومجوسي ومجوس وجرى شعيرة وشعير وتمرة وتمر.
* * * * وتنوفة في " عب " . تنوُّمة في " أي " .
* * * *
التاء مع الواو
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - رأى على أسماء بنت يزيد سوارين من ذهب وخواتيم من ذهب، فقال: أتعجز إحداكن أن تتخذ حلقتين أو تومتين من فضة، ثم تلطخها بعبير أو ورس أو زعفران؟ التومة: حبة تصاغ على شكل الدرة، وجمعها تُومٌ وتُوَم، كصُور وصُوَر في جمع صورة.
العبير: أنواع من الطيب تخلط - عن الأصمعي.
* * * * الاستجمار توٌّ، والطواف توٌّ، وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوٍّ.
هو الوتر؛ سبع جمرات، وسبعة أشواط، ومنه قولهم: سافر سفراً توَّا، إذا لم يعرِّج في طريقه على مكان. والتوُّ: الحبل المفتول طاقاً واحدا.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - إن التمائم والرقي والتولة من الشرك.
التولة: ضرب من السحر تؤخذ بها المرأة زوجها، وتحبب إليه نفسها، وهي من التولة والدولة، وجاء فلان بتولاته ودولاته.
ومنه الحديث: إن أبا جهل لما رأى الدبرة قال: إن الله قد أراد بقريش التولة.
والتاء مبدلة من دال، كما قال سيبويه في تاء تربوت، وهي الناقة المرتاضة: إنها بدل من دال مدرب، واشتقاق الدولة من تداول الأيام ظاهر.
* * * * تاج الوقار في " يم " . التويتات في " حو " . ورضراضه التوم في " حو " .
* * * *
التاء مع الهاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن بلالا أذَّن بليلٍ، فأمره أن يرجع فينادي ألا إن الرجل تهم - وروى تهن.
النون فيه بدل من ميم، كما حكى البنام في بنان، وجاء قاتن بمعنى قاتم في شعر الطرماح:
كطَوْفِ مُتَلِّى حَجَّةٍ بينَ غَبْغَبٍ ... وقُرَّة مُسْوَدٍّ مِن النَّسْك قَاتِن
والتهم: شبه سدر يصيب من شدة الحر وركود الريح، ومنه تهامة.
والمعنى أنه أشكل عليه وقت الأذان وتحيَّر فيه فكأنه تهم، ويجوز أن يشبه فرط نعاسة بذلك، فيكون المعنى ملكه النعاس، فلم يتفطن لمراعاة وقته.
* * * * متهم في " وض " . كليل تهامة في " غث " .
* * * *
التاء مع الياء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ما يحملكم على أن تتايعوا في الكذب كما يتتايع الفراش في النار؟ التتايع: التهافت في الشر والتسارع إليه، تفاعل من تاع؛ إذا عجل، وحذف إحدى التاءين في " تتفاعل " جائز وفي تتايع كالواجب.
ومنه حديثه: إنه لما نزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ...) الآية. قال سعد ابن عبادة: يا رسول الله؛ أرأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلا فقتله أتقتلونه؟ وإن أخبر بما رأى جُلد ثمانين؟ أفلا يضربه بالسيف؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: كفى بالسيف شا - أراد شاهداً - فأمسك، وقال: لولا أن يتتايع فيه الغيران والسكران.
حذف جواب لولا، والمعنى لولا تهافت هذين في القتل، وفي الاحتجاج بشهادة السيف لتممت على جعله شاهداً ولحكمت بذلك.
ومنه قول الحسن رضي الله عنه: إن علياً عليه السلام أراد أمراً، فتتايعت عليه الأمور فلم يجد مشرعاًز يعني في أمر الجمل.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - رأى جارية مهزولة تطيش مرة وتقوم أخرى، فقال: ومن يعرف تيَّا؟ فقال له ابنه عبد الله: هي والله إحدى بناتك.
تيا: تصغير " تا " في الإشارة إلى المؤنث، كما قيل: " ذيا " ، في تصغير " ذا " ، والألف في آخرهما مزيدة مجعولة علامة للتصغير، كالضمة في صدر فليس، وليست هي التي في آخر المكبر بدليل قولك: اللذيا واللتيا في تصغير الذي والتي، وكذا المبهمات كلها؛ مخالفة بها ما ليس بمبهم ومحافظة على بنائها.
وعن بعض السلف أنه أخذ تبنة من الأرض ثم قال: تيا من التوفيق خير من كذا وكذا من العمل.
* * * * التيعة والتيمة في " اب " . لأتيسنهم في " يم " .
تم آخر كتاب التاء ولله الحمد والمنة
=======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الثاء
الثاء مع الهمزة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - استعمل عبادة بن الصامت على الصدقة، فقال: اتق الله يا أبا الوليد ألا تأتي يوم القيامة على رقبتك شاة لها ثؤاج.
هو صوت النعجة.
ألا تأتي: فيه وجهان: أحدهما أن تكون لا مزيدة. والآخر أن يكون أصله لئلا تأتي، فحذف اللام.
على رقبتك: ظرف وقع حالا من الضمير في تأتي تقديره: مستعلية رقبتك شاة، ونظيره:
فَجاءُونَا لهم سُكُرٌ عَلَيْنَا
* * * * عمر رضي الله عنه - قال في عام الرمادة: لقد هممت أن أجعل مع كل أهل بيت من المسلمين مثلهم، فإن الإنسان لا يهلك على نصف شبعة. فقال رجل: لو فعلت ذلك يا أمير المؤمنين ما كنت فيها بابن ثأداء.
وروى: إن رجلا قال له عام الرمادة: لقد انكشفت وما كنت فيها ابن ثأداء! فقال: ذلك لو أنفقت عليهم من مال الخطاب! الثأداء: الأمة، سميت بذلك لفسادها لؤماً ومهانة، من قولهم: ثئد المبرك على البعير: إذا ابتل وفسد حتى لم يستقر عليه. وفي كلامهم: أقمت فلاناً على الثأداء، إذا أقلقته، ويعضد ذلك تسميتهم إياها ثأطاء من الثأطة.
وأما الدأثاء فهي من دئث فلان بالإعياء حتى كسل وأعيا: أي أثقل، لنها لا تخلو من ذلك في أكثر أوقاتها، وقد روى حركة الهمزة في قوله:
ومَا كُنَّا بَنِي ثَأَدَاءَ لَمَّا ... شَفَيْنَا بالأَسِنَّةِ كلَّ وَتْرِ
وقد استثقل سيبويه هذا البناء، ولم يذكر إلا قرماء وجفناء في اسمي موضعين. والمعنى : إنك عملت على شاكلة الأحرار الكرام في تفقد المسلمين ومواساتهم والقيام بما يصلحهم وينعشهم.
* * * * وثأظ في " حم " . فرأب الثأي في " سح " . فيوتر ثأركم في " حب " .
* * * *
الثاء مع الباء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أخيار أمتي أولها وآخرها، وبين ذلك ثبج أعوج، ليس منك ولست منه.
أي وسطاً، يقال: ضرب ثبجه بالسيف، ومضى بثبج من الليل: إذا مضى قريب من نصفه. معنى قولهم: هو مني هو بعضي. والغرض الدلالة على شدة الاتصال، وتمازج الأهواء، واتحاد المذاهب. ومنه قوله تعالى: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإنّهُ مِنِّي).
وقوله: ليس منك ولست منه، نفي لهذه البعضية من الجانبين.
* * * * عمر رضي الله عنه - إذا مر أحدكم بحائط فليأكل منه ولا يتخذ ثباناً - وروى: خبنة.
الثبان: ما تحمل فيه الشيء بين يديك من وعاء. وقيل: هي جمع ثبنة، وهي الحجزة تتخذها في إزارك تجعل فيها الجني وغيره.
والخبنة: مثلها، يقال: ثبن الثوب وخبنه وكبنه.
* * * * عبادة رضي الله عنه - يوشك أن يُرى الرجل من ثبج المسلمين قرأ القرآن على لسان محمد، فأعاده وأبدأه، لا يحور فيكم إلا كما يحور صاحب الحمار الميت. أي من أوساطهم وخيارهم.
على لسان محمد، أي على لغته، وكما كان يقرؤه بلا لحن ولا تحريف.
لا يحور: لا يرجع؛ أي لا يصير حاله عندكم في كساد ما يتلوه من كتاب الله إلا كحال من يعرض حمارا ميتاً، فلا يعن له من بشتريه منه.
* * * * أبو موسى الأشعري رضي الله عنه - قال لأنس بن مالك: ما ثبر الناس؟ ما بطأ بهم؟ فقال أنس: الدنيا وشهواتها.
أي ما صدهم وقطعهم عن طاعة الله؟ ومنه: ثبره الله وثبورا، إذا أهلكه، وقطع دابره.
وثبر البحر: جزر، والأصل فيه الثبرة، وهي تراب شبيه بالنورة يكون بين ظهري الأرض إذا بلغه عرق النخلة وقف، ولم يسر فيه، فضعفت.
بطأ: على ضربين: يكون تعديته لمعنى بطؤ ومبالغة فيه، فيقال: بطؤ وبطأ به وبطأ عن الأمر والطاعة: إذا بالغ، ثم يعدى بالباء فيقال: بطأت به. ومنه قوله تعالى: (وإنَّ مِنكم لَمنْ لَيُبطِّئَنَّ...) الآية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قال أبو بردة: دخلت عليه حين أصابته قرحة، فقال: هلم يا ابن أخي فانظر. فتحولت فإذا هي قد ثبرت؛ فقلت: ليس عليك يا أمير المؤمنين بأس.
أي انفتحت ونضجت وسالت مدتها؛ لأن عاديتها تذهب وتنقطع عند ذلك، وهذا من باب فعلته ففعل؛ يقال: ثبره الله فثبر؛ أي هلك وانقطع.
فتحوَّلت: أي نهضت من مكاني إليه.
* * * * حكيم رضي الله عنه - دخلت أمه الكعبة، وهي حامل، فأدركها المخاض، فولدت حكيماً في الكعبة، فحُمل في نطع، وأُخذ ما تحت مثبرها فغُسل عند حوض زمزم، وأُخذت ثيابها التي ولدت فيها فجعلت لقي.
المثبر: حيث يسقط الولد وينفصل عن أمه، وحقيقته: موضع الثبر، وهو القطع والفصل، ومنه قيل: مثبر الجزور لمجزرها.
اللقي: الملقي، وكان من عادة أهل الجاهلية إلقاء ثيابهم إذا حجوا يقولون: هذه ثياب قارفنا فيها الآثام، فلا نعود فيها، ويسمونها الألقاء.
* * * * عائشة رضي الله عنها - استأذنت سودة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ليلة المزدلقة أن تدفع قبله، وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة؛ فأذن لها.
والثبط: من التثبط كالفقير من الافتقار، والقياس في فعلهما ثبط وفقر.
* * * * أُثيبج في " رص " و " صه " .. الثبجة في " اب " . فاضربوا ثبجة في " زن " .
* * * *
الثاء مع الجيم
ابن عباس رضي الله عنهما - ذكره الحسن فقال: كان أول من عُرف بالبصرة صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران، ففسرهما حرفاً حرفا، وكان مثجَّا يسيل غربا.
هو مفعل من الثج: وهو السيل والصب الغزير. شبه فصاحته وغزلرة منطقه بماء يثج ثجاًّ، ومثله قولهم: مثج للفرس الكثير الجري، وهذا لبناء الآلات، فاستعمل فيمن يكثر منه الفعل كأنه آلة لذلك. ومنه: رجل محرب، ومدره، ومصقع؛ وفرس مكر مفر.
الغرب: ما سال بحدة واتصال بغير انقطاع. قال لبيد:
غَرْبُ المَصَبَّةِ محمودٌ مَصَارِعُه ... لاَ هِي النَّهَارِ بسَيْرِ اللّيْلِ مُحْتَقِر
ومنه: قيل للدمع الكائن بهذه الصفة ولعرق العين الذي لا يرقأ: غرب.
* * * * حلب به ثجًّا، ولم تعبه ثجلة في " بر " . بثجيجه في " قح " . لا تثجروا في " بس " .
* * * *
الثاء مع الدال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال في ذي الثُّدية المقتول بالنهروان: إنه مثدون اليد - وروى مثدَّن، ومودون، ومودن، وموتن، ومخدج.
الثُّدية: تصغير الثندوة، بتقدير حذف الزائد الذي هو النون، لأنها من تركيب الثدي، وانقلاب الياء فيها واواً لضمة ما قبلها، ووزنها فنعلة، ولم يضر لظهور الاشتقاق ارتكاب الوزن الشاذ، كما لم يضر في إنقحل - وروى: ذو اليدية.
المثدون والمثدن: المخدج، من قولهم: امرأة ثدنة؛ أي منقوصة الخلق.
المودون والمودن: من ودن الشيء وأودنه، إذا نقَّصه وصغَّره. ومنه: ودنه بالعصا: إذا ضربه، وودن الأديم: لينه بالبلّ، والمعاني متقاربة.
والموتن: من أيتن المرأة، إذا جاءت بولدها يتنا. وقلبت الياء واوا لضم ما قبلها.
وروى ابن الأنباري: الوتن بمعنى اليتن. وأوتنت: أينت.
* * * *
الثاء مع الراء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ما بعث الله نبياً بعد لوط إلا في ثروة من قومه.
أي في كثرة. يقال: ثر المال يثرو، وثرا القوم يثرون. قال ابن مقبل:
وَثَرْوَةٍ مِنْ رِجَالٍ لَوْ رَأَيتَهُم ... لَقُلْتَ إحْدَى حِرَاجِ الجَرِّ مِنْ أٌقُرِ
وذلك لقول الله تعالى حكاية عن لوط: (لَوْ أنّ لي بِكمْ قوةً أوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ).
* * * * إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرب - وروى: ولا يعيرها - وروى: ولا يعنفها.
ومعنى الثلاثة واحد.
الخادم: الجارية بغير تاء تأنيث؛ لإجرائها مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال، ومثلها: لحية وامرأة عاتق.
* * * * دعا في بعض أسفاره بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثرى فأكل، ثم قام إلى المغرب قتمضمض ثم صلى ولم يتوضأ.
أي ندى من الثرى.
ومنه قول سهل بن سعد رضي الله عنه: كنا نطحن الشعير وننفخه، فيطير ما طار وما بقي ثريناه فاكلناه.
قام إلى المغرب: أي قصدها، وتوجه إليها، وعزم عليها، وليس المراد المثول، وهكذا قوله تعالى: (إذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلاَةِ).
* * * * نهى عن الصلاة إذا صارت الشمس كالأثارب.
هي جمع أثرب جمع ثرب، وهو الشحم الرقيق المبسوط على الكرش والأمعاء، شبه بها ضياء الشمس إذا رق عند العشي.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يقعى ويثرى في الصلاة.
أي يلزم يديه الثرى بين السجدتين لا يفارق بهما الأرض، وذلك في التطوع في وقت كبره.
* * * * يثرب في " اك " . نعماً ثريا في " غث " . الثرثارون في " وط " . ثراه في " حت " . غير مثرد في " فر " .
* * * *
الثاء مع الطاء
يمشي الثطى في " ذا " . الثطاط في " نط " . ثطا في عباءة في " شغ " .
* * * *
الثاء مع العين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن امرأة أتته، فقالت: يا سول الله؛ إن ابني هذا به جنون يصيبه عند الغداء والمساء، فمسح صدره، ودعا له؛ فثع ثعة، فخرج من جوفه جروٌ أسود يسعى.
أي قاء قيئة، يقال: ثع يثع، وتع يتع.
* * * * قال: اللهم اسقنا. فقام أبو لبابة، فقال: يا رسول الله؛ إن التمر في المرابد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بإزاره، أو بردائه. قال: فمطرنا حتى قام أبو لبابة فنزع إزاره، فجعل يسد به ثعلب مربده.
المربد: الموضع الذي يوضع فيه التمر حين يصرم ليجفف، وهو من ربده: إذا حبسه، ومنه مربد الإبل، وقيل مربد البصرة، لأنهم كانوا يحبسون فيه الإبل.
والثعلب: مخرج مائه.
* * * * ولا ثعول في " شب " . الثعارير في " ضب " . المثعنجر في " قر " . فثعها في " كر " . ثعلب بن ثعلب في " صح " .
* * * *
الثاء مع الغين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أُتي بألبي قحافة وكأن رأسه ثغامة، فأمرهم أن يغيروه.
قال أبو زيد: هي شجرة بيضاء الورق، ليس في الأرض ورقة إلا خضراء غير الثغامة.
وقال ابن الأعرابي: شجرة تبيض كأنها الثلج.
أبو قحافة: أبو أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، واسمه عثمان، وكان هذا يوم فتح مكة، أُتي به ليبايعه على الإسلام، فبايعه وسار إلى المدينة.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - ما شبَّهت ما غبر من الدنيا إلا بثغب ذهب صفوه وبقي كدره.
هو المستنقع في الجبل.
وقد روى: ثغب وثغبان كظهر وظهران.
ابن عباس رضي الله عنهما - قال عمرو بن حبشي: كنت عنده، فجاءته امرأة محرمة، فقالت: أشرت إلى أرانب فرماها الكرى. فقال ابن عباس: يحكم به ذوا عدل منكم. ثم قال له: أفتنا في دابة ترعى الشجر وتشرب الماء في كرش لم تثغر. فقلت: تلك عندنا الفطيمة والتلوة والجذعة.
لم تثغر: لم تسقط أسنانها، يقال: ثغر الصبي فهو مثغور، واتَّغر واثَّغر مثله.
ومنه حديث النخعي: كانوا يحبون أن يعلموا الصبي الصلاة إذا اثَّغر - وروى: ثغر.
ويحكى أن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس لم يثغر قطّ، وأنه دخل قبره بأسنان الصبا، وما نفض له سن حتى فارق الدنيا مع ما بلغ من العمر.
ويقال للنبات بعد السقوط: اتغار واثغار أيضا، وهما لغتان في الافتعال من الثغر، والأصل اثتغار، فإما أن تقلب الثاء تاء وهو المشهور في الاستعمال والقوى في القياس، وإما أن تقلب التاء ثاء. ومثل ذلك اتّار واثّار، واتّرد واثَّرد.
الفطيمة: المفطومة.
والتلوة: التي تبعت أمها، والذكر: تلو.
والجذعة: التي دخلت في السنة الثانية.
والمعنى أنه لما قال لها يحكم به ذوا عدل منكم، نصب نفسه وابن حبشي حكمين، فسأله عن فدية بالصفة التي وصفها معتبرا للماثلة من جهة الخلقة، لا من جهة القيمة، فذكر له هذه الثلاثة، فأوجب عليها أحدها.
* * * * معاوية رضي الله تعالى عنه - في فتح قيسارية وقد ثغروا منها ثغرة، فأخذ معاوية اللواء ومضى حتى ركزوا اللواء على الثغرة، وقال: أنا عنبسة.
أي ثلموا منها ثلمة.
عنبسة: الأسد، من العبوس والنون زائدة، ومثله عنسل من العسلان.
* * * * سواء الثغرة في " نس " .
* * * *
الثاء مع الفاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أمر المستحاضة أن تستثفر وتلجم إذا غلبها سيلان الدم.
الاستثفار: أن تفعل بالخرقة فعل المستثفر بإزاره، وهو أن يرد طرفة من بين رجليه، ويغرزه في حجزته من ورائه، ومأخذه من الثفر.
ومنه حديث الزبير رضي الله عنه: إنه وصف الجن الذين رآهم ليلة استتبعه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، قال: فإذا نحن برجال طوال كأنهم الرماح مستثفرين ثيابهم.
التلجم: أن يتوثق في شد الخرقة، وهي تسمى لجمة، وكل ما شددت به شيئا وأوثقته فهو لجام ولجمة.
ويجوز أن يراد بالاستثفار: الاحتشاء بالكرسف من الثفر، وهو الفرج، كأنه طلب ما تسد به الثفر، وبالتلجم شد اللجمة.
* * * * ماذا في الأمرين من الشفاء: الصبر والثفاء.
هو الحرف، سمي بذلك لما يتبع مذاقه من لذع اللسان لحدته، من قولهم: ثفاه يثفوه ويثفيه: إذا اتَّبعه، وتسميته حرفاً لحرافته. ومنه: بصل حريف؛ وهمزة الثفاء منقلبة عن واو أو ياء على مقتضى اللغتين.
* * * * قال في غزو الحديبية: من كان معه ثفل فليصطنع.
الثفل: ما رسب تحت الشيء من خثورة وكدرة، كثفل الزيت والعصير والمرق. ثم قيل لكل ما لا يُشرب كالخبز ونحوه: ثفل.
ومنه: وجدت بني فلان مثافلين: إذا فقدوا اللبن، فأكلوا الثفل.
ورجل ثفل ومحض.
الاصطناع: اتخاذ الصنيع.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - رأى رجلا بين عينيه مثل ثفنة البعير؛ فقال: لو لم يكن هذا كان خير.
شبه السجادة بين عينيه بإحدى ثفنات البعير: وهي ما بلى الأرض من أعضائه عند البروك فيغلظ، وكأنه إنما جعل فقدها خيراً له مع أن الصلحاء وصفوا بمثل ذلك، وسمى كل واحد من الإمام زين العابدين عليه السلام، وعلي بن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم: ذا الثفنات؛ لأنه رأى صاحبه يرائي بها.
* * * * مجاهد رحمه الله - في قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده).
وذكر البر ثم التمر - إذا حضروه عند الجداد ألقى لهم الثفاريق والتمر.
الثفروق: قمع البسرة والتمرة.
وعن أبي زيد: هو شيء كأنه خيط مركب في بطن القمعة، وطرفه في النواة، والمراد هاهنا شماريخ يتعلق بأقماعها تمرات متفرقة، لا أقماع خالية من التمر.
الضمير في حضروه للمساكين.
* * * * في الحديث: حمل فلان على الكتيبة فجعل يثفنها.
أي يضربها ويطردها، وأصله من قولهم: ثفنته الناقة: ضبته بثفناتها.
* * * * بثفالها في " دس " . بالثفال في " دج " .
* * * *
الثاء مع القاف
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي.
الثقل: المتاع المحمول على الدابة، وإنما قيل للجن والإنس: الثقلان، لأنهما قطَّان الأرض، فكأنهما أثقلاها. وقد شبه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين.
والعترة: العشيرة، سميت بالعترة وهي المرزنجوشة؛ لأنها لا تنبت إلا شعبا متفرقة. قال:
فما كُنْتُ أَخْشَى أن أُُِقيم خِلافَهم ... بستّةِ أَبْيَات كما نَبَتَ العِتْرُ
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - قالت الأنصار لقريش: منا أمير ومنكم أمير. فجاء أبو بكر فقال: إنا معشر هذا الحي من قريش أكرم الناس أحسابا، وأثقبه أنسابا، ثم نحن بعد عترة رسول الله التي خرج منها، وبيضته التي تفقأت عنه، وإنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها.
أثقبه: أنوره، من ثقبت النار، ونجم ثاقب، والأصل فيه نفوذ الضوء وسطوعه. والضمير يرجع إلى الناس، وهو اسم موحد مذكر كالبشر والأنام والورى.
تفقأت: تفلقت، ومنه فقء العين. معنى جوب الرحا عن القطب: أن يقطع عنه ويزال ما يمنع نفوذه منها بأن يثقب الموضع الذي يكون فيه. ولما كان موضعه وسط الرحى شبه بذلك مكان قريش من العرب، يعني وسطها وسرَّتها.
معشر: منصوب بفعل مضمر مثل: اذكروا عني، ويسمى النصب على المدح والاختصاص.
ثقف في " لق " . لمثقباً في " نق " .
* * * *
الثاء مع الكاف
في الحديث - يحشر الناس على ثكنهم.
الثكنة: الراية، أي مع راياتهم وعلاماتهم، فتعلم كل أمة وفرقة بعلامة تمتاز بها عن غيرها.
والثكنة: الجماعة أيضا؛ أي يحشر كل أحد مع الجماعة التي هو منها. والثكنة أيضا: القبر، أي يحشرون على أحوال ثكنهم، فحذف المضاف.
والمعنى: على الأحوال التي كانوا عليها في قبورهم من سعادة أو شقاء.
* * * * على ثكنتهم في " ضر " . ثكما الأمر ثكماً في " زو " . بأُثكول في " حب " . ثكن في " رج " .
* * * *
الثاء مع اللام
النبي صلى الله عليه وسلم - قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، فابتعثاني فانطلقت معهما، فأتينا على رجل مضطجع، وإذا رجل قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة، فتثلغ رأسه، فتدهدى الصخرة. ثم انطلقنا فأتينا على رجل مستلق وإذا رجل قائم عليه بكلوب، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه. ثم انطلقنا فأتينا على مثل بناء التنور فيه رجال ونساء، يأتيهم لهب من أسفل، فإذا أتاهم ذلك ضوضوا؛ فانتهينا إلى دوحة عظيمة، فقالا لي: ارق فيها، فارتقينا، فإذا نحن بمدينة مبنية بلبن ذهب وفضة، فسما بصري صُعُداً فإذا قصر مثل الربابة البيضاء.
الثلغ والفلغ: الشدخ.
الكلاب والكلوب: خشبة في رأسها عقافة منها أو من حديد. ومنه قيل كلاليب البازي لمخالبه.
يشرشر: يشقق ويقطع.
الضوضاة: الضجيج والصياح، وهو من مضاعف الرباعي كالقلقلة، وقولهم: ضوضيت كأغزيت في قلب الواو ياء لوقوعها رابعة.
والتدهدي، أصله التدهدة، فقلبت الهاء ياء؛ لاستثقال التضعيف، كما قيل: تقضى البازي، وهو التدحرج.
والدوحة: كل شجرة عظيمة. ويقولون: انداحت هذه الشجرة، إذا عظمت ومظلة دوحة: أي عظيمة واسعة.
الربابة: السحابة المعلقة دون السحاب. قال:
كأن الرَّباب دُوَيْنَ السَّحَاب ... نعامٌ تَعَلَّقَ بالأرْجُل
* * * * لا حمى إلا في ثلاث: ثلة البئر، وطول الفرس، وحلقة القوم.
أي إذا احتفر الرجل بئراً في موضع لم يملكه أحد قبله، فله أن يحمي من حواليها ما يطرح فيه ثلتها، وهي ترابها الذي أخرجه منها، وإذا ربط فرسه في العسكر فله أن يحمي مستدار فرسه، وللقوم أن يحموا حلقة مجلسهم من أن يجلس وسطها أحد.
* * * * وفي حديث حذيفة رضي الله عنه: الجالس في وسط الحلقة ملعون.
* * * * عمر رضي الله عنه - رُئي في المنام فسُئل عن حاله فقال: ثُلّ عرشي، أو كاد عرشي يُثّل لولا أني صادفت ربَّا رحيما.
ثله: هدمه، ويكون أيضا بمعنى أصلحه - عن قطرب. وأثله: أمر بإصلاحه، وقد حكى: أثله: هدمه.
والعرش: سرير الملك.
وهذه كناية عن إدبار الأمر وذهاب العز؛ لأن الإدلة من الملك يردفها ثل عرشه.
* * * * تثلغ الخبزة في " فل " . الثلب في " نص " . ثلثا واثنتين في " بر " . وثلثهم في " ثو " . وثلاثها في " ثن " . ثلئت في " سب " . ثلة في " ثو " .
* * * *
الثاء مع الميم
ابن مسعود رضي الله عنه - أتاه رجل بابن أخيه، وهو سكران، فأمر بسوط فدقت ثمرته، ثم قال للجلاد: اضرب وارجع يديك. ثم قال: بئس لعمر الله ولي اليتيم هذا! ما أدبت فأحسنت الأدب ولا سترت الخربة. قال: يا أبا عبد الرحمن؛ إنه لابن أخي، وإني لأجد له من الّلاعة ما أجده لولدي، ولكن لم آله.
ثمرة السوط: العقدة في طرفه، وإنما أمر بدقها لتلين؛ تخفيفاً عنه، وكذلك أمره برجع اليدين وهو ألا يرفعهما عند الضرب ولا يمدهما، ويقتصر على أن يرجعهما رجعا.
اللام في اليتيم لتعريف الجنس لا للعهد، لإسناد بئس إلى المضاف اليه، لأنه لا يسند إلا إلى ما فيه اللام للجنس أو إلى ما أُضيف. والذي جوَّز الفصل بين بئس وفاعلة بالقسم أنه تأكيد لمضمون الجملة، فليس بأجنبي عنهما.
ما أدبت: التفات إلى الرجل بالتقريع.
الخربة: من قولهم: ما رأينا من فلان خربة؛ أي عيباً وفساداً. ومنه: الخارب لعيشه في المال بالسرقة؛ وخراب الأرض: فسادها لفقد العمارة.
اللاَّدعة: فعلة من لاع يلاع: إذا وجد في قلبه لوعة من شوقٍ أو حزن.
قال الأعشى:
مُلْمعٍ لاَعَةِ الفُؤَادِ إلى جَحْشٍ فَلاَهُ عنها فَبِئْسَ الْفَالِي
ومثلها: امرأة خافة، وعين داءة؛ من خاف يخاف، وداء يداء، والمراد من وجد اللاعة، وهي النفس، فحذف المضاف.
لم آله: أي مع فرط حرقتي ومحبتي له لم أدخر عنه عركا وتأديباً.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - الرشوة في الحكم سحت، وثمن الدم، وأُجرة الكاهن، وأجر القائف، وهدية الشفاعة، وجعالة الغرق.
ثمن الدم: كسب الحجام.
القيافة: أن يعرف بفطنة وصدق فراسة أن هذا ابن فلان أو أخوه، وكانت في بني مدلج.
الجعيلة والجعالة: الجُعل، وهو ما يجعل لمن يغوص على متاع أو إنسان غرق في الماء.
* * * * معاوية رضي الله عنه - دخل عليه عمرو بن مسعود، وقد أسن وطال عمره، فقال له: كيف أنت؟ وكيف حالك؟ فقال: ما تسأل يا أمير المؤمنين عمن ذبلت بشرته، وقطعت ثمرته، وكثر منه ما يحب أن يقل، وصعب منه ما يحب أن يذل، وسُحلت مريرته بالنقض، وأجم النساء وكن الشفاء، وقل انحياشه، وكثر ارتعاشه، فنومه سبات، وليلة هبات، وسمعه خفات، وفهمه تارات.
ثمرته: نسله، شبهه بثمرة الشجرة، كما يقال: هذا فرع فلان وشعبته، ويجوز أن يُكنى بها عن العضو، ويريد انقطاع قدرته على الملامسة، وانقطاع شهوته؛ لقوله: وأجم النساء، وقد أنشد بعضهم:
إلى عُلَيْجين لم تُقْطَع ثِمارُهما ... قد طال ما سَجَدا للشمْسِ والنار
يريد لم يختنا. أراد بما يحب أن يقل: السهو والنسيان، والذنين، والبول، وغير ذلك. وبما يحب أن يذل: المفاصل الجاسية التي لا تطاوعه في القبض والبسط. سحلت مريرته، أي جعل حبله المبرم سحيلا، وهو الرخو المفتول على طاق واحد، وقد سحله يسحله. والمريرة والمرير: المرُّ المفتول على طاقين فصاعدا، وهذا تمثيل لضعفه واسترخاء قوته. أجم: عاف وملَّ.
الانحياش: النفور من الشيء فزعا. قال ذو الرمة:
وبَيْضاءَ لا تَنْحَاشُ منَّا وأُمُّها ... إذا ما رَأَتْنا زِيلَ مِنهَا زَوِيلُها
ولم يرد أنه لا يفزع فينحاش؛ لأن الشيخ موصوف بالفزع والخشية. ومنه المثل: لقد كنت وما أُخشي بالذئب. ولكنه أراد أنه فزّع لم يقدر على النفار والفرار.
السبات: النوم الثقيل، ومنه قيل للميت: مسبوت، والأصل فيه انقطاع الحركة.
الهبات: الضعف والاسترخاء، من قولهم: لفلان هبته أي ضعف، وهبت المرض، ورجل مهبوت الفؤاد: نخب.
الخفات: ضعف الاستماع، من خفوت الصوت، وإنما أخرجه على " فعال " ،لأنه وزن أسماء الأدواء. تارات: يكرر عليه الحديث مرات حتى يتفهمه.
* * * * عروة رضي الله عنه - ذكر أُحيحة بن الجلاح وقول أخواله فيه: كنا أهل ثمه ورمه، حتى استوى على عممه. وقيل: الصواب الفتح في ثمه ورمه.
الثم: الجمع. والرم: المرمة، وأما الثم والرم فلا يخلوان من أن يكونا مصدرين كالحكم والشكر والكفر، أو بمعنى المفعول كالذخر والعرف والخبر. والمعنى: كنا أهل تربيته والمتولين لجمع أمره وإصلاح شأنه، أو ما كان يرتفع من أمره مجموعا ومصلحا فإنا كنا المحصلين له على تلك الصفة.
العمم: صفة كشلل وسحج، بمعنى العميم، وهو التام الطويل؛ ويجوز أن يكون جمع عميم كسرير وسرر؛ وقولهم: نخل عُمّ تخفيف عمم، والمعنى: استوى على عظمه أو قدّه التام أو على عظامه أو أعضائه التامة، وأما التشديد فيه عند من شدد فإنها التي تزاد في الوقف في قولهم: هذا عمر وفرج، وإنما زادها مجريا للوصل مجرى الوقف كما قال:
ببَازِلٍ وَجْناءَ أَوْ عَيْهَل
ليتشاكل السجعتان. وروى بالتخفيف، وروى على عممه، وهو مصدر العميم وقولهم: منكب عمم، وصف بالمصدر.
وروى أن هاشما تزوج سلمى بنت زيد النجارية بعد أُحيحة فولدت له شيبة، وتوفي هاشم وشبَّ شيبة، فانتزعه المطلب من أمه، فقالت:
كنا ذوي ثمِّه ورُمِّه ... حتى إذا قَامَ عَلَى أَتمّه
انتزعوه يافعاً من أُمِّه ... وغلب الأخوال حَقّ عمه
* * * * علاه الثمال في " بد " . على ثمد في " خب " . ثمال حاضرتهم في " رج " . سنة ثمغ في " صر " . قليل الثميلة في " صد " . ثماماً " خض " . فثملته في " ور " . وأفجر له الثمد في " صي " .
* * * *
الثاء مع النون
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - لاثنى في الصدقة.
الثنى: مصدر كالقلى والشرى، من ثنيت الشيء: إذا أخذته مرة ثانية، وثنيت الأرض: إذا كريتها مرتين، والمعنى في أخذ الصدقة، فحُذف المضاف.
والصدقة: المال المتصدق به، ويجوز أن يكون بمعنى التصديق، من صدق المال: إذا أخذ صدقته، كالزكاة بمعنى التزكية والتذكية، فلا يقدر حذف مضاف.
أراد لا تؤخذ في السنة مرتين. ثنى بني مع لا لنفي الجنس، وعلم بنائه سقوط التنوين.
* * * * سُئل عن الإمارة فقال: أولها ملامة، وثناؤها ندامة، وثلاثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل.
أي ثانيها وثالثها بالكسر، وأما ثناء وثلاث فصفتان معدولتان عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة.
* * * * قرأ عليه أبيٌّ رضي الله عنه فاتحة الكتاب فقال: والذي نفسي بيده ما أُنزل في التوراة ولا في الأنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها؛ إنها السيع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت.
المثاني: هس السبع. ومن: للتبيين، مثلها في قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجس من الأوْثان). كأنه قيل: إنها للآيات السبع التي هي المثاني، وإنما سميت مثاني؛ لأنها تثنى: أي تكرر في قومات الصلاة، الواحد مثنى، ويجوز أن يكون مثناة.
وقوله: والقرآن العظيم: إطلاق لاسم القرآن على بعضه. ومثله قوله تعالى: (بِمَا أَوْحَيِنَا إلَيْكَ هذَا القُرْآنَ) فيمن جعل المراد بالقصص سورة يوسف.
وقوله: ولا في القرآن مثلها تفضيل لآيات الفاتحة على سائر آي القرآن.
* * * * حمزة رضي الله عنه - قال وحشي: سددت حربتي يوم أُحد لثنَّته فما أخطأتها.
وعن الأصمعي: سألت ابن عمران القاضي عن رجل وقف وقفاً واستثنى منه، فقال: لا يجوز الوقف إذا كانت فيه ثنية.
* * * * يثنيه عليه إثناء في " طر " . أُثناءه في " سح " . وطلاّع الثنايا في " ين " . ثنيته في " عص " .
* * * *
الثاء مع الواو
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - توضئوا مما غيَّرت النار ولو من ثور أقط.
هو القطعة منه؛ لأن الشيء إذا قُطع عن الشيء ثار عنه وزال.
والأقط: مخيض يُطبخ ثم يترك حتى يمصل. والمراد بالتوضؤ غسل اليدين.
* * * * كتب صلى الله تعالى عليه وسلم لأهل جُرش بالحمى الذي أحماه لهم: للفرس والراحلة والمثيرة، فمن رعاه من الناس فماله سحت.
المثيرة: البقرة التي تثير الأرض.
سحت: هدر، أي إن عقره عاقر أهدرته، والذي يلاقي بينه وبين السحت المعروف أن الدم المهدر مسحوت التبعة، كما أن الكسب الحرام مسحوت البركة.
* * * * كتب صلى الله تعالى عليه وسلم لأهل نجران حين صالحهم: إن عليهم ألفي حلة في كل صفر، وفي كل رجب ألف حلة، وما قضوا من ركاب وخيل أو دروع أُخذ منهم بحساب، وعلى نجران مثوى رسلي عشرين ليلة فما دونها، ولنجران وحاشيتها ذمة الله وذمة رسوله على ديارهم وأموالهم، وثلتهم وملتهم، وبيعهم وهبانيتهم وأساقفتهم، وشاهدهم وغائبهم، وعلى ألا يغزوا أُسقفاًّ من سقيفاه، ولا ولقفلً من وقيفاه، ولا راهبا من رهبانيته، وعلى ألا يحشروا ولا يعشروا.
مثوى رسلي: أي ثواؤهم ضيوفا لهم. والثوى: الضيف، قال أوس:
لَعُمْرَك ما مَلَّتْ ثواءَ ثَوِيّها ... حليمة إذ أَلْقَى مَرَاسِيَ مُقْعَد
ويقال: تثَّويت فلانا: إذا تضَّيفته.
ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: شيخ من طفاوة تثوَّيته، فلم أر رجلا أشد تشميرا، ولا أقوم على ضيف منه.
يقال لقطيع الضأن: ثلة ولقطيع المعزى: حيلة، فإذا اجتمعا قيل لهما جميعا ثلَّة.
وعلى ألا يغزوا معطوف على قوله: أن عليهم؛ لأن المعنى صالحهم على أن عليهم، فحذف على؛ وحروف الجر يكثر حذفها مع أنْ وأنّ.
الرهبانية والأساقفة: جمع رهبان وأُسقف، وقد مضى لنا في هذه التاء كلام، وسمي الأُسقف لخشوعه من الأسقف، وهو الطويل المنحني.
الواقف: خادم البيعة، لأنه وقف نفسه على ذلك.
والسقيفي والوقيفي: مصدران كالخليفي والخطيبي.
لا يُحشروا: لا يُكلفوا الخروج في البعوث.
ولا يُعشروا: لا يؤخذ عشر أموالهم.
* * * * إذا ثُوِّبَ بالصلاة فأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا.
الأصل في التثويب: أن الرجل كان إذا جاء مستصرخا لوح بثوبه، فيكون ذلك دعاء وإنذار، ثم كثر حتى سُمي الدعاء تثويبا، قال طفيل:
وقد منَّت الخَذوَاءُ مناًّ عليكمْ ... وشَيْطَانُ إِذْ يَدْعُوهُم ويُثَوِّبُ
وقيل: هو ترديد الدعاء، تفعيل من ثاب: إذا رجع، ومنه قيل لقول المؤذن: الصلاة خير من النوم: التثويب.
* * * * عمر رضي الله عنه - كُتب إليه في رجل قيل له: متى عهدك بالنساء؟ فقال: البارحة. فقيل: من؟ قال: أم مثواي. فقيل له: قد هلكت! قال: ما علمت أن الله حرَّم الزنا. فكتب عمر أن يُستخلف ما علم أن الله حرم الزنا، ثم يُخلى سبيله.
المثوى: موضع الثواء؛ وهو النزول، ويقال لصاحب المثوى: أبو مثوى، ولصاحبته: أم مثوى.
* * * * لا أُتي بأحد انتقص من سبل المسلمين إلى مثاباته شيئاً إلا فعلت به كذا.
أي إلى منازله؛ لأنه يثاب إليها؛ أي يرجع.
* * * * عمرو رضي الله عنه - قيل له في مرضه الذي مات فيه: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوى أكثر من رزئي.
يقال: ثاب جسمه بعد النهكة: إذا عاد إلى صحته.
النجو: الحدث.
من رزئي: أي مما أرزؤه من الطعام بمعنى أُصيبه. يقال: ما رزأته زبالا: إذا لم يصب منه شيئاً.
ومنه قيل للمصاب: رزء ورزيئة.
* * * * في الحديث: الثيبان يرجمان، والبكران يجلدان ويغرّبان.
يقال للرجل والمرأة: ثيب، وهو فيعل من ثاب يثوب، كسيد من ساد يسود؛ لمعاودتهما التزوج في غالب الأمر، وقولهم: تثيبت مبني على لفظ ثيب، ويجوز أن يكون فيعلت كما قيب في تديَّرت المكان.
* * * * مم ثيب في " أب " . إلى ثور في " عي " . مثاويكم في " فر " . فلا يثوي عنده في " جو " .
آخر الثاء ولله الحمد والمنة
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الجيم
الجيم مع الهمزة
النبي صلى الله عليه وسلم - قال في المبعث حين رأى جبريل عليه السلام: فجئثت منه فرقانا، فأتت خديجة ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان نصرانياً قد قرأ الكتب، فحدثته وقالت: إني أخاف أن يكون قد عُرض له. فقال: لئن كان ما تقولين حقا إنه ليأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى.
جئث الرجل: قلع من مكانه فزعا، والثاء بدل من فاء جئف الشيء بمعنى جعف: إذا قلع من أصله، قال زيد الفوارس:
وَلَّوا تَكُبُّهمُ الرِّماحُ كأَنّهُمْ ... أَثْلٌ جأَفْتَ أُصولَه أوْ أثأَبُ
ومثله قوله في فروغ الدلو ثروغ. وفي أثاث أثاف. وعكسه فمّ في ثُمَّ، وجدف في جدث.
وروى: فجثت. وهو أيضا من جث واجتث: إذا قلع.
فرقاً: منتصب على أنه مفعول له.
عرض له: من قولهم عرضت له الغول، وعرضت بالكسر - عن أبي زيد؛ أي أخاف أن يكون قد أصابه مس من الجن.
الناموس: جبرائيل عليه السلام، شبه بناموس الملك، وهو خاصته الذي يطلعه على ما يطويه من سرائره عن غيره.
وقيل هو صاحب سر الخير خاصة.
* * * * الجآجئ في " رج " .
* * * *
الجيم مع الباء
النبي صلى الله عليه وسلم - ليس في الجبهة، ولا في الكسعة، صدقة.
الجبهة: الخيل، سميت بذلك؛ لأنها خيار البهائم، كما يقال: وجه السلعة لخيارها، ووجه القوم وجبهتهم لسيدهم.
وقال بعضهم: هي خيار الخيل.
النخة والنخة: الرقيق، وقيل: البقر العوامل، وقيل: الإبل العوامل من النخ وهو السوق الشديد.
الكسعة: الحمير، من الكسع، وهو ضرب الإدبار.
ومنه: اتبع آثارهم يكسعهم بالسيف.
* * * * أخرجوا صدقاتكم، فإن الله تعاللى قد أراحكم من الجبهة والسجة والبجة.
الجبهة: المذلة، من جبهة: إذا استقبله بالأذى.
والسجة: الذقة من السجاج، وهو اللبن المذيق.
البجة: الدم الفصيد، من البج، وهو البط والطعن غير النافذ.
والمعنى: قد أنعم الله عليكم بالتخليص من مذلة الجاهلية وضيقتها، وأعزكم بالإسلام، ووسع لكم الرزق، وأفاء عليكم الأموال، فلا تفرطوا في أداء الزكاة، فإن عللكم مزاحة.
وقيل: هي أصنام كانوا يعبدنها.
والمعنى: تصدقوا شكرا على ما رزقكم الله من الإسلام وخلع الأنداد.
* * * * حضرته امرأة فأمرها بأمر، فتأبت عليه، فقال: دعوها فإنها جبَّارة.
هي العاتية المتكبرة. ومنه قيل للملك: جبار وجبير لكبريائه.
وفي حديثه: أنه ذكر الكافر في النار فقال: ضرسه مثل أُحد، وكثافة جاده أربعون ذراعاً بذراع الجبار.
وهو من قول الناس: ذراع الملك، وكان هذا ملكا من ملوك الأعاجم تام الذراع.
* * * * قال عمر بن عبد العزيز - زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته، وهو يقول: والله إنكم لتجبِّون وتبخلون وتجهلون، وإنكم لمن ريحان الله، وإن آخر وطأة وطئها الله بوج.
معناه: إن الولد يوقع أباه في الجبن؛ خوفا من أن يقتل فيضيع ولده بعده، وفي البخل إبقاء على ماله له، وفي الجهل شُغلا به عن طلب العلم.
الواو في وإنكم للحال، كأنه قال: مع أنكم من ريحان الله: أي من رزق الله. يقال: سبحان الله وريحانه: أي أسبحه وأسترزقه. وقال النمر:
سَلاَمُ الإِلهِ وَرَيْحَانُه ... وَرَحْمَتُه وسَمَاءٌ دِرَرْ
وبعده:
غَمَامٌ يُنَزِّلُ رِزْقَ العِبَادِ ... فأَحْيَا البِلاَدَ وطَابَ الشَّجَرْ
هو مخفف عن ريحان فيعلان من الروح، لأن انتعاشه بالرزق. ويجوز أن يراد بالريحان: المشموم، لأن الشمامات تسمى تحايا، ويقال: حياه الله بطاقة نرجس، وبطاقة ريحان؛ فيكون المعنى: وإنكم مما كرم الله به الأناسي وحياهم به، أو لأنهم يشمون ويقبَّلون، فكأنهم من جملة الرياحين التي أنبتها الله.
ومنه حديث علي عليه السلام: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال له: أبا الريحانتين؛ أوصيك بريحانتي خيراً في الدنيا قبل أن ينهد ركناك. فلما مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال علي: هذا أحد الركنين، فلما ماتت فاطمة قال: هذا الركن الآخر.
الوطأة: مجاز عن الطحن والإبادة. قال:
وَوَطِئْتَنَا وَطْأَةً عَلَى حَنَقٍ ... وَطْأَ المُقَيَّدِ نابت الهَرْمِ
وج: وادي الطائف. قال:
يا سقى وج وجنوب وج ... واحتله غيث دراك الثج
والمراد غزاة حنين.
وحنين: واد قبل وج، لأنها آخر غزاة أوقع بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على المشركين. وأما غزوتا الطائف وتبوك فلم يكن فيهما قتال.
ووجه عطف هذا الكلام على ما سبقه التأسف على مفارقة أولاده لقرب وفاته؛ لأن غزوة حنين كانت في شوال سنة ثمان ووفاته في شهر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة.
كأنه قال: وإنكم لمن ريحان الله، وأنا مفارقكم عن قريب.
* * * * قال له رجل: إني مررت بجبوب بدر، فأذا أنا برجل أبيض رضراض، وإذا رجل اسود بيديه مرزبة من حديد، يضربه بها الضربة بعد الضربة فيغيب في الأرض، ثم يبدو رتوة، فيتبعه فيضربه فيغيب، ثم يبدو رتوة. فقال: ذاك أبو جهل، يفعل به ذلك إلى يوم القيامة.
الجبوب: ما غلظ من وجه الأرض، وقيل للمدرة: جبوبة؛ لأنها قطعة من الجبوب.
ومنها حديثه: إنه قال لرجل يقبر ميتاً: ضع تلك الجبوية موضع كذا.
الرضراض: الذي يترضرض لنعمته وكثرة لحمه، يقال: بدن رضراض، وكفل رضراض.
المرزبة والإرزبة: الميتدة، من رزب على الأرض ورزم: إذا لزم فلم يبرح قال:
ضَرْبُكَ بالمِرْزَبَةِ الْعُودَ النَّخِرْ
الرتوة: قرب المسافة، من قول الماشي: رتوت رتوة إذا مشى مشياً قليلا، ومنه رتوت الدلو: إذا مددتها برفق، ورتا برأسه، وهو شبه الإيماء.
* * * *
قال سلمة بن الأكوع: قدمنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بئر الحديبية، فقعد على جباها فسقينا واستقينا، ثم أن المشركين راسُّونا الصلح، حتى مشى بعضنا إلى بعض فاصطلحنا.
الجبا: بالفتح ما حول البئر، وبالكسر: ما جُمع في الحوض من الماء.
راسونا: فاتحونا، من قولهم: بلغني رسٌّ من خبر، ورسُّ الحمى ورسيسها: أول ما تَمَسّ.
* * * * عبد الرحمن رضي الله عنه - لما بدا له أن يهاجر أودع مطعم بن عدي جبجبة فيها نوى من ذهب.
هي زنبيل من جلود.
ومنها حديث عروة: كانت تموت له البقرة فيأمر أن تتخذ من جلدها جباجب.
النوى: جمع نواة، وهي قطعة وزنها خمسة دراهم، سميت بنواة التمرة.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - قال: وذكر النفخ في الصور فيقومون فيجيبون تجبية رجل واحد قياماً لرب العالمين.
قيل لكل واحد من الراكع والساجد: مجب، لأنه يجمع بانحنائه بين أسفل بطنه وأعالي فخذيه.
* * * * أُسامة رضي الله عنه - ذكر سرية خرج فيها قال: فصبحنا حيًّا من جهينة فلما رأونا جبئوا من أخبيتهم، وانفرد لي ولصاحب السرية رجل، فأشرع عليه الأنصاري رمحه وسجد، فالتفت وقال: لا إله إلا الله، فرفع عنه الأنصاري وأدركته فقتلته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله؟ قال أسامة: فلا أُقاتل رجلا يقول: لا إله إلا الله حتى ألقاه.
فقال سعد: وأنا لا أُقاتلهم حتى يقاتلهم ذو البطين. وكان لأسامة بطن مندح.
وروى أنه كان في سرية أميرها غالب بن عبد الله، وأنهم قد أحاطوا ليلاً بحاضر فعم، وقد عطنوا مواشيهم، فخرج إليهم الرجال فقاتلوا ساعة، ثم ولوا، قال أسامة: فخرجت في أثر رجل منهم فجعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه ولحمته بالسيف قال: لا إله إلا الله، فلم أُغمد عنه سيفي حتى أوردته شعوب.
جبئوا: خرجوا، يقال: جبأ عليه الأسود من جحره، وجبأت عليه الضبع من وجارها: وهو الخروج من مكمن.
فرفع عنه: أي رمحه أو يده، فحذف لأنه مفهوم.
الضمير في ألقاه يرجع إلى الله في قوله: لا إله إلا الله.
أراد بذي البطين: أُسامة لاندحاح بطنه، وهو اتساعه واستفاضته. ومنه: اندحَّ الكلأ.
الحاضر: الحي إذا حضر، والدار التي بها مجتمعهم. قال:
في حاضِرٍ لَجِبٍ بالليل سامرهُ ... فيه الصَّوَاهِلُ والرَّاياتُ والعَكَرُ
وهو أيضا خلاف البادي في قوله:
لهم حاضِرٌ فَعْمٌ وَبَادٍ كأَنَّهُ ... قَطِينُ الإِلهِ عزَّةً وتَكَرُّمَا
وقد يقال أيضا للمكان المحضور: حاضر، فيقولون: نزلنا حاضر بني فلان.
الفعم: الضخم الجم.
عطَّنوا: من العطن.
التهكم: الاستهزاء والاستخفاف.
لحمته: ضربته. ومعناه أصبت لحمه.
شعوب: علم لمنية، كذكاء للشمس؛ وقد يدخل عليها لام التعريف فيقال: أدركته الشعوب؛ وهي حينئذ صفة غالبة إذا لم تدخل عليها اللام انصرفت، فقيل: أدركته شعوبٌ. كقولك: منية ومصيبة، وهي من الشعب بمعنى التفريق.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - نهى عن الجبِّ. قيل: وما الجب؟ فقالت امرأة عنده: هو المزادة يخيط بعضها إلى بعض، وكانوا ينتبذون فيها حتى ضريت.
هي من الجب، وهو القطع؛ لأنها التي فريت لها عدة آدمة.
وعن الأصمعي في المزادة هي التي تفأم بجلد ثالث بين الجلدين لتتسع، وتسمى المجبوبة أيضا.
ويقال: استجب السقاء: إذا غلظ وضرى، ومعناه صار جُبًّا، كاستحجر الطين.
* * * * جابر - كان اليهود يقولون: إذا نكح الرجل امرأة مجبية جاء ولده أحول؛ فنزلت: (نِسَاؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ). غير أن ذلك في صمام واحد - وروى في سمام. أي مكَّبة على الوجه.
الصمام: ما يسد به الفرجة، فسمي به الفرج. ويجوز أن يكون معناه في موضع صمام.
والسمام: السم، يقال: سمّ الإبرة وسمامها، ويجوز أن يكون الصاد بدلا نت السين شاذا عن القياس؛ أعني أنه ليس بعدها أحد الحروف الأربعة التي هي الغين والخاء والقاف والطاء، كما شذ صلهب في معنى سلهب.
* * * * عكرمة - كان يسأله خالد الحذاء، فسكت خالد، فقال له: مالك أجبلت؟ أي انقطعت، وأصله أن يبلغ معول الحافر الجبل ولا يعمل.
* * * * مسروق رضي الله عنه - الممسك بطاعة الله إذا جبب الناس عنها كالكار بعد الفار.
التجبيب: الفرار البليغ بغاية الإسراع.
* * * *
المجبور في " بص " . وجبروة في " عف " . جبار في " عج " . ولا تجبوا في " عش " . من أجبى في " أب " . مجبأة في " قص " . وجبار القلوب في " دح " . في جبوته في " حب " . من الجبت في " طي " . جب طلعة في " جف " .
* * * *
الجيم مع الثاء
النبي صلى الله عليه وسلم - من دعا دعاء الجاهلية فهو من جثى جهنم.
أي من جماعتها.
والجثوة: ما جُمع من تراب وغيره، فاستُعيرت.
وروى جثى، وهو جمع جاثٍ؛ من قوله تعالى: (حَوْلَ جهنَّم جِثِيّا).
* * * * نهى عن المجثمة.
هي البهيمة تجثم ثم نُرمى حتى تُقتل.
* * * * فجثثت في " جا " . تجثمها في " جف " .
* * * *
الجيم مع الحاء
النبي صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة مجح، فسأل عنها، فقالوا: هذه أمة لفلان. فقال: أيلم بها؟ فقالوا: نعم. فقال: لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره؛ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل له؟ الجح: جرو الحنظل والبطيخ، فشبه به الجنين، فقيل للحامل: مجح.
الضمير في يستخدمه ويورثه راجع إلى الولد، وهو في الموضعين يرجع إلى الاستخدام والتوريث.
والمعنى: أن أمره مشكل إن كان ولده لم يحل له استعباده، وإن كان ولد غيره لم يحل له توريثه.
* * * * خذوا العطاء ما كان عطاءً، فإذا تجاحفت قريش على الملك، وكان عن دين أحدكم فدعوه.
أي تقاتلت. من الإجحاف، ويقال: الجحف: الضرب بالسيف. والمجاحفة المزاحفة. عن دين أحدكم: أي مجاوزاً لدين أحدكم مباعداً له.
* * * * عائشة - إذا حاضت المرأة حرم الجحران.
المعنى: أن أحدهما حرام قبل المحيض، فإذا حاضت حرِّما معاً، وقيل الجحران والجحر، كعقب الشهر وعقبانه.
* * * * ميمونة - كان لها كلب، فأخذه داءٌ يقال له الجحام؛ فقالت: وا رحمتا لمسمار! هو داء يأخذ في رءوس الكلاب، فتكوى بين أعينها، وفي عيون الأناسي فترم.
مسمار: اسم كلبها.
* * * * الحسن - استؤذن في قتال أهل الشام حين خرج ابن الأشعث، فقال في كلام له: والله إنها لعقوبة، فما أدري أمستأصلة أم مجحجحة. فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف ولكن بالاستكانة والتضرع.
أراد أم متوقفة كافَّة عن الاستئصال، يقال: جحجح عن الأمر وحجحج عليه: إذا لم يقدم عليه.
* * * * جحيمر في " عش " . جحظ في " سح " . ولا جحراء في " طم " . فاجتحفها في " صب " . الجحيم في " قع " . فجحجح في " جح " .
* * * *
الجيم مع الخاء
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - كان إذا سجد جخى.
أي تقوس ظهره، متجافياً عن الأرض، من قولهم: جخى الشيخ: إذا انحنى من الكبر. قال:
لاَ خَيْرَ في الشيخ إذا ما جَخَّى
وروى: جخ: أي فتح عضديه - وروى: كان إذا صلى جخَّ. وفسر بالتحول من مكان إلى مكان.
* * * * ابن عمر - نام وهو جالس حتى سُمع جخيفه، ثم قام فصلى ولم يتوضأ.
جخف النائم: إذا نفخ وزاد على الغطيط.
* * * * في الحديث: إن أردت العز فجخجخ في جشم.
أي صح فيهم ونادهم. وقيل: احلل في معظمهم وسوادهم؛ كأنه ليل قد تجخجخ: أي تراكمت ظلمته. قال الأغلب:
إنْ سَرَّكَ العِزُّ فجَخْجِخْ في جُشَمْ ... أَهْلِ الْعَدِيدِ والبناءِ والكَرَمْ
وروى بالحاء؛ أي توقف فيهم. ومن روى: فجحجح بجشم، فهو من قولهم: جحجحت بفلان؛ أي أتيت به جحجاحا: سيدا.
* * * * مجخيا في " عر " . جخراء في " طم " .
* * * *
الجيم مع الدال
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أن اكتب إليَّ بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب إليه: إني سمعته يقول إذا انصرف من الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد - وروى: لما أنطيت، ولا منطي.
الجد: الحظ، والإقبال في الدنيا. والجد - بالضم: الصفة، ومثله الحلو والمر، وناقة عبر أسفار.
ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء، وإذا أصحاب الجد محبوسون.
منك: من قولهم: هذا من ذاك؛ أي بدل ذاك، ومن قوله:
فليتَ لنا من ماء زمزم شَرْبةً
أي بدل ماء زمزم. ومنه قوله تعالى: (ولوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكم مَلائِكةً في الأرْضِ يَخْلُفُون). والمعنى: أن المحظوظ لا ينفعه حظه بذلك، أي بدل طاعتك وعبادتك.
ويجوز أن تكون من على أصل معناها؛ أعني الابتداء، وتتعلق إما بينفع وإما بالجد.
والمعنى: المجدود لا ينفعه منك الجد الذي منحته، وإنما ينفعه أن تمنحه اللطف والتوفيق في الطاعة، أو لا ينفع من جده منك جده، وإنما ينفعه التوفيق منك.
الإنطاء: الإعطاء بلغة بني سعد.
* * * * إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته.
انجدل: مطاوع جدله، إذا ألقاه على الأرض، وأصله الإلقاء على الجدالة وهي الأرض الصلبة، وهذا على سبيل إنابة فعل مناب فعل، وقد سبق نظيره.
الطينة: الخلقة، من قولهم: طانه الله على طينتك، والجارُّ الذي هو " في " ليس بمتعلق بمنجدل، وإنما هو خبر ثان لإن؛ والواو مع ما بعدها في محل النصب على الحال من المكتوب.
والمعنى كتبت خاتم الأنبياء في الحال التي آدم مطروح على الأرض، حاصل في أثناء الخلقة، لما يفرغ من تصويره وإجراء الروح فيه.
* * * * نهى صلى الله عليه وسلم عن جداد الليل وعن حصاد الليل.
هو بالفتح والكسر: صرام النخل، وكانوا يجدون بالليل ويحصدون خشية حضور المساكين وفراراً من التصديق عليهم؛ فنُهوا عن ذلك بقوله تعالى: (وآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِه).
* * * * أوصى من خيبر بجادِّ مائة وسق للأشعريين، وبجاد مائة وسق للشنائيين. أي بنخل يجدُّ منه مائة وسق من التمر، وهو من باب قولهم: ليل نائم.
ومنه حديثه: اربطوا الفرس فمن ربط فرساًفله جادُّ مائة وخمسين وسقاً.
قيل: كان هذا في بدء الإسلام، وفي الخيل إذ ذاك عزة وقلة.
الشنئى: منسوب إلى شنوءة، بحذف الواو وفتح العين، وهكذا النسبة إلى كل ما ثالثه واو أو ياء ساكنة وفي آخره تاء تأنيث، كقولهم: عضبيّ وحنفيّ نسبهم إلى بني عضوبة وبني حنيفة.
وروى للشنويين، وهذا فيمن خفف شنوءة بقلب همزتها واوا.
* * * * أبو بكر الصديق رضي الله عنه - إن قوم خفاف بن ندبة السلمي ارتدوا، وأبى أن يرتد، وحسن ثباته على الإسلام؛ فقال فيه شعراً قوافيه ممدودة مقيدة:
ليس لشيء غيرِ تَقْوى جَدَاءْ ... وكلُّ خَلْقٍ عُمْرُه لِلْفَناءْ
إنَّ أبا بكر هو الغيثُ إذ ... لم تُرْزِغ الأمطارُ بَقلا بماءْ
المُعْطِيَ الْجُرْدَ بأَرسانها ... والناعجاتِ المُسْرِعات النَّجَاءْ
واللهِ لا يدركُ أيامَه ... ذو طُرّةٍ نَاشٍ ولا ذُو رِدَاءْ
مَنْ يَسْعَ كي يدركَ أَيامَه ... يجتهِدُ الشدَّ بأرضٍ فضاءْ
الجداء: من أجدى عليه، كالغناء من أغنى عنه.
الإرزاغ: البل البليغ، ومنه الرزغة، وهي الردغة.
المعطي: نصب على المدح.
الناعجات: الإبل السراع، وقد نعجت، وقيل: الكرام الحسان الألوان، من النعج.
يجتهد الشدّ: أي يجتهده، ويبلغ أقصى ما يمكن منه، من قولهم: اجتهد رأيه.
* * * * عمر رضي الله عنه - جدب السمر بعد العتمة.
الجدب: العيب والتنقص، قال:
ومن وَجْهٍ تَعَلَّلَ جادِبُه
ومنه الجدب.
* * * * خرج إلى الاستشسقاء، فصعد المنبر فلم يزد على الاستغفار حتى نزل، فقيل له: انك لم تستسق. فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء.
هو جمع مجدح: وهو ثلاثة كواكب كأنها أُثفية، فشبه بالمجدح، وهو خشبة لها ثلاثة أعيار يجدح بها الدواء: أي يُضرب، والقياس مجادح، فزيدت الياء لإشباع الكسرة، طقولهم: الصياريف والدراهيم. وهو على قياس قول سيبويه جمع على غير واحد.
والمجدح عند العرب من الأنواء التي لا تكاد تخطئ، وإنما جمعه، لأنه أراده وما شاكله من سائر الأنواء الصادقة.
والمعنى: أن الاستغفار عندي بمنزلة الاستسقاء بالأنواء الصادقة عندكم؛ لقوله تعالى: (فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا ربكم إِنَّهُ كانَ غفَّارا يُرسلِ السماءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً).
* * * * سأل المفقود الذي استهوته الجن: ما كان طعامهم؟ قال: الفول، وما لم يذكر اسم الله عليه. قال: فما كان شرابهم؟ قال: الجدف.
جاء في الحديث: إنه ما لا يُغطى من الشراب، كأنه الذي جُدف عنه الغطاء: أي نُحيِّ، وجدف من قولهم: رجل مجدوف الكمين، إذا كان قصير الكمين محذوفهما، وجذفت السماء بالثلج وجدفت: رمت به، وقيل: هو كل ما رُمي به عن الشراب من زبد أو قذى. وقيل: هو نبات إذا رعته الإبل لم تحتج إلى الماء، كأنه يجدف العطش.
إن رفع طعامهم وشربهم كان " ما " في محل النصب، والفعل خال من الضمير؛ والتقدير: أي شيء كان طعامهم أو شرابهم. وإن كان في محل الرفع، وفي الفعل ضميره. والتقدير: أي شيء كان هو طعامهم أو شرابهم، والجدف جائز فيه الرفع والنصب.
* * * * علي عبيه السلام - وقف على طلحة يوم الجمل وهو صريع، فقال: أعزز عليَّ أبا محمد أن أراك مجدَّلاً تحت نجوم السماء في بطون الأودية، شفيت نفسي، وقتلت معشري! إلى الله أشكو عجري وبجري! المجدل: المطروح.
العجر: العقد في العصب، ومنه عجر العصا.
والبجر: العروق المتعقدة في البطن خاصة، وقيل: العجر النفخ في الظهور، والبجر في البطون، فوضعت موضع الهموم والأشجان على سبيل الاستعارة.
* * * * سعد - رميت يوم بدر سهيل بن عمرو، فقطعت نساه فانبعثت جدية الدم هي أول دفعة منه.
* * * * ابن عمر - كان لا يبالي أن يصلي في المكان الجدد والبطحاء والتراب.
الجدد: المستوي الصلب.
والبطحاء: المسيل الذي فيه حصى صغار.
* * * * أنس - كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدَّ فينا.
أي عظم فيما بيننا. ومنه جد الله وهو عظمته.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قال لصعصعة بن صوحان: أنت رجل تتكلم بلسانك، فما مر عليك جدلته، ولم تنظر في أرز الكلام ولا استقامته.
فقال له صعصعة: والله إني لأترك الكلام حتى يختمر في صدري، فما أُزهف به، ولا ألهب فيه، حتى أقوم أوده، وأنظر في اعوجاجه، فآخذ صفوه، وأدع كدره.
أراد أنه يتكلم بكل ما يعن له من غير روية؛ فشبهه بالصائد الذي يرمي، فيجدل كل ما أكثبه من الوحش المارة عليه.
الأرز: من قولك: أرز الشيء: ثبت في مكانه فاجتمع. ومنه: الآرزة؛ والمراد التئام الكلام.
الإزهاق: الاستقدام، يقال: أزهقت قدما؛ يعني ما أقدمه قبل النظر فيه. ويجوز أن يكون من أزهف فلان في الحديث، إذا زاد فيه وقال ما ليس بحقّ، وقد صحَّف من رواه بالراء.
والإلهاب: الإسراع.
* * * * عائشة رضي الله تعالى عنها - قالت في العقيقة: تذبح يوم السابع، وتقطع جدولاً، ولا يُكسر لها عظم.
أي أعضاء تامة.
قال المبرد: الجدل: العظم يفصل بما عليه من اللحم.
يوم السابع: أي يوم الليل السابع.
* * * * كعب رضي الله عنه - شر الحديث التجديف.
هو كفران النعمة واستقلالها، وحقيقته نسبة النعمة إلى التقاصر؛ من قولهم: قميص مجدوف الكمين.
ومنه الحديث: لا تجدفوا بنعم الله.
ومنه حديث الأوزاعي: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل شر؟ قال: التجديف. قيل: وما التجديف؟ قال: أن يقول الرجل: ليس لي وليس عندي؛ لأن جحود النعمة من كفرانها.
* * * * مجاهد - قال في تفسير قول الله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه): على جديلته.
هي الطريقة والناحية. وقال شمر: ما رأيت تصحيفا أشبه بالصواب مما قرأ مالك بن سليمان عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه). أي على جديلته؛ فإنه صحَّف قوله: على جديلته، فقال: على حد يليه.
* * * * ابن سيرين رحمه الله - كان يختار الصلاة على الجد إن قدر عليه، فإن لم يقدر عليه فقائما، فإن لم يقدر فقاعدا.
الجد بمعنى الجدة: وهي الشاطئ، يعني أن راكب السفينة يصلي على الشاطئ، فإن لم يقدر صلى في السفينة قائما وإلا فقاعدا.
* * * * عطاء - قال في الجدجد يموت في الوضوء: لا بأس به.
هو صرَّار الليل، وفيه شبه من الجراد، قال ذو الرمة:
كأنّا تُغَنِّي بيننا كلّ لَيْلَة ... جَدَاجِدُ صَيْفٍ من صَرِير الأواخر
* * * * في الحديث: فوردنا على جدجد متدمن.
قيل: هو البئر الكثيرة الماء.
* * * * أو جدعاء في " شر " . وجداً في " حي " . وجداية في " ضغ " . الجدر في " شر " . يجادونه في " مص " . جادسة في " خم " . الجديد في " صل " .
* * * *
الجيم مع الذال
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - من تعلم القرآن ثم نسيه لقى الله تعالى وهو أجذم.
أي مقطوع اليد.
ومنه قول علي عليه السلام: من نكث بيعته لقي الله وهو أجذم، ليست له يد.
وقيل: الأجذم والمجذوم والمجذم: المصاب بالجذام، وقيل: هو المنقطع الحجة.
* * * * في حديث المبعث - إن ورقة بن نوفل قال: يا ليتني فيها جذع.
أراد ليتني في نبوّته شاب أقوى على نصرته، أو ليتني أدركتها في عصر الشبيبة، حتى كنت على الإسلام لا على النصرانية.
* * * * علي عليه السلام - أسلم والله أبو بكر وأنا جذعمة، أقول فلا يُسمع قولي، فكيف أكون أحق بمقام أبي بكر؟ هي الجذعة، والميم زائدة للتوكيد، كالتي في زرقم وستهم. وفي التاء وجهان: أحدهما المبالغة، والثاني التأنيث على تأويل النفس أو الجثة.
* * * * أمر نوفاً البكالي أن يأخذ من مزوده جذيذا.
هو السويق، لأنه يجذ، أي يكسر ويجش، والشربة منه: جذيذة.
ومنها حديث أنس رضي الله عنه: قال محمد بن سيرين: أصبحنا ذات يوم بالبصرة ولا ندري على ما نحن عليه من صومنا، فخرجت حتى أتيت أنس بن مالك، فوجدته قد أخذ جذيذة كان يأخذها قبل أن يغدو في حاجته ثم غدا.
يجوز أن تكون ما استفهامية قد دخل عليها الجار، وأبقيت كما هي محذوفة الألف وإن كان الحذف هو الأكثر استعمالا، وعليه زائدة للتوكيد. ويجوز أن تكون موصولة، ويجري ندري مجرى نطلع ونقف؛ فيعدى تعديته.
* * * * حذيفة رضي الله عنه - حدثنا رسول الله صلى الله تعالى ليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلّموا القرآن وعلّموا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل نومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها كأثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها كأثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك تراه منتبرا وليس فيه شيء، ولقد أتى عليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما ليردنه عليّ إسلامه، ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه عليّ ساعيه، فأما اليوم فما كنت لأبايع إلا فلانا وفلانا.
الجذر - بالفتح والكسر: الأصل. قال زهير:
وسامِعَتَيْن تَعْرفُ العِتْقَ فِيهِما ... إلى جَذْرِ مَدْلوكِ الْكُعُوبِ مُحَدَّدِ
الفرق بين الوكت والمجل: أن الوكت: النقط في الشيء من غير لونه، يقال: بعينه وكته، ووكت البسر: إذا بدت فيه نقط الإرطاب.
والمجل: غلظ الجلد من العمل لا غير، ويدل عليه قوله: تراه منتيراً: أي منتفخاً وليس فيه شيء.
بايعت: من البيع.
الساعي: واحد السعاة: وهم الولاة على القوم؛ يعني أن المسلمين كانوا متحققين بالإسلام فيتحفظون بالصدق والأمانة، والملوك ذوي عدل؛ فما كنت أبالي من أعامل؛ إن كان مسلماً رجعه إليّ بالخروج عن الحق عمله بمقتضى الإسلام، وإن كان غير مسلم أنصفني منه الوالي.
* * * * الحباب - قال يوم سقيفة بني ساعدة حين اختلف الأنصار في البيعة: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير.
الجذل: عود ينصب للإبل الجربى تحتك به فتستشفى.
والمحكك: الذي كثر به الاحتكاك حتى صار مملسا.
والعذق: بالفتح: النخلة.
والمرجب: المدعوم بالرجبة؛ وهي خشبة ذات شعبتين؛ وذلك إذا طال وكثر حمله.
والمعنى: إني ذو رأي يستشفى بالاستضاءة به كثيراً في مثل هذه الحادثة، وأنا في كثرة التجارب والعلم بموارد الأحوال فيها وفي أمثالها ومصادرها كالنخلة الكثيرة الحمل، ثم رمى بالرأي الصائب عنده، فقال: منا أمير ومنكم أمير.
* * * * قتادة - قال في قوله تعالى: (والرَّكبُ أَسْفل منكم). أبو سفيان انجذم بالعير فانطلق في ركب نحو البحر.
أي انقطع بها عن الجادة نحو البحر.
* * * * والمجذية في " خو " . يتجاذون في " رب " . بجذل في " شي " . والجذم في " مص " . والجذعة في " ثغ " . حسمى جذام في " كف " .
* * * * النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - من شرب في آنية الذهب والفضة فكأنما يجرجر في جوفه نار جهنم.
أي يرددها فيه، من جرجر الفحل: إذا ردد الصوت في حنجرته.
* * * * ما من عبد ينام بالليل إلا على رأسه جرير معقود، فإن هو تعارَّ، وذكر الله حلت عقدة، فإن هو قام وتوضأ وصلى حُلَّت عقدة - وروى: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد، فإذا قام من الليل فتوضأ وصلى انحلت عقدة.
هو حبل من أدم.
تعارّ: سهر بصوت، ومنه عرار الظليم وهو صياحه.
وفي معناه: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: من أصبح على غير وتر أصبح وعلى رأسه جرير سبعون ذراعاً.
ومن الجرير قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لبني عبد المطلب وهم ينزعون على زمزم: انزعوا على سقايتكم، فلولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت معكم حتى يؤثر الجرير بظهري.
ومنه الحديث: إن رجلا كان يجر الجرير فأصاب صاعين من تمر، فتصدق بأحدهما فلمزه المنافقون.
معناه: أنه كان يستقى الماء.
القافية: القفا.
* * * * قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: نصبت على باب حجرتي عباءة، وعلى مجر بيتي ستراً مقدمه من غزوة خيبر أو تبوك، فدخل البيت فهتك العرص حتى وقع إلى الأرض.
المجر والعرص واحد، وهما الجائز الذي توضع عليه أطراف العوارض.
وروى بالضاد وقيل: لأنه يوضع على البيت عرضا، ويقال: عرَّضت السقف تعريضاً.
مقدمة: نصب على الظرف، أي وقت مقدمه.
* * * * ليس لابن آدم حق فيما سوى هذه الخصال: بيت يكنه، وثوب يواري عورته، وجرف الخبز، والماء - ويروى: جلف.
وهما جمع جرفة وجلفة؛ وهي الكسرة، من جرفته السنة وجلفته.
الخصال: الخلال، وليست الأشياء المذكورة بخلال، ولكن المراد إكنان بيت، ومواراة ثوب، وأكل جرف، وشرب ماء؛ فحذف ذلك، كقوله تعالى: (واسْأَل الْقَرْيةَ).
وروى: كل شيء سوى جلف الطعام، وظل بيت، وثوب يستر - فضل - بسكون لام جلف.
وقيل: هو الخبز اليابس غير المأدوم. وأنشد:
الفَقْر خَيْرٌ مِنْ مَبِيتٍ بِتُّهُ ... بِجُنُوبِ زَخَّةَ عِنْدَ آلِ مُعَارِكِ
جَاءُوا بجِلْفٍ مِنْ شَعِير يَابِسٍ ... بَيْنِي وبَيْنَ غُلاَمِهِم ذِي الْحَارِكِ
* * * * لا تجار أخاك ولا تشاره.
أي لا تطاوله ولا تغالبه فعل المجاري في السابق.
والمشاراة: الملاجة، ومنها: استشراء الفرس في عدوه. ورويا مشددين، وقيل: المجارَّة من الجرير، وهو أن يجني كل واحد منهما على صاحبه، وقيل: المماطلة وأن يلوي بحقه ويجره من وقت إلى وقت. والمشارة من الشر.
* * * * دخلت امرأة النار من جرّا هرة لم تطعمها حتى ماتت هزلا.
أي من أجلها. قال أبو النجم.
فَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ من جَرَّاها
* * * * قال عمرو بن خارجة الأشعري: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة، وكنت بين جِرَانِ ناقته، وهي تقصع بجرتها، و لغامها يسيل بين كتفي.
وهو من العنق: ما بين المذبح إلى المنحر.
القصع: المضغ بعد الدسع؛ وهو نزع الجرة من الكرش إلى الفم، يقال: دسعت بجرتها ثم قصعت بها.
اللغام: الزبد ولغم البعير: رمى به.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - مر بالناس في معسكرهم بالجرف، فجعل ينسب القبائل، حتى مر ببني فزارة، فقام له رجل منهم، فقال له أبو بكر: مرحباً بكم. قالوا: نحن يا خليفة رسول الله أحلاس الخيل، وقد قدناها معنا. فقال أبو بكر: بارك الله فيكم.
الجرف: موضع، وأصله ما تجرَّفته السيول من الأودية.
ينسب القبائل: من قولهم: نسبت فلانا إذا قلت: ما نسبك؟ قال أبو وجزة:
ما زِلْنَ يَنْسُبْنَ وَهْناً كلَّ صَادِقةٍ
أي يشخصن القطا فيقول: قطا قطا؛ فجعل ذلك نسباً له.
حلس الدابة: كالمرشحة يكون تحت اللبد، فيشبه به الرجل اللازم لظهر الفرس.
* * * * عمر رضي الله عنه - تجردوا بالحج وإن لم تُحرموا.
أي جيئوا بالحج مفرداً، وإن لم تقرنوا الإحرام بالعمرة؛ يقال: جرد فلان الحج وتجرد به: إذا أفرده ولم يقرنه بالعمرة.
* * * * أتى مسجد قُبء، فرأى فيه شيئاً من غبار وعنكبوت، فقال لرجل: ائتني بجريدة واتق العواهين. قال: فجئته بها فربط كُمَّيه بوذمة، ثم أخذ الجريدة، فجعل يتتبع بها الغبار.
الجريدة: السعفة التي جرد عنها الخوص؛ أي قُشر.
العواهن: ما يلي القلبة من السعف، وإنما نهى عنها لئلا يضر قطعها القلبة.
الوذمة: السَّير.
* * * * كان يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ثم يجمع جراميزه ويثب، فكأنما خُلق على ظهر فرسه. أي أطرافه. ومنه تجرمز الرجل واجرنمز: إذا اجتمع وتقبض، وهو جمع لم يُسمع واحده، كالعباديد والحذافير، وقيل: الجرموز: الركبة، فإن صحَّ كان المعنى أنه جمع ركبتيه وما يتصل بهما.
ومنه حديث المغيرة: إنه لما بُعث إلى ذي الحاجبين قال: قالت لي نفسي: لو جمعت جراميزك، فوثبت وقعدت مع العلج.
* * * * عبد الرحمن - قالالحارث بن الصِّمَّة: رأيته يوم أُحد في جر الجبل فعطفت إليه.
هو أسفله. قال:
وقدْ قَطَعْتُ وَادِياً وجَرّا
وكأنه ما انجر على الأرض من سفحه. وقولهم: ذيل الجبل. يحتج له.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - جردوا القرآن ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم؛ فإن الشيطان يخرج من البيت تقرأ فيه سورة البقرة.
قيل: أراد تجريده عن النقط والفواتح والعشور لئلا ينشأ نشءٌ فيرى أنها من القرآن.
وقيل: هو حث على ألا يتعلم معه غيره من كتب الله، لأنها تأخذ عن النصارى واليهود، وهم غير مأمونين.
وقيل: إن رجلا قرأ عنده، فقال: استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال: ذلك.
وفيه وجه أسلوب الكلام ونظمه عليه أدل: وهو أن يجعل اللام من صلة جردوا، ويكون المعنى: اجعلوا القرآن لهذا، وخصوه به، واقصروه عليه دون النسيان والإعراض عنه، من قولهم: جرد فلان لأمر كذا وتجرد له.
وتلخيصه: خصوا القرآن بأن ينشأ على تعلمه صغاركم وبألا يتباعد عن تلاوته وتدبره كباركم؛ فإن الشيطان لا يقر في مكان يقرأ فيه.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - لو رأيت الوعول تجرش ما بين لابتيها ما هجتها ولا مستها؛ لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حرم شجرها أن تعضد أو تخبط.
أي ترعى وتقضم، والأصل فيه جرش الملح وغيره؛ وهو ألا ينعم دقه فهو جريش، ثم استعير لموضع القضم.
وأما الجرس فهو أن ينقر الطير الحب فيسمع له جرس أي صوت، ومنه: نحل جوارس.
اللابتان: حرتا المدينة.
مستها: أي مسستها. وفيه وجهان: أحدهما أن تحذف السين وتلقي حركتها على الميم. والثاني: أن تحذفها حذفا من غير أن تلقيها عليها فتقول: مستها بالفتح، ومثله ظِلْتُ وظَلْت في ظَللت.
* * * * ابن عمر رضي الله تعالى عنهما - شهد فتح مكة، وهو ابن عشرين سنة، ومعه فرس حرون، وجمل جرور، وبردة فلوت، ورمح ثقيل؛ فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يختلي لفرسه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن عبد الله، إن عبد الله.
الجرور: لا ينقاد كأنه يجر قائده، أو يُجر بالشطن جراً.
الفلوت: التي لا تنضم عليه لصغرها، كأنها تنفلت عنه.
يختلي: يجتز الخلى؛ وهو الرطب، ولامه ياء لقولهم: خليت الخلى.
قال ابن مقبل:
تَمَطَّيْتُ أَخْلِيهِ اللِّجَامِ وبَذَّنِي ... وشَخْصِي يُسَامى شَخْصَه ويُطَاوِلُه
أي أجعل اللجام في فيه مكان الخلي.
إن عبد الله، إن عبد الله: يجوز أن يكونا جملتين محذوفتي الخبر، ويجوز أن تكون الثانية خبراً كقولهم: عبد الله عبد الله.
* * * * عائشة رضي الله عنها - رأت امرأة شلاء؛ فقالت: رأيت أمي في المنام، وفي يدها شحمة، وعلى فرجها جريدة، وهي تشكو العطش، فأردت أن أسقيها، فسمعت مناديا ينادي: ألا من سقاها شلت يمينها، فأصبحت كما ترين.
تصغير جردة: وهي الخرقة الخلق؛ من قولهم: ثوب جرد.
* * * * وهب رحمه الله - قال طالوت لداود: أنت رجل جريء، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس.
هم اللصوص، من جرجمه: إذا صرعه؛ وقياس الواحد جرجمي.
يحتربون: يستلبون؛ من حربته: إذا أخذت ماله.
* * * * الشعبي رحمه الله - قال سويد: قلت له: رجل قال إن تزوجت فلانة فهي طالق.
قال: هو كما قال. قلت: إن عكرمة يزعم أن الطلاق بعد النكاح. قال: جرمز مولى ابن عباس.
أي حاد عن الصواب، ونكص.
* * * * الحسن رحمه الله تعالى - قال عيسى بن عمر: أقبلت مجرنمزاً حتى اقعنبيت بين يديه، فقلت: يا أبا سعيد؛ ما قول الله: (والنخلَ باسقاتٍ لها طَلْعُ نَضيد)؟ قال: هو الطبيع في كفراه.
أي متقبضاً.
اقعنبيت: استوفزت جاعلاً يدي على الأرض.
الطبيع: لب الطلع، سمي لامتلائه، من قولك: هذا طبع الأناء؛ أي ملؤه، وطبع القربة.
والكفرى: قشر الطلع.
* * * * عبد الملك - قال في خطبته: وقد وعظتكم فلم تزدادوا على الموعظة إلا استجراحاً.
هو استفعال من الجرح؛ وهو الطعن على الرجل ورد شهادته؛ أي لم تزدادوا إلا فساداً تستحقون به أن يطعن عليكم، كما يفعل بالشاهد.
ومنه قول ابن عون رحمه الله: استجرحت هذه الأحاديث.
أي كثرت حتى دعت أهل العلم إلى جرح بعضها.
* * * * ولا يستجرينكم في " جف " . بيده جريدة في " زو " . جردية في " ري " . مجرسة في " سر " . جردا في " سق " . في موضع الجرير في " غف " . من الجريمة في " عذ " . المتجرد في " شذ " . وجرثمتها في " بر " . جراثيم العرب في " رك " . حار جار في " شب " . جرنهما في " صر " . أجرد في " قع " . واجرٍ في " قن " . ولا يجر عليه في " هض " . جرستك الدهور في " حن " . ولم تجرد في " سر " . ثم جرجم في " لو " . ثم يجرجر في " كو " . جرزاً في " دو " . على جرته في " حن " . بجرعية الذقن في " كف " . بجريرة حلفائك في " عض " . جراثيم في " رف " .
* * * *
الجيم مع الزاي
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال لأبي بردة بن نيار في الجذعة التي أمره أن يضحي بها: ولا تجزي عن أحد بعدك.
أي لا تؤدي عنه الواجب ولا تقضيه، من قوله تعالى: (لا تَجْزِي نَفْسُ عنْ نَفْسٍ شَيْئاً). وإنما وضع الجزاء موضع الأداء؛ لأن مكافأة الصنيع كقضاء الحق.
* * * * أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.
قال الأصمعي: هي من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول. وأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام. وقيل: ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول.
وأما العرض فما بين رمل يبرين إلى منقط السماوة.
وقيل: سميت جزيرة؛ لأن البحرين: بحر فارس وبحر الحبش، والرافدين قد أحاطت بها.
* * * * قال علي رضي الله تعالى عنه في وصف دخوله صلى الله عليه وآله وسلم: كان دخوله لنفسه، مأذون له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءًا لله، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه. ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة، ولا يدخر عنهم شيئاً.
يريد أن العامة كانت لا تصل إليه في منزله، ولكنه كان يوصل إليها حظها من ذلك الجزء بالخاصة التي تصل إليه فتوصله إلى العامة.
لنفسه: من صلة الدخول.
ومأذون: خبر مبتدأ محذوف، والجملة في موضع خبر كان؛ ويجوز أن يستتر في كان ضمير الشأن، ويرتفع الدخول بالابتداء ومأذون خبره، ويجوز أن يكون لنفسه خبر كان، ومأذون خبر مبتدأ محذوف، والجملة لا محل لها؛ لأنها بدل عن قوله كان دخوله لنفسه.
* * * * وقف على وادي محسر، فقرع راحلته، فخبَّت حتى جزعه.
أي قطعه عرضا، ومنه جزع الوادي.
* * * * ذكر خروج الدجال وأنه يدعو رجلا ممتلئاً شاباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض، ثم يدعوه فيُقبل يتهلل وجهه يضحك.
أي قطعتين، يقال: ضرب الصيد فجزله جزلتين: إذا قطعه باثنتين.
رمية الغرض: يريد أن بعد ما بين القطعتين رمية غرض، وتقدير الكلام كأنه قال: فيفصل بين نصفيه فصلا مثل رمية الغرض؛ لأنه معنى قوله: فيقطعه جزلتين، أو فيفصل بين نصفيه واحد.
* * * * قال: لا يحل لأحد منكم من مال أخيه شيء إلا بطيب نفسه. فقال له عمرو بن يثربي: يا رسول الله؛ أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي أجتزر منها شاة؟ فقال: إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وزنادا بخبت الجميش فلا تهجها.
اجتزار الشاة: اتخاذها جزرة، وهي من الغنم كالجزور من الإبل.
خبت: علمٌ لصحراء بين مكة والحجاز. قال جندب:
زَعَم العواذِلُ أن ناقة جُنْدُب ... بجُبُوبِ خَبْتٍ عُرِّيت وأجَّمت
وامتناع صرفها للتأنيث والعلمية، ويجوز أن تصرف لسكون الوسط.
والجميش: صفة لها، فعيل بمعنى مفعولة، من الجمش وهو الحلق، كأنها حلق نباتها.
ويجوز أن تضاف خبت إلى الجميش. والجميش: النبات.
والمعنى: إنك إن ظفرت بشاة ابن عمك، وهي حاملة ما تحتاج إليه في ذبحها واتخاذها من سكين ومقدحة، وأنت مقو في أرض قفر فلا تتعرض لها.
* * * * عمر رضي الله عنه - أتاه رجل بالمصلى عام الرمادة من مزينة، فشكا إليه سوء الحال، وإشراف عياله على الهلاك؛ فأعطاه ثلاثة أنياب جزائر، وجعل عليهن غرائر، فيهن رزم من دقيق، ثم قال له: سر فإذا قدمت فانحر ناقة فأطعمهم بودكها ودقيقها ونوِّز. فلبث حيناً، ثم إذا هو بالشيخ المزني فسأله فقال: فعلت ما أمرتني به، وأتى الله بالحيا، فبعت ناقتين، واشتريت للعيال صبَّةً من الغنم فهي تروح عليهم.
الجزائر: جمع جزور، وهي الناقة قبل أن تنحر، فإذا نحرت فهي جزور - بالضم.
الرزمة من الدقيق: نحو ثلث الغرارة وربعها، وهي من رزم الشيء: إذا جمعه، كالقطعة والصرمة من قطع وصرم، ويقال أيضا للثياب المجموعة وبقية التمر في الجلة: رزمة.
نوَّزْ: قلل - عن شمر.
الحيا: الخصب، ولامه ياءٌ، وهو من الحياة.
الصبة: ما بين العشر إلى الأربعين.
تسمية الناقة المسنة بالناب لطول نابها، كما يسمى الطليعة عينا؛ والناب مذكر، فلوحظ الأصل حيث قيل: ثلاثة أنياب على التذكير، كما قالوا في تصغيرها: نييب لذلك.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها.
الجزية: الخراج الذي ضرب على الكفار جزاؤه؛ أي أداؤه، فاستعيرت لخراج الأرض المحتوم أداؤه.
والمعنى أنه شرط عليه أن يؤدي عنه الخراج في السنة التي وقع فيها البيع.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - كان يسبِّح بالنوى المجزَّع - وروى بالكسر.
قيل: هو الذي حك بعضه حتى ابيضَّ، وتُرك الباقي على لونه، فصار على لون الجزع، وكل ما اجتمع فيه سواد وبياض فهو مجزَّع. ومنه: جزَّع البسر، إذا أرطب إلى نصفه.
والمعنى أنه اتخذ سبحة من النوى يسبح بها.
* * * * خوَّات رضي الله عنه - خرجت زمن الخندق عيناً إلى بني قريظة، فلما دنوت من القوم كمنت ورمقت الحصون ساعة، ثم ذهب بي النوم فلم أشعر إلا برجل قد احتملني، فلما رقي بي إلى حصونهم قال لصاحب له: أبشر بجزرة سمينة، فتناومت، فلما شغل عني انتزعت مغولا كان في وسطه، فوجأت كبده، فوقع ميتا.
هي الشاة المعدة للجزر؛ أي الذبح.
المغول: شبه الخنجر يشده الفاتك على وسطه للاغتيال.
* * * * قتادة رحمه الله - قال في اليتيم: تكون له الماشية يقوم وليه على صلاحها وعلاجها، ويصيب من جززها ورسلها وعوارضها.
جمع جزة، وهي ما جز من صوف الشاة. يقال: أعطني جزة أو جزتين، أي صوف شاة أو شاتين؛ وفلان عاضٌّ على جزّة: إذا كان عظيم اللحية.
الرسل: اللبن.
العوارض: جمع عارض، وهو ما عرض له داءٌ فذكي. يقال: بنو فلان يأكلون العوارض.
* * * * النخعي رحمه الله - التكبير جزم، والقراءة جزم، والتسليم جزم.
الجزم: القطع، ومنه قيل لضرب من الكتابة: جزم؛ لأنه جزم عن المسند، وهو خط حمير، أي قطع عنه وأخذ منه.
والمعنى الإمساك عن إشباع الحركات، والتعمق فيها، وقطعها أصلا في مواضع الوقف، ولإضراب عن الهمز المفرط، والمد الفاحش، وأن يختلس الحركة، ويعمل على طلب الاسترسال والتسهل في الجملة، وعلى وتيرة قول الأصمعي: إن العرب تزوف على الإعراب ولا تعمق فيه.
* * * * الحجاج - قال لأنس بن مالك: والله لأقلعنك قلع الصمغة، ولأجزرنك جزر الضرب، ولأعصبنك عصب السلمة. فقال أنس: من يعني الأمير؟ قال: إياك! أصمّ الله صداك.
فكتب أنس بذلك إلى عبد الملك. فكتب إلى الحجاج: يا بن المستفرمة بحب الزبيب؛ لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي منها إلى نار جهنم، قاتلك الله أُخيفش العينين، أصك الرجلين، أسود الجاعرتين.
جزر العسل: انتزاعه من الخلية وقطعه عنها، ومنه جزر النخل: إذا أفسده بقطع ليفه وشحمه.
والضرب: العسل الأبيض الغليظ، وقد استضرب، وهو يسهل على العاسل استقصاء شوره، بخلاف الرقيق فإنه ينماع ويسيل، ولو روي الصرب - بالصاد - وهو الصمغ الأحمر - لجادت روايته.
عصب السلمة: ضم أغصانها بحبل ثم ضربها حتى يسقط ورقها.
أصم الله صداك: أي أهلكك حتى لا يكون لك صوت يسمعه الصدى فيجيبه.
المستفرمة: من الفرم والفرمة، وهو شيء كانت البغايا يتخذنه من عجم الزبيب ومن الأشياء العفصة للتضييق، وهو التفريم والتفريب، ومنه قول امرئ القيس يثف خيلا:
مُسْتَفْرِمَات بالحصَى جَوَافِلا
الركلة: الرفسة بالرجل. ومنها: مركلا الفرس لموقعي رجلي الفارس من جنبيه.
الجاعرتان: حيث يضرب الفرس أو الحمار بذنبه من فخذيه.
* * * * ابن عمير رضي الله عنهما - إن رجلا كان يدان الناس وكان له كاتب ومتجاز، فكان يقول: إذا رأيت الرجل معسرا فأنظره، فغفر الله له.
أهل المدينة يسمون المتقاضي المتجازي، ويقولون: أمرت فلانا يتجازى ديني على فلان.
* * * * أجزرنا في " عز " . فتجزعوها في " مل " . فجزَّلها في " كن " . فليجز في " عر " . من جزئه في " حي " . بقناح في " قن:.
* * * *
الجيم مع السين
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا.
هو بالجيم: تعرف الخبر بتلطف ونيقة، ومنه الجاسوس، وجس الطبيب اليد، وبالحاء: تطلب الشيء بحاسة كالتسمع على القوم.
* * * * الشعبي رحمه الله: اجْسُر جَسَّارُ سمَّيْتُك الْفَشْفَاش إن لم تَقْطع جسَّار: فعَّال من الجسارة، يعني سيفه، جعله علما له.
والفشفاش: التنفج الكذاب، وفشفش: أفرط في الكذب، وأصله فشفشة الوطب، وهي فشّه.
* * * * نوف رحمه الله تعالى - ذكر عوجاً وقتل موسى له، قال: فوقع على نيل مصر فجسرهم سنة.
أي اعترض على النيل، فعقد لهم من شخصه جسرا، من جسر الجسر: إذا عقده، والأصل فجسر لهم، فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله:
ولقد جنيتُك أكْمُؤًا وعَسَاقِلا
ومنه قول ذي الرمة:
فلا وَصْلَ إلا أن تُقَارِب بيننا ... قَلاَئصُ يَجْسُرنَ الفَلاَة بنا جَسْرا
* * * * الجساسة في " زو " . جساماً في " قح " . لجاسد في " شن " .
* * * *
الجيم مع الشين
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أولم على بعض نسائه بحشيشة.
هي الحنطة المجشوشة تطبخ بلحم أو تمر.
* * * * عمر رضي الله عنه - قال حفص بن أبي العاص: كنا نأكل عند عمر وكان يجيئنا بطعام جشب غليظ، فكان يأكل ويقول: كلوا فكنا نعذّر.
الجشب: الغليظ الخشن، وقد جشب جشابة. ومنه:
تُوِليكَ كَشْحاً لَطيفاً لَيْسَ مِجْشَابَا
التعذير: التقصير مع طلب إقامة العذر.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - بلغني أن أناساً منكم يخرجون إلى سوادهم إما في تجارة وإما في جباية، وإما في جشر فيقصرون الصلاة، فلا تفعلوا؛ فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو بحضرة عدوّ.
الجشر: فعل بمعنى مفعول، وهو المال الذي يجشر؛ أي يخرج إلى المرعى فيُبات فيه، ولا يراح إلى البيوت، ويقال للذين يجشرونه: جشر أيضا، كأنه جمع جاشر.
ويقال: جشر المال عن أهله فهو جاشر وجشر. ومنه قوله: لا يغرنكم جشركم من صلاتكم. وذلك أنهم كانوا يطيلون الغيبة عن البيوت فيرونها سفراً فيقصون الصلاة.
شاخصاً: أي مسافراً.
بحضرة عدو: يعني أنه كان يقصر وإن كان مقيما إذا كان في قتال عدو.
ومن الجشر حديث صلة بن أشيم، قال: خرجت إلى جشر لنا، والنخل سلب، وكنت سريع الاستجاعة، فسمعت وجبة فإذا سب فيه دوخلة رطب، فأكلت منها، فلو أكلت خبزاً ولحماً ما كان أشبع لي منه.
سلب: لا حمل عليها، الواحدة سليب.
الاستجاعة: قوة الجوع، واستجاع من جاع، كاستعلى من علا، واستبشر من شر.
الوجبة: صوت السقوط.
السب: الثوب الرقيق. وقيل: الشقَّة البيضاء.
الدوخلة: سفيفة من خوص.
* * * * معاذ رضي الله عنه - لما خرج إلى اليمن شيعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
أي جزعاً مع شدة حرص على الإقامة معه.
* * * * تجشمني فإني في " لب " .
* * * *
الجيم مع الظاء
كل جظّ في " ضع " .
* * * *
الجيم مع العين
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - نهى عن لونين من التمر: لون الجعرور، ولون الحبيق.
الجعرور: ضرب من الدَّقل، يحمل أشياء صغارا لا خير فيها.
ومنه قيل لصغار الناس: جعارير.
والحبيق: ضرب رديٌّ أيضا. والمراد النهي عن أن يؤخذا في الصدقة.
ومنه حديث الزهري: لا يأخذ المصدق الجعرور، ولا مصران الفارة، ولا عذق حبيق.
قال الأصمعي: عذق حبيق وعذق ابن حبيق: ضرب من الدقل.
* * * * مر مصعب بن عمير وهو منجعف فقال: رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
جعفت الرجل: صرعته، فانجعف.
* * * * بُعث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه رسولاً إلى أهل مكة، فنزل على أبي سفيان ابن حرب، وبلَّغه رسالته، فقال أهل مكة لأبي سفيان: ما أتاك به ابن عمك؟ قال: أتاني بشرّ؛ سألني أن أخلي مكة لجعاسيس مضر.
قال الأصمعي: الجعسوس بالسين والشين: وصف بالقماءة والصغر، وقيل بالسين: اللئيم، وبالشين: الدقيق الطويل. وقال الراعي:
ضعافُ القُوَى ليسوا كَمَنْ يبتني العُلا ... جعاسيسُ قَصَّارُون دون المَكَارمِ
* * * *
كان العباس رضي الله تعالى عنه يسم إبله في وجوهها، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: يا عم؛ إن لكل شيء حُرمة، وإن حرمة البدن الوجه. قال: لا جرم يا رسول الله! لأباعدن ذلك عنه. فكان يسمها على جواعرها.
قال المبرد: للورك حروف ستة؛ فحرفاها المشرفان على الخاصرتين: الحجبتان، وحرفاها المشرفان على الفخذين: الغرابان، وحرفاها اللذان يبتدان الذنب: الجاعرتان.
* * * * ابن عمر رضي الله تعالى عنهما - ذُكر عنده الجعائل، فقال: لا أغزو على أجر، ولا أبيع أجري من الجهاد.
جمع جعالة بالفتح والكسر أو جعيلة؛ وهي جُعل يدفعه المضروب عليه البعث إلى من يغزو عنه قال الأسدي:
فأَعْطَيْتُ الجُعالة مُسْتَمِيتاً
ومنه حديث مسروق رحمه الله: إنه كان يكره الجعائل.
* * * * ابن زياد - كتب إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص: أن جعجع بالحسين.
أي أنزله بجعجاع، وهو المكان الخشن الغليظ وهذا تمثيل لإلجائه إلى خطبٍ شاق وإرهاقه.
وقيل: المراد إزعاجه؛ لأن الجعجاع مناخ سوء لا يقرّ فيه صاحبه، ومنه: جعجع الرجل: إذا قعد على غير طمأنينة.
* * * * جعظ في " ضع " . جعظري في " غل " . الجعثن في " صب " . الجعاد في " نط " . جعد في " فر " . جعيلة في " ثم " . كالجعدبة في " عص " . انجعافها في " خو " .
* * * *
الجيم مع الفاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - في صفة الدجال: جفال الشَّعر هو الكثير الشعر المجتمعه.
ومنه الجفالة: الجماعة من الناس. وتقول العرب على لسان الضائنة: أُولد رخالا، وأجز جفالا، وأُحلب كثباً عجالا، ولم تر مثلي مالا.
وفي حديث آخر: إنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى رجلا جافل الشعر؛ فقال: أما وجد هذا شيئاً يسكّن به شعره! هو المستطار الشعر المتفرقة. ومنه حديث السحاب الجفل: الخفيف الذي تطير به الريح، وكل خفيف جافل وجفل وجفيل.
* * * * صوموا ووفروا أشعاركم فإنها مجفرة.
أي مقطعة للنكاح، يقال: جفر الفحل عن الضراب جفورا: إذا انقطع عنه.
* * * * وكنت آتيكم فأجفرتكم: أي قطعتكم.
ومنه حديثه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن عثمان بن مظعون قال له: إني رجل يشق على العزبة في المغازي؛ أفتأذن لي في الخصاء؟ ولكن عليك بالصوم فإنه مجفر.
أي قاطع للشهوة.
ومنه حديث علي عليه السلام: إنه رأى رجلا في الشمس فقال: قم عنها فإنها مبخرة مجفرة، تتفل الريح، وتبلى الثوب، وتظهر الداء الدفين.
وعن عمر رضي الله عنه - إياكم ونومة الغداة فإنها مبخرة مجفرة - وروى نجعرة أي نيبسة للطبيعة.
* * * * حين سُحر جعل سحره في جف طلعة، ودُفن تحت راعوفة البئر - وروى: في جب طلعة.
جفّها؛ وعاؤها إذا جف، وجبّها: جوفها ومنه جبّ البئر وهو جرابها.
الراعوفة: صخرة تترك ناتئة في أسفل البئر فإذا نقّوها جلس عليها المنقي. وقيل: تكون في بعض البئر لا يمكن قطعها فتُترك، وهي من رعف: إذا تقدم.
* * * * في لحوم الحمر الأهلية نهى عنها، ونادى مناديه بذلك؛ فأجفئوا القدور - وروى: فجفئوا - وروى: فأمر بالقدور فكُفئت - وروى: فأُكفئت.
جفأ القدر وكفأها وأجفأها وأكفأها: قلبها.
* * * * قال عبد الله بن الشخير رضي الله عنه: قدمت عليه في رهط من بني عامر فسلَّمنا عليه، فقالوا: أنت والدنا، وأنت سيدنا، وأنت أطول طولا، وأنت الجفنة الغرّاء، فقال: قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان - وروى: ولا يستهوينكم.
شبهوه بالجفنة الغراء، وهي البيضاء من الدسم؛ نعتاً له بإنه مضياف مطعام، أو أرادوا: أنت ذو الجفنة، ومنه قوله:
يا جفنةً بإزَاءِ الحَوْض قد كفئوا ... ومَنْطِقاً مثل وَشْى اليُمْنَةِ الحَبِره
وقول امرئ القيس:
رُبَّ طَعْنَةٍ مُثْعَنْجِرَه
وجَفْنَةٍ مُسْحَنْفِرَه
تُدْفَن غداً بأَنْقرَه
بقولكم: أي بما هو عادتكم من القول المسترسل فيه على السجية، دون المتكلف المتعمل للتزيد في الثناء.
وقيل: بقول أهل الإسلام ومخاطبتهم بالنبي والرسول؛ لأن ما خاطبوه به من تحية أهل الجاهلية لملوكهم.
استجريت جرياَّ، وتجرّيته: أي اتخذته وكيلا، وهو من الجري، لأنه يجري مجرى موكله.
والمعنى: لا يتخنكم كالأجرياء في طاعتكم له واتباعكم خطواته.
* * * * خلق الله الأرض السفلى من الزبد الجفاء والماء الكباء.
الجفاء: ما جفأه السيل؛ أي رمى به، ويجوز أن يُراد به الجافي، وهو الغليظ، من قولهم: ثوب جافٍ، ورجل جاف.
والكباء: الكابي، وهو المرتفع العظيم؛ من قولهم: فلان كابي الرماد. وكبا الغبار: ارتفع، وكبت العلبة: امتلأت حتى تفيض.
* * * * من اتخذ قوسا عربية وجفيرها نفى الله عنه الفقر.
الجفير: الواسعة من الكنائن، ومنه: الفرس المجفر، وتقدير قوله: وجفيرها: وجفير سهامها، فحذف، وخص بالعربية؛ كراهة زي العجم.
وروى أنه رأى رجلا معه قوس فارسية فقال: ألقها.
* * * * قالت حليمة رضي الله عنها التي أرضعته صلى الله عليه وآله وسلم: كان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، فبلغ ستلًّ وهو جفر.
هو الذي قوي على الأكل، واتَّسع جوفه، وقد استجفر. وهو من أولاد المعز: ما بلغ أربعة أشهر وفُصل.
* * * * ومنه حديث عمر: إنه قضى في الضبع كبشاً، وفي الضبي شاةً، وفي اليربوع جفراً أو جفرة.
أي أوجب ذبحها على المجرم إذا قتل شيئاً من ذلك.
* * * * عمر رضي الله عنه - كيف يصلح بلد جلُّ أهله هذان الجفَّان: كذب بكر، أو بخل تميم.
هذا لقب لبكر وتميم. قيل: لأنه لم يكن في العرب قبيلتنا أكثر عددا منهما.
والجفُّ: الجمع الكثير. وعن المبرد: هما حيَّان فيهما جفاءٌ، من الجفّ وهو الجافي.
* * * * حمل يهودي امرأة مسلمة على حمار، فلما خرج بها من المدينة جفلها عن رحلها، ثم جثمها لينكحها، فأثتي به عمر؛ فقال: ما على هذا عاهدناكم؛ فقتله.
جفلها: طرحها، من قولهم: طعنه فجفله، إذا قلعه من الأرض، والريح تجفل الجهام: أي ذهب به.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إن رجلا قال له: آتي البحر فأجده قد جفل سمكاً كثيرا، فقال: كل ما لم تر شيئاً طافيا.
أي رمى به إلى الساحل.
تجثمها: من تجثم الطائر أُنثاه إذا علاها للسفاد.
* * * * انكسرت قلوص من إبل الصدقة فجفنها.
أي أطعمها في الجفان، وأنشد ابن الأعرابي:
يا رُبَّ شَيْخٍ فيهم عِنِّين ... عَن الطِّعَانِ وعن التَّجْفِينِ
* * * * عثمان رضي الله عنه - لما حُوصر أشار عليه طلحة أن يلحق بجنده من أهل الشام فيمنعوه. فقال: ما كنت لأدع المسلمين بين جُفَّين، يضرب بعضهم رقاب بعض.
الجف والجفة: الجماعة الكثيرة، ويجوز أن يريد بين مثل جفَّين، وهما بكر وتميم في كثرة العدد.
* * * * أبو قتادة رضي الله عنه - كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في سفرة، فنعس على ظهر بعيره حتى كاد ينجفل فدعمته.
هو مطاوع جفله، إذا طرحه وألقاه.
* * * * ابن عازب رضي الله عنه - سُئل عن يوم حنين، فقال: انطق جفاءٌ من الناس وحُسَّر إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد؛ فانكشفوا.
أراد سرعان الخيل تشبيها بجفاء السيل.
والحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا جنة له؛ يعني أنهم قليلون وحاسرون.
رجل الجراد: الجماعة منه.
* * * * لم تجتفئوا في " حف " . الجفرة في " عك " . جفّ طلعة في " طب " . مجفرة في " زو " . من بدا جفا في " بد " . في جفاء الحقو في " حق " . أجفلة في " زف " . جفة في " نف " . جفنة عبد الله في " جك " . جفوفا في " بل " .
* * * *
الجيم مع اللام
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - نهى عن لحوم الجلالة.
كنى عن العذرة بالجلة، وهي البعرة؛ فقيل لآكلتها: جلالة وجالَّة، وقد جل الجلة واجتلها: التقطها، وماء مجلول: وقعت فيه الجلة.
* * * * ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إن رجلا سأله عن لحوم الحمر، فقال: أطعم أهلك من سمين مالك، فإني إنما كرهت لك جوالَّ القرية.
ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: إن رجلا قال له: إني أريد أن أصحبك. فقال: لا تصحبني على جلاَّل.
كره ركوبه؛ لأن ريح الجلَّة في عرقه.
* * * * استأذن عليه أبو سفيان فحجبه، ثم أذن له فقال: ما كدت تأذن لي حتى تأذن لحجارة الجلهمتين! فقال: يا أبا سفيان؛ أنت كما قال القائل: كل الصيد في جوف الفرا.
الجلهمة - بالضم: القارة الضخمة.
وعن أبي عبيد: أنه أراد الجلهة، وهي جانب الوادي، فزاد ميماً، والرواية عنه بالفتح.
والمعنى أنك تؤخرني ولا تأذن لي حتى تأذن قبلي لناس كثير، هم في كثرة حجارتها. أو لا تأذن لي أصلا كما لا تأذن للحجارة.
الفرأ: حمار الوحش، يعني أن كل صيد دونه، وإنما قصد تألفه بذا الكلام، وكان من المؤلفة قلوبهم.
* * * * لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام.
الجلب " بمعنى الجلبة، وهي التصويت.
والجنب: مصدر جنب الفرس؛ إذا اتخذه جنيبة.
والمعنى فيهما في السباق أن يتبع فرسه رجلاً يجلب عليه ويزجره، وأن يجنب إلى فرسه فرساً عرياً، فإذا شارف الغاية انتقل إليه؛ لأنه أودع فسبق عليه.
وقيل: الجلب في الصدقة: أن يجلبوا إلى المصدق أنعامهم في موضع ينزله، فنهى عنه إيجاباً لتصديقها في أفنيتهم.
وقد مر الشغار في " أب " .
* * * * أعطى بلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها.
النسبة إلى الجلس وهو نجد، سمى بذلك لارتفاعه من قولهم للغلظ من الأرض والجبل المشرف والناقة المرتفعة: جلس.
وجلس: إذا أنجد، وقال الشماخ:
فمرَّتْ على ماء العُذَيْبِ وعَيْنُها ... كَوَقْبِ الصَّفا جَلْسِيُّها قَدْ تَغَوَّرا
* * * * في حديث الإسراء: أخذني جبرائيل وميكائيل، فصعدا بي، فإذا بنهرين جلواخين قال: يا جبرائيل؛ ما هذان النهران؟ قال: سقيا أهل الدنيا.
الجلواخ: الواسع، قال بعض بني غطفان:
ألاَ لَيتَ شِعْرِي هل أَبيتَنَّ ليلةً ... بأَبْطَحَ جِلْوَاحٍ بأَسْفَلِهِ نَخْلُ
* * * * قال له صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه لما نزلت: (إِنَّا فَتَحْنَا لكَ فَتحاً مُبِينا): هذا يا رسول الله أنت، قد غفر لك، وبقينا نحن في جلج لا ندري ما يُصنع بنا.
الجلج: بمعنى الحرج وهو القلق، أي بقينا في غير استقرار ويقين من أمرنا.
وقيل: هو جمع جلجة، وهي الرأس: أي في عدد رءوس كثيرة من المسلمين.
* * * * ومنه حديث عمر رضي الله عنه: إنه كتب إلى عامله على مصر خُذ من كل جلجة من القبط كذا وكذا.
* * * * أخذ أسعد بن زرارة رضي الله عنه بيده صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقال: يأيها الناس؛ أتدرون على ماذا تبايعون محمداً صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ إنكم بايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم والجن والإنس مجلية! قالوا: نحن حرب لمن حارب، سلم لمن سالم.
أي حرباً مجلية عن الأوطان، تقول العرب: اختاروا فإما سلم مخزية وإما حرب مجلية.
وقيل: لو رويت مجلبة، فهي من أجلب القوم، وأجلبوا: إذا اجتمعوا.
* * * * قدم سويد بن الصامت مكة فتصدى له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فدعاه فقال له سويد: لعل الذي معك مثل الذي معي! قال صلى الله عليه وآله وسلم: وما الذي معك؟ قال: مجّلة لقمان.
* * * * كل كتاب حكمة عند العرب مجلَّة. قال النابغة:
مَجَلتُهُمْ ذَاتُ الإْلهِ ودِينُهم ... قَوِيم فما يَرجُونَ غَيْرَ الْعَوَاقِبِ
وكأنها مفعلة من جلَّ؛ لجلال الحكمة وعظم خطرها، ثم إما أن يكون مصدراً كالمذلة فسمي بها، كما سُمي بالكتاب الذي هو مصدر كتب، وإما أن يكون بمعنى مكان الجلال.
* * * * لا يدخل شيء من الكبر الجنة. قال قائل: يا رسول الله؛ إني أحب أن أتجمل بجلاز سوطي وشسع نعلي. فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن ذلك ليس من الكبر، إن الله جميل يحب الجمال، وإن الكبر من سفه الحق وغمص الناس.
الجلاز: ما يجلز به السوط أو القوس وغيرهما من عقب وغيره، وهو أن يُدار عليه ويلوي.
ومنه قيل للمستدير في أسفل السنان كالحلقة: جلز، وللعقد المعقود مستديراً جلز وجلاز.
كنى بقوله: لا يدخل شيء من الكبر الجنة عن أنه لا يدخلها أحد من المتكبرين؛ لأنه إذا نفى أن يدخلها شيء منه فقد نصب دليلا على أن صاحبه غير داخلها لا محالة.
جميل: أي جميل الأفعال حسنها، والعرب كما تصف الشيء بفعله فإنها تصفه بفعل ما هو من سببه.
من سفه الحق: أي فعل من سفهه، ومعناه جهله.
وغمص الناس: أي استحقرهم.
* * * * لما خرج أصحابه إلى المدينة وتخلف هو وأبو بكر ينتظر إذن ربه في الخروج اجتمع المشركون في دار الندوة يتشاورون في أمره، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بت. فقال أبو جهل: إني مشير عليكم برأي. قال: وما هو؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلاماً شاباً نهداً ثم يُعطى سيفاً صارماً، فيضربونه ضربة رجلٍ واحد، حتى يقتلوه، ثم وديناه وقطعنا عنا شأفته واسترحنا منه.
فقال الشيخ: هذا والله الرأي!
جلّ الرجل فهو جليل: إذا أسن وكبر، ومنه قولهم: جلَّ عمرو عن الطوق، بدليل قولهم: كبر عمرو. قال كثير:
وجُنَّ اللواتي قُلْنَ عزةُ جلَّتِ
البت: كساء غليظ مربع.
النهد: العظيم الخلق المرتفع.
قال:
من بعد ما كنتُ صُمُلاًّ نَهْدا
الشأفة: قرحة تخرج بالقدم فتكوى فتذهب، وقد شئفت رجله.
والمعنى: قطعنا أصله كما تقطع الشأفة.
* * * * قال البراء رضي الله عنه: لما صالح رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم المشركين بالحديبية صالحهم على أن يدخل هو وأصحابه مكة من قابل ثلاثة أيام، ولا يدخلونها إلا بجلبان السلاح.
قال: فسألته ما جلبان السلاح؟ قال: القراب بما فيه.
الجلبان والجربان والقراب: شبه جراب يضع فيه الراكب سيفه مغموداً وسوطه وأداته، وينوطه وراء رحله.
وقيل: هو مخفف بوزن الجلبان الذي هو الملك؛ ولعله سمي جلبانا لجمعه السلاح، ومدار هذا التركيب على معنى الجمع.
وجربان من لفظ الجراب، وإنما اشترطوا عليه ذلك ليكون علماً للسلم.
* * * * قدم أبيّ بن خلف في فداء ابنه - وكان أُسر يوم بدر - فقال: يا محمد؛ إن عندي فرساً أُجلها كل يوم فرقاً من ذرة أقتلك عليها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بل أنا أقتلك عليها إن شاء الله تعالى.
أُجلها: أعلفها علفا جليلا، من قولهم: أتيته فما أجلَّني ولا أحشاني: أي ما أعطاني من جلة ماله ولا حاشيته.
وقوله: فرقا، بيان لذلك الجليل، وهو مكيال يسع ستة عشر رطلا.
عليها: في الأول حال عن الفاعل وفي الثاني عن المفعول.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - في قصة المهاجرة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: ألم يأن للرحيل؟ فقلت: بلى! فارتحلنا حتى إذا كنا بأرض جلدة.
هي الصلبة.
* * * * ومنها حديث علي عليه السلام: إنه كان ينزع الدلو بتمرة، ويشترط أنها جلدة. وذلك أن الرطبة إذا صلبت طابت جدا.
ومنه المثل: أطيب مضغة صيحانية مصلبة.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - كتب إلى معاوية رضي الله تعالى عنه يسأله أن يأذن له في غزو البحر، فكتب إليه: إني لا أحمل المسلمين على أعواد نجرها النجار وجلفطها الجلفاط، يحملهم عدوهم إلى عدوهم.
هو الذي يسد دروز السفن ويصلحها - بالطاء غير المعجمة، وأراد بالعدو البحر أو النواتي، لأنهم كانوا علوجا يعادون المسلمين.
* * * * قالت أم صبية الجهنية رضي الله عنها: كنا نكون على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله تعالى عنهما في المسجد نسوة قد تجاللن، وربما غزلنا فيه؛ فقال عمر رضي الله تعالى عنه: لأردنكن حرائر.
فأخرجنا منه.
تجاللن: اسنن.
حرائر: أي كما يجب أن تكون الحرائر من ضرب الحجب عليهن، وألاَّ يبرزن بروز الإماء.
* * * * علي عليه السلام - من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلباباً، أو قال: تجفافاً.
الجلباب: الرداء، وقيل: الملاءة التي يشتمل بها.
والمعنى: فليُعدّ وقاءً مما يورد عليه الفقر والتقلل ورفض الدنيا؛ من الحمل على الجزع وقلة الصبر على شظف العيش وخشونة الحال.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إن امرأته سألته أن يكسوها، فقال: أخشى أن تدعي جلباب الله الذي جلببك به. قالت: وما هو؟ قال: بيتك. قالت: أجنَّك من أصحاب محمد تقول هذا؟ أجنَّك: أصله من أجل أنك، أو لأجل أنك، فحذف الجار؛ كقوله:
أَجْلَ أنَّ اللهَ قد فَضَّلَكُم ... فَوْقَ من أَحْكَأَ صُلْباً بإِزَار
وخففت أن ضربين من التخفيف: أحدهما حذف الهمزة، والثاني حدف إحدى النونين، فوليت النون الباقية اللام وهما متقاربتا المخرجين، فقُلبت اللام نوناً، وأُدغمت في النون؛ وحق المدغم أن يسكن فالتقى ساكنان هي والجيم فحركت الجيم بالكسر؛ فصار أَجنَّك.
* * * * ذكر المهدي من ولد الحسن رضي الله عنهما، فقال رجل: أجلى الجبين، أفتى الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، أفلج الثنايا، بفخذه اليمنى شامة.
الجلا: ذهاب شر الرأس إلى نصفه، والجلح: دونه، والجله: فوقه.
القنا: احديداب في قصبة الأنف.
الزيل: الفحج.
* * * * الزبير رضي الله عنه - كان أجلع فرجا.
هما بمعنى واحد، وهو الذي لا يزال يبدو فرجه.
والأجلع أيضاً: الذي لا تنضم شفتاه.
* * * *
لما التقينا يوم بدر سلط الله علينا النعاس، فوالله إن كنت لأتشدد فيجلد بي، ثم أتشدد فيُجلد بي.
أي يصر عني النوم. يقال: جلدت به الأرض: إذا صرعته، كما يقال: ضربت به الأرض.
إن: مخففة من الثقيلة، واللام في لأتشدد هي الفارقة بين إن المخففة والنافية.
* * * * أبو أيوب رضي الله عنه - من بات على سطح أجلح فلا ذمة له.
هو الذي لم يحجر بجدار ولا غيره.
* * * * ابن معاذ رضي الله عنه - كان رجلاً ضخماً جلعاباً - وروى: جلحاباً هما الطويل: وقيل: الضخم الجسيم.
* * * * أم سلمة رضي الله تعالى عنها - كانت تكره للمحدّ أن تكتحل بالجلاء.
هو الإثمد؛ لأنه يجلو البصر؛ وأما الحُلاء - بالحاء والضم فحكاكة حجر على حجرٍ.
قال أبو المثلم الهذلي:
وأكْحُلْكَ بِالصَّابِ أو بالحُلاَء ... ففَقِّح لِذَلِكَ أَوْ غَمِّض
وهو الحلوء أيضاً، يقال: حلأت له حلوءًا: إذا حككت حجراً على حجر، ثم جعلت الحكاكة على كفك، وصدأت به المرآة ثم كحلته به، وقد غُلّط راوي بيت الهذلي بالجيم؛ لأنه متوعد فلا يكحل بما يجلو البصر.
* * * * عطاء رحمه الله - قال ابن جريج: سألته عن صدقة الحب، فقالك فيه كله صدقة، وذكر الذرة والدخن والجلجلان والبلسن والإحريض والتقدة.
الجلجلان: السمسم.
والبلسن: العدس، وهو البلس بضمتين - عن ابن الأعرابي.
والإحريض: العصفر، وثوب محرَّض.
والتقدة - بالتاء: الكزبرة، وبالنون الكرويا.
* * * * في الحديث: إن الله ليؤدي الحقوق إلى أهلها حتى يقص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء نطحتها.
الجلحاء: الجَّاء.
* * * * لا أجلنظي في " بج " . أجلي في " زه " . مجللا في " حي " . أجلو الله في " حل " . ولا جلحاء في " عق " . من جلبابها في " عس " . فجُلد بالرجل في " رت " . جلعدا في " قص " . على أجالدهم في " قس " . وجليل في " صب " . جلاّل في " لق " . ذا الجلب في " لب " . جلحاء في " قذ " . جليل المشاش في " مع " .
* * * *
الجيم مع الميم
النبي صلى الله تعالى وآله وسلم - قال في الشهداء: ومنهم أن تموت المرأة بجُمْع.
يقال: ماتت بجُمْع وجِمْع: أي حاملة أو غير مطموثة.
ومنه حديثه: أيما امرأة ماتت بجمع لم تُطمث دخلت الجنة.
وحقيقة الجُمْع والجِمْع أنهما بمعنى المفعول كالذخر والذبح. ومنه قولهم: ضربه بجُمع كفه، أي بمجموعها، وأخذ فلان بجمع ثياب فلان.
فالمعنى: ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها: حملٍ أو بكارة، وأما قول ذي الرمة:
ورَدْناه في مَجْرى سُهَيْل يَمَانِياً ... بصُعْر البُرَي من بين جُمْعٍ وخَادِجِ
فلابد فيه من تقدير مضاف محذوف، أي ذات جمع.
* * * * وضأة المغيرة، فذهب يخرج ذراعيه، فضاق عليه كُمَّا جمَّازته، فأخرج يده من تحتها.
الجمازة: مدرعة قصيرة من صوف.
* * * * قال عمر رضي الله تعالى عنه: إن سمرة بن جندب باع خمراً، قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لعن الله اليهود حُرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها.
جمل الشحم يجمله: أذابه.
والمعنى أنه خلل الخمر ثم باعها، فكان ذلك مضاهياً لفعل يهود في إذابتهم الشحم حتى يصير ودكا، ثم بيعهم له متوهمين أنه خرج عن حكم الأصل بالإذابة.
* * * * قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه: قلت: يا رسول الله؛ كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وعشرون ألفاً. قلت: كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وئلائة عشر جمَّاءً غفيراً! قلت: من أولهم؟ قال: آدم. قلت: أنبي مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيدهن ونفخ فيه من روحه، ثم سوَّاه قِبَلا - وروى: قَبَلا، وقُبَلا.
ذكر سيبويه: الجماء الغفير في باب: ما يُجعل من الأسماء مصدراً كطرًّا وقاطبة، وكأنه قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: هم كذا وكذا جمعاً لهم وحصرا واستغراقاً.
والكلمتان من الجموم، وهو الاجتماع والكثرة، ومن الغفر وهو التغطية، فجعلتا في موضع الشمول والإحاطة.
وعن المازني: لم تقل العرب الجماء إلا موصوفاً، ويقال: جاءوا جماًّ غفيراً، والجماء الغفير، والجمَّ الغفير. وعن بعضهم: جم الغفير، وجماء الغفير، وجماء الغفيرة، وجماء الغفيري.
قِبَلا وقُبَلا: مقابلة ومشاهدة، وقَبَلا: استقبالا واستئنافاً، يقال: لا آتيك إلى عشر من ذي قبل: من قبل، أي من زمانٍ نشاهده، ومن ذي قبل، أي من زمان يستقبلنا.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - إن أهل الكوفة لما وفدوا إليه العلباء بن الهيثم السدوسي، فرأى عمر هيئة رثة، وما يصنع في الحوائج. قال: لكل أناس في جميلهم خبر - وروى في بعيرهم.
وهو مثل يضرب في نعرفة القوم بصاحبهم؛ يريد أن قومه لم يسودوه إلا لمعرفتهم بشأنه، وكان العلباء دميما أعور باذَّ الهيئة، وكان الرجل إذا حزب أمرٌ.
* * * * سأل الحطيئة عن عبس ومقاومتها قبائل قيس، فقال: يا أمير المؤمنين؛ كنا ألف فارسٍ، كأننا ذهبة حمراء، لا نستجمر ولا نحالف.
أي لا نسأل غيرنا أن يتجمعوا إلينا لاستغنائنا بأنفسنا من الجمار - بفتح الجيم: وهو الجماعة، وتجمرت القبائل: اجتمعت.
* * * * لا تجمروا الجيش فتفتنوهم.
وهو أن يحبسوا في الثغر، ور يؤذن لهم في القفول.
* * * * الخدري رضي الله عنه - بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا.
الجمع: صنوف من التمر تجمع.
والجنيب: نوع منه جيد، وكانوا يبيعون صاعين من الجمع بصاع من الجنيب، فقال ذلك تنزيها لهم عن الربا.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - أمرنا أن نبني المساجد جُمًّا والمدائن شُرفا.
الجم: التي لا شُرف لها، من الشاة الجماء، وهي خلاف القرناء. والشرف: التي لها شُرف.
* * * * أنس رضي الله تعالى عنه - توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والوحي أجمُّ ما كان، لم يفتر عنه.
أي أكثر ما كان؛ من جم الشيء جموما.
* * * * معاوية رضي الله تعالى عنه - قال له ابن الزبير: إنا لا ندع مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه، ويضرب صفاتها بمعوله، ولولا مكانك لكان أخف على رقابنا من فراشة، وأقل في أنفسنا من خشاشة، وأيم الله لئن ملك أعنة خيل تنقاد له ليركبن منك طبقاً تخافه.
فقال معاوية: يا معشر قريش؛ ما أراكم منتهين حتى يبعث الله عليكم من لا تعطفه قرابة، ولا يذكر رحما، يسومكم خسفاً، ويوردكم تلفا.
قال ابن الزبير: إذن والله نطلق عقال الحرب بكتائب تمور كرجل الجراد، على حافتيها الأسل، لها دوي كدوي الريح، تتبع غطريفا من قريش، لم تكن أمه براعية ثلة.
فقال معاوية: أنا ابن هند، أطلقت عقال الحرب، فأكلت ذروة السنام، وشربت عنفوان المكرع، إذ ليس للآكل إلا الفلذة وللشارب إلا الرنق والطرق.
جمهور الناس: معظمهم، وجمعه جماهير، وقد يقال له: جرهوم وجراهيم.
المشقص: من النصال: ما طال وعرض. وعن الأصمعي أنه الطويل غير العريض.
الصفاة والصفوانة: الحجر الأملس.
الفراشة: التي تتهافت في النار.
الخشاشة: واحدة الخشاش، وهي الهوام.
الطبق: جمع طبقة، وهي منزلة فوق منزلة. قال الله تعالى: (لَتْركَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق)، ومنه طبق الظهر، وهو فقاره.
والمعنى: ليركبن منك أحوالا ومنازل في العداوة مخوفة.
سامه خسفاً: إذا ألزمه إياه قسراً وإجباراً، من سوم العالة، وهو أن تكره ويداوم عليها حتى تشرب، يقال: سام ناقته سوما.
والخسف: حبس الدابة على غير علف، فوُضع موضع الإذلال.
نُطلق: منصوب بإذن لكونها مبتدأة غير معتمدة، وكون الفعل مستقبلا غير حاضر.
رجل الجراد: القطعة منه التي قوي بعضها ببعض - عن المبرد.
الغطريف: السيد.
الثلة: الجماعة من الضأن.
العنفوان: الأول، وزنه فعلوان، من اعتنف الشيء إذا ابتدأه، ولو جعل العين بدلا من الهمزة لم يبعد، لقولهم: أنفوان وائتنف الشيء.
الفلذة: القطعة من الكبد.
الرَّنْق: الرَّنِق، وهو الكدر.
الطرق: الماء الذي طرقته الدواب؛ أي خاضته، وبالت فيه، وبعرت؛ فتعير واصفرَّ، سُمي بالمصدر.
ضرب ذلك مثلا لعزه ومذلتهم وتقدمه وتخلفهم.
* * * * عائشة رضي الله تعالى عنها - بلغها أن الأحنف قال شعراً يلومها فيه، فقالت: لقد استفرغ حلم الأحنف ججاؤه إياي، أبي كان يستجم مثابه سفهه؟ إلى الله أشكو عقوق أبنائي! استجم البئر: تركها أياما لا يستسقي منها حتى يجتمع ماؤها، كأنه طلب جمومها.
والمثابة: الموضع الذي يثوب منه الماء.
أرادت أنه كان يحلم عن الناس، ولا يتسافه عليهم، فكأنه كان يجمع سفهه.
أَبي: أي بسببي، ومن أجلي.
* * * *
عاصم رحمه الله - لقد أدركت أقواما، يتخذون هذا الليل جملا يشربون النبيذ، ويلبسون المعصفر، منهم زر بن حبيش وأبو وائل.
هي عبارة عن قيام الليل والتهجد.
* * * * في الحديث - إن ابن آدم عليه السلام رمى إبليس بمنى، فأجمر بين يديه؛ فسميت الجمار به الجمار.
أي أسرع. قال لبيد:
فإذا حَرَّكْتُ غَرْزِي أَجْمَرت
* * * * كان في جبل تهامة جُمَّاع قد غصبوا المارة من كنانة ومزينة وحكم والقارة.
الجمّاع: الأُشابة من قبائل شتى. قال ابن الأسلت:
مِنْ بَيْن جمْعٍ غَيْر جُمَّاع
* * * * إذا وضعت الجوامد فلا شفعة.
هي الحدود، جمع جامد.
* * * * من جمع في " غل " . جمز في " ذل " . جملاء في " سن " . بخبت الجميش في " جز " . جماليا في " صه " . جمعاء في " فط " . وإذا استجمرت في " نث " . مجمعا في " نس " . ولا تجمّروهم في " كف " . جُمَّاع في " شع " . جامساً في " مي " . جمس في " سن " . أجمر ما كانوا في " خم " .
* * * * النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أمر بالتجنح في الصلاة، فشكا ناس إليه الضعف، فأمرهم أن يستعينوا بالركب.
التجنح والاجتناح في السجود: أن يعتمد على راحتيه مجافيا لذراعيه غير مفترشهما؛ من قول ابن الرقاع يصف ثور الوحش:
يبيتُ يَحْفِر وَجْهَ الأرض مُجْتَنِحا ... إذا اطمأنَّ قليلا قامَ فانْتَقلا
وفي حديثه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إنهم شكوا إليه الاعتماد في السجود؛ فرخَّص لهم أن يستعينوا بمرافقهم على ركبهم.
* * * * ذكر الشهداء، فقال: والمجنوب في سبيل الله شهيد.
هو الذي به ذات الجنب.
دخل مكة فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالد بن الوليد على اليسرى، وبعث أبا عبيدة على الحبس أو الحسَّر.
المجنبتان: جناحا العسكر.
الحُبسُ: الرَّجالة، سُموا بذلك لحبسهم الخيالة ببطء مسيرهم، كأنه جمع حبوس، أو لأنهم يتخلفون عنهم وتحبسهم الرجلة عن بلوغهم، كأنه جمع حبيس.
والحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا بيضة عليه.
* * * * لا يضر المرأة الحائض والجنب لألاّ تنقض شعرها إذا أصاب الماء سور الرأس - روى: شوى رأسها.
الجنب: يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والاثنان والجمع. وقد يقال: جنبون وجنبات وأجناب.
سور الرأس: أعلاه.
والشوى: جمع شواة وهي فروته.
* * * * عن علي بن الحسين عليهما السلام - جنأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بيده في يوم حارّ وقال: من أحب أن يظله الله من فور جهنم يوم القيامة فلينظر غريما أو ليدع معسرا.
يريد حناها، والأجنا: الذي في كاهله انحناء على صدره وليس بالاحدب.
وتيس أجنأ: الذي انحنى قرناه على جنبيه وصليف عنقه.
* * * * عن عمر رضي الله تعالى عنه - إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رجم يهودياً ويهوديةً، فقد رأيته يجانئ عليها يقيها الحجارة بنفسه - وروى: فعلق الرجل يجنئ عليها.
يقال: جنأ عليه إذا عطف جنوءاً، وأجنأه عليه، ومنه المجنأ؛ وهو الترس.
والقبر المجنأ: المسنم. وجانأه: بمعنى أجنأه، كباعده وأبعده، وعالاه وأعلاه، والمعنى: يعطف عليها نفسه.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - أفطر في شهر رمضان وهو يرى أن الشمس قد غربت، ثم نظر فإذا الشمس طالعة. فقال: لا نقضيه، ما تجانفنا فيه لإثم.
التجانف: الميل، والجنف والإجناف كذلك.
ومنه حديث عروة: يردُّ من صدقة الجانف في مرضه ما يرد من وصيه المجنف عند موته.
* * * * ابن عباس رضي الله عنه - الجان مسيخ الجن، كما مسخت القردة من بني إسرائيل.
هو العظيم من الحيات.
ومنه حديث ابن واثلة رحمه الله: أقبل جان فطاف بالبيت سبعاً، ثم انقلب حتى إذا كان ببعض دور بني سهم عرض له شاب من بني سهم أحمر أكشف، أزرق أحول أعسر، فقتله، فثارت بمكة غبرة حتى لم تبصر لها الجبال.
الأكشف: الذي له في قصاص الناصية شعرات ثائرة، وقد يتشاءم به.
ومنه حديث القاسم رحمه الله: إنه سُئل عن قتل الجان؛ فقال أمر بقتل الأيم منهن.
الأيم والأين: ما لطف منها.
ويجمع على جنَّان، ونظيره غائط وغيطان، وحائط وحيطان.
ومنه الحديث - في كسح زمزم أن العباس قال: يا رسول الله؛ إن فيها جنَّانا كثيرة.
ومنه حديث آخر: إنه نهى عن قتل النَّجان التي تكون في البيوت.
* * * * علي بن الحسين عليهما السلام - مدحه الفرزدق فقال:
في كَفِّهِ جُنَهٌّي رِيْحُهُ عَبِقٌ ... مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ في عِرْنِيِنه شَمَمُ
قال القتيبي: الجنهي: الخيزران. ومعرفتي بهذه الكلمة عجيبة، وذلك أن رجلا من أصحاب الغريب سألني عنه فلم أعرفه، فلما أخذت من الليل مضجعي أتاني آت في المنام فقال لي: ألا أخبرته عن الجهني؟ قلت: لم أعرفه. قال: هو الخيزران! فسألته شاهداً، فقال: هدية طرفنه. في طبق مجنَّه.
فهببت وأنا أكثر التعجب، فلم ألبث إلا يسيرا حتى سمعت من ينشد: في كفه جنهي... وكنت أعرفه: في كفه الخيزران.
* * * * مجاهد رحمه الله - قال في قوله تعالى: (متاعاً لَكُمْ ولِلسيَّارة)؛ أجناب الناس كلهم. هم الغرباء، الواحد جُنُب. قالت الخنساء:
ابكي أخاك لأَيْتَامٍ وأَرْملة ... وابكي أخاك إذا جاورْتِ أَجْنَابا
* * * * الحجاج - نصب على البيت منجنيقين ووكل بهما جانقين، فقال أحد الجانقين عند رميه:
خَطَّارَةٌ كالجملِ الفَنِيقِ ... أَعْدَدتُها للمَسْجِد العَتِيق
الجانق: الرامي بالمنجنيق، وقد جنق يجنق.
وقال الشيخ أبو علي الفارسي: الميم في منجنيق أصل، والنون التي تلي الميم زائدة، فأما جنق ففيه بعض حروف المنجنيق، وليس منه؛ كقولهم: لأل وليس من اللؤلؤ، والمنجنيق مؤنثة، ولهذا قال: " خطارة " ، شبهها بالفحل، ووصفها بما يوصف به من الخطران، وهو تحريكه ذنبه للصيال أو للنزاء.
والفنيق: الفحل، ويجمع على فنق وأفناق.
* * * * في الحديث - الجانب المستغزظ يثاب من هبته.
الجانب: الغريب.
والمستغزر، من استغزر الرجل: إذا طلب أكثر مما أعطى.
والمراد أن الرجل الغريب إذا أهدى إليك شيئاً لتكافئه وتزيده فأثبه من هديته وزده.
* * * * لا جنب في " جل " . جناب الهضب في " نص " . بالجنبة في " كس " . أخفوا الجنن في " زن " . ظهر المجن في " كل " . جنابيه في " قح " .
* * * *
الجيم مع الواو
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال له حمل بن مالك بن النابغة: إني كنت بين جارتين لي، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميتاً وماتت؛ فقضى بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، وجعل في الجنين غُرَّة عبداً أو أمة.
كنوا عن الضرة بالجارة تطيرا من الضرر.
وحكى أنهم كانوا يكرهون أن يقولوا: ضرة، ويقولون: إنها لا تذهب من رزقها بشيء.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إنه كان ينام بين جارتيه.
المسطح: عمود الخباء: لأنه يسطح به، أي يمد.
العاقلة: القرابة التي تعقل عن القاتل؛ أي تعطي الدية من قبله.
غرة: أي رقيقاً أو مملوكا، ثم أبدل منه عبداً أو أمة. قال ابن أحمر:
إنْ نحن إلاّ أُناس أهل سَائمةٍ ... ما إنْ لَنَا دونها حَرْث ولا غُرَر
أي أرقاء. وقال آخر:
كلُّ قَتيلٍ في كُلَيْبِ غُرّه
أي هم كالمماليك في جنبه، وإنما قيل للرقيق غرَّة؛ لأنه غرة ما يملك: أي خيره وأفضله.
وقيل: أُطلق اسم الغرة وهي الوجه على الجملة، كما قيل: رقبة ورأس، فكأنه قيل جعل فيه نسمة عبداً أو أمة.
وقيل: أراد الخيار دون الرذُّال.
وعن أبي عمرو بن العلاء: لولا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أراد بالغرة معنى لقال: في الجنين عبداً أو أمة، ولكنه عنى البياض، ولا يقبل في الدية إلا غلام أبيض، أو جارية بيضاء.
* * * * قالت عائشة رضي الله عنها: كان إذا دخل علينا لبس مجولاً.
هو ثوب يثنى ويخاط من أحد شقيه، ويجعل له جيب يلبس ويجال به في البيت.
* * * * إن رجلا قال له: يا رسول الله؛ إنا قوم نتساءل أموالنا. فقال: يسأل الرجل في الجائحة والفتق، فإذا استغنى أو كرب استعف.
الجائحة: اسم فاعلة من جاحته تجوحه: إذا استأصلته، وهي المصيبة العظيمة في المال التي تهلكه.
ومنه حديثه: إنه أمر بوضع الجوائح.
قيل: هي كل ما أذهب الثمرة أو بعضها من أمر سماوي بغير جناية آدمي.
وتقديره بوضع ذوات الجوائح، أي بوضع صدقات ذات الجوائح، فحذف الاسمان، ونظيره قوله:
وناقتي النَّاجِي إليك بَريدها
قال أبو علي: أي ذو سير بريدها.
الفتق: أن تقع الحرب بين فريقين، فتقع بينهم الدماء والجراحات؛ فيتحملها رجل ليصلح بينهم، فيسأل فيها حتى يؤديها.
وقيل: هو الجدب والشدة.
كرب: قرب من ذلك.
* * * *
قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: استحيوا من الله. ثم قال: الاستحياء من الله ألا تنسوا المقابر والبلى، وألا تنسوا الجوف وما وعى، وألا تنسوا الرأس وما احتوى.
ما وعاه الجوف، وهو داخل البطن: المأكول والمشروب.
وما احتواه الرأس: السمع والبصر واللسان.
والمعنى: الحث على الحلال من الرزق، واستعمال هذه الجوارح فيما رضى الله استعمالها فيه.
* * * * دخل صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها، وعندها رجل؛ فقالت: إنه أخي من الرضاعة. فقال: انظرن ما إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة.
هي الجوع، وفي وزنها ومعناها المخمصة.
والمعنى أن الرضاع إنما يعتبر إذا لم يشبع الرضيع من جوعه إلا اللبن، وذلك في الحولين، فأما رضاع من يشبعه الطعام فلا.
* * * * جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أُزراً بينهم عامتهم من مضر؛ فتغير وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما رأى بهم من الفاقة، ثم حث على الصدقة.
أي مقتطعي النمار؛ وهي أكسية من صوف، واحدتها نمرة.
أُزراً بينهم: انتصابه على الحال من الضمير في عراة، وجعله حالا من قوم غير ضعيف لأنه موصوف.
* * * * أتته امرأة فقالت: إني رأيت في المنام كأن جائز بيتي قد انكسر. فقال: خيرٌ! يرد الله غائبك.
فرجع زوجها ثم غاب ورأت مثل ذلك، فلم تجد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فوجدت أبا بكر فأخبرته، فقال: يموت زوجك.
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل قصصتها على أحد؟ قالت: نعم. قال: هو كما قيل لك.
الجائز الذي توضع عليه أطراف العوارض، وجمعه أجوزة وجوزان.
* * * * الضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فهو صدقة، وجائزته يومه وليلته، ولا يثوى عنده حتى يحرجه.
الجائزة من أجازه بكذا: إذا أتحفه وألطفه، كالفاضلة واحدة الفواضل، من أفضل عليه.
يثوى - من الثواء: وهو الإقامة.
الإحراج: التضييق.
والمعنى أنه يحتفل له في اليوم الأول، ويقدم إليه ما حضره في الثاني والثالث، وهو فيما وراء ذلك متبرع، إن فعل فحسن وإلا فلا بأس به كالمتصدق، وعلى الضيف ألا يطيل الإقامة عنده حتى يضيق عليه.
* * * * في الرهط العرنيين: قدموا المدينة فاجتووها، فقال: لو خرجتم إلى إبلنا فأصبتم من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فمالوا على الرعاء فقتلوهم، واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، فبعث في طلبهم قافة، فأُتي بهم فأمر فقُطعت أيديهم وأرجلهم، وسَمَّل أعينهم - وروى: وسمر أعينهم.
قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا عطشا.
اجتواء المكان: خلاف تنعمه، وهو ألا تستمرئ طعامه وشرابه ولا يوافقك.
القافة: جمع قائف، وهو الذي يقوف الآثار؛ أي يقفوها.
سمل أعينهم: أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها.
وسمرها: أحمى لها مسامير فكحلهم بها.
الكدم: العض.
قيل: وقع الترخيص في إصابة بول الإبل للتداوي لهؤلاء خاصة، وذلك في صدر الإسلام ثم نُسخ. وقيل: للمتداوي أن يصيبه كأكل الميتة لكسر عادية الجوع.
وأما المثلة بهم فلأنهم كانوا مثلوا بيسار مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه، فأثدخل المدينة ميتا، فجازاهم لقوله تعالى: (فعَاقِبوا بمثلِ ما عُوقبتم به). نزل في قتلى أُحد ومثلة المشركين بهم وقول المسلمين عند ذلك: لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم أعظم مما مثلوا.
* * * * قال له رجل: يا رسول الله؛ أي الليل أجوب دعوة؟ قال: جوف الليل الغابر.
أجوب: كأنه في التقدير من جابت الدعوة بوزن فعلت كطالت، أي صارت مستجابة، كقولهم في فقير وشديد: كأنهما من فقر وشدد؛ وليس ذلك بمستعمل.
ويجوز أن يكون من جبت الأرض: إذا قطعتها بالسير، على معنى أمضى دعوة، وأنفذ إلى مظان التقبل والإجابة.
* * * * عمر رضي الله عنه - لما قدم الشام أقبل على جمل، عليه جلد كبش جونيّ، وزمامه من خلب النخل.
الجون: الأسود، وقد يقال للأحمر: جون، كما يقال له: أسود. قال في صفة الشقشقة:
في جَوْنَةٍ كَقَفَدَانِ العطَّارْ
والياء للمبالغة كقولهم: أحمري وأسودي.
الخلب: الليف.
* * * * علي عليه السلام - لأن أطلى بجواء قدر أحب إلى من أطلى بزعفران.
جواء القدر: سوادها. وهو من قولهم: كتيبة جأواء.
العين همزة واللام واو. وأصله جئاء، إلا أنه استثقلت همزتان بينهما ألف، فقلبت الأولى واوا كما في ذوائب.
* * * * سأله رجل عن الوتر، فلم يرد عليه شيئاً، وقام من جوز الليل ليصلي، وقد طرَّت النجوم، فقال: والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس. أين السائل عن الوتر؟ نعم ساعة الوتر هذه! جوز الليل: وسطه.
طرَّت النجوم: طلعت - وروى: طرَّت: أي أضاءت، من طررت السيف: إذا صقلته.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - أقرض رجلا دراهم، فأتاه بها، فقال حين قضاه: إني قد تجودَّتها لك من عطائي. فقال عبد الله: أذهب بها فاخلطها ثم اءتنا بها من عرضها.
التجود: تخير الأجود.
العرض: الجانب: أي خذها من جانب من جوانبها من غير تخير.
* * * * حذيفة رضي الله تعالى عنه - لقد تركنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ونحن متوافرون، وما منا أحد لو فتش إلا فتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابن عمر.
ضرب الجائفة - وهي الطعنة الواصلة إلى الجوف، والمنقلة: وهي التي ينقل منها العظام - مثلا للمعايب.
وفي معناه قول جابر: ما منا أحد إلا وقد مالت به الدنيا إلا عمر وابن عمر.
* * * * سلمان رضي الله تعالى عنه - إن لكل امرئ جوانيا وبرانيا، فمن يصلح جوانيه يصلح الله برانيه، ومن يفسد جوانيه يفسد الله برانيه.
الجواني: نسبة إلى الجوّ، وهو الباطن، من قولهم: جوّ البيت لداخله.
والبراني: إلى البر، وهو الظاهر، من قولهم للصحراء البارزة: بر وبرية، وللباب الخارج: براني. وزيادة الألف والنون للتأكيد.
والمعنى أن لكل امرئ سرًّا وشأناً باطنا وعلناً وشأناً ظاهرا.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - ستة لا يدخلون الجنة، فذكر الجوَّاظ والجعثل والقتَّات. فقيل له: ما الجعثل؟ فقال: الفظ الغليظ.
جاظ الرجل جوظاً وجوظانا: إذا اختال من سمن وثقل في بدنه. ومنه الجوَّاظ. وقيل: هو الجموع المنوع.
الجعثل: مقلوب العثجل، وهو العظيم البطن.
القتَّات: النمَّام.
* * * * شريح رحمه الله - خاصم إليه محمد بن الحنفية رحمه الله غلاما لزياد، في برذونة باعها، وكفل له الغلام، فقال محمد: حيل بيني وبين غريمي، واقتضى مالي مسمَّى، واقتسم مال غريمي دوني.
فقال شريح: إن كان مجيزاً كفل لك غرم، وإن كان اقتضى لك مالك مسمَّى فأنت أحق، وإن كان الغرماء أخذوا ماله دونك فهو بينكم بالحصص.
أراد بالمجيز: المأذون له في التجارة؛ لأنه يجيز الشيء، أي يمضيه وينفذه بسبب الإذن له، ويقال للولي والوصي: مجيز أيضا.
ومنه حديثه الآخر: إذا باع المجيزان فالبيع للأول، وإذا أنكح المجيزان فالنكاح للأول.
اقتضى مالك مسمى: أي أن تقاضاه وقبضه على اسمك وعلى أنه لك فأنت أحق به، وإن كان الغرماء أخذوا المال دونك فأنت غريم كبعضهم، ولك فيه حصةٌ على قدر مالك.
* * * * عطاء رحمه الله - سئل عن المجاور إذا ذهب للخلاء أيمر تحت سقف؟ قال: لا. قيل: أفيمر تحت قبوٍ مقبوّ من لبن أو حجارة ليس فيه عتب ولا خشب؟ قال: نعم.
المجاور: المعتكف.
القبو: الطاق.
مقبو: معقود. ومنه: كان يقال لضم الحرف قبو، وحرف مقبو.
العتب: الدرج.
* * * * الحجاج - أتى بدرع حديد، فعُرضت عليه في الشمس، وكانت الدرع صافية، فجعل لا يرى صفاءها، فقال له الرجل - وكان فصيحا: الشمس جونة - وروى عرضها عليه في الشمس، فقال له الحجاج: الشمس جونة.
أي نحها عن الشمس، فقد قهرت لون الدرع.
والجونة هنا: البيضاء الشديدة البياض، والجون من الأضداد.
* * * * وأجيفوا في " خم " . لم تجز عليه في " رح " . المجيد في " ضم " . جيدوا في " عذ " . ذي المجاز في " عن " ز أجون في " قع " . إلا جوراً في " نط " . جولة في " وج " ز جوح الدهر في " عش " . فجوب في " فر " . فسرت إليه جوادا في " ذر " . قطعة الجائز في " رض " . جوّفوه في " قر " . ليس لك جول في " حد " . أجواز الإبل في " ضح " . وتستجيل في " صب " .
* * * *
الجيم مع الهاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كان بالحديبية فأصابهم عطش، قال: فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يقال: جهش إليه، وأجهش: إذا فزع اليه، كأنه يريد البكاء فزع الصبي إلى أبويه.
* * * *
بينا هو في مسير له نزل بأرض جهاد - وروى: بينا هو يسير على أرض جرز مجدبة مثل الأيم، فقال للناس: احطبوا، فتفرق الناس فجاء بعود، وجاء ببعرة، حتى ركموا؛ فكان سواداً، فقال: هذا مثل ما تحقرون من أعمالكم.
الجهاد والجرز بمعنى، وهي التي لا نبات بها ولا ماء.
الأيم: الحية، شبه الأرض في ملاستها.
السواد: الشخص.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - إذا رأيناكم جهرناكم.
أي وجدناكم عظاماً في الأعين معجبة أجسامكم، يقال: جهرني فلان: راعني بجسمه وهيئته؛ وجهرته: رأيته كذلك.
* * * * محمد بن مسلمة رضي الله عنه - قصد يوم أُحد رجلا قال: فجاهضني عنه أبو سفيان. أي مانعني وعاجلني بذلك. من قولهم: أجهضته عن كذا، إذا نحيته عنه بعجلة.
* * * * في الحديث: من استجهل مؤمنا فعليه إثمه.
أي حمله على الجهل والسفه بشيء أغضبه به، فأخرجه من خُلُقه.
* * * * فجهجأه في " حش " . أجهضوهم في " حو " . لا تُجهده في " دع " . واجتهر في " سح " . أجهشت في " سا " .
* * * *
الجيم مع الياء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - عن ابن عمر: بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سرية، فلقوا العدو، فجاض المسلمون جيضة، فأتيت المدينة، فقلنا: يا رسول الله؛ نحن الفرارون، فقال: بل أنتم العكاّرون، وأنافئتكم - وروى: فحاص الناس حيصة.
ومعنى الكلمتين واحد هو الحيدودة حذراً.
العكَّار: الكَّرار. ذهب في قوله: أنافئتكم إلى قوله تعالى: (أو مُتحَيِّزاً إلى فِئَةٍ). يُمهد بذلك عذرهم في الفرار.
* * * * البراء بن مالك رضي الله عنه - شهدت المدينة فكفُّونا أول النهار، فرجعت من العشي فوجدتهم في حائط، فكأن نفسي جاشت؛ فقلت: لا وألت، أفراراً من أول النهار، وجبنا آخره! فانقحمت عليهم.
جاشت: ارتفعت، من الارتياع وغلت.
وألت: نجوت.
* * * * فجاش في " خب " . جيشات في " دح " . الجية في " مخ " . فتجيشت في " حي " .
آخر الجيم ولله الحمد والمنة
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الحاء
الحاء مع الباء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة.
الحبل: مصدر سمي به المحمول، كما سمي بالحمل؛ وإنما أدخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه؛ لأن معناه أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة، على تقدير أن يكون أُنثى، وإنما نهى عنه لأنه غرر.
* * * * يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره.
الحبر: أثر الحسن والبهاء، من حبرت الشيء وحبَّرته.
والسبر: ما عُرف من هيئته وشارته، من السبر؛ وهو تعرّف الشيء.
عن أبي عمرو بن العلاء: أتيت حيا من أحياء العرب، فلما تكلمت قال بعض من حضر: أما اللسان فبدوي، وأما السبر فحضري - وقد روي فيهما الفتح.
* * * * قال في السقط: يظل محبنطياً على باب الجنة.
احبنطيت: من حبط، إذا انتفخ بطنه، كاسلنقيت من سلقه: إذا ألقاه على ظهره، والنون والياء زائدتان.
والمعنى أنه يظل منتفخا من الغضب والضجر - وقد روى مهموزا.
* * * * في صفة الدجال: رأسه حبك.
الحبك: هي الطرائق، واحدها حباك أو حبيك، أو هو جمع حبيكة.
ومنه حديث قتادة رحمه الله: الدجال قصد من الرجال، أجلى الجبين، برَّاق الثنايا، محبك الشعر - وروى: محبل.
أي كل قرن من قرونه حبل، لأنه جعله تقاصيب.
* * * * إن الأنصار لما أرادوا أن يبايعوه قال أبو الهيثم بن التيهان: يا رسول الله؛ إن بيننا وبين القوم حبالا، ونحن قاطعوها؛ فنخشى إن الله أعزك وأظهرك أن ترجع إلى قومك.
فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم - وروى: بل اللدم اللدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أُحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم.
الحبال: العهود.
والهدم بالسكون: أن يُهدم دم القتيل، أي يهدر، يقال: دماؤهم هدم بينهم.
والمعنى دمكم دمي وهدمكم هدمي، يريد إن طلب دمكم فقد طلب دمي، وإن أُهدر فقد أهدر دمي لاستحكام الألفة.
وأما اللدم: فهي الحرام، جمع لادم، لأنهن يلتد من على صاحبهن إذا هلك.
والهدم: المنزل، وهو فعل بمعنى مفعول، لأنه يهدم؛ أي حرمي حرمكم، ومنزلي منزلكم.
وقيل: المراد بالهدم: القبر، أي وأُقبر حيث تقبرون؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لهم: المحيا محياكم، والممات مماتكم.
* * * *
إن رجلا أحبن أصاب امرأة، فسُئل، فاعترف، فأمر به فجُلد بأُثكول النخل - وروى: بإثكال النخل.
الأحبن: الذي به حبن وهو السقي.
* * * * وعن الأصمعي: إن رجلا تجشأ في مجلس، فقال له رجل: أدعوت على هذا الطعام أحداً؟ قال: لا. قال: فجعله الله حبناً وقداداً.
الأُثكول والإثكال: الشمراخ.
* * * * الخيل ثلاثة: أجر، وستر، ووزر؛ فأما الأجر فرجل حبس خيلاً في سبيل الله فما سنَّت له شرفاً إلا كان له أجر. ورجل استعف بها وركبها ولم ينس حق الله فيها، فذلك الذي له ستر. ورجل حبس خيلاً فخراً ونواءً على أهل الإسلام، فذلك الذي عليه الوزر.
حبس فرساً في سبيل الله وأحبس: إذا وقفه، فهو حبيس ومُحبس.
سنَّت: من سن الفرس إذا لج في عدوه.
والشرف: الطلق، يقال: عدا شرفاً.
النواء: المناوأة، وهي المناهضة في المباهاة. قال:
بَلَّتْ يَداه في النِّواء بفارسٍ ... لا طَائِشٍ رَعِشٍ ولا وَقَّافِ
* * * * إن رجلا كان اسمه الحباب، فسماه عبد الله. وقال: إن الحباب اسم شيطان.
اشترك الشيطان والحية في الحباب، كما اشتركا في الشيطان والجان وأبي قترة.
* * * * في قصةبدر: إن رجلا من غفار قال: أقبلت وابن عم لي حتى صعدنا على حبل، ونحن مشركان على إحدى عجمتي ندرٍ - العجمة الشامية - ننتظر الوقعة.
الحبل: الممتد من الرمل.
والعجمة: المتراكم منه المشرف على ما حوله.
* * * * قال لعمر رضي الله عنه في نخل له أراد أن يتقرب به صدقة إلى الله: حبس الأصل، وسبَّل الثَّمرة.
أي اجعله حبيساً وقفاً مؤبدا لا يباع ولا يوهب ولا يورث، واجعل ثمرته في سبل الخير.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - قال لرجل من أهل الطائف: الحبلة أفضل أم النخلة؟ وجاء أبو عمرة عبد الرحمن بن محصن الأنصاري - قال: الزبيب إن آكله أضرس، وإن أتركه أغرث، ليس كالصقر في رءوس الرقل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، خرفة الصائم، وتحفة الكبير، وصمتة الصغير، وخرسة مريم، وتحترش به الضباب من الصلعاء.
الحبلة: الكرمة.
ومنه الحديث: لما خرج نوح عليه السلام من السفينة غرس الحبلة.
ومنه حديث أنس رضي الله عنه: إنه كانت له حبلة تحمل كُرَّا، وكان يسميها أم العيال.
أضرس. من الضرس الأسنان.
أغرث: أي أجوع؛ يريد أنه إذا أكل الزبيب ثم تركه تركه وهو جائع، لأنه لا يعصم كما يعصم التمر.
الصقر: عسل الرطب.
الرَّقل: النخيل الطوال.
الوحل: لغة في الوحل وهو الطين.
خرفة الصائم: أي مخترفه، أي مجتناه، وقد استحب الإفطار بالتمر.
وعن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد تمراً فإن الماء طهور.
الصُّمتة: ما يُصمت به.
الخرسة: ما تطعمه النفساء؛ أراد قوله تعالى: (تُساقِطْ عليكِ رُطَباً جَنِيّا).
الصلعاء: الصحراء التي لا نبات فيها، من الصلع.
واحتراش الضب: اصطياده. يقال إنه يعجب بالتمر جداً.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - كل شيء يحب ولده حتى الحباري.
جصها لأنها موصوفة بالموق. وقد شرحت ذلك في كتاب " المستقصي من أمثال العرب " .
* * * * عبد الرحمن رضي الله عنه - قال يوم الشورى: يا هؤلاء؛ إن عندي رأيا، وإن لم نظرا، إن حابياً خير من زاهق، وإن جرعة شروب أنفع من عذب موب، وإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيوب في الكلم؛ فلا تُطيعوا الأعداء وإن قربوا، ولا تفلوا المدى بالاختلاف بينكم؛ ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم؛ فيوتروا ثأركم، وتؤلتوا أعمالكم - وروى: ولا تؤبروا آثاركم، فتؤلتوا دينكم - لكل أجل كتاب، ولكل بيت إمام، بأمره يقومون، وبنهيه يرعون؛ قلدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل، مأمون الغيب على ما استكن، يقترع منكم، وكلكم منتهي، يرتضي منكم، وكلكم رضا.
ضرب الحابي - وهو السهم الذي يزلج على الأرض ثم يصيب الهدف، والزاهق - وهو الذي يجاوزه، من زهق الفرس: إذا تقدم أمام الخيل - مثلاً لوال ضعيفٍ ينال الحق أو بعضه، ولآخر يجاوز الحقَّ ويتخطاه.
والشَّروب: وهو الماء الملح الذي لا يُشرب إلا عند الضرورة. والعذب الموبئ: وهو الذي يورث وباءً - مخففة - مثلاً لرجلين: أحدهما أدون وأنفع، والثاني أرفع وأضر.
السيوب: مصدر ساب في الكلام إذا هضب فيه وخاض بهذرٍ؛ يريد أن التلطف في الكلام والتقلل منه أبلغ من الإكثار.
وترته: أصبته برتر، وأوترته: أوجدته ذلك.
والثأر: العدو؛ أي لا توجدوا عدوكم الوتر في أنفسكم.
وتؤلتوا: تنقصوا، يقال: آلته بمعنى ألته.
التوبير: تعفية الآثار، من توبير الأرنب، وهو مشيها على وبر قوائمها لئلا يقتص أثرها.
يرعون: يكفون. يقال: ورَّعته فورع يرع، كوثق يثق ورعا ورعة.
على ما استكن: أي تأمنون غيبه على ما استتر من أمركم عليكم فلا يخونكم. يقترع: يُختار. ومنه القريع.
* * * * سعد رضي الله تعالى عنه - لقد رأينا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وما لنا طعامٌ إلا الحبلة وورق السمر، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، لقد ظللت إذن وخاب عملي! الحبلة: ثمر السمر، مثل اللوبياء - عن ابن الأعرابي.
تعزرني؛ من عزره على الأمر، وعزره: إذا أجبره عليه ووقفه بالنهي عن معاودة خلافه؛ قال هذا حين شكاه أهل الكوفة إلى عمر، وقالوا: لا يُحسن الصلاة، فسأله عمر عن ذلك، فقال: إني لأُطيل بهم في الأوليين، وأحذف في الأُخريين، وما آلو عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
فقال عمر: كذلك عهدنا الصلاة - وروى: كذلك الظن بك يا أبا إسحاق.
* * * * سأل عنه عمر عمرو بن معد يكرب، فقال: خير أمير، نبطي في حبوته - وروى: جبوته، عربي في نمرته، أسد في تامورته - وروى: ناموسته، يعدل في القضية، ويقسم بالسوية، وينقا إلينا حقنا كما تنقل الذرة.
الحبوة، من الاحتباء وهي للعرب خاصة، كما يقال: حبى العرب حيطانها، وعمائمها تيجانها.
والجبوة: الجباية، يقال: جبوة وجبية وجباوة.
يريد أنه كالنبطي في علمه بالعمارة، وهو في حبوة العرب.
وإذا روى بالجيم فمعناه هو كالنبطي في علمه بأمر الخراج.
النمرة: بردة تلبسها الأعراب والإماء.
التَّامورة: عريسة الأسد. وقيل: التأمورة: علقة القلب.
والمعنى أسد في جراته وشدة قلبه.
الناموسة: مكمن الصائد، شبَّه بها العريسة.
* * * * ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما - بلغه قتل مصعب؛ فقال في خطبته: إنا والله ما نموت حبجا، ولا نموت إلا قتلا وقعصاً بالرماح تحت ظلال السيوف، ليس كما تموت بنو مروان.
الحبج: أن تنتفخ بطون الإبل لأكلها العرفج؛ يعرض ببني مروان أنهم يموتون تخمة.
القعص: أن تصيبه فتقتله مكانه.
* * * * عائشة رضي الله تعالى عنها - كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة.
الاحتباك: الائتزار بإحكام. ومنه الحبكة، وهي الحجزة.
* * * * شريح رحمه الله - جاء محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإطلاق الحبس.
هو جمع حبيس: وهو ما كان أهل الجاهلية يحبسونه من السوائب والبحائر والحوامي وغيرها؛ فالمعنى أن الشريعة أطلقت ما حَبَّسوا، وحللت ما حرَّموا.
* * * * وهب رحمه الله - قال: ماأحدثت لرمضان شيئا قط - يعني من صلاة أو صيام، وكان إذا دخل يثقل عليّ كأنه الجبل الحابي.
هو العظيم المشرف.
* * * * ابن المسيب رحمه الله - قال عبد الله بن يزيد السعدي: سألته عن أكل الضبع. فقال: أو يأكلها أحد؟ فقلت: إن ناسا من قومي يتحبلونها فيأكلونها.
التحبل والاحتبال: الاصطياد بالحبالة.
الواو في أو يأكلها هي العاطفة دخلت عليها همزة الاستفهام، والمعطوف عليه في مثل هذا الكلام محذوف مقدر.
* * * * على الحبس " جن " . تنبت الحبة في " ضب " . على حبل عاتقه في " حت " . ما يقتل حبطاً في " زه " . لحبرتها في " زم " . وثوب حبرة في " صح " . لون الحبيق في " جع " . ولو حبواً في " غر " . ألبس الحبير في " خب " . وحبلتها في " صح " . عقد الحبى في " صع " . أم حبين في " أم " . حب الغمام في " شذ " . وأن يحتبى في " صم " . هذا الحبير في " بض " . عذق حبيق في " جع " . لا يحبس في " صب " .
* * * *
الحاء مع التاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال لسعد يوم أُحد: احتهم يا سعد، فداك أبي وأمي! أراد ارددهم وادفعهم، وحثُّ الشيء وحطُّه نظيران.
ومنه حديث عمر: إن أسلم يأتيه بالصاع من التمر فيقول: يا أسلم؛ حتَّ عنه قشره. قال: فأحسفه فيأكله.
الحسف مثل الحتّ. ومنه حسافة التمر.
* * * * ذاكر الله في الغافلين مثل الشجرة الخضراء وسط الشجر الذي قد تحات من الضريب.
أي تساقط ورقه من الجليد، وهو تفاعل من الحت - وروى من الصريد؛ وتفسيره في الحديث: البرد.
وقال فيمن خرج مجاهدا في سبيل الله: فإن رفسته دابة أو أصابته كذا فهو شهيد، ومن مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله، ومن قُتل قعصا فقد استوجب المآب.
انتصب حتف أنفه على المصدر، ولا فعل لها كبهرا وويحا، كأنه قيل: موت أنفه. ومعناه الموت على الفراش، قيل: لأنه إذا مات كذلك زهقت نفسه من أنفه وفيه، ويقال: مات حتف فيه، وحتف أنفيه، يُراد الأنف والفم، فيغلب أحدهما.
* * * * في حديث العرباض رضي الله عنه - كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يخرج في الصُّفَّة وعلينا الحوتكية.
هي عمة يتعممها الأعراب.
* * * * علي عليه السلام - بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أبا رافع يتلقى جعفر ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فأعطاه علي عليه السلام حتيا وعكة سمن، وقال له: إني أعلم بجعفر، إنه إن علم ثراه مرة واحدة ثم أطعمه، فادفع هذا إلى أسماء بنت عميس، تدهن به بني أخي من صمر البحر، وتطعمهم من الحتي.
الحتي: سويق المقل: قال الهذلي:
لا دَرَّ دَرِّيَ إنْ أَطْعَمْتُ نَازِلَكُمقِرْفَ الحَتِيِّ وعِنْدِي البُرُّ مَكْنُوزُ
ثراه: بله؛ من الثرى، يريد أن جعفر مطعام، فإن ظفر به ندَّاه بالسمن، وأطعمه الناس، وحرمه أولاده.
الصمر: النتن والغمق، ومنه الصُّماري وهي الاست. وسميت الصيمرة، وهي بلدة لغمقها.
* * * * زينب رضي الله تعالى عنها - يبعث الله من بقيع الغرقد سبعين ألفا هم خيار من ينحت عن خطمه المدر، تضئ وجوههم غمدان اليمن.
انحت: مطاوع حتّه.
والخطم: مستعار من السبع والطائر، وهو مقدم الأنف والفم والمنقار. والمعنى تنشق عن وجه الأرض.
* * * * في الحديث: من أكل وتحتم دخل الجنة.
هو من الحتامة، وهي دقاق الخبز وغيره الساقط على الخوان.
* * * * أحتم في " سح " . حتفها ضائن تحمل في " فر " .
* * * *
الحاء مع الثاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - لا تقوم الساعة إلا على حثالة من الناس.
هي الرديء من كل شيء. ومنه قيل لثفل الدهن وغيره: حثالة.
ومنه حديثه الآخر: إنه قال لعبد الله بن عمر: كيف أنت إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم.
أي اختلطت وفسدت.
* * * * عمر رضي الله عنه - قال ابن عباس: دعاني عمر فإذا حصير بين يديه عليه الذهب منثوراً نثر الحثا، فأمرني بقسمه.
هو دقاق التبن، لأن الريح تحثوه حثواً. قال:
وأغبر مَسْحُولِ الترابِ تَرَى به ... حَثاً طرَدَته الريحُ من كلِّ مَطْرَدِ
ويجوز أن يُكتب بالياء لقولهم: حثى يحثي.
منثوراً: حال من الظرف الذي هو عليه.
* * * * أنس رضي الله تعالى عنه - أعوذ بك أن أبقى في حثل من الناس.
أي في حثالة - بسكون الثاء.
* * * * المحثلة في " ضح " . أن يحثوا عنه في " نه " . حثحث في " دج " .
الحاء مع الجيم
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: لأهل القتيل أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى وإن كانت امرأة.
انحجز: مطاوع حجزه إذا منعه.
والمعنى: أن لورثة القتيل أن يعفوا عن دمه رجالهم ونسائهم.
* * * * قال لزيد: أنت مولانا فحجل.
أي رفع رجلا، وقفز على الأخرى من الفرح.
وهو زيد بن حارثة ملكته خديجة عليها السلام فاستوهبه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فوهبته له؛ فأعتقه وزوجه أم أيمن.
* * * * كان له حصير يبسطه بالنهار، ويحتجره بالليل يصلي عليه.
أي يحظره لنفسه دون غيره. ومنه احتجرت الأرض، إذا ضربت عليها مناراً أو أعلمت علماً في حدودها للحيازة.
* * * * توضع الرحم يوم القيامة لها حجنة كحجنة المغزل، تكلم بلسان طلق ذلق - وروى: بألسنة طلق ذلق.
الحجنة من الأحجن، كالحمرة من الأحمر، سميت بها الحديدة العقفاء في رأس المغزل. يقال: لسان طَلِق ذَلِق، وطَلُق ذَلُق، وطُلُقٌ ذُلُقٌ، وطَلِيق ذَلِيق، وألسنة طُلُق ذُلُق. والمراد الانطلاق والحدة.
ومنه الحديث: إذا كان يوم القيامة جاءت الرحم فتكلمت بلسان طَلِق ذَلِق، تقول: اللهم صلْ من وصلني، واقطع من قطعني.
* * * *
ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها نساء الأنصار، فأثنت عليهن خيراً، وقالت لهن معروفاً. وقالت: لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجوز مناطقهن فشققنها، فجعلن منهما خمراً، وأنه دخلت منهن امرأة على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فسألته عن الاغتسال من المحيض، فقال لها: خذي فرصة ممسكة فتطهري بها.
واحد الحجوز حجز - بكسر الحاء، وهو الحجزة، ويجوز أن يكون واحدها حجزة على تقدير إسقاط التاء، كبرج وبروج.
الفرصة: قطعة قطن أو صوف، من فرص: إذا قطع.
الممسكة الخلق التي أُمسكت كثيراً، كأنه أراد ألا يستعمل الجديد للارتفاق به في الغزل وغيره؛ ولأن الخلق أصلح لذلك وأوفق.
وقيل: هي المطيبة من المسك.
* * * * رأى رجلا محتجزاً بحبل أبرق وهو محرم، فقال: ويحك ألقه! هو الذي يشد ثوبه في وسطه، مأخوذ من الحجزة.
الأبرق: الذي فيه سواد وبياض، ومنه للعين: برقاء.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - قال لبلال بن الحارث: ما أقطعك رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم العقيق لتحتجنه؛ فأقطعه الناس.
احتجان الشيء: اجتذابه إلى نفسك، من المحجن.
والمعنى هاهنا الامتلاك والحيازة لنفسه، أراد أن الاقطاع ليس بتمليك، إنما هو إرفاق إلى مدة.
* * * * علي عليه السلام - سُئل عن بني أمية فقال: هم أشدنا حُجزاً، وأطلبنا للأمر لا ينال فينالونه.
شدة الحجزة عبارة عن الصبر على الشدة والجهد.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - إنكم معاشر همدان من أحجى حيٍ بالكوفة، يموت أحدكم فلا يترك عصبة، فإذا كان كذلك فليوص بماله كله.
يقال: هو حج بكذا وحجي به: أي حريّ وخليق؛ وهو أحجى به. قال الأعشى:
أَمِ الصَّبْرُ أَحْجَى فإنّ امْرأَ ... سيَنْفَعُه عِلْمُه إن عَلِم
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - ترك الغزو عاماً، فبعث مع رجل صرة، فقال: فإذا رأيت رجلا يسير من القوم حجرة، في هيئته بذاذة فادفعها إليه.
الحجرة: الناحية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قال رجل: خاصمت إليه ابن أخي، فجعلت أحجّ خصمي؛ فقال: أنت كما قال أبو داود:
أنّي أُتِيح لها حِرْبَاءُ تَنْضَبةٍ ... لا يُرْسِلُ السَّاقَ إلاَّ مُمْسِكاً سَاقَا
أحَجّه: غلبه في المحاجة، شبهة في تعلقه بحجه بعد انقضاء أخرى بفعل الحرباء في إمساكه ساق شجرة عند إرسال غيرها.
* * * * في الحديث: تزوجوا في الحُجز الصالح، فإن العِرق دساس.
هو الأصل والمنبت. وقيل: هو فضل ما بين فخذ الرجل والفخذ الأخرى من عشيرته؛ سمي بذلك لأنه يحتجز بهم، أي يمتنع، وإن روي بالكسر فهو بمعنى الحجزة، كناية عن العفة وطيب الإزار.
* * * * رأيت علجا يوم القادسية قد تكنى وتحجى، فقتلته.
أي زمزم، والحجاء - ممدود: الزمزمة.
* * * * حجرتا الطريق في " بو " . حجراء في " طم " . من وراء الحجزة في " فر " . كالجمل المحجوم في " صع " . كالحجفة في " ذر " . فيستحجي في " غد " . واحتجانه في " نو " . الحواجب في " شذ " . بمحجته في " فز " . تحجّى في " كن " .
* * * *
الحاء مع الدال
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ألم تروا إلى ميتكم حين يحدج ببصره، فإنما ينظر إلى المعراج من حُسنه.
أي يرمي ببصره ويحدّ نظره.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: حدَّث القوم ما حدجوك بأبصارهم.
أي ما داموا نشيطين لسماع حديثك مُقبلين عليك.
* * * * في قصة حنين: إن مالك بن عوف النصري قال لغلام له حاد البصر: ما ترى؟ فقال: أرى كتيبة حرشف، كأنهم قد تشذروا للحملة، ثم قال له: ويلك! صف لي، قال: قد جاء جيش لا يُكتُّ ولا ينكف.
يقال: رجل حديد البصر وحادُّه، كقولهم: كليل البصر وكالُّه.
الحرشف: الرجَّالة.
تشذَّروا: تهيئوا.
لا يُكت: لا يُحصى.
لا ينكف: لا يُقطع، ولا يبلغ آخره، يقولون: رأينا غيثاً ما نكفه أحد سار يوما ولا يومين.
* * * * قال في السُّنة: في الرأس والجسد قص الشارب والسواك والاستنشاق والمضمضة وتقليم الأظفار ونتف الإبط والختان والاستنجاء بالأحجار والاستحداد وانتقاص الماء.
استحد الرجل: إذا استعان، وهو استفعل من الحديد، كأنه استعمل الحديد على طريق الكناية والتورية.
ومنه حديثه: إنه حين قدم من سفرٍ أراد الناس أن يطرقوا النساء ليلا، فقال: أمهلوا حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة.
قيل في انتقاص الماء: هو أن يغسل مذاكيره ليرتد البول؛ لأنه إذا لم يفعل نزل منه الشيء بعد الشيء؛ فيعسر استبراؤه، فلا يخلو الماء من أن يُراد به البول، فيكون المصدر مضافا إلى المفعول، وأن يُراد به الماء الذي يغسل به، فيكون مضافا إلى الفاعل، على معنى وانتقاص الماء البول، وانتقص بكون متعديا وغير متعد. قال عدي بن الرّعلاء:
لم ينتقص مِنّي المَشِيبُ قُلاَمة ... الآنَ حينَ بَدَا ألبُّ وأَكْيس
وقيل: هو تصحيف، والصواب انتفاض الماء - بالفاء، والمراد نضحه على الذّكر، من قولهم: لنضح الدم القليل: نفص، الواحدة نفصة، قال حميد:
طافت ليالي وانضمَّت ثميلتُها ... وعاد لحمٌ عليها بادن نَخَصا
فجاءها قانص يسعى بضارية ... ترى الدِّماء على أَكتافها نَفَصا
* * * * إن في كل أمة محدَّثين ومروَّعين، فإن يكن في هذه الأمة أحد فإن عمر منهم.
المحدَّث: المصيب فيما يحدس، كأنه حدِّث بالأمر.
قال أوس:
نِقَاب يُحَدِّثُ بالغَائب
والمروَّع: الذي يُلقي الشيء في روعه صدق فراسته.
* * * * خيار أمتي أحدّاؤُها.
هو جمع حديد، كأشداء في جمع شديد، والمراد الذين فيهم حدة وصلابة في الدين.
* * * * قال: إن أُبي بن خلف كان على بعير له وهو يقول: يا حدارها يا حدارها! قال أبو عبيدة: يريد هل أحد رأى مثل هذه! ويجوز أن يريد يا حدراء الإبل، فقصرها، وهو تأنيث الأحدر، وهو الممتلئ الفخذ والعجز الدقيق الأعلى، وأراد بالبعير الناقة. وفي كلامهم حلبت بعيري وصرعتني بعير لي.
* * * * عمر رضي الله عنه - حجَّةَ هاهنا ثم احدج ههنا حتى تفنى.
أي احدج إلى الغزو. والحدج: شدُّ الأحمال وتوسيقها.
تفنى: تهرم، من قولهم للكبير: فانٍ. قال لبيد:
حبائُله مَبْثُوثَةٌ بسبيلهِ ... ويَفْنَى إذَا ما أخطَأْتْهُ الحَبائِلُ
أو أراد حتى تموت. والمعنى: حج حجة واحدة، ثم أقبل على الجهاد ما دامت فيك مسكة أو ما عشت.
* * * * علي عليه السلام - عن أم عطية: وُلد لنا غلام أحدر شيء وأسمنه، فحلف أبوه لا يقرب أمه حتى تفطمه، فارتفعوا إلى علي، فقال: أمن غضب غضبت عليها؟ قال: لا، ولكني أردت أن يصلح ولدي، فقال: ليس في الإصلاح إيلاء.
حدر حدرا فهو حادر: إذا غلظ جسمه.
ليس في الإصلاح إيلاء، أي أن الإيلاء إنما يكون في الضرار والغضب لا في الرضا.
* * * * قال يوم خيبر:
أنا الذي سَمَّتْنِ أُمِّي حَيْدَرَهْ
كليْثٍ غاباتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَه
أَوْفِيهم بالصاع كَيْلَ السَّنْدَره
قيل: سمته أمه فاطمة بنت أسد باسم أبيها، وكان أبو طالب غائبا، فلما قدم كرهه وسماه عليا، وإنما لم يقل: سمتني أسدا؛ ذهابا إلى المعنى. والحيدرة: من أسماء الأسد.
السندرة: مكيال كبير كالقنقل. وقيل: امرأة كانت تبيع القمح وتوفي الكيل.
والمعنى: أقتلكم قتلا واسعا. وقيل: السندرة العجلة، والمراد توعدهم بالقتل الذريع.
ووجه الكلام: أنا الذي سمَّته، ليرجع الضمير من الصلة إلى الموصول، ولكنه ذهب إلى المعنى؛ لأن خبر المبتدأ هو، أعني أن الذي هو أنا في المعنى، فرد إليه الضمير على لفظ مردود إلى أنا، كأنه قال: أنا سمتني.
جمع الغابة ليجعل الليث الذي شبه به نفسه حاميا لغياض شتى؛ لفرط قوته ومنعه جانبه.
* * * * صفية بنت أبي عبيد رضي الله عنهما - اشتكت عيناها وهي حادٌّ على ابن عمر زوجها، فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان.
حَدَّ تُحِدُّ حَدًّا، والمعنى أحدّت: إذا تركت الزينة بعد وفاة زوجها وهي حادّ، أي ذات حداد، أو شيء حادّ على الذهبين.
الرمص معروف. وإن روي: ترمصان فالرَّمص الحمى.
* * * * الأحنف رحمه الله تعالى - قدم على عمر في وفد أهل البصرة وقضى حوائجهم، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إن أهل الأمصار نزلوا في مثل حدقة البعير من العيون الهذاب، تأتيهم فواكههم لم تخضد - وروى: لم تخضّد.
وروى: إن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حولاء الناقة من ثمار متهدلة، وأنهار متفجرة، وإنا نزلنا بسبخة نشاشة، طرف لها بالفلاة، وطرف لها بالبحر الأُجاج، يأتينا ما يأتينا في مثل مرئ النعامة، فإن لم ترفع خسيستنا بعطاء تفضِّلنا به على سائر الأمصار نهلك، فحبسه عنده سنة. وقال: خشيت أن تكون مفوَّها ليس لك جول.
شبه بلادهم في خصبها وكثرة مائها بحدقة البعير وحولاء الناقة؛ لأن الحدقة توصف بكثرة الماء. وقيل: أراد أن خصبها دائم لا ينقطع، لأن المخّ ليس يبقى في شيء بقاءه في العين.
والحولاء: جلدة رقيقة تخرج مع الحوار كأنها مرآة مملوءة ماء أصفر، يسمى السخد. قال الكميت:
وكالحُولاء مراعي المسيم عندك والرئة المهل
خضد الشيء: ثناه وتخضد تثنى، يعني أن فواكههم قريبة منهم؛ فهي تأتيهم غضة لم تتثن ولم تتكسر ذبولا.
التهدل: الاسترخاء والتدلي.
النشاشة: من النشيش، والغليان.
مرئ النعامة: مجرى طعامها، وهو ضيق؛ يعني نزارة قوتهم. الخسيسة: صفة للحال.
المفوه: البليغ المنطيق، كأنه منسوب إلى الفوه؛ وهو سعة الفم.
الجول: العقل والتماسك، وأصله جانب البئر، ومثله قولهم: ماله زبر؛ من زبرت البئر.
* * * * مجاهد رحمه الله تعالى - كنت أتحدى القرَّاء، فأقرأ.
أي أتعمدهم، والتحدي والتحري بمعنى.
* * * * الحسن رحمه الله - حادثوا هذه القلوب بذكر الله، فإنها سريعة الدثور، واقعدوا هذه الأنفس فإنها طُلعة.
محادثة السيف: تعهده بالصقل وتطريته. قال زيد الخيل:
أُحَادِثُه بصقلٍ كلَّ يومٍ ... وأَعْجمهُ بهَامَاتِ الرِّجالِ
فشبه ما يركب القلوب من الرَّين بالصدأ وجلاءها بذكر الله بالمحادثة.
والدثور: الدروس.
القدع: الكفّ.
الطلعة: التي تطلع إلى هواها وشهواتها.
* * * * ابن الأشعث - كتب إلى الحجاج: سأحملك على صعب حدباء حدبار ينج ظهرها.
الحدبار: التي بدا عظم ظهرها ونشزت حراقيفها هزالا. قال الكميت:
ردّهنّ الهزال حُدْباً حَدَابي ... رَوطيّ الإكَامِ بَعْدَ الإِكَام
نجيج القرحة: سيلانها قيحاً، قال:
فإنْ تَكُ قُرْحةٌ خَبُثَتْ ونَجَّتْ ... فإنَّ الله يشفي من يَشَاءُ
ضرب ذلك مثلا للأمر الصعب والخطة الشديدة.
* * * * في الحديث: القضاة ثلاثة: رجل علم فعدل، فذلك الذي يحرز أموال الناس ويحرز نفسه من الجنة. ورجل علم فحدل، فذلك الذي يهلك الناس ويهلك نفسه في النار، وذكر الثالث.
حدل: عدل، من قولهم: إنه لحدل غير عدل.
* * * * ويحدر في " بض " . حدجة حنظل في " أل " . نحدرها في " ظا " . فحدأ في " بج " . الحدو في " به " . أو عصا حديدة في " رف " .
* * * *
الحاء مع الذال
النبي صلى الله تعالى عليه وآله سلم - تراصوا في الصلاة لا تتخللكم الشياطين، كأنها بنات حذف.
وروى: أقيموا صفوفكم لا يتخللكم كأولاد الحذف - قيل: يا رسول الله؛ وما أولاد الحذف؟ قال: ضأن سود جرد صغار تكون باليمن.
كأنها سميت حذفاً؛ لأنها محذوفة عن مقدار الكبار ونظيره قولهم للقصير: حطائط، قيل: لأنه حُطّ عن مقدار الطويل.
كأولاد: الكاف فيه في محل الرفع على الفاعلية، ومثله الكاف في قول الأعشى:
هل تَنْتَهون ولن يَنْهى ذوي شَطَط ... كالطَّعْن يَذْهَبُ فيه الزيت والفُتُلُ
* * * * في ليلة الإسراء: انطلق بي خلق من خلق الله كثير موكل بهم رجال يعمدون إلى عرض جنب أحدهم فيحذون منه الحذوة من اللحم مثل النعل، ثم يضفزونه في أحدهم، ويقال له: كل كما أكلت.
أي يقطعون منه القطعة، من حذو النعل.
ومنه الحديث - في مس الذكر: إنما هو حذية منك.
يضفزونه: يدفعونه فيه، من ضفزت البعير: إذا جمعت ضغثاً فلقمته إياه، وضفزت الفرس لجامه.
* * * * من دخل حائطاً فليأكل منه غير آخذ في حذله شيئاً - وروى " في حذنه " . وهما التبان.
ومنه قولهم: هو في حذل أمه؛ أي في حجرها، وأنشد:
أنَا مِنْ ضِئْضِئِ صِدْقٍ ... بَخْ وفي أكرمِ حُذْل
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قال في ذات عرق: هي حذو قرنٍ - وروى: وزان قرن.
ومعناهما واحد؛ أراد أنها محاذية قرن فيما بين كل واحد منهما وبين مكة، فمن أحرم من هذا كمن أحرم من ذاك.
* * * *
ابن غزوان رضي الله عنه - خطب الناس فقال: إن الدنيا آذنت بصرم، وولت حذَّاء، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء.
الحذّاء: الخفيفة السريعة.
ومنه قولهم للسارق: أحذّ اليد، وللقصيدة السيارة: حذّاء.
* * * * حُذاقي في " صع " . إن لم يُحذك في " دو " . فاحذم في " رس " . أن يحذفها في " لب " . حذاؤها في " عف " .
* * * *
الحاء مع الراء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال حريث: رأيته دخل مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سواء حرقانية، وقد أرخى طرفها على كتفيه.
هي التي على لون ما أحرقته النار، كأنها منسوبة بزيادة الألف والنون إلى الحرق؛ يقال: الحرق بالنار والحرق معاً، والحرق من الدق الذي يعرض للثوب عند دقه محرك لا غير.
ومنه حديث عمر بن عبد العزيز رحمهما الله - إنه أراد أن يستبدل بعماله لما رأى من إبطائهم في تنفيذ أمره فقال: أما عدي بن أرطأة فإنما غرَّني بعمامته الحرقانية. وأما أبو بكر بن حزم فلو كتبت إليه أذبح لأهل المدينة شاة لراجعني فيها: أقرناء أم جماء؟ * * * * لا قطع في حريسة الجبل.
هي الشاة مما يحرس بالجبل من الغنم وهي الحرائس.
ومنه حديثه الآخر: إنه سُئل عن حريسة الجبل، فقال: فيها غرم مثلها، وجلدات نكالاً، فإذا آواها المراح ففيها القطع.
واحترس فلان: إذا استرق الحريسة.
ومنه الحديث: إن غلمة لحاطب ابن أبي بلتعة احترسوا ناقة لرجل فانتحروها.
* * * * إن رجلا أتاه بضباب قد احترشها. فقال: إن أمه مُسخت، فلا أدري لعل هذه منها.
الاحتراش: أن يمسح يده على الجحر ويحركها حتى يظن الضب أنها حية، فيخرج ذنبه ليضربها فيقبض عليه، وهو من الحرش بمعنى الأثر، لأن ذلك المسح له أثر.
* * * * تغدى أعرابي مع قوم فاعتمد على الخردل، فقالوا: ما يعجبك منه؟ قال: حراوته وحمزه.
الحراوة والحمز: اللذع والقرص باللسان.
* * * * سموا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها الحارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة.
قيل: لأنه ما من أحد إلا وحو يحرث، أي يكسب. ويهم بالشيء أي يعزم عليه ويريده. وكره حرباً ومرة ذهاباً إلى معنى المحاربة والمرارة.
* * * * كان قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وآله وسلم ياتي حراء فيتحنث فيه الليالي.
حراء: من جبال مكة معروف، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه، وللناس فيه ثلاث لحنات: يفتحون حاءه وهي مكسورة، ويقصرون ألفه وهي ممدودة، ويميلونها ولا يسوغ فيها الإمالة؛ لأن الراء سبقت الألف مفتوحة وهي حرف مكرر فقامت مقام الحرف المستعلي، ومثل رافع وراشد لا يمال.
التحنث: التعبد، ومعناه إلقاؤه الحنث عن نفسه، كالتحرج والتحوب.
ومنه حديث حكيم بن حزام القرشي رضي الله عنه: يا رسول الله؛ أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وصلة رحم؛ هل لي فيها أجر؟ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: أسلمت على ما سلف من خير.
* * * * نهى عن حرق النواة، وأن تقصع بها القملة.
قيل: هو إحراقها بالنار، ويجوز أن يكون من حرق الشيء، إذا برده بالمبرد.
والقصع: الفضخ؛ وإنما نهى عن ذلك إكراما للنخلة، قيل: لأنها مخلوقة من فضلة طينة آدم عليه السلام.
* * * * وفي الحديث: أكرموا النخلة فإنها عمتكم.
وفي حديث آخر: نعمت العمة لكم النخلة. وقيل: لأن النوى قوت للدواجن.
* * * * بعث عروة بن مسعود رضي الله عنه إلى قومه بالطائف، فأتاهم فدخل محرابا له فأشرف عليهم عند الفجر، ثم أذّن للصلاة، ثم قال: أسلموا تسلموا؛ فقتلوه.
المحراب: المكان الرفيع والمجلس الشريف؛ لأنه يدافع عنه ويحارب دونه.
ومنه قيل: محراب الأسد لمأواه، وسمي القصر والغرفة المنيفة محرابا. قال:
رَبَّةُ مِحْرابٍ إذا جِئْتُهَا ... لم أَلْقَهَا أوْ أرْتَقِي سُلَّماً
* * * * ما من مؤمن مرض مرضاً حتى يحرضه إلا حط الله عنه خطاياه.
أي يشرف به على الهلاك.
* * * * في قصة بدر: عن معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه قال: نظرت إلى أبي جهل في مثل الحرجة، فصمدت له، حتى إذا أمكنتني منه غرة حملت عليه، فضربته ضربة طرحت رجله من الساق، فشبهتها النواة تنزو من المراضخ.
الحرجة: الغيضة التي تضايقت التفافها، من الحرج وهو الضيق.
الصمد: القصد.
المرضخة: حجر يرضخ به النوى.
* * * * إن المشركين لما بلغهم خروج أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى بدر يرصدون العير. قالوا : اخرجوا إلى معايشكم وحرائبكم - وروى بالثاء.
الحرائب: جمع حريبة، وهي المال الذي به قوام الرجل.
والحرائث: الكاسب، من الاحتراث، وهو اكتساب المال، الواحدة حريثة.
وقيل: هي أنضاء الإبل، من أحرثنا الخيل وحرثناها: إذا أهزلناها.
* * * * تزوج رجل من المهاجرين من امرأة من الأنصار فأراد أن يأتيها، فأبت إلا أن تؤتى على حرف، حتى شرها أمرهما، فبلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؛ فأنزل الله تعالى: (نِساؤُكم حَرْثٌ لكم فأُْتوا حَرْثَكم أَنَّى شِئْتُم).
الحرف: الطرف والناحية. والمعنى إتيانها على جنب.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: كان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وكان الأنصار قد أخذوا بذلك من صنيعهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكراً.
قيل: شرح المرأة: إذا سلقها على قفاها، ثم غشيها.
وقيل: معنى على حرف ألا يتمكن منها تمكن المتوسط المتبحبح في الأمر. والشرح: أن يتمكن منها، من شرح الأمر، وهو فتح ما انغلق منه.
شرى: أي عظم وارتفع، من شرى البرق وهو أن يتتابع في لمعانه.
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - كان يوتر من أول الليل ويقول:
وا حَرَزَا وأَبْتَغِي النَّوَافَلا
وروى:
أحرزتُ نَهْبي وأَبْتغي النوافِلاَ
الحرز: ما أحرزته.
والنوافل: الزوائد، وألف واحرزا منقلبة عن ياء الإضافة، كقولهم: يا غلاما أقبل. وهذا مثل يضربه الطالب للزيادة على الشيء بعد ظفره به، فتمثل به لأداء صلاة الوتر وفراغ قلبه منها وتنفله بعد ذلك.
* * * * لما مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أصابه حزن شديد، فما زال يحري بدنه حتى لحق بالله.
أي يذوب وينقص. قال:
حتى كأني خاتل قَنَصا ... والمرءُ بعد تمامه يَحْرِي
ومنه: الحارية من الأفاعي، وهي التي قيل فيها: حارية قد صغرت من الكبر.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - ذكر فتيان قريش وسرفهم في الإنفاق؛ فقال: حرفة أحدهم أشد علي من عيلته.
الحرفة: بالكسر الطُّعمة، وهي الصناعة التي منها يرتزق، لأنه منحرف إليها. والحرفة والحرف بالضم: من المحارف وهو المحدود. ومنها قولهم: حرفة الأدب، والمراد لعدم حرفة أحدهم والاغتمام لذلك أشد علي من فقره.
ومنه ما يروى عنه: إني لآرى الرجل فيعجبني فأقول: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني. والصحيح أن يريد بالحرفة سرفهم في الإنفاق. وكل ما اشتغل به الإنسان وضرى به من أي أمر كان؛ فإن العرب تسميه صنعة وحرفة؛ يقولون: صنعة فلان أن يفعل كذا، وحرفة فلان أن يفعل كذا، يريدون دأبه وديدنه.
* * * * علي عليه السلام - عليكم من النساء بالحارقة.
هي الضيقة الملاقي كأنها التي تضم الفعل ضم العاض الذي يحرق أسنانه، ويقال لها: العضوض والمصوص.
* * * * وعنه عليه السلام: إنه سُئل عن امرأته، فقال: وجدتها حارقة طارقة فائقة.
أراد بالطارقة: التي طرقت بخير، وقيل: الحارقة: النِّكاح على الجنب، أخذت من حارقة الورك، وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع.
وعنه عليه السلام: كذبتكم الحارقة، ما قام لي بها إلا أسماء بنت عميس.
* * * * قال علي عليه السلام لفاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام: لو أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألته خادما تقيك حارَّ ما أنت فيه من العمل! أي شاقه وشديده. جعلوا الحرارة عبارة عن الشدة، والبرد عن خلافها، وقد سبق نحو من ذلك.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - دخل على مريض، فرأى جبينه يعرق، فقال: موت المؤمنين عرق الجبين، تبقي عليه البقية من الذنوب فيحارف بها عند الموت - وروى: فيكافأ بها.
المحارفة: المقايسة، ومنه المحراف، وهو الميل الذي يقايس به الجراحة، فوضعت موضع المكافأة. والمعنى أن الشدة التي ترهقه حتى يعرق لها جبينه تقع كفاءً لما بقي عليه من الذنوب وجزاءً؛ فتكون كفَّارة له.
* * * * احرثوا هذا القرآن.
أي فتشوه وتدبروه.
* * * *
عوف رضي الله عنه - قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: رأيت محلم بن جثامة في المنام فقلت: كيف أنت يا محلم؟ فقال: بخير؛ وجدنا ربنا رحيما غفر لنا. قلت: أكلكم؟ قال: كلنا غير الأحراض. قلت: ومن الأحراض؟ قال: الذين يشار إليهم بالأصابع.
أراد الفاسدين المشتهرين بالشر الذين لا يخفى على أحد فسادهم؛ شبههم بالسقمى المشرفين على الهلاك، فسماهم أحراضا.
* * * * الحسن رحمه الله - قال: في الرجل يُحرم في الغضب كذا.
أي يحلف في حال الغضب؛ وإنما سمي الحالف محرما، لأنه يتحرم بيمينه كالمحرم الذي يدخل في حرمة الحج والحرم. ومنه إحرام المصلي بالتكبير.
* * * * الحجاج - باع مُعتقا في حراره.
يقال: حرَّ العبد حرارا، قال:
وما رُدَّ من بَعْدِ الحَرارِ عَتِيقُ
* * * * في الحديث: الذين تدركهم الساعة تسلط عليهم الحرمة، ويسلبون الحياء.
هي الغلمة، من حرمت الشاة واستحرمت: إذا اشتهت الفحل.
* * * * الحرق والغرق والشرق شهادة.
هو الاحتراق بالنار.
* * * * حرق النار في " هم " . يحرّف القلوب في " ذف " . على حراجيج في " عب " . يحتربون في " جر " . وحرقفتيه في " ند " . أحرُّ لك في " أر " . قد حرب في " كل " . حرثناها في " ظه " . سبعة أحرف في " أض " . حرشف في " حد " . حرمد في " حر " . حريبة في " زو " . محردها في " عي " . حرباء تنضبه في " حج " .
* * * *
الحاء مع الزاي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - بعث مصدقا فقال: لا تأخذ من حزرات أنفس الناس شيئا. خذ الشارف والبكر وذا العيب.
الحزرات: جمع حزرة، وهي خيار مال الرجل يحزره في نفسه، كأنها سميت بالمرة من الحزر، ولهذا المعنى أُضيفت إلى الأنفس، ويقال: هي الحرزة أيضا بتقديم الراء من الإحراز.
الشارف: الناقة المسنة، وهي بينة الشوف؛ سميت لعلو سنها. ومنها قيل : السهم الشارف للذي طال عهده فانتكث عقبة وريشه. كان ذلك في بدء الإسلام؛ لأن السُّنة ألا تؤخد إلا بنت مخاض، أو بنت لبون، أو حقة، أو جذعة.
* * * * كان يرقّص الحسن أو الحسين عليهم الصلاة والسلام فيقول: حُزُقًّه حُزُقًّه. تِرقَّ عين بقه. فترقى الغلام حتى وضع قدمه على صدره.
روى: حزقه حزقه، برفع الأول وتنوينه والوقف في الثاني، وبالوقف فيهما. فوجه الرواية الاولى أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره أنت حزقة والثاني كذلك أو خبر مكرر. ووجه الرواية الثانية أن تكون منادى حُذف منه حرف النداء، وهو في الشذوذ كقولهم: أطرق كرا. وافتد مخنوق، والثاني كذلك، أو تكرير للمنادى.
والحزقة: الضعيف القصير المقارب خطوه. قال امرؤ القيس:
وأَعْجَبني مَشْيُ الحُزُقَّةِ خَالدٍ ... كمَشْيِ أَتَانٍ حُلِّئَتْ بالمنَاهِل
وعين بقه: منادى، ذهب إلى صغر عينه، تشبيها لها بعين البعوضة.
* * * * قال لأبي بكر رضي الله عنه: متى توتر؟ فقال: من أول الليل. وقال لعمر: متى توتر؟ فقال: من آخر الليل. فقال لأبي بكر: أخذت بالحزم. وقال لعمر: أخذت بالعزم.
الحزم: ضبط الأمر والحذر من فواته. والعزم: عقد القلب على الأمر وقوة الصريمة.
ومنه الحديث الآخر: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تذاكرا الوتر عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر: أما أنا فإني أنام على وتر، فإن استيقظت صليت شفعاً إلى الصباح. وقال عمر: لكني أنام على شفع ثم أوتر من السحر.
فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأبي بكر: حذر هذا، وقال لعمر: قوي هذا.
* * * * علي عليه السلام - خطب أصحابه في أمر المارقين وحضهم على قتالهم، فلما قتلوهم جاءوا فقالوا: أبشر يا أمير المؤمنين؛ فقد استأصلناهم. فقال: حزق عيرٍ، حزق عيرٍ، قد بقيت منهم بقية.
الحزق: الشد البليغ والضغط والتضييق، يقال: حزقه بالحبل. وحزق القوس بالوتر. وإبريق محزوق العنق: ضيقها. ومنه: حزق: إذا حبق لما في الضرط من الضغط؛ وفسر على وجهين: أحدهما: أن فعلتم بهم في قلة الاكتراث به حصاص حمار. والثاني: أن أمرهم يعد في إحكامه كأنه وقر حمار بولغ في شده. والمعنى حزق حمل عير، فحذف.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - الإثم حزاز القلوب.
هي الأمور التي تحز في القلوب؛ أي تحك وتؤثر وتخالج فيها أن تكون معاصي لفقد الطمأنينة إليها.
ورواه بعضهم: حوّاز القلوب، أي يحوز القلوب ويغلب عليها ويجعلها في ملكته.
* * * * زيد رضي الله عنه - لما دعاني أبو بكر إلى جمع القرآن دخلت عليه وعمر محزئل في المجلس.
أي مستوفز، من قولهم: احزألت الآكام: إذا زهاها السراب، واحزألت الإبل في السير: إذا ارتفعت فيه. قال الطرماح:
ولو خرَج الدَّجَّال ينشد دِينَه ... لزَافَت تميمٌ حَوْلَه واحْزَأَلّت
وكان عمر ينكر ذلك، ويقول: كيف نصنع شيئا لم يصنعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ ثم وافقه بعد.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - ذكر الغزو، ومن يغزو ولا نية له، فقال: إن الشيطان يحزِّنه.
أي يجعله بوسوسته حزينا نادما على مفارقة أهله، حتى يفسد عليه نيته. يقال: أحزنه الأمر وحزّنه.
* * * * أبو سلمة رحمه الله - لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم متحزقين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أُريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون.
المتحزق: المتقبض. والمتماوت: من صفة المرائي بنسكه الذي يتكلف التزمت وتسكين الأطراف، كأنه ميت.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه: لما رأى جلا متماوتا، فخفقه بالدرة قال: لا تمت علينا ديننا، أماتك الله! * * * * الشعبي رحمه الله - أُتي به الحجاج فقال: أخرجت علي يا شعبي؟ فقال: أصلح الله الأمير، أجدب بنا الجناب، وأحزن بنا المنزل، واستحلسنا الخوف، واكتحلنا السهر؛ فأصابتنا خزية لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. قال: لله أبوك! ثم أرسله.
أحزن المنزل: صار ذا حزونة، كأخصب وأجدب، ويجوز أن يكون من قولهم: أحزن الرجل وأسهل: إذا ركب الحزن والسهل، والباء للتعدية، يعني: وركب بنا المنزل الحزن؛ لأنهم إذا نزلوه وهو حزن فكأنه قد أوطأهم الحزن.
استحلسنا الخوف: صيرناه كالحلس الذي يفترش.
خزية: أي خصلة خزينا فيها، أي ذللنا. قال:
فإني بحمدِ اللهِ لا ثوبُ عاجز ... لَبِست ولا من خِزَيْةَ أَتقّنعُ
* * * * في الحديث: كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم غلمانا حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن.
هو جمع حَزْوَر وحَزوَّر، وهو المراهق، والتاء لتأنيث الجمع. وفلان آخذ بحزَّته أي بحجزته، وقيل بعنقه.
* * * * حزَّله حزَّة في " سع " . حزبى من القرآن في " طر " . حزبه أمر في " هي " . محزون في " زو " . حازق في " حق " . الحزقة في " أر " . حزقان في " غي " .
* * * *
الحاء مع السين
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - الحسب المال، والكرم التقوى.
هو ما يعده من مآثره ومآثر آبائه.
ومنه قولهم: من فاته حسب نفسه لم ينتفع بحسب أبيه. وقال ذو الرمة:
له قَدَمٌ لا يُنْكِرُ الناسُ أَنها ... مع الحَسب العادي طمَّتْ على البحر
وقال المتلمس:
ومَنْ كانَ ذَا بَيْتٍ كريمٍ ولم يَكُنْ ... له حَسَبٌ كان اللَّئِيمَ المُذَمَّمَا
* * * * وفي حديث عمر رضي الله عنه: من حسب الرجل نقاء ثوبيه.
والمعنى: إن ذا الحسب الفقير لا يوقر ولا يحتفل به، ومن لا حسب له إذا رُزق الثروة وقر وجل في العيون.
وفي حديث آخر: حسب الرجل خلقه، وكرمه دينه.
وعنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن وفد هوازن لما قدموا عليه يكلمونه في سبيهم قال لهم: اختاروا إحدى الطائفتين: إما المال وإما السبي. فقالوا: أما إذ خيرتنا بين المال والحسب فإنا نختار الحسب، فاختاروا أبناءهم ونساءهم.
قيل المراد بالحسب هنا عدد ذوي القرابات، ويجوز أن يراد أن فكاك الأسارى وإيثاره على استرداد المال حسب وفعال حسنة فهو بالاختيار أجدر.
* * * * عمر رضي الله عنه - مر بامرأة قد ولدت، فدعا لها بشربة من سويق وقال: اشربي؛ هذا يقطع الحسَّ.
هو وجع النفساء غبَّ الولادة.
* * * * يأيها الناس، احسبوا أعمالكم، فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته.
الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدِّ. وإنما قيل: احتسب العمل لمن ينوي به وجه الله؛ لأن له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد؛ والحسبة: اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد. وقولهم: ماتت والدتي فاحتسبتها. معناه: اعتددت مصيبتها في جملة بلايا الله التي أثاب على التصبر عليها.
* * * * أتى بجراد محسوس فأكله.
هو الذي مسته النار حتى قتله، من الحس وهو القتل.
* * * * طلحة رضي الله عنه - اشترى غلاماً بخمسمائة درهم وأعتقه، فكتب: هذا ما اشترى طلحة بن عبيد الله من فلان ابن فلان العبشمي، اشترى منه فتاه ديناراً بخمسمائة درهم بالحسب والطيب، ودفع إليه الثمن، وأعتقه لوجه الله؛ فليس لأحدٍ عليه سبيل الولاء.
قيل: هو من حسبته إذ أكرمته، أي بالكرامة من البائع والمشتري والرغبة وطيب النفوس منها.
* * * * العطاردي رحمه الله - قال له أبو عمرو بن العلاء: ما تذكر؟ قال: أذكر مقتل بسطام بن قيس على الحسن.
هو حبل من رمل. قال:
لأُمِّ اْلأَرْضِ وَيْلٌ ما أَجَنَّتْ ... غداة أَضَرَّ بالحَسنِ السَّبيلُ
عمر مائة وثمانياً وعشرين سنة، وكانت ولادته قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة.
* * * * سماك رحمه الله - قال شعبة: سمعته يقول: ما حسَّبوا ضيفهم.
أي ما أكرموه، وأصله من الحسبانة، وهي الوسادة الصغيرة، ويقال لها المحسبة أيضا؛ لأن من أُكرم أجلس عليها.
* * * * في الحديث: إن المسلمين كانوا يتحسبون الصلاة، فيجيئون بلا داع.
أي يتعرفون وقتها ويتوخونه، يأتون المسجد قبل أن يسمعوا الأذان.
* * * * يخرج في آخر الزمان رجل يسمى أمير المعصب، أصحابه محسرون محقَّرون مقصون عن أبواب السلطان، يأتونه من كل أوب كأنهم قزع الخريف، يورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها.
محسَّرون: مؤذون محمولون على الحسرة، أو مدفَّعون مبعدون؛ من حسر القناع: إذا كشفه. أو مطرودون متعبون، من حسر الدابة إذا أتعبها.
من كل أوب، قال ابن السراج: معناه أنهم جاءوا من كل مآب يرجعون إليه ومن كل مستقر.
القزع: السحاب المتفرق.
* * * * ادعوا الله ولا تستحسروا.
هو أبلغ من الحسور؛ أي لا تنقطعوا ولا تملوا.
* * * * عليكم بالصوم فإنه محسمة.
أي مقطعة للباءة.
* * * * ثم حسمه في " شق " . لا يحسر صابحها في " دك " . حسّ في " هض " . عليها حسيكة في " يس " . فأحسفه في " حت " . فحسك أمراس في " فر " . تحسّف جلد الحية في " ظل " . حُسّر في " جف " . حسكة في " عر " . ولا تحسُّوا في " رث " . هل أحسستما في " سم " . حسمي في " رك " . حسته في " مد " . على الحس في " حن " . ولا تحسسوا في " جس " .
* * * *
الحاء مع الشين
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - إن رجلاً من أسلم كان في غنيمة له يحشُّ عليها في بيداء ذي الحليفة إذ عوى عليه ذئب فانتزع شاة من غنمه فجهجأه الرجل بالحجارة حتى استنقذ منه شاته، فقال الذئب: أما اتقيت الله أن تنزع مني شاة رزقتها؟ فقال الرجل: تالله ما سمعت كاليوم قص! فقال الذئب: أعجب من ذلك ذا الرسول بين الحرتين يحدِّث الناس بما خلا ويحدِّثهم بما هو آت. فلما سمع الرجل قول الذئب ساق غنمه يحوزها حتى جاء المدينة.
يحش: بمعنى يهش، أي يخبط الورق، ومثله مدح ومده! جهجأه: زجره، والهمزة بدل من هاء. قال عمر بن الإطنابة:
والضار بين الكَبْشَ يبرق بَيْضه ... ضرب المُجْهِجَه عن حِيَاض الآبل
يحوزها: يجمعها في السوق.
ما سمعت كاليوم: أي ما سمعت أُعجوبة كأعجوبة اليوم؛ فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامة، والمضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
* * * * قال لأبي بصير رضي الله عنه: ويلمه محش حرب لو كان معه رجال! هو الذي يحش نر الحرب كثيراً، كقولهم: مسعر حرب.
وي: كلمة تعجب، والأصل وي لأمه، فحذفت الهمزة للتخفيف، وألقيت حركتها على اللام، وربما كسرت إتباعا للميم أو لأنها حركتها الأصلية، وانتصاب " محش " على التمييز.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - أُتي بامرأة مات زوجها، واعتدت بأربعة أشهر وعشر، ثم تزوجت رجلا، فمكثت عنده أربعة أشهر ونصفا، ثم ولدت ولداً؛ فدعا عمر نساءً من نساءِ الجاهلية فسألهن عن ذلك. فقلن: هذه امرأة كانت حاملا من زوجها، فلما مات حشَّ ولدها في بطنها، فلما مسها الزوج الآخر تحرك ولدها؛ فألحق الولد بالأول.
حشَّ الولد في بطن المرأة: إذا يبس فيه، وهو حش، وأحشت المرأة.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - قال له أبان بن سعيد حين بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى أسارى المسلمين. يا عم؛ مالي أراك متحشفاً؟ فقال: هكذا إزره صاحبنا.
أي متقبضاً متقلص الثوب، من الحشف وهو التمر اليابس الرديء، وقيل: هو لابس الحشيف، وهو الخلق. قال الهذلي:
يُدْنِى الحشيفَ عليها كي يُوَاريَها ... ونفسه وهو للأطمار لَبَاسُ
الإسبال: إرخاء الإزار، وكان قد شمره وقلّصه.
الإزرة: ضرب من الائتزار؛ وأراد بصاحبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يعني أنه إذا ائتزر شمّر ولم يُسبل.
* * * * ابن مسعود رضي الله تعالى عنه - محاش النساء عليكم حرام.
المحشة: بالشين والسين: الدبر - وقد روى بهما - وروى: محاشي. والمحشاة: أسفل مواضع الطعام الذي يؤدي إلى المذهب، وهي المبعر من الدواب.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - خلق الله البيت قبل أن يخلق الأرض بألف عام، وكان البيت زبدة بيضاء حين كان العرش على الماء، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة، فدحيت الأرض من تحته.
هي صخرة تنبت في البحر. قال ابن هرمة يصف ناقة:
كأنها قادِسٌ يُصَرِّفها النُّو ... تيّ تحتَ الأمْوَاجِ عن حَشَفه
وروى: كانت الكعبة خشعة على الماء، فدحيت من تحتها الأرض. وهي أكمة متواضعة.
* * * * أم سلمة رضي الله عنها - خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من بيتها ليلاً، ومضى إلى البقيع فتبعته، وظنت أنه دخل بعض حجر نسائه، فلما أحس بسوادها قصد قصده، فعدت وعدا على أثرها، فلم يدركها إلا وهي في جوف حجرتها؛ فدنا منها وقد وقع عليها البهر والربو، فقال: مالي أراك حشيا رابية.
هي التي أصابها الحشى وهو الربو، وقد حشيت، والرجل حشيان وحشٍ.
* * * * في الحديث: كان صلى الله عليه وآلة وسلم يصلي في حاشية المقام.
أي في جانبه.
* * * * محشود في " بر " . تحشحشنا في " حط " . حيٌّ حشَّد في " عب " . لا يحشرن في " عش " . أوحشنا في " حو " . في الحش في " نش " . ولا حشت في " نم " . المحاشد في " رس " . ألا يحشروا في " ثو " .
* * * *
الحاء مع الصاد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال لمعاذ بن جبل: اكفف عليك لسانك! فقال: يا رسول الله؛ أوَ إنا لمأخوذون بما نتكلم؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
جمع حصيدة، وهي ما يحصد من الزرع، شبه اللسان وما يقتطع به من القول بحدِّ المنجل، وما يُقطع به من النبات.
* * * * استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
أي لن طيقوا الاستقامة في كل شيء، حتى لا تميلوا؛ من قوله تعالى: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوه).
ومعنى التركيب الضبط، فالعاد يضبط ما يعده ويحصره، وكذلك المطيق للشيء ضبط له. ومنه الحصو، وهو المنع. يقال: حصوتني حقي.
* * * * بلغه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن قبطيا يتحدث إلى مارية، فأمر عليا عليه السلام بقتله، قال علي عليه السلام: فأخذت السيف وذهبت إليه؛ فلما رآني رقى على شجرة، فرفعت الريح ثوبه؛ فإذا هو حصور، فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه ةآله وسلم فأخبرته، فقال: إنما شفاء العيّ السؤال.
قيل: الحصور هاهنا هو المجبوب؛ لأنه حُصر عن الجماع.
والعيّ: الجهل، من عيّ بالأمر يعيا عيّا: إذا لم يهتد له.
* * * * نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة.
هو أن يقول: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع؛ وهو من بيوع الجاهلية.
* * * * عمر رضي الله عنه - لما حصب المسجد قال له فلان: لِمَ فعلت هذا؟ قال: هو أغفر للنخامة، وألين في الموطئ.
هو تغطية سطحه بالحصباء، وهي الحصى الصغار.
أغفر: أستر، وهي رخصة في البزاق في المسجد إذا ادفن.
* * * * يا لخزيمة حصِّبوا.
التحصيب: إذا نفر الرجل من منى إلى مكة للتوديع أن يقيم بالأبطح حتى يهجع به ساعة من الليل ثم يدخل مكة - وروى: أصبحوا، أراد أن يقيموا بالأبطح إلى أن يصبحوا.
وعن عائشة رضي الله عنها: ليس التحصيب بشيء؛ إنما كان منزلاً نزله رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؛ لأنه كان أسمح للخروج.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - في حديث مقتله: تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر أديم السماء.
هو الترامي بالحصباء.
* * * * علي عليه السلام - لأن أُحصحص في يدي جمرتين أحب إليَّ من أن أُحصحص كعبتين.
الحصحصة: تحريك الشيء، أو تحركه حتى يستقر ويتمكن.
ومنه حديث سمرة رضي الله عنه: إنه أُتي برجل عنين، فكتب فيه إلى معاوية، فكتب إليه: أن اشتر له جارية من بيت المال، وأدخلها معه ليلة، ثم سلها عنه، ففعل، فلما أصبح قال: ما صنعت؟ قال: فعلت حتى حصحص فيه؛ فسأل الجارية، فقالت: لم يصنع شيئاً: خل سبيلها يا محصحص؟ * * * * ابن مسعود رضي الله عنه - لُدغ رجل وهو مُحرم بالعمرة فأُحصر، فقال عبد الله: ابعثوا بالهدى، واجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فإذا ذبح الهدي بمكة حل هذا.
أي منع بسبب اللدغ؛ من قوله تعالى: (فإنْ أُحْصِرْتُمْ).
الأمار والأمارة: العلامة. يقال: أَمار ما بيني وبينك كذا. والمعنى: اجعلوا بينكم وبينه يوماً تعرفونه.
* * * * أبو هريرة رضي الله تعالى عنه - إن الشيطان إذا سمع الأذان خرج وله حصاص.
هو حدة العدو، وقيل: هو أن يمصع بذنبه، ويصر بأُذنيه ويعدو. وقال:
عجرَّدٌ كالذِّئب ذي الحُصَاص ... يُوضع تحت القمر الوَبَّاص
وقيل هو الضراط.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - أتته امرأة فقالت: إن أبنتي عريس، وقد تمعط شعرها، وأمروني أن أُرجلها بالخمر. فقال: إن فعلت ذاك فألقى الله تعالى في رأسها الحاصة.
هي العلة التي تحُصُّ الشعر، أي تنثره وتذهب به.
ويقال: بينهم رحم حاصة، إذا قطعوهان بمعنى محصوصة، والتحقيق ذات حصّ.
عريس: تصغير عروس، ولم تدخله تاء التأنيث لقيام الحرف الرابع مقامها، ومثله قُليص وعُقيرب، وقد شذ قديدمة وورية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - أُفلت وانحص الذنب.
هو مثل فيمن أشفى ثم نجا، وحديثه في :كتاب المستقصي.
* * * * حصيف العقدة في " كل " . ليس مثل الحصر في " رج " . ذنوب حصان في " فق " . وحصلبها في " سل " . في مؤخر الحصار في " خذ " . قد حصبوا في " فر " .
* * * *
الحاء مع الضاد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أهدى له هدية فلم يجد شيئاً يضعها عليه فقال: ضعه بالحضيض، فإنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد.
هو قرار الأرض بعد منقطع الجبل، قال امرؤ القيس:
فلما أجنّ الشمسَ منى غُؤورها ... نزلتُ إليه قائما بالحضيضِ
* * * * قال صلى الله عليه وسلم لعامر بن الطفيل: أسلم تسلم، فقال: على أن تجعل لي نصف ثمار المدينة، وتجعلني والي الأمر من بعدك. فقال له أُسيد بن حضير: اخرج بذمتك لا أُنفذ حضنيك بالرمح، فوالله لو سألتنا سيابة ما أعطيناكها.
هما الجنبان، وأحضان كل شيء: جوانبه. السيابة: البلحة.
* * * * إن بغلته صلى الله عليه وآله وسلم لما تناول الحصى ليرمي به يوم حنين فهمت ما أراد، فانحضجت.
أي انبسطت، ويقال: انحضج بطنه: إذا اتسع وتفتق سمنا. قال:
وقَلَّصَ بُدْنَه بَعْدَ انحِضَاجِ
وانحضج من الغيظ: انقدّ وانشقّ.
ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: إنه قال في الركعتين بعد العصر: أما أنا فلا أدعهما، فمن شاء أن ينحضج فلينحضج. وقيل معناه: من شاء أن يسترخي في ادائهما ويقصَّر فشأنه.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - قال يوم أتى سقيفة بني ساعدة للبيعة: فإذا إخواننا من الأنصار يريدون أن يختزلوا الأمر دوننا ويحضنونا عنه.
أي يحجبونا ويجعلونا في حضن، أي في ناحية.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: إنه أوصى إلى الزبير وإلى ابنه عبد الله بن الزبير، وقال في وصيته: إنه لا تزوج امرأة من بناته إلا بأذنها، ولا تحضن زينب امرأة عبد الله عن ذلك.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - قال كعب بن عجرة: ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فتنة فقرَّبها وعظمها، ثم مر رجل متقنع في ملحفة، فقال: هذا يومئذ علىالحق. فانطلقت محضرا فأخذت بضبعه، فقلت: أهذا هو يا رسول الله؟ قال: هذا فإذا هو عثمان بن عفان.
أي مسرعا.
* * * * عمران رضي الله تعالى عنه - أقسم لأن أكون عبدا حبشيا في أعنز حضنيات أرعاهن حتى يدركني أجلي أحب إليّ من أن أرمي في أحد الصفين بسهم أصبت أو أخطأت.
نسبها إلى حضن، وهو جبل في أول حدود نجد. ومنه قولهم: أنجد من رأى حضناً. يعني أن ذلك أحب إليّ من أن أشهد حربا في فتنة.
* * * * الحضرمي في " ظل " . وفي " ذي " . أحاطوا ليلا بحاضر في " جب " .
* * * *
الحاء مع الطاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال علي عليه السلام: لما خطبت فاطمة عليها السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعندك شيء؟ قلت: لا. قال: فأين درعك الحطمية التي أعطيتك؟ قلت: هاهي ذه. قال: أعطها. ودخل علينا، وعلينا قطيفة، فلما رأيناه تحشحشنا، فقال: مكانكما. وفيه: قلت يا رسول الله؛ هي أحب إليك مني. قال: هي أحب منك، وأنت أعز عليّ.
هي منسوبة إلى حطمة بن محارب، بطن من عبد القيس يعملون الدروع.
* * * * التحشحش: التحرك للنهوض.
شر الرعاء الحُطمة.
هو الذي يعنف بالإبل في السوق والإيراد والإصدار فيحطمها؛ ضربه مثلا لوالي السوء.
* * * * جلس صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى غصن شجرة يابسة فقال بيده، فحط ورقها.
الحط والحت بمعنى واحد.
* * * * قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أخذ بقفاي، فحطأني حطأة فقال: اذهب فادع إليّ معاوية - وكان كاتبه - وروى: فحطاني حطوة - غير مهموز.
الحطء: الضرب بالكف ميسوطة كاللطح. وقيل: هو الدفع، يقال: حطأت القدر بزبدها: دفعته ورمت به، وحطأ بسلحه وضرطه، وكان الحطيئة يلعب مع الصبيان فضرط فضحكوا فقال: ما لكم؟ إنما كانت حطيئة، فلزمته نبزا.
ومنه حديث معاوية رضي الله تعالى عنه: إن المغيرة قال له حين ولى عمراً: ما لبثك السهمي أن حطأ بك إذ تشاورتما.
أي دفعك عن رأيك. وعن ابن الأعرابي: الحطو: تحريك الشيء مزعزعا.
* * * * حطاما في " خض " .
* * * *
الحاء مع الظاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - سأله أبيض بن حمّال عن حمى الأراك. فقال: لا حمى في الأراك. فقال: أراكة في حظاري. قال: لا حمى في الأراك.
أراد أرضاً قد حظرها وحوط عليها. وفيه لغتان: الفتح والكسر؛ وحين أحياها كانت تلك الأراكة فيها.
* * * * عمر رضي الله عنه - من حظ الرجل نفاق أيمه وموضع حقه.
الحظ: الجدن وفلان حظيظ ومحظوظ.
والأيم: التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا؛ أي من جده ألا تبور عليه بناته وأخواته، وأن يكون حقه في ذمة مأمون جحوده وتهضمه.
* * * * لا يحظر في " ند " .
* * * *
الحاء مع الفاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أُتي بتمر وهو محتفز فجعل يقسمه.
هو المستوفز المريد للقيامن من حفزه: إذا أزعجه. ومنه: الليل يسوق النهار ويحفزه.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنه ذُكر القدر عنده فاحتفز وقال: لو رأيت أحدهم لعضضت بأنفه.
أي قلق وشخص به ضجراً.
* * * * عن أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه - سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التوبة النصوح، فقال: هو الندم على الذنب حين يفرط منك، وتستغفر الله بندامتك عند الحافر، ثم لا تعود إليه أبدا.
كانوا لكرامة الفرس عندهم ونفاستهم بها لا يبيعونها بالنساء فقالوا: النقد عند الحافر، وسيروه مثلا، أي عند بيع الحافر في أول وهلة العقد من غير تأخير، والمراد بالحافر ذات الحافر وهي الفرس. ومن قال: عند الحافرة فله وجهان: أحدهما - أنه لما جعل الحافر في معنى الدابة نفسها، وكثر استعماله على ذلك من غير ذكر الذات فقيل: اقتنى فلان الخف والحافر؛ أي ذواتهما، ألحقت به علامة التأنيث إشعارا بتسمية الذات بها. والثاني - أن يكون فاعلة من الحفر؛ لأن الفرس بشدة دوسها تحفر الأرض، كما سميت فرسا لأنها تفرسها: أي تدقها؛ هذا أصل الكلمة، ثم كثرت حتى استعملت في كل أولية؛ فقيل: رجع إلى حافره وحافرته، وفعل كذا عند الحافر والحافرة. والمعنى تنجيز الندامة والاستغفار عند مواقعة الذنب من غير تأخير؛ لأن التأخير من الإصرار.
الباء في " بندامتك " بمعنى مع، أو بمعنى الاستعانة؛ أي بطلب مغفرة الله بأن تندم.
الواو في وتستغفر للحال، أي هو الندم منك مستغفرا، ويحتمل أن يعطف على الندم على أن أصله وأن تستغفر فحذف. كقوله:
ألاَ أيّهذا اللائمي أَحْضُرَ الوَغَى
النصوح: هي التي يناصح فيها الإنسان نفسه مبالغا، فجعل الفعل لها كأنها هي التي تبالغ في النصيحة.
* * * * سئل: متى تحل الميتة؟ فقال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها.
الاحتفاء: اقتلاع الحفأ، وهو البردي، وقيل: أصله، فاستعير لاقتلاع البقل.
وروى: تحتفوا، من احتفى القوم المرعى: إذا رعوه وقلعوه.
وروى: تحتفوا، من احتفاف النبت وهو جزه. وحفت المرأة وجهها واحتفت.
وروى: تجتفئوا، بالجيم، من اجتفاء الشيء: إذا قلعته ورميت به. ومنه الجفاء.
وروى: تختفوا بالخاء، من اختفيت الشيء: إذا أخرجته. والمختفي: النبَّاش.
ما: مصدرية مقدر قبلها الزمان، والمعنى: وقت فقد صبوحكم.
أمر أن تحفى الشوارب وتعفى اللحى.
* * * * الإحفاء والحفو: أن يلزق الجز.
والإعفاء: التوفير، من عفا الشيء: إذا كثر، وعفوته وأعفيته.
* * * * إنا لم نشبع من طعام إلا على حفف.
وروى: ضفف - وروى: شظف.
الثلاثة في معنى ضيق المعيشة وقلتها وغلظتها، يقال: أصابه حفف وحفوف، وحفت الأرض: إذا يبس نباتها.
وعن الأصمعي رحمه الله: أصابهم من العيش ضفف؛ أي شدة، وفي رأي فلان ضفف؛ أي ضعف، وما رئي على بني فلان حفف ولا ضفف: أي أثر عوز، والمعنى: أنه لم يشبع إلا والحال خلاف الرخاء والخصب عنده، وقيل: معناهما اجتماع الأيدي وكثرة الأكلة؛ أي لم يأكل وحده، ولك مع الناس.
* * * * عطس عنده رجل فوق ثلاث، فقال له: حفوت.
الحفو: المنع، يقال: حفاه من الخير؛ أي منعتنا أن نشمتك بعد الثلاث.
ومنه: إن رجلاً سلَّم على بعض السلف فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الزاكيات، فقال له: أراك قدحفوتنا ثوابها.
أخذته كله وحرمتنا.
وروى: حقوت بالقاف؛ أي شددت، من الحقو وهو الإزار الذي يشد على الخصر، والمعنى واحد؛ لأن الشد من باب المنع.
* * * * استعمل رجلا فأهدى إليه فقال: هذا لي، فقال: ألا جلس في حفش أمه، فلينظر أكان يُهدى إليه شيء؟ هو البيت الصغير، من الحفش وهو الجمع لاجتماع جوانبه. قيل للسفط والسنام حفش. ومنه حديث زينب رضي الله عنها - كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به، فقلّ ما تفتض بشيء إلا مات.
أي تكسر به ما كانت فيه من العدة، وتخرج منه به. قيل: كانت تمسح به قُبلها فلا يكاد يعيش - وروى: فتقبص؛ من القبص، وهو الأخذ بأطراف الأصابع.
* * * * يذهب الصالحون الأُول فالأُول حتى يبقى حفالة كحفالة التمر.
هي الخشارة.
* * * * صلى فجاء رجل قد حفزه النفسن فقال: الله أكبر، حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه. فلما قضى صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات؟ فأرم القوم - وروى: " فأزم القوم " .
حفزه: أقلقه وجهده.
الإرمام: السكوت. قال:
يسرون والليلُ مُرِمٌّ طائره
والأزم: الإمساك. حمداً: نصب بفعل مضمر، أراد أحمده حمداً.
* * * * إن الله تعالى يقول لآدم عليه السلام: أخرج نصيب جهنم من ذزيتك، فيقول يا ربِّ؛ كم؟ فيقول: من كل مائة تسعة تسعين. فقالوا: يا رسول الله؛ احتفينا إذن، فماذا يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود.
اي استؤصلنا.
* * * * نهى عن بيع المحفلة، وقال: إنها خلاَّبة.
هي التي حفِّل اللبن في ضرعها أياما ليغتر بها المشتري؛ فيزيد في الثمن.
الضمير في " إنها " للفعلة، ويجوز أن يرجع إلى المحفلة، ويكون سبيل الكلام سبيل قولها:
فإنما هي إقْبَال وإدْبَارُ
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - إنما نحن حفنة من حفنات ربنا.
هي ما يملأ الكفين من دقيق أو غيره. ويقال: حفن له حفنة: إذا أعطاه قليلا، كأنه لم يزده على ملءِ الكفين. والمعنى: إنا على كثرتنا يوم القيامة قليل عند الله عز وجل.
* * * * عمر رضي الله عنه - كان أصلع له حفاف.
حفافا الشيء: جانباه. وقولهم: بقي من شعره حفاف: هو أن يصلع وتبقى طرّة من الشعر حول رأسه.
* * * * أنزل أويسا القرني فاحتفاه.
أي بالغ في إلطافه واستقصى.
* * * * علي عليه السلام - سلم عليه الأشعث فرد عليه بغير تحفٍّ.
الحفاوة والتحفي: الإكرام بالمسألة والإلطاف.
* * * * معاوية رضي الله تعالى عنه - بلغه أن عبد الله بن جعفر حفف وجهد من بذله وإعطائه؛ فكتب إليه يأمره بالقصد، وينهاه عن السرف. وكتب إليه بيتين من شعر:
لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُه فيُغْنِى ... مَفَاقِرَه أعفُّ من القُنُوع
يَسُدُّ بهِ نَوَائِبَ تَعْتَرِيه ... مِنَ الأَيام كالنُّهُلِ الشُّرُوعِ
حفف: مبالغة في حفّ؛ أي جهد وقلّ ماله، من حفّت الأرض.
المفاقر: جمع فقر على غير قياس، كالملامح والمشابه، ويجوز أن يكون جمع مفقر؛ مصدر من أفقره الله، أو مفتقر بمعنى الافتقار، أو مفقر وهو الشيء الذي يورث الفقر.
القنوع: السؤال. يقال: قنع إلى فلان يقنع.
النهل: الإبل العطاش، جمع ناهل. الشروع: الشاربة في الماء. والبيتان للشماخ.
* * * * محفود في " بر " . أن أحفظ الناس في " به " . كدت أُحفى فمي في " در " . الحوفزان في " نس " . فلتحتفر في " خو " . أخشى حفده في " كل " . حفلت له في " زف " . حفوفا في " بل " .
* * * *
الحاء مع القاف
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أعطى النساء اللواتي غسَّلن ابنته حقوه، فقال: أشعرنها إياه.
الحقو: الإزار الذي يشد على الحقو، وهو الخصر.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه: لا تزهدن في جفاء الحقو، فإن يكن ما تحته جافياً فإنه أستر له، وإن يكن ما تحته لطيفا فإنه أخفى له.
أشعرنها إياه: أي اجعلن لها الحقو شعاراً، وهو الثوب الذي يلي الجسد.
جفاء الحقو: أن تجعله جافيا؛ أي غليظاً بأن تضاعف عليه الثياب لتستر مؤخرها.
* * * * نهى عن المحاقلة والمزابنة، ورخَّص في العرايا.
الحقل: القراح من الأرض، وهي الطيبة التربة، الخالصة من شائب السبخ، الصالحة للزرع.
ومنه حقل يحقل، إذا زرع، والمحاقلة: مفاعلة من ذلك، وهي المزارعة بالثلث والربع وغيرهما. وقيل: هي اكتراء الأرض بالبرّ. وقيل: هي بيع الطعام في سنبله بالبرّ. وقيل: بيع الزرع قبل إدراكه.
المزابنة: بيع التمر في رءوس النخل بالتمر؛ لأنها تؤدي إلى انزاع والمدافعة، من الزبن وهو الدفع.
العرية: النخلة التي يعريها الرجل محتاجاً، أي يجعل له ثمرتها، فرخّص للمعري أن يبتاع ثمرتها المعري بتمر لموضع حاجته؛ سميت عرية؛ لأنه إذا وهب ثمرتها فكأنه جردها من الثمرة وعرَّاها منها، ثم اشتق منها الإعراء.
* * * * مر هو وأصحابه وهم محرمون بظبي حاقف في ظل شجرة، فقال: يا فلان؛ قف هاهنا حتى يمر الناس لا يريبه أحد بشيء.
هو المحقوقف؛ وهو المنعطف المنثني في نومه، وقيل: هو الكائن في أصل حقف من الرمل.
لا يريبه: لا يوهمه الأذى، ولا يتعرض له به.
* * * * قال للنساء: ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق.
هو أن يركبن حُقها وهو وسطها. يقال: سقط على حاقِّ القفا وحُقَّه.
عليك، جعل اسما للفعل الذي هو خذ، فقيل: عليك زيدا وبزيد، كما قيل: خذه وخذ به.
الحافة: الناحية، وعينها واو، بدليل قولهم في تصغيرها حويفة، وتحوّفه بمعنى تطرفه. قال:
تَحَوَّفَ غَدْرهم مَالِي وأهدى ... سَلاَسِلَ في الحُلوق لها صَلِيلُ
وأما تحيفه فمن الحيف.
* * * * عن عبادة بن أحمر المازني: كنت في إبلي أرعاها، فأغارت علينا خيل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أو خيل أصحابه، فجمعت إبلي، وركبت الفحل، فحقب فتفاج يبول، فنزلت عنه، وركبت ناقة منها، فنجوت عليها وطردوا الإبل.
الحقب: أن يتعسر البول على البعير. ومنه: حقب عامنا: إذا احتبس مطره. وقيل: هو أن يقع الحقب على ثيله فيورثه ذلك.
التفاج: تفاعل من الفجج، وهو أبلغ من الفجح.
والمعنى: ففرج بين رجليه يريد أن يبول.
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - خرج إلى المسجد، فقيل: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجني إلا ما أجد من حاقِّ الجوع.
أي من صادقه، ويقولون: فلان والله حاق الرجل، وحاق الشجاع، وحاقة الرجل وحاقة الشجاع.
والمعنى: صادق جنسه في الرجولية والشجاعة.
وروى: من حاق الجوع، وهو من حاق به البلاء يحيق حيقاً وحاقاً: أي من اشتمال الجوع، ويجوز أن يكون بمعنى حائق، كالشاك والنال.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - لما طُعن أُوقظ للصلاة، فقيل: الصلاة يا أمير المؤمنين. فقال: الصلاة والله إذن ولا حقَّ.
أي الصلاة مقضية إذن ولا حق مقضي غيرها؛ كأنه أراد أن في عنق حقوقاً جمة مفترضا عليه الخروج عن عهدتها، وهو غير مقتدر عليه؛ فهب أنه قضى حق الصلاة فما بال الآخر؟ وقيل معناه: ولا حظ في الإسلام لمن تركها. ويحتمل: ولا حظ لي فيها؛ لأنه وجد نفسه على حال سقطت عنه الصلاة فيها؛ وهذا أوقع.
* * * *
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - قال في قُرَّاء القرآن: متى ما تغلوا تحتقروا.
التحاق والاحتقاق: التخاصم، وأن يقول كل واحد: الحق معي.
* * * * في الحديث: لا رأي لحاقن ولا حاقب ولا حازق.
الحاقب: المحصور.
والحازق: الذي ضاق خفه فحزق قدمه، أي ضغطها، وهو فاعل بمعنى مفعول. ويجوز أن يكون بمعنى ذي الحزق، كما قيل في: ماء دافق، وعيشة راضية.
* * * * لا يصلين أحدكم وهو حقن حتى يتخفف.
هو الحاقن.
* * * * ما تصنعون بمحاقلكم.
هي المزارع، الواحدة محقلة.
* * * * حقبه في " ضج " . الحقل في " رب " . حقاق العرفط في " قل " . الحقاق في " نص " . نفج الحقيبة في " خض " . على أحقابها في " خط " . حاقنتي في " سح " . كحق الكهول في " عص " . المحقب في " أم " . كل حقّ في " حق " . حقوت في " حف " . الحقحقة في " سو " .
* * * *
الحاء مع الكاف
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: قال لي أبو جهل بن هشام: والله إني أعلم أن ما يقول محمد صلى الله عليه وآله وسلم حقّ، ولكن قالت بني قصي: فينا الحجابة! فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا اللواء! قلنا: نعم، ثم قالوا: فينا الندوة! قلنا: نعم. ثم قالوا: فينا السقاية! قلنا: نعم. ثم أطعمونا وأطعمنا، حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي؛ والله لا أفعل! أي تماست واصطكت، والمراد تساويهم في الشرف وتشاكلهم في المنزلة. وقيل: تجاثيهم على الركب للتفاخر.
وأراد بالإطعام: الرفادة. كانوا يترافدون فيشترون الجُزر والكعك والسويق، ويطعمون الحاج، ويقولون: نحن أهل الله وجيران بيته، والحاج وفد الله وضيفانه؛ فنحن أولى بقراهم.
وعنى بالندوة تناديهم في دار عبد المطلب للتشاور إذا حزبهم أمر.
* * * * سأله صلى الله عليه وآله وسلم النوّاس بن سمعان عن البر والإثم، فقال: البر حسن الخلق، والإثم ماحك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس.
أي أثر في قلبه وأوهمه أنه ذنب وخطيئة.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: الإثم ماحك في صدرك وإن أفتاك الناس عنه وأقنوك.
أي أرضوك.
ومنه الحديث: إياكم والحكاكات، فإنها المآثم.
أي الأمور التي تحك في الصدور.
وروى: ما حاك، من قولهم: حاك فيه السيف وأحاك.
* * * * عمر رضي الله عنه: إن العبد إذا تواضع رفع الله حكمتهن وقال: انتعش نعشك الله، وإذا تكبر وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض.
الحكمة من الإنسان: أسفل وجهه، ورفع الحكمة كناية عن الإعزاز؛ لأن من صفة الذليل أن ينكس ويضرب بذقنه صدره. وقيل: الحكمة القدر والمنزلة، من قولهم: لا يقدر على هذا من هو أعظم حكمة منك.
وهصه: كسر ودقه.
* * * * أبو هريرة رضي الله تعالى عنه - قال في الكلاب: إذا وردن الحكر الصغير لا تطعمه.
هو الماء المستنقع في وقبة من الأرض، لأنه يحكر أي يجمع ويحبس، من احتكار الطعام.
لا تطعمه: أي لا تشربه. ومنه قوله تعالى: (ومَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فإنَّهُ منِّي).
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قرأت المحكم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وأنا ابن اثنتي عشرة سنة.
يعني المفصل، سمي محكما لأنه لم ينسخ منه شيء، وقيل: يعني ما لم يكن متشابهاً؛ لأنه أُحكم بيانه بنفسه، ولم يفتقر إلى غيره.
* * * * كان الرجل يرث امرأة ذات قرابته، فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله تعالى عن ذلك ونهى عنه.
أي منع، يقال: حكمت الفرس وحكَّمته وأحكمته: إذا قدعته. قال:
أَبنِي حَنِيَفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكم ... إنّي أَخَافُ عليْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا
* * * * كعب رحمه الله - ذكر داراً في الجنة ووصفها، ثم قال: لا ينزلها إلا نبي أو صدّيق، أو شهيد، أو مُحكَّم في نفسه، أو إمام عادل.
هو الذي يخير بين الشرك والقتل فيختار القتل.
ومنه الحديث: إن الجنة للمحكمين - وروى بالكسر، وفُسر بأنه المنصف من نفسه.
* * * * النخعي رحمه الله - حكم اليتيم كما تحكم ولدك.
أي امنعه من الفساد.
* * * * الحكم في " عص " . حكرة في " عي " ز المحكك في " جذ " . الحكم في الأنصار في " دع " . إذ حككت قرحة في " قف " .
* * * *
الحاء مع اللام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن حلوان الكاهن.
هو أجرته، يقال: حلوته كذا، إذا حبوته به، فحُلي به؛ إذا ظفر به. واشتقاقه من الحلاوة.
* * * * أمر معاذا رضي الله تعالى عنه أن يأخذ من كل حالم ديناراً.
قيل: المراد كل من بلغ وقت الحلم، حلم أو لم يحلم.
ومنه الحديث: الغسل يوم الجمعة واجب على كل حالم.
* * * * إن امرأة توفي عنها زوجها، فاشتكت عينها، فأرادوا أن يداووها، فسُئل صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: فكانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها في بيتها إلى الحول، فإذا كان الحول، فمر كلب رمته ببعرة ثم خرجت، أفلا أربعة أشهر وعشراً.
الحلس: كساء يكون على ظهر البعير تحت البرذعة، ويبسط في البيت تحت حر الثياب، وجمعه أحلاس. قال:
ولا تَغُرَّنْكَ أَضْغَانٌ مُزَمَّلة ... قد يُضْرَب الدّبر الدَّامي بأَحْلاسِ
والمعنى أنها كانت في الجاهلية إذا أحدت على زوجها اشتملت بهذا الكساء سنة جرداء، فإذا مضت السنة رمت الكلب ببعرة، ترى أن ذلك أهون عليها من بعرة يُرمى بها كلب، فكيف لا تصبر في الإسلام هذه المدة. وأربعة أشهر منصوب بتمكث مضمرا.
وفي حديثه: إنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذكر الفتن حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله؛ وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي هرب وحرب. فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجلٍ من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني؛ إنما أوليائي المتقون؛ ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء، لا تدع من هذه الأمة أحداً إلا لطمته.
كأن لها أحلاساً تغشيها الناس لظلمتها والتباسها، وهي ذات دواه وشرور راكدة لا تقلع بل تلزم لزوم الأحلاس.
السرَّاء: البطحاء.
الدخن: من دخنت النار دخناً إذا ارتفع دخانها، وقيل: الدخن: الدخان.
من تحت قدمي رجل: أي هو سبب إثارتها.
كورك على ضلع: مثل، أي لا يستقل بالملك ولا يلائمه، كما أن الورك لا يلائم الضلع.
الدهيماء: الداهية.
ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم: مررت على جبرائيل ليلة أُسري بي كالحلس من خشية الله.
ويشبه به الذي لا يبرح منزله، فيقال: هو حلس بيته.
ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه: كن حلس بيتك، حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية.
وكذلك الذي يلزم ظهر فرسه فيقال: هو من أحلاس الخيل.
ومنه حديث معاوية رضي الله عنه، دخل عليه الضحاك بن قيس، فقال معاوية:
تطاولت للضّحاك حتى ردَدْته ... إلى حَسَبٍ في قومه مُتَقَاصِر
فقال الضحاك: قد علم قومنا أنا أحلاس الخيل، فقال: صدقت، أنتم أحلاسها ونحن فرسانها!.
أراد أنتم راضتها وساستها، فتلزمون ظهورها أبداً؛ ونحن أهل الفروسية.
ويحتمل أن يذهب بالأحلاس إلى الأكسية، ويريد أنكم بمنزلتها في الضعة والذلة، كما يقال للمستضعف: بردعة وولية.
* * * * لا يموت لمؤمن ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم.
مثل في القليل المفرط القلة، وهو أن يباشر من الفعل الذي يقسم عليه المقدار الذي يبر به قسمه ويحلله، مثل أن يحلف على النزول بمكان، فلو وقع به وقعة خفيفة فتلك تحلة قسمه. قال ذو الرمة:
طَوَى طيَّة فَوْقَ الكرى جَفْن عَيْنِه ... على رَهباتٍ منْ حَنَاِن المُحَاذِر
قليلاً كَتَحْليل الأُلَى ثم قلَّصت ... به شيمةٌ رَوْعاء تَقْلِيصَ طَائِرِ
والمعنى: لا تمسه النار إلا مسة يسيرة مثل تحليل قسم الحالف، ويحتمل أن يراد بالقسم قوله تعالى: (وإنْ منكم إلاّ وَارِدُها كانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا). لأن ما حتمه الربُّ على نفسه جار في التأكيد مجرى المقسم عليه، ويعني بتحلته الورود والاجتياز.
* * * * لعن من النساء الحالقة والسالقة والخارقة والمنتهشة والممتهشة.
الحالقة: التي تحلق شعرها.
السالقة: التي تصرخ عند المصيبة، والسلق والصلق: الصوت الشديد.
الخارقة: التي تخرق ثوبها.
المنتهشة: التي تخمش وجهها، وتأخذ لحمه بأظفارها، من قولهم: انتهشه الذئب والكلب والحية، وهي عضة سريعة لها مشقة.
الممتهشة، جاء في الحديث: أنها التي تحلق وجهها بالموسى للزينة؛ قيل: كأن هاءها مبدلة من حاء، من المحش، وهو السحج والقشر، يقال: مرَّ بي فمحشني.
* * * * حالف صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في دار أنس التي بالمدينة.
أي آخى بينهم وعاهد.
* * * *
كان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل دعا بشيء نحو الحلاب.
هو المحلب، قال:
صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ ... رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَا في الْحِلاَبِ
ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: كان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء مثل الحلاب، فأخذ بكفه، فبدأ بشقِّ رأسه الأيمن، ثم الأيسر.
وروى: " مثل الجلاب " بالجيم والضم، وفسر بماء الورد، وأنه فارسي معرّب.
* * * * لما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه يوم بدر قال: إنه إنما يستنطق الأنصار شفقاً ألا يستحلبوا معه على ما يريد من أمره.
استحلاب القوم، مثل إحلابهم؛ وهو اجتماعهم للنصرة وإعانتهم، إلا أن في الاستحلاب معنى طلب الفعل وحرص عليه، وأصل الإحلاب: الإعانة على الحلب، ثم كثر حتى استعمل في كل موضع، والمعنى ما يستشيرهم إلا خوفاً من أن يتركوا إعانته. وشفقاً: مفعول له، وحرف الجر محذوف قبل أن. وأن مع ما في حيِّزها منصوبة المحل بالمصدر المفضي إليها بعد حذف الجار.
* * * * أحلوا الله يغفر لكم.
أي أسلموا لله، ومعناه الخروج من حظر الشرك وضيقه إلى حل الإسلام وسعته، من أحلَّ المحرم.
وروى: " أجلوا بالجيم " ، أي قولوا له: يا ذا الجلال، وآمنوا بعظمته وجلاله.
* * * * لا أُتي بحال ولا محلل له إلا رجمتها.
يقال: حللت لفلان امرأته فأنا حالٌ وهو محلول له: إذا نكحها لتحل للزوج الأول، وهو من حل العقدة. ويقال: أحللتها له وحللتها.
وعنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إنه لعن المُحلل والمحلَّل له.
وروى: لعن المُحِلَّ والمُحَلَّ له.
* * * * سُئل صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال: الحالّ المرتحل. قيل وما ذاك؟ قال: الخاتم المفتتح.
أراد الرجل المواصل لتلاوة القرآن الذي يختمه ثم يفتتحه، شبهه بالمسافر الذي لا يقدم على أهله فيحل إلا أنشأ سفرا آخر فارتحل.
وقيل: أراد الغازي الذي لا يقفل عن غزو فيختمه إلا عقَّبه بآخر يفتتحه.
والتقدير عمل الحال المرتحل، فحذف لأنه معلوم.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - مرَّ بالنهدية إحدى مواليه، وهي تطحن لمولاتها وهي تقول: والله لا أعتقك حتى يعتقك صباتك، فقال أبو بكر رضي الله عنه: حلاًّ أم فلان! واشتراها فأعتقها.
حلاًّ: بمعنى تحللاً، من تحلل في يمينه إذا استثنى، وهو في حذف الزوائد منه ورده إلى ثلاثة أحرف للتخفيف نظير عمرك الله، بمعنى تعميرك الله، وانتصابه بفعل مضمر تقديره تحللي حلاًّ.
قال عبيد:
حِلاًّ أَبَيت اللَّعْن حِلاًّ ... إنَّ فيما قُلْتَ آمَهْ
يقال هذا لمن يحلف على ما ليس بمرضي؛ ليكون له سبيل بالاستثناء إلى إتيان المرضى مع إبرار اليمين، وأرادت بالصباة المسلمين، أي حتى يشتريك بعضهم فيعتقك.
الموالي: جمع مولى ومولاة، لأن مفعلا ومفعلة يجمعان على مفاعل.
* * * * عمر رضي الله عنه - قضى في الأرنب يقتلها المحرم بحُلام - وروى بالنون.
الحُلاَّن: الجدي أو الحمل، يسمى بذلك حين تضعه أمه فيحل بالأرض، ويلزمه ما دام صغيراً. قال ابن أحمر:
يُهْدَى إليه ذِرْاُع الْجَدْيِ تَكْرِمَةً ... إِمَّا ذَبِيحاً وإمَّا كان حُلاّناً
أراد إما كبيراً قد استحق أن يذبح، وإما صغيراً قريب العهد بالوضع.
وأما الحلام فميمه بدل من النون، وقيل: هو الصغير الذي حلَّمه الرضا، أي سمَّنه؛ من تحلم الصبي إذا سمن واكتنز.
وفي حديث عثمان رضي الله عنه: إنه قضى في أم حبين بحُلان.
* * * * من كان حليفاً أو عريراً في قوم عقلوا عنه ونصروه فميراثه لهم، إذا لم يكن له وارثٌ معلوم.
الحليف: المحالف، وهو المعاهد.
والعرير: النزيل فيهم ليس من أنفسهم؛ من عرَّه واعتراه، إذا غشيه.
عقلوا عنه، أي وجبت عليه دية فأدوها عنه.
* * * * إن علياً عليه السلام أرسل أم كلثوم إليه وهي صغيرة، فقالت: إن أبي يقول لك: هل رضيت الحُلَّة؟ فقال: نعم قد رضيتها.
كان قد خطب إلى علي عليه السلام ابنته، فاعتذر إليه بصغرها، وأرسلها إليه ليراها إعذاراً، وجعل الحُلة كناية عنها، وقد يكنى عن النساء باللباس.
* * * *
أبو ذر رضي الله عنه - قال لحبيب بن مسلمة: هل يوافقكم عدوكم حلب شاة نثور؟ وروى: فتوح. قال: أي والله وأربع عزز، فقال: غللتم والله.
الحلب بالتحريك: مصدر حلب، والمعنى وقت حلب شاة، فحذف؛ ومثله قولهم: آتيك خفوق النجم.
النثور والفتوح: الواسعة الإحليل، كأنها تنثر الدر نثراً وتفتح سبيله فتحاً. أي بمعنى نعم؛ إلا أنها تختص باإتيان مع القسم؛ إيجاباً لما سبقه من الاستعلام، ونعم تأتي مع القسم وغيره.
العزز: جمع عزوز، وهي الضيقة الإحليل، كأنها تعز حالبها على الدر، أي تغلبه عليه وتمنعه إياه.
غللتم، أي خنتم في القول ولم تصدقوا.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - لما نزل تحريم الخمر كنا نعمد إلى الحلقانة، وهي التذنوبة، فنقطع ما ذنب منها حتى نخلص إلى البسر ثم نفتضخه.
إذا بلغ الإرطاب ثلثي البسر فهو حلقان، ووزنها فعلال؛ لأن نونها يقضي على إصالتها قولهم: حلقن البسر فهو محلقن. ونظيره دهقان وشيطان نص سيبويه على أن نونيهما أصليتان مستدلاًّ بتدهقن وتشيطن، وإذا رطَّب من قبل ذنابه فهو التَّذنوب وقد ذنّب.
افتضاخه: أن يفضخ باليد، وهو شدخه، فيتخذ منه شراب يسمونه الفضيخ.
* * * * كان يتوضأ إلى نصف الساق ويقول: إن الحلية تبلغ مواضع الوضوء.
أراد بالحلية التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء. من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن أمتي يوم القيامة غرّ من السجود محجلون من أثر الوضوء.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - إن حل ليوطي ويؤذي ويشغل عن ذكر الله.
هو زجر للناقة، والمعنى: إن حثك الناقة والتصويت بها في الإفاضة من عرفات يؤدي إلى ذلك فسر على هينتك.
* * * * لقيه عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف في خلافة عمر، فقال: كيف ترون ولاية هذا الأحلافي؟ قال: وجدنا ولاية صاحبه المطيبي خيراً من ولايته.
كانت الرياسة في بني عبد مناف، والحجابة في بني عبد الدار، فأراد بنو عبد مناف أن يأخذوا ما لعبد الدار، فحالف عبد الدار بني سهم ليمنعوهم، فعمدت أم حكيم بنت عبد المطلب إلى جفنة فملأتها خلوقاً، ووضعتها في الحجر، وقالت: من تطيب بهذا فهو منا؛ فتطيب به عبد مناف وأسد وزهرة وبنو تميم؛ فسموا المطيبين، فالمطيبي أبو بكر؛ لأنه من تيم. ونحر بنو سهم جزوراً؛ وقالوا: من أدخل يده في دمها فهو منا؛ فأدخلت أيديها بنو سهم وبنو عبد الدار وجمح وعدي ومخزوم وتحالفوا؛ فسموا أحلافاً؛ فالأحلافي عمر؛ لأنه من عدي.
ويروى: إنه لما صاحت الصائحة على عمر قالت: وا سيد الأحلاف! قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: والمحتلف عليهم؛ يعني المطيبين.
النسبة إلى الأحلاف كالنسبة إلى الأبناء في قولهم أبنائي.
ومنه حديث المغيرة: إنه خرج مع ستة نفر من بني مالك إلى مصر فعدا عليهم، فقتلهم جميعاً، واستاق العير، ولحق برسول الله، فاجتمعت الأحلاف إلى عروة بن مسعود فقالوا: ما ظنك بأبي عمير سيد بني مالك؟ قال: ظني والله أنكم لا تتفرقون حتى تروه يخلج أو يحلج في قومه، كأنه أمة مخرَّبة، ولا ينتهي حتى يبلغ ما يريد ويرضى من رجاله، فما تفرقوا حتى نظروا إليه قد تكتب يزف في قومه.
يخلج: يمشي مسرعا في حثِّ قومه فيحرك في مشيه يديه وأعضاءه فعل الخالج وهو الجاذب.
يحلج: يسرع، من قول العجاج:
تُواضخُ التقريب قِلوا مِحْلَجَا
المخرَّبة: المثقوبة الآذان، من الخربة؛ شبهه بأمة سندية لشدة أدمة لونه.
تكتب: حزَّم، وجمع عليه ثيابه.
يزف: من الزفيف، وهو الإسراع.
* * * * أنس - كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي العصر والشمس بيضاء محلِّقة، فأرجع إلى أهلي فأقول: صلوا.
أي مرتفعة، من حلق الطائر: إذا ارتفع في طيرانه، ومنه الحالق، وهو المكان المشرف، يقال: هوى من حالق.
* * * * عائشة رضي الله عنها - قالت لامرأة مرت بها: ما أطول ذيلها! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اغتبتها، قومي إليها فتحلليها.
التحلل والاستحلال: طلبك إلى الرجل أن يجعلك في حِلّ.
وفي الحديث: من كانت عنده مظلمة من أخيه فليستحله.
* * * * عدي رضي الله عنه - لا يتحلجن في صدرك طعام ضارعت فيه النصرانية.
يقال: دع ما تحلَّج في صدرك وما تخلَّج، أي اضطرب فيه ريب منه، والمعنى: إنه نظيف لا ترتابن فيه.
* * * *
النخعي رحمه الله - قال في المحرم يعدو عليه السبع أو اللص: أحلّ بمن أحلّ بك.
أي من ترك الإحرام وأحلّ بك فقاتلك فأحلل به أنت أيضا وقاتله.
وفي حديث آخر: من حلّ بك فاحلل به.
يقال: حلَّ المحرم صار حلالا، وأحلَّ: دخل في الحلّ.
* * * * الزهري رحمه الله تعالى - ذكر شأن الفيل، وأن قريشا أجلت عن الحرم، ولزمه عبد المطلب، وقال: والله لا أخرج من حرم الله أبتي العز في غيره، وقال:
لا هُمَّ إنَّ المَرْءَ يَمنَعُ رَحْلَه فامْنَعْ حِلاَلَك
لا يَغْلبنَّ صَلِيبُهم ... ومِحَالهم غَدْواً مِحَالك
وأنه رأى في المنام فقيل له: احفر تكتم، بين الفرث والدم. قال: فحفرها القرار، ثم بحرها حتى لا تنزف.
قوم حلة وحلال: أي كانوا مقيمين متجاورين، يريد سكان الحرم.
المحال: الكيد، والاصل في المحل الشدة.
تكتم: من أسماء زمزم؛ لأنها كانت مكتومة، وقد اندفنت بعد أيام جرهم حتى أظهرها عبد المطلب.
بحرها: شقها وأوسعها.
الميمان في لاهم عوض عن حرف النداء عند أصحابنا البصريين.
الغدو: أصل الغدو تامّه، ولم يرد اليوم الذي بعد يومه، وإنما أراد ما قرب من الأوقات المستقبلة، وقد يجري مثل هذا التجوز في اليوم والأمس.
* * * * في الحديث: دب إليكم داء الأمم من قبلكم البغضاء والحالقة.
هي قطيعة الرحم والتظالم، لأنها تجتاح الناس وتهلكهم، كما يحلق الشعر، يقال: وقعت فيهم حالقة لا تدع شيئا إلا أهلكته.
* * * * من تحلم ما لم يحلم.
أي من تكلف حلما لم يره فقد أساء وفعل منكرا.
* * * * حين حلها في " وق " . لحلاوة القفا في " هو " . بفصيل محلول في " خل " . الحلقة في " صف " وفي " ند " . وحلبها على الماء في " طر " . حلبانة في " غف " . حلب امرأة في " نض " . أحلاس الخيل في " جر " . على حلقة في " هت " . ولا حلوب في " بر " . استحلسنا الخوف في " حر " . محلس أخفافها في " نج " . حلأتهم في " بد " . حلاَّ في " قو " . حلقة القوم في " ثل " . حلقي في " عق " . الحلأ في " جل " . أهل الحلقة في " قد " . محلٌّ بقومك في " به " .
* * * *
الحاء مع الميم
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - الحمد رأس الشكر، وما شكر الله عبدٌ إلا بحمده.
الشكر لا يكون إلا على نعمة، وهو مقابلتها قولا وعملا ونية، وذلك أن يثني على المنعم بلسانه، ويدئب نفسه في الطاعة له، ويعتقد أنه ولي النعمة، وقد جمعها الشاعر في قوله:
أَفادَتكُم النعماءُ منِّي ثلاثة ... يَدِي ولِسَاني والضمِيرَ المحجَّبا
وهو من قولهم: شكرت الإبل: إذا أصابت مرعى فغزرت عليه، وفرس شكور إذا عُلف فسمن. وأما الحمد فهو المدح والوصف بالجميل، وهو شعبة واحدة من شعب الشكر، وإنما كان رأسه؛ لأن فيه إظهار النعم والنداء عليها والإشارة بها.
* * * * في كتابه صلى الله عليه وآله وسلم: أما بعد فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أي أنهى إليك أن الله محمود.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إني أحمد إليكم غسل الإحليل.
معناه: أرضاه لكم وأُفضي إليكم بأنه فعل محمود مرضي.
* * * * لقي صلى الله عليه وسلم العدو في بعض مغازيه، فقال: " حم لا يُنصرون " .
وفي حديث آخر: إن بيتم الليلة فقولوا: " حم لا يُنصرون " .
قيل " إن حم من أسماء الله تعالى، وإن المعنى اللهم لا يُنصرون، وفي هذا نظر؛ لأن حم ليس بمذكور في أسماء الله المعدودة، ولأن أسماءه تقدست ما منها شيء إلا وهو صفة مفصحة عن ثناءٍ وتمجيد، وحم ليس إلا اسمي حرفين من حروف المعجم، فلا معنى تحته يصلح لأن يكون به تلك المثابة، ولأنه لو كان اسماً كسائر الأسماء لوجب أن يكون في آخره إعراب؛ لأنه عارٍ من علل البناء؛ ألا ترى أن قاتل محمد بن طلحة بن عبيد الله لما جعله اسما للسورة كيف أعربه، فقال:
يُذَكِّرُني حامِيمَ والرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلاَّ تَلاَ حامِيمَ قبل التَّقَدُّمِ
منعه من الصرف لأنه علم ومؤنث، والذي يؤدي إليه النظر أن السور السبع التي في أوائلها حم سور لها شأن.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إذا وقعت في آل حم فكأني وقعت في روضات دمثات.
فنبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن ذكرها لشرف منزلتها، وفخامة شأنها عند الله عز وجل مما يستظهر به على استنزال رحمة الله في نصرة المسلمين، وفلّ شوكة الكفار، وفضّ خدمتهم.
وقوله: لا ينصرون كلام مستأنف. كأنه حين قال قولوا: حم قال له قائل: ماذا يكون إذا قيلت هذه الكلمة؟ فقال: لا ينصرون.
وفيه وجه آخر؛ وهو أن يكون المعنى وربّ - أو مومُنزل حم لا ينصرون.
* * * * قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقلة كنت أجتنيها - وكان يكنى أبا حمزة.
سُميت لحرافتها بالحمزة وهي اللذعة.
ويحكى أن أعرابياً تغدَّى مع قوم فاعتمد على الخردل فقالوا: ما يعجبك منه؟ فقال: حراوته وحمزه.
* * * * قال جبير بن مطعم رضي الله عنه " أضللت بعيراً لي يوم عرفة، فخرجت أطلبه حتى أتيت عرفة؛ فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله واقفاً بعرفة مع الناس، فقلت: هذا من الحُمس؛ فماله خرج من الحرم؟ الحمس: قريش ومن دان بدينهم في الجاهلية، واحدهم أحمس؛ سموا لتحمسهم أي تشددهم في دينهم. والحمسة: الحرمة مشتقة من اسم الحمس، لحرمتهم بنزولهم الحرم، وكانوا لا يخرجون من الحرم، ويقولون: نحن أهل الله، لسنا كسائر الناس؛ فلا نخرج من حرم الله، وكان الناس يقفون بعرفة وهي خارج الحرم، وهم كانوا يقفون فيه حتى نزل: (ثُمَّ أََِفيضُوا مِنْ حيثُ أفاضَ النَّاسُ).
فوقفوا بعرفة، فلما رأى جبير رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعرفة، ولم يعلم نزول هذه الآية أنكر وقوفه خارج الحرم.
رسول الله: مبتدأ وخبره فإذا، كقولك: في الدار زيد.
وواقفا: حال عمل ما في إذا من معنى الفعل.
* * * * الحميل غارم.
هو الكفيل، يقال حمل به يحمل حمالة.
* * * * إن قوما من أصحابه صلى الله عليه وسلم أخذوا فرخي حُمَّرة، فجاءت الحُمَّرة فجعلت تفرّش.
هي طائر بعظم العصفور، وتكون دهساء وكدراء ورقشاء.
التفرش: أن تقرب من الأرض فترفرف بجناحيها. قال أبو داود:
فأَتَانَا يَسْعَى تَفَرُّشَ أمّ الْبَيْضِ شدًّا وقَدْ تَعَالى النَّهار
* * * * إن وفد ثقيف لما انصرف كل رجل منهم إلى حامَّته قالوا: أتينا رجلاً فظَّا غليظا، قد أظهر السيف، وأداخ العرب، ودان له الناس، وكان لهم بيت يسمونه الربة كانوا يضاهون به بيت الله الحرام، وكان يستر ويهدي اليه، فلما أسلموا جاء المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين فهدمها، فبهت ثقيف، وقالت عجوز منهم: أسلمها الرُّضَّاع وتركوا المصاع.
الحامة: الخاصة.
أداخ: أذلَّ.
دان: أطاع كرها.
الكرزين: الفأس.
الرُّضَّاع: اللئام، جمع راضع، والفعل منه رضع.
المصاع: المماصعة وهي المجالدة.
* * * * بعثت إلى الأحمر والأسود.
أي إلى العجم والعرب؛ لأن الغالب على ألوان العجم الحمرة والبياض، وعلى ألوان العرب الأدمة والسمرة.
وعنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض.
هما الذهب والفضة.
وأما حديث ابن شجرة: أن عمر رضي الله عنه كان يبعثه على الجيوش، فخطب الناس فقال: اذكروا نعمة الله عليكم، ما أحسن نعمته عليكم إن كنتم ترون! ما أرى مما بين أحمر وأصفر وأخضر وأبيض، وفي الرحال ما فيها، إلا أنه إذا التقى الصفان في سبيل الله فُتحت أبواب السماء وأبواب الجنة وأبواب النار، وتزيَّن الحور العين، فإذا أقبل الرجل بوجهه إلى القتال قلن: اللهم ثبته، اللهم انصره. وإذا أدبر احتجبن منه، وقلن: اللهم اغفر له، فانهكوا وجوه القوم، فدى لكم أبي وأمي! ولا تخزوا الحور العين.
فإنه يريد بالألوان التي ذكرها زهرة الدنيا وحسن هيئة القوم في لباسهم.
النهك: الجهد والإضناء.
الفدى - بفتح الفاء مقصور بمعنى الفداء.
لا تُخزوا: من الخزاية وهي الحياء.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - إن أبا الأعور السلمي دخل عليه فقال: إنا قد جئناك في غير محمَّة ولا عدم.
المحمة: الحاجة الحاضرة المهمة، يقال: أحم الأمر إذا دنا، قال:
حَيِّيَا ذَاكما الغَزَالَ الأَجمّا ... إن يكن ذاكما الفِرَاقُ أَحَمَّا
* * * * عمر رضي الله عنه - لا يدخلن رجل على امرأة وإن قيل حموها، ألا حموها الموت!
والأحماء: أقرباء الزوج كالأب والأخ والعم وغيرهم، الواحد حم في غير الإضافة، وإذا أضيف قيل: هذا حموها، ورأيت حماها، ومررت بحميها، وهو أحد الأسماء الستة التي إعرابها بالحروف مضافة، ويقال أيضاً: هذا حما كقفا وهو حماها.
وقوله: ألا حموها الموت معناه أن حماها الغاية في الشر و الفساد، فشبهه بالموت؛ لأنه قصارى كل بلاء وشدة، وذلك أنه شر نت الغريب من حيث أنه آمن مدل، والأجنبي متخوف مترقب، ويُحتمل أن يكون دعاء عليها، أي كأن الموت منها بمنزلة الحم الداخل عليها إن رضيت بذلك.
* * * * قال لرجل: مالي أراك محجماً.
التحميج: إدامة للنظر مع فتح العين وإدارة الحدقة. قال:
وحَمَّجَ للجَبَانِ المَوْ ... تُ حتى قَلْبُهُ يجِبُ
والتحميج مثله.
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أنه اختصم إليه ناس من قريش، وجاءه شهود يشهدون فطفق المشهود عليه يجمح إلى الشاهد النظر.
* * * * أمير المؤمنين علي عليه السلام - كنا إذا احمرَّ البأس اتقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فلم يكن أحد أقرب إلى العدو منه.
أي اشتدت الحرب. ومنه: موت أحمر، وهو مأخوذ من لون السبع، كأنه سبع إذا أهوى إلى الإنسان.
اتَّقينا به: أي استقبلنا به العدو.
* * * * أتاه الأشعث بن قيس وهو على المنبر فقال: غلَّبتنا عليك هذه الحمراء، فقال علي: من يعذرني من هؤلاء الضياطرة، يتخلف أحدهم يتقلب على حشاياه وهؤلاء يهجرون إلى أن طردتهم، إني إذاً لمن الظالمين، والله لقد سمعته يقول: ليضربنكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءًا.
الحمراء: العجم.
الضياطرة: جمع ضيطر، وهو الضخم الذي لا غناء عنده.
التهجير: الخروج في الهاجرة.
الضمير في " سمعته " للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وفي " ليضربنكم " للعجم.
* * * * وعنه: إنه قد عارضه رجل من الموالي فقال: اسكت يا ابن حمراء العجان.
أراد يا ابن الأمة. قال جرير:
إذا ما قلتُ قافيةً شرودا ... تَنَحَّلَهَا ابنُ حَمْرَاءِ العِجَانِ
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - كان حمش الساقين.
أي دقيقهما.
ومنه حديث ابن الحنفية: إنه ذكر رجلا يلي الأمر بعد السفياني، فقالك حمش الذراعين والساقين، مصفح الرأس، غائر العينين، يكون بين شثٍ وطبَّاق.
المصفح: العريض.
الشث والطباق: شجران ينبتان ببلاد تهامة والحجاز، أي يخرج بالمواضع التي هي منابت هذين.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - سُئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: أحمزها.
أي أمتنها وأقواها، من قولهم: رجل حميز الفؤاد وحامزه.
* * * * كان يقول: إذا أفاض من عنده في الحديث بعد القرآن والتفسير: أحمضوا.
يقال: أحمضت الإبل، وحمضت: إذا رعت الحمض عند سآمتها من الخلة، فضرب ذلك مثلا لخوضهم في الأحاديث وأخبار العرب إذا ملوا تفسير القرآن.
ومنه حديث الزهري رحمه الله: الأذن مجاجة وللنفس حمضة.
* * * * حاجّ عمرو بن العاص عند معاوية رضي الله عنهم في آية، فقال عمرو: تغرب في عين حامية، وقال ابن عباس: حمئة، فلما خرج إذا رجل من الأزد قال له: بلغني ما بينكما، ولو كنت عندك أفدتك بأبيات قالها تبّع:
فَرَأَى مغارَ الشمسِ عِنْدَ غُرُوبها ... في عَين ذي خُلُب وثَأْطٍ حَرْمَدِ
فقال: اكتبها يا غلام.
حامية: حارة.
حمئة: ذات حمأة.
الخلب: الطين اللزج وماء مخلب.
الثأط: الحمأة.
والحرمد: الأسود.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يتوضأ ويغتسل بالحميم.
هو الماء الحار.
* * * * قال سعيد بن يسار: قلت له: كيف تقول في التحميض؟ قال: وما التحميض؟ قلت: أن تؤتى المرأة في دبرها. قال: هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! كنى عن ذلك بتحميض الإبل إذا سئمت الخلة.
* * * * المسور رضي الله عنه - ذكر حليمة بنت عبد الله بن الحارث، وأنها خرجت في سنة حمراء قد برت المال، وخرجت بابنها عبد الله ترضعه، ومعها أتان قمراء تُدعى سدرة، وشارف دلقاء يقال لها سمراء لقوح قد مات سقبها بالرأس.
الحمراء: المقحطة.
برت المال: أي هزلت الإبل، والمال عند العرب الإبل؛ لأنها معظم مالها.
قال النابغة:
ونَمْنَح المالَ في الأَمْحَال والغنما
القمراء: البيضاء، ويقال: حمار أقمر.
الشارف: المسنة.
الدلقاء: التي ذهبت أسنانها، ويقال لها الدلوق أيضاً.
* * * * أنس رضي الله عنه - كان يقيم بمكة فإذا حمم رأسه خرج فاعتمر.
هو أن ينبت بعد الحلق فيسود، من حمم الفرخ: إذا اسودَّ جلده من الريش، وحمم وجه الغلام.
* * * * كعب رحمه الله - أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب السالفة: محمد، وأحمد، والمتوكل، والمختار، وحمياطا، وفار قليطا.
معنى حمياطا: حامي الحرم.
وفار قليطا: يفرق بين الحق والباطل.
* * * * شريح رحمه الله - كان يردُّ الحمَّارة من الخيل.
الحمَّارة والحمّار: الخيل التي تعدو عدو الحمير. وقيل: الحمَّارة: أصحاب الحمير كالبغالة والجمَّالة.
والخيل: أصحاب الخيل، من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: يا خيل الله اركبي.
والمعنى: إنه ردَّهم فلم يلحقهم بالفرسان في السهام.
* * * * مسلمة - كان يقول في خطبته: إن أقل الناس في الدنيا همَّا أقلهم حمّا.
هو المتعة، من تحميم المطلقة، وهي أن تمتَّع بثوب أو نحوه. قال:
أنتَ الذي وَهَبْتَ زيداً بعدما ... هَمَمْتُ بالعَجُوزِ أَنْ تُحَمَّما
* * * * في الحديث: في حديث ذي الثدية المقتول بالنهروان: إنه كان له ثدية مثل ثدي المرأة إذا مدت امتدت وإذا تركت تحمصَّت.
أي تقبَّضت. ومنه: حمص الورم: إذا سكن وحمصه الدواء.
* * * * إنما مثل العالم كالحمة تكون في الأرض، يأتيها البعداء، ويتركها القرباء، فبينا هم كذلك إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم وبقي قوم يتفكنون.
هي عين حارة الماء يستشفي بها.
يتفكنون: يتندمون ويتعجبون من شأن أنفسهم وما فرطوا فيه من طلب حظهم مع إمكانه وسهولة مأخذه.
والفكن والفنك: العجب، وقيل: تفكَّن وتفكَّر بمعنى.
* * * * ذا الحممة في " بج " . حمة زغر في " زو " . حمة كل دابة في " غر " . الحمم الأسود في " هض " . حميت في " خذ " . حمة النهاضات في " هم " . حماديات في " سد " . حممها في " خذ " . أحماس في " فر " . يحمش في " زن " . حمنانة في " قر " . الحميدات في " حو " . وتحامل في " فق " . المحماة في " غم " . والحمة في " هم " . سنة حمراء في " صب " . استحمق في " مه " . حمش الساقين في " صه " .
* * * *
الحاء مع النون
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - كان يحنِّك أولاد الأنصار.
هو أن يمضغ التمر ويدلكه بحنكه. يقال: حنك الصبي وحنَّكه.
* * * * كانوا معه صلى الله عليه وسلم فأشرفوا على حرة واقم، فإذا قبور بمحنية.
هي مفعلة، من حنى، وهي منعطف الوادي ومنحناه.
* * * * لا تزال الأمة على شريعة ما لم يظهر فيهم ثلاث: ما لم يُقبض منهم العلم، ويُكثر فيهم أولاد الحنث، ويظهر فيهم السقارون. قالوا ما السقارون يا رسول الله؟ قال: نشءٌ يكونون في آخر الزمان تحيتهم إذا التقوا التلاعن.
الذنب العظيم سمي بالحنث، وهو العدل الكبير الثقيل. وقيل للزنا: حنث، لأنه من العظائم.
السَّقار والصَّقّار: اللعان لمن لا يستحق اللعن، سُمي بذلك؛ لأنه يضرب الناس بلسانه، من الصقر، وهو ضربك الصخرة بمعول وهو الصاقور. ومنه الصقر لأنه يصقر الصيد؛ أي يضربه بقوة.
النشءُ: القرن الذي ينشأ بعد قرن مضى، وهو مصدر كالضيف.
* * * * عمر رضي الله عنه - لما قال ابن أبي معيط: أ أقتل من بين قريش؟ قال عمر: حنَّ قدح ليس منها.
ضربه مثلاً لإدخاله نفسه في قريش، وليس منهم، وأصله أن يستعار قدح فيضرب مع القداح فيصوت صوتا يخالف أصواتها.
* * * * لا يصلح هذا الأمر إلا لمن لا يحنق على جرّته.
يقال: ما يكظم فلان على جرة، وما يحنق على جرة: إذا لم ينطو على حقد ودخل، وأصل ذلك في البعير أن يفيض بجرته، وهو أن يقذف بها ولا يضمر عليها، والإحناق: لحوق البطن والتصاقه. قال أوس:
وجَلَّي بها حتى إذا هي أَحْنَقَتْ ... وأَشْرَف فَوْقَ الحالِبين الشَّرِاسِف
وإنما وضع موضع الكظم من حيث أن الاجترار ينفخ البطن والكظم بخلافه.
* * * * طلحة - قال لعمر ضي الله عنهما حين استشارهم في جموع الأعاجم: قد حنَّكتك الأمورن وجرَّستك الدهور، وعجمتك البلايا، فأنت ولي ما وليت، لا ننبو في يديك، ولا نخول عليك.
حنَّكتك الأمور وأحنكته وحنَّكته: إذا أدَّبته وراضتهن وهو حنيك ومحنّك ومُحْنَك، واحتنك فهو مُحْتَنك، وأصله من قولهم: حنك الفرس يحنكه: إذا جعل في حنكه الأسفل حبلا يقوده به.
جرَّسته: أحكمته، وهو من جرَّست بالقوم: إذا سمعت بهم، كأنه ارتكب أموراً لم يهتد الإصابة فيها، فعُنف وصيح به وأنحي عليه باللوائم حتى تعلم واستحكم.
عجمتك: من عجم العود؛ وهو عضه ليعرف صلابته من رخاوته، ومن فصيح كلامهم ما حكاه أبو زيد من قولهم: إني لتعجمك عيني؛ يريدون يخيل إليّ أني قد رأيتك.
لا نخول: لا نتكبر. قال:
فإنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا ... وإن كُنْتَ لِلْخَالِ فاذْهَبْ فَخُلْ
وهو مع الخيلاء والخيل شاذ.
لا ننبو في يديك: أي نحن لك كالسيوف الباترة.
* * * * أبو ذر رضي الله عنه - لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا ما نفعكم ذلك، حتى تحبوا آل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
وعنه: لو صليتم حتى تكونوا كالأوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا ما نفعكم ذلك إلا بنية صادقة وورع صادق.
الحنية: القوس بلا وتر، وقيل: العقد المضروب، وقيل كل منحن.
والمعنى حتى تحدبوا وتنحنوا مما تجهدون أنفسكم فتصيروا كالقسي، أو العقود في انحنائها وانعطافها، أو كالأوتار في الدقة من الهزال.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - الكلاب من الحن - وهي ضعفة الجن - فإذا غشيتكم عند طعامكم فألقوا لهن، فإنَّ لهنَّ أنفسا.
الحن: من حن عليه إذا رقّ وأشفق، قال:
ولابد من قَتْلَى فَعَلَّكَ منْهُمُ ... وإلاّ فجُرْحٌ لا يحِنُّ على العَظْمِ
والرقة والضعف من واد واحد، ألا ترى إلى قولهم: رقاق القلوب وضعاف القلوب، كما يقولون: غلاظ القلوب وأقوياء القلوب، ويحتمل أن يكون من أحن إحنانا إذا أخطأ؛ لأن الأبصار تخطئها ولا تدركها، كما أن الجن من الاجتنان عن العيون.
الأنفس: جمع نفس، وهي العين.
* * * * عمرو رضي الله عنه - إن ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها، وألقت إليه أفلاذ كبدها، ونقت له مخَّتها، وأطعمته شحمتها، وأمطرت له جوداً سال منه شعابها، ودفقت في محافلها، فمصَّ منها مصَّاً، وقمص منها قمصا، وجانب غمرتها، ومشى ضحضاحها وما ابتلت قدماه، ألا كذلك أيها الناس؟ قالوا: نعم رحمه الله! حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومي أم عمر بن الخطاب.
البعج: الشق، يعني أظهرت له ما أن مخبوءًا من غيره.
الأفلاذ: جمع فلذ وهو القطعة من الكبد؛ أي ملَّكته كنوزها وأفاءت عليه أموالها.
المحافل: حيث يحتفل الماء جمع محفل أو محتفل.
مصّ منها، أي نال اليسير.
قمص: نفر وأعرض.
الضحضاح: ما رقّ من الماء على وجه الأرض.
ما ابتلت قدماه: أي لم يتعلق منها بشيء. نصب ضحضاحها على أحد وجهين: إما على حذف الجار وإيصال الفعل، أو تأوّل مشى بخاض وسلك وما أشبه ذلك.
* * * * بلال رضي الله تعالى عنه - مر عليه ورقة بن نوفل وهو يعذَّب، فقال: والله لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً.
أراد لأجعلن قبره موضع حنان، أي مظنة من رحمة الله فاتمسح به متبركا، كما كان يتمسح بقبور الصالحين الذين قتلوا في سبيل الله في الأمم الماضية، فيرجع ذلك عاراً عليكم وسبَّةً عند الناس.
وورقة هو ابن عم خديجة رضي الله تعالى عنها، وهو أحد من كان على دين عيسى عليه السلام قبيل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
* * * * ابن المسيب رحمه الله - من قتل قراداً أو حُنظباناً وهو محرم تصدَّق بتمرة أو بتمرتين.
وقال له ابن حمزة: قتلت قُراداً او حنظبا، فقال: تصدَّق بتمرة.
هما ذكر الخنافس، وقد يفتح ظاء حنظب، وهذا عند سيبويه دليل على زيادة النون، وأنّ الوزن فنعل لأن فعللا ليس بثبت عنده، ويجب على قياس مذهبه أن يُشتق من حظب، إذا سمن.
* * * * عطاء رحمه الله - قال ابن جريج قلت لعطاء: أي الحناط أحب إليك؟ قال: الكافور، قلت: فأين يجعل منه؟ قال: في مرافقه، قلت: وفي بطنه؟ قال: نعم! قلت: وفي رفغي رجليه ومآبضه! قال: نعم! قلت: وفي عينيه وأنفه وأُذنيه؟ قال: نعم. قلت: أيابسا يُجعل الكافور أم يُبل بماء؟ قال: لا، بل يابساً. قلت: أتكره المسك حِناطا؟ قال: نعم.
الحنوط والحناط: كل ما يطيب به الميت.
المآبض: بواطن الركبتين.
الرفغ: أصل الفخذ.
حناطا نصب على التمييز.
* * * * في الحديث - لاتزوجن حنَّانة ولا منَّانة.
أي امرأة كان لها زوج قبلك، فهي تذكره بالتحزن والحنين إليه. ولا أنسب منك، فهي تمنُّ علايك بصحبتها.
* * * * إن ثمودا لما استيقنوا بالعذاب تكفنوا بالأنطاع وتحنطوا بالصبر.
أي جعلوا حنوطهم الصبر.
* * * * الحنتم في " دب " . والحنوة في " فش " . في حندسه في " نح " . فيتحنث في " حر " . الحانية في " سف " . أحنف الرجل في " صع " . الحنش في " غر " . حنانيك في " لب " .
* * * *
الحاء مع الواو
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - خير الخيل الحوّ.
الحوّة: كمتة يعلوها سواد، وقد حوى، وهو أحوى، والجمع حوّ. قال طفيل:
وِرَاداً وحُوَّا مُشْرِفاً حَجَبَاتُها ... بَناتُ حِصانٍ قد تُعُولِمَ مُنْجِبِ
* * * * قال له صلى الله عليه وآله وسلم رجل: يا رسول الله؛ هل عليَّ في مالي شيء إذا أديت زكاته؟ فقال: فأين ما تحاوت عليك الفضول.
التحاوي: تفاعل من الحواية، وهي الجمع. وما موصلة وما يجب من الضمير الراجع إليها في الصلة محذوف، والتقدير تحاوته.
والفضول: جمع فضل وهو ما فضل من المال عن حوائجه.
والمعنى: فأين الحقوق التي تحاوتها عليك فضول المال من الصدقات والمكارم.
ومن يرويه: تحاوأت فوجهه إن صحت روايته أن يكون في الشذوذ كقولهم: حلأت السويق، ولبأت في الحج.
* * * كان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر قال: آيبون تائبون لربنا حامدون حوباً حوباً.
حوب: زجر للجمل، يقولون: حوب لا مشيت، وفي كلامهم بعضهم: حوب حوب، إنه يوم دعق وشوب، لا لعا لبني الصوب. وقد سمي به الجمل، فقيل له: الحوب. قال يصف كنانته:
هِيَ ابْنَةُ حَوْبٍ أمّ تِسْعينَ آزَرَتْ ... أخا ثِقَةٍ تمْرِي جَباهَا ذَوَائِبُه
ويجوز فيه ما يجوز في أف من الحركات الثلاث والتنوين إذا نكر، فقوله: حوبا حوبا بمنزلة قولك: سيراً سيراً، كأنه فرغ من دعائه، ثم زجر جمله.
* * * * كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل إلى أهله قال: توباً توباً، لا يغادر علينا حوباً.
الحَوْب والحُوب والحُوْبة: الإثم.
ومنه: إن أبا أيوب رضي الله عنه أراد أن يطلق أم أيوب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن طلاق أم أيوب لحوب.
وإنما أثَّمه بطلاقها لأنها كانت مصلحة له في دينه.
وفي دعائه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: اللهم اقبل توبتي، واغسل حوبتي.
وروى: وارحم حوبتي.
وفُسرت بالحاجة والمسكنة، وإنما سموا الحاجة حوبة، لكونها مذمومة غير مرضية، وكل ما لا يرتضونه هو عندهم غيّ وخطيّة وسيئة، وإذا ارتضوا شيئا سمّوه خيرا ورشدا وصوابا. قال القطامي:
والناس مَنْ يَلْقَ خَيْراً قائِلُون لهُ ... ما يَشْتَهِي وَلأِمّ المُخِطئ الهَبَل
أراد من استغنى وأصاب ثروة مدحوه وأحسنوا فيه القول. ويقولون للفقير:هبلته أمه.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إليك أرفع حوبتي.
وفي حديثه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن رجلا أتاه، فقال: إني أتيتك لأُجاهد معك. فقال: ألك حوبة؟ قال: نعم! قال: ففيها فجاهد.
هي الحرمة التي يأثم في تضييعها؛ من أمّ أو أخت أو بنت، والتقدير ذات حوبة.
قال الفرزدق:
لحَوْبة أمّ ما يَسُوغ شَرَابُها
ومنه الحديث: اتقوا الله في الحوبات. الربا سبعون حوباً أيسرها مثل وقوع الرجل على أمه، وأربى الربا عرض المسلم.
هو الفن والضرب. قال ذو الرمة:
تَسْمَع في تَيْهَائِه الأَغفال ... حَوْبَيْنِ مِنْ هَمَاهِمِ الأَغْوَالِ
وهذا أيضا من الباب؛ لأنه فن مما لا يرتضى.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم للذي باع له القدح والحلس فيمن يزيد: انطلق إلى هذا الوادي فلا تدع حاجا ولا حطبا ولا تأتني خمسة عشر يوما.
الحاج: ضرب من الشوك. قال:
من حَسَكِ التّلْعَة أو من حَاجِها
* * * * الزبير ابن عمتي وحواريي من أُمتي.
حواريو الأنبياء: صفوتهم والمخلصون لهم، من الحور وهو أن يصفو بياض العين ويشتد خلوصه، فيصفو سوادها، ومن الدقيق الحوَّاري وهو خلاصته ولبابه، ومن ذلك قيل لنساء الأمصار: الحواريات؛ لخلوص ألوانهن وذهابهن في النظافة عن نساء الأعراب. قال المبرد:
إذا ما الحَوَارِيّات علقن طَنّبت ... بمِيثاءَ لا يألُوك رافضُها صَخْرَا
صفية رضي الله عنها: بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وهي أم الزبير.
* * * * أتى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يعوده، فما تحوزَّ له عن فراشه.
التحوَّز: من الحوزة؛ وهي الجانب، كالتنحي من الناحية، يقال: تحوَّز عنه وتحيَّز، وتحييز تفعيل.
السنَّة أن الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه.
* * * * أتى صلى الله عليه وسلم حائش نخل أو حشا فقضى حاجته.
الحائش: النخل الملتف، كأنه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض. قال الأخطل:
وكأَنَّ ظُعْنَ الحيِّ حائِشُ قَرْيَةٍ ... دَانِى الجَنَاةِ وطَيِّبُ الاثمِارِ
والحُش والحَشّ: البستان، وقيل: هو النخل الناقص القصير الذي ليس بمستقي ولا مغمور، من حش الولد في بطنها.
وفي حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إنه كان أحب ما استتر به إليه حائش نخل أو حائط.
ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم: إنه دخل يوما حائش نخل، فرأى فيه بعيراً؛ فلما رآه البعير خنّ أو حن، وذرفت عيناه، فمسح سراته وذفراه فسكن؛ فقال لصاحبه: أحسن إليه؛ فإنه شكا إليّ أنك تُجيعه وتدئبه.
الخنين: البكاء في الأنف.
السراة: أعلى الظهر.
الذفرى: أصل الأذن، وهي مؤنثة، سواء جعلت ألفها للتأنيث أو للإلحاق. يقول: هذه ذفرى أسيلة وذفرى أسيلة.
* * * * في ذكر الكوثر - حاله المسك ورضراضه التُّوم.
الحال: الحمأة، من حال يحول: إذا تغير.
ومنه الحديث - إن جبرئيل عليه السلام أخذ من حال البحر فأدخله فا فرعون.
الرضراض: الحصى الصغار.
التُّوم: جمع تومة، وهي حبة الدر. قال الأسود بن يعفر:
يَسْعى بها ذُو تُومَتَيْن منطّفٌ ... قَنَأَتْ أَنَامِله من الفِرْصَاد
ونظيره درة ودرر، وصورة وصور.
* * * * كوى أسعد بن زرارة رضي الله عنه على عاتقه حوراء - وروى: إنه وجد وجعاً في رقبته، فحَّوره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحديدة.
الحوراء: كيَّة مدورة، من حار يحور: إذا رجع، وحوّره: إذا كواه هذه الكيَّة، وحوّر عين دابته وحجَّرها: إذا وسم حولها بميسم مستدير.
وعنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إنه لما أُخبر بقتل أبي جهل قال: إن عهدي به في ركبته حوراء، فانظروا ذلك؛ فنظروا فرأوه.
* * * * إنهم حاسوا العدو يوم أُحد ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم، وإن رجلاً من المشركين جميع اللاّمة كان يحوز المسلمين، ويقول: استوسقوا كما تستوسق جرب الغنم، فضربه أبو دجانة على حبل عاتقه ضربةً بلغت وركه.
الحوس: المخالطة بضرر ونكاية، يقال: تركت فلانا يحوسهم ويجوسهم ويدوسهم.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه. إنه رأى فلانا وهو يخطب امرأة تحوس الرجال. قال العجاج:
خَيالُ تُكْنَى وخيال تكتما ... باتا يَحُوسان أناسا نُوّمَا
وعنه: إنه ذكر فلان شيئا، فقال له عمر: بل تحوسك فتنة.
ضرباً: تمييز، ويجوز أن يكون حالا، أي حاسوه ضاربين.
الإجهاض: التنحية والطرد.
جميع اللأمة: أي مجتمع السلاح.
الحوز: السوق.
استوسقوا: اجتمعوا؛ يقال: وسقه فاتسق واستوسق.
حبل العاتق: رباطه ما بينه وبين المنكب.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يستنجى بعظم حائل.
هو المتغير المستحيل بلى، من حال: أي تغير.
* * * * علم الإيمان الصلاة، فمن فرغ لها قلبه وحاذ عليها بحدودها فهو مؤمن.
أي حافظ عليها بجدٍ وانكماش، من الأحوذى، وهو الجاد الحسن السباق للأمور.
* * * * أقبل صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر، وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها فكان يحوي وراءه بعباءة أو بكساء، ثم يردفها وراءه.
التحوية: أن يدير كساء حول السنام، وهو الحوية، وجمعها حوايا.
* * * * وفي قصة بدر: إن أبا جهل بعث عمير بن وهب الجمحي ليحزر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأطاف عمير برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت الحوايا عليها المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع.
النواضح: جمع ناضح، وهو السانية.
الناقع: الثابت المجتمع، من نقع الماء في بطن الوادي واستنقع. ومنه السم المنقع والنقيع، وهو الذي جُمع وربى.
* * * * اللهم بك أُحاول وبك أُصاول.
المحاولة: طلب الشيء بحيلة، ونظيرها المراوغة.
والمصاولة: المواثبة - وروى: إنه كان يقول إذا لقى العدو: اللهم بك أحول وبك أصول.
وهو من حال يحول حيلة، بمعنى احتال، والمراد كيد العدو، وقيل: هو من حال بمعنى تحرَّك.
* * * * صبَّح خيبر يوم الخميس بكرة فجأة، وقد فتحوا الحصن، وخرجوا معهم المساحي، فلما رأوه حالوا إلى الحصن، وقالوا: محمد والخميس.
أي تحولوا إليه، يقال: حال حولا كعاد عودا.
محمد خبرمبتدأ محذوف، أي هذا محمد وها الخميس، أو محمد والخميس جاءا، على حذف الخبر.
* * * * من أحال دخل الجنة.
أي أسلم، لأنه قلب لحاله عما عهد عليه، من حال الشيء وأحاله: غيَّره.
* * * * عمر رضي الله عنه - ما وليها أحد إلا حام على قرابته، وقرى في عيبته، ولن يلي الناس كقرشي عضَّ على ناجذه.
هو أن يحكي في عطفه ورفرفته عليهم فعل الحائم على الورد.
والقرابة: الأقارب، سُموا بالمصدر كالصحابة.
القرى في العيبة - وهو الجمع فيها - تمثيل للاحتجان والاختزال.
عض على ناجذه: صبر وتصلب، والنواجذ: أبعة أضراس في أقصى المنابت تنبت بعد أن يسب الإنسان، تسمى أضراس العقل والحلم.
* * * * أحرق بيت رويشد الثقفي وكان حانوتا.
هو حانة الخمار. قال طرفة:
وإن تَقْتَنِصْني في الحوانيت تَصْطَدِ
وهو كالطاغوت في تقديمه لامه إلى موضع العين، وأصله حنووت فعلوت من حنا يحنو حنوا، لإحرازه ما يرفع فيه وحفظه إياه، ثم قلب فصار حونوت ثم حانوت.
والحانة: أيضا من تركيبه، لأن أصلها حانية فاعلة من الحنو، بدليل قولهم في جمعها: حوان، وفي النسبة إليها حانويّ، وفي معناها الحانياء؛ إلا أنه حذف لامها كما قالوا: ما باليت به بالة، والأصل بالية كعافية.
* * * * علي عليه السلام - اشترى قميصا فقطع ما فضل عن أصابعه، ثم قال لرجل: حصه.
أي خط كفافه.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - لما بايع الناس عبد الله بن الزبير قلت: أين المذهب عن ابن الزبير؟ أبوه حواري الرسول، وجدته عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفية بنت عبد المطلب، وعمته خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجده صدّيق رسول الله أبو بكر، وأمه ذات النطاقين، فشددت على عضده، ثم آثر عليَّ الحميدات والتويتات والأسامات، فبأوت بنفسي ولم أرض بالهوان؛ أن ابن أبي العاص مشى اليقدمية - وروى القدمية - وإن ابن الزبير مشى القهقرى - وروى: لوى ذنبه - ثم قال لعلي ابنه: الحق بابن عمك، فغثك خير من سمين غيرك، ومنك أنفك وإن كان أجدع، فلحق بعبد الملك؛ فكان آثر الناس عنده.
حواري الرسول: صفوته، وقد مر.
خديجة عمة الزبير لأن خويلد بن أسد بن عبد العزى أبو العوام وخديجة، فجعلها عمة لعبد الله كما يجعل الجد أبا.
خالته عائشة لأن أمه أسماء بنت أبي بكر، وسميت ذات النطاقين لمظاهرتها بينهما تسترا، وقيل: كانت تحمل في أحدهما الزاد إلى الغار.
والنطاق: ثوب تلبسه وتشد وسطها بحبل، ثم ترسل الأعلى على الأسفل.
شددت على عضده، أي عضدته وأعنته.
الحميدات وغيرها: بنو حميد. وتويت وأسامة: قبائل من أسد بن عبد العزى.
بأوت بنفسي: رفعتها وربأت بها.
مشى اليقدمية، أي المشية اليقدمية، وهي التي يقدم بها الناس أي يتقدمهم، وروى عن بعضهم بالتاء وغلط. قال:
الضّارِبِينَ اليَقْدُمِيَّةَ بالمُهَنّدَة الصَّفَائحْ
القهقرى: الرجوع إلى خلف، وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي:
مشى ابنُ الزُّبير القهقرى وتقدّمت ... أمية حتى أَحْرَزُوا القَصبَات
تلوية الذنب: مثلٌ لترك المكارم والروغان عن المعروف.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - دخل أرضاً له فرأى كلبا فقال: أحيشوه عليّ، وأخذ المسحاة فاستقفاه، فضربه بها حتى قتله، وأقبل على قيمه في أرضه فقال: أتدخل أرضي كلبا! حشت عليه الصيد حوشا وأحتشيه عليه: إذا نفَّرته نحوه وسقته.
استقفاه وتقفاه: إذا أتاه من قبل قفاه.
* * * *
عمر رضي الله عنه - قال في قصة إسلامه: أقبلت متوجها إلى المدينة على جمل لي، فبينا أنا أسير ببعض الطريق إذا ببياض أنحاش منه مرة، وينحاش مني أخرى، فإذا أنا بأبي هريرة الدوسي فقلت: أين تريد؟ قال: المدينة، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة فأربت بأبي هريرة، ولم تضرني إربة أربتها قط قبل يومئذ؛ قلت: أقدم أبا هريرة فيدخل فيجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشغولا؛ فجئنا والصلاة قائمة فدخل أبو هريرة والناس ينظرون إليه في الصلاة؛ فتشايره الناس وشهر، وتأخرت أنا حتى صلى.
الانحياش: مطاوع الحوش وهو النفار. قال ذو الرمة:
وبَيضَاء لا تَنْحَاشُ مِنَّا وأُمُّها ... إذا ما رَأَتْنَا زِيلَ مِنْها زَوِيلُها
أربت به: احتلت به.
الإربة: الحيلة.
قط: فيما مضى، كعوض وأبدا فيما يستقبل، يقول: ما فعلت ذلك قط، ولن أفعله عوض؛ وبناؤه من حيث أنه وجبت إضافته إلى صاحب الوقت أُضيف إليه قبل وبعد، فلما انقطع من الإضافة بنى على الضم كما بنيا.
تشايروه: تراءوا شارته أي هبئته، وهذا يؤذن بأن ألف الشاره عن ياء.
وقد روى أبو عبيد: إنه لحسن الشورة بمعنى الشارة، فهما لغتان.
والصحيح أن إسلام عمرو تقدم إسلام أبي هريرة، أسلم عمرو مع خالد بن الوليد سنة خمس وأبو هريرة سنة سبع.
* * * * معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما - لما احتضر قال لبنت قرظة:اندبيني. فقالت:
ألا أبكيه ألا أبكيه ... ألا كل الفتى فيه
فقال لابنتيه: قلباني، وقال: إنكما لتقلبان حوَّلاً قلباً، إن وقى كبة النار.
وروى: حوليا قلبيا إن نجا من عذاب الله غدا، ثم تمثل:
لا يبعدنّ ربيعة بن مُكَدَّم ... وسقَى الْغَوادِي قَبْرَه بذَنُوب
الحول: ذو التصرف والاحتيال.
والقلب: المقلب للأمور ظهراً لبطن، ولحوق ياء النسبة للمبالغة.
كبة النار: معظمها، والبيت لحسان.
* * * * عائشة رضي الله عنها - تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ حوف، فما هو إلا أن تزوجني فألقى عليّ الحياء.
هو بقيرة يلبسها الصبي؛ قال:
جارية ذات حِرٍ كالنَّوفِ ... مُلَمْلَمِ تَسْتُرُه بحَوْفِ
* * * * ابن عبد العزيز رحمهما الله - قدم عليه وفدٌ فجعل فتى منهم يتحوس في كلامه، فقال: كبِّروا كبِّروا! فقال الفتى: يا أمير المؤمنين؛ لو كان بالكبر لكان بالمسلمين من هو أسن منك.
هو تفعل من الأحوس وهو الشجاع، أي يتشجع في كلامه، ولا يبالي، وقيل: يتردد ويتحيل؛ من قولهم: ما زال يتحوس حتى تركته. قال:
سر قد أنَى لك أيها المتحوس
كبِّروا: أي اجعلوا متكلمكم رجلا كبيرا مسنًّا.
* * * * قتادة رحمه الله - أن تسجد بالآخرة منهما أحرى ألا يكون في نفسك حوجاء.
هي الريبة التي يحتاج إلى إزالتها. يقال: ما في صدري حوجاء ولا لوجاء. قال قيس بن رفاعة:
مَنْ كان في نفسه حَوْجَاءُ يَطْلُبها ... عِنْدي فإنّي له رَهْنٌ بإصْحَارِ
أُقِيمُ نَخْوَتَه إن كان ذا عِوَجٍ ... كما يُقَوِّمُ قِدْحَ النَّبْعَةِ الْبَارِي
يريد من كان له ريبة في أمري يطلب عندي إزالتها فأنا مزيلها.
والمعنى: إن موضع السجود من حم السجدة مختلف فيه، فعند بعضهم هو في الآية الأولى عند قوله تعالى: (وَاسْجُدُوا للهِ الذِي خَلَقَهُنّ). وعند آخرين في الآية الأخرى عند قوله تعالى: (وهُمْ لا يَسْأمون). فاختار السجود عند الأخرى؛ لأنه إن كانت السجدة عند الأولى لم يضره أن يسجدها عند الأخرى، وإن كانت عند الأخرى فسجدها عند الأولى قدّم السجود قبل الآية.
أن تسجد: في موضع المبتدأ وأحرى خبره.
* * * * الحور في " وع " . يتخولهم في " خو " ز الحائمة في " ضح " . يحوزها في " حش " . الحوأب في " دب " . نستحيل الجهام في " صب " . انحاز في " هت " . بالحومانة في " عب " . إلى حواء في " فر " . الحورى في " نص " . حوشيّ الكلام في " عظ " .بحور في " صه " . لا يحور فيكم في " ثب " . يحوف في " ذف " . بمحول في " قص " . بخفة الحاذ في " اب " . حولاء في " حد " . أحوى في " سف " . فلم يحر في " رج " . أحالوا عليه في " رح " . تحوَّلت في " زو " . المستحيلة في " ور " .
* * * *
الحاء مع الياء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن قوما أسلموا على عهده، فقدموا بلحم إلى المدينة، فتحيشت أنفس أصحابه وقالوا: لعلهم لم يُسموا، فسألوه، فقال: سموا أنتم وكلوا - وروى: فتجيشت.
هما تفعّل من حاش يحيش: إذا فزع ونفر، ومن جاشت نفسه: إذا دارت للغثيان.
* * * * عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قلنا: السلام على الله، السلام على فلان، السلام على فلان، فقال لنا: قولوا التحيات لله والصلوات الطيبات... إلى آخر التشهد، فإنكم إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السموات والأرض.
التحية: تفعلة من الحياة بمعنى الإحياء والتَّبقية.
والصلاة من الله: الرحمة.
والطيبات: الكلمات الدالة على الخير، كسقاه الله ورعاه، وأعزه وأكرمه، وما أشبه ذلك.
والمعنى: إنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنكر عليهم التسليم على الله، وعلَّمهم أن ما تقولون عكس ما يجب أن يقال: لأن كل إحياء وتعمير وسلامة في ملكة الله وله ومنه، فكيف يستجاز أن يقال: السلام على الله، وكذلك كل رحمة وكل ما يدل عليه كلمات أدعية الخير فهو مالكها ومُعطيها.
* * * * إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
فيه إشعار بأن يكف الإنسان ويردعه عن مواقعة السوء الحياء، فإذا رفضه وخلع ربقته فهو كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل شيئة.
* * * * جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم - اللهم ذا الحيل الشديد.
هو الحول، أُبدل واوه ياء - وروى الكسائي: لا حيل ولا قوة إلا بالله.
والمعنى ذا الكيد والمكر الشديد، وهو من قوله تعالى: (وأَكِيدُ كَيْداً). وقوله تعالى: (ومَكَرَ اللهُ). وقيل: ذا القوة؛ لأن أصل الحول الحركة والاستطاعة.
* * * * تحيَّنوا نوقكم.
أي احتلبوها في حينها المعلوم.
* * * * الحياء من الإيمان.
جُعل كالبعض منه لمناسبته له في أنه يمنع من المعاصي كما يمنع الإيمان.
وعن الحسن رحمه الله: إن رجلا قال له: يأتيني الرجل وأنا أمقته، لا أُعطيه إلا حياء، فهل لي في ذلك من أجر؟ قال: إن ذلك من المعروف، وإن في المعروف لأجراً.
* * * * أتاني جبريل ليلة أُسري بي بالبراق فقال: اركب يا محمد، فدنوت منه لأركب، فأنكرني فتحيَّا مني.
أي انقبض وانزوى، ولا يخلو من أن يكون مأخوذاً من الحياء على طريق التمثيل، لأن من شأن الحيي أن يتقبض، أو يكون أصله تحوَّى، أي تجمع، فقُلبت واوه ياء، أو يكون تفعيل، من الحي وهو الجمع كتحيز من الحوز.
* * * * خرج صلى الله عليه وآله وسلم للاستسقاء، فتقدم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسبِّح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب، وهل أتاك حديث الغاشية، فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه، وقلب رداءه، ثم جثا على ركبتيه، ورفع يديه، وكبَّر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثا مغيثا، وحياً ربيعا، وجداً طبقاً غدقاً مغدقا، مونقا عاما، هنيئا مريئا، مريعا مربعا مرتعا، وابلا سابلا، مُسبلا مجللا، ديما درراً، نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، غيثا اللهم تُحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد. اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها. اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهوراً فأحي به بلدة ميتا. واسقه مما خلقت لنا أنعاما وأناسيّ كثيرا.
قيل لابن لهيعة: لم قلب رداءه؟ فقال: لينقلب القحط إلى الخصب. فقيل له: كيف قلبه؟ قال: جعله ظهراً لبطن. قيل: كيف؟ قال: حوَّل الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر.
الحيا: المطر لإحيائه الأرض.
الجدا: المطر العام.
الطَّبق: مثله.
الغدق والمغدق: الكثير القطر.
المونق: المُعجب.
المريع: ذو المراعة، وهي الخصب.
المربع: الذي يربعهم عن الارتياد، من ربعت بالمكان وأربعني.
المرتع: المنبت مل يرتع فيه.
السابل، من قولهم: سبل سابل، أي مطر ماطر.
المجلل: الذي يجلل الأرض بمائه أو بنباته.
الدرر: الدار، كقولهم: لحم زيم ودين قيم.
الرائث: البطيء.
السكن: القوت؛ لأن السكنى به. كما قيل: النزل، لأن النزول يكون به.
* * * *
عمر رضي الله عنه - قال لأخيه زيد حين نُدب لقتال أهل الردة فتثاقل: ما هذا الحيش والقلّ! أي الفزع والرعدة، يقال للمرأة المذعورة من الريبة: حيشانة.
وأخذه قلّ: إذا أرعد، كأنه يقل من موضعه.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر.
أي ابدأ به، واعجل بذكره، وفيه لغات: حيهل بفتح اللام، وحيهلا بألف مزيدة. قال:
بحَيَّهَلاَ يُزْجُونَ كلَّ مَطِيَّةٍ ... أمامَ المَطَايَا سَيْرُها المُتَقَاذِفُ
وحيهلا بالتنوين للتنكير، وحيهلا بتخفيف الياء. وروى حيهل بالتشديد وإسكان الهاء، وعلل باستثقال توالي المتحركات واستدراك ذلك، وقيل: الصواب حيهل بتخفيف الياء وسكون الهاء، وأن هذا التعليل إنما يصح فيه لا في المشدد، ويلحقه كاف الخطاب فيقال: حيهلك الثريد.
وسمع أبو مهدية الأعرابي رجلا يقول لصاحبه: زوذ فسأل عنه فترجم:تعجّل. فقال: أفلا يقول: حيهلك. ويقال: فحي بعمر.
* * * * سلمان رضي الله عنه - أحيوا ما بين العشاءين فإنه يحط عن أحدكم من جزئه، وإياكم وملغاة أول الليل، فإن ملغاة أول الليل مهدنة لآخره - وروى: مهذرة في موضع ملغاة.
إحياء الليل بمنزلة تسهيده وتأريقه؛ لأن النوم موت، واليقظة حياة، ومرجع الصفة إلى صاحب الليل، فهو إذن من باب قوله:
إذا ما نامَ ليلُ الهَوْجَلِ
أراد بالعشاءين المغرب والعشاء فغلّب، وبالجزء: ما وظف على نفسه من التهجد. الملغاة والمهذرة والمهدنة: مفعلة من اللغو والهذر، والهدون بمعنى السكون، والمعنى: إن من قطع صدر الليل بالسمر ذهب به النوم في آخره، فمنعه من القيام للصلاة.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان في غزاة بعثهم فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فحاص المسلمون حيصة - وروى فجاض.
كلاهما بمعنى انهزم وانحرف.
ومنه حديث أبي موسى رضي الله عنه: إن هذه لحيصة من حيصات الفتن.
أي زوغة منها عدلت إلينا.
* * * * ابن عمير رضي الله تعالى عنه - إن الرجل ليسأل عن كل شيء حتى عن حيَّة أهله.
أي عن كل نفس حية في بيته؛ من هرة وفرس وحمار، وغير ذلك.
* * * * مطرف رحمه الله - خرج من الطاعون، فقيل له في ذلك، فقال: هو الموت نحايصه ولابد منه.
المحايصة: مفاعلة من حاص عنه، وليس المعنى أن كل واحد من الموت والرجل يحيص عن صاحبه، وإنما المعنى أن الرجل في فرط حرصه على الحياص عن الموت كأنه يباريه ويغالبه؛ لأن من شأن الغالب المباري أن يحرص على فعله ويحتشد فيه، فيئول معنى نحايصه إلى قولك: يحرص على الفرار منه. وإخراجه على هذه الزنة لهذا الغرض؛ لكونها موضوعة لإفادة المباراة والمغالبة في الفعل.
ومنه قوله تعالى: (يُخادِعُونَ الله وَهوَ خَادِعُهُم).
* * * * سعيد رحمه الله تعالى - سُئل عن مكاتب اشترط عليه أهله ألا يخرج من المصر، فقال: أثقلتم ظهره، وجعلتم عليه الأرض حيص بيص.
أي ضيقة لا يقدر على التردد فيها؛ من قولهم: وقع فلان في حيص بيص: إذا وقع في خطة ملتبسة لا يجد موضع تفصٍّ عنها، تقدم أو تأخر، من حاص عن الشيء إذا حاد عنهن وباص: إذا تقدم، والذي قلبت له واو بوص ياء طلب المزاوجة كالعين الحير، وبُنيا بناءَ خمسة عشر، لأن الأصل حيص وبيص - وروى الفتح والكسر في الحاء والصاد، والتنوين للتنكير.
* * * * عطاء رحمه الله - قال له ابن جريج: كيف يمشي بجنازة الرجل؟ قال: يُسرع به. قال: فالمرأة؟ قال: يُسرع بها أيضا؛ ولكن أدون من الإسراع بالرجل. قال: فما حياكتهم - أو حياكتكم هذه؟ قال: زهو.
هي مشية فيها تبختر. قال:
حَيَّاكَة وَسْطَ القَطِيع الأَعْرَم
* * * * تحيضي في " كر " . حيهلا في " قح " . حيرى دهر في " طر " . من حاق الجوع في " حق " . الحياء في " مر " . تحايوا في " رو " . انحياشه في " ثم " بالحيا في " جز " .حبلة في " كر " .
* * * * آخر الحاء
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الخاء
الخاء مع الباء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أهل من ذي الحليفة، وبعث من بين يديه عيناً من خزاعة يتخبر له خبر كفار قريش، فلقيه، فأخبره أنه ترك قريشاً تجمع لقتاله، قال: فراحوا إلى عسفان، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: خيل قريش بالغميم عليها خالد بن الوليد، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتيامنوا عن الغميم.
ويروى أنه قال لما لقيه خالد بن الوليد: هلم هاهنا، فأخذ بهم بين سروعتين، ومال عن سنن القوم.
ويروى أنه قال: يامنوا في هذا العصل، فلم يشعر خالد وأصحابه إلا وقد خلَّفتهم قترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فركض خالد إلى مكة، فأنذر كفار قريش، فخرجوا بأجمعهم حتى نزلوا أعداد مياه الحديبية، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير نحو القوم، فبركت به ناقته، فزجرها المسلمون. فألحت، وقالوا: خلأت القصواء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والله ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم زجرها فقامت وانصرف عن القوم، فنزل على ثمدٍ بوادي الحديبية ظنون الماء، يتبرضه الناس تبرضاً، فشكا الناس إليه قلة مائه، فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الثمد، فجاش لهم الماء بالري، ثم قدم بديل بن ورقاء الخزاعي في رهط من خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة، فقال: تركت قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي، قد خرجوا بأجمعهم معهم العوذ المطافيل، وقد أقسموا بالله لا يخلون بينم وبين الطواف ما بقي منهم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نأت لقتال أحد، ولكن جئنا نطوف بالبيت، فمن صدنا عنه قاتلناه، وإن قريشا قد أضرت بهم الحرب ونهكتهم، فإن شاءوا كاددناهم مدة يستجمون فيها، وأنا والله مجاهد على أمري حتى تنفرد سالفتي أو ينفذ الله أمره.
وفي الحديث: إن عروة بن مسعود رضي الله عنه قال له: إني أرى معك أوشاباً من الناس لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم.
تخبَّر الخبر: تعرَّفه.
التيامن عن الموضع: الذهاب عنه ذات اليمين، يقال: يامن بهم وشاءم فتيامنوا وتشاءموا.
الغميم: موضع ما بين عسفان ضجنان.
السروعة والزروحة: رابية من رمل.
العصل: رمل معوج، سمي بالعصل وهو الالتواء.
القترة: الغبرة.
الأعداد: المياه ذوات المادة كماء العيون والآبار.
الحَّتْ: لزمت مكانها لا تبرح.
الخلاء للناقة: كالحران للفرس.
الثمد: الماء القليل.
الظنون: كل ما تتوهمه ولست منه على يقين. قال الشماخ:
كِلاَ يَوْميْ طُوَالَةَ وَصْلُ أَرْوَى ... ظَنُونٌ آنَ مُطَّرَحُ الظَّنُون
التبرض: الأخذ قليلا قليلا، من البرض وهو الوشل.
جاش:ارتفع.
عنى بالعيبة: أنهم موضع سره ومظنة استنصاحه.
العوذ: الحديثات النتاج، جمع عائذ.
السالفتان: ناحيتا مقدم العنق.
الأوشاب: الأخلاط.
* * * * كان إذا أراد الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث - وروى: الخبث - بضم الباء.
الخُبث: خلاف طيب الفعل من فجور وغيره.
ومنه الحديث: إذا كثر الخبث يكون كذا.
وفي الحديث: وجد فلان مع أمه يخبث بها.
ويجوز أن يكون تخفيف الخبث، وهو جمع خبيث.
والخبائث: جمع خبيثة، فالمراد شياطين الجن والأنس ذكرانهم وإناثهم.
* * * * اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث.
هو الذي أصحابه وأعوانه خبثاء، كقولهم للذي فرسه قوي: مقو. وقيل: هو الذي ينسب الناس إلى الخبث، وقيل: الذي يعلمهم الخبث ويوقهم فيه.
* * * * اشترى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من أعرابي حمل خبط، فلما وجب البيع قال له: اختر. فقال له الأعرابي: عمرك الله بيعاً.
هو الورق المخبوط.
عمرك الله: ذكر أبو علي الفارسي في الشيرازيات أن انتصابه بفعل مضمر، وذلك الفعل عمَّرتك الله، أي سألت الله تعميرك.
والمعنى عمَّرتك الله تعميرا مثل تعميرك إياهن وفي هذا إلطاف من المخاطب، وتقرُّب إلى من يخاطبه، فكان القياس في عمرك الله تعميرك الله، إلا أن المصدر استعمل بحذف الزيادة ونظيره تحقير الترخيم.
البيع: فيعل من باع، بمعنى اشتري، كلين من لان، وانتصابه على التمييز.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن المخابرة.
هي المزارعة على الخبرة وهي النصيب.
* * * * وعن جابر رضي الله عنه: كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فنصيب من القصرى، ومن كذا وكذا، فقال: من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه.
القصرىك القصارة، وهي الحب الباقي في السنبل بعد الدياسة.
والمنحة: العارية.
* * * *
وعن ابن عمر رضي الله عنهما - إنه كان يخابر بأرضه، ويشترط ألا يعرها.
من العرة: وهي السرجين.
* * * * إن الحمى تنفي الذنوب كما ينفي الكير الخبث.
هو نفاية الجوهر المذاب ورديه.
* * * * من أصيب بدم أو خبل فهو بين إحدى ثلاث: بين أن يعفو، أو يقتص، أو يأخذ الدية، فإن فعل شيئا من ذلك ثم عدا بعدُ فإن له النار خالداً فيها مخلدا.
يقال: خبل الحُبّ قلبه إذا أفسدهن يَخْبِله ويَخْبُله خَبْلا.
ومنه خبلت يد فلان أي قطعت. قال أوس:
أَبَنِي لُبَيْنَي لَسْتُم بَِدٍ ... إلاَّ يَداً مَخْبُولَةَ الْعَضُدِ
وبنو فلان يطالبون بدماء وخبل؛ أي بقطع أيد وأرجل.
والمعنى: من أُصيب بقتل نفس أو قطع عضو.
بين: يقتضي شيئين فصاعدا.
وقوله: بين إحدى ثلاث إنما جاز لأنه محمول على المعنى.
ومنه قول سيبويه: وقولهم: بيني وبينه مالٌ معناه بيننا مالٌ، إلا أن المعطوف حُذف هاهنا لكونه مفهوما مدلولا عليه بالثلاث، وتقديره بين إحدى ثلاث وبين أختيها أو قرينتها أو الباقيتين منها، وكذلك قوله: بين أن يعفو.
* * * * وفي حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: بينيدي الساعة الخبل.
هو الفساد بالفتن.
* * * * ابتغوا الرزق في خبايا الأرض.
هي جمع خبيئة، وهو المخبوء، وقياس جمعها خبائي بهمزتين، المنقلبة عن ياء فعيلة ولام الفعل، إلا أنهما استثقل اجتماعهما فقُلبت الأخيرة ياء لانكسار ما قبلها، ثم قيل خباءي كعذاري ومداري، فحصلت الهمزة بين ألفين فقلبت ياء.
ونظيرها خطايا في جمع خطيئة، والمراد ما يخبوه الزراع من البذر، فيكون حثاً على الزراعة، أو ما خبأه الله تعالى في معادن الأرض.
* * * * كتب صلى الله عليه وسلم للعداء بن خالد بن هوذة كتابا: هذا ما اشترى العداء ابن خالد من محمد رسول الله، اشترى منه عبداً أو أمةً، لا داء ولا خبثة ولا غائلة، بيع المسلم للمسلم.
عبَّروا عن الحرمة بالخبث كما عبَّروا عن الحل بالطيب، والخبثة نوع من أنواعهز قيل: هو أن يكون مسبيا من قوم أعطوا عهدا أو أماناً أو لهم حرية في الأصل.
الغائلة: الخصلة التي تغول المال، أي تهلكه من إباق وغيره.
* * * * إن امرأتين من هذيل كانت إحداهما حُبلى فضربتها ضرتها بمخبط فأسقطت، فحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغرَّة.
هو عصا يخبط بها الورق.
* * * * إن أبا عامر الذي يلقب الراهب كان مقيما على الحنيفية قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان حسوداً، فساعة بلغه أن الأنصار بايعوه صلى الله عليه وآله وسلم تغيَّر وخبت وعاب الحنيفية.
هو بمعنى خبث. قال السموءل بن عاديا:
إنني كنتُ ميِّتاً فحييت ... وحَيَاتي رَهْنٌ بأَنْ سأموتُ
فأتاني اليقينُ أني إذا ما مت ... أوَرمّ أعظُمي مَبْعُوت
يَنْفَعُ الطَّيِّبُ القليلُ من الكَسْب ولا ينفع الكَثِير الخَبِيتُ
قال عمر بن شبة: هذه لغته، أراد مبعوث والخبيث.
* * * * عثمان رضي الله عنه - قد اختبأت عند الله خصالا: إني لرابع الإسلام، وزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته ثم ابنته، وبايعته بيدي هذه اليمنى، فما مسست بها ذكري، وما تغنيت ولا تمنيت ولا شربت خمرا في جاهلية ولا إسلام.
أي ادَّخرتها وجعلتها خبيئة لنفسي.
زوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقية فماتت، ثم زوجه أم كلثوم.
التمني: التكذب، تفعل من منى إذا قدر؛ لأن المتفعل يقدر الحديث في نفسه ويزوره، ومصداقه التخرص من الخرص والحزر والتقدير.
وعنه رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت.
* * * * أبو عبيدة رضي الله عنه - خرج في سرية إلى أرض جهينة فأصابهم جوع فأكلوا الخبط، وهو يومئذ ذو مشرة حتى إن شدق أحدهم بمنزلة مشفر البعير العضه، وحتى قال قائلهم: لو لقينا العدو ما كان منا حركة إليه، فقال قيس بن سعد لرجل من جهينة: بعني جزراً وأوفيك شقة من تمر المدينة، فابتاع منه خمس جزائر يشرط عليه الأعرابي تمر ذخيرة مصلبة من تمر آل دليم.
قال الجهني: أشهد لي، فكان فيمن استشهد عمر، فقال: لا أشهد، هذا يدين ولا مال له، إنما المال مال أبيه، فقال الجهني: والله ما كان سعد ليخني بابنه في شقة من تمر.
الخبط: فعل بمنى مفعول كالنفض.
المَشَرَة والمَشْرة من أمشرت العضاه وتمشرت: إذا أصابها مطر الخريف فتفطرت بورق، ومعنى وصف الخبط بذي مشرة أن العضاه قد أمشرت به.
حتى أن شدق أحدهم: هي حتى التي يبتدأ الكلام بعدها، ولهذا وجب كسر إن بعدها.
العضه: الذي يرعى العضاه، يعني أن أشداقهم قد انتفخت وقلّصت.
الشقة: كل قطعة مما يشق، ومنها قولهم: غضب فطارت منه شقة. فاستعارها في الطائفة من التمر.
الجزائر والجزر: جمع جزور، وهي مؤنثة، ولهذا قال: خمس.
المصلبة - بالكسر - من صلبت الرطبة: إذا بلغت اليبس، يقال: أطيب مضغة أكلها الناس صيحانية مصلِّبة.
أدان يدين: إذا أخذ الدين فهو دائن، ودنته: أعطيته الدين فهو مدين.
اإخناء على الشيء: إفساده، ومنه الخنا، وهو الفحش، والكلام الفاسد. ودخلت الباء في قوله: ليُخني بابنه للتعدية.
والمعنى ما كان ليجعله مخنيا على ضمانه خائسا به، واللام لتأكيد معنى النفي، كأنه قال: سعد أجلّ من أن يضايق ابنه في هذا حتى يعجز عن الوفاء بما ضمن.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - إن كنت لأستقرئ الرجل السورة لأنا أقرأ لها منه؛ رجاءَ أن يذهب بي إلى بيته فيطعمني، وذلك حين لا آكل الخبير ولا ألبس الحبير.
الخبير: الإدام الطيب، لأنه يصلح الطعام ويدمثه للأكل، من الخبراء، وهي الأرض السهلة الدمثة، وهي الخبرة أيضا؛ يقال: أتانا بخبزة ولم يأت بخبرة. وروى الخمير.
الحبير: الموشى من البرود، وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والتي دخلت على أنا للابتداء.
الاستقراء: طلب القراءة، والإقراء أيضا كالاستنشاد.
* * * * ابن عامر رحمه الله - دخل عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، فقال: ما ترون في حالي؟ قالوا: ما نشك لك في النجاة؛ قد كنت تقري الضيف وتعطي المختبط.
هو الذي يسأل من غير سابق معرفة ولا وسيلة، شُبِّه بخابط الورق.
* * * * الحسن رحمه الله - خباث، كلَّ عيدانك مضضنا فوجدنا عاقبته مرّا.
خباث: هي الخبيثة، في النداء خاصة، كغدار وفساق، وحرف النداء محذوف وهو جئز في كل معرفة، ولا يصح به أي، والخطاب للدنيا.
مضَّ يمضّ مضيضا: إذا مصّ، يقال: لا تمض مضيض العنز.
* * * * مكحول رحمه الله - مر برجل نائم بعد العصر فدفعه برجله، وقال: لقد عوفيت، لقد دُفع عنك، إنها ساعة مخرجهم أي الشياطين وفيها ينتشرون وفيها تكون الخبتة.
كانت فيه لكنة، فجعل الطاء تاء، وإنما أراد الخبطة من تخبطه الشيطان إذا مسه بخبل أو جنون.
* * * * في الحديث: من أكل الربا أطعمه الله تعالى من طينة الخبال يوم القيامة.
قيل: هو ما ذاب من حراقة أجساد أهل النار.
* * * * بخبت الجميش في " جز " . هل تخبون في " وط " . خبنة في " صب " . والمخبر في " سح " . وأختبط في " ضج " . اخبر تقله في " قل " . خبَّاط عشوات في " ذم " . كخبج الحمار في " ضل " .
* * * *
الخاء مع التاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - من أشراط الساعة أن تُعطل السيوف من الجهاد، وأن تختل الدنيا بالدين - وروى: وأن تتخذ السيوف مناجل.
ختل الذئب الصيد: إذا تخفَّى له، وختل الصائد: مشيه للصيد قليلا قليلا في خفية لئلا يسمع حسَّا، فشبه فعل منيرى دينا وورعا، يتذرع بذلك إلى طلب الدنيا، بختل الذئب والصائد.
المناجل: المجاز، أي يؤثرون الحرث على الحرب.
* * * * إذا التقى الختانان وجب الغُسل.
هما موضعا الإعذار والخفض.
* * * * سعيد رحمه الله - سئل: أ ينظر الرجل إلى شعر ختنته، فقرأ: (ولا يُبْدِينَ زِيَنَتُهُنَّ إلا لِبُعُولتِهنَّ...) الآية. فقال: لا أراه فيهم ولا أراها فيهن.
الختن: أبو امرأة الرجل، والختنة: أمها. قال الأصمعي: الأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل الرجل، والصهر يجمعهما، وخاتن الرجل الرجل: إذا تزوج إليه. وعن النضر بن شميل سميت المصاهرة مخاتنة لالتقاء الختانين.
* * * *
الخاء مع الجيم
أبو هريرة رضي الله تعالى عنه - قال: إن رجلا ذهبت له أينق فطلبها، فأتى على واد خجن مغنّ معشب، فوجد أينقه فيه.
الخجل: الكثير العشب المتكاثفة. ومنه: قميص خجل: فضفاض واسع، وجلل الفرس جلاًّ خجلا: أي واسعا يضطرب عليه ويدنو من الأرض.
أغن الوادي فهو مغنّ: إذا صوتت ذبانه، وفي صوتها غنة، كقولك: أقطف الرجل: إذا قطفت دابته. ويقال أيضا: وادٍ لأغن، جعل الوصف له، وهو للذباب كقولهم: طريق سائر.
الأينق: جمع ناقة كالآكام في جمع أكمة، قال ذلك سيبويه، وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون أصله أنوق فقلبت وأبدل واوه ياء.
والثاني: أن تحذف العين وتزاد الياء عوضا.
* * * * ابن عمير رضي الله عنه - اسم الذي بنى الكعبة لقريش باقوم، وكان روميا، كان في سفينة أصابتها ريح فخجَّتها، فخرجت إليها قريش بجدّة فأخذوا السفينة وخشبها، وقالوا: ابنه لنا بنيان الشام.
الريح الخجوج: الشديدة المرِّ في غير استواء، وخجّت السفينة: لوتها عن وجهها بعصف.
الضمير في ابنه للبيت.
* * * * خجلتنَّ في " دق " . ريح خجوج في " ذر " .
* * * *
الخاء مع الدال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كل صلاة ليست فيها قراءة فهي خداج.
فسر في الباء مع الهمزة.
* * * * من سأل وهو غني جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا، أو خموشا، أو كدوحاً، في وجهه، قيل: وما غناه؟ قال: خمسون درهما أو عدلها من الذهب.
خدش الجلد: قشره بعود أو نحوه. ومنه قيل لأطراف السَّفا: الخادشة.
والخمش بالأظفار.
والكدح: العض.
وهذه مصادر، والذي جوَّز فيها أن تجمع أنها جُعلت أسماء للآثار.
عدل الشيء: مثله من غير جنسه.
* * * * إن سعد بن عبادة رضي الله عنه أتاه برجل في الحي مُخدج سقيم، وُجد على أمة من إمائهم يخبث بها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: خذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة.
هو الناقص الخلق.
العثكال والعثكول: الكباسة.
* * * * عمر رضي الله عنه - رفع إليه رجل ما أهمه من قحوط المطر؛ فقال: خدعت الضباب وجاعت الأعراب.
أي أمعنت في جحرتها. ومنه خدعت العين: إذا غارت، والمخدع: البيت الداخل، وخدع الرجل: أن تظهر له خلاف ما تخفي.
* * * * عبد الرحمن رضي الله عنه - طلَّق امرأته فمتَّعها بخادم سوداء حممها إياها.
الخادم: واحد الخدم غلاما كان أو جارية. قال:
ما أنا بالجلد ولا بالْحَازِم ... إن لم أَجَأْ هَنَّكِ بالعُجَارِم
وَجْأ يُنَسّيك طلابَ الخادم
يريد الجارية.
حممها إياها: أي أعطاها الجارية على وجه التحميم، وهو إعطاء متعة الطلاق خاصة، وكأنهم كانوا يجعلونها من حامَّة مالهم؛ أي من خياره، يقال: لفلان إبل حامّة: إذا كانت خيارا.
* * * * سلمان رضي الله عنه - كان في سرية وهو أميرها على حمارٍ، وعليه سراويل، وخدمتاه تذبذبان.
الخدمة: سير محكم كالحلقة يشد في رسغ البعير، ثم يشد إلى سريحة النعل، وجمعها خدم. قال جرير:
يَدْمَى على خَدَم السَّرِيح أظلّها ... والمروُ من وَهَج الهواجرِ حامِي
وبها سمي الخلخال خدمة، واشتق منها الفرس المخدم وهو الذي تحجيله مستدير فوق أشاعره؛ فيجوز أن يشبه قناتي سراويله بالخدمتين. ويجوز أن يريد ساقيه؛ لأنهما موضعا الخدمتين.
التذبذب: الاضطراب.
* * * * مسروق رحمه الله - أنهار الجنة تجري في غير أُخدود، وشجرها نضيد من أصلها إلى فرعها.
أي في غير شق في الأرض.
نضيد: منضود بالورق أو بالثمر من أعلاها إلى أسفلها ليس لها سوق بارزة.
* * * * خدبّا في " قص " . خدامهنّ في " دل " . خدلّج في " صه " . خدم نسائكم في " صف " . خدل في " عف " . خدَّاعة في " غد " . خدب في " كس " . مخدج اليد في " ثد " . فهي خداج في " با " .
* * * *
الخاء مع الذال
أبو بكر رضي الله تعالى عنه - قال سعد: رأيته بالخذوات وقد حلَّ سفرة معلقة في مؤخر الحصار، فإذا قريص من ملة فيه أثر الرَّضيف، وإذا حميت من سمن، فدعاني فأصبت من طعامه.
هي موضع.
الحصار: حقيبة يُرفع مؤخرها فيُجعل كآخرة الرحل، ويُحشى مقدمها فيكون كقادمة الرَّحل يُركب بها البعير، ويقال: قد احتصرت البعير بالحصار.
من ملَّة: أي مما ينضج في ملَّة: وهي الرماد الحار.
الرضيف: اللحم المشوي على الرضف، ورضفه يرضفه.
وأثره: ما علق بالقرص من دسمه.
الحميت: زقّ السمن. قال ابن السكيت: هو النحي المربوب؛ وإنما سمي حميتا؛ لأنهم يحتمونه بالرّب، والحميت المتين. قال رؤبة:
حتى يَبُوخ الغَضَبُ الحَمِيتُ
ويقال للتمرة إذا كانت أشد حلاوة من صاحبتها: هذه أحمت حلاوة منها.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قيل له: أتذكر الفيل؟ قال: أذكر خذقه.
هو روثه.
* * * * النخعي رحمه الله - إذا كان الشق أو الخذا أو الخرق في أذن الأُضحية فلا بأس ما لم يكن جدعاً.
وهو استرخاء الأُذن وانكسارها، ولامه واو لقولهم: خذواء، ومنه خذى الرجل واستخذى: إذا انكسر.
* * * * أبو الزناد رحمه الله - أتى عبد الحميد وهو أمير على العراق بثلاثة نفر قد قطعوا الطريق، وخذموا بالسيف. فأُشير عليه بقتلهم؛ فاستشارني فنهيته، ثم قتل أحدهم، فجاءه كتاب عمر بن عبد العزيز يغلظ له ويقبِّح له ما صنع.
الخذم: سرعة القطع، والمراد أنهم جرحوا الناس.
* * * * في الحديث: كأنكم بالترك وقد جاءتكم على براذين مخذمة الآذان.
أي مقطعتها.
* * * * المخذم في " فق " . يتخذَّمانها في " عم " . ومخذفة في " قف " . خذمة في " سن " .
* * * *
الخاء مع الراء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - عائد الريض على مخارف الجنة حتى يرجع. هو جمع مخرف أو مخرفة، فالمخرف من قولهم: اشترى فلان مخرفا صالحا، أي نخلات يخترفن.
ومنه حديث أبي طلحة رضي الله عنه: حين نزلت: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسناً. قال: إن لي مخرفا، وإني قد جعلته صدقةً. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: اجعله في فقراء قومك.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه:لما أعطاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سلب القتيل. قال: فبعته وابتعت به مخرفا، فهو أول مال تأثلته في الإسلام.
والمعنى أن العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه على نخل الجنة يخترف ثمارها، والمخرف والمخرفة أيضاً: الطريق الواضح. قال أبو كبير الهذلي:
فأَجَزْتُه بأفَلَّ تَحسبُ أَثْرَه ... نَهْجاً أَبَانَ بذِي فَرِيغٍ مَخْرَفِ
وفي حديث عمر رضي الله عنه: تركتكم على مثل مخرفة النعم.
أي على منهاج لاحب كالجادة التي كدتها النعم بأخفافها، حتى وضحت واستبانت، وهي في الأصل: السكة بين صفي النخل، فيكون المعنى أنه على الطريق المؤدية إلى الجنة.
وروى: خرافة الجنة، وهي مصدر خرف الثمار: إذا جناها - وروى: على خرفة الجنة: أي على مواضع خرفتها، وهي اسم المخروف فيئول إلى معنى قوله: على مخارف الجنة.
* * * * حضَّ صلى الله عليه وآله وسلم على الصدقة، فجعلت المرأة تُلقي خُرصها وسخابها.
هو حلقة القرط.
ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: إنها ذكرت جراحة سعد بن معاذ فقالت: وقد كان رقأ كله وبرأ، فلم يبق إلا مثل الخُرص.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إنه قال في قوله تعالى: (وجِئْنَا ببِضَاعةٍ مُزْجَاةٍ): الغرارة، والحبل، والخرص.
والخرص أيضاً: الحلقة التي في أسفل السنان، ثم سمي به السنان، ثم كثر حتى سمي به الرمح.
* * * * كان عليه الصلاة والسلام يأكل العنب خرطا.
يقال: خرط العنقود واخترطه: إذا وضعه في فيه وأخرج عمشوقه عاريا.
* * * * نهى صلى الله تعالى وآله وسلم أن يُضحي بالمخرَّمة الأذن.
هي مقطوعتها.
* * * * قال له صلى الله عليه وآله وسلم حكيم بن حزام: أُبايعك على ألا أخرَّ إلا قائما. فقال: أما من قبلنا فلن تخر إلا قائما.
أي لا أموت إلا ثباتاً على الإسلام قائما بالحق.
ومعنى جوابه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إنك لن تعدم من جهتنا الاجتهاد في إرشادك وفي ألا تموت إلا بهذه الصفة.
* * * * إنه صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر رضي الله عنه حين خرجا مهاجرين استأجرا رجلا من بني الديل هاديا خرِّيتاً فأخذ بهم يدبحر.
هو الماهر بالدلالة الذي يهتدي لأخرات المفازة، وهي مضايقها وطرقها الخفية.
يدبحر: أي طريق بحرٍ، يريد الساحل؛ لأن الطريق كان عليه.
* * * * من اقتراب الساعة إخراب العامر، وعمارة الخراب، وأن يكون الفيء رفدا، وأن يتمرس الرجل بدينه تمرُّس البعير بالشجرة.
وقال أبو عمرو: الإخراب: أن يترك الموضع خربا، والتخريب: الهدم، وقرأ وحده: (يُخَرِّبون بيوتهم) مشددة، والباقون يُخْربُون، والمراد ما يُخرّبه الملوك من العمران، وتعمّره من الخراب شهوة لا صلاحاً.
الفيء: الخراج؛ أي يصلون به من أرادوا، ولا يصفونه إلى مصارفه.
يتمرس بدينه: أي يتلعب به ويعبث، كما يتحكك البعير بالشجرة متعبثا.
* * * * زوّج صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من عليّ عليهما السلام، فلما أصبح دعاها، فجاءت خرقة من الحياء، فقال لها: اسكني فقد أنكحتك أحب أهل بيتي، ودعا لهما - وروى: إنها أتته تعثر في مرطها من الخجل.
الخرق: التحيّر.
* * * * سأله صلى الله عليه وسلم رجل عن إتيان النساء في أدبارهن فقال: حلال. فلما ولى دعاه فقال: كيف قلت؟ في أي الخرزتين أو الخصفتين، أمن دبرها في قبلها فنعم، أم من دبرها في دبرها فلا.
ثلاثتها بمعنى واحد، وهو الثقب المستدير. قال ذو الرمة:
أَوْ مِنْ مَعَاشِرَ في آذَانِها الخُرَبُ
والخرزة، من الخرز، والخصفة: من الخصف.
* * * * مر صلى الله عليه وسلم بأوس بن عبد الله الأسلمي، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وهما متوجهان إلى المدينة، فحملهما على جمل، وبعث معهما دليلا، وقال: اسلك بهما حيث تعلم من مخارق الطرق، وكان أوس مُغفلا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يسم إبله في أعناقها قيد الفرس.
المخرم: منقطع أنف الجبل.
المغفل: الذي إبله أغفال.
قيد الفرس: سمة. أنشد أبو عبيد:
كومٌ على أَعناقها قَيْدُ الفَرَسْ ... تَنْجُو إذا الليلُ تَدَانَي والْتَبَسْ
قال صخر - من أسباط أوس: وهي سمتنا اليوم، وصورتها أن تحلَّق حلقتين وتمد بينهما مدَّة.
* * * * من تحلى ذهبا أو حلى ولده مثل خربصيصة، أو عين جرادة كان كذا يوم القيامة.
هي هنة تتراءى في الرمل لها بصيص كأنها عين جرادة.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: إن نعيم الدنيا أقل وأصغر عند الله من خربصيصة.
* * * * عمر رضي الله عنه - رأى في ثوبه جنابة، فقال: خرط علينا الاحتلام.
أي أرسل، من قولهم: خرط الفحل في الشَّول، وخرط البازي في سيره، وخرط دلوه في البئر.
* * * * كان رضي الله عنه يقول للخارص: إذا رأيت قوما قد خرفوا في حائطهم فانظر قدر ما ترى أنهم يأكلون، فلا يُخرص عليهم.
أي أقاموا فيه وقت اختراف الثمار، وهو الخريف، يقال: خرف القوم بمكان كذا وصافوا وشتوا، وأما أخرفوا وأصافوا وأشتوا فمعناها الدخول في هذه الأوقات.
* * * * علي عليه السلام - أتاه قوم برجل فقالوا: إن هذا يؤمنا ونحن له كارهون، فقال له علي: إنك لخروط. أتؤم قوما وهم لك كارهون! شبهه في تهوره وتهافته في الأمر بجهله بالفرس الخروط؛ وهو الذي يجتذب رسنه من يد ممسكه ويمضي هائما.
* * * * البرق مخاريق الملائكة.
جمع مخراق؛ وهو ثوب يفتل يتضارب به، ثم يقال للسيوف الخفاف: نخاريق تشبيها. قال:
مخاريقٌ بأَيدي لاَعِبينَا
* * * * قال سويد بن غفلة رحمه الله: دخلت على علي عليه السلام يوم الخروج فإذا بين يديه فاثور، عليه خبز السمراء، وصحفة فيها خطيفة وملبنة، فقلت يا أمير المؤمنين؛ يوم عيد وخطيفة! فقال: إنما هذا عيد من غفر له.
يقال ليوم العيد: يوم الخروج، ويوم الزينة، ويوم الصف، ويوم المشرق.
الفاثور: الخوان من الرخام ونحوه، ويقال للجام أو الطست من الذهب أو الفضة: فاثور، ومنه قيل لقرص الشمس فاثورها.
السمراء: الخشكار لسمرته، كما قيل للباب: الحواري لبياضه، والسمراء أيضاً من أسماء البر.
الصحفة: القطعة المسلنطحة.
الخطيفة: الكبولاء. وقيل: لبن يوضع على النار، يذر عليه دقيق، ويطبخ، ويختطف بالملاعق.
الملبنة: ملعقة يلعق بها الخطيفة ونحوها، وهي من اللبن.
يوم عيد: خبر مبتدؤه محذوف، ولا يجوز أن يكون استفهاما لأن حرف الاستفهام لا يجوز حذفه إلا في مثل قولك: زيد في الدار أم على السطح؛ لأن أم العديلة للهمزة تدل عليها، ولو قلت: زيد في الدار، وأنت تريد الاستفهام كنت مخطئاً عند البصريين.
* * * * سعد رضي الله عنه - ما خرمت من صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم شيئاً.
أي ما تركت، وأصله القطع.
* * * * زيد رضي الله عنه - قال في الخرمات الثلاث في كل واحدة منها ثلث الدية.
جمع خرمة، وهي من الأخرم، كالشترة من الأشتر.
والمعنى: إذا خرم الوترة والناشرتين كانت عليه الدية، وإذا خرم واحدة منها فعليه الثلث.
* * * * الخدري رضي الله عنه - لوسمع أحدكم ضغطة القبر لخرع.
أي انكسر وضعف، ومنه الخروع؛ وهو كل نبات لين.
وفي حديث يحيى بن أبي كثير: لا يؤخذ في الصدقة الخرع.
أراد الصغير؛ لأنه ضعيف.
وعن أبي طالب: لولا أن قريشا تقول أدركه الخرع - أي الخور - لأقررت بها عينيك.
* * * * الأشعري رضي الله عنه - مثل الذي يقرأ القرآن، ويعمل به كمثل الأترجة، طيب ريحها، طيب خراجها. ومثل الذي يعمل به ولا يقرؤه كمثل النخلة؛ طيب خراجها ولا ريح لها.
كل ما خرج من شيء من نفعه فهو خراجه؛ فخراج الشجر ثمره، وخراج الحيوان نسله ودرُّه.
* * * * * أبو هريرة رضي الله عنه - كره السراويل المخرفجة.
هي الواسعة التي تقع على ظهور القدمين، ومنها عيش مخرفج.
السراويل: معربة، وهي اسم مفرد واقع في كلامهم على مثال الجمع الذي لا ينصرف كقناديل؛ فيمنعونه الصرف. قال يصف ثورا:
يُمَشِّي بها ذَبُّ الرِّيَاد كأَنّه ... فَتىً فارِسيٌّ في سَرَاوِيِلِ رَامِح
ويقال في معناها: سراولة. قال:
عَلَيْه مِنَ اللُّؤْمِ سِرْاَولةٌ
وعن الأخفش: إن من العرب من يراها جمعاً وأن كل جزء من أجزائها سروالة.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - يتخارج الشريكان وأهل الميراث.
أي إذا كان بينهم شيء غير مقسوم جاز لكل واحد منهم بيع نصيبه من الآخر، ولا يجوز له بيعه من أجنبي إلا بعد القبض والحيازة، وهو تفاعل من الخروج، كأنه يخرج كل واحد عن ملكه إلى صاحبه بالبيع.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - قال في الذي يقلد بدنته فيضن بالنعل: يقلدها خرابة.
هي بتشديد الراء وتخفيفها: عروة المزادة، ويقال لثقب الورك أيضا خرابة باللغتين، ولفم الدبرة التي تفتح وتشكر: خرّابة - بالتشديد.
* * * * في الحديث: كان فلان إذا دُعي إلى طعام قال: أفي خرس أم عرس أم إعذار؟ فإن كان في واحد من ذلك أجاب وإلا لم يجب.
الخرس: طعام الولادة، والخرسة ما تطعمه النفساء نفسها. وفي أمثالهم: تخرَّسي لا مخرِّسة لك. وكأنه سمِّي خرسا؛ لأنه يصنع عند وضعها وانقطاع صرختها.
* * * * إن قوم صالح عليه السلام سألوه أن يُخرج لهم من الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء.
قيل: على خلقة الجمل، وقيل: مشاكلة للبخت، وهي من قولهم: اخترجه بمعنى استخرجه؛ فإما أن تكون التي استخرجت من شكل الذكور أو من شكل البُخْت.
الجوفاء: الواسعة الجوف.
* * * * كان كتاب فلان مخربشاً.
الخربشة والخرمشة والخرفشة معناها التشويش والإفساد.
* * * * الخارقة في " حل " . تخترق في " فض " . أو خرقاء في " شر " . خارف في " نص " . اللبن الخريف " هن " . يخرش في " قز " . خرفة الصائم وخرسة مريم في " حب " . الخربة في " ثم " . مخرّبة في " حل " . المخردل في " وب " . فخرق في " اج " . مخرفا في " عذ " . خارك في " را " . مخرنطمة في " سو " .
* * * *
الخاء مع الزاي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن كعب بن الأشرف عاهده ألا يعين عليه ولا يقاتله، ولحق بمكة، ثم قدم المدينة معلنا معاداة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخزع منه هجاؤه له، فأمر بقتله.
الخزع: القطع، ومنه خزاعة، لأنهم تخزعوا عن أصحابهم وأقاموا بمكة، وخزع منه كقولهم: نال منه وشعث منه، ووضع منه.
والضمير في منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: معناه قطع الهجاء عهده وذمته، والضمير على هذا لكعب.
* * * * حذيفة رضي الله عنه - إن الله تعالى يصنع صانع الخزم ويصنع كل صنعة.
الخزم: شجر يتخذ من لحائه الحبال، الواحدة خزمة، وبالمدينة سوق الخزامين، والمراد بصانع الخزم: صانع ما يُتّخذ من الخزم.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - قال له رجل: إن أخوانك من أهل الكوفة يقرئونك السلام، ويامرونك أن تعظهم. قال: اقرأ عليهم السلام، ومرهم أن يعطوا القرآن بخزائمهم.
جمع خزامة، وهي شيء من الشعر كالخشاش من العود في أنف البعير، والمراد اتِّباعهم القرآن منقادين لأحكامه.
أعطى: منقول بالهمزة، من عطا الشيء، إذا تناوله، فهو متعد إلى مفعولين، ووجه دخول الباء هاهنا على المفعول الثاني، وفي قولهم أعطى بيده إذا انقاد ووكل أمره إلى من عنى له بيان ما تضمن من زيادة المعنى على معنى الإعطاء المجرد.
* * * * معاوية رضي الله عنه - حبسه عتبان بن مالك على خزيرة تصنع له.
هي حساء من دقيق ودسم، وقيل: الحريرة من الدقيق والخزيرة من النخالة.
* * * *
في الحديث: إن الشيطان لما دخل سفينة نوح عليه السلام: اخرج يا عدو الله من جوفها، فصعد على خيزران السفينة.
هو سكَّانها. قال المبرد يقال للمردي: خيزرانة إذا كان يتثنى إذا اعتمد عليه. والخيزران: كل غصن متثن.
* * * * خزقتهم في " بد " . لا خزام في " زم " . ولا تخزوا في " حم " . خزية في " حز " . فخزل في " قص " .
* * * *
الخاء مع السين
عمر رضي الله عنه - إن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه سأله عن الشعراء، فقال: امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصح بصر.
أي أنبطها وأغزرها، من قولهم: خسف البئر: إذا حفرها في حجارة فنبعت بماءٍ كثير، فهي خسيف.
يريد أنه أول من فتق صناعة الشعر، وفنن معانيها، وكثّرها وقصَّدها؛ فاحتذى الشعراء على مثاله.
افتقر: افتعل من الفقير، وهو فم القناة بمعنى شقّ وفتح، جعل للشعر بصراً صحيحا، وجعل ذلك البصر مفتوحا باصراً، وهو في المعنى لمتأمله والناظر فيه كقوله تعالى: (وآتينَا ثمُودَ النَاقة مُبْصِرَةً). وكذلك وصفه المعاني بالعور في الحقيقة لمتأملها، يعني أنها لغموضها وخفائها عليه كأنه أعمى عنها.
والمراد أن امرأ القيس قد أوضح معاني الشعر، ولخصها، وكشف عنها الحجب، وجانب التعويص والتعقيد.
ومحل عن وما دخل عليه النصب على الحال، كأنه قال: فتح للشعر أصح بصر مجاوزا للمعاني العور متخطياً لها.
* * * * أخسفت في " شج " . يسومكم خسفاً في " جم " . خسيستنا في " حد " .
* * * *
الخاء مع الشين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال في مكة: لا تزول حتى يزول أخشباها.
هما أبو قبيس والأحمر، وهو جبل مشرف وجهه على قيقعان.
والأخشب: كل جبل خشن غليظ، وأخاشب: جبال بالصمان.
وفي حديثه الآخر أن جبرئيل قال له: يا محمد؛ إن شئت جمعت عليهم الأخشبين، فعلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفكلٌ وقال: دعني أُنذر قومي.
الأفكل: الرعدة.
أُنذر: مجزوم بحرف شرط مضمر، تقديره فإن تدعني أُنذر، ولو رفع لكان متجها على أنه يكون حالا أو كلاما مستأنفا كقوله:
وقال قائلهم أرْسُوا نُزَاولها
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لبلال: ما عملك، فإني لا أراني أدخل الجنة، فأسمع الخشفة فأنظر إلا رأيتك.
الخشفة: الحس والحركة؛ ومنها: الخشف وهو الغزال إذا تحرك.
أراني: من الرؤية، بمعنى العلمبدليل تعديه إلى ضمير فاعله. وأدخل في موضع المفعول الثاني. ورأيتك في موضع الحال بإضمار قد، كأنه قيل: لا أراني ناظرا إلا رائيا لك.
* * * * وروى: ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشة، فقلت: من هذا. فقالوا: بلال، ثم مررت بقصر مشيد بزيع، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا لعمر بن الخطاب.
الخشخشة: حركة فيها صوت. قال العجاج:
خَشْخَشَة الرِّيح الحَصَادَ اليُبَّسَا
البزيع: الحدث الظريف، وقد بزع بزاعة، فشبه به القصر في حسنه.
* * * * دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تُطعمها ولم تسقها، ولم ترسلها فتأكل من خشاش الأرض.
أي من هوامها. الواحدة خشاشة، سميت بذلك لاندساسها في التراب، من خشَّ في الشيء، إذا دخل فيه يخش، وخشه غيره يخشه. ومنه الخشاش، لأنه يخش في أنف البعير.
في هرة: أي في معناها وبسببها.
* * * * في ذكر المنافقين: مستكبرون لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل، صُخب بالنهار - وروى: سُخب - بالسين.
شبههم في تمددهم نياما بالخشب المطرَّحة، ويقال للقتيلخرَّ كأنه خشبة، وكأنه جذع. قال جميل بن معمر:
قعدتُ له والقومُ صَرْعَى كأنهم ... لدَى العِيس والأكْوَار خُشْبٌ مُطَرَّحُ
السخب والصخب: اختلاط الأصوات، والأصل السين، ومنه السِّخاب، وهو القلادة من القرنفل، وقيل: ومن خرز؛ لإجراسه، والصاد بدل، والذي أُبدلت له وقوع الخاء بعدها: كقولهم: صخر في سخر؛ والغين والقاف والطاء أخوات الخاء في ذلك، يقال: أصبغ ويصاقون ومصيطر! والمراد رفع أصواتهم وضجيجهم في المجادلات والخصومات وغير ذلك.
* * * *
عمر رضي الله عنه - أتاه قبيصة بن جابر فقال: إني رميت ظبياً، وأنا محرم، فأصبت خششاءه، فركب ردعه، فأسن فمات. فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فشاوره، ثم قال: اذبح شاة. فقال قبيصة لصاحبه: والله ما علم أمير المؤمنين حتى سأل غيره، وأحسبني أني سأنحر ناقتي! فسمعه عمر فأقبل عليه بالدرة، وقال: أتغمص الفتيا وتقتل الصيد وأنت محرم؟ قال الله تبارك وتعالى: (يَحْكُمُ به ذَوَا عَدْلٍ منكم). فأنا عمر وهذا عبد الرحمن! الخششاء: العظم الناتئ خلف الأذن، وهمزتها منقلبة عن ألف التأنيث، وأما همزة الخشاء ووزنها فعلاء كقوباء، وهذا الوزن قليل فيما قال سيبويه - فمنقلبة عن ياء للإلحاق، ونظير هذه الهمزة في كونها تارة للتأنيث وأخرى للإلحاق ألف علقي، وهي من خش لأنها عظم مركوز في اليافوخ مركب فيه.
الردع: التضميخ بالزعفران، وثوب مردوع: مزعفر، وكثر حتى قيل للزعفران نفسه: ردع، وهو في قولهم: ركب ردعه اسم للدم على سبيل التشبيه، ومثله الجسد هو الزعفران والدم، ومعنى ركوبه دمه أنه جرح فسال دمه فوقه متشحطا فيه.
وعن المبرد أنه من ارتدع السهم: إذا رجع النصل في السنخ متجاوزاً، وأن معناه سقط، فدخلت عنقه في جوفه.
وفيه وجهان: أحدهما أن يكون الردع بمعنى الارتداع على تقدير حذف الزوائد. والثاني أن يكون من ردع الرامي السهم: إذا فعل به ذلك، ومنه ردع السهم: إذا ضرب نصله بالأرض ليثبت في الرعظ، والتقدير ركب ذات ردعه؛ أي عنقه، فحذف المضاف، أو سمى العنق ردعاً على الاتساع.
أسن: ديربه، من أسن المائح.
الغمص: التسخط والاستحقار.
* * * * إن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال له: أكثرت من الدعاء بالموت حتى خشيت أن يكون ذلك أسهل لك عند أوان نزوله، فإذا مللت من أمتك؛ أما تعين صالحاً أو تقوّم فاسداً؟ فقال: يابن عباس؛ إني قائل قولاً وهو إليك. قال: قلت لن يعدوني. قال: كيف لا أحب فراقهم وفيهم ناسٌ كلهم فاتح فاه للهوة من الدنيا إما بحق لا ينوء به أو بباطل لا يناله، ولولا أن أُسأل عنكم لهربت منكم، فأصبحت الأرض مني بلاقع، فمضيت لشأني وما قلت ما فعل الغالبون.
خشيت: رجوت.
وهو إليك: أي مسرٌّ إليك.
اللهوة: ما ألقى من الحب في فم الرحى، فاستعيرت للعطية والمنالة.
ناء بالحمل: إذا نهض.
البلاقع: جمع بلقع وهو الخالي. وصف بالجمع مبالغة كقوله:
كأَن قتود رَحْلي حين ضَمَّتْ ... حَوَالِبَ غُرَّزاً وَمِعاً جِيَاعاً
* * * * سلمان رضي الله عنه - ذكره أبو عثمان، فقال: كان لا يكاد يفقه كلامه من شدة عجمته، وكان يُسمى الخشب خشبان.
قد أُنكر هذا الحديث: لأن كلامه يضارع كلام الفصحاء. والخشبان في جمع الخشب صحيح مروي، ونظيره سلق وسلقان وحمل وحملان. وقال:
كأنهم بجنوب الْقَاع خُشْبَان
ولا مزيد على ما يتعاون على ثبوته القياس والرواية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - كان سهم بن غالب من رءوس الخوارج خرج بالبصرة عند الجسر، فآمنه عبد الله بن عامر، فكتب إلى معاوية: قد جعلت لهم ذمتك.
فكتب إليه معاوية: لو كنت قتلته كانت ذمةً خاشفت فيها.
فلما قدم زياد صلبه على باب داره.
أي سارعت إلى إخفارها. يقال: خاشف فلان في الشر، وخاشف الإبل ليلته: إذا سايرها؛ يريد لم يكن في قتلك له إلا أن يقال: قد أخفر ذمَّته، يعني أن قتله كان الرأي.
* * * * في الحديث: إذا ذهب الخيار وبقيت خشارة كخشارة الشعير لا يبالي بهم الله بالة.
هي من كل شيء رديه ونفايته، وقيل: هو من الشعير ما لا لبَّ له.
البالة: أصلها بالية كعافية بمعنى المبالاة.
* * * * لتركبن سنن من كان قبلكم ذراعاً بذراع حتى لو سلكوا خشرم دبر لسلكتموه. قيل: هو بيت النحل ذو التخاريب، ويقال لجماعة النحل: خشرم.
والدبر: النحل، ويمكن أن يجعل اشتقاقه من التدبير؛ لما في عمله من النيقة.
* * * * أخاشب في " عب " . المخشوش في " مد " . خشمه في " سل " . واخشوشنوا في " فر " . من أخشن في " نش " . خُشنا في " نب " . خُشاش المرأة في " سح " . خاشى بهم في " دف " . خشعة في " حش " . خشّ في " فق " . من خشاشة في " جم " .
* * * *
الخاء مع الصاد
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يصلي فأقبل رجل في بصره سوء، فمرَّ ببئر عليها خصفة؛ فوقع فيها؛ فضحك بعض من كان خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمرهم بإعادة الوضوء والصلاة.
الخصفة: واحدة الخصف، وهي جِلال نجرانية يُكنز فيها التمر، وكأنه فعل بمعنى مفعول، من الخصف؛ وهو ضم الشيء إلى الشيء، لأنه شيء مرمول من خُوص، ومنه خصف النعل، وشبه به ضرب من الثياب الغلاظ جداً، فقيل له: خصف.
ومنه الحديث: إن تُبَّعاً كسا البيت المسوح، فانتفض البيت منه، ومزَّقه عن نفسه ثم كساه الخصف فلم يقبله، ثم كساه الأنطاع فقبلها.
* * * * جاء صلى الله عليه وآله وسلم إلى البقيع ومعه مخصرة له، فجلس ونكت بها في الأرض، ثم رفع رأسه وقال: ما من منفوسة إلا وقد كتب مكانها في الجنة والنار.
المخصرة: قضيب يشير به الخطيب والملك إذا خاطب. قال:
يكادُ يُزيل الأَرضَ وَقْعُ خِطَابهِمْ ... إذا وَصَلُوا أيمانهمْ بالمَخَاصِرِ
ويقال: اختصرتها وتخصَّرت بها: إذا أمسكتها بيدك. قال أبو الفتح الهمداني النحوي: هي من الخنصر، لأنها إما أن تكون بعلاقة فيعتلقها صاحبها بخنصره، وإما ألا تكون بعلاقة فيجعلها بين خنصره وبنصره. ووزن خنصر فنعل من الاختصار لصغرها.
النكت في الأرض: أن يضربها ويخط فيها، وهذه من صفة المفكر المهموم، كما قال ذو الرمة:
عَشِيَّةَ مالِي حِيلةٌ غيرَ أنَّني ... بلَقْطِ الحَصَى والخطِّ في الدَّارِ مُولَعُ
المنفوسة: المولودة، نفست المرأة نفاسا: إذا ولدت فهي نافس، والولد منفوس. قال:
كما سقط المَنْفُوس بين القَوَابِل
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل مختصراً - وروى: متخصراً. هما بمعنى الواضع يده على خاصرته.
* * * * وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: الاختصار في الصلاة راحة أهل النار.
قيل معناه أن هذا فعل اليهود في صلاتهم وهم أهل النار، لا أن لأهل جهنم راحةً، لقوله تعالى: (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وهُمْ فيهِ مُبْلِسُونُ).
وقيل: هو أن يأخذ بيده مخصرة يتكئ عليها. وقيل الاختصار: أن يقرأ آية أو آيتين من آخر السورة ولا يقرأها بكمالها في فرضه.
ومنه: إنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن اختصار السجدة.
وهو أن يقرأ السجدة، فإذا انتهى إلى موضعها تخطَّاه.
وأما الحديث - المختصرون يوم القيامة على وجوههم النور.
فهم الذين يتهجدون، فإذا تعبوا وضعوا أيديهم على خواصرهم، وقيل: هم المتكئون على أعمالهم يوم القيامة.
* * * * قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله؛ أراك كساهم الوجه؛ أمن علة؟ قال: ولكنه السبعة دنانير التي أُتينا بها أمس نسيتها في خُصم الفراش فبتّ ولم أقسمها.
هو الجانب، وجمعه خصوم وأخصام.
ومنه قول سل بن حنيف رحمه الله يوم صفين لما حُكِّم الحكمان: إن هذا الأمر لا يُسدُّ منه والله خصم إلا انفتح علينا خصم آخر.
والمخاصمة: من الخصم، كما أن المشاقة من الشق، لأن المتجاذبين كلاهما منحاز إلى جانب.
روى: الدنانير السبعة، وهي الرواية الصحيحة، لأن إضافة ما فيه لام التعريف في غير أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة لا وجه لها.
* * * * بادروا بالأعمال ستّا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، ودابة الأرض، وخويصة أحدكم، وأمر العامة.
الخويصة: تصغير الخاصة بسكون الياء، لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، ومثله أُصيم ومذيقّ، في تصغير أصمّ ومذقّ، والذي جوز فيها نظائرها التقاء الساكنين، أن الأول حرف لين، والثاني مدغم، والمراد حادثة الموت التي تخصّ المرء، وصُغِّرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث العظام من البعث والحساب وغير ذلك.
العامة: القيامة لأنها تعم الخلائق. ومعنى مبادرة الست بالأعمال الانكماش في الأعمال الصالحة قبل وقوعها، وتأنيث الست لأنها خُطط ودواهٍ.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يرمي فإذا أصاب جصلة قال: أنا بها، أنا بها.
الخصلة: المرة من الخصل، وهو الغلبة في النضال، يقال: خصلتهم خصلا وخصالا كأنه على خاصلتهم، فخصلتهم، كناضلتهم فنضلتهم. والتخاصل: التراهن في النضال، وأصل الخصل: القطع. ومنه: سيف مخصل، لأن المتراهنين يتقاطعون أمرهم على شيء معلوم.
أنا بها: أي أنا جئت بها وخصلتها فحذف.
ومثله قول عمر رضي الله عنه - وقد أتى بامرأة قد فجرت: من بك؟ أي من فعل بك؟ * * * * يخصف الورق في " فض " . متخصرا في " قر " . إذا تخصروا في " زخ " . خصبة في " زو " . مخصَّرة في " عق " . الخصيلة في " صد " . الخصفتين في " خر " . ولا يخصف في " نش " .
* * * *
الخاء مع الضاد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - خطب الناس يوم النحر، وهو على ناقة مخضرمة.
الخضرمة: أن يُجعل الشيء بين بين، فالناقة المخضرمة: هي التي قطع شيء يسير من طرف أُذنها؛ لأنها حينئذ بين الوافرة الأذن والناقصتها، وقولهم للخفض: خضرمة تشبيه بذلك؛ لأن ما يحذف يسير، وقيل: هي المنتوجة بين النجائب والعكاظيات، ويقال للحم الذي لا يدري أمن ذكر هو أم من أنثى مخضرم، ومنه المخضرم من الشعراء: الذي أدرك الجاهلية والإسلام.
* * * * نهى صلى الله عليه وسلم عن المخاضرة.
وهي بيع الثمار خضر لمَّا يبد صلاحها.
* * * * قال أبو سفيان رضي الله عنه يوم فتح مكة: يا رسول الله؛ قد أُبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم.
هي جماعتهم وكثرتهم؛ سميت بذلك من الخضرة التي بمعنى السواد، كما قيل لها سواد ودهماء، ومثلها تسميتهم اللبن المخلوط بالمء خضاراً، كما سموه سماراً؛ شبهوها في تكاثفها وترادفها بالليل المظلم، وقد صرحوا بذلك فقالوا: أقبلوا كالليل المظلم. وقال:
ونحنُ كاللَّيل جاشَ في قتمه
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم في فتح مكة: إنه أمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي حيث تمر به الكتائب، فحبسه حتى مر المسلمون، ومر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في كتيبته الخضراء.
هي التي غلبها سواد الحديد كما قيل الجأواء.
ومنه حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: إن الحارث بن حكيم تزوج امرأة أعرابية، فدخل عليها، فإذا هي خضراء؛ فكرهها ولم يكشفها، فطلقها، فأرسل مروان في ذلك إلى زيد فجعل لها صداقاً كاملا.
الصداق بالكسر أفصح عند أصحابنا البصريين.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي مات فيه: أجلسوني في المخضب فاغسلوني.
هو المركن، سمي بذلك؛ لأنه يجعل فيه ما يُخضب به.
* * * * إياكم وخضراء الدمن. قيل: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء.
ضرب الشجرة التي تنبت في ملقى الزبل فتجئ مخضرة ناضرة، ولكن منبتها خبيث قذر، مثلا للمرأة الجميلة الوجه اللئيمة المنصب.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لأم سليم: خضلي قنازعك.
الخضل: الندى، وخضل واخضل: إذا ندى، والتخضيل: التندية.
القنازع: شعر متفرق في الرأس في مواضع شتى بعد الحلق أو النتف، الواحدة قنزعة، يقال: لم يبق من شعره إلا قنزعة، ونونها زائدة من الرأس المقزع.
أمرها بإزالة الشعث وتطاير الشعر والتندية بالماء أو الدهن.
* * * * عمر رضي الله عنه - مر رجل برجل وامرأة قد خضعا بينهما حديثاً، فضرب الرجل حتى شجه، فرفع إلى عمر رضي الله عنه فأهدره.
خضع يكون متعديا ولازما. قال جرير:
أعدَّ اللهُ للشُّعَراءِ منِّي ... صَوَاعِق يَخْضَعُون لها الرِّقَابا
والمراد خفض الحديث وتليينه.
* * * * كان يقول: اغزوا والغزو حلو خضر قبل أن يكون ثماما، ثم رماما، ثم يكون حطاما.
وكان يقول: إذا انتطت المغازي، واشتدت العزائم، ومُنعت الغنائم فخير غزوكم الرباط.
الخضر: الأخضر، والمراد الطريّ.
والثمام: شجر ضعيف.
والرمام: الهشيم من النبت.
وقيل: هو حين تنبت رءوسه فترم، أي تؤكل.
وحطام كل شيء: كسارته.
والمعنى: عليكم بالغزو، وهو لعدل ولاة الأمر في قسمة الفيء، ولما ينزل الله من النصر وييسر من الفتح ببركة الصالحين كالثمرة في وقت طراوتها وحلاوتها وخلوها من الآفات قبل أن يتدرج في الوهن إلى أن يشبه حطام اليبيس ودقاقه.
انتاطت:بعدت؛ افتعلت من نياط المفازة؛ وهو بعدها؛ كأنها نيطت بأخرى. المغازي: مواضع الغزو ومتوجهات الغزاة.
العزائم: عزمات الأمراء على الناس في الغزو إلى الأقطار البعيدة وأخذهم به.
الراط: المرابطة، وهي الإقامة في الثغر.
* * * * الزبير رضي الله عنه - عن عروة ابنه: كان الزبير طويلا أزرق، أخضع أشعر،ربما أخذت وأنا غلام بشعر كتفيه حتى أقوم. يخط رجلاه إذا ركب الدابة، نُفُج الحقيبة.
الأخضع: الذي فيه جنأ.
الأشعر: الكثير الشعر.
النفج: صفة كالسرح والسجح، بمعنى المنتفج، وهو الرابي المرتفع.
والحقيبة: كل ما يجعله الراكب وراء رحله، فاستُعيرت للعجز.
والمعنى: أنه لم يكن بأزلّ.
* * * * أبو ذر رضي الله عنه - عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ما أظلَّت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر.
هي السماء، وتسمى الجرباء والرقيع والرقع.
وروى في اللهجة سكون الهاء وفتحها، وأن الفتح أفصح. وقال أبو حاتم عن الأصمعي: اللهجة الهاء ساكنة، ول يعرف اللهجة، وقيل: لهجة اللسان ما ينطق به من الكلام، وإنها من لهج بالشيء، ونظيرها قول بعضهم في اللغة: إنها من لغى بالشيء إذا أُغري به.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - مر بمروان وهو يبني بنياناً له، فقال: ابنوا شديدا، وأمِّلوا بعيدا، واخضموا فسنقضم.
الخضم: المضغ بأقصى الاضراس، وهو من الكثرة، ومنه الرجل الخضم الكثير العطية.
والقضم: بأدنى الأسنان، ومنه القضيم، وما ذقت قضاما.
والمعنى: استكثروا من الدنيا فإنا سنقنع منها بالدون.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - سُئل عن الخضخضةن فقال: هو خير من الزنا ونكاح الأمة خيرٌ منه.
هي الاستمناء، وهو استنزال المني في غير الفرج، وأصل الخضخضة: التحريك، يقال خضخض الماء في الإناء، والسكين في بطنه.
* * * * معاوية رضي الله عنه - رأى رجلا يجيد الأكل، فقال: إنه لمخضد.
هو الشديد الأكل يقال: الفرس يخضد خضدا. قال امرؤ القيس:
ويَخْضِدُ في الآرِيّ حتى كأَنما ... به عُرَّةٌ أو طائِفٌ غَيْرُ مُعْقِبِ
وهو من الخضد، وهو قطع الشيء الرطب. وقيل لأعرابي كان معجباً بالقثاء: ما يعجبك منه؟ فقال: خضده.
ومنه حديث مسلمة بن مخلد: إنه قال لعمرو بنالعاص: إن ابن عمك هذا لمخضد.
* * * * الحجاج - جاءته امرأة برجل فقالت: تزوجني على أن يعطيني خضلا نبيلا.
هو الدر الصافي ذو الماء، الواحد خضلة، وهي من الخضل بمعنى الندى.
* * * * مجاهد رحمه الله - ليس في الخضروات صدقة.
قيل هي من الفواكه مثل التفاح والكمثرى وغيرهما، وقيل: البقول، وإنما جاز جمع فعلاء هذه بالألف والتاء، ولا يقال نساء حمراوات، لاختلاطها بالأسماء.
* * * * وفي الحديث: تجنبوا من خضرائكم ذوات الريح.
أراد الثوم والبصل والكراث.
* * * * في الحديث: من خضر له في شيء فليلزمه.
أي من بورك له في صناعة أو حرفة أو تجارة فليقبل عليها؛ وتحقيقه: جعلت له الحال فيها خضراء.
* * * * مخضبة خضرة، وىكلة الخضر في " زه " . أخضلوا في " لع " . أخضر الشمط في " مع " . يخضل في " طي " . خضمة في " زو " . لم تخضد في " حد " . فيه خضرات في " بد " . خضرمنا النعم في " دج " . خضرتها في " قر " . خضراؤهم في " قو " . وخضده في " رب " .
* * * *
الخاء مع الطاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وعد رجلا أن يخرج إليه فأبطأ عليه، فلما خرج قال له: شغلني عنك خطمٌ.
قال ابن الأعرابي: هو الخطب الجليل، فميمه على هذا بدل من الباء، ونظيره قولهم: بنات مخرٍ في بنات بخر، ورأيته من كثم وكثب، وما زلت راتما على هذا وراتباً؛ ويحتمل أن يراد بالخطم أمر خطمه؛ أي منعه من الخروج.
* * * * نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخطفة.
هي المرة من الخطف، سُمّي بها العضو الذي يخطفه السبع، أو يقطعه الإنسان من أعضاء البهيمة الحية، وهو ميتة لا تحل، وأصل هذا أنه حين قدم المدينة رأى الناس يجبون أسنمة الإبل وأليات الغنم فيأكلونها.
* * * * سأله صلى الله عليه وآله وسلم معاوية بن الحكم عن الخطِّ. فقال: كان نبي من الأنبياء يخطُّ، فمن صادف خطه علم مثل علمه.
قال ابن الأعرابي: كان يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانا فيقول له: اقعد حتى أخطَّ لك، وبين يديه غلام معه ميل، ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط خطوطا كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو على مهله خطين خطين، فإن بقي منها خطان فهما علامة النجاح، فيقول الحازي: ابني عيان. أسرعا البيان. وإن بقي خطٌّ واحد فهو علامة الخيبة، والعرب تسمية الأسحم.
* * * *
تخرج الدابة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام، فتحلي وجه المؤمن بالعصا وتخطم أنف الكافر بالخاتم، حتى أن أهل الإخوان ليجتمعون فيقول هذا: يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر.
أي تؤثر على أنفه، من خطمت البعير: إذا وسمته بالكي بخطٍّ من الأنف إلى أحد خديه، وتسمى تلك السمة: الخطام.
الإخوان: الخوان، ومثاله الإسوار والسوار. وقال:
ومَنْحَر مِئْنَاثٍ تَجُرُّ حُوارَها ... ومَوْضِع إخْوَانٍ إلى جَنْبِ إخْوَانِ
* * * * أبو ذر رضي الله عنه - نرعى الخطائط، ونرد المطائط، وتأكلون خضما، ونأكل قضما، والموعد الله.
الخطيطة: الأرض التي لم تمطر بين ممطورتين.
المطيطة: الماء المختلط بالطين الذي يتمطط، أي يتمدد بخثورته.
الخضم والقضم: قد مضى تفسيرهما آنفا.
ابن عباس رضي الله عنهما - سُئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها، فقالت: فأنت طالق ثلاثا. فقال ابن عباس: خطَّأَ الله نوءها! ألا طلقت نفسها ثلاثا.
أي جعله مخطئاً لها لا يصيبها مطره، ويقال للرجل إذا طلب حاجته فلم ينجح: أخطأ نوؤك - وروى: خطى؛ وهو يحتمل أن يكون من الخطيطة، وهي الأرض غير الممطرة وأصله خطَّط، فقُلبت الطاء الثالثة حرف لين، كقولهم: تقضَّى البازي والتظني ولا أملاه.
وروى بهذا المعنى خطّ بغير ألف، وما أظنه صحيحا، وأن يكون من خطَّى الله عنك السوء؛ أي جعله يتخطاها ولا يمطرها.
* * * * أنس رضي الله تعالى عنه - كان عند أم سليم شعير فجشَّته، فجعلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيفة وأرسلتني أدعوه.
هي لبن يُطبخ بدقيقويُختطف بالملاعق.
* * * * ابن مقرن رضي الله عنه - قام خطيبا في غزوة نهاوند، فقال: أيها الناس، إن هذه الأعاجم قد أخطروا لكم وأخطرتم لهم إخطارا؛ أخطروا رثةً وأخطرتم الإسلام؛ فنافحوا عن دينكم؛ ألا وإنكم باب بين المسلمين والمشركين إن كسر ذلك الباب دُخل عليهم منه. ألا وإني هازٌّ لكم الراية، فإذا هززتها فليثب الرجال إلى أكمة خيولها فيقرطوها أعنَّتها؛ ألا وإني هازٌّ لكم الراية الثانية فلتثب الرجال فتشدهما بينها على أحقائها، ثم ذُكر أن النعمان طعن برايته رجلاً ثم رفع رايته مختضبة دماً، كأنها جناح عقاب كاسر؛ وجُمعت الرثاث كأنها الإكام - بعد قتل النعمان - إلى السائب.
يقال: أخطر لي فلان وأخطرت له، إذا تراهنا. والخطر: ما وضعاه على يدي عدل، فمن فاز أخذه، وهو من الخطر بمعنى الغرر؛ لأن ذلك المال على شفا أن يفاز به ويؤخذ.
الرثة واحدة الرثاث: الأمتعة الردية، أراد الغنائم؛ فصغّر شأنها كما قالت أخت عمرو بن معد يكرب:
ولا تأخذوا منهم إفَالا وأَبْكرا ... وأُتْرك في بيت بصَعْدَة مُظْلِم
أراد أنهم لم يعرضوا للاستهلاك إلا متاعاً يهون قدره؛ وأنتم عرّضتم له ما هو أفخم الأشياء شأنا وأعظمها قدراً، وهو دين الإسلام؛ فضرب لذلك فعل المتخاطرين مثلا.
المنافحة: المدافعة، من نفحه بالسيف، وقوس نفوح: بعيدة الدفع للسهم، ونفح الرائحة: انتشارها واندفاعها.
الأكمة: جمع كمام وهو المخلاة التي تعلق بأعلى رأس الدابة، وكمام البعير: هو ما يُكوّ به فوه لئلا يعضّ.
التقريط: أن يجعلوا الأعنة وراء آذانها عند طرح اللجم في رءوسها، أُخذ من تقريط المرأة.
والمعنى: الأمر بنزع المخالي وإلجام الخيل.
الثانية: صفة للمصدر المحذوف، تقديره الهزة الثانية.
الهميان: الذي يُجعل فيه الدراهم ويشدّ على الحقو، فعلان من همى، لأنه إذا أُفرغ همى بما فيه، وسميت به المنطقة؛ لأنها تُشدّ مشدّة، والمراد هاهنا المناطق.
الكاسر: التي تكسر جناحيها إذا انحطَّت.
* * * * عائشة رضي الله عنها - وصى أبو بكر رضي الله عنه أن يُكفن في ثوبين كانا عليه، وأن يجعل معهما ثوب آخر؛ فأرادت عائشة أن تبتاع له أثوابا جدداً، فقال عمر: لا يُكفّن إلا فيما أوصى به. فقالت عائشة: يا عمر؛ والله ما وُضعت الخطم على آنفنا. فبكى عمر وقال: كفني أباك فيما شئت.
كُني عن الولاية والملك بوضع الخطم؛ لأن البعير إذا مُلك وضع عليه الخطام.
والمعنى: ما ملكت علينا أمورنا فتنهانا أن نصنع ما نريد فيها.
* * * *
وما يخطر في " سن " . خطيطه في " ضف " . فتخطمه في " هض " . وخطيفة في " خر " . كالخطائط في " سل " . المخاطب في " رس " . خطر في " أر " . عن خطمه في " حت " . خطّارة في " جن " . واسوق خطوي في " ذق " .
* * * *
الخاء مع الفاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أيما سية غزت فأخفقت كان لها أجرها مرتين.
أي لم تغنم، وحقيقته صادفت الغنيمة خافقةً غير ثابتة مستقرة؛ فهو من باب أجنبته وأنحلته وأقحمته.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم عطية؛ إذا خفضت فأشمي، ولا تنهكي؛ فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج.
الخفض: ختن المرأة خاصة، شبَّه القطع اليسير بإشمام الرائحة.
والنهك: المبالغة فيه.
أسرى، من سروت عنه الثوب: إذا كشفته، أي أجلى للوجه، وأصفى للونه؛ والضمير في فإنه للإشمام.
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - ذكر المسلمين فقال: فمن ظلم منهم أحداً فقد أخفر الله، ومن ولى من أمر الناس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله، ومن صلى الصبح فهو في خفرة الله.
خفرت الرجل أجرته، وحفظت عهده وأخفرته: نقضت عهده، الهمزة فيه مثلها في أشكيته، كأن المعنى: أزلت خُفرته.
كتاب الله، أي مراسمه في العدل والإنصاف.
البهلة - بالفتح والضم: اللعنة.
* * * * أبو ذر رضي الله عنه - قدم مكة عند إسلامه، فذكر أنه كان يمشي نهاره، فإذا كان الليل سقطت كأني خفاء.
هو الكساء الذي وطب اللبن، من خفي، قال ذو الرمة:
عليه زَادٌ وأَهْدَام وأخْفية
كان هي التامة المستغنية عن الخبر.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - مثل المؤمن الضعيف كمثل خافت الزرع، يميل مرة ويعتدل أخرى - وروى: خافتة الزرعِ وخافة الزرع.
الخافت والخافتة: ما لان وضعف، ولحوق التاء على تأويل السنبلة، وأما الخافة فهي فعلة من باب خوف، وهي وعاء الحب؛ سميت بذلك لأنها وقاية له. ويقال للعيبة والخريطة التي يشتار فيها العسل: خافة من هذا، والخوف هو الاتقاء.
والمعنى إنه ممنوٌّ بأحداث الزمان مرزأٌ لا يستقيم في أمر دنياه استقامة غيره.
* * * * ابن أُسيد رضي الله عنه - ذكر الدجال فقال: يخرج في قلة من الناس، وخفقة من الدين، وإدبار من العلم.
هي من خفق إذا اضطرب، أو خفق الليل: إذا ذهب أكثره، أو خفق النجم إذا انحطّ في المغرب، أو من خفق خفقة، إذا نعس نعسة، والمعنى فترة أمره.
* * * * عبيدة السلماني رحمه الله تعالى - سُئل عن موجب الجنابة، فقال: الخفق والخِلاط - وروى: الدفق.
هو الإيللاج، وأصله الضرب، يقال: خفقه بالدرة.
والخلاط: مخالطة الرجل المرأة.
* * * * مجاهد رحمه الله - سأله حبيب بن أبي ثابت، فقال: إني أخاف أن يؤثِّر السجود في جبهتي. فقال: إذا سجدت فتخافَّ.
أي ضع جبهتك على الأرض وضعاً خفيفا من غير اعتمادٍ.
ومنه حديث عطاء: خفّوا على الأرض - وروى: فجتافَّ.
* * * * تختفوا في " حف " . أخفواً في " قع " . خفر في " بج " . خافجة في " لب " .
* * * *
الخاء مع القاف
عبد الملك - كتب إلى الحجاج: أما بعد فلا تدع خقاًّ من الأرض، ولا لقاًّ إلا زرعته.
الخقُّ: الخد في الأرض، يقال: خقّ فيها وخدَّ.
واللق: الصدع - وروى عن يوسف بن عمر أنه قال: إن عاملا من عمالي كتب إليّ يذكر أنه زرع كل حق ولق، بالحاء والضم، وفسر الحُقّ بالأرض المطمئنة، واللقُّ بالمرتفعة.
* * * * أخاقيق في " وق " .
* * * *
الخاء مع اللام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن الله تعالى جعل حسنات ابن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقال جل ثناؤه: إلا الصوم؛ فإن الصوم لي، وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
خلف فوه خلوفة وخلوفاً، وأخلف إخلافا: إذا تغير. قال ابن الأحمر:
بانَ الشبابُ وأَخْلَف العَمْرُ ... وتنكّر الإخوانُ والدَّهْر
أراد بالعمر: اللحم الذي بين الأسنان، قال المبرد في تفسيره: خلف: حدثت له رائحة بعدما عهدت منه، ولا يقال: خلوف لمن لم يزل ذلك منه. ومنه اللحم الخالف، وهو الذي تجد منه رويحةً.
ومنه حديث علي عليه السلام - حين سُئل عن القُبْلَة للصائم، فقال: وما أربك إلى خلوف فيها؟ * * * * ليردن عليَّ الحوض أقوامٌ ليختلجن دوني.
أي ليجتذبن، ويقتطعن عني.
* * * *
صلى صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه صلاة جهر فيها بالقراءة، وقرا قارئ خلفه فجهر فلما سلم قال: لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها.
أي جاذبني القراءة ونازعنيها.
وفي حديث آخر: مالي أُنازع القرآن! * * * * بعث صلى الله عليه وآله وسلم رجلا على الصدقة، فجاء بفصيل مخلول، أو محلول، فقال: هذا من صدقة فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا بارك الله له في إبله؛ فبلغ الرجل دعاؤه فجاء بناقة كوماء، فتلها إليه، فدعا له في إبله بالبركة.
المخلول: الذي خُلّ لسانه لئلا يرضع عند الفطام فهُزل.
والمحلول: الذي كأنما حُلَّ عن أوصاله اللحم وخُلع لفرط هزاله.
تلها: أناخها، من تللت الرجل: إذا صرعته.
الكوماء: المرتفعة السنام، من كومت الشيء: إذا ركمته.
* * * * قال أبو رفاعة رضي الله عنه. أتيته صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب، فقلت: إني رجل جاهل غريب لا يعلم دينه، فترك الناس ونزل، فقعد على كرسي خلبٍ، قوائمه من حديد.
هو ليف النخل. قال:
ومُطَّردا كرِشَاءِ الجَرُو ... رِ مِنْ خُلُب النَّخْل لم ينْأَدِ
وهو الخلب بمعنى الانتزاع، يقال: خلب السبع الفريسة، ومنه الخلب لأنه ينتزع من النخل، وسمي ليفا، لأنه يلاف منه أي يؤخذ منه، من لاف المال الكلأ يلوفه.
ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم: إنه كان له وسادة حشوها خلب - وروى: سلب.
وهو قشور الشجر - وروى: فأُتي بكرسي من خلب قوائمه حديد فقعد عليه.
قال حميد بن هلال: أراه خشبا أسود، حسب أنه حديد.
* * * * لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة.
هو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة؛ أو صنم لهم.
وقيل: كان عمرو بن لحي بن قمعة نصبه بأسفل مكة حين نصب الأصنام في مواضع شتى، فكانوا يلبسونه القلائد، ويعلقون عليه بيض النعام، ويذبحون عنده، وكأن معناهم في تسميته بذلك أن عُبَّاده والطائفين به خلصة.
وقيل: هو الكعبة اليمانية.
وفي قول من زعم أنه بيت كان فيه صنم يسمى الخلصة نظر؛ لأن ذو لا يضف إلا إلى أسماء الأجناس.
والمعنى أنهم يرتدون ويعودون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان فترمل نساء بني دوس طائفات حول ذي الخلصة، فترتج أكفالهن.
ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لجرير بن عبد الله: تهيأ حتى تسير إلى بيت قومك خثعم وذي الخلصة، وتدعوهم إلى الإسلام وتكسر صنمهم. فقال: يا رسول الله إني رجل قلع، فقال: اللهم ثبته واجعله هادياً مهديًّا.
القلع: الذي لا يثبت في السرج.
ومنه الحديث: تكون ردة قبل يوم القيامة، حتى يرجع ناس من العرب كفارا يعبدون الأصنام بذي الخلصة.
وفيه دليل على أنه بيت أصنام.
* * * * عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله؛ ما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول أسلمت وجهي إلى الله وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، كل مسلم عن مسلم محرم، أخوان نصيران.
فقلت: يا نبي الله؛ هذا ديننا؟ قال: هذا دينكم وأينما تحسن يكفك.
التخلي: التفرغ. يقال: تخلى من الدنيا وتخلى للعبادة، وهو تفعل من الخلو، والمراد التبرؤ من الشرك، وعقد القلب على شرائع الإسلام.
كل من دخل في حرمة لا يسوغ هتكها فهو محرم؛ يعني أن حق كل مسلم أن يكون آمنا أذى مسلم مثله متباعداً عن استطالته عليه، ونكايته فيه، لكونه داخلا في حرمة الإسلام ومأمنه.
أخوان: خبر مبتدأ محذوف، معناه: هما أخوان، أي المسلمان حتم عليهما التناصر والتعاون؛ لا ينبغي لهما أن يتخاذلا.
ما في أينما زائدة؛ ليست مثلها في حيثما وإذما، ألا ترى أن أين جازمة للفعلين بدونها، ولكنها أفادت تاكيدا وضربا من الشياع الزائد.
والمعنى: هذا دينكم وأنتم كما قلت في المحافظة على هذه الحدود وإقامة هذه الفرائض، وعلى أن الأمر كذلك؛ ففي أي مقامة من مقامات الخير أوقعت إحسانا وبرا على سبيل التبرع أجدى عليك ونفعك عند الله فلا تعجز أن تفعل.
* * * * ثلاث آيات يقرؤهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات سمان عظام.
الخلفة: الناقة الحامل.
* * * * كانت له صلى الله عليه وآله وسلم خشبة يقوم عندها إذا خطب، فقالوا: لو جعلنا لك شيئا تقوم عليه حتى تُسمع الناس؟ فحنَّت الخشبة حنين الناقة الخلوج، فأتاها فضمها إليه.
هي التي اختلج عنها ولدها، أي انتزع.
لو: بمعنى ليت، وقد سبق مثلها مع الشرح.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم في مكة: لا يُختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد.
الخلي: الرطب من الخلي، كما أن الفصيل من الفصل وهما القطع؛ يقال: خلى الخلي يخليه واختلاه: إذا جزه، وحقه أن يكتب بالياء، ويثني خليان.
اللقطة - بفتح القاف، والعامة تسكنها: ما يُلتقط.
المنشد: المعرِّف.
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - جاءه أعرابي فقال: أنت خليفة رسول الله؟ قال: لا، قال: فما أنت؟ قال: أنا الخالفة بعده.
الخالف والخالفة: الذي لا غناء عنده ولا خير فيه، وهو بين الخلافة بالفتح. يقال: هو خالفة أهل بيته. وهو خالفة من الخوالف، وما أدري أي خالفة هو؟ أراد تصغير شأن نفسه وتوضيعها.
لما كان سؤاله عن الصفة دون الذات. قال: فما أنت؟ ولم يقل فمن أنت؟ * * * * عمر رضي الله عنه - لو أُطيق الأذان مع الخليفى لأذنت.
هذا النوع من المصادر يدل على معنى الكثرة .
قال سيبويه: يقول: كان بينهم رمياًّ؛ فليس يريد قوله رمى رمياً، ولكنه يريد ما كان بينهم من الترامي وكثرة الرمي، وأما الدليلي فإنما يريد كثرة علمه بالدلالة ورسوخه فيها؛ فكأنه أراد بالخليفي كثرة جهده في ضبط أمور الخلافة، وتصريف أعنتها.
* * * * رفع إليه رضي الله عنه رجل قالت له امرأته: شبهني، فقال: كأنك ظبية، كأنك حمامة. فقالت: لا أرضى حتى تقول: خليَّة طالق، فقال ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: خذ بيدها فهي امرأتك.
الخلية: الناقة التي تخلي عن عقالها، وطلقت من العقال تطلق طلقا فهي طالق، وقيل الخلية: الغزيرة يؤخذ ولدها فيعطف عليه غيرها وتُخلّى هي للحي يشربون لبنها. قال خالد بن جعفر الكلابي يصف فرسا.
وأوصى الحالَبْين ليُؤْثرَاها ... لهَا لَبَنُ الخِلّية والصُّعُود
والطالق: الناقة التي لا خطام عليها، أرادت مخادعته عن التطليق بإرادتها له على أن يقول: كأنك خلية طالق، فتطلق، وإنما ذهب هو إلى الناقة فلم يقع الطلاق.
* * * * قال عمر رضي الله عنه: ليس الفقير الذي لا مال له، إنما الفقير الأخلق الكسب هو الأملس المصمت الذي لا يؤثر فيه شيء؛ من قولهم: حجر أخلق، وهو صخرة خلقاء.
ومعنى وصف الكسب بذلك أنه وافر منتظم، لا يقع فيه وكس ولا يتحيفه نقصان. أراد أن عادة الله في المؤمن أن تلم به المرازئ فيما يملكه، فيثاب على صبره فيها؛ فإذا لم يزل معافي منها موفورا كان فقيرا من الثواب، وهو الفقر الأعظم.
* * * * إن عاملا له رضي الله عنه على الطائف كتب إليه: إن رجلا من فهم كلموني في خلايا لهم أسلموا عليها، وسألوني أن أحميها لهم.
فكتب إليه عمر: إنما هو ذباب غيث، فإن أدَّوا زكاته فاحمه عليهم.
الخلايا عسَّالات النحل، وهي أشباه الرواقيد، الواحدة خلية، كأنها المواضع التي تُخلى فيها أجوافها.
ومنه الحديث في خلايا النحل، أن فيها العشر.
هو: ضمير العسل. يعني أنه يعيش بالغيث ويرعى ما ينبته، فشبهه بالنعم السائم الذي فيه الزكاة.
* * * * عثمان رضي الله عنه - كان إذا أُتي بالرجل قد تخلع في الشراب المسكر جلده ثمانين.
أي انهمك في معاقرته، وخلع رسنه فيها، وبلغ به الثمل إلى أن استرخت مفاصله استرخاء يشبه التخلع والتفكك، كما قال الأخطل:
صَرِيعُ مُدَام يَرْفَعُ الشَّرْبُ رأسَه ... ليحيا وقد مَاتَتْ عِظَامٌ ومَفْصِل
إذا رفعوا عَظْماً تحامل صَدْرُه ... وآخرُ مما نال منها مُخَبَّلُ
* * * * ابن عمرو بن نفيل - لما خالف دين قومه قال له الخطاب بن نفيل: إني لأحسبك خالفة بني عدي؛ هل ترى أحدا يصنع من قومك ما تصنع؟ الخالفة: الكثير الخلاف، قال:
يأيها الْخَالِفة اللَّجُوج
ويجوز أن يريد الذي لا خير عنده، وقد مرَّ آنفا.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يختل إليه.
أي يحتاج، من الخلة، وهي الحاجة.
* * * * الخدري رضي الله عنه - خرجنا في سرية زيد بن حارثة التي أصاب فيها بني فزارة، فأتينا القوم خلوفا، فقاتل النحام العدوي يومئذ، وقد أقام على صلبه نصيلاً.
قال: إني أقويت منذ ثلاث، فخفت أن يحطمني الجوع.
فُسّر الخلوف في الهزة والطاء.
النصيل: حجر فيه طول نحو الذراع واكثر.
الإقواء: نفاد الزاد.
* * * * شريح رحمه الله - إن نسوة شهدن عنده على صبي وقع حيّا يتخلج، فقال: إن الحي يرث الميت، أتشهدن بالاستهلال؟ فأبطل شهادتهن.
التخلج: الاضطراب والتحرك.
أهل الصبي واستهل: صاح عند الولادة، وأهل الهلال فاستهل: صيح بالتكبير عند رؤيته، وانهلَّت السماء بالقطر، واستهلت: ابتدأت به فسُمع صوت وقعه.
* * * * قضى في قوس كسرها رجل لرجل بالخلاص.
قيل: هو مثل الشيء المتوى.
وخلَّص: إذا أعطى الخلاص، ومنَّاه ما يتخلص به من الخصومة.
* * * * أبو مجلز رحمه الله - إذا كان الرجل مختلجا فسرَّك ألا تكذب فانسبه إلى أمه.
يقال: تخالجوا الشيء واختلجوه، إذا تنازعوه.
والمعنى: إذا كان مختلفا في نسب أبيه يتداعاه قوم وقوم فانسبه إلى طرف الأم.
* * * * ابن عبد العزيز رحمه الله - كُتب إليه في امرأة خلقاء تزوجها رجل؛ فكتب إليه: إن كانوا علموا بذلك فأغرمهم صداقها لزوجها - يعني الذين زوجوها - وإن كانوا لم يعلموا فليس عليهم إلا أن يحلفوا ما علموا بذلك.
هي الرتقاء، من الصخرة الخلقاء: المصمتة.
معتمر رحمه الله - سُئل مالك عن عجين يعجن بدردي، فقال: إن كان يُسكر فلا، فحدَّث الأصمعي به معتمرا فقال: أو كان كما قال:
رأى في كفّ صاحبه خَلاةً ... فَتُعْجِبه ويُفْزِعه الجَرِيرُ
الخلاة: الطائفة من الخلي وهو الرطب، ونظيرها الشهدة من الشهد، والجبنة من الجبن.
أعجبته فتوى مالك، وخاف التحريم لاختلاف الناس في المسكر، فتوقف وتمثل بالبيت.
ومعناه أن الرجل يندُّ بعيره فيأخذ بإحدى يديه عشباً، وفي الأخرى حبلا فينظر البعير إليهما فلا يدري ما يصنع.
* * * * حلوفا في " أط " . لا خلاط في " اب " . خلأت في " حب " . إذا أخلف في " دك " .ما خلفه في " دخ " . بخلاقك في " شل " . أخلق في " عو " . خالع في " هل " . خلب النخل في " جو " . الخلي في " لف " . خلاص في " عذ " . اختللناها في " سل " . يختلي في " جر " . يخلج في " حل " . خلوقكم في " ول " . واخلولق في " رب " . الخلاط في " ين " . نستخلب في " صب " . مخلاف في " نص " .
* * * *
الخاء مع الميم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - خمِّروا آنيتكم، وأوكوا أسقيتكم، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح، واكفتوا صبيانكم؛ فإن للشياطين انتشار وخطفة - يعني بالليل.
التخمير: التغطية.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إنه أُتي بإناء من لبن، فقال: لولا خمرته ولو بعود تعرضه عليه.
لولا هذه تحضيضية.
ومنه الحديث: لا تجد المؤمن إلا في إحدى ثلاث: في مسجد يعمره، أو بيت يخمِّره، أو معيشة يدبِّرها.
أي يستره ويصلح من شأنه.
الآنية: جمع قلة، كآدمة جمع أديم.
الإيكاء: الشد بالوكاء، وهو خيط يشد به السقاء.
إجافة الباب: رده.
اكفتوهم: ضموهم إليكم، واحبسوهم في البيوت.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يسجد على الخمرة.
هي السجادة الصغيرة من الحصير، لأنها مرملة مخمّرة خيوطها بسعفها.
* * * * سُئل صلى الله عليه وآله وسلم - أي الناس أفضل؟ فقال: الصادق اللسان، المخموم القلب. قالوا: هذا الصادق اللسان قد عرفناه، فما المخموم القلب؟ قال: هو النقي الذي لا غلّ فيه ولا حسد.
هو من خممت البيت، إذا كنسته.
* * * * علي عليه السلام - قال حبة بن جوين العرني: شهدنا معه يوم الجمل، فقسم ما في العسكر بيننا، فأصاب كل رجل منا خمسمائة خمسمائة؛ فقال بعضهم يوم صفين في كلام له:
قُلْتُ لِنَفِس السوء لا تَقرِّيْن ... لا خَمْسَ إلا جَنْدَل الإحَرِّيْن
والخَمْسَ قد تُجْشِمُك الأَمرِّين
أراد لا خمسمائة، فحذف لأنه كان معلوما.
الإحرون: جمع حرة، وزيادة الهمزة فيه بمنزلة الحركة في أرضون، وكتغير الصدر في ثبون وقلون كراهة أن تكون بمنزلة ما الواو والنون له في الأصل، كمسلمون. ويقال حرّون كما قيل قلون بغير تغيير؛ تنزيلا للواو والنون منزلة اللف والتاء.
ونظيره قول بعضهم في الواحدة: إحرة.
والمعنى: مالك اليوم مما فرض لك يوم الجمل إلا الحجارة.
الأمرون: الدواهي، جمع الأمرّ، والمعنى الخطب أو الحادث.
الأمرّ: الأفظع. والقول فيه القول في حرّون.
* * * * *
معاذ رضي الله عنه - كان يقول باليمن: ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم في الصدقة؛ فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة.
الخميس: ثوب طوله خمس أذرع، وهو المخموس أيضاً، يعني الصغير من الثياب.
واللبيس: الذي لُبس فأخلق.
وعن أبي عمرو: الخميس نوع من الثياب عمله الخمس ملك باليمن، قال الأعشى:
توماً تراها كشِبْهِ أرْدية الخِمْس ويوماً أديمَها نَغِلا
أيسر: أسهل.
* * * * من استخمر قوماً أولهم أحرار، وجيران مستضعفون، فإن له ما قصر في بيته حتى دخل الإسلام، وما كان مهملاً يعطي الخراج فإنه عتيق، وإن كل نشر أرض يسلم عليها صاحبها فإنه يخرج منها ماأعطى نشرها ربع المسقوى وعشر المظمئ، ومن كانت له أرض جادسة، قد عُرفت له في الجاهلية حتى أسلم فهي لربها.
استخمر: استعبد وتملك، وأخمرني كذا: ملكنيه - كلمة يمانية.
يعني إذا استعبد الرجل في الجاهلية قوماً بني أحرار، وقوما استجاروا به، فاستضعفهم واستعبدهم، فإن من قصره، أي من احتبسه واختاره منهم في بيته، واستجراه في خدمته، إلى أن جاء الإسلام فهو عبدٌ له، ومن لم يحتبسه، وكان مهملاً قد ضرب عليه الخراج، وهو الضريبة، فهو حرٌّ بمجيء الإسلام.
النشر: النبات.
ما: أعطى مصدرية مقدَّر معها الزمان.
وربع: مفعول يُخرج.
المسقوي: الذي يُسقى سيحاً.
والمضمئ: الذي تسقيه السماء، وهما منسوبان إلى المسقى والمظمأ، مصدري سقي وظمئ.
الجادسة: التي لم تُحرث ولم تُعمر. قال ابن الأعرابي: الجوادس: البقاع التي لم تزرع قط.
* * * * قال عائذ الله بن عمرو: دخلت المسجد يوما مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخمر ما كانوا... ثم ذكر حديثا حدثهم به معاذ.
أي أكثر ما كانوا وأوقر، وحقيقته أستر ما كانوا، من خمر شهادته يخمرها، ويخمرها؟ أي ستروا بدهمائهم أرض المسجد.
وروى بالجيم، من أجمر القوم إذا اجتمعوا.
* * * * سهل بن حنيف الأنصاري رحمه الله - قال عامر بن ربيعة: انطلقت أنا وسهل نلتمس الخمر، فوجدنا خمراً وغدير ماء، ودخل الماء فأعجبني خلقه، فأصبته بعين فأخذته قفقفة.
هو ما واراك من شجر. القفقفة: الرعدة.
* * * * في الحديث: اذكروا الله ذكراً خاملا.
أي خفيضا خفيا، كقوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وخُفْيَةً).
* * * * الخميس في " حو " . خمرا في " ست " . خميصة في " سد " . وفي " فض " . خمصان الأخمصين في " شذ " . خماشات في " نو " . خموشاً في " خذ " . لا تخمِّروا وجهه في " وق " . خمر العالم في " غب " .
* * * *
الخاء مع النون
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله؛ تخرقت عنا الخنف وأحرق بطوننا التمر.
الخنيف: ضرب من أردأ الكتان، أردأ ما يكون منه، كأنه سُمي بذلك لمباينته سائر أجناس الكتان وانقطاعه، وميله عنها رداءة، من خنف الأُترجَّة بالسكين إذا قطعها، وخنف الفرس: أمال حافره إلى وحشيه.
نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن اختناث الأسقية.
هو ثني أفواهها إلى خارج، فإن ثنيت إلى داخل فهو قبع.
قيل: إنما نهى عنه لأنه ينتنها، أو كراهة أن تكون فيه دابة.
ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: إنه كان يشرب من الإداوة ولا يختنثها، ويسميها نفعة.
سماها بالمرّة من النفع، ومنعها الصرف للعلمية والتأنيث.
* * * * لولا بنو إسرائيل ما خنز الطعام، ولا أنتن اللحم، كانوا يرفعون طعام يومهم لغدهم. هو قلب خزن إذا أروح وتغير، وهو من الخزن بمعنى الإدخار، لأنه سبب تغيره، ألا ترى إلى قول طرفة:
ثُمّ لا يخْزَنُ فينا لحمُها ... إنما يَخْزَن لحمُ المدَّخِرْ
ويحتمل أن يكونا أصلين، ومنه الخنزوانة، وهي الكبر، لأنها تغيّر عن السمت الصالح، ووزنها فعلوانة، ويحتمل أن يكون فنعلانة، من الخزو، وهو القهر والإذلال.
* * * * الزبير رضي الله عنه - سمع رجلا يقول: يا لخندف! فخرج وبيده السيف، وهو يقول: أُخندف إليك أيها المخندف! والله لئن كنت مظلوما لأنصرنك.
الخندفة: الهرولة، ولو قيل: إن نونها مزيدة واشتقت من خدفت السماء بالثلج، إذا رمت به، لأن المهرول يقذف بنفسه في السير - كان وجهاً.
وخندف: لقب ليلى بنت عمران بن الحافي ابن قضاعة، ولدت للياس بن مضر عمراً وعامرا وعميرا فندت لهم إبل، فذهبوا في طلبها، فأدركها عامر فلقب بمدركة، واقتنص عمروٌ أرنبا فطبخها فسمي طابخة، وانقنع عمير في البيت فسمي قمعة، وخرجت ليلى في إثرهم، وقالت: أخندف في إثركم فلقبت خندف.
أراد بالمخندف المنادي بيا لخندف، ولم يرد المهرول، ونظيره المهلل والملبي.
اللام في يا لخندف لام الاستغاثة، كان هذا كان قبل نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التعزي بعزاء الجاهلية.
* * * * عائشة رضي الله عنها - ذكرت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: فانخنث في حجري فما عرت حتى قُبض.
أي انثنى، يقال: خنثه فانخنث.
قالت لها بنو تميم: هل لك في الأحنف؟ قالت: لا، ولكن كونوا على مخنته، أي على طريقته، قال بعض بني ضبَّة:
يا مَن لِعَاذلةٍ لَوْمِي مَخَنَّثُها ... ولو أرادَتْ سدَاداً لاتَّقَتْ عَذْلي
ويقال: البطيخ لي مخنة، أي أكله لي ألف وعادة، أي آكله الساعة بعد الساعة لا أصبر عنه.
* * * * في الحديث - يخرج عنق من النار فتخنس بالجبارين في النار.
أي تغيب بهم فيها، من خنس النجم.
* * * * الخنيف في " هن " . فحنُّوا في " شي " . الخنس في " ضح " .
* * * *
الخاء مع الواو
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - مَثلُ المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيِّئها الرياح مرة هنا ومرة هاهنا، ومثل الكافر مثل الأرزة المجذية على الأرض حتى يكون انجعافها مرَّةً. هي الغصة. قال الشماخ:
إنما نحْن مثلُ خامةِ زَرْع ... فمتى يَأْن يأتِ مخْتَضِدُه
تفيِّئها: تميلها.
الأرزة بفتح الراء. شجرة الأرزن، وروى بسكونها، وهي شجرة الصنوبر، والصنوبر ثمرها، وروى: الآرزة، وهي الثابتة في الأرض، وقد أرزت تأزر.
والمجذية مثلها، يقال: جذا يجذو، وأجذى يجذي.
الانجعاف: مطاوع جعفه إذا قلعه.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يتخولهم بالموعظة مخافة السآمة عليهم.
أي يتعهدهم، من قولهم: فلان خائل مال، وهو الذي يصلحه ويقوم به، وقد خال يخول خولا وهو الخولي عند أهل الشام.
وروى: يتخونهم على هذا المعنى. قال ذو الرمة:
لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إلاَّ ما تَخَوَّنه ... داعٍ يُنادِيه باسْم الماءِ مَبْغومُ
وقيل: يتحولهم: أي يتأمل حالاتهم التي ينشطون فيها للموعظة.
* * * * لا تبقى خوخة في المسجد إلا سُدَّت غير خوخة أبي بكر.
هي مخترق بين بيتين يُنصب عليها باب.
* * * * * عن التلب بن ثعلبة العنبري - أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خوبةٌ فرقي إليه أن عندي طعاما فاستقرضه مني.
هي الحاجة، وقد خاب يخوب خوبا: إذا افتقر. رقي إليه: رُفع إليه وبُلغ.
ومن الحديث: نعوذ بالله من الخوبة.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله، أن يتخونهم أو يلتمس عوراتهم.
التخون: تطلُّب الخيانة والريبة، والأصل لأن يتخوَّنهم، فحذف اللام؛ وحروف الجر تسقط مع أن كثيرا. ومعناه متخوِّناً، وقد مرّت له نظائر.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - لن تخور قوى ما كان صاحبها ينزع وينزو.
خار يخور خوراً أو خؤوراً أو خئورةً إذا ضعف، وهو خوَّار.
أراد: ينزع القوس وينزو على الفرس.
* * * * علي عليه السلام - إذا صلى الرجل فليخوِّ، وإذا صلت المرأة فلتحتفز.
التخوية: أن يجافي عضديه عن جنبيه حتى يخوي ما بين ذلك.
الاحتفاز: التضام، كتضام المحتفز؛ وهو المستوفز.
* * * * في الحديث - مثل المرأة الصالحة مثل التاج المخوَّص بالذَّهب، ومثل المرأة السوء كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير.
هو الذي جعلت عليه صفائح من ذهب كخوص النخل.
* * * * خوّة في " ده " . نستخيل في " صب " . وخوّى في " عج " . خاص في " عذ " . لا نخول في " حن " . لا الخال في " لب " . خولا في " دخ " . خواتاً في " رض " . أهل الإخوان في " خط " . خوضات الفتن في " دح " .
* * * *
الخاء مع الياء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عن عائشة رضي الله عنهما: كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى ريحاً سأل الله خيرها وخير ما فيها، وإذا رأى في السماء اختيالا تغيَّر لونه ودخل وخرج، وأقبل وأدبر - وروى: كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر وتغير. قالت عائشة: فذكرت ذلك له، فقال: وما يدرينا؟ لعله كقومٍ ذكرهم الله: (فلما رأوه عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيتهم...) الآية.
الاختيال: أن يُخال فيها المطر، والمخيلة: موضع الخيل وهو الظن، كالمطنة وهي السحابة الخليقة بالمطر، ويجوز أن تكون مسماةً بالمخيلة التي هي مصدر كالمحسبة كقولهم: الكتاب والصيد.
* * * * قال أُسامة بن زيد رضي الله عنهما: قلت له: يا رسول الله أين تنزل غدا؟ في حجَّته. فقال: هل ترك لنا عقيل منزلا! ثم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر - يعني المحصَّب.
الخيف: ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل.
قاسمت: من القسم، وذلك أنهم قالوا: لا نناكح بني هاشم، ولا نبايعهم؛ معاداة لهم في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعقيل هو ابن أبي طالب رضي الله عنه، باع دور عبد المطلب، لأنه ورثها أباه دون علي عليه السلام؛ لأن عليا عليه السلام تقدم إسلامه موت أبيه، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها إرث؛ لأن أباه عبد الله رضي الله عنه هلك وأبوه عبد المطلب حيّ، وهلك أكثر أولاده ولم يعقبوا، فحاز رباعه أبو طالب رضي الله عنه وبعده عقيل رضي الله عنه.
* * * * بعث صلى الله عليه وآله وسلم مصدِّقا، فانتهى إلى رجل من العرب له إبل، فجعل يطلب في إله، فقال له: ما تنظر؟ فقال: بنت مخاض أو بنت لبون. فقال: إني لأكره أن أُعطي الله من مالي مالا ظهر يركب، ولا لبن فيحلب، فاخترها ناقة.
الاختيار: أخذ ما هو خير، وهو يتعدى إلى أحد مفعوليه بوساطة من، ثم يحذف ويوصل الفعل، كقوله تعالى: (واخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)؛ أراد فاختر منها ناقة أي من الإبل؛ ويجوز أن يرجع الضمير إلى المطلوبة وتنصب ناقة على الحال، ويكون المختار منه محذوفا، وذلك سائغ في غير باب حسب.
* * * * تخيروا لنطفكم.
أي تكلفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها من الخبث والفجور.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إنه كره أن يسترضع بلبن الفاجرة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن اللبن ليُشَبَّهُ عليه.
* * * * لا أعرفنَّ أحدهم يجيء يوم القيامة ومعه شاة غلَّها لها ثغاء، ثم قال: أدُّوا الخياط والمخيط.
الخياط: الخيط، يقال: هب لي خياطا ونصاحا. والمخيط: الإبرة لا أعرفن صورته: نهى نفسه عن العرفان.
ومعناه نهى الناس عن الغلول؛ لأنهم إذا لم يغلّوا لم يعرفهم غالِّين، ونظيره قول العرب: لا أرينَّك هاهنا.
* * * * في مسيره صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر: إنه مضى حتى قطع الخيوف، وجعلها يسارا، ثم جزع الصُّفيراء، ثم صبَّ في دقران، حتى أفتق من الصدمتين.
جمع خيف.
الصفيراء: شعب بناحية بدر، ويقال لها: الأصافر.
دقران: واد ثمَّة.
وصبَّ فيه: إذا انحدر فيه.
أفتق: خرج إلى الفتق، وهو ما انفرج واتَّسع، ومثله أصحر وأفضى.
الصدمتان: جانبا الوادي؛ لأنهما لضيق المسلك الذي يشقهما كأنهما يتصادمان.
قال أبو رافع رضي الله عنه: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأيته أُلقي في قلبي الإسلام، وقلت: والله لا أرجع إليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد؛ ولكن ارجع فإن كان في نفسك التي في نفسك الآن فارجع.
خاس بالعهد: إذا أفسده، من خاس الطعام إذا فسد، ومنه الخيس لما يخيس فيه من لحوم الفرائس.
البرد: جمع بريد، وهو الرسول، مخفف عن بُرُد، كرُسْل في رُسُل.
التي في نفسك: أراد النية والعزيمة فأنَّث.
فارجع، أي إلى المدينة.
* * * * علي عليه السلام - بنى سجنا من قصب فسماه مانعا، فنقبه اللصوص، ثم بنى سجنا من مدر، فسماه مخيَّسا. ثم قال:
أمَا تراني كَيِّساً مُكَيّسا ... بنيتُ بعد نافعٍ مُخَيَّسا
باباً حصينا وأمينا كَيِّسا
المخيس: موضع التخييس، وهو التذليل. قال المتلمس:
شدّوا الرحال على إبل مُخَيَّسَةٍ
وروى بكسر الياء؛ لأنه يذلل من وقع فيه.
الكيس: حسن التأني في الأمور.
والمكيس: المنسوب إلى الكيس المعروف به.
وأمينا: أراد: ونصبت أمينا، يعني السجان، كقوله:
متقلِّداً سَيْفاً ورُمْحا
* * * * وخيسه في " نو " . الأخيب في " مي " .
* * * * آخر الخاء
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الدال
الدال مع الهمزة
في الحديث: إن الجنة محظور عليها بالدَّآليل.
هي جمع دؤلول؛ وهو الشدة والداهية، يقال: وقع الناس في دؤلول، وهو فعلول، على تكرير اللام، من دأل إذا عد؛ لأن الناس يتعادون في النوازل ويترددون فيها.
ومعناه معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: حُفَّت الجنة بالمكاره.
* * * *
الدال مع الباء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ثلاثة لا تُقبل لهم صلاة: رجل أتى الصلاة دبارا، ورجل اعتبد محرراً، ورجل أمَّ قوماً وهم له كارهون.
يقال: لا يدري فلان ما قبال الأمر من دباره، وما قبيله من دبيره، أي ما أوله من آخره.
والمراد أنه يأتي في آخر وقت الصلاة حين أدبر وكاد يفوت. وانتصابه على الظرف. وعن ابن الأعرابي رحمه الله: هو جمع دبر كالأدبار في قوله تعالى: (وأدْبَار السّجُود).
الاعتباد: الاستعباد.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت - ويروى: نهى عن الشرب في النقير والمزفت والحنتم؛ وأباح أن يشرب في السقاء المُوكَى.
الدباء: القرع، الواحدة دباءة، ووزنه فُعَّال، ولامه همزة، كالقثاء على اعتبار ظاهر اللفظ؛ لأنه لم يعرف انقلاب لامه عن واو أو ياء؛ كما قال سيبويه في ألاءة، ويجوز أن يقال: هو من باب الدبا وهو الجراد ما دامت ملساً قرعا؛ وذلك قبل نبات أجنحتها، وإنه سمي بذلك لملاسته، ويصدقه تسميتهم إياه بالقرع، ولام الدباء واو لقولهم: أرض مدبوة، وأما مدبية فكقولهم: أرض مسنية في مسنوة.
الحنتم: جرار خضر.
النقير: أصل خشبة ينقر.
المزفَّت: الوعاء المطلي بالزفت، وهي أوعية تسرع بالشدة في الشراب. وتُحدث فيه التغير ولا يشعر به صاحبه، فهو على خطر من شرب المحرم.
وأما الموكى فهو السقاء الرقيق الذي كان ينتبذ فيه، ويُكى راسه، فإنه لا يشتد فيه الشراب إلا انشقّ، فلا يخفي تغّيره.
* * * * وفي حديث ابن مغفل رضي الله عنه قال غزوان: قلت له: أخبرني ما حرم علينا من الشراب؟ فذكر النهي عن الدباء والحنتم والنقير والمزفّت، فقلت شرعي، فانطلقت إلى السوق فاشتريت أفيقة، فما زالت معلقة في بيتي.
شرعي: حسبي. قال:
شَرْعُكَ مِنْ شَتْمِ أخيك شَرْعُكْ ... إن أاك في الأشاوي صَرْعُك
الأفيقة: من الأفيق كالجلدة من الجلد، وهو الذي لم يتم دباغه، فهو رفيق غير خصيف، وأراد سقاء متخذا من الأفيقة.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يدبِّح الرجل في صلاته كما يدبِّح الحمار.
هو أن يطأطئ الراكع رأسه حتى يكون أخفض من ظهره.
وفي حديث: إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا ركع لو صبَّ على ظهره ماء لاستقرّ.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوّبه.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تسير أو تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب؟ الأدب كالأزب، وهو الكثير وبر الوجه، فأُظهر التضعيف ليزاوج الحوأب.
الحوأب: منهل، وأصله الوادي الواسع.
* * * * لا يدخل الجنة ديبوب ولا قلاّع.
هو الذي يدب بين الرجال والنساء، ويسعى حتى يجمع بينهم. وقيل: النمام لأنه يدب بعقاربه.
والقلاّع: الذي يقلع الرجل المتمكن عند الأمير بوشايته.
* * * * عمر رضي الله عنه - كان زنباع بن روح في الجاهلية نزل مشارف الشام، وكان يعشر من مرَّ به، فخرج عمر في تجارة إلى الشام ومعه ذهبه قد جعلها في دبيل، وألقمها شارفا له، فنظر إليها زنباع تذرف عيناها، فقال: إن لها لشأنا، فنحرها، ووجد الذَّهبة فعشرها؛ فقال عمر:
متى ألقَ زِنْبَاعَ بنَ رَوْحٍ بِبَلْدَةٍليَ النِّصْفُ منها يَقْرَعُ السِّنَّ من نَدَمْ
الدبيل: من دبل اللقمة دبلا ودبَّلها: إذا جمعها وعظَّمها. قال كثير:
ودبَّلْتُ أَمْثال الأثَافِي كَأَنَّها ... رُءوسُ نِقَادٍ قُطِّعَتْ يوم تُجْمَع
النِّصف: النَّصفَة.
* * * *
لما بويع لأبي بكر رضي الله عنه قام فقال: أما بعد، فإني قلت لكم مقالة لم تكن كما قلت، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يدبرنا.
أي يخلفنا بعد موتنا، يقال: هو يدبره ويخلفه ويذنبه.
وكانت مقالته أنه لما نعي إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنكر موته وتوعَّد النَّاعي، وزعم أنه لا يموت حتى يموت أصحابه، حتى تلا عليه أبو بكر رضي الله عنه قوله تعالى: (أفإنْ مَاتَ أو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلَى أَعْقَابِكُمْ).
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل، هم الذين لا ياتون الصلاة إلا دبرا، ولا يستمعون القول إلا هجرا؛ ولا يعتق محررهم.
أي آخراً، حين كاد الإمام يفرغ.
الهجر: الفحش، من أهجر في منطقه - وروى: لا يسمعون القرآن إلا هجرا.
أي تركا وإعراضا؛ يعني أنهم وضعوا الهجر موضع السماع، فسماعهم له تركه، ويجوز أن يكون بمعنى الهذيان من قولك: هجر في منطقه؛ أي هذي، يعني لا يستنصتون له، ولا يعظمونه: كأنهم يستمعون هُجرا من الكلام.
محررهم: معتقهم.
والمعنى أنهم يستخدمونه ولا يخلونه وشأنه؛ وإن أراد مفارقتهم ادَّعوا رقَّه، فهو محرر في معنى مسترقّ.
وقيل: إن العرب كانوا إذا أعتقوا عبداً باعوا ولاءه، ووهبوه وتناقلوهتناقل الملك، وقال الشاعر:
فباعوه عَبْداً ثم باعوه مُعْتَقاً ... فليس له حتى المماتِ خَلاصُ
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - اتَّبعوه دبَّة قريش فلا تفارقوا الجماعة.
هي طريقهم، يقال: ركب فلان دبة فلان وأخذ بدبته، وهي من الدبيب.
* * * * النجاشي رضي الله عنه - ما أحب أن لي دبراً ذهبا، وأني آذيت رجلا من المسلمين.
فسر في الحديث بالجبل، وانتصاب ذهبا على التمييز، ومثله قولهم: عندي راقود خلاً، ورطل سمنا.
والواو في " وأني " بمعنى مع؛ أي ما أحب اجتماع هذين.
* * * * سكينة رضي الله عنها - جاءت إلى أمها الرَّباب، وهي صغيرة تبكي، فقالت: مابك؟ قالت: مرت بي دبيرة فلسعتني بأبيرة.
هي تصغير دبرة، وهي النحلة، سميت بذلك لتدبيرها ونيقتها في عمل العسل.
* * * * النخعي رحمه الله - كان له طيلسان مدبج.
هو الذي زين تطاريف بالديباج.
في الحديث - لا يأتي الصلاة إلا دبريا - وروي: دبريا بالسكون.
هو منسوب إلى الدبر وهو الآخر، والتحريك من تغيرات النسب. كقولهم حمصى ورملى. وانتصابه على الحل من فاعل يأتي.
* * * * أما سمعته من معاذ يدبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
حقيقة قولهم: دبَّرت الحديث، أنه جعل له دبرا، أي آخرا ومسندا كقولك: روى فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن ثعلب إنما هو يذبِّره - بالذال المعجمة - وفسره بيتقنه. وعن الزجاج الذَّبر: القراءة. وعن بعضهم: ذبر إذا نظر فأحسن النظر.
* * * * مدابرة في " شر " . الدباء في " فغ " . الدبر في " قع " . ولا تدابرا في " نج " .دبول في " نط " . الدوابل في " اص " . دبرا في " شع " . لمن الدبرة في " ذم " . دبرا في " خش " .
* * * *
الدال مع الثاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قيل له: يا رسول الله؛ ذهب أهل الدثور بالأجور.
جمع دثر، وهو المال الكثير.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - إن القلب يدثر كما يدثر السيف، فجلاؤه ذكر الله.
شبه ما يغشى القلب من الرين والقسوة بما يركب السيف، من الصدأ فيغطي وجهه، وهو من دثور المنزل، وهو أن تهب عليه الرياح فتغشى رسومه بالرمل، وتغطيها بالتراب، وأصله من الدثار.
الجلاء، مصدر كالصقال، ويحتمل أن يراد ما يُجلى به.
* * * * سريعة الدثور في " حد " .
* * * *
الدال مع الجيم
النبي صلى الله عليه وآلة وسلم - لعن الله من مثل بدواجنه.
هي الشاء التي تعلفها الناس في منازلهم؛ شاة داجن، ودجنت تدجن دجونا.
والمثلة بها: أن يخصيها ويجدعها.
* * * * بعث صلى الله عليه وآله وسلم عيينة بن بدر رضي الله عنه حين أسلم الناس، ودجا الإسلام، فهجم على بني عدي بن جندب بذات الشقوق، فأغاروا عليهم، وأخذوا أموالهم حتى أحضروها المدينة؛ فقالت وفود بني العنبر: أُخذنا يا رسول الله مسلمين غير مشركين، حين خضرمنا النعم، فردّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم ذراريهم وعقار بيوتهم.
دجا الإسلام: شاع وطبق، من دجا الليل إذا ألبس كل شيء. قال الأصمعي: وليس من الظلمة.
وقيل لأعرابي: بم تعرف حمل شاتك؟ قال: إذا استفاضت خاصرتاها، ودجت شعرتها؛ أي وفرت.
وفي بعض الأحاديث: منذ دجت الإسلام. فأنّث على معنى الملة الحنيفية.
أرادوا خضرمة الإسلام؛ وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يخضرمون نعمهم، فلما جاء الإسلام أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يخضرموا في غير الموضع الذي خضرم فيه أهل الجاهلية. وقد فُسرت الخضرمة في الخاء مع الضاد.
عقار البيت: المصون من متاعه الذي لا يبتذل، ورجل معقر: كثير العقار.
قال ابن الأعرابي: أنشدني أبو محضة قصيدة فقال في أبيات منها: هذه الأبيات عقار هذه القصيدة، أي خيارها، وقال الشاعر:
تُضيئ عَقارَ البيت في ليلة الدُّجَى ... وإن كان مقصوراً عليها ستُورُها
* * * * إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه خطب إليه فاطمة عليها السلام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إني قد وعدتها بعلي ولست بدجال.
أي خدّاع، وأصل الدجل الخلط، وبه سمي مسيح الضلالة لخلطه الحقَّ بالباطل.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - رأى قوما في الحج لهم هيئة أنكرها؛ فقال: هؤلاء الدَّاجُّ وليسوا بالحاجّ.
دجّ دجيجا، إذا دبَّ وسعى ومنه الدَّاجُّ، وهم الذين يسعون مع الحاج في تجارتهم، وقيل: هم الأعوان والمكارون. وعن بعضهم: الداج: المقيم. وأنشد:
عِصابة إنْ حَجَّ عيسى حَجُّوا ... وإن أَقام بالعراق دَجُّوا
ونظير الحاج والداج في أن اللفظ موحد، والمعنى جمع قوله تعالى: (سَامِراً تَهْجُرُون).
وقول الشاعر:
أو تُصْبحي في الظَّاعِن المُوَلِّي
* * * * أكل الدجر ثم غسل يده بالثفال.
الدجر: اللوبياء.
والثفال: الإبريق.
* * * * والدَّاجن في " نص " . داجنتهم في " نو " . ولا داجنة في " دو " .
* * * *
الدال مع الحاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - سُئل: هل يتناكح أهل الجنة؟ قال: نعم! دحماً دحماً.
الدحم والدخم والدحب والدَّعب: نكاح المرأة بدفع وإزعاج.
ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: إنه ذكر الجنة فقال: ليس فيها منىّ ولا منية؛ إنما تدحمونهن دحماً.
وانتصاب دحما بفعل مضمر، أي يدحمون دحما، ويجوز أن ينتصب على الحال، أي داحمين. والتكرير للتأكيد، أو بمنزلة قولك: دحما بعد دحم؛ كقولك: لقيتهم رجلا رجلا.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الهجير التي يسمونها الأولى حين تدحض الشمس. أي تزول؛ لأنها تنزل حينئذ عن كبد السماء وتزول عنها.
أراد صلاة الهجير، فحذف المضاف وأنَّث الصفة، وهي الاسم الموصول لكون الصلاة مرادةً، ومن ذلك قول حسان:
بَردَى يُصَفّق بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
أراد ماء بردى، فذكر يصفق لذلك.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يبايع الناس وفيهم رجل دحسمان، وكان كلما أتى عليه أخَّره حتى لم يبق غيره؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل شتكيت قطُّ؟ قال: لا. قال: فهل رزئت بشيء؟ قال: لا، فقال: إن الله يبغض العفرية النفرية، الذي لم يرزأ في جسمه ولا ماله.
الدُّحْسُمان والدُّحْمُسان: الأسود في سمن وحدارة، ويلحق بهما ياء النسبة كأحمري. ولو قيل: إن الميم زائدة لما في تركيب دحس من معنى الخفاء - فالدحس: طلب الشيء في خفاء. ومنه داحس، والدحاس:دويبة تغيب في التراب - لكان قولا.
العفر والعفرية والعفريت والعفارية: القوى المتشيطن، الذي يعفِّر قرنه. والياء في عفرية وعفارية للإلحاق بشرذمة وعذافرة. وحرف التأنيث فيهما للمبالغة. والتاء في عفريت للإلحاق بقنديل. والنفرية والنفريت والنفارية إتباعات.
* * * * مر بغلام يسلخ شاة، فقال له: تنح حتى أريك، فدحس بيده حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى، فصلى ولم يتوضأ.
أي دسها بين الجلد واللحم.
ومنه حديث عطاء رحمه الله: حق على الناس أن يدحسوا الصفوف حتى لا تكون بينهم فرج.
أراد أن يرصوها ويدسوا أنفسهم بين فروجها - وروى: أن يدخسوا بالخاء، من الدخيس، وهو اللحم المكتنز، وكل شيء ملأته فقد دخسته.
ومنه: إن العلاء بن الحضرمي أنشد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
وإن دَحَسوا بالشرّ فاعْفُ تَكَرُّما ... وإن خَنَسوا عنك الحديثَ فلا تَسَلْ
الدحس: دسه من حيث لا يعلم به.
* * * * ما من يوم إبليس فيه أدحر ولا أدحق من يوم عرفة، إلا ما رأى يوم بدر. قيل: وما رأى يوم بدر؟ قال: أما إنه رأى جبرئيل يزع الملائكة.
الدحر: الدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال.
والدحق: الطرد والإبعاد، يقال: فلان دحيق سحيق، وأدحقه وأسحقه.
ومنه: دحقت الرحم؛ إذا رمت الماء فلم تقبله. وأفعل التفضيل من دحر ودحق، كقولهم: أشهر وأجن من شهر وجن.
يزع الملائكة: يعني يتقدمهم فيكف ريعانهم، من قوله تعالى: (فَهُمْ يُوزَعُونَ).
نُزّل وصف الشيطان بأنه أدحر وأدحق منزلة وصف اليوم به؛ لوقوع ذلك في اليوم واشتماله عليه؛ فلذلك قيل: من يوم عرفة، كأن اليوم نفسه هو الأدحر الأدحق.
وقوله إلا ما رأى يوم بدر: استثناء من معنى الدحور، كأنه قال: إلا الدحور الذي أصيب به يومئذ عند وزع جبرئيل الملائكة.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على أحياء العرب في المواسم، فأتى عامر بن صعصعة فردوا عليه جميلا وقبلوه، ثم أتاهم رجلٌ من بني قشير، فقال لهم: بئس ما صنعتم! عمدتم إلى دحيق قوم فأجرتموه، لترمينكم العرب عن قوس واحدة. قالوا: يا محمد؛ اعمد لطيتك، وأصلح قومك، فلا حاجة لنا فيك.
الدحيق: الطريد.
الطية: الوجهة، وهي فعلة من طوى الأرض.
* * * * علي عليه السلام - عن سلامة الكندي: كان علي عليه السلام، يعلِّمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم داحي المدحوات، وباري المسموكات، وجبار القلوب على فطراتها: شقيها وسعيدها؛ اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ لجيشات الأباطيل، كما حُمِّل فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك، بغير نكل في قدم، ولا وهىٍ في عزم، واعياً لوحيك، حافظا لعهدك، ماضياً على نفاذ أمرك؛ حتى أورى قبساً لقابس آلاء الله تصل بأهله أسبابه. به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة، اللهم افسح له مفتسحاً في عدلك، أو عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، له مهنَّآاٍ غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزل عطائك المعلول. اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم مثواه لديك ونُزُله، وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضىَّ المقالة، ذا منطق عدل، وخطة فصل، وبرهان عظيم.
الدحو: البسط. والمدحوات: الأرضون، وكان خلقها ربوة ثم بسطها.
المسموكات: السموات، وكل شيء رفعته فقد سمكته.
الجبَّار: من الجبر الذي هو ضد الكسر، أي أثبتها وأقامها على ما فطرها عليه من معرفته؛ ويجوز أن يكون من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه، أي ألزمها وحتم عليها الفطرة على وحدانيته والاعتراف بربوبيته.
والفطرات: جمع تكسير فطرة؛ على بناء أدنى الجمع كالقربات والسدرات بكسر العين. قال سيبويه: ومن العرب من يفتح العين - وروى عنهم الإسكان أيضا كما يقولون في الغرفة: غرفات.
شقيها وسعيدها: بدل من القلوب.
الرأفة: أرق الرحمة، فأضافها إلى التحنن وهو الترحم.
الجيشات: جمع جيشة، من جاش إذا ارتفع.
الأباطيل: جمع باطل على غير قياس. والمراد أنه قامع ما نجم منها ومزهقه.
اضطلع به: قوي بحمله، افتعل من الضلاعة وهي القوة، وإجفار الجنبين، يقال فرس ضليع، وقد ضلع، والأصل الضلع.
نكل قدم الرجل نكلا: لغة في نكل نكولا.
والقدم: التقدم؛ ويجوز أن يراد قدم الرجل، ويقع نكولها عبارة عن التلكؤ والتأخر.
أراد بالقبس نور الحق.
الضميران في بأهله وأسبابه راجعان إلى القبس؛ يعني من أنعم عليه الله وتكاملت عنده آلاؤه وصل أسباب ذلك القبس به، وجعله من أهله والمستضيئين بشعاعه.
المصدر في خوضات الفتن مضاف إلى المفعول، أي بعدما خاضت القلوب الفتن أطوارا وكرات.
موضحات: متعلق بهديت، والأصل هديت إلى موضحات، فحذف الجار، وأوصل الفعل.
النَّائر بمعنى المنير: نار الشيء وأنار.
شهيدك: أي الشاهد على أمته يوم القيامة.
البعيث: المبعوث.
المفتسح: موضع الافتساح، وهو الاتساع، أو مصدر.
العدن: الجنة، وأصله الإقامة.
المحلول: الميسر المهيأ.
المعلول: المضاعف المكرر، من علل الشرب.
نُزُله: رزقه.
* * * * أبو ذر رضي الله تعالى عنه - إن خليلي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن ما دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة.
هما الزلق.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قال في حديث إسماعيل عليه السلام: فلما ظمئ إسماعيل عليه السلام جعل يدحض الأرض بعقبيه، وذهبت هاجر حتى علت الصفا إلى الوادي، والوادي يومئذ لاحٌّ.
الدحض: الفحص. يقال: دحض المذبوح برجليه.
لاحّ: ضيق بكثرة الشجر والحجارة، ومنه لححت عينه: التصقت - وروى: لاخّ، أي ملتف مختلط، من قولهم: سكرانٌ ملتخّ - وروى: لخخت عينه، مثل لححت، وروى: لاخٌ بالتخفيف، من قولهم: التاخ النبت إذا التبس، وكذلك الأمر، ولخته لوخا، يقال: وادٍ لاخٌ وأودية لاخة، وتقديره فعل، كما قيل في كبش صافٍ - وروى: لاخٍ كقاضٍ، بمعنى معوج من الألخى، وهو المعوج الفم.
* * * * أبو رافع رضي الله عنه - كنت ألعب الحسن والحسين عليهما السلام بالمداحي. هي أحجار أمثال القرصة يحفرون حفيرة فيدحون بها إليها، وتسمى المسادي والمراصيع. والدحو: رمي الملاعب بالجوز أو غيره، وكذلك الزَّدو، والسَّدو، والرَّصع: ضربه باليد.
ومنه حديث ابن المسيب رحمه الله: إنه سُئل عن الدحو بالحجارة فقال: لا بأس به.
* * * * سعيد بن جبير رحمه الله - خلق الله آدم من دحناء، ومسح ظهره بنعمان السحاب.
دحناء: اسم أرض.
نعمان: جبل بقرب عرفة، وأضافه إلى السحاب؛ لأن السحاب يركد فوقه لعلوِّه.
* * * * أبو وائل رحمه الله - ورد علينا كتاب عمر رضي الله تعالى عنه ونحن بخانقين؛ إذا قال الرجل للرجل: لا تدحل فقد آمنه.
من دحل عني إذا فرَّ واستتر، وهو من الدحل. قال:
ورَجُل يَدْحَل عني دَحْلا ... كدَحلانِ البَكْر لاَقَى الفَحْلاَ
* * * * عطاء رحمه الله - بلغني أن الأرض دُحَّت دحَّا من تحت الكعبة.
أي بسطت ووسعت، من دح بيته: إذا وسعه، واندحَّ بطنه.
* * * * ابن زياد لعنه الله - دخل عليه زيد بن أرقم وبين يديه رأس الحسين عليه وعلى أبيه وجده وأمه وجدَّته من الصلوات أزكاها ومن التحيات أنماها، وهو ينكته بقضيب معه، فغشي عليه، فلما أفاق قال له: مالك يا شيخ؟ قال: رأيتك تضرب شفتين طالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبِّلهما. فقال ابن زياد، لعنه الله: أخرجوه، فلما قام ليخرج قال: إن محمديكم هذا لدحداح.
هو القصير.
* * * * في الحديث: يدخل البيت المعمور كل يوم سبعون ألف دحية مع كل دحية سبعون ألف ملك.
قيل: هو رئيس الجند، وسمي به دحية الكلبي؛ وكأنه من دحاه يدحوه؛ إذا بسطه ومهده؛ لأن الرئيس له التمهيد والبسط، وقلبت الواو ياءً فيه نظير قلبها في قنية وصبية.
وروى ابةو حاتم عن الأصمعي دحية الكلبي، ولا يقال بالكسر، ولعل هذا من تغيرات الأعلام كشمس، وموهب، والحجاج على الإمالة.
* * * * دحض في " عب " . مندح في " حب " . مدحضة في " سو " . وادحل في " صر " . ودحضت في " بش " . دحمسة في " نف " .
* * * *
الدال مع الخاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إذا أراد أحدكم أن يضطجع على فراشه فلينزع داخلة إزاره.
وروى: صنفة إزاره، ثم لينفض فراشه، فإنه لا يدري ما خلفه عليه.
هي حاشية الإزار التي تلي جسده. وهي الصَّنفة، ومشده هنالك، فإذا نزعها فقد حلَّ الإزار.
خلفه عليه: أي صار بعده فيه، من هامة أو غيرها، مما يؤذي المضطجع.
" ما " في محل الرفع على الابتداء، ويدري معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لابن صياد: إني خبأت لك خبيئا، فما هو؟ قال: الدَّخ، فقال: اخسأ، فلن تعدو قدرك.
هو الدخان. قال:
عند رِوَاق البيت يَغْشى الدُّخا
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان دين الله دخلا، ومال الله نحلا، وعباد الله خولا.
هو الغش والفساد، وحقيقته أن يدخل في الأمر ما ليس منه، أي يدخلون في الدين أموراً لم تجر بها السُّنة.
النحا من العطاء: ما كان ابتداء من غير عوض، والمراد أنهم يعطون بغير استحقاق.
والخول: الخدم، جمع خائل.
* * * * دخن في " هد " . دخنها في " حل " . يدخسوا في " دح " .
* * * *
الدال مع الدال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ما أنا من ددٍ ولا الدد مني.
هذه الكلمة محذوفة اللام، وقد استعملت متممة على ضربين ددي كندي، وددن كبدن، فهي من أخوات سنه وعضه في اختلاف موضع اللام؛ فلا يخلو المحذوف من أن يكون ياء فيكون كقولهم يدٌ في يدي أو نوناً فيكون كقولهم: لد في لدن. ومعناه اللهو واللعب.
معنى تنكير الدد في الجملة الأولى الشياع، وألا يبقى طرف منه إلا وهو منزه عنه، كأنه قال: ما أنا من نوع من أنواع الدد، وما أنا في شيء منه.
وتعريفه في الثانية لأنه صار معهودا بالذكر، كأنه قال: ولا ذلك النوع مني، وليس بحسن أن يكون لتعريف الجنس؛ لأن الكلام يتفكك ويخرج عن التئامه. ونظيره جاءني رجل وكان من فعل الرجل كذا.
وإنما لم يقل: ولا هو مني؛ لأن الصريح آكد وأبلغ، والكلام جملتان وفي الموضعين مضاف محذوف تقديره: وما أنا من أهل ددٍ ولا الدد من أشغالي.
* * * *
الدال مع الراء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - مر على أصحاب الدركلة فقال: خذوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة. قال: فبينا هم كذلك إذ جاءه عمر، فلما رأوه ابذعرّوا.
الدركلة والدرقلة بوزن الربحلة: ضرب من لعب الصبيان، وقد درقلوا درقلة.
ومنه الحديث: إنه قدم عليه صلى الله عليه وآله وسلم فتية من الحبشة يدرقلون. وفسر بيرقصون - وقال شمر: قرئ على أبي عبيد وأنا شاهد: الدركلة بوزن الشرذمة.
أرفدة: أبو الحبش.
ابذعروُّا: تفرقوا.
* * * * كان في يده صلى الله عليه وآله وسلمندرى يحك به رأسه، فنظر إليه رجل من شقَّ بابه، فقال له: لو علمت أنك تنظر لطعنت به في عينك.
المدري والمدراة: حديدة يسرَّح بها الشعر، وقد درت شعرها.
الشق: واحدة الشقوق؛ سمي بالمصدر.
* * * * إنه صلى الله عليه وآله وسلم سأل ابن صياد عن تربة الجنة، فقال: درمكة بيضاء، يخالطها مسك خالص، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: صدق.
هي بالكاف والقاف الحوَّاري.
وذكر خالد بن صفوان الدرهم فقال: يطعم الدرمق ويكسو النرمق.
* * * * لزمت السواك حتى خفت أن يدردني - وروى: حتى كدت أُحفي فمي.
من الدر، وهو سقوط الأسنان، أراد بالفم الأسنان.
ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يفضض الله فاك. ومثل العرب: متى عهدك بأسفل فيك؟ وإحفاؤها: إسقاطها من أصولها، من إحفاء الشعر؛ وهو أن يلزق جزَّه.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - لا تزالون تهزمون الروم، فإذا صاروا إلى التدريب وقفت الحرب.
قال ابن الأعرابي: التدريب: الصبر في الحرب وقت الفرار، وقد درب الرجل إذا صبر، وأصله من الدُّربة، ويجوز أن يكون التدريب من الدُّروب كالتبويب من الأبواب.
* * * * عمر رضي الله عنه - صلى المغرب فلما انصرف درأ جمعة من حصى المسجد وألقى عليه رداءه واستلقى.
أي سوَّاها بيده وبسطها، من درأ له الوسادة.
والجُمعة: المجموعة، ويقال: أعطني جمعة من تمر كالقبضة.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قال عطاء: صلينا معه على درنوك قد طبق البيت كله.
الدرنوك والدرموك: ضرب من الطنفسة.
ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل أولات الأجنحة فهتكه.
* * * * كعب رحمه الله - قال له عمر: لأي ابني آدم كان النسل، فقال ليس لواحد منهما نسل؛ أما المقتول فدرج، وأما القاتل فهلك نسله في الطوفان، والناس من بني نوح، ونوح من بني شيث بن آدم عليهم السلام.
درج: مات وذهب.
* * * * درّية في " به " . دررا في " حي " . أدراجك في " لب " . تدردر في " دع " . دريناً في " دك " . ولا الدرنة في " طع " . ذو تدرءٍ في " عد " . المدرّ في " عص " . لا يدري ما الله في " بج " . أدرّوا في " لق " . ولا يداري في " شر " . تدركوني في " بد " .
* * * *
الدال مع السين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - خطب الناس ذات يوم، وعلى رأسه عمامة دسماء. هي السوداء.
* * * * ذكر صلى الله عليه وآله وسلم ما يُجب الوضوء فقال: أو دسعةٌ تملأ الفم.
هي القيئة؛ يقال: دسع الرجل، ودسع البعير بجرته دسعاً ودسوعا: انتزعها من كرشه وألقاها إلى فيه.
* * * *
عمر رضي الله عنه - خطب فقال: إن أخوف ما أخاف عليكم أن يؤخذ الرجل البريء فيدسر كما تدسر الجزور، ويشاط لحمه كما يشاط لحم الجزور؛ يقال عاصٍ وليس عاصٍ.
فقال علي عليه السلام: وكيف ذاك ولما تشتد البلية، وتظهر الحمية، وتسب الذرية، وتدقهم الفتن دقَّ الرَّحى بثفالها؟ الدسر: الدفع. والمعنى يدفع ويكب للقتل كما يفعل بالجزور عند النحر. أشاط الجزار الجزور: إذا قطعها وقسَّم لحومها.
لمّا: مركبة من لم وما، وهي نقيضة قد تنفي ما تثبته من الخبر المنتظر.
أراد بالحمية حمية الجاهلية.
الثفال: جلدة تُبسط تحت رحى اليد، يقع عليها الدقيق. قال:
فَتَعْرُكْكُم عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالها
والمعنى: كما تدق الرحى في حال طحنها؛ لأن الثفال إنما يكون معها حينئذ.
ومن الدسر حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس في العنبر زكاة، إنما هو شيء دسره البحر.
ومنه حديث الحجاج: إنه قال لسنان بن يزيد النخعي لعنه الله: كيف قتلت الحسين عليه السلام؟ قال: دسته بالرمح دسرا، وهبرته بالسيف هبرا، ووكلته إلى امرئ غير وكل.
فقال الحجاج: أما والله لا تجتمعان في الجنة أبداً، وأمر له بخمسة آلاف درهم؛ فلما ولى قال: لا تعطوه إياها.
الهبر: القطع الواغل في اللحم.
والوكل: الجبان الذي يكل أمره إلى غيره.
* * * * عثمان رضي الله عنه - رأى صبيا تأخذه العين جمالا، فقال: دسِّموا نونته.
أي سوِّدوا النقرة التي في ذقنه ليردَّ العين.
* * * * الحسن رحمه الله - كان يقول في المستحاضة: تغتسل من الأولى إلى الأولى، وتدسم ما تحتها وتتوضأ إذا أحدثت.
أي تسد فرجها؛ من الدسام، وهو ما يسد به رأس القارورة.
* * * * في الحديث: لا يذكرون الله إلا دسماً.
أي قليلا؛ من قولهم: دسم المطر الأرض إذا لم يبلغ أن يبل الثرى، والديسم: القليل الذكر.
* * * * دسيعة ظلم، وتدسع في " رب " . ودساماً في " نش " .
* * * *
الدال مع الشين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - دعا قوما من أصحاب الصفة إلى بيت عائشة، فقال: يا عائشة أطعمينا. قال الراوي: فجاءت بدشيشة، فأكلنا، ثم جاءت بحيسة مثل القطا فأكلنا، ثم جاءت بعُس عظيم فشربنا، ثم انطلقنا إلى المسجد.
الدشيشة كالجشيشة، وهي حسو يتخذ من بُرّ مرضوض.
العُسّ: القدح الضخم العظيم.
* * * *
الدال مع العين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كانت فيه دعابة.
الدعابة كالفكاهة والمزاحة، مصدر دعب إذا مزح، والمداعبة مفاعلة منه.
ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله: أبكراً تزوجت أم ثيبا، قال: بل ثيباً. قال صلى الله عليه وآله وسلم: فهلا بكراً تُداعبها وتُداعبك! نصب بكراً بفعل مضمر معناه: فهلا تزوجت بكراً.
* * * * لا تقتلوا أولادكم سرا، أنه ليدرك الفارس فيدعثره.
وهو من قولهم: دعثر الحوض؛ إذا هدَّمه. قال ذو الرمة:
آريُّها والمنتأى المُدَعْثَرُ
والدّعثور: الحوض المتثلم، والمراد النهي عن الغيل وأن من سوء أثره في بدن المغيل، وإرخاء قواه، وإفساد مزاجه أن ذلك لا يزال ماثلا فيه إلى أن يكتهل ويبلغ مبلغ الرجل، فإذا أراد مقاواة قرن في الحرب وهن عنه وانكسر. وسبب وهنه وانكساره الغيل.
ومعنى الإدراك هاهنا كمعنى التدارك في قوله:
جَرَى طَلَقاً حتى إذا قِيل سابقٌ ... تَداركه أعْرَاقُ سوءٍ فَبَلَّدَا
* * * * أمر ضرار بن الأزور أن يحلب ناقة. وقال له: داعي اللبن لا تجهده.
أي أبق في الضرع باقيا يدعو ما فوقه من اللبن فينزله، ولا تستوعبه؛ فإنه إذا استنفض أبطأ الدر.
والجهد: الاستقصاء. قال الشماخ:
من ناصع اللَّوْن حُلْوٍ غيرِ مجهود
* * * * ذكر الخوارج فقال: آيتهم رجل أدعج، إحدى يديه مثل ثدي المرأة تدردر.
هو الأسود. قال:
حتَّى ترى أعناقَ ليلٍ أَدْعجا
التدردر: الاضطراب، والمجيء والذهاب، ومنه تدردر في مشيته: إذا حرَّك نفسه.
* * * * الخلافة في قريش، والحكم في الأنصار، والدعوة في الحبشة.
يعني الأذان؛ جعله في الحبشة، تفضيلا لبلال، ورفعاً منه، وجعل الحكم في الأنصار؛ لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم؛ منهم معاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وغيرهم رضي الله عنهم.
* * * *
سمع رجلا في المسجد يقول: من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال: لا وجدت لا وجدت.
أراد من أنشده فدعا إليه صاحبه، وإنما دعا، كراهية النشدان في المسجد.
* * * * إنما كان أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
إنما سمي التهليل والتمجيد دعاء؛ لأنه بمنزلته في استيجاب صنع الله وإنعامه.
ومنه الحديث: يقول الله: إذا شغل عبدي ثناؤه عليّ عن مسألته أعطيته أفضل ما أعطى السائلين.
ودعاء الأنبياء يجوز فيه الرفع على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
* * * * عمر رضي الله عنه - وصفه عمر بن عبد العزيز فقال: دعامة للضعيف، مزمهر على الكافر.
شبهه في تقويته الضعيف بالدعامة التي يدعم بها.
المزمهر: الغضوب الذي تزمهر عيناه، أي تحمران من شدة الغضب، من قولهم: ازمهرت الكواكب إذا لمعت وزهرت، والميم مزيدة.
* * * * كان يقدم الناس على سابقتهم في أعطياتهم، فإذا انتهت الدعوة إليه كبّر.
هي المناداة والتسمية، وأن يقال: دونك يا أمير المؤمنين، يقال: دعوت زيداً إذا ناديته، ودعوته زيداً، إذا سميته به.
* * * * دعج في " بر " . أديعج في " مع " . المداعسة في " رض " . الدعوة في " سح " . دعابة في " كل " .
* * * *
الدال مع الغين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال لنساء: لا تعذبن أولادكن بالدغر.
هو أن يأخذ الصبي العذرة، وهي وجع في الحلق، فتدغر المرأة ذلك الموضع، أي تدفعه بإصبعها.
* * * * ضحَّى صلى الله عليه وآله وسلم بكبش أدغم.
هو ما اسودت أرنبته وما تحت حنكه. وفي أمثالهم: الذئب أدغم، وهو من الإدغام، لأنه لون في لون آخر.
* * * * علي عليه السلام - لا قطع في الدغرة.
هي الخلسة؛ لأن المختلس يدفع نفسه على الشيء.
* * * * تدغرن في " عل " . ندغفقها دغفقة في " نط " .
* * * *
الدال مع الفاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أُتي بأسير يوعك، فقال لقوم: اذهبوا به فأدفوه، فذهبوا به فقتلوه، فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أراد الإدفاء، من الدفء فحسبوه الإدفاء بمعنى القتل في لغة أهل اليمن؛ يقال: أدفأت الجريح ودافأته ودافقته ودفوته ودافيته: أجهزت عليه، والأصل أدفئوه، فخففه بحذف الهمزة، وهو تخفيف شاذ، ونظيره: لا هناك المرتع، وتخفيفه القياسي أن تجعل الهمزة بين بين.
* * * * فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح.
هو الذي تضرب به النساء - بالضم والفتح.
والمراد بالصوت الإعلان.
* * * * أبصر صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره شجرة دفواء تسمى ذات أنواط؛ كان يناط بها السلاح وتُعبد من دون الله.
الأدفى: الطويل الجناح من الطير، والطويل القرنين من الوعول؛ ويقال: عنز دفواء، إذا انصب قرناها على طرفي علباويها، ومن ذلك شجرة دفواء؛ وهي العظيمة الطويلة الفروع والأغصان، الجثلة الظليلة.
سمي المنوط به بالنوط؛ وهو مصدر ثم جمع؛ ومنه قولهم: لمزود الراكب الذي ينوطه: نوط.
* * * * قال له صلى الله عليه وآله وسلم أعرابي: يا رسول الله؛ هل في الجنة إبل؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم تدف بركبانها.
أصل الدفيف من دفَّ الطائر؛ إذا ضرب بجناحيه دفَّيه في طيرانه على الأرض؛ ثم قيل: دفّت الإبل إذا سارت سيراً لينا.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه: إنه قال لمالك بن أوس: يا مال؛ إنه قد دفت علينا من قومك دافَّة، وقد أمرنا لهم برضخ فاقسمه بينهم.
هم القوم يسيرون جماعة. وعدى دفَّت بعلى على تاويل قدم وورد.
ومنه حديث سالم رضي الله عنه: إنه كان يلي صدقة عمر؛ فإذا دفَّت دافَّة الأعراب وجهها أو عامتها فيهم وهي مسبلة.
* * * * دفع من عرفات العنق، فإذا وجد فجوة نصَّ.
أي ابتدأ السير من عرفات، وحقيقته دفع نفسه منها، ونحاها. وانتصاب العنق كانتصاب الخيزلي والقهقرى، في قولهم: مشي الخيزلي، ورجع القهقرى في أحد الوجهين.
والعنق: السير الفسيح.
الفجوة: المتسع من الارض، يقال: بين دور آل فلان فجوة.
النصُّ: من نصَّ البعير في السير إذا رفعه، ولا يقال منه فعل البعير.
* * * * خالد رضي الله عنه - لما أخذ الراية يوم مؤتة دافع بالناس وخاشى بهم.
وروى: رافع.
دافع من الدفع بمعنى التنحية.
ورافع، من قولهم: رفع الشيء لذل أخذه وأحرزه.
وخاشى: من الخشية؛ والمعنى أنه نحَّى المسلمين عن القتال، وصدَّهم عنه، وحاذر عليهم منه؛ وكأن مجيء هذه الأفعال على " فاعل " ، فائدته أنه ظاهر غيره على ذلك، مبالغة في الإبقاء عليهم.
* * * * أسر رضي الله عنه من بني جذيمة يوم فتح مكة قوماً، فلما كان الليل نادى مناديه: من كان معه أسير فليدافعه.
وروى بالتخفيف، وبالذال المعجمة مع التثقيل؛ ومعنى الثلاثة: فليجهز عليه.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه " إنه دافَّ أبا جهل يوم بدر.
وروى: أقعص ابنا عفراء أبا جهل، وذفف عليه ابن مسعود.
المراد: أحرضاه وأجهز هو عليه، وأصل الإقعاص: إعجال القتل.
* * * * شريح رحمه الله - كان لا يردُّ العبد من الادفان، ويرده من الإباق البات.
قال أبو زيد: هو أن يروغ من مواليه اليوم أو اليومين، ولا يغيب من المصر. وهو افتعال من الدفن؛ لأنه يدفن نفسه أي يكتمها، وعبد دفون، وفعله الدفان.
وأما الإباق، فهو أن يغيب من المصر ويهرب.
البات: الذي لا شبهة فيه، وهو من اليمين الباتة، وهي المنقطعة عن علائق الشروط، وقد بتت بتوتاً.
* * * * عكرمة رحمه الله - قال في قوله تعالى: (يَوْمَ يَُعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يدفرون دفراً.
هو الدفع العنيف، يقال: ادفر في قفاه دفراً، وعن بعضهم إنه اشتق قولهم للدنيا: أم دفر، من هذا لأنها تدفر أهلها.
* * * * في الحديث - يؤكل ما دفَّ، ولا يؤكل ما صفَّ.
أي ما حرك جناحيه من الطير كالحمام ونحوه دون ما صفهما كالنسور والصقور ونحوها.
* * * * فيه دفاً في " مس " . فاستدفّ في " عل " . يا دفار في " فر " . يدفُّون في " قح " . من دفئهم في " نص " . الأذفر في " قش " . وادفراه في " صد " . دفن في " سح " .
* * * * النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال للنساء: إنكن إذا جعتن دقعتن، وإذا شبعتن خجلتن.
الدقع: اللصوق بالدقعاء؛ وهو التراب ذلاًّ.
والخجل: الأشر، من خجل الوادي، إذا كثر صوت ذبابه.
* * * * لا تحل المسألة إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع.
هو الملصق بالتراب لشدته، ومنه قولهم: ترب إذا افتقر؛ وأما أترب فمعناه: صار له من المال مثل التراب في كثرته، ومثله أثرى.
المفضع: الشديد المثقل.
الدم الموجع: أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، وإن لم يؤدها قُتل المتحمل عنه، وهو أخوه أو حميمه، فيوجعه قتله.
* * * * عمر رضي الله عنه - استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، فشهدوا عليه بشرب الخمر، فأتوا به، فقال: ائتوني بسوط، فأتاه أسلم مولاه بسوط دقيق، فقال عمر لأسلم: قد أخذتك دقرارة أهلك؛ ائتني بغير هذا؟، فأتاه بسوط تام فجلده.
الدقرارة: واحدة الدقارير وهي الأباطيل وعادات السوء، قال الكميت:
وإن أبيت من الأسرار هَيْنَمَةً ... عَلَى دقاريرَ أَحْكِيها وأْفتَعِلُ
والمعنى أن عادة السوء التي هي عادة منصبك وقومك في العدول عن الحقِّ، والعمل بالباطل، قد نزعتك؛ وكان أسلم عبداً بجاوياً.
* * * * الدقل في " هد " وفي " ذا " .
* * * *
الدال مع الكاف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - سأل جرير بن عبد الله البجلي عن منزله ببيشة فقال: سهل ودكداك، وسلم وأراك، وحمض وعلاك، بين نخلة ونخلة، ماؤنا ينبوع، وجنابنا مريع، وشتاؤنا ربيع. فقال له: يا جرير؛ إياك وسجع الكهان.
ويروى أنه قال: شتاؤنا ربيع، وماؤنا يميع، أو يريع، لا يقام ماتحها، ولا يحسر صابحها، ولا يعزب سارحها؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن خير الماء الشبم، وخير المال الغنم، وخير المرعى الأراك والسلم؛ إذا أخلف كان لجينا، وإذا سقط كان درينا، وإذا أكل كان لبيناً.
الدكداك: الرمل المتلبد بالأرض، غير شديد الارتفاع.
العلاك والعلك: شجر بالحجاز.
يميع: يسيل.
يريع: يثوب.
الماتح: نازع الدلو، أراد أن ماءهم سائح، فلا يحتاجون إلى إقامة ماتح.
حسر يحسر: إذا أعيا.
الصابح: الذي يصبح الإبل؛ أي يسقيها صباحاً؛ يعني أنه يوردها الشريعة فلا يعيا في سقيها.
السارح: النعم؛ أي نبتها قريب من المنازل، فنعمهم لا تعزب.
الشبم: البارد، وقيل: إنما هو السنم؛ أي العالي على وجه الأرض.
أخلف: أخرج الخلفة؛ وهي الورق بعد الورق الأول.
اللجين: الورق يدقُّ حتى يتلجن؛ أي يتلزج ثم توجره الإبل.
الدرين: حطام المرعى إذا قدم.
اللبين: بمعنى اللابن؛ من لبنت القوم إذا سقيتهم اللبن، كأنه يلبن القوم؛ لأنه يدرُّه ويكثره.
* * * * الأشعري رضي الله عنه - كتب إلى عمر رضي الله عنه: إنا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكاًّ، فما يرى أمير المؤمنين في أسهامها؟ فكتب إليه عمر: تلك البراذين؛ فما قارف العتاق منها فاجعل له سهما واحدا وألغ ما سوى ذلك.
الأدك: العريض الظهر، القصير؛ من دككت الشيء إذا ألصقته بالأرض، وناقة دكاء: لا سنام لها.
قارف: أي قاربها في السرعة.
* * * * بالدكداك في " مخ " .
* * * *
الدال مع اللام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قالت أم المنذر العدوية: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ناقه، ولنا دوال معلقة، فقام فأكل، وقام علي يأكل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مهلاً فإنك ناقه؛ فجلس علي عليه السلام وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم جعلت لهم سلقاً وشعيرا، فقال له: من هذا أصب فإنه أوفق لك.
الدوالي: بسر يعلق فإذا أرطب أكل، وهي من التدلية.
* * * * يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيقال: مالك؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه.
الاندلاق: خروج الشيء من مكانه.
الأقتاب: الأمعاء، جمع قتب.
* * * * إن أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم كن يدلحن بالقرب على ظهورهن، يسقين أصحابه، بادية خادمهن في غزوة أُحد.
الدلح: أن يمشي بالحمل وقد أثقله، ومنه سحائب ذلح.
الخدام: الخلاخيل، جمع خدمة.
* * * * إن امرأة رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها فسقته فغُفر لها.
دلع لسانه وأدلعه: أخرجه، ودلع بنفسه.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: يبعث شاهد الزور يوم القيامة مدلعاً لسانه في النار.
الموق: ضرب من الخفاف، فارسية معربة، ويجمع أمواقا.
* * * * عمر رضي الله عنه - كتب إلى خالد بن الوليد: بلغني أنك دخلت الحمام بالشام، وأن من بها من الأعاجم أعدُّوا لك دلوكاً عُجن بخمر، وإني أظنكم آل المغيرة ذء النار - وروى: ذرو النار.
الدلوك: ما تدلك به جسدك من طيب وغيره.
الذرء: أصله من ذرأ الأرض؛ إذا بذرها، وذرأ فيها، وزرع فيها الحب: ألقاه فيها، وزرع ذرئ؛ ومنه قوله:
شَقَقْتَ القلبَ ثم ذَرَأْتَ فيه ... هواكَ فَلِيمَ فالتأَم الفُطُور
فاستعير للخلق.
ومنه قول أبي طالب: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل.
وناصبه فعل مضمر؛ تقديره ذرئتم ذرءاً للنار، فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى النار، ومعنى إضافته إليها أنهم ذرءوا لها، من قوله تعالى: (ولقد ذَرَأْنا لِجَهنّمَ)؛ ويجوز أن يراد بالمصدر المفعول كالخلق، ويعمل النصب فيه الظن على أنه مفعول ثان.
وأما الذرو، فقد قيل: ذروت بمعنى ذرأت، أي بذرت، فسبيله سبيل الذرء؛ وقيل: هو من ذرت الريح التراب، ومعناه تذرون في النار ذرواً.
* * * * إن رجلا أتاه فقال: إن امرأة أتتني أبايعها، فأدخلتها الدولج، فضربت بيدي إليها. هو المخدع، وكذلك كل ما ولجت فيه من كهف أو سرب، فهو تولج ودولج، والأصل وولج؛ " فوعل " من الولوج، فالتاء بدل من الواو، والدال من التاء.
* * * * سلمان رضي الله عنه - اشترى هو وأبو الدرداء لحماً فتدالحاه بينهما على عودٍ.
التدالح: تفاعل، من دلح بحمله، والمعنى: وضعاه على عود، واحتملاه آخذين بطرفيه.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - صلِّ العشاء إذا غاب الشفق، وادلامَّ الليل من هنا ما بينك وبين ثلث الليل، وما عجلت بعد ذهاب البياض فهو أفضل.
هو افعال من الدلمة؛ كاحمار من الحمرة؛ يقال ليل أدلم: أسود مظلم.
من هنا: أي من قبل المغرب، وهذا الحديث حجة لأبي حنيفة رحمه الله في اعتباره الشفق الأبيض.
* * * * ابن الزبير رضي الله عنهما - وقع حبشي في بئر زمزم، فأمر أن يدلوا ماءها.
الدلو: نشط الدلو، والإدلاء إرسالها، وأما قول العجاج:
يَكْشِفُ عن جَمَّاته دَلْوُ الدّالْ ... عَبَاءًةً غَبْرَاء من أَجْنٍ طالْ
فقال المبرد: يريد المدلي؛ ولكنه أخرجه على الأصل للقافية إذ كانت الهمزة زائدة، وهذا رديء في الضرورة، لأن الهمزة إنما زيدت لمعنى، فمتى حذفت زال ذلك المعنى، ودخل في باب آخر، وأنشد أبو عبيدة في مثل ذلك:
يَخْرُجْنَ من أجْوازِ ليلٍ غاضِ
وغنما حقه مغضٍ. وقال أبو علي الفارسي: أراد المدلي، فحذف الزيادة، أو أراد دلو ذي الدلو، كحلا بن وتامر.
وقال بعضهم: الدالي والمدلي جميعاً صفتان للمستقي؛ وكأنه قال: دلو المستقي، ولو قيل: إنما قصد بقوله دلو الدال نزح النازح، لأن حقيقة نزح الماء واستقائه في الدلو لا في الإدلاء وعمله في كشف العرمض أبلغ من عمله، ولأن النزع لا يكون إلا بعد الإرسال، ويكون عكس ذلك - لكان قولاً وجيهاً.
* * * * شقيق رحمه الله - قال في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلوة لِدُلُوكِ الشَّمْسِ).
دلوكها: غروبها.
قال: هو في كلام العرب دلكت براح.
دلكت الشمس: إذا زالت، وإذا غابت، قيل لأن الناظر إليها يدلك عينه، ونظيره: أفغر النجم؛ إذا استوى على رءوسهم لأن الناظر إليه يفغر فاه.
وقوله: براح فيه قولان: أحدهما أنه جمع راحة، يعني أنهم يضعون راحاتهم على عينهم ينظرون هل غربت؟ قال:
هذا مُقامُ قَدَمَيْ رَبَاحِ ... ذَبَّبَ حتى دَلَكَتْ بِرَاحِ
الثاني أن براح بوزن قطام اسم للشمس، وهي معدولة عن بارحة؛ سميت بذلك لظهورها وانكشافها، من البراح: البراز، وبارحة: كاشفة، وعلة بنائها شبهها بفعال في الأمر.
* * * * ابن المسيب رحمه الله - عمر رضي الله عنه - لو لم ينه عن المتعة لاتخذها الناس دولسيًّا.
الدولسي: الأمر الذي فيه تدليس، وأصله أن يستر البائع على المشتري عيب السلعة؛ من الدلس وهو الظلمة. والمراد: متعة النكاح؛ كان الرجل يشارط المرأة بأجل معلوم على شيء يمتعها به، يستحل به فرجها، ثم يفارقها من غير تزوج ولا طلاق، وإنما أُحل ذلك للمسلمين بمكة ثلاثة أيام حين حجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم حرُم؛ فالمعنى: لو لم ينه عنها لكان أصحاب الريب يتخذونها سبباً وسلَّما إلى الزنا مدلسين به على الناس.
* * * * مجاهد رحمه الله - إن لأهل النار جناباً يستريحون إليه، فإذا أتوه لسعتهم عقارب كأمثال البغال الدُّلم.
الدلمة: سواد مع طول؛ رجل أدلم وليل أدلم، ودلم الشيء: اشتد سواده.
* * * * الحسن رحمه الله - سئل أيدالك الرجل امرأته؟ قال: نعم إذا كان مفلجاً.
المدالكة والمداعكة والمماعكة: المماطلة، والمعنى مطله إياها بالمهر.
الملفج، بالفتح: المعدم، من قولهم: الفجتني إليك الحاجة؛ أي اضطرتني، ويقال: ألفج إذا أفلس، فهو ملفج بالكسر.
* * * * وليدلف، ودله عقلي في " قح " . ودله في " سم " . الدلاة في " رع " . دلونا في " قف "
النبي صلى الله عليه وسلم - في ذكر مجلسه، عن علي رضي الله عنه: مجلس حلمٍ وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحُرم، ولا تُنثى فلتأته؛ إذا تكلم أطرق جلساؤه كأن على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يَقبل الثناء إلا من مكافئ.
لا تؤْبن: أي لا تُقذف ولا تُغتاب، يقال: أَبنته أَبنتهُ. وأبنهُ أبناً وهو من الأًُبن، وهي العقد في القضبان؛ لأنها تعيبها.
ومنه قوله في حديث الإفك: أَشيروا عليّ في أُناس أَبنوا أهلي.
ومنه حديث أبي الدرداء إن تؤبن بما ليس فينا فربما زُكينا بما ليس فينا.
البث والنث والنثو: نظائر.
الفلتة: الهفوة. وافُتلت القول: رُمي به على غير روية؛ أي إذا فرطت من بعض حاضريه سقطة لم تنشر عنه، وقيل هذا نفي للفلتات ونثوها، كقوله:
ولا تَرى الضبّ بها ينْجَحْر
كأن على رؤوسهم الطير: عبارة عن سكونهم وإنصاتهم؛ لأن الطير إنما تقع على الساكن، قال الهذلي:
إذا حلَّت بنو لَيْثٍ عُكاظا ... رأيت على رُؤسهم الغُرَابا
المكافئ: المجازي. ومعناه أنه إذا اصطنع فأُثني عليه على سبيل الشكر والجزاء تقبله. وإذا ابتُدئ بثناء تسخَّطه، أو لا يقبله إلا عمن يكافئ بثنائه ما يرى في المثنى عليه، أي يماثل به ولا يتزيد في القول، كما جاء في وصف عمر رضي الله عنه زهيراً: وكان لا يمدح الرجل إلا بما فيه.
* * * * وكتب لوائل بن حجر: من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبو أمية: إن وائلا يُستسعى ويترفل على الأقوال حيث كانوا من حضرومت.
وروى أنه كتب له: من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، على التيعة شاة، والتيمة لصاحبها، وفي السُّيوب الخُمس، لا خِلاط ولا وِراط، ولا شِناق ولا شِغار، ومن أجبى فقد أربى، وكل مُسكر حرام.
وروى إلى الأقيال العباهلة والأرواع المشابيب من أهل حضرموت بإقام الصلاة المفروضة وأداء الزكاة المعلومة عند محلها؛ في التيعة شاة، لا مقورَّة الألياط ولا ضناك، وأنطو الثبجة وفي السيوب الخمس، ومن زل مم بكر فاصقعوه مائة واستوفضوه عاما، ومن زنى مم ثيب فضرّجوه بالأضاميم، ولا توصيم في دين الله، ولا غمة في فرائض الله، وكل مُسكر حرام. ووائل بن حجر يترفل على الأقيال، أمير أمره رسول الله فاسمعوا وأطيعوا.
وروى أنه كتب: إلى الأقوال العباهلة، لا شغار ولا وراط، لكل عشرة من السرايا ما يحمل القراب من التمر. وقيل هو القراف.
أبو أمية: تُرك في حال الجر على لفظه في حال الرفع؛ لأنه اشتهر بذلك وعُرف، فجرى مجرى المثل الذي لا يغير. وكذلك قولهم: علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان.
يُستسعى: يُستعمل على الصدقات، من الساعي وهو المصدَّق.
ويترفل: يتسود ويترأس. يقال: رفّلته فترفل. قال ذو الرمة:
إذَا نَحْنُ رَفَّلْنَا امْرَأً سَادَ قَوْمَه ... وإن لم يكنْ من قبل ذَلِك يُذْكَر
استعارة من ترفيل الثوب، وهو إسباغه وإسباله.
حضرموت اسم غير منصرف رُكب من اسمين وبُني الأول منهما على الفتح. وقد يُضاف الأول إلى الثاني فيعتقب على الأول وجوه الإعراب ويخير في الثاني بين الصرف وتركه. ومنهم من يضم ميمه فيخرجه على زنة عنكبوت.
أقوال: جمع قيل. وأصله قَيّل فَيْعِل من القول فحذفت عينه. واشتقاقه من القول كأنه الذي له قول، أي ينفذ قوله. ومثله أموات في جمع ميت. وأما أقيال فمحمول على لفظ قَيْل، كما قيل أرياح في جمع ريح؛ والشائع أرواح؛ ويجوز أن يكون من التقيل وهو الاتباع كقولهم تُبّع.
تاعباهلة: الذين أُقرُّوا على ملكهم لا يزالون عنه، من عبهله بمعنى أبهله إذا أهمله، العين بدل من الهمزة، كقوله:
أعَنْ توسَّمتَ من خَرْقَاءَ مَنْزِلةً ... ماءُ الصَّبَابَةِ من عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ
وقوله: ولله عن يشفيك أغنى وأوسع.
وعكسه: أُفُرّة في عُفُرَّة، وأُباب في عباب، والتاء لاحقة لتأكيد الجمع كتاء صياقلة وقشاعمة. والأصل عباهل. قال أبو وجزة السعدي:
عَبَاهِلٍ عَبْهَلَها الوُرَّادُ
ويجوز أن يكون الأصل عباهيل، فحذفت الياء وعوضت منها التاء، كقولهم: فرازنة وزنادقة في فرازين وزناديق، وحذف الشاعر ياءها بغير تعويض على سبيل الضرورة كما جاء في الشعر: المرازبة الجحاجح. وأن يكون الواحد عبهولا، ويؤنّس به قولهم: العزهول واحد العزاهيل، وهي الإبل المهملة. ويجوز أن يكون علما للنسب، على أن الواحد عبهلي منسوب إلى العبهلة التي هي مصدر، وقد حذفها الشاعر، كقولهم: الأشاعث في الأشاعثة.
التيعة: الأربعون من الغنم، وقيل: هي اسم لأدنى ما تجب فيه الزكاة، كالخمس من الإبل وغير ذلك، وكأنها الجملة التي للسعاة عليها سبيل. من تاع إليه يتيع إذا ذهب إليه، أو أن يرفعوا منها شيئاً ويأخذوا، من تاع اللّبأ والسمن يتوع ويتيع إذا رفعه بكسرة أو تمرة. أو من قولك: أعطاني درهماً فتعت به أي أخذته، أو أن يقعوا فيها ويتهافتوا من التتايع في الشيء. وعينها متوجهة على الياء والواو جميعاً بحسب المأخذ.
التيمة: الشاة الزائدة على التيعة حتى تبلغ الفريضة الأخرى. وقيل: هي التي ترتبطها في بيتك للاحتلاب ولا تسيمها. وأيتهما كانت فهي المحبوسة إما عن السوم وإما عن الصدقة، من التتييم، وهو التعبيد والحبس عن التصرف الذي للأحرار، ويؤكد هذا قولهم لمن يرتبط العلائف: مبنن، من أبنّ بالمكان إذا احتبس فيه وأقام. قال:
يعيِّرُني قومٌ بانّي مُبَنِّن ... وهل بَّننَ الأشراط غيرُ الأَكارم
السيوب: الركاز، وهو المال المدفون في الجاهلية أو المعدن، جمع سيب، وهو العطاء؛ لأنه من فضل الله لمن أصابه.
الخلاط: أن يخالط صاحب الثمانين صاحب الأربعين في الغنم، وفيهما شاتان لتُؤخذ واحدة.
الوراط: خداع المصدق بأن يكون لهأربعون شاة فيعطي صاحبه نصفها لئلا يأخذ المصدِّق شيئاً، مأخوذ من الورطة، وهي الأصل الهوة الغامضة، فجُعلت مثلا لكل خطة وإبطء عشوة، وقيل هو تغييبها في هوة أو خمر لئلا يعثر عليها المصدق، وقيل هو أن يزعم عند الرجل صدقةً وليست عنده فيورطه.
الشناق: أخذ شيء، من الشنق، وهو ما بين الفريضتين، سُمي شنقاً لأنه ليس فريضة تامة، فكأنه مشنوق أي مكفوف عن التمام، من شنقت الناقة بزمامها إذا كففتها، وهو المعنى في تسميته وقصا؛ لأنه لما لم يتم فريضة فكأنه مكسور، وكذلك شنق الدية: العدة من الإبل التي كان يتكرم بها السيدزيادة على المائة. قال الأخطل:
قَرمٌ تُعَلَّقُ أَشْنَاقُ الدِّيَاتِ بِهِ ... إذَا المُئونَ أُمِرَّتْ فَوْقَهُ حَمَلا
الشغار: أن يشاغر الرجل الرجل، وهو أن يزوجه أخته على أن يزوجه هو أخته، ولا مهر إلا هذا، من قولهم: شغرت بني فلان من البلد إذا أخرجتهم. قال:
ونحنُ شَغَرْنَا ابْنيَ نِزَارِ كِلَيْهِمَا ... وكلْباً بِوَقْعٍ مُرْهقٍ مُتَقَارِبِ
ومن قولهم: تفرقوا شغَرَ بغَر؛ لأنهما إذا تبادلا بأختيهما فقد أخرج كل واحد منهما أخته إلى صاحبه وفارق بها إليه.
أَجبى: باع الزرع قبل بدو صلاحه، وأصله الهمز، من جبأ عن الشيء إذا كف عنه، ومنه الجباء: الجبان؛ لأن المبتاع ممتنع من الانتفاع به إلى أن يُدرك، وإنما خُفف يزاوج أَربى.
والإرباء: الدخول في الربا، والمعنى أنه إذا باعه على أن فيه كذا قفيزا، وذلك غير معلوم، فإذا نقص عما وقع التعاقد أو زاد فقد حصل الربا في أحد الجانبين.
الأرواع: الذين يروعون بجهارة المناظر وحسن الشارات، جمع رائع، كشاهد وأَشهاد.
المشابيب: الزُّهر الذين كأنما شُبت ألوانهم، أي أوُقدت، جمع مشبوب. قال العجاج:
ومِنْ قريش كُلُّ مَشْبوبِ أَغَرّ
الاقورار: تشان الجلد واسترخاؤه للهزال، ويفضل حينئذ عن الجسم ويتسع؛ من قولهم: دار قوراء.
الليط: القشر اللاصق بالشجر والقصب، من لاط حُبّه بقلبي يليط ويلوط إذا لصق، فاستعير للجلد. واتسع فيه حتى قيل: ليط الشمس للونها، وإنما جاء به مجموعاً؛ لأنه أراد ليط عضو.
الضناك: المكتنزة اللحم، من الضنك؛ لأن الاكتناز تضام وتضايق، ومطابقة الضناك المقورة في الاشتقاق لطيفة.
الإنطاء: الإعطاء، يمانية.
ألحق تاء التأنيث بالثبج، وهو الوسط؛ لانتقاله من الاسمية إلى الوصفية؛ والمراد أعطوا المتوسطة بين الخيار والرُّذال.
قلب نون " من " ميما في مثل قوله: مم ثيب لغة يمانية كما يبدلون الميم من لام التعريف، وأما مم بكر فلا يختص به أهل اليمن؛ لأن النون الساكنة عند الجميع تقلب مع الباء ميما، كقولهم شنباء وعنبر. والبكر والثيب يطلقان على الرجل والمرأة.
الصَّقع: الضرب على الرأس، ومنه: فرس أصقع وهو المبيض أعلى رأسه؛ والمراد ههنا الضرب على الإطلاق.
الاستيقاض: التغريب، من وفض وأوفض إذا عدا وأسرع.
التضريج: التدمية، من الضرج، وهو الشق.
الأضاميم: جماهير الحجارة: الواحدة إضمامة، إفعالة من الضم، أراد الرجم.
التوصيم: أصله من وصم القناة وهو صدعها، ثم قيل لمن به وجع وتكسُّر في عظامه موصم، كما قيل لمن في حسبه غميزة موصوم، ثم شبهّ الكسلان المتثاقل بالوجِع المتكسر، فقيل به توصيم. كما قيل: مرَّض في الأمر. والمعنى لا هوادة ولا محاباة في دين الله! الغُمّة: من غَمَّه إذا ستره؛ أي لا تُخفى فرائضه وإنما تُظهر ويُجاهر بها.
القِراب: شبه جراب يضع فيه المسافر زاده وسلاحه.
والقِراف: جمع قرف وهو ما يُحمل فيه الخلع. أوجب عليهم أن يزودوا كل عشرة من السرايا المجتازة ما يسعه هذا الوعاء من التمر.
* * * * سُئل عن بعير شرد فرماه بعضهم بسهم حبسه الله به عليه، فقال: إن هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا.
أوابد الوحش: نفّرها. أبدت تأْبدُ ُ وتأبِدُ أُبوداًن وهو من الأبد؛ لأنها طويلة العمر لا تكاد تموت إلا بآفة، ونظيره ما قالوه في الحية إنها سُميت بذلك لطول حياتها. وحكوا عن العرب: ما رأينا حية إلا مقتولة ولا نسراً إلا مقبَّشاً.
البهيمة: كل ذات أربع في البر والبحر، والمراد ههنا الأهلية، وهذه إشارة إليها.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - كانت رديته التأبط.
هو أن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن، ثم يلقيه على عاتقه الأيسر.
الرِّدية: اسم لضرب من ضروب التردي كاللبسة والجلسة؛ وليست دلالتها على أن لام رداء ياء بحتم، لأنهم قالوا: قنية، وهو ابن عمي دنيا.
* * * * عمرو - قال لعمر رضي الله عنه: إني والله ما تأبطتني الإماءُ، ولا حملتني البغايا في غبَّرات المآلي - أي لم يحضنني.
البغايا: جمع بغي فعول بمعنى فاعلة من البغاء.
الغُبَّرات: جمع غُبَّر، جمع غابر؛ وهو البقية.
المآلي: جمع مئلاة وهي خرقة الحائض ههنا، وخرقة النائحة في قوله:
وأنواحاً عليهن المآلي
ويقال: آلت المرأة إيلاء إذا اتخذت مئلاة. ويقولون للمتسلية المتألية. نفى عن نفسه الجمع بين سبتين: إحداهما أن يكون لغية، والثانية أن يكون محمولا في بقيةحيضة، وأضاف الغبَّرات إلى المآلي لملابستها لها.
* * * * يحيي بن يعمر - أي مال أديت زكاته فقد ذهبت أبلته.
همزتها عن واو، من الكلأ الوبيل، أي وباله ومأثمته.
* * * * وهب - لقد تأبل آدم على ابنه المقتول كذا وكذا عاماً لا يصيب حوَّاء.
أي امتنع من غشيان حوَّاء متفجعاً على ابنه، فعدَّى بعلى لتضمنه معنى تفجَّع، وهو من أبلت الإبل وتأبلت إذا جزأت.
* * * * في الحديث: يأتي على الناس زمان يغبط الرجل بالوحدة كما يغبط اليوم أبو العشرة. هو الذى له عشرة أولاد، وغبطته بهم أن رحله كان يخصب بما يصير إليه من أرزاقهم؛ وذلك حين كان عيالات المسلمين يرزقون من بيت المال.
وروى: يغبط الرجل بخفة الحاذ، أى بخفة الحال، حذف الراجع من صفة الزمان إليه، كما حذف في قوله تعالى: (واتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً).
والتقدير يغبطه ولا تجزيه، أي يغبط فيه ولا يجزي فيه.
* * * * لا تبع الثمر حتى تأمن عليه الأُبْلة.
هي العاهة بوزن الأُهبة، وهمزتها كهمزة الأبلة في انقلابها عن الواو من الكلأ الوبيل، إلا أنها منقلبة عن واو مضمومة، وهو قياس مطرد غير مفتقر إلى سماع، وتلك - أعني المفتوحة - لابد فيها من السماع.
* * * * مأْبورة في " سك " . ليس لها أبو حسن في " عض " . لا يؤبه له في " ضع " . إبَّان في " قح " . لا أبالك في " له " . أَبطحي في " قح " . مآبضه في " حن " . بأبي قحافة في " ثغ " . ابن أبي كبشة في " عن " . الإباق في " دف " .
* * * *
الهمزة مع التاء
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - سأل عاصم بن عدى الأنصاري عن ثابت بن الدحداح حين توفي: هل تعلمون له نسبا فيكم؟ فقال: إنما هو أتى فينا. فقضى بميراثه لابن أخته. هو الغريب إلى قدم بلادك. فعول بمعنى فاعل، من أتى. توفى ابنه إبراهيم فبكى عليه فقال: لولا أنه وعد حق، وقول صدق، وطريق مئتاء لحزنا عليك يا إبراهيم حزنا أشد من حزننا.
هو مفعال من الإتيان؛ أى يأتيه الناس كثيرا ويسلكونه، ونظيره دار محلال للتي تحل كثيرا، أراد طريق الموت.
وعنه عليه السلام أن أبا ثعلبة الخشني استفتاه في اللُّقَطة، فقال: ما وجدت في طريق مئتاء فعرِّفه سنة.
* * * * عثمان رضي الله عنه - أرسل سليط بن سليط وعبد الرحمن بن عتاب إلى عبد الله بن سلام فقال: ائتياه فتنكرا له وقولا: إنا رجلان أتاويان وقد صنع الناس ما ترى فما تأمر؟ فقالا له ذلك، فقال: لستما بأتاويين ولكنكما فلان وفلان وأرسلكما أمير المؤمنين.
الأتاوى: منسوب إلى الأتي وهو الغريب. والأصل أتويّ كقولهم في عدي عدوي، فزيدت الألف؛ لأن النسب باب تغيير، أو لإشباع الفتحة، كقوله: بمنتزاح. وقوله: لا تهاله.
ومعنى هذا النسب المبالغة، كقولهم في الأحمر أحمري، وفي الخارج خارجي، فكأنه الطارئ من البلاد الشاسعة. قال:
يُصْبِحْنَ بالقَفْرِ أَتَاوِيَّاتِ ... هَيْهَاتِ عن مُصْبَحها هَيْهَاتِ
هيهاتِ حَجْرٌ مِن صُنَيْبِعَات
* * * * عبد الرحمن - إن رجلا أتاه فرآه يؤَتِّي الماء في أرض له.
أي يطرِّقُ له ويسِّهل مجراه، وهو يُفَعِّل من الإتيان * * * * النخعي - إن جارية له يقال لها كثيرة زنت فجلدها خمسين، وعليها إتب لها وإزار.
هو البقيرة، وهي بردة تبقر أي تُشق فتلبس بلا كمين ولا جيب.
* * * *
الهمزة مع الثاء
النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصي اليتيم يأكل من ماله غير متأثل مالاً. أي غير متخذ إياه لنفسه أثلة، أي أصلا؛ كقولهم: تديرت المكان إذا اتخذته داراً؛ وتبنيته، وتسريتها، وتوسدت ساعدي.
ومنه حديث عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في أرضه بخيبر أن يحبس أصلها ويجعلها صدقة، فاشترط، فقال: ولمن وليها أن يأكل منها ويؤكل صديقا غير متأثل - وروى غير متمول.
* * * * خطب في حجته أو في عام الفتح فقال: ألا إن كل دمٍ ومالٍ ومأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي هاتين؛ منها دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج.
المأثرة: واحدة المآثر، وهي المكارم التي تؤثر؛ أي تروي، يعني ما كانوا يتفاخرون به من الأنساب وغير ذلك من مفاخر أهل الجاهلية.
سدانة الكعبة: خدمتها، وكانت هي واللواء في بني عبد الدار، والسقاية والرفادة إلى هاشم، فأُقرَّ ذلك في الإسلام عالى حاله. وإنما ذكر أحد الشيئين دون قرينه - أعني السدانة دون اللواء، والسقاية دون الرفادة؛ لأنهما لا يفترقان ولا يخلو أحدهما من صاحبه؛ فكان ذكر الواحد متضمنا لذكر الثاني.
وهذا استثناء من المآثر وإن احتوى العطف على ثلاثة أشياء. ونظيره قولك: جاءتني بنو ضبة، وبنو الحارث، وبنو عبس، إلا قيس بن زهير. وذلك لأن المعنى يدعوه إلى متعلقه.
قوله: تحت قدمي، عبارة عن الإهدار والإبطال، يقول الموادع لصاحبه: اجعل ما سلف تحت قدميك، يريد طأ عليه واقمعه.
الضمير في منها يرجع إلى معنى كل، كقوله تعالى: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ).
وكذلك الضمير في كانت وفي قوله فهي.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون لفظ كانت صفة للذي أُضيف إليه كل وللمعطوفين عليه فيستكن فيه ضميرها؟ قلت: لا والمانع منه أن الفاء وقع في الخبر لمعنى الجزاء الذي تتضمنه النكرة الذي هو كل، وحقه أن يكون موصوفاً بالفعل، فلو قطعنا عنه كانت لم يصلح لأن يقع الفاء في خبره؛ فكانت إذن في محل النصب على أنه صفة كل وكائن فيه ضميره، وفيه دليل على أن إنَّ لا يُبطل معنى الجزاء بدخوله على الأسماء المتضمنة لمعنى الشرط.
أبطل الدماء التي كان يطلب بها بعضهم بعضاً فيدوم بينهم التغاور والتناجز، والأموال التي كانوا يستحلونها بعقود فاسدة، هي عقود ربا في الإسلام، والمفاخر التي كانت ينتج منها كل شر وخصومة وتهاج وتعاد.
وأما دم ربيعة فقد قُتل له ابن صغير في الجاهلية فأضاف إليه الدم، لأنه وليه، وربيعة هذا عاش إلى أيام عمر.
* * * *
وفي الحديث: من سرَّة أن يبسط الله في رزقه وينسأ في أثره فليصل رحمه. قيل هو الأجل؛ لأنه يتبع العمر، واستشهد بقول كعب:
واَلمرْءُ ما عَاشَ ممدودٌ له أَمَلٌ ... لا يَنْتَهِي العمْرُ حتَّى يَنْتَهِي الأثَرُ
ويجوز أن يكون المعنى إن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم.
* * * * عمر رضي الله عنه - سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يحلف بأبيه، فهاه، قال: فما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً.
من آثر الحديث إذا رواه، أي ما تلفظت بالكلمة التي هي " بأبي " لا ذاكراً لها بلساني ذكراً مجرداً من عزيمة القلب ولا مخبّراً عن غيري بأنه تكلم بها؛ مبالغة في تصوني وتحفظي منها. وإنما قال حلفت، وليس الذكر المجرد ولا الإخبار بحلف حلفاً؛ لأنه لافظ بما يلفظ به الحالف.
* * * * الحسن رحمه الله - ما علمنا أحداً منهم ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثماً. أي تجنباً للإثم؛ ومثله: التحوّب والتحرّج والتهجّد.
* * * * من الأثام في " شب " . وأثرته في " كل " . فجلد بأثكول النخل في " حب " . لآثين بك في " تب " . الأثل في " زخ " .
* * * *
الهمزة مع الجيم
النبي صلى الله عليه وسلم - من بات على إجارٍ ليس عليه ما يرد قدميه فقد برئت منه الذمة، ومن ركب البحر إذا التجَّ - وروى ارتجَّ - فقد برئت منه الذمة. أو قال: فلا يلومن إلا نفسه.
الإجَّار: السطح.
ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ظهرت على إجَّارٍ لحفصة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على حاجته مستقبلاً بيت المقدس مستدبراً الكعبة. وكذلك الإِجار. وجاء في حديث الهجرة: فتلقى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق وعلى الأناجير.
ما يردُّ قدميه: أي لم يحوَّط بما يمنع من الزليل والسقوط.
الذمة: العهد كأن لكل أحد من الله ذمة بالكلاءة، فإذا ألقى بيده إلى التهلكة فقد خذلته ذمة الله وتبرأت منه.
التجَّ: من اللجة، وارتجَّ: من الرجَّة وهي الصوت والحركة. وارتجَّ: زخر وأطبق بأمواجه، قال:
في ظُلْمَةٍ من بعيدِ القَعْرِ مِرْتَاجِ
* * * * أراد أن يصلي على جنازة رجل فجاءت امرأة معها مجمر، فما زال يصيح بها حتى توارت بآجام المدينة.
هي الحصون، الواحد أجم، سمي بذلك لمنعه المتحصن به من تسلط العدو. ومنه الأجمة لكونها ممنَّعة، وأجم الطعام: امتنع منه كراهية. وكذلك الأطم لقولهم: به إطام، وهو احتياس البطن، ولالتقائهما قالوا: تأطم عليه وتأجم إذا قوى غضبه.
* * * * قال له رجل: إني أعمل العمل أُسرّه فإذا اطّلِع عليه سرني. فقال: لك أجران: أجر السر وأجر العلانية.
عرف منه أن مسرته بالاطلاع على سره لأجل أن يقتدى به؛ فلهذا بشره بالأجرين.
أُسره في محل النصب على الحال أي مُسرَّا له.
* * * * مكحول رحمه الله - كنا مرابطين بالساحل فتأجل متأجل، وذلك في شهر رمضان، وقد أصاب الناس طاعون فلما صلينا المغرب، ووضعت الجفنة قعد الرجل وهم يأكلون فخرق.
أي سأل أن يُضرب له أجل ويؤذن له في الرجوع إلى أهله؛ فهو يمعنى استأجل، كما قيل تعجّل بمعنى استعجل.
خَرِق: سقط ميتا، وأصل الخَرِق أن يبهت لمفاجأة الفزع.
* * * * في الحديث في الأضاحي: كلوا وادَّخروا وأتجروا.
أي اتخذوا الأجر لأنفسكم بالصدقة منها، وهو من باب الاشتواء والاذِّباح. واتجروا على الإدغام خطأ؛ لأن الهمزة لا تُدغم في التاء، وقد غُلط من قرأ: الذي اتُّمن، وقولهم: اتَّزر عاميّ، والفصحاء على ائتزر.
وأما ما روي أن رجلا دخل المسجد وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته فقال: من يتَّجر فيقوم فيصلي معه.
فوجهه - إن صحّت الرواية - أن يكون من التجارة؛ لأنه يشتري بعمله المثوبة، وهذا المعنى يعضده مواضع في التنزيل والأثر، وكلام العرب.
* * * * فخرج بها يؤجُّ في " دو " . ارتوى من آجن في " ذم " . أجم النساء في " ثم " . ترمض فيه الآجال في " رص " . أَجنك في " جل " . أَجل في " ذق " .
* * * *
الهمزة مع الحاء
النبي صلى الله عليه وسلم - قال لسعد بن أبي وقاص ورآه يومئ باصبعيه: أَحِّدْ أَحِّدْ.
أراد وَحِّد، فقلب الواو بهمزة، كما قيل أحد وأُحاد وإحدى، فقد تلعَّب بها القلب مضمومة ومكسورة ومفتوحة. والمعنى أشر بإصبع واحدة.
* * * *
ابن عباس رضي الله عنهما - سُئل عن رجل تتابع عليه رمضانان فسكت، ثم سأله آخر، فقال: إحدى من سبع، يصوم شهرين ويُطعم مسكينا.
أراد أن هذه المسألة في صعوبتها واعتياصها داهية، فجعلها كواحدة من ليالي عاد السبع التي ضُربت مثلا في الشدة. تقول العرب في الأمر المتفاقم: إحدى الإحد وإحدى من سبع.
* * * * في الحديث: في صدره إِحنة على أخيه. هي الحقد، قال:
متى يَكُ في صَدْرِ ابْن عَمِّكَ إِحْنَةٌ ... فلا تَسْتَثِرْها سوف يَبْدُو دَفِيُنها
وأحن عليه يأحن، ولعل همزتها عن واو؛ فقد جاء وحن بمعنى ضغن. قال أبو تراب: قال الفراء: وحن عليه، وأحن؛ أي حقد. وعن اللحياني وحن عليه وحنة؛ أي أحن إحنة، وأما ما حكى عن الأصمعي أنه قال: كنا نظن أن الطرماح شيء حتى قال:
وأَكره أن يعيبَ عليّ قومي ... هجائي الأَرْذَلين ذوي الحِنَاتِ
فاسترذال منه لوحن وقضاء على الهمز بالإصالة، أو برفض الواو في الاستعمال.
* * * * أحد أحد في " شب " .
* * * *
الهمزة مع الخاء
عمر رضي الله عنه - كان يكلم النبي عليه الصلاة والسلام كأخي السرار، لا يسمعه حتى يستفهمه.
أي كلاما كمثل المسارة وشبهها لخفض صوته. قال امرؤ القيس:
عَشِيَّةَ جَاوَزْنَا حَمَاةَ وسَيْرُنا ... أَخُو الجَهْد ِلا نلوي عَلَى مَنْ تَعَذَّرَا
ويجوز في غير هذا الموضع أن يُراد بأخي السرار الجهار، كما تقول العرب: عرفت فلاناً بأخي الشر، يعنون الخير يريدون بالشر. ولو أُريد بأخي السرار المُسار كان وجهاً، والكاف على هذا في محل النصب على الحال. وعلى الأول هي صفة المصدر المحذوف، والضمير في لا يسمعه يرجع إلى الكاف إذا جُعلت صفة للمصدر.
ولا يسمعه منصوب المحل بمنزلة الكاف على الوصفية، وإذا جُعلت حالا كان الضمير لها أيضا إلا أنه قُدِّر مضاف محذوف، كقولك يسمع صوته، فحذف الصوت وأقيم الضمير مقامه، ولا يجوز أن يجعل لا يسمعه حالا من النبي صلى الله عليه وسلم لأن المعنى يصير خلفا.
* * * * عائشة رضي الله عنها - جاءتها امرأة فقالت: أُؤخِّذُ جملي؟ فلم تفطن لها حتى فُطِّنت فأمرت بإخراجها - وروي أنها قالت: أ أقيد جملي؟ فقالت: نعم. فقالت: أ أقيد جملي؟ فلما علمت ما تريد قالت: وجهي من وجهك حرام.
جعلت تأخيذ الجمل وهو المبالغة في أخذه وضبطه مجازاً عن الاحتيال لزوجها بحيل من السحر تمنعه بها عن غيرها، ويقال: لفلانة أُخذة تُؤخذ بها الرجال عن النساء.
حرام: أي ممنوع من لقائه، تعني أني لا ألقاك أبداً.
* * * * مسروق رحمه الله - ما شبهت أصحاب محمد إلا الإخاذ؛ تكفي الإخاذة الراكب وتكفي الإخاذة الراكبين، وتكفي الإخاذة الفئام من الناس.
هي المستنقع الذي يأخذ ماء السماء. وسمي مساكة لأنها تُمسكه، وتنهيه ونهيا لأنها تنهاه، أي تحبسه وتمنعه من الجري، وحاجرا لأنه يحجره، وحائراً لأنه يحار فيه فلا يدري كيف يجري. قال عدي:
فاضَ فيه مِثْل العُهُونِ من الرَّوْ ... ضِ وما ضَنَّ بالإخَاذِ غُدُرْ
وفي بعض الحديث: وكان فيها إخاذات أمسكت الماء. يقال: شبهت الشيء بالشيء، ويعدي أيضا إلى مفعولين فيقال: شبهته كذا؛ وعليه ورد الحديث.
الفِئام: الجماعة التي فيها كثرة وسعة، من قولهم للهودج الذي فُئم أسفله، أي وسع، وللأرض الواسعة: الفئام. والمفام من الرحال: الواسع المزيد فيه بنيقتان، ومن الرجال: الواسع الجوف. أراد تفاضلهم في العلوم والمناقب.
* * * * في الحديث: لا تجعلوا ظهوركم كأخايا الدواب.
هي جمع آخية، وهي قطعة حبل تُدفن طرفاها في الأرض فتظهر مثل العروة فتشد إليها الدابة، وتسمى الآري والإدرون، وهذا الجمع على خلاف بنائها، كقولهم في جمع ليلة: ليال. وجمعها القياسي أواخي كأواري. وقياس الأخايا أخية كألية وألايا، كما أن قياس واحدة الليالي ليلاة.
أراد تقوسوها في الصلاة حتى تصير كهذه العُرى.
* * * * جوف الليل الآخر في " سم " .
* * * *
الهمزة مع الدال
النبي صلى الله عليه وسلم - قال للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه - وخطب امرأة - لو نظرت إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما.
الأدم والإيدام: الإصلاح والتوفيق. من أدم الطعام وهو إصلاحه بالإدام وجعله موافقاً للطعام.
لو هذه: في معنى ليت، والذي لاقى بينهما أن كل واحدة منهما في معنى التقدير. ومن ثم أجيبت بالفاء، كأنه قيل ليتك نظرت إليها فإنه، والغرض الحث على النظر. ومثله قولهم: لو تأتيني فتحدثني، على معنى ليتك تأتيني فتحدثني.
والهاء في قوله: فإنه راجعة إلى مصدر نظرت، كقولهم: من أحسن كان خيراً له.
وقوله: أن يؤدم: أصله بأن يؤدم، فحذفت الباء، وحذفها مع أنْ وأنّ كثير. والمعنى فإن النظر أولى بالإصلاح وإيقاع الأُلفة والوفاق بينكما، ويجوز أن تكون الهاء ضمير الشأن. وأحرى أن يؤدم جملة في موضع خبر أن.
* * * * نعم الإدام الخل.
هو اسم لكل ما يؤتدم به ويصطبغ، وحقيقته ما يؤدم به الطعام أي يُصلح، وهذا البناء يجيء لما يُفعل به كثيراً، كقولك: الرِّكاب لما يركب به، والحزام لما يحزم به؛ ونظائره جمَّة.
* * * * لما خرج إلى مكة عرض له رجل فقال: إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج. فقال: إن الله منع من بني مدلج لصلتها الرحم، وطعنهم في ألباب الإبل - وروى لبات.
الأدمة من الإبل: البياض مع سواد المقلتين.
عليك: من أسماء الفعل، يقال: عليك زيدا أي الزمه، وعليك به: أي خذ به، والمراد هاهنا أوقع ببني مدلج.
الألباب: جمع لبب، وهو المنحر، واللبة مثله، وقيل: جمع لب، وهو الخالص؛ يعني أنهم ينحرون خالصة إبلهم وكرائمها. ويجوز أن يكون جمع لبة على تقدير حذف التاء، كقولهم في جمع بدرة بدر وشدة أشد. وصفهم بالكرم وصلة الرحم وأنهم بهاتين الخصلتين استوجبوا الإمساك عن الإيقاع بهم.
* * * * أمير المؤمنين علي رضي الله عنه - سنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله؛ ما لقيت بعدك من الإدد والأود - وروى من اللدد! والإدة: الداهية، ومنها قوله تعالى: (لقد جئتمُ شَيْئاً إدّا). والأود: العوج. واللدد: الخصومة.
ما لقيت بعدك: يريد أي شيء لقيت! على معنى التعجب، كقوله:
يا جارتَا ما أنتِ جارهْ
ابن مسعود رضي الله عنه - إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلَّموا من مأدبته - وروى مأدبة الله فمن دخل فيها فهو آمن.
المأدبة: مصدر بمنزلة الأدب، وهو الدعاء إلى الطعام كالمعتبة بمعنى العتب. وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوكيرة والوليمة. وشبهها سيبويه بالمسربة، وغرضه أنها ليست كمَفْعَلة ومَفْعلة في كونهما بناءين للمصادر والظروف.
وفي حديث كعب رحمه الله: إنه ذكر ملحمة للروم، فقال: ولله مأدبة من لحوم الروم بمروج عكَّاء.
أي ضيافة للسباع.
وعكاء: موضع.
* * * * في الحديث: يوشك أن يخرج جيش من قبل المشرق آدى شيء وأعده، أميرهم رجل طوال أدلم أبرج.
آدي وأعد: من الأداة والعدة، أي أكمل شيء أداة، وأتمه عدة، وهما مبنيان من فِعْلٍ على تقدير فَعُل، وإن كان غير مستعمل، كما قال سيبويه في قولهم: ما أشهاها! بمعنى ما أفضلها في كونها مشتهاة: إنه على تقدير فَعُل وإن يُستعمل. ويجوز أن يكون من قولك: رجل مؤد: أي كامل الأدوات. أو من استعد على حذف الزوائد كقولهم: هو أعطاهم للدينار والدرهم. وهو آداهم للأمانة. ويجوز أن يكون الأصل آيد شيء وأعتده فقيل: آدى على القلب، كقولهم: شاكٍ في شائك. وأعدّ على الإدغام، كقولهم ودّ في وتدِ.
الطوال: البليغ الطول، والطوَّال أبلغ منه.
الأدلم الأسود، ومنه سمي الأرندج بالأدلم.
الأبرج: الواسع العين الذي أحدق بياض مقلته بسوادها كله لا يغيب منه شيء، ومنه التبرج وهو إظهار المرأة محاسنها. وسفينة بارجة لا غطاء عليها.
* * * * في الأُداف الدية كاملة.
هو الذّكر. فُعال من ودف إذا قطر، وقلبُ الواو المضمومة همزة قياس مطرد. قال:
أولْجتُ في كَعْثَبِهَا الأُدَافَا ... مِثْلَ الذِّرَاعِ يَمْتَرى النِّطَافَا
ويروى الأُذاف - بالذال المعجمة - من وذف، بمعنى قطر أيضا.
كاملة نصب على الحال، والعامل فيها ما في الظرف من معنى الفعل والظرف مستقر، ويجوز أن تُرفع على أنها خبر ويبقى الظرف لغواً.
* * * * آدمة في " قر " . أدبه في " نج " . فاستألها في " سو " . مؤدون في " قو " " آدم " في " هب " و " زه " .
* * * *
الهمزة مع الذال
النبي صلى الله عليه وسلم - ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن.
والأذن: الاستماع. ومنه قوله تعالى: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ). وقال عدي:
في سَمَاعٍ يَأْذَنُ الشَيْخُ لَهُ ... وحَدِيثٍ مثْلِ ماذِيٍّ مُشَار
المراد بالتغني: تحزين القراءة وترقيقها. ومنه الحديث: زينوا القرآن بأصواتكم.
* * * * وعن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه - أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الفتح. فقال: لولا أن يجتمع الناس لحكيت تلك القراءة وقد رجَّع. والمعنى بهذا الاستماع الاعتداد بقراءة النبي وإبانة مزيتها وشرفها عنده. ومنه قولهم: الأمير يسمع كلام فلان؛ يعنون أن له عنده وزنا وموقعا حسنا.
* * * * في الحديث: كل مؤذٍ في النار.
يريد أن كل ما يؤذي من الحشرات والسباع وغيرها يكون في نار جهنم عقوبة لأهلها. وقيل: هو وعيد لمن يُؤذي الناس.
وأما الأذى في قوله: الإيمان نيف وسبعون درجة أدناها إماطة الأذى عن الطريق؛ فهو الشوك والحجر وكل ما يؤذي المسالك.
وفي قوله في الصبي: أميطوا الأذى عنه؛ هو العقيقة تحلق عنه بعد أسبوع.
* * * * بين الأذانين في " قر " . الأذربيّ في " بر " .
* * * *
الهمزة مع الراء
النبي صلى الله عليه وسلم - أُتي بكتف مُؤَرَّبة فأكلها وصلى ولم يتوضأ.
هي الموفَّرَة التي لم يُؤخذ شيء من لحمها، فهي متلبسة بما عليها من اللحم متعقِّدة به؛ من أربت العقدة إذا أُحكمت شدّها.
من الناس من يوجب الوضوء بأكل ما مسته النار، وعن أهل المدينة أنهم كانوا يرون هذا الرأي، وهذا الحديث وأشباهه ردٌّ عليهم.
* * * * إن الإسلام ليأزر إلى المدينة كما تأزر الحية إلى جحرها.
أي تنضوي إليه وتنضم، ومنه الأروز للبخيل المنقبض.
وعن أبي الأسود الدؤلي: إن فلانا إذا سُئل أرز، وإذا دُعي انتهز - وروى اهتز.
* * * * قال يزيد بن شيبان: أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف بمكانٍ يباعده عمرو، فقال: أنا رسولُ رسولِ الله إليكم، اثبتوا على مشاعركم هذه، فإنكم على إرثٍ من إرث إبراهيم.
هو الميراث، وهمزته عن واو، كإشاح وإسادة، وهذا قياس عند المازني. من للتبيين، مثلها في قوله تعالى: (فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ).
المشاعر: مواضع النسك؛ لأنها معالم للحج.
* * * * أُتي بلبن إبل أوراك وهو بعرفة فشرب منه - أتاه به العباس.
أرَكَت الإبِلُ تَأْرِك وتَأْرُك: أقامت في الأراك؛ فُعِل ذلك ليعلم أصائم هو أم مفطر.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر بصيامه ولا أنهي عنه.
* * * * اشتكى إليه رجل امرأته، فقال: اللهم أرِّ بينهما - وروى أنه دعا بهذا الدعاء لعلي وفاطمة عليهما السلام.
التأرية: التثبيت والتمكين. ومنه الآري. وتقول العرب: أرِّ لفرسك وأوكد له؛ أي اشدد له آريا في الأرض؛ وهو المحبس من وتد أو قطعة حبل مدفونة.
والمعنى الدعاء بثبات الود بينهما.
* * * * قال له أبو أيوب رضي الله عنه: يا سول الله؛ دُلني على عمل يدخلني الجنة. فقال: أرِبَ ما له؟ تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم - وروى أَرِبٌ ماله! قيل في أرب: هو دعاء بالافتقار من الأرب، وهو الحاجة، وقيل: هو دعاء بتساقط الآراب؛ وهي الأعضاء.
وماله: بمعنى ما خطبه؟ وفيه وجه آخر لطيف؛ وهو أن يكون أرب مما حكاه أبو زيد من قولهم: أرِب الرجل إذا تشدد وتحكّر؛ من تأريب العقدة، ثم يتأول بمنع؛ لأن البخل منع، فيعدى تعديته، فيصير المعنى منعز ماله: دعاء عليه بلصوق عار البخلاء به ودخولهم له في غمار اللئام على طريقة طباع العرب، كقول الأشتر:
بًقَّيت وَفْرى وانحرفتُ عن العُلاَ ... ولقِيتُ أضيافي بوجْهِ عَبُوس
وكذلك حديث عمر رضي الله عنه: إن الحارث بن أوس سأله عن المرأة تطوف بالبيت، ثم تنفر من غير أن أَزِف طواف الصدر إذا كانت حائضاً. فأفتاه أن يفعل ذلك، فقال الحارث: كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: أربت عن ذي يديك.
وروى: أربت من ذي يديك؛ أتسألني وقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كي أخالفه؟ ومعناه مُنعت عما يصيب يديك وهو ماله.
ومعنى أربت من يديك: نشأ بخلك من يديك، والأصل فيما جاء في كلامهم من هذه الأدعية التي هي: قاتلك الله، وأخزاك الله، ولا درّ درك، وتربت يداك وأشباهها. وهم يريدون المدح المفرط والتعجب للإشعار بأن فعل الرجل أو قوله بالغٌ من الندرة والغرابة المبلغ الذي لسامعه أن يحسده وينافسه حتى يدعو عليه تضجرا أو تحسرا، ثم كثر ذلك حتى استعمل في كل موضع استعجاب؛ وما نحن فيه متمحض للتعجب فقط. ولتغيّر معنى قاتله الله عن أصل موضوعه غيروا لفظه، فقالوا: قاتعه الله وكاتعه.
ويجوز أن يكون على قول من فسر أَرِب بافتقر وأن يجري مجرى عدم فيعدّى إلى المال. وأما أَرِب فهو الرجل ذو الخبرة والفطنة. قال:
يَلُفُّ طَوائِفَ الفرسا ... ن وَهْوَ بِلَفِّهِمْ أَرِبُ
وهو خبر مبتدأ محذوف، تقديره هو أرب، والمعنى أنه تعجّب منه أو أخبر عنهبالفطنة أولاً ثم قال: ماله؟ أي لِمَ يستفتي فيما هو ظاهر لكل فًطن، ثم التفت إليه فقال: تعبد الله، فعدد عليه الأشياء التي كانت معلومة له تبكيتاً.
وروى أن رجلا اعترضه ليسأله فصاح به الناس فقال عليه السلام: دعوا الرجل أرب ماله؟ قيل معناه احتاج فسأل. ثم قال: ماله؟ أي ما خطبه يُصاح به - وروى دعوه فأَرب ما له: أي فحاجة ما له. وما إبهامية، كمثلها في قولك: أريد شيئاً ما.
* * * * ذكر الحيات فقال: من خشي إربهن فليس منا.
أي دهيهن وخبثهن، ومنه المواربة؛ والمعنى ليس من جملتنا من يهاب الإقدام عليهن ويتوقى قتلهن كما كان أهل الجاهلية يدينونه.
* * * * لا صيام لمن لم يؤرضه من الليل.
أي لم يهيئه بالنية، من أرضت المكان: إذا سويته، وهو من الأرض.
* * * * عن أبي سفيان بن حرب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يوفك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك الأريسيين، ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم...الآية.
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده اللجب، وارتفعت الأصوات.
الأريس والأريسي: الأكار. قال ابن الأعرابي: وقد أَرسَ يأْرِس أَرْساَ وأَرَّس. والمعنى أن أهل السواد وما صاقبه كانوا أهل فلاحة وهم رعية كسرى ودينهم المجوسية، فأعلمه أنه إن لم يؤمن - وهو من أهل الكاب - كان عليه إثم المجوس الذين لا كتاب لهم. فلما قال: يعني الرسول الذي أوصل الكتاب إليهم وقرأه على هرقل.
اللّجب: اختلاط الأصوات، وأصله من لجب البحر، وهو صوت التطام أمواجه.
* * * * إذا وقعت الأُرف فلا شفعة.
هي الحدود.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه: إنه خرج إلى وادي القرى، وخرج بالقسام، فقسموا على عدد السهام، وأعلموا أُرفها، وجعلوا السهام تجري؛ فكان لعثمان خطر، ولعبد الرحمن بن عوف خطر، ولفلان خطر، ولفلان نصف خطر.
الخطر: النصيب، ولا يُستعمل إلا فيما له قدر ومزية، يقال فلان خطير فلان، أي معادله في المنزلة.
* * * * وفي الحديث: أي مال اقتسم وأُرّف عليه فلا شفعة فيه.
أي أديرت عليه أُرف.
* * * * عمر رضي الله عنه - قال أسلم مولاه: خرجت معه حتى إذا كنا بحرة واقم فإذا نار تؤرّت بصرار، فخرجنا حتى أتينا صرارا فقال عمر: السلام عليكم يأهل الضوء، وكره أن يقول يأهل النار، أ أدنو؟ فقيل: ادن بخير أودع، قال: وإنذ هم ركب قد قصر بهم الليل والبرد والجوع، وإذا امرأة وصبيان، فنكص على عقبيه، وأدبر يهرول حتى أتى دار الدقيق، فاستخرج عدلا من دقيق، وجعل فيه كبة من شحم، ثم حمله حتى أتاهم، ثم قال للمرأة: ذرّي وأنا أحرُّ لك.
تأريث النار: إيقادها.
صرار: بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق.
أودع: يريد أودع الدنو إن لم يكن بخير.
وإذا هم: هي إذا المفاجأة. وهي اسم أي ظرف مكان، كأنه قال: وبحضرته هم ركب، والمعنى أنهم فجئوه عند دنوه.
قصر بهم: حبسهم عن السير.
الهرولة: سرعة المشي.
الكبة: الجروهق.
الذر: التفريق، يقال ذر الحب في الارض، وذر الدواء في العين.
والمراد ذري الدقيق في القدر.
أحُرُّ - بالضم: أتخذ حريرة، وهي حساء من دقيق ودسم.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - أزلزلت الأرض أم بي أرض.
هي الرعدة. قال ذو الرمة:
إذَا تَوَجَّسَ رِكْزاً مِنْ سَنَابكها ... أَوْ كانَ صاحبَ أرْض أَوْ بِهِ مُومُ
* * * * عائشة رضي الله عنها - كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبّل ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه.
والإرب: الحاجة. وقيل هو العضو، أرادت بملكه حاجته أو عضوه قمعه لشهوته.
* * * * عبد الرحمن بن يزيد رضي الله عنه - قال محمد ابنه: قلت له في إمرة الحجاج: يا أبة؛ أنغزو! فقال: يا بني لو كان رأي الناس مثل رأيك ما أُدي الاريان.
هو الخراج. قال الحيقطان:
وقلتم لَقَاحٌ لا تؤدِّي إِتاوةً ... وإعطاءُ أَرْيَان من الضُّر أَيْسَر
وكأنه فعلان من التأرية؛ لأنه شيء أكد على الناس وألزموه. وقيل الأشبه بكلام العرب أن يكون الأربان بالباء وهو الزيادة على الحق. يقال: أربان وعربان.
* * * * الشعبي رحمه الله - اجتمع جوار فأرنّ وأشرن ولعبن الحزقَّة.
الأرن: النشاط، ومهر أرن. ومنه قول زيد بن عدي للنعمان: لقد عقدت لك آخية لا يحلها المهر الأرن.
الحزقة: لعبة، من التحزق وهو التقبض.
* * * * عون رحمه الله - ذكر رجلا فقال: تكلم فجمع بين الأروى والنعام. أي بين كلامين متباعدين؛ لأن الأروى جبلية والنعام سهلية.
وفي أمثالهم: ما يجمع بين الأروى والنعام؟ * * * * في الحديث: مؤاربة الأريب جهل وعناء.
وهي المداهاة والمخاتلة، من الإرب وهو الدهاء والنكر. يريد أن العاقل لا يُخدع.
كيف تبلغك صلاتنا وقد أرمت.
* * * * قيل: معناه بليت.
* * * * كمثل الأرزة في " خو " . جعلت عليه آراما في " سر " . ذي أروان في " طب " . مس أرنب في " غث " . كما تتوقل الأروية في " وق " . والأرف تقطع في " فح " . إربة أربتها في " حو " . أرز في " هي " . الأرنبة والأرينة في " قل " . أرن في " ري " . أرز الكلام في " جد " .
* * * *
الهمزة مع الزاي
النبي صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. هو الغليان.
المرجل، عن الأصمعي: كل قدر يُطبخ فيها من حجارة أو خزف أو حديد. وقيل: إنما سمي بذلك لأنه إذا نُصب فكأنه أُقيم على أرجل.
في حديث كسوف الشمس - قال: فدفعنا إلى المسجد، فإذا هو بأزز - وروى: يتأزز، وذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه خطب وذكر خروج الدجال، وأنه يحصر المسلمين في بيت المقدس، قال: فيؤزلون أزلا شديداً.
الأزز: الامتلاء والتضام.
وعن أبي الجزل الأعرابي: أتيت السوق فرأيت النساء أززاً. قيل: ما الأزز؟ قال: كأزز الرمانة المحتشية.
يتأزز: يتفعل من الأزيز، وهو الغليان؛ أي يغلي بالقوم لكرتهم.
الإحصار: الحبس.
يؤزلون: يضيق عليهم. يقال: أزلت الماشية والقوم: حبستهم وضَّيقت عليهم.
وأزلوا: قحطوا.
* * * * في حديث المبعث - قال ورقة بن نوفل: إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. أي قوياً، من الأزر وهو القوة والشدة، ومنه الإزار؛ لأن المؤتزر يشد به وسطه، ويحكى صلبه، من قوله:
فَوْقَ مَنْ أَحْكَأَ صُلْباً بإزَارِ
وأزرت الرجل: شددت عليه الإزار. فكأن المؤزر مستعار من هذا، ومعناه المشدد المقوي. قال جواس:
وأيامَ صدق كلَّها قد علمتم ... نصرنا ويوم المَرْج نصراً مُؤَزّرا
* * * * قال للأنصار ليلة العقبة: أُبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه أُزرنا.
كنى عن النساء بالأزر كما كنى عنهن باللباس والفرش. وقيل: أراد نفوسهم من قوله:
أَلاَ أَبْلِغ أبا حَفْصٍ رَسُولاً ... فِدىً لَك من أَخِي ثِقَةٍ إِزَارِي
وهذا كما قيل في قول ليلى:
رَمَوْها بأَثوابٍ خفاف فلَنْ تَرَى ... لها شبها إلا النَّعامَ المنفَّرا
أرادت النفوس.
* * * * كان إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله وشد المئزر - وروى: ورفع المئزر. أي أيقظهم للصلاة واعتزل النساء، فجعل شد الإزار كناية عن الاعتزال كما يُجعل حله كناية عن ضد ذلك. قال الأخطل:
قومٌ إذا حاربُوا شَدُّوا مَآزرهم ... دون النساءِ ولو باتت بأطْهَار
ويجوز أن يراد تشميره للعبادة، ومن شأن المشمر المنكمش أن يقلص إزاره ويرفع أطرافه ويشدها. وقد كثر هذا في كلامهم حتى قال الراجز في وصف حمار وحشٍ ورد ماءً:
شَدَّ على أَمْرِ الورُودِ مِئزَرَهْ ... لَيْلاً وما نَادَى أَذِينُ اَلمَدَرَهْ
* * * * اختلف من كان قبلنا على ثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرها؛ فرقة آزت الملوك وقاتلهم على دين الله ودين عيسى حتى قُتلوا. وفرقة لم تكن لهم طاقة بمؤازاة الملوك، فأقاموا بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى؛ فأخذتهم الملوك فقتلتهم وقطعتهم بالمناشير. وفرقة لم تكن لهم طاقة بمؤازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهراني قومهم فيدعوهم إلى دين الله ودين عيسى فساحوا في الجبال وترهبوا، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا).
المؤازاة: المقاومة، من قولك، هو إزاء مال، أي قائم به.
سائرها: باقيها، اسم فاعل من سأر إذا بقى، ومنه سؤر. وهذا مما تغلط فيه الخاصة فتضعه موضع الجميع.
أقام فلان بين أظهر قومه وظهرانيهم: أي أقام بينهم.
وإقحام الأظهر: وهو جمع ظهر - على معنى أن إقامته فيهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم. وأما ظهرانيهم فقد زيدت فيه الألف والنون على ظهر عند النسبة للتأكيد، كقولهم: في الرجل العيون نفساني وهو نسبة إلى النفس بمعنى العين، والصيدلاني والصيداني منسوبان إلى الصيدب والصيدن، وهما أصول الأشياء وجواهرها. فألحقوا الألف والنون عند النسبة للمبالغةن وكأن معنى التثنية أن ظهراً منهم قدامة وآخر وراءه، فهو مكنوف من جانبيه، هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقاً وإن لم يكن مكنوفا.
* * * * أبو بكر - رضي الله عنه - قال للأنصار يوم سقيفة بني ساعدة: لقد نصرتم وآزرتم وآسيتم.
أي عاونتم وقوّيتم.
آسيتم: وافقتم وتابعتم؛ من الأسوة وهي القدوة.
* * * * نظرت يوم أُحد إلى حلقة درع قد نشبت في جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكببت لأنزعها، فأقسم علي أبو عبيدة فأزم بها بثنيته فجذبها جذباً رفيقاً.
الأزم والأرم: العض. ويقال للأسنان: الأُزَّم والأُرّم.
عمر - رضي الله عنه - سأل الحارث بن كلدة: ما الدواء؟ فقال: الأَزم. هو الحمية. ومنه الأزمة من المجاعة والإمساك عن الطعام.
* * * * فأَزم القوم في " حف " . عام أزبة في " صف " . مؤزلة في " صب " . أزب في " ول " . أزلكم في " ال " . متزر في " كس " . بإزاء الحوض في " شب " . إزر صاحبنا في " حش " . فأزم عليها في " هت " .
* * * *
الهمزة مع السين
النبي صلى الله عليه وسلم - سُئل عن موت الفجأة. فقال: راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر.
أي أخذة سخط، من قوله تعالى: (فَلَّما آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ). وذلك لأن الغضبان لا يخلو من حزن ولهف، فقيل له أسف. ثم كثر حتى استعمل في موضع لا مجال للحزن فيه.
وهذه الإضافة بمعنى من كخاتم فضة؛ ألا ترى أن اسم السخط يقع على أخذة وقوع اسم الفضة على خاتم. وتكون بمعنى اللام نحو قوله: قول صدق ووعد حقٍ.
* * * * ومنه حديث النخعي رحمه الله: إن كانوا ليكرهون أخذة كأخذة الأسف. إن هذه هي المخففة من الثقيلة، واللام للفرق بينها وبين إن النافية. والمعنى إنه كانوا يكرهون؛ أي إن الشأن والحديث هذا.
* * * * أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبة في الدنيا معروفا، فإذا حال بينه وبينه ما هو أولى به استرجع ثم قال: رب آسني لما أمضيت، وأعني على ما أبقيت - وروى أسني مما أمضيت - وروى أثبني على ما أمضيت.
التأسية: التعزية، وهي تحريض المصاب على الأسى والصبر. والمعنى امنحني الصبر لأجل من مضيته. وإنما قال " ما " ذهاباً إلى الصفة.
أُسني من الأوس وهو العوض. قال رؤبة:
يا قائد الجيش وزيد المجلس ... أُسْنِي فقد قلّت رفَادُ الأَوْسِ
على ما أبقيت: أي على شكره، فحذف. استمنحه الصبر على الماضي أو الخلف عنه، واستوزعه الشكر على الباقي.
أيغلب: من غلب فلان عن كذا إذا سلبه وأخذ منه.
والأصل على أن يصاحب فحُذف، وحذف حرف الجر مع أن شائع كثير، ومعناه أتؤخذ منه استطاعة ذلك حتى لا يفعله.
التصغير في الصويحب بمعنى التقريب وتلطيف المحل.
معروفا: أي صحابا مرضيا تتقبله النفوس فلا تنكره ولا تنفر عنه.
ما هو أولى به: أي أخلق به من صحبته، وهو الانتقال إلى جوار ربه.
* * * * كتب: من محمد رسول الله لعباد الله الأسديين؛ ملوك عُمان وأسد عُمان، من كان منهم بالبحرين - وروى الأسبذين.
أهل العلم بالنسب يقولون في القبيلة التي من اليمن التي تسميها العامة الأزد: الأسد. والأسبذون: كلمة أعجمية معناها عبدة الفرس. وكانوا عبدون فرساً، والفرس بالفارسية أسب.
* * * * عمر رضي الله عنه - إن رجلاً أتاه فذكر أن شهادة الزور قد كثرت في أرضهم، فقال: لا يؤسر أحد في الإسلام بشهداء السوء، فإنا لا نقبل إلا العدول.
أي لا يُسجن، وفسر قوله تعالى: (وَيَتِيماً وَأسِيرا)؛ بالمسجون.
* * * * علي رضي الله عنه - لا قود إلا بالأسل.
هو كل حديد رهيف من سنان وسيف وسكين. والأسل في الأصل الشوك الطويل فشبه به، والمؤسل المحدد. قال مزاحم:
تُبَارى سَدِيسَاها إذا ما تَلَمَّجَتْ ... شباً مِثْل إبْزِيم السِّلاَحِ المُؤَسَّلِ
* * * * عائشة رضي الله عنها - قالت حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه الذي مات فيه: إن أبا بكر رجل أسيف، ومتى يقم مقامك لا يقدر على القراءة.
هو السريع الحزن والبكاء، فعيل بمعنى فاعل من أسف، كحزين من حزن، ويقال: أسُوف أيضاً.
* * * * خالد الربعي رحمه الله - إن رجلا من عباد بني إسرائيل أذنب ذنباً ثم تاب، فثقب رقوته فجعل فيها سلسلة، ثم أوثقها إلى آسية من أواسي المسجد.
هي السارية، قال النابغة:
فإنْ تَكُ قَدْ وَدَّعْتَ غَيْرَ مُذَمَّمٍ ... أوَاسِيَ مُلْكٍ أثْبَتَتْها الأوَائِلُ
سميت آسية لأنها صلح السقف وتقيمه بعمدها إياه، من أسوت بين القوم: إذا أصلحت بينهم.
* * * * ثابت البناني رحمه الله - كان داود عليه السلام إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله، فلا يشدها إلا الأسر.
أي العصب.
* * * * إن خرج أسد في " غث " . ذا الأسد في " بج " . فأسن في " خش " . يأسن في " نه " . إسافا في " ري " . الأسامات في " حو " . هذه الأواسي في " قل " . والأسفاء في " عس " . وآسيتم في " أز " .
* * * *
الهمزة مع الشين
النبي صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فرفع بهاتين الآيتين صوته: (يأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيٌء عَظِيم). فتأشب أصحابه حوله وأبلسوا حتى ما أوضحوا بضاحكة.
أي التفوا عليه، من أشب الشجر وهو التفافه.
ومنه حديثه: إن ابن أم مكتوم قال له: إني رجل ضرير، وبيني وبينك أشبٌ فرخّص لي في العشاء والفجر. قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، فلم يرخص له.
أراد التفاف النخل.
أبلسوا: سكنوا، ومنه الناقة المبلاس، وهي التي لا ترغو من شدة الضبعة. وإنما قيل لليائس عن الشيء مبلس؛ لأن نفسه لا تحدثه بعقد الرجاء به.
حكى عن الزجاج أوضح: بمعنى وضح، ويقال للمُقبل: من أين أوضحت؟ أي من أين طلعت؟ والمعنى ما طلعوا بضاحكة؛ وهي واحدة الضواحك من الأسنان؛ أي ما أظلعوا ضاحكة، والضاحك أشيع.
* * * * كان إذا رأى من أصحابه بعض الأشاش مما يعظهم.
همزته مبدلة من هاء الهشاش؛ كما قيل في ماهٍ: ماء. وتلحقه التاء كما يقال: الهشاشة. " ما " في مما يعظهم: مصدرية، وقبلها مضاف محذوف؛ أي كان من أهل موعظتهم إذا رآهم نشيطين لها، ويجوز أن تكون موصولة مقامة مقام من إرادة لمعنى الوصفية.
* * * * الأشاء تين في " بر " . مؤتشب في " دي " . تأشبوا في " صو " .
* * * *
الهمزة مع الصاد
النبي صلى الله عليه وسلم - قال له عمر: يا رسول الله؛ أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب، وخضعت له الأجساد؛ ما هو؟ قال: ظل الله في الأرض، فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر، واذا أساء فعيه الإصر وعليكم الصبر.
هو الثقل الذي يأصر حامله؛ أي يحبسه في مكانه لفرط ثقله، والمراد الوزر العظيم. ومنه حديث ابن عمر: من حلف على يمين فيها إصر فلا كفارة لها.
قيلك هو أن يحلف بطلاق أو عتاق أو مشي أو نذر. وكل واحد من هذه فيه ثقل فادح إلى الحالف؛ لأنه لا يتفصى عنه بكفارة كما يتفصى بها عن القسم بالله تعالى. وإنما قيل للعهد إصر؛ لأنه شيء أُصر: أي عُقد.
* * * *
معاوية رضي الله عنه - بلغه أن صاحب الروم يريد أن يغزو بلاد الشام أيام فتنة صفين، فكتب إليه يحلف بالله لئن تممت على ما بلغني من عزمك لأصالحن صاحبي، ولأكونن مقدمته إليك؛ فلأجعلن القسطنطينية البخراء حمة سوداء ولأنتزعنك من الملك انتزاع الإصطفلينة، ولأردنك إريساً من الأرارسة ترعى الدّوابل.
هي الجزرة شامية، والجمع بحذف التاء.
ومنه حديث القاسم بن مخيمرة رحمه الله تعالى: إن الوالي لينحت أقاربه أمانته كما تنحت القدوم الإصطفلينة، حتى تخلص إلى قلبها.
مرّ الإريس في " أر " .
الدوابل: جمع دوبل، وهو الخنزير، وقيل الجحش.
تم على الأمر: إذا استمر عليه وتممه، كما يقال: مضى على ما عزم إذا أمضاه.
اللام في لئن هي الموطئة للقسم، وقد لف القسم والشرط ثم جاء بقوله: لأصالحن؛ فوقع جواباً للقسم وجزاءً للشرط دفعةً.
المقدمة: الجماعة التي تتقدم الجيش؛ من قدَّم بمعنى تقدَّم، وقد استعيرت لأول كل شيء فقيل منه: مقدمة الكتاب ومقدمة الكلام؛ وفتح الدال خلف.
* * * * أصلة في " زه " . بالأصطبة في " عل " . الإصر في " وص " .
* * * *
الهمزة مع الضاد
النبي صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل وهو عند أضاة بني غفار، فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تقري أمتك على سبعة أحرف.
هي الغدير.
الأحرف: الوجوه والأنحاء التي ينحوها القراء، يقال: في حرف ابن مسعود كذا؛ أي في وجهه الذي ينحرف إليه من وجوه القراءة.
ومنه حديثه الآخر: نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كافٍ شافٍ فاقرءوا كما علمتم.
* * * *
الهمزة مع الضاد
النبي صلى الله عليه وسلم - ذكر المظالم التي وقعت يها بنو إسرائيل والمعاصي، فقال: لا، والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم وتأطروه على الحق أَطراً.
الأطر: العطف، ومنه إطار المنخل. قال طرفة:
كأنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفَانِها ... وَأَطْرَ قِسيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ
حتى متعلقة بلا، كأن قائلا قال له عند ذكره مظالم بني إسرائيل: هل نعذر في تخلية الظالمين وشأنهم؟ فقال: لا حتى تأخذوا. أي لا تعذرون حتى تجبروا الظالم على الإذعان للحق، وإعطاء النصفة للمظلوم؛ واليمين معترضة بين لا وحتى، وليست لا هذه بتلك التي يجيء بها المقسم تأكيداً لقسمه.
* * * * لما خرج صلى الله عليه وسلم إلى أُحد جعل نساءه على أطم، قال صفية بنت عبد المطلب: فأطلّ علينا يهودي فقمت فضربت رأسه بالسيف، ثم رميت به عليهم؛ فتقضقضوا وقالوا: قد علمنا أن محمداً لم يترك أهله خلوفا.
الأطم: الحصن. ومنه حديثه: إنه انطلق في رهط من أصحابه قبل ابن صياد، فوجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد له: أشهد أني سول الله؟ فرصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: آمنت بالله ورسوله.
ومنه حديث بلال: إنه كان يؤذن على أطم في دار حفصة يرقى على ظلفات أقتاب مغرزة في الجدار.
أطل: أشرف، وحقيقته أوفى بطلله وهو شخصه، وأما أظله فمعناه ألقى عليه ظله، يقال: أظلتهم السحابة والشجرة. ثم اتُّسِع فيه فقيل: أظله أمر، وأظلنا شهر كذا؛ والفرق بينهما أن أظل متعد بنفسه، وأطل يعدَّى بعلى.
تقضقضوا: تفرقوا، وهو من معنى القضّ لا من لفظه.
خلوفا: أي خالين من حامٍ. يقال: القوم خلوف إذا غابوا عن أهاليهم لرعي وسقي، كأنه جمع خالف وهو المستقي. ويقال لمن تُركوا في الأهالي: خلوف أيضا؛ لأنهم خلفوهم في الديار؛ أي بقوا بعدهم.
رصه: ضغطه وضم بعضه إلى بعض.
الظلفات: الخشبات الأربع التي تقع على جنبي البعير.
* * * * أنس رضي الله عنه - قال ابن سيرين: كنت معه في يوم مطير حتى إذا كنا بأطط والأرض فضفاض صلى بنا على حمار صلاة العصر، يومئ برأسه إيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
هو موضع بين البصرة والكوفة.
فضفاض: من قولهم: الحوض ملآن يتفضفض؛ أي يفيض من نواحيه امتلاء، أراد كثرة المطر، وإنما ذكره لأنه أراد واد أو أبطح فضفاض، أو تأول الأرض بالمكان كقوله:
ولا أرضَ أَبْقَلَ إبْقَالها
وقد سهل أمره أنه كان صفة فليس له فعل كأسماء الفاعلين والصفات المشبهة، فضرب له هذا سهماً في شبه الأسماء الجامدة.
مطير: فعيل بمعنى فاعل، لقولهم: ليلة مطيرة، كأنه مطر فهو مطير، كقولهم: رفيع وفقير من رفع وفقر المتروك استعمالها.
* * * * عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - سئل عن السنّة في قص الشارب، فقال: أن تقصّه حتى يبدو الإطار.
هو حرف الشفة المحيط بها.
* * * * في الحديث: أطَّت السماء، وحق لها أن تئط؛ فما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد.
الأطيط: الحنين والنقيض، والمعنى أن كثرة ما فيها من الملائكة أثقلتها حتى أنقضتها، وهذا مثلٌ وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثمة أطيط.
* * * * أهل أطيط في " غث " . فأطره في " وط " . وأتطى العشاء في " وط " .
* * * *
الهمزة مع الفاء
النبي صلى الله عليه وسلم - قال لبشير ابن الخصاصية: ممن أنت؟ قال: من ربيعة. قال: أنتم تزعمون لو لا بيعة لائتفكت الأرض بمن عليها.
اب لانقلبت بأهلها، من أفكه فائتفك. ومنه الإفك: وهو الكذب؛ لأنه مقلوب عن وجهه، والمعنى: لولا هم لهلك الناس.
تزعمون بمعنى تقولون، ومفعولها الجملة بأسرها.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - نعم الفارس عويمر غير أُفَّةٍ.
أي غير جبان، وهو من قولهم: أف له أي نتنا ودفرا، يقوله المتضجر من الشيء، فكأن أصله غير ذي أفةٍ؛ أي غير متأفف من القتال. وقولهم للجبان: يأفوف من هذا أيضا، وغير خبر مبتدأ محذوف تقديره هو غير أُفّة.
وأما حديث: فألقى طرف ثوبه على أنفه ثم قال: أُفّ أفّ - فهو اسم للفعل الذي هو أتضجر أو أتكره مبني على الكسر.
* * * * الأحنف - رضي الله عنه - خرجنا حجاجاً، فمررنا بالمدينة أيام قتل عثمان، فقلت لصاحبي: قد أفد الحجُّ، وإني لا أرى الناس إلا قد نشبوا في قتل عثمان، ولا أراهم إلا قاتليه.
أفد: حان وقته. قال النابغة:
أَفِد الترحُّل غيرَ أنّ رِكابنا ... لمَّا تَزُل برحالنا وكأنْ قَدِ
نشبوا: أي وقعوا فيه وقوعا لا منزع لهم عنه.
* * * * أفَّاف في " بج " . والأفن في " سأ " . المؤتفكات في " رس " . أَفيقة في " دب " . أفيق في " سف " .
* * * *
الهمزة مع القاف
أقط في " ثو " . أفطاً أم تمرا في " شع " .
* * * *
الهمزة مع الكاف
النبي صلى الله عليه وسلم - قال بعض بني عذرة: أتيته بتبوك، فأخرج إلينا ثلاث أُكل من وطيئة.
جمع أُكلة وهي القرص.
الوطيئة: القعيدة. وهي الغرارة التي يكون فيها الكعك والقديد؛ سميت بذلك لأنها لا تفارق المسافر، فكأنها تواطئه وتقاعده.
* * * * النبي صلى الله عليه وسلم - ما زالت أُكلة خيبر تُعادُّني، فهذا أوان قطعت أبهري.
هي اللقمة.
المعادة: معاودة الوجع لوقت معلوم. وحقيقتها أنه كان يحاسب صاحبه أيام الإفاقة، فإذا تم العدد أصابه، والمراد عادَّته أُكلة خيبر فحذف.
الأبهر: عرق مستبطن في الصلب والقلب متصل به، فإذا انقطع مات صاحبه. قال:
وللْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الغُلامِ وَرَاءَ الغَيْبِ بالحَجَرِ
أوان: يجوز فيه البناء على الفتح، كقوله:
على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصّبا
* * * * نهى عن المؤاكلة.
هي أن يتحف الرجل غريمه فيسكت عن مطالبته؛ لأن هذا يأكل المال وذلك يأكل التحفة فهما يتآكلان.
* * * * أُمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب.
أي يفتح أهلها القرى ويغنمون أموالها؛ فجعل ذلك أكلاً منها للقرى على سبيل التمثيل، ويجوز أن يكون هذا تفضيلا لها على القرى، كقولهم: هذا حديث يأكل الأحاديث. وأسند تسميتها يثرب إلى الناس تحاشيا من معنى التثريب. وكان يسميها طيبة وطابة.
يقولون: صفة للقرية، والراجع منه إليها محذوف والأصل يقولون لها.
* * * * عمر رضي الله عنه - الله ليضربن أحدكم أخاه بمثل آكلة اللحم، ثم يرى أني لا أُقيده منه، والله لاقيدنه منه.
قيل: هي السكين، وأكلها اللحم: قطعها له، ومثلها العصا المحددة أو غيرها. وقيل: هي النار، ومثلها السياط؛ لإحراقها الجلد.
الله: أصله أبا الله، فأضمر الباء، ولا تُضمر في الغالب إلا مع الاستفهام.
يرى: يظن.
* * * * في الحديث: لُعن آكل الربا ومؤاكله.
أي معطيه.
* * * *
لا تشربوا إلا من ذي إكاء.
أي من سقاء له إكاء، وهو الوكاء.
* * * * الأكولة في " غذ " . الأُكرة في " زق " . المأكمة في " زو " . أُكلها في " زف " . ألة أو أكلتين في " شف " . مأكول في " هب " .
* * * *
الهمزة مع اللام
النبي صلى الله عليه وسلم - عجب ربكم من أَلِّكُم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم. وروى: من أزلكم.
الألّ والأَلَل والأَليل: الأنين ورفع الصوت بالبكاء.
والمعنى أن إفراطكم في الجؤار والنحيب، فعل القانطين من رحمة الله، مُستغرب مع ما ترون من آثار الرأفة عليكم، ووشك الاستجابة لأدعيتكم.
والأزل: شدة اليأس.
* * * * ويل للمتألين من أمتي.
قيل: هم الذين يحلفون بالله متحكمين عليه فيقولون: والله إن فلانا في الجنة وإن فلانا في النار.
ومنه حديث ابن مسعود: إن أبا جهل قال له: يابن مسعود لأقتلنك. فقال: من يتأل على الله يكذِّبه. والله لقد رأيت في النوم أني أخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك، ورأيتني أضرب كتفيك بنعل، ولئن صدقت الرؤيا لأطأن على رقبتك، ولأذبحنك ذبح الشاة.
لأقتلنك: جواب قسم محذوف، معناه والله لأقتلنك، ولهذا قال: من يتأل على الله يكذّبه؛ أي من يقسم به متحكما عليه لم يصدّقه الله فيما تحكم به عليه، فخّيب مأموله.
الحدجة: ما صلب واشتد ولما يستحكم إدراكه من الحنظل أو البطيخ.
* * * * إن الناس كانوا علينا ألباً واحدا.
فيه وجهان: أحدهما أن يكون مصدراً، من ألب إلينا المال إذا اجتمع، أو من ألبناه نحن إذا جمعناه، أي اجتماعا واحدا أو جمعا واحدا. وانتصابه إما على أنه خبر كان على معنى ذوي اجتماع أو ذوي جمع، وإما على أنه مصدر ألّبوا الدال عليه: كانوا علينا؛ لأن كونهم عليهم في معنى التألب عليهم والتعاون على مناصبتهم. والثاني: أن يكون معناه يدا واحدة، من الإلب وهو الفتر. قال حسان:
والنَّاسُ إلْب علينا فيك ليس لنَا ... إلا السُّيوف وأَطْرَاف القَنَا وَزَرُ
تفل في عين علي، ومسحها بألية إبهامه.
* * * * هي اللحمة التي في أصلها، كالضرة في أصل الخنصر.
* * * * عمر رضي الله عنه - قال له رجل: اتق الله يا أمير المؤمنين. فسمعها رجل فقال: أتألت على أمير المؤمنين؟ فقال عمر رضي الله عنه: دعه فلن يزالوا بخير ما قالوها لنا.
يقال: ألته يمينا إذا أحلفه، وتقول العرب: ألتك بالله لما فعلت. وإذا لم يعطك حقك فقّيده بالألت. وهو من ألته حقّه إذا نقصه؛ لأن من أحلفك فهو بمنزلة من أخذ منك شيئاً ونقصك إياه. ولما كان من شأن المحلف الجسارة على المحرج إلى اليمين والتشنيع عليه قال: أتألت على أمير المؤمنين؟ بمعنى أتجسر وتشنّع عليه فعل الآلت؛ والضمير في " فسمعها، وقالوها " للمقالة التي هي: اتق الله.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - لقد علمت قريش أن أول من اخذ لها الإيلاف وأجاز لها العيرات لهاشم.
الإيلاف: الحبل؛ أي العهد لذي أخذه هاشم بن عبد مناف من قيصر وأشراف أحياء العرب لقومه بألا يتعرض لهم في مجتازاتهم ومسالكهم في رحلتهم. وهو مصدر من آلفة بمعنى ألفة؛ لأن في العهد ألفة واجتماع كلمة، ويقال له أيضاً: إلف وإلاف. قال:
زَعَمْتم أنّ إخْوَتَكم قُرَيْشٌ ... لهمْ إلْف ولَيْسَ لَكم إلاَفُ
العيرات: جمع عير. قال الكميت:
عِيرات الفِعال والحَسب الَعْو ... دِ إليهم مَحْطُوطةُ الاعْكَامِ
قال سيبويه: أجمعوا فيها على لغة هذيل، يعني تحريك الياء في مثل قوله:
أَخُو بَيَضَاتٍ رائحٌ مُتَأَوِّبُ
وكان القياس التسكين، وأن يقال عيرات كما يقال بيضات.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يقوم له الرجل من إليته - وروى من لية نفسه - وروى من ليته، فما يجلس في مجلسه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يقيمن أحدكم أخاه فيجلس في مكانه.
الإلية والليلة: كلتاهما فعلة من ولى، فقلبت الواو همزة أو حذفت.
والمعنى: كان يلي القيام طيبة به نفسه من غير أن يغصب عليه، ويُجبر على الانزعاج من مجلسه.
وأما الليلة فالأقرباء الأدنون من الليّ؛ لأن الرجال ينتطق بهم، فكأنه يلويهم على نفسه.
ومعناه: كان يقوم له الرجل الواحد من أقاربه. ويقال في الأقارب أيضاً: لية بالتخفيف من الولي وهو القرب.
* * * *
ابن عمر رضي الله عنهما - ذكر البصرة فقال: أما إنه لا يخرج أهلها منها إلا الأُلبة.
هي المجاعة، من التألب وهو التجمع؛ لأنهم في القحط يخرجون جماعة إلى الأمتيار.
* * * * البراء رضي الله عنه - السجود على أليتي الكفِّ.
أراد ألية الإبهام وضرة الخنصر، فغلَّب؛ كقولهم: العمران والقمران.
* * * * وهيب رضي الله عنه - إذا وقع العبد أُلْهَانِيَّةِ الربِّ، ومهمينية الصديقين، ورهبانية الأبرار لم يجد أحداً يأخذ بقلبه ولا تلحقه عينه.
هذه نسبة إلى اسم الله عز وعلا، إلا أنه وقع فيها تغيير من تغييرات النسب واقتضاب صيغة، ونظيرها الرجولية في النسبة إلى الرجل؛ والقياس إلهية ورُجليه كالمهيمنية والرهبانية في النسبة إلى المهيمن والرَّهبان؛ والرهبان: هو الراهب فعلان من رهب كغضبان من غضب.
والمهيمن: أصله مؤيمن، مفيعل من الأمانة، والمراد الصفات الإلهية والمعاني لمهيمنية والرهبانية؛ أي إذا علق العبد أفكاره بها وصرف همه إليها أبغض الناس، حتى لا يميل قلبه إلى أحد ولا يطمح طرفه نحوه.
* * * في الحديث: اللهم إنه نعوذ بك من الألس والألق والكبر والسخيمة.
الألس: اختلاط العقل، قال المتلمس:
إني إذن لضعيفُ الرأي مَأْلُوس
وقيل: الخيانة، قال الأعشى:
هُمُ السَّمنُ بالسَّنُّوتِ لاَ أَلْسَ فيهمُ
الألق: الجنون، ألقَ فهو مأْلوق. وقيل: الكذب، أَلقَ يأْلِق فهو آلِق: إذا انبسط لسانه بالكذب. السخيمة: الحقد.
* * * أل الله الأرض في " هض " . وهو إليك في " خش " . اللهم إليك في " ور " . تؤلتوا أعمالكم في " حب " . وفي الأل في " غث " . لم يخرج من أل في " نق " . المآلي في " أب " ألا وألى في " أو " لم آله في " ثم " . إيلاء في " حد " . الألوة في " لو " . علمي إلى علمه في " قر " .
* * *
الهمزة مع الميم
النبي صلى الله عليه وسلم - إن الله تعالى أوحى إلى شعيا أني أبعث أعمى في عميان وأميًّا في أميين؛ أُنزل عليه السكينة وأُؤيده بالحكمة، لو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه، ولو يمر على القصب الرَّعراع لم يُسمع صوته.
نسب الأُمي إلى أمة العرب حين كانوا لا يُحسنون الخطّ ويخطّ غيرهم من سائر الأمم، ثم بقي الاسم وإن استفادوه بعد. وقيل: نسب إلى الأم، أي كما ولدته أمه.
السكينة: الوقار والطمأنينة. فعيلة من سكن كالغفيرة من غفر. وقيل لآية بني إسرائيل سكينة؛ لسكونهم إليها.
الرَّعراع: الطويل المهتز، من ترعرع الصبي وهو تحركه وإيفاعه، ومن ترعرع السراب وهو اضطرابه. وصف بأنه بلغ من توقره وسكون طائره أنه لا يُطفئ السراج مروره به ملاصقا له، ولا يحرك القصب الطويل الذي يكاد يتحرك بنفسه حتى يسمع صوت تحركه.
* * * كان يحب بلالاً ويمازحه، فرآه يوماً وقد خرج بطنه فقال: أم حُبين.
هي عظاية لها بطن بارز؛ من الحبن وهو عظم البطن.
إن أميري من الملائكة جبريل.
هو فعيل من المؤامرة وهي المشاورة، قال زهير:
وقال أميري ما ترى رأْيَ ما نَرَى ... أَنختله عن نفسه أم نصاوله
ومثله العشير والنزيل بمعنى المعاشر والمنازل، وهو من الأمر لأن كل واحد منهما يباث صاحبه أمره، أو يصدر عن رأيه وما يأمر به. والمراد ولييِّ وصاحبي الذي أفزع إليه.
* * * ابن مسعود رضي الله عنه - لا يكونن أحدكم إمّعة. قيل: وما الإمعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع الناس.
وعنه: اغد عالماً أو متعلماً ولا تغد إمعة.
وعنه: كنا نعدُّ الإمعة في الجاهلية الذي يتبع الناس إلى الطعام من غير أن يُدعى؛ وإن الإمعة فيكم اليوم المُحقب الناس دينه.
الإمعة: الذي يتبع كلَّ ناعقٍ ويقول لكل أحد: أنا معك؛ لأنه لا رأي له يرجع إليه. ووزنه فعَّلة كدمنة، ولا يجوز الحكم عليه بزيادة الهمزة؛ لأنه ليست في الصفات إِفعلة، وهي في الأسماء أيضا قليلة.
المُحقب: المردف، من الحقيبة وهي كل ما يجعله الراكب خلف رحله. ومعناه المقلّد الذي جعل دينه تابعاً لدين غيره بلا روية ولا تحصيل برهان.
* * * حذيفة رضي الله عنه - ما منا إلا رجل به آمة يبجسها الظُّفُر.
هي الشجة التي تبلغ أم الرأس، والمأمومة مثلها. يقال: أممت الرجل بالعصا إذا ضربت أم رأسه؛ وهي الجلدة التي تجمع الدماغ كقولك: رأسته وصدرته وظهرته: إذا ضربت منه هذه المواضع؛ فالأم: الضرب، والمأمونة: أم الرأس. وإنما قيل للشجة آمة ومأمومة بمعنى ذات أم، كقولكم: عيشة راضية، وسيل مفعم.
وفي الحديث: في الآمة ثلث الدية - وروي في المأمومة.
يبجسها: يفجرها. أراد ليس منا أحد إلا به عيب فاحش. وضرب الشجة الممتلئة من القيح البالغة النضج غايته التي لا يعجز عنها الظفر فيحتاج إلى بطها بالمبضع مثلاً لذلك.
* * * الخدري رضي الله عنه إن الله حرم الخمر فلا أمت فيها.
أي لا نقص في تحريمها. يعني أنه تحريم بليغ، من قولهم: ملأ مزادته حتى لا أمت فيها أو لا شك، من قولهم: بيننا وبين الماء ثلاثة أميال على الأمت؛ أي على الحزر والتقدير؛ لأن الحزر ظن وشكّ. أو لا لين ولا هوادة، من قولهم: سار سيراً لا أمت فيه.
* * * ابن عباس رضي الله عنهما - لا يزال أمر هذه الأمة مؤامًّا ما لم ينظر وافي الولدان والقدر.
المؤامّ: المقارب؛ مفاعل من الأمِّ وهو القصد؛ لأن الوسط مشارف للتناهي مقارب له قاصد نحوه، وقولهم: شيء قصد، والاقتصاد يشهد لذلك.
ومنه الحديث: لا تزال الفتنة مؤامًّا بها ما لم تبدأ من الشَّام.
ومؤامّ ههنا تقديره مفاعل بالفتح؛ لأن معناه مقارباً بها. والباء للتعدية.
الولدان: أطفال المشركين، أراد ما لم يتنازعوا الكلام فيهم وفي القدر.
* * * الزهري رحمه الله - من امتحن في حد فأَمه، ثم تبرَّأ فليست عليه عقوبة، وإن عُوقب فأَمه فليس عليه حدٌّ إلا أن يأمه من غير عقوبة.
الأمه: النِّسيان، وفي قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: وادَّكر بعد أَمه. ولما كان في نسيان الشيء تركه وإغفاله، ولهذا فسر قوله تعالى: فَنَسِيتُها - بالترك، قال: فأَمِه؛ أي ترك ما كان عليه من التبرؤ والجحود ترك الناسي له، ومعناه يؤول إلى الاعتراف.
* * * الحجاج - قال للحسن: ما أمدك يا حسن؟ قال: سنتان من خلافة عمر رضي الله عنه. فقال: والله لعينك أكبر من أمدك.
أراد بالأمد مبلغ سنه والغاية التي ارتقى عليها عدد سنيه، قال الطرماح:
كلُّ حيٍّ مستكمل عدة العُمْ ... رِ ومُودٍ إذا انْقَضَى أَمَدُه
سنتان: أي صدر ذلك وأوله سنتان؛ فحذف المبتدأ؛ لأنه مفهوم. ومعناه: ولدت وقد بقيت سنتان من خلافة عمر.
* * * * في الحديث - كانوا يتأممون شرار ثمارهم في الصدقة.
أي يقصدون، وفي قراءة عبد الله: (ولا تَأَمَّموُا الخَبِيث).
* * * * إن آدم لما زيّنت له حواء الأكل من الشجرة فأكل منها فعاقبه الله قال: من يُطِعْ إمَّرَةً لا يأكلْ ثمرَة.
هي تأنيث الإمَّر: وهو الأحمق الضعيف الرأي الذي يقول لغيره: مرني بأمرك.
والمعنى: من عمل على مشورة امرأة حمقاء حُرم الخير.
ويجوز أن تكون الإمرة - وهي الأنثى من أولاد الضأن؛ كناية عن المرأة، كما يكنون عنها بالشاة.
* * * * الأمانة غنى.
أي من شُهر بها كثر معاملوه فاستغنى.
* * * * مأمورة في " سك " . الإماق في " صب " . ويؤتمن الخائن في " تح " . تقع الأمنة في " هر " . لا يأتمر رشدا في " هي " . بإمرة في " ضر " . يوم أمار في " حص " . في تامورته في " حب " . أم القرى في " بك " . وأمر العامة في " خص " . أمة في " رب " . أمير أو مأمور في " قص " . وأميناً في " خي " .
* * * *
الهمزة مع النون
النبي صلى الله عليه وسلم - إن رجلا جاء يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجعل يتخطى رقاب الناس حتى صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم؛ فلما فرغ من صلاته قال: أما جمَّعت يا فلان؟ فقال : يا رسول الله؛ أما رأيتني جمعت معك ؟ فقال: رأيتك قي آنيت وآذيت .
أى أخرت المجىء ، قال الحطيئة:
وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشعرى فطال بى الأناء
وهو من التأني .
حكم جعل فى مثل هذا الموضوع حكم كاد في اقتضائه اسماً وخبرا هو فعل مضارع فى تأويل اسم فاعل . وبينهما من طريق المعنى مسافةٌ قصيرة؛ وهي أن كاد لمقاربة الفعل ومشارفته ، وجعل لابتدائه والخوض فيه.
التجميع: إتيان الجمعة وأداء ما عليه فيها .
والمعنى أنه جعل تجميعه في فقد الفضيلة لإيذائه الناس بالتخطي وتأخيره المجيء كلا تجميع؛ ونظيره لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد .
* * * * من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب فى أذنيه الآنك يوم القيامة - وروى : ملأ الله مسامعه من البرم - وروى : ملأ الله سمعه من البيرم .
الآنك: الاسرب أعجمية.
ومنه حديثه: من جلس إلى قينة ليستمع منها صب فى أذنيه الآنك يوم القيامة.
ا البرم والبيرم : الكحل المذاب .
القوم : الرجال خاصة. قال الله تعالى: (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُواْ خَيراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاء). وقال زهير:
أقومٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاء
وهذه صفة غالبة . جمع قائم كصاحب وصحب ، ومعنى القيام فيها ما فى قوله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) .
الواو فى وهم : واو الحال ، وهي مع الجملة التى بعدها منصوبة المحل ، وذو الحال فاعل استمع المستتر فيه ، و الذى سوغ كينونتها حالا عنه تضمنها ضميره . ويجوز أن تكون الجملة صفة للقوم ، والواو لتأكيد لصوق االصفة بالموصوف ، وأن الكراهة حاصلة لهم لا محالة . ونظيره قوله تعالى: (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم).
المسامع: جمع مسمع، وهو آلة السمع، أو جمع سمع على غير قياس ،كمشابه وملامح فى جمع شبه ولمحة، وإنما جمع ولم يثن لإرادته المسمعين وما حولهما مبالغة وج تغليظا . القينة عند العرب : الأَمة . والقين : العبد . ولإن الغناء أكثر ما كان يتولاه الإماء دون الحرائرسميت المغنية قينة.
* * * * فى قصة خروجه إلى المدينة وطلب المشركين إياه - قال سراقة بن مالك: فبينا أنا جالس أقبل رجل فقال : إني رأيت آنفا أسودة بالساحل أراهم دحمدأ وأصحابه . قال : فقلت ليسوا بهم ، ولكن رأيت فلانا وفلانا وفلانا انطلقوا بغياناً.
آنفا : أى الساعة ، من ائتناف الشيء وهو ابتداؤه، وحقيقته فى أول الوقت الذى يقرب منا.
ومنه : إنه قيل له : مات فلان ، فقال : أليس كان عندنا آنفا؟ قالوا : بلى قال : سبحان الله! كأنها أخذة على غضب . المحروم : من حُرم وصيته .
الأسودة : جمع سواد ، وهو الشخص .
البغيان : الناشدون ، جمع باغ ،كراعٍ ورعيان .
* * * * المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف ، إن قيد انقاد ، وإن أنيخ على صخرة استناخ.
أ نف البعير : إذا اشتكى عقر الخشاش أنفه، فهو أنف . وقيل: هو الذلول الذى كأنه يأنف من الزجر فيعطي ما عنده ويسلس قائده . وقال أبو سعيد الضرير: رواه أبو عبيد : كالجمل الآنف ، بوزن فاعل ، وهو الذى عقره الخشاش؛ والصحيح الأ نف على فعل، كالفقر والظهر.
والمحذوفة من ياءى هين ولين الأولى . وقيل الثانية .
الكاف مرفوعة المحل على أنها خبر ثالث، والمعنى:أن كل واحد منهم كالجمل ا لأنف ويجوز أن ينتصب محلها على أنها صفة لمصدر محذوف تقديره لينون لينا مثل لين الجمل الأنف.
* * * * قال لرافع حين مسح بطنه فألقى شحمة خضراء: إنه كان فيه سبعة أناسى .
جمع إنسان ، يعنى سبع أعين .
* * * * إن المهاجرين قالوا : يا رسول الله؛ إن الأنصار قد فضلو؛ إنهم اوونا وفعلوا بنا وفعلوا . فقال: ألستم تعرفون ذلك لهم؟ قالوا : بلى! قال: فإن ذاك .
ذاك: إشارة إلى مصدر تعرفون ، وهو اسم إن ، وخبرها محذوف ، أى فإن عرفانكم المطلوب منكم والمستحق عليكم. ومعناه أن اعترافكم بإيوائهم ونصرهم ومعرفتكم حق ذالك - ما أنتم به مطالبون ، فإذا فعلتموه فقد أديتم ما عليكم .
ومتله: قول عمر بن عبد العزيز لقرشي مت إليه بقرابة: فإن ذاك . ثم ذكر حاجته فقال: لعل ذاك .
أي فإن ذاك مصدق ، ولعل مطلوبك حاصل .
* * * * عمر رضي الله عنه - رأى رجلا يأنح ببطنه ، فقال : ما هذا ؟ فقال : بركة من الله . فقال : بل هوعذاب يعذبك الله به .
الأُنوح: صوت من الجوف معه بهر يعتري السمين والحامل حملا ثقيلا.
قال يصف منجنيقا :
ترى الفِئَام قياما يأنَحُونَ لها ... دأْبَ المُعَضّل إذ ضاقت مَلاَقيها
* * * * على رضي الله عنه - بعث عماراً إلى السوق فقال: لا تأكلوا الأنكليس من السمك.
قيل: هو الشلق، وقيل: سمك شبيه بالحيَّات، وتزعم الأطباء أنه ردىء الغذاء وكرهه لهذا لا لأنه محرم. وفيه لغتان الأنكليس والأنقليس بفتح الهمزة واللام، ومنهم من يكسرهما .
* * * * أقبل وعليه أندروردية.
الأندرورد: نوع من السراويل مشمَّر فوق التبان يغطي الركبة.
ومنه حديث سلمان قالت أم الدرداء: زارنا سلمان من المدائن إلى الشام ماشيا ، وعليه كساء وأندرورد .
والأندروردية منسوبة إليه؛ أي سراويل من هذا النوع .
* * * * ابن مسعود رضى الله عنه - إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل المسلم.
قال أبو زيد: إنه لمئنة من ذاك ، وإنهن لمئنة: أي مخلقة. وكل شىء دلك على شيء فهو مئنة له . وأنشد! ومَنْزِلٍ مِنْ هَوَى جُمْلٍ نَزَلْتُ بِهِ مَئِنَّة مِنْ مَرَاصيدِ اَلمنِيَّات و أنشد غيره:
نَسْقي على دَرَّاجَةٍ خَرُوس ... مَعْصُوبَةٍ بين رَكَاياشُوسِ
مَئِنَّةٍ من قَلَتِ النفوِس
ويقال : إن هذا المسجد مئنة للفقهاء. وأنت عمدتنا ومئنتنا .
وحقيقتها أنها مفعلة من معنى إن التأكيدية غير مشتقة من لفظها؛ لأن الحروف لا يشتق منها. وإنما ضمنت حروف تركيبها لإيضاح الدلالة على أن معناها فيها. كقولهم : سألتك حاجة، فلا ليت فيها. إذا قال: لا، لا. وأنعم لى فلان إذا قال: نعم. والمعنى: مكان قول القائل: إنه كذا. ولو قيل: اشتُقَّتْ من لفظها بعدما جُعلت اسما، كما أعربت ليت ولو ونونتا فى قوله : إن لوًّا وإنَّ ليتا عناء * كان قولا.
* * * * النخعى كانوا يكرهون المؤنث من الطيب ، ولا يرون بذ كورته بأساً.
هو ما يتطيب به النساء من الزعفران والخلوق وماله ردع .
والذكورة : طيب الرجال الذى ليس له ردع، كالكافور والمسك والعود وغيرها التاء فى الذكورة لتأنيث الجمع، مثلها فى الحزونة والسهولة.
* * * * وفى الحديث - لكل شىء أنفة، وأنفة الصلاة التكبيرة الأولى .
أى ابتداءٌ وأول. كأن التاء زيدت على أنف، كقولهم فى الذنب ذنبة .
جاء فى أمثالهم : إذا أخذت بذنبة الضب أعضبته . وعن الكسائي آنفة الصبا: ميعته وأوليته. وأنشد:
عذرتكَ فى سَلْمَى بآنِفة الصّبا ... ومَيْعَته إذ تَزْدَهيك ظِلالُها
* * * * مونقا فى (حى). وإنه فى (هض). - الأمر أنف فى (قف). أطول أنفأ فى (عش ) ورم أنفه فى (بر). أتأنق فى (اه). لجعلت أنفك فى قفاك فى (بر). إنه وإنه فى (غو). أنف فى السماء فى (مخ) الأنقليس فى(صل). آنيتكم فى(خم ). آنسهم فى (نف) أنابها فى (خص). أنف فى ( رد ).
* * * * الهمزة مع الواو النبي صلى الله عليه وسلم - لا يأوى الضالة إلا ضال.
أويته بمعنى آويته. قال الأزهرى: سمعت أعرابيا فصيحا من بني نمير يرعى إبلا جربا، فلما أراحها بالعشى نحاها عن مأوى الصحاح، ونادى عريف الحى، فقال: ألا إلى أين آوى بهذه الموقَّسة؟ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام للأنصار: أبايعكم على أن تأووني وتنصروني .
الضالة صفة فى الأصل للبهيمة فغلبت. والمعنى أن من يضمها إلى نفسه متملكا لها ولا ينشدها فهو ضال .
* * * * قال فيمن صام الدهر: لاصام ولا آل - وروى: ألا - وروى: ألى.
آل: رجع. وهذا دعاء عليه؛ أي لا صام هذا الصوم ولا رجع إليه.
وألا: قصّر، وترك الجهد.
وألى: أفرط فى ذلك. قال الربيع بن ضبع الفزارى:
وإنَّ كنائني لَنِساءُ صِدْقٍ ... ومَا أَلَّى بَنيَّ ولا أَسَاءُوا
ولا فى هذا الوجه. نافية بمنزلتها فى قوله: فلا صدق ولا صلى. والمعنى : لم يصم؛ على أنه لم يترك جهداً.
* * * * عمر رضي الله عنه - إن نادبته قالت: وا عمراه! أقام الأود، وشفى العمد. فقال على رضي الله عنه: ما قالته ولكن قوَّلته .
الأود: العوج. يقال : أدته فأود، كعجته فعوج.
العمد أن يدبر ظهر البعير ويرم، وهو متفرع على العميد؛ وهو المريض الذى لا يتمالك أن يجلس حتى يعمد بالوسائد لأنه مريض.
قولته الشيء وأقولته: إذا لقنته إياه وألقيته على لسانه.
والمعنى أن الله أجراه على لسانها. أراد بذلك تصديقها فى قولها والثناء على عمر.
لا بد للندبة من إحدى علامتين : إما يا وإما وا؛ لأن الندبة لإظهار التفجع؛ ومد الصوت وإلحاق الألف فى آخرها لفصلها من النداء وزيادة الهاء فى الوقف إرادة بيان الألف لأنها خفية، وتحذف عند الوصل كقولهم: وا عمرا أمير المؤمنين.
* * * * معاذ رضى الله عنه - لا تأووا لهم؛ فإن الله قد ضربهم بذل مفدم، وأنهم سبوا الله سباً لم يسبه أحد من خلقه؛ دعوا الله ثالث ثلاثة.
أي لا ترقوا للنصارى ولا ترحموهم . قال:
ولو أَنّني اسْتَأْوَيْتُه ما أَوَى لياَ
وهو من الإيواء؛ لأن المؤوي لا يخلو من رقة. وشفقة على المؤوي.
ومنه الحديث: كان يصلي حتى نأوي له.
المفدم: من الصبغ المفدم، وهو المشبع الخاثر. والمعنى: بذل شديد محكم مبالغ فيه.
* * * * ابن عمرر رضي الله عنهما - صلاة الأوابين ما بين أن ينكفت أهل المغرب إلى أن يثوب أهل العشاء.
هم التوابوان الراجعوان عن المعاصي. والأوب والتوب و الثوب أخوات.
انكفاتهم: انكفاؤهم إلى منازلهم. وهومطاوع كفت الشيء: إذا ضمه؛ لأن المنكفئ إلى منزله منضم إليه .
وثؤوبهم: عودهم إلى المسجد لصلاة العشاء. والمعنى: الإيذان بفضل الصلاة فيما بين العشاءين.
معاوية رضي الله عنه - قال يوم صفين: آها أبا حفص!
قد كان بَعدك أَنْبَاءٌ وَهَنْبَثَةٌ ... لو كنتَ شاهِدَهَا لم تكثر الْخُطَبُ
هى كلمة تأسف، وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر. كقولهم: ويحاً له! وتقدير فعل ينصبها، كأنه قال تأسفاً: على تقدير أتأسف تأسفا.
الهنبثة: إثارة الفتنة، وهي من النبث، و الهاء زائدة. و يقال للأمور الشداد هنا بث.
يريد ما وقع الناس فيه من الفتن بعد عمر رضي الله عنه. وهذا البيت يعزى إلى فاطمة . * * * * الأحنف - كتب إليه الحسين رضي الله عنه، فقال للرسول : قد بلونا فلانا وآل أبى فلان فلم نجد عندهم إيالة للملك ولا مكيدة فى الحرب .
آل الرعية ويؤولها أولا وإيالا وإيالة: أحسن سياستها. وفى أمثالهم: قد أُلنا وإيل علينا . وإنما قلبت الواو ياء فى الإيالة لكسر ماقبلها وإعلال الفعل كالقيام والصيام.
لا تأوى في ( زو ). من كل أوب فى (حس) اسنى فى (أس).
* * * * الهمزة مع الهاء النبى صلى الله عليه وآله وسلم - لو جعل القران فى إهاب ، ثم ألقى فى النار ما احترق.
هو الجلد؛ قيل لأنه أهبة للحي، وبناء للحماية له على جسده ، كما قيل له المسك؛ لإمساكه ماوراءه؛ وهذا كلام قد سلك به طريق التمثيل، والمراد أن حملة القران والعالمين به موقيون من النار .
* * * * كان يدعى إلى خبز الثعير والإهالة السنخة فيجيب .
هي الودك. وعن أبى زيد: كل دهن يؤتدم به .
السنخة والزنخة :المتغيرة لطول المكث.
* * * * ابن مسعود رضى الله عنه - إذا وقعت فى آل حم وقعت فى روضات دمثات، أتأنق فيهن.
أصل آل أهل، فأبدلت الهاء همزة ثم ألفاً؛ يدل عليه تصغيره على أُهيل. ويختص بالأشهر الأشرف، كقولهم: القراء آل الله وآلحمد صلى الله عليه وسلم؛ ولا يقال : آل الخياط والإسكاف ، ولكن أهل . والمراد السور التى فى أوائلها حم .
الدمث: المكان السهل ذو الرمل .
التأنق : تطلب الأنيق المعجب وتتبعه.
* * * * فيه أهب فى (سف). متن إهالة فى (بص). أهب فى (سف). خير أهلك فى (بر). آل داود فى (زم). إلى أهلها فى (فر). فأهريقوا فى (عق).
* * * *
الهمزة مع الياء
النبى صلى الله عليه وسلم - فى حديث كسوف الشمس على عهده ، وذلك حين ارتفعت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة: اسودت حتى آضت كأنها تنوّمة.
أي صارت، قال زهير:
قَطَعْت إذا ما الآلُ آضَ كأنَّه ... سيوفٌ تَنحَّى تارةً ثم تَلْتَقِى
وأصل الأيض: العود إلى الشيء، تقول: فعل ذلك أيضاً إذا فعله معاودا؛ فاستعير لمعنى الصيرورة؛ لالتقائه فى معنى الانتقال. تقول : صار الفقير غنيا وعاد غنيا. ومثله استعارتهم النسيان للترك والرجاء للخوف؛ لما في النسيان من معنى الترك، وفى الرجاء من معنى التوقع. وباب الاستعارة أوسع من أن يحاط به .
التنوم: نبت فيه سواد، وزنه فعول ، ويوشك أن تكون تاؤه منقلبة عن واو ، فيكون من باب ونم .
أصل قيد: قود ، واشتقاقه من القود وهو القصاص؛ لما فيه من معنى المماثلة والمقايسة، يدل عليه قولهم : قيس رمح ، وانتصابه على أنه صفة مصدر محذوف تقديره: ارتفعت ارتفاعا مقدار رمحين .
* * * * علي رضي الله عنه - من يطل أير أبيه ينتطق به.
ضرب طول الأير ص مثلا لكثرة الولد ، قال: فلو شَاءَ ربِّي كان أَيْرُ أَبيكُم طويلاً كأيْرِ الحارثِ في سَدُوس قال الأصمعي : كان للحارث أحد وعشرون ذكراً .
والانتطاق مثل للتقوى والاعتضاد. والمعنى : من كثر إخوته كان منهم فى عزٍ ومنعة .
صعي معاوية رضي الله عنه - قال عطاء : رأيتة إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة كانت إياها.
اسم كان وخبرها ضميرا السجدة . والمعنى: هي هي، لم يقترن بها قعدة بعدها؛ أي كان يرفع رأسه منها، وينهض للقيام إلى الركعة من غير أن يقعد قعدة خفيفة.
* * * * عكرمة رحمه الله - كان طالوت أياباً.
أس سقاء، وهي فارسية .
* * * * أبو قيس الأودي - سُئل ملك الموت عن قبض الأرواح . فقال: أويه بها كما يؤيه بالخيل، فتجيبنى.
التأييه: أن يدعوه ويقول له: إيه؛ ونظيره التأفيف في قوله : أف، قال طرفة:
فعدا فأيههن فاستعرضنه ... فثنى لهن بحد روق مدعس
مثل الأيم فى (جه) الأيمة في (عى). نفاق أيمه فكي (حظ). بقتل الأيم فى (جن). إيه والاله خا(نط). إياى في (مج). إي فى (حل).
هذا آخر كتاب الهمزة
===========
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الباء
الباء مع الهمزة
النبي صلى الله عليه وسلم - الصلاة مثنى وتشهد فى كل ركعتين وتبأس - وروى: وتباءس وتمسكن و تقنع يديك - وروى: وتقنع رأسك ، فتقول: اللهم اللهم؛ فمن لم يفعل ذلك فهى خداج .
تبأس : أى تذل وتخضع ذل البائس وخضوعه .
والتباؤس : التفاقر وأن يرى من نفسه تخشع الفقراء إخباتاً وتضرعا .
تمسكن : من المسكين ، وهو مفعيل من السكون؛ لأنه يسكن إلى الناس كثيرا. وزيادة الميم فى الفعل شاذة لم يروها سيبويه إلا فى هذا وفى وفي تمدرع وتمندل، وكان القياس تسكن وتدرع . ونظيره شذوذا استحوذ عن القياس دون الاستعمال.
إقناع اليدين : أن ترفعهما مستقبلا ببطونهما وجهك. وإقناع الرأس: أن ترفعه وتقبل بطرفك على ما بين يديك.
الخداج : مصدر خدجت الحامل: إذا ألقت ولدها قبل وقت النتاج، فاستعير .
والمعنى ذات خداج؛ أي ذات نقعصان؛ فحذف المضاف.
الضمير الراجع من الجزاء إلى الاسم المضمن معنى الشرط محذوف لظهوره؛ والتقدير: فهي منه خداج، ومثله قوله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)؛ أي إن ذلك منه .
* * * * إن رجل آتاه الله مالا فلم يبتئر خيرا .
أي لم يدخر؛ من البؤرة وهى الحفرة، أو من البئرة،والبئيرة: الذخيرة .
علي رضي الله عنه - سلم عليه رجل ، فرد عليه رد السنة . وكان فى الرجل باء، فقال له : ما أحسبك عرفتني قال : بلى ، وإني لأجد بنة الغزل منك. فقام الرجل ، وكان له فى نفسه قدر . فقيل له : يا أمير المؤمنين؛ ما كان هذا؟ قال: كان أبوه ينسسج الشمال باليمن.
الباء : الكبر والعجب .
البنة: الرائحة، من الإبنان وهو اللزوم؛ لأنها تعبق وتلزم .
الشمال: جمع شملة وهي كساء يشتمل به .
أريد السؤال عن الصفة، فقيل: ما كان هذا؟ ولم يقل: من كان؟ وموْضع ما نصب تقديره أي شيء كان هذا؟ * * * * لو لا بأوفيه فى (كل). من أفوه البئار في (هب). فبأوت بنفس في (حو). باءت في (بو). أبؤساً فى (غو).
* * * *
الباء مع الباء
عمر رضي الله عنه - لئن عشت إلى قابل لألحقن آخر الناس بأولهم ، حتى يكونوا ببانا.
أى ضربا واحدا فى العطاء. قال أبو علي الفارسي: هو فعال من باب كوكب، ولا يكون فعلان؛ لأن الثلاث لا يكون من موضع واحد. وأما ببة فصوت لاعبرة به.
وعن بعضهم بيانا؛ وليس بثبت .
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يقول إذا أقبل عبد الله بن الحارث: جاء ببَّة.
هذا صوت كان يصوَّت به في طفوليته، فلقَّب به؟ وكانت أمه تقول في ترقيصه:
لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ جَارِيَةً خِدَبَّهْ
* * * * كعب رحمه الله - قال فى قصة جريج الزاهد الراهب: لما رمى بتلك المرأة فجاءوا بمهد الصبي قال: يا بابوس؛ من أبوك ؟ ففتح الصبي حلقه وقال: فلان الراعي. ثم سكت.
هو الصبى الرضيع ، قال ابن أحمر:
حَنَّتْ قَلُوصِى إلى بَابُوسِها جَزَعأ ... فما حَنِيُنك أَمْ ما أَنتِ والذِّكَرُ
* * * *
الباء مع التاء
النبى صلى ألله عليه وسلم - سئل عن البتع؛ فقال : كل شراب أسكر فهو حرام .
هو نبيذ العسل؛ سمي بذلك لثسدة فيه، من البتع وهو شدة العنق.
وعن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه أنه خطب فقال: خمر المدينة من البسر والتمر، وخمر أهل فارس من العنب ، وخمر أهل اليمن البتع وهو من العسل ، وخمر الحبش السكركة.
* * * * لاصيام لمن لم يبيِّت الصيام من الليل - وروى يبت.
أى لم يقطعه على نفسه بالنية .
* * * * على رضي الله عنه - قال عبد خير: قلت له: أ أصلي الضحى إذا بزغت الشمس؟ قال : لا، حتى تبهر البتيراء الأرض.
هي اسم للشمس في أول النهار قبل أن يقوى فى ضوؤها ويغلب؛كأنها سميت بالبتيراء مصغرة؛ لتقاصر شعاعها عن بلوغ تمام الإضاءة والإشراق و قلته.
وعن سعد أنه أوتر بركعة فأنكر عليه ابن مسعود رضي الله عنه، وقال: ما هذه ا البتيراء التى لم نكن نعرفها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ * * * * * سعد رضي الله عنه - لقد رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ، ولو أذن له لا ختصينا.
هو أن يتكلف بتل نفسه عن التزوج؛ أي قطعها.
حذيفة رضي الله عنه - أُقيمت الصلاة فتدافعوا فصلى بهم ، ثم قال: لتبتلن لها إماماً غيري أو لتصلن وحداناً.
أي لتنصبن إماما ، ولتقطعن الأمر بإمامته.
الوحدان: جمع واحد ،كراكب وركبان.
* * * * عليه بت فى (جل). ولا تبتل فى (زم) عشر البتات فى (ضخ). والأبتر فى (طف). المنبت فى (وغ). أبتر فى ( صع ). البات فى (دف).
* * * *
الباء مع الثاء
ابن مسعود رضى الله عنه - ذكر بني إسرائيل وتحريفهم ، وذكر عالماً كان فيهم عرضوا عليه كتاباً اختلقوه على الله، فأخذ ورقة فيها كتاب الله، ثم جعلها فى قرن، ثم علقه فى عنقه، ثم لبس عليه الثياب. فقالوا : أتؤمن بها ؟ فأومأ إلى صدره وقال : آمنت بهذا الكتاب، يعني الكتاب الذى فى القرن . فلما حضر الموت بثبثوه فوجدوا القرن والكتاب فقالوا : إنما عنى هذا.
أي كشفوه وفتشوه ليعلم البث .
وتبثيثا فى (غث). وصار بثنية في (بن).
الباء مع الجيم
النبى صلى الله عليه وسلم - أتي القبور ، فقال : السلام عليكم، أصبتم خيرا بجيلا، وسبقتم شرا طويلا .
أي عظيما، من قولهم: رجل بجال وبجيل، وهو الضخم الجليل ، عن الأصمعي؛ ومنه التبجيل.
* * * * ما أخاف على قريش إلا أنفسها. ثم وصفهم وقال: أشحة بجرة، يفتنون الناس حتى تراهم بينهم كالغنم بين الحوضين، إلى هذا مرةً والى هذا مرة.
البجرة من الأبجر، وهو الناتئ السرة، كالصلعة من الأصلع، والنزعة من الأنزع.
والمعنى ذوو بجرة فحُذف المضاف. أو وصفوا بها كأنهم عين البجرة مبالغة في وصفهم بالبطانة ونتوء السرر.
ويجوز أن يكون هذا كناية عن كنزهم الأموال، واقتنائهم لها وتركهم التسمح بها.
* * * * إن لقمان بن عادٍ خطب امرأة قد خطبها إخوته قبله، فقالوا: بئس ما صنعت! خطبت امرأة قد خطبناها قبلك، وكانوا سبعة وهو ثامنهم! فصالحهم على أن ينعت لها نفسه وإخوته بصدق، وتختار هي أيهم شاءت.
فقال: خذي مني أخي ذا البجل. إذا رعى القوم غفل. وإذا سعى القوم نسل. وإذا كان الشأن اتَّكل. قريب من نضيج. بعيد من نيء. فلحياً لصاحبنا لحياً.
فقالت: عيال لا أريده.
ثم قال: خذي مني أخي ذا البجلة. يحمل ثقلي وثقله. يخصف نعلي ونعله. وإذا جاء يومه قدمت قبله.
فقالت: خادم لا أريده .
ثم قال: خذي مني أخي ذا العفاق . صفاق أفاق. يعمل الناقة والساق.
فقالت: فيج لا أُريده .
ثم قال : خذي مني أخي ذا الأسد. جوّاب ليل سرمد. وبحر ذو زبد .
فقالت : سارق لا أريده .
ثم قال: خذي منى أخي ذا النمر. حيى خفر. شجاع ظفر. أعجبني وهو خير من ذاك إذا سكر.
فقالت: يشرب الخمر فلا أريده .
ثم قال: خذي منى أخي ذا الحممة. يهب البكرة السنمة، والمائة البقرة العممة. والمائة الضائنة الزنمة. وإذا أتت على عادٍ ليلة مظلمة ، رتب رتوب الكعب وولاهم شزنه . وقال: اكفوني الميمنة . سأكفيكم المشأمة . وليست فيه لعثمة . إلا أنه أبن أمة .
فقالت : مسرف لا أريده .
ثم قال: خذي مني أخي حزينا. أولنا إذا غدونا. وآخرنا إذا استنجينا. وعصمة بنائنا إذا شتونا. وفاصل خطة أعيت علينا . ولا يعد فضله لدينا .
ثم قال: أنا لقمان بن عاد. لعادية وعاد. إذا أنضجعت لا أجلنظئ . ولا تملأ رئتى جنبى. إن أر مطمعى فحدا تلمع. وإلا أر مطمعي فوقاع بصلع. فتزوجت حزيناً.
فسر ذو البجل: بذى الضخامة. وقيل: هو من قولك بجلي هذا؛ أى حسبي.
ومنه الحديث: فألقى تمرات كن ف يده، وقال : بجلى الدنيا.
والمعنى أنه قصير الهمة، مقتصر على الأدنى. فإذا ظفر به قال : بجلى.
والوجه أن يكون هذا وسائر ما ابتدأ به ذكر إخوته أساميهم أو ألقابهم.
إذا رعى القوم غفل: أي إذا اهتموا برعاية بعفضهم بعضاً، أو برعاية ما معهم، او برعي الإبل لم يهتم بشيء من ذلك وكان غافلا عنه.
وإذا سعى القوم نسل: أي إذا بذلوا السعي وتناهضوا فيما يقئ عليهم خيرا أو ينجيهم من بلية نسل هو من بينهم؛ أي خرج وكان بمعزل من السعي معهم.
اتكل: أي اعتمد على غيره فى كفاية الشأن، ولم يتوله بنفسه عجزاً.
النىء : غير النضيج؛ يريد أنه لازم بيت جثامة، لا يصيد ولا يغزو فيأكل اللحم الملهوج.
ويحتمل أنه ليس بجلد يخدم أصحابه فى السفر ويطبخ لهم كالموصوف بقوله:
رُبَّ ابنِ عمِّ لسُلَيمى مُشْمَعِلْ ... طباخِ ساعاتِ الكَرَى زادَ الكَسَلْ
ولكنه يتكاسل عن ذلك، وعن معاونتهم أيضأ إذا باشروا الطبخ. فإذا قدموا أكل؛ فهو بعيد عن النئ وطبخه، قريب من النضيج وأكله.
فلحيا: من لحيت العود بمعنى لحوته؛ وهو دعاء عليه بالهلاك، والتكرير للتأكيد.
قيل فى ذي البجلة:هو ذو الشارة االحسنة، كأنه الذي له من الرواء ما يبجل لأجله.
وإذا جاء يومه: أي وقت وفاته وأجله . حمده لإعانته له وحمله عنه ، ودعا له .
ذو العفاق : من عفق يعفق إذا أسرع فى الذهاب. والعفاق: الحلب أيضاً . قال:
عَلَيْكَ الشّاءَ شَاءَ بَنِي تميمٍ ... فعافِقْها فإنّكَ ذُو عِفاقِ
صفاق من الصفق، وهو الجان . يقال: جاء أهل ذلك الصفق.
وأفاق : من الأفق ، أراد أنه مسفار مننقب فى النواحي والافاق.
يعمل الناقة والساق : أى يركب تارة ويترجل أخرى لجلادته.
ذو الأسد: أي ذو القوة الأسدية . والأسد : مصدر أسد ، في اصه استأسد.
ليل سرمد: أي دائم غير منقطع لفرط طوله .
والسنمة : العظيمة السنام .
العممة: التامة.
قوله: والمائة البقرة والمائة الضائنة بإدخال لام التعريف على المائة المضافة مما لا يجيزه البصريون؛ ويقولون: أخذت مائة الدرهم لا غير. وكذلك ثلاثة الأثواب؛ والثلاثة الأثواب خلف عندهم؛ لأن الإضافة معرفة ، فإذا عرِّف الاسم باللام لم يعرف ثانية بالإضافة. ويستشهدون بمثل قول الفرزدق:
وسما وأدرك خَمْسَة الأَشبارِ
وقول ذى الرمة :
ثلاثُ الأثافى و الديار البَلاَقعُ
ويخطئون من روى مثل هذا. ويقولون: الصواب ومائة البقرة ومائة الضائنة؛ وبرهانهم القياس الصحيح، واستعمال الفصحاء .
الزنمة: ذات الزنمة، وهي شيء لا يقطع من أذنها ويترك معلقا - وروى الزلمة - بمعناها.
الرُّتوب : الثبوت .
ولاهم شزنه؛ أي ولاهم عرضه، فخاطبهم بنفسه. يقال: وليته ظهري ، إذا جعله وراءه وأخذ يذب عنه . ومعناه جعلت ظهرى يليه - وروى : شزنه؛ أي شدته وغلظته. ومعناه: دافع عنهم ببأسه .
اللعثمة : التوقف؛ أي ليس في صفاته التي توجب تقدمه توقف.
إلا أنه ابن أمة: أي هذا عيبه فقط .
استنجينا: من النجاء وهو الفرار. يريد إذا خرجنا إلى الغزو تقدمنا وبادرنا .
وإذا انهزمنا تأخر عنا، ليحامي علينا ممن يتبعنا.
العادية : خيل تعدو، أو رجل يعدون. والعادي الواحد؛ أي أنا لجماعة ولواحد، يعنى أن مقاومته للجماعة والواحد واحدة لا تتفاوت لشدة بأسه وقوة بطشه.
نظير أضجعه فانضجع فى مجىء الفعل مطاوعا لأفعل أزعجه فانزعج، وأطلقه فانطلق؛ وحق الفعل أن يطاوع فعل لاغير؛ وإنما فعل هذا على سبيل إنابة أفعل مناب فعل .
الاجلنظاء. الاستلقاء ورفع الرجلين؛ يعنى أنه ينام على جنبه مستوفزا؛ كما قيل في تأبط شرا:
ما إن يمسُّ الأرضَ إلا جانبٌ ... منه وحرفُ الساق طيَّ المحمل
ولا تملأ رئتي جنبي: أي لست بجبان فينتفخ سحري حتى يملأ جنبى بانتفاخه.
يلمع: يخفق بجناحيه - وروى فحدو تلمع . والتلمع: تفعل منه.
والحدو : الحدأ بلغة أهل مكة .
الصلع: الحجر الأملس . وقيل : الموضع الذى ل ينبت من صلع الرأس. أراد أن عيشه عيش الحعاليك؛ إن ظفر بشيء ألمأ عليه. وإلا فهو موطن نفسه على معاناة خشونة الحال، وشظف العيش؛ كالحدأ الذي إن أبصر طعمته انقض عليها فاختطفها ، وإن لم ير شيئا لم يبرح واقعا عد الصلع.
* * * * عثمان رضي الله عنه - تكلم عنده صعصعة بن صوحان فأ كثر؛ فقال: أيها الناس؛ إن هذا البجباج النفاج لا يدرى ما الله ولا أين الله.
البجباج: الذى يهمز الكلام، وليس لكلامه جهة - وروى : الفجفاج؛ وهو الصياح المكثار، وقيل : المأفون المختال.
والنفاج : ال!شديد الصلف.
لا يدري ما الله ولا أين الله: معناه أن حاله فى وضع لسانه - من إكثار الخطل وما لاينبغي أن يقال - كل موضع كحال من لا يدرى أن الله سميع لكل كلام، عالم يجري فى كل مكان.
ولم ينسبه إلى الكفر؛ وقد شهد صعصعة مع على رضى الله عنه يوم الجمل ، وكان من أخطب الناس؛ وأخوه زيد الذى قال فيه الئبى عليه الصلاة والسلام: زاد الخير الأجذم من الخيار الأبرار.
* * * * 79 - أمير اإؤه :لجن أفل للبء ص ة : على رضى الله عة 9 - !، التقى الفر يقان * رج و ا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه - لما التقى الفريقان يوم الجمل صاح أهل البصرة:
ردُّوا علَيْنَا شيخنا ثم بَجَلْ
فقالوا:
كيف نردُّ شيخَكم وقد قَحَل
ثم اقتتلوا .
قال الراوى : فما شبهت وقع السيوف على الهام إلا بضرب البيازر على المواجن .
بجل: بمعنى حسب ، وسبب بنائهما أن الإضافة منوية فيهما. وإنما بني بجل على السكون دون حسب؛ لأنه لم يتمكن بالإعراب في موضع تمكنه .
قحل : مات فجف جلده على عظمه . يقال : قحل قحولا وهو الفصيح، وقحل قحلا.
البيازر : جمع بيزر؛ وهو الخشبة التي يدق بها القصار. والبيزرة: العصا وبزره بها ، إذا ضربه.
المواجن: جمع ميجنة؛ وهي خشبته التى يدق عليها .
* * * * جبير رضي الله عنه - نظرت والناس يقتتلون يوم حنين إلى مثل البجاد الأسود يهوى من السماء، حتى وقع؛ فإذا نمل مبثوث قد ملأ الوادي؛ فلم يكن إلا هزيمة القوم؛ فلم نشك فى أنها الملائكة .
البجاد : الكساء المخطط؛ سمى بذاك لتداخل ألوانه من قولهم: هو عالم ببجدة أمره. أي بدخلته.
والأسود من البجد: هو المنسوج على خطوط سود يفصل بينها بيض دقاق؛ فالمعنى أن النمل كان يهوى متساطرا كخطوط البجاد الأسود. ومنه: قيل لعبد الله ابن نهم: ذو البجادين؛ لأنه حين أراد المصير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعت أمه بجادا لها باثنين فائتزر بأحدهما وارتدى بالثاني .
ومنه حديث معاوية : إنه مازح الأحنف ين قيس فما رئى مازحان أوقر منهما؛ قال له: يا أحنف؛ ما الشيء الملفف فى البجاد؟ فقال: هو السخينة يا أمير المؤمنين! ذهب معاوية إلى قول الشاعر:
بخُبْزٍ أَوْ بتمر أو بسَمْن ... أوالشيء الملفَّفِ فى البجاَد
والأحنف إلى السخينة التي تعير بها قريش، وهي شيء يعمل من دقيق وسمن؛ لأنهم كانوا يولعون به حتى جرى مجرى النبز لهم قال كعب بن مالك:
زَعَمَتْ سَخِيَنُة أَنْ ستَغْلِبُ رَبَّها ... ولُتْغَلَبَّن مُغالِبُ الغَلاَّبِ
* * * * البجة في (جب). بجراء فى (عز). وبجحني في (غث). البجر في (بر). يبجسها في (أم). بجرى في (جد).
* * * *
الباء مع الحاء
النبى صلى الله عليه وسلم - شكا عبد الله بن أبى إلى سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله؛ اعف عنه، فو الذى أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق، ولقد اصطلح أهل البحر ة على أن يعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذى أعطاك شرق بذلك.
أراد بالبحرة: المدينة. يقولون: هذه بحرتنا؛ أي أرضنا و بلدتنا . وأصل البحرة: فجوة من الأرض تستبحر؛ أي تنبسط وتتسع. قال يصحف رسم الدار:
كأنّ بقاياه ببَحْرة مالك ... بقَّيةُ سَحْقٍ من رِدَاء مُحبَّرِ
العصابة: العمامة؛ لأنه يعصب الرأس بها، وعصبه: عممه. قال :
فتاةٌ أَبُوها ذُو العِمَامة وابنُه ... أَخُوها فما أَكْفَاؤُها بكَثير
وروى : ذو العصابة، ثم جعل التعصيب بالعصابة كناية عن التسويد؛ لأن العمائم تيجان العرب .
وقيل للسيد: المعمم والمعصب، كما قيل له : المتوج والمسود .
شرق بذلك: أي لم يقدر على إساغته والصبر عليه لتعاظمه إياه؛ فكأنه اعترض في حلقه فغصَّ به كما يغص الشارب بالماء .
* * * * من سرَّه أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد . .
هي من كل شىء وسطه وخياره ، قال جرير:
قَوْمِي تميمٌ همُ القومُ الذين هُمُ ... يَنْفَونَ تَغْلِب عَنْ بُحْبُوحَةِ الدَّارِ
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قال أنس بن سيرين: استحيضت امرأة من آل أنس ابن مالك فأمروني فسألت ابن عباس عن ذلك فقال: إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة؛ فإذا رأت الطهر ولم ساعة من النهار فلتغتسل ولتصلّ.
البحراني: الشديد الحمرة الضارب إلى السواد . منسوب إلى البحر ، وهو عمق الرحم، قال:
وَرْدٌ من الجَوْفِ وبَحْرَانِيُّ
* * * * فى الحديث - تخرج بحنانة من جهنم فتلقط المنافقين لقط الحمامة القرطم .
هي الشرارة الضخمة العظيمة، من قولهم: رجل بحون: عظيم البطن، ودلو بحونة، وجلة بحونة إذا كانتا واسعتين.
القرطم : حب العصفر.
* * * * إن غلامين كانا يلعبان البحثة.
هي لعب بالتراب.
* * * * بحيرة في (صر). بحرا فى (قر). بحرية في (نش). بحرها فى (حل). سورة البحوث فى (عذ). بحيرة فى (رج).
* * * *
الباء مع الخاء
النبي صلى الله عليه وسلم - يأتي على الناس زمان يستحل فيه الربا بالبيع، والخمر بالنبيذ، والبخس بالزكاة، والسحت بالهدية، والقتل بالموعظة.
المراد بالبخس المكس؛ لأن معنى كل واحد منهما النقصان، يقال: بخسنى حقي ومكسنيه؛ وقد روى فى قوله:
وفي كل ماباعَ امرؤ مَكْسُ درهم
بخس درهم. والمعنى: أنه يؤخذ المكس باسم العشر يتأول فيه معنى الزكاة، وهو ظلم.
والسحت: أى الرشوة فى الحكم والشهادات والشفاعات وغيرها باسم الهدية، ويقتل من لا تحل الشريعة قتله ليتعظ به العامة .
* * * * أتاكم اهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة وأبخع طاعة.
أي أبلغ طاعة. من بخع الذبيحة: إذا بالغ فى ذبحها؛ وهو أن يقطع عظم رقبتها ويبلغ بالذبح البخاع.
والبخاع - بالباء: العرق الذى فى الصلب.
والنخع دون ذلك؛ وهو أن يبلغ بالذبح النخاع، وهو الخيط الأبيض الذى يجرى فى الرقبة.
هذا أصله ثم كثر حتى استعمل فى كل مبالغة، فقيل: بخعت له نصحي وجهدى وطاعتى. والفعل ههنا مجهول للطاعة، كأنها هي التي بخعت؛ أي بالغت، وهذا من باب: نهارك صائم ، ونام ليل الهوجل.
الفؤاد: وسط القلب، سمى بذلك لتفؤده أي لتوقده.
* * * * زيد بن ثابت - فى العين القائمة إذا بخقت مائة دينار.
أى فقئت، يعنى أنها إذا كانت عوراء لا يبصر بها إلا أنها غير منخسفة، فعلى فاقئها كذا.
* * * * القرظي - قال فى قوله تعالى: (قُلْ هو الله أحد. الله الصَّمَد) . لو سكت عنها لتبخص بها رجال فقالوا: ماصمد؟ فأخبرهم أن الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
أخذ من البخص، وهو لحم عند الجفن الأسفل يظهر من الناظر عند التحديق إذا أنكر شيئا أو تعجب منه.
يريد لو لا أن البيان اقترن بهذا الاسم لتحيروا فيه حتى تنقلب أجفانهم، وتشخص أبصهارهم.
* * * * الحجاج - أتي بيزيد بن المهلب يرسف فى حديد، فأقبل يخطر بيده، فغاظ ذلك الحجاج فقال:
جَمِيلُ المُحَيَّا بَخْتَرِيٌّ إذا مشى
وقد ولي عنه فالتفت إليه فقال:
وفى الدِّرْع ضَخْمُ اَلْمنكِبَيْنِ شِنَاقُ
فقال الحجاج: قاتله اله ! ما أمضى جنانه، وأحلف لسانه! البختري: المتبختر.
الشناق: الطويل.
رجل حليف اللسان : أى ذربه.
* * * * والبخقاء فى (صف). مبخوص الكعبين في (نه). بخ بخ في (نس). يبخع لنا في (ضج). وبخعها في (زف). باخق العين في (صع). مبخرة في (زو). بخ في (بر) وتبخلون في (جب).
* * * *
الباء مع الدال
النبي صلى الله عليه وسلم - إن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله؛ إني أُبدع بى فاحملنى.
أبدعت الراحلة: إذا انقطعت عن السير بكلال أو ظلع.
جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعا منها؛ أي إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها وألف، واتسع فيه حتى قيل: أبدعت حجة فلان. وأبدع بره بشكري: إذا لم يف شكره ببره .
ومعنى أبدع بالرجل انقطع به؛ أي انقطعت به راحلته، كقولك: سار زيد بعمرو؛ فإذا بنيت الفعل للمفعول به وحذفت الفاعل قلت سير بعمرو؛ فأقمت الجار والمجرور مقام الفاعل. وكما أن المعنى فى سير بعمرو: سير عمرو، كذلك المعنى فى انقطع بالرجل؛ قطع الرجل. أى قطع عن السير.
* * * * نفل فى البدأة الربع، وفى الرجعة الثلث.
بدأة الأمر: أوله ومبتدؤه، يقال: أما بادئ بدأة فإني أحمد الله .
وهي في الأصل المرة من البدء، مصدر بدأ؛ والمراد ابتداء الغزو.
يعنى أنه كان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو فأوقعت نفلها الربع مما غنمت ، وإذا فعلت ذلك عند قفول العسكر نفلها الثلث؛ لأن الكرة الثانية أشق والخطة فيها أعظم.
* * * * لا تبادروني بالركوع والسجود ، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت ، ومهما أسبقكم به إذا سجدت تدركوني إذا رفعت؛ إني قد بدنت.
أى صرت بدنا، والبدن: المسن، ونظيره عجزت المرأة، وعود الجمل، ونيبت الناقة.
وروى بدنت: أي ثقلت على الحركة ثقلها على الرجل البادن وهو الضخم البدن، يقال : بَدَن بُدْناً، وبَدُنَ بُدْناً وبَدَانة؛ ولا يصح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يوصف بالبدانة.
تدركوني، أي تدركوني به ، فحذف لأنه مفهوم، كحذفهم " منه " في قولهم: السمن منوان بدرهم.
والمعنى أي شيء من الركوع أو السجود سبقتكم به عند خفض الرأس فإنكم مدركوه عند رفعه لثقل حركتي.
* * * * قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: قدمت المدينة من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرجت أنا ورباح ومعي فرس أبى طلحة أبديه مع الإبل، فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل راعيها، ثم ذكر لحوقه به ورميه المشركين. قال: فإذا كنت في الشجراء خزقتهم بالنبل. فإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فرديتهم بالحجارة. ثم ذكر مجيئه إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: وهو على الماء الذى حلأتهم عنه بذي قرد، فقلت: خلنى فانتخب من أصحابك مائة رجل فآخذ على الكفار بالعشوة؛ فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته.
أبديه: أبرزه إلى المرعى.
الشجراء: الأشجار الكثيرة المتكاثفة. وهي اسم جمع للشجرة كالقصباء والطرفاء والأشاء.
الخزق: الإصابة، يقال: سهم خازق وخاسق؛ أي مقرطس نافذ.
الردى: الرمى بالحجر، وهو المرداة.
التحلئة: المنع والطرد، ومنها التحلئة التى يقشرها الدباغ عن الجلد؛ لأنها تمنع الدباغ.
العشوة - بالحركات الثلاث: ظلمة الليل، وقالوا في المثل: أوطأته العشوة؛ إذا سامه أمراً ملتبساً يغتر به، لأن من وطئ الظلمة يطأ مالا يبصره فربما تردى فى هوة أو وضع قدمه على هامة ، ثم كثر ذلك حتى استعملت العشوة فى معنى الغرة، فقيل: أخذت فلانا على عشوة ، وسمته عشوة.
* * * * إن تهامة كبديع العسل حلو أوله وآخره .
البديع: الزق الجديد ، وهي صفة غالبة كالحية والعجوز .
والمعنى استطابة أرض تهامة كلها، أولها وآخرها، كما يستحلي زق العسل من حيث يبتدأ فيه إلى أن ينتهى.
وقيل : معناه أنها فى أول الزمان وآخره على حال صالحة.
وقيل: لا يتغير طيبها؛ كما أن العسل حلو أول ها يشتار ويجعل فى الزق، وبعد ماتمضي عليه مدة طويلة .
* * * * لما كان انكشاف المسلمين يوم حنين أبد يده إلى الأرض، فأخذ منها قبضة من تراب، فخذا بها فى وجوههم؛ فما زال حدهم كليلا.
أي مدها، يقال : أبدَّ السائل رغيفا؛ أي مد يدك به إليه.
ومنه حديث عمر بن عبد العزيز: إنه لما حضرته الوفاة قال: أجلسوني فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله. ثم رفع رأسه فأبدَّ النظر، وقال: إني لا؛ أي لا أشرك، أو إني لا أعيش.
القبضة: بمعنى المقبوض، كالغرفة بمعنى المغروف.
حذا وحثا: واحد، كجذا وجثا.
* * * * من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن اقترب من أبواب السلطان افتتن.
بدوت أبدو: إذا أتيت البدو، ومنه قيل لأهل البادية: بادية، كما قيل لحاضري الأمصار: حاضرة.
جفا: أي صار فيه جفاء الأعراب لتوحشه وانفراده عن الناس.
غفل: أي شغل الصيد قلبه وألهاه حتى صارت فيه غفلة.
وليس الغرض ما يزعمه جهلة الناس أن الوحش نعم الجن فمن تعرض لها خبلته وغفلته.
* * * * الخيل مبدأة يوم الورد.
أي مقدمة على غيرها يبدأبها في السقي.
* * * * أُتي ببدر فيه خضرات من البقول.
هو الطبق، سمي بدرا لاستدارته، كما يسمى القمر حين يستدير بدرا.
خضرات: غضات، يقال: بقلة خضرة وورق خضر، قال الله تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً).
* * * * علي عليه السلام - الابدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب بالعراق.
هم خيار بدل من خيار، جمع بدل وبدل.
العصائب: جمع عصابة. يريد طوائف يجتمعون فيكون بينهم حرب.
* * * * لما خطب فاطمة عليهما السلام قيل له: ما عندك؟ قال: فرسي وبدني.
هي الدرع القصيرة؛ سميت بذلك لأنها مجول للبدن ليست بسابغة تعم الأطراف.
الزبير - كان حسن الباد على السرج إذا ركب.
البادَّان: أصلا الفخذين؛ سميا بذلك لانفراجهما. وقيل لامرأة من العرب: علام تمنعين زوجك القضة فإنه يعتل بك؟ قالت: كذب! والله إني لأطأطئ الوساد وأُرخي الباد.
والمعنى أنه كان حسن الركبة.
* * * * حمل يوم الخندق على نوفل بن عبد الله بن المغيرة بالسيف حتى شقه باثنين، وقطع أبدوج سرجه ، ويقال : خلص إلى كاهل الفرس ، فقيل: يا أبا عبد الله؛ ما رأينا مثل سيفك! فيقول: والله ما هو السيف، ولكنها الساعد أ كرهتها.
هو اللبد، كانها كلمة أعجمية.
* * * * سعد رضي الله عنه - قال يوم الشورى ، بعد ما تكلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: الحمد لله بديا كان وآخراَ يعود. أحمده كما أنجاني من الضلالة ، وبصرني من الجهالة؛ بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم استقامت الطرق ، واستنارت السبل ، وظهر كل حق ، ومات كل باطل ، إني نكبت قرني، فأخذت السهم الفالج، وأخذت لطلحة بن عبيد الله ما أخذت لنفسي فى حضوري، فأنا به زعيم، وبما أعطيت عنه كفيل ، والأمر إليك يابن عوف.
البدي: الأول ، ومنه : أفعل هذا بادئ بديٍّ؛ أي كان الله عز وجل أولاً قبل كل شيء ، ويكون حين تفنى الأشياء كلها، ويبقى وجهه آخرا كما كان أولا؛ فهو الأول والآخر .
ومعنى يعود: يصير، وقد مضى شرحه.
القرن: جعبة صغيرة تقرن إلى الكبيرة.
الفالج: السهم الفائز فى النضال.
والمعنى: إني نظرت في الآراء وقلبتها فاخترت الرأي الصائب منها ، وهو الرضاء بحكم عبد الرحمن بن عوف ، وأجزت على طلحة مثل ما أجزته على نفسي ، ، وأنا زعيم بذلك: أي ضامن .
* * * * أم سلمة - إن مساكين سألوها فقالت : يا جارية أبديهم تمرة تمرة.
أي فرقي فيهم، من التبديد، يقال: أبددتهم العطاء: إذا لم تجمع بين اثنين.
قال أبو ذؤيب:
فأَبدَّهُنَّ حُتُوَفُهَّن فَهَاربٌ ... بِذَمَائِه أو بارِكٌ مُتَجَعْجِعُ
* * * * ابن المسيب - في حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا، وفي القليب خمسون ذراعا.
هي التي بدئت فحُفرت في الأرض الموات، وليست بعادية، فليس لأحد أن يحفر حولها خمسا وعشرين ذراعا.
والقليب: العادية، فليس لأحد أن ينزل على خمسين ذراعا منها ويتخذها دارا؛ فإنها لعامة الناس * * * * عكرمة - إن رجلا باع من التمارين سبعة أصوع بدرهم، فتبددوه بينهم، فصار على كل رجل حصة من الورق، فاشترى من رجل منهم تمرا أربعة أصوع بدرهم، فسأل عكرمة، فقال: لا بأس أخذت أنقص مما بعت.
تبددوه: أي اقتسموه بددا: أي حصصا على السواء.
* * * * بكر بن عبد الله - كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمازحون حتى يتبادحون بالبطيخ، فإذا حزبهم أمر كانوا هم الرجال أصحاب الأمر.
أي يترامون.
والبدح: رميك بكل شيء فيه رخاوة.
حتى هذه التي يبدأ بعدها الكلام. كالتي في قوله:
وحتَّى الجِيادُ ما يقدْن بأَرْسَانِ
والتقدير حتى هم يتبادحون، ولو كانت هي الجارة لسقطت النون لإضمار أن بعدها.
* * * * بوادر في (ظه). بادناً في (شذ). المبدئ في (نك). فلا تبدحيه في (سد). البدن في (رج). بددا في (عل). وذو بدوان في (عد). بوادره في (سا).
الباء مع الذال
النبي صلى الله عليه وسلم - البذاذة من الإيمان.
يقال : بذذت بعدي بذاذة وبذاذا و بذذاً : أي رثت هيئتك. والمراد التواضع في اللباس، ولبس مالا يؤدي منه إلى الخيلاء والرفول، وأن لذلك موقعا ًحسناً في الإيمان. ورجل باذّ الهيئة وبذها.
ومنه: إن رجلاً دخل المسجد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فأمره أن يصلي ركعتين. ثم قال : إن هذا دخل المسجد في هيئة بذة ، فأمرته أن يصلي ركعتين، وأنا أريد أن يفطن له رجل فيتصدق عليه.
* * * * يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج من الذل.
هي كلمة فارسية تكلمت بها العرب ، وهو أضعف ما يكون من الحملان ، وتجمع على بذجان.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - سئل عن الباذق؛ فقال : سبق محمد الباذق، وما أسكر فهو حرام .
هو تعريب باذه ، ومعناها الخمر.
* * * * الشعبي رحمه الله - إذا عظمت الحلقة فإنما هي بذاء و نجاء.
أي مباذاة؛ وهي الفاحشة، ومناجاة.
* * * * فيه بذاذة في (تا). في هيئته بذاذة في (حج). بذيا في (طف). يبذ القوم في (مغ). فابذعر في (زف). البذر في (نو). فما ابذقر في (مذ).
* * * *
الباء مع الراء
النبي صلى الله عليه وسلم - لما توجه نحو المدينة خرج بريد ة الأسلمي رضي الله عنه فى سبعين راكبا هن أهل بيته من بني سهم، فتلقى نبي الله ليلا. فقال له: من أنت؟ فقال : بريدة، فالتفت إلى أبى بكر وقال: يا أبا بكر؛ برد أمرنا وصلح، ثم قال: ممن؟ قال: من أسلم . قال لأبي بكر: سلمنا. ثم قال: ممن ؟ قال : من بني سهم. قال : خرج سهمك.
برد أمرنا: أى سهل؛ من العيش البارد، وهو الناعم السهل، وقيل: ثبت، من برد لي عليه حق.
خرج سهمك: أي ظفرت. وأصله أن يجيلوا السهام على الشيء، فمن خرج سهمه حازه.
* * * * من صلى البردين دخل الجنة.
هما الغداة والعشي، لطيب الهواء وبرده فيهما.
* * * * إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة .
أي صلوها إذا انكسر وهج الشمس بعد الزوال، وإذا كانوا في سفر فزالت الشمس وهبت الأرواح تنادوا: أبردتم بالرواح .
وحقيقة الإبراد الدخول في البرد. كقولك: أظهرنا وأفجرنا.
والباء للتعدية . فالمعنى ادخلوا الصلاة في البرد.
* * * * الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة.
هي التي تجيء عفواً من غير أن يصطلي دونها بنار الحرب، ويباشر حر القتال.
وقيل : الثابتة الحاصلة، من برد لي عليه حق. وقيل: الهنية الطيبة من العيش البارد .
والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب والهناءة أن الهواء والماء لما كان طيبهما ببردهما خصوصاً في بلاد تهامة والحجاز قيل: هواء بارد، وماء بارد، على سبيل الاستطابة، ثم كثر حتى قيل: عيش بارد، وغنيمة باردة، وبرد أمرنا.
* * * * كان يكتب إلى أمرائه:إذا أبردتم إلي بريدأ فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم.
أي إذا أرسلتم إلي رسولا.
والبريد: في الأصل: البغل، وهي كلمة فارسية أصلها بريده دم: أي محذوف الذنب؛ لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب، فعربت الكلمة وخففت، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريداً، والمسافة التي بين السكتين بريداً.
والسكة: الموضع الذي يسكنه الفيوج المرتبون من رباط أو قبة أو بيت أو نحو ذلك - وبعدما السكتين فرسخنان، وكان يرتب في كل سكة بغال.
* * * * أبرقوا فأن دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين.
أي ضحوا بالبرقاء، وهي الشاة التي تشق صوفها الأبيض طاقات سود.
والعفراء: يضرب لونها إلى بياض، من عفرة الأرض.
* * * * سئل - أي الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.
بره، أي أحسن إليه فهو مبرور. ثم قيل: بر الله عمله إذا قبله كأنه أحسن إلى عمله بأن قبله ولم يرده.
ومنه حديث أبى قلابة: إنه قال لخالد الحذاء وقد قدم من مكة: بر العمل.
والبيع المبرور: هو الذي لم يخالطه كذب ولا شيء من المآثم؛ كأن صاحبه أحسن إليه بإخلائه عن ذلك.
* * * * يبعث الله منها سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب فيما بين البرث الأحمر وبين كذا.
هو الأرض اللينة، جمعها براث.
الضمير في منها لحمص، وإنما قال ذلك لأن جماعة كثيفة من المؤمنين قتلوا هناك.
* * * * أُهدي مائة بدنة منها جمل كان لأبي جهل في أنفه برة من فضة.
هى الحلقة، ونقصانها واو، لقولهم : برة مبروَّة، أي معمولة.
* * * *
سئل عن مضر، فقال :كنانة جوهرها، وأسد لسانها العربي، وقيس فرسان الله في الأرض، وهم أصحاب الملاحم، وتميم برثمتها وجرثمتها.
قيل: أراد بالبرثمة: البرثنة واحد البراثن وهي المخالب، والمراد شوكتها وقوتها؛ فأبدل من النون ميما لتعا قبهما و لتزاوج الجرثمة، كالغدايا والعشايا.
والجرثمة: الجرثومة؛ وهي أصل الشيء ومجتمعه.
* * * * انطلق للبراز فقال لرجل: ائت هاتين الأشاءتين فقل لهما حتى تجتمعا، فاجتمعتا فقضى حاجته.
البراز: الفضاء، واشتق منه تبرز، كما قيل من الغائط: تغط.
الأشاءة: النخلة الصغيرة.
* * * * إن أبا طلحة قال له : إن أحب أموالي إليّ بيرحي، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ! ذلك مال رابح، أو قال رائح.
بيرحي: اسم أرض كانت له، وكأنها فيعلى، من للبراح، وهي الأرض المنكشفة الظاهرة.
بخ: كلمة يقولها المعجب بالشيء.
رابح: ذو ربح، كقولهم: همٌّ ناصب.
رائح: قريب المسافة يروح خيره ولا يعزب. قال :
سأَطْلب مالاً بالمدينة إنني ... أَرَى عازبَ الأموال قلَّت فَوَاضِلُه
خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن اريقط، فمروا على خيمتي أم معبد ، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم. فسألوها لحماً وتمرا يشترونه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك. وكان القوم مرملين مشتين - وروى مسنتين؛ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. فقال: هل بها من لبن؟ قالت : هي أجهد من ذلك! قال: أتأذنين لي أن أحلبها قالت: بأبي أنت وأمي! إن رأيت بها حلبا فاحلبها.
وروي أنه نزل هو وأبو بكر بأم معبد وذفان مخرجه إلى المدينة. فأرسلت إليهم شاة فرأى فيها بصرة من لبن، فنظر إلى ضرعها، فقال: إن بهذه لبنا، ولكن أبغيني شاة ليس فيها لبن، فبعثت إليه بعناق جذعة، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمى الله ودعا لها فى شائها؛ فتفاجّت عليه ودرَّت واجترت.
وروى أنه قال لابن أم معبد: يا غلام ؟ هات قرواً، فأتاه به ، فضرب ظهر الشاة فاجترت ودرت ، ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب به ثجا حتى علاه البهاء - وروى: الثمال، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، فشرب آخرهم، ثم أراضوا عللا بعد نهل، ثم حلب فيه ثانية بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها ثم ارتحلوا عنها .
فلما لبثت حتى جاء زوج ا أبو معبد يسوق أعنزا عجافا تشاركن هزالا - وروي : تساوك - وروى : ما تساوق، مخهن قليل. فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حيال، ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صقلة - وروى صعلة - وروى لم يعبه نحلة، ولم يزر به صقلة ، وسيما قسيما، فى عينيه دعج، وفى أشفاره عطف. أو قال غطف - وروي وطف . وفى صوته صحل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق ، فصل لا نزر ولا هذر، كأنما منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفونه، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا معتد .
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، لقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.
فأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه :
جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جزاءه ... رفيقين قَالاَ خَيْمَتي أمِّ مَعْبَد
هما نَزَلاَها بالهُدى واهتدت بهم ... فقد فاز من أَمْسى رفيقَ محمد
فيا لقُصَيّ ما زوى اللهُ عنكمُ ... به من فَعَال لايُجَارى وسؤدد
ِلَيْهن بني كعب مقامُ فَتاتهم ... ومقعدُها للمؤمنين بمَرْصَد
سلُوا أختكم عن شَاتِها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاةَ تَشْهدِ
دعاها بشاةٍ حائِل فتحلّبت له بصريح ضَرَّةُ الشاةِ مُزْبِدِ
فغادرها رَهْناً لديها لحالب ... يردّدها في مَصْدرٍ ثم مَوْرد
البرزة: العفيفة الرزينة التي يتحدث إليها الرجال فتبرز لهم، وهي كهلة قد خلا بها سن، فخرجت عن حد المحجوبات، وقد برزت برازة.
المرمل: الذي نفذ زاده فرقت حاله وسخفت، من الرمل وهو نسج سخيف، ومنه الأرملة لرقة حالها بعد قيمها.
المشتى: الداخل فى الشتاء.
والمسنت: الداخل فى السنة، وهي القحط، وتاؤه بدل من هاء لأن أصل أسنت أسنهت.
الكسر - بالكسر والفتح: جانب البيت.
وذفان مخرجه: أي حدثان خروجه، وهو من توذف إذا مر مرَّاً سريعاً.
البصرة: أثر من اللبن يبصر في الضرع.
التفاخ: تفاعل من الفجج، وهو أشد من الفحج، ومنه قوس فجاء.
وعن ابنة الخس في وصف ناقة ضبعة: عينها هاج، وصلاها راج، وتمشي وتفاج.
القرو: إناء صغير يردد فى الحوائج، من قروت الأرض: إذا جلت فيها وترددت.
الإرباض: الإرواء إلى أن يثقل الشارب فيربض.
انتصاب ثجا بفعل مضمر؛ أي يثبج ثجا، أو بحلب لأن فيه معنى ثج، ويجوز أن يكون بمعنى قولك ثاجا نصباً على الحال.
المراد بالبهاء وبيص ا الرغوة.
والثمال: جمع ثمالة، وهي الرغوة.
أراضوا: من أراض الحوض: إذا استنقع فيه الما ، يى نقعوا بالري مرة بعد أخرى.
تشاركن هزالا: أي عمهن الهزال فكأنهن قد اشتركن فيه.
التساوك: التمايل من الضعف: قال كعب:
حَرْفٌ تَوَارَثها السِّفارُ فجسْمُها ... عارٍ تَسَاوَكُ والفُؤَادُ خَطِيفُ
تساوق االغنم: تتابعها في السير، كأن بعضها يسوق بعضها.
والمعنى: أنها لضعفها وفرط هزالها تتخاذل ويتخلف بعضها عن بعض.
الحلوب: التي تحلب. وهذا مما يستغربه أهل اللغة زاعمين أنه فعول بمعنى مفعولة نظر إلى الظاهر، والحقيقة أنه بمعنى فاعلة، والأصل فيه أن الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه والمطرق إلى إحداثه. ومنه قوله:
إذا رَدَّ عَافىِ القِدْرِ مَنْ يَسْتَعِيرها
وقولهم: هزم الأمير العدو ، و بني المدينة . ثم قيل على هذا النهج: ناقة حلوب؛ لأنها تحمل على احتلابها بكونها ذات حلب، فكأنها تحلب نفسها لحملها على الحلب، وكذلك ناقة ضبوث: التي يشك في سمنها فتضبث، فكأنها تضبث، نفسها لحملها على الضبث بكونها مشكوكا في شأنها. ومن ذلك: الماء الشروب، والطريق الركوب، وأشباها.
بلج الوجه: بياضه وإشراقه. ومنه: الحق أ بلج.
الثجلة والثجل: عظم البطن.
والصقلة والصقل: طول الصقل؛ وهو الخصر، وقيل ضمره وقلة لحمه وقد صقل، وهو من قولهم: صقلت الناقة إذا أضمرتها. بالسير.
والمعنى: إنه لم يكن بمنتفخ الخصر ولا ضامره جداً.
والنحل: النحول.
والصعلة: صغر الرأس، يقال : رجل صعل وأصعل، وامرأة صعلاء.
القسام: الجمال، ورجل مقسم الوجه، وكأن المعنى أخذ كل موضع منه من الجمال قسماً، فهو جميل كله، ليس فيه شيء يستقبح.
العطف: طول الأشفار وانعطاها، أي تثنيتها، والعطف والغطف، وانعطف و انغطف وانغضف أخوات.
الوطف: الطول.
الصحل: صوت فيه بحة لا يبلغ أن تكون جشة، وهو يستحسن لخلوه عن الحدة المؤذية للصماخ.
السطع: طول العنق، ورجل أسطع وامرأة سطعاء، وهو هن سطوع النار.
سما: قيل ارتفع وعلا على جلسائه. وقيل : علا برأسه أو بيده. ويجوز أن يكون الفعل للبهاء؛ أي سماه البهاء وعلاه على سبيل التأكيد للمبالغة في وصفه بالبهاء والرونق إذا أخذ في الكلام؛ لأنه عليه السلام كان أفصح العرب.
فصل: مصدر موضوع موضع اسم الفاعل؛ أي منطقه وسط بين النزر والهذر فاصل بينهما.
قالوا: رجل ربعة فأثنوا؛ والموصوف مذكر على تأويل نفس ربعة. ومثله: غلام يفعة و جمل حجأة.
لا يأس من طول: يروى أنه كان فويق الربعة. فالمعنى أنه لم يكن في حد الربعة غير متجاوز له، فجعل ذلك القدر من تجاوز حد الربعة عدم يأس من بعض الطول.
وفى تنكير الطول دليل على معنى البعضية - وروى: " ربعة لا يائس من طول " .
يقال فى المنظرالمستقبح: اقتحمته العين؛ أي ازدرته، كأنها وقعت من قبحه فى قحمة ، وهي الشدة.
محفود: مخدوم. وأصل الحفد مداركة الخطو.
محشود: مجتمع؛ عليه؛ تعنى أن أصحابه يزفون فى خدمته، ويجتمعون عليه.
خيمتي، نصب على الظرف، أجرى المحدود مجري المبهم كبيت الكتاب:
كما عَسَل الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
اللام في " يا لقصي " للتعجب، كالتي في قولهم: يا للدواهي ويا للماء! والمعنى: تعالوا ياقصي لنعجب منكم فيما أغفلتموه من حظكم، وأضعتموه من عزكم بعصيانكم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وإلجائكم إياه إلى الخروج من بين أظهركم.
وقوله: " ما زوى الله عنكم " ، تعجب أيضاً معناه أي شيء زوى الله عنكم! الضرة: أصل الذي لا يخلو من اللبن. وقيل: هي الضرع كله ما خلا الأطباء.
* * * * أبو بكر الصديق رضي الله عنه - دخل عليه عبد الرحمن بن عوف فى علته التي مات فيها فقال: أراك بارئا يا خليفة رسول الله، فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليَّ من وجعي؛ وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير، ولتألمن النوم على الصوف الأذربي، كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان؛ والذى نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا. يا هادي الطريق جرت؛ إنما هو الفجر أو البجر - وروى: البحر.
قال له عبد الرحمن: خفض عليك يا خليفة رسول الله ! فإن هذا يهيضك إلى ما بك. وروى أن فلاناً دخل عليه فنال من عمر، وقال : لو استخلفت فلاناً؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك، ولما أخذت من أهلك حقَّا.
ودخل عليه بعض المهاجرين وهو يشتكي في مرضه، فقال له : أتستخلف علينا عمر، وقد عتا علينا ولا سلطان له، ولو ملكنا كان أعتى وأعتى! فكيف تقول لله إذا لقيته! فقال أبو بكر: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أبالله تفرقنى فإني أقول له إذا لقيته: استعملت عليهم خير أهلك.
برئ من المرض، وبرأ، فهو بارئ، ومعناه مزايلة المرض والتباعد منه، ومنه: برئ من كذا براءةً.
ورم الأنف، كناية عن إفراط الغيظ؛ لأنه يردف الاغتياظ الشديد أن يرم أنف المغتاظ وينتفخ منخراه، قال:
ولا يُهَاجُ إذَا ما أَنْفُه وَرِما
النضائد: الوسائد والفرش ونحوها مما ينضد، الواحدة نضيدة.
الأذربي منسوب إلى أذربيجان - وروى: " الأذري " .
البجر: الأمر العظيم. والمعنى: إن انتظرت يضيء لك الفجر أبصرت الطريق. وإن خبطت الظلماء أفضت بك إلى المكروه. وقال المبرد فيعن رواه البحر: ضرب ذلك مثلا لغمرات الدنيا وتحييرها أهلها.
خفض عليك، أي أبق على نفسك ، وهون الخطب عليها.
الهيض: كسر العظم المجبور ثانية، والمعنى أنه يينكسك إلى مرضك.
جعل الأنف في القفا عبارة عن غاية الإعراض عن الشيء ولى الرأس عنه؛ لأن قصارى ذلك أن يقبل بأنفه على ما وراءه ، فكأنه جعل أنفه في قفاه؛ ومنه قولهم للمنهزم: عيناه في قفاه لنظره إلى ما وراءه دائبا فرقاً من الطلب؛ والمراد لأفرطت في الإعراض عن الحق، أو لجعلت ديدنك الإقبال بوجهك إلى من وراءك من أقاربك مختصاً لهم ببرك ، ومؤثرا إياهم على غيرهم.
تفرقني: تخوفني من أهلك. كان يقال لقريش: أهل الله؛ تفخيما لشأنهم، وكذلك كل ما يضاف إلى اسم الله كبيت الله وكقولهم: لله أنت، وكقول امرئ القيس:
فلِلّه عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ ... أَشَتَّ وَأَنْأَى من فِرَاقِ المُحصَّبِ
* * * * أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه - قال رجل: ضربني عمر، فسقط البرنس عن رأسي، فأغاثني الله بشفعتين في رأسي.
البرنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، درَّاعة كان أوجبه أو ممطراً.
الشفعة: خصلة في أعلى الرأس.
* * * * أمير المؤمنين علي عليه السلام - خير بئر في الأرض زمزم، وشر بئر في الأرض برهوت.
هي بئر بحضرموت يزعمون أن بها أرواح الكفار؛ وقيل: وادٍ باليمن وقيل: هو اسم للبلد الذي فيه هذه البئر، والقياس في تائها الزيادة، لكونها مزيدة في أخواتها الجائية على أمثالها مما عرف اشتقاقه؛ كالتربوت والخربوت وغير ذلك.
* * * *
سعد رضي الله عنه - قال: لما قُتل على راية المشركين من قُتل من بني عبد الدار أخذ اللواء غلام لهم أسود، وكان قد انتكس، فنصبه العبد وبربر يسب، فرميته وأصيبت ثغرته، فسقط صريعا، فأقبل أبو سفيان فقال: من رداه؟ من رداه؟ البربرة: كثرة الكلام، ويحكى أن إفريقيس أبا بلقيس غزا البربر فقال: ما أكثر بربرتهم! فسموا بذلك.
رداه: رماه بحجر.
* * * * عمار رضي الله عنه - الجنة تحت البارقة.
هي السيوف لبريقها، وهذا كقولهم: الجنة تحت ظلال السيوف.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - أصل كل داء البردة.
هي التخمة: لأنها تبرد حرارة الشهوة، أو لأنها ثقيلة على المعدة بطيئة الذهاب، من برد إذا ثبت وسكن؛ قال:
اليوم يومٌ بارِدٌ سَمُومُهُ ... مَنْ جَزِع اليَوْمَ فَلا نَلُومُه
والمعنى ذم الإكثار من الطعام؛ وعن بعضهم: لو سئل أهل القبور: ما سبب آجالكم؟ لقالوا التخم.
* * * * حذيفة رضي الله عنه - قال سبيع بن خالد: أتينا الكوفة، فإذا أنا برجال مشرفين على رجل، فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان، فقال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فبرشموا إليه.
أي حددوا النظر وأداموه إنكاراً لقوله وتعجباً منه، يقال برشم إليه وبرهم؛ وإنما كان يسأله عن الشر ليتوقاه فلا يقع فيه؛ ولهذا كانت عامة ما يروى من أحاديث الفتن منسوبة إليه.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - استعمله عمر على البحرين، فلما قدم عليه قال له: يا عدو الله وعدو رسوله؛ سرقت من مال الله، فقال: لست بعدو الله ولا عدو رسوله، ولكني عدو من عاداهما، ولكنها سهام اجتمعت ونتاج خيل، فأخذ منه عشرة آلاف درهم فألقاها في بيت المال؛ ثم دعاه إلى العمل فأبى، فقال عمر رضي الله عنه: فإن يوسف قد سأل عن العمل، فقال: إن يوسف مني بريء وأنا منه براء، وأخاف ثلاثا واثنتين، قال: أفلا تقول خمسا؟ قال: أخاف أن أقول بغير حكم، وأقضي بغير علم، وأخاف أن يُضرب ظهري، وأن يشتم عرضي، وأن يؤخذ مالي.
البراء: البريء. والمراد بالبراءة بُعده عنه في المقايسة، لقوة يوسف عليه السلام على الاستقلال بأعباء الولاية وضعفه عنه. وأراد بالثلاث والاثنتين الخلال المذكورة، وإنما جعلها قسمين لكون الثنتين وبالا عليه في الآخرة، والثلاث بلاء وضرارا في الدنيا.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - لكل داخل برقة.
هي المرة من البرق، مصدر برق يبرق إذا بقى شاخص البصر حيرة؛ وأصله أن يشيم البرق فيضعف بصره.
ومنه حديث عمرو بن العاص: إنه كتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين؛ إن البحر خلق عظيم، يركبه خلق ضعيف، دود على عود، بين غرق وبرق.
يريد أن راكب البحر إما أن يغرق أو يكون مدهوشا من الغرق.
* * * * علقمة رضي الله عنه - قال أبو وائل: قال لي زياد: إذا وليت العراق فائتني، فأتيت علقمة فسألته؛ فقال: لا تقربهم فإن على أبوابهم فتناً كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم إلا أصابوا من دينك مثليه.
أراد مبارك الإبل الجربى. يعني أن هذه الفتن تعدى من يقربهم إعداء هذه المبارك الإبل الملس إذا أنيخت فيها. قال:
تُعْدي الصحاحَ مَباركُ الجُرْب
* * * * عي بن الحسين صلوات الله عليهما - اللهم صلّ على محمد عدد البرى و الثرى والورى.
البرى: التراب الذي على وجه الأرض، وهو العفر، من برى له إذا عرض وظهر.
الثرى: الندى الذي تحت البرى، ومنه قولهم: التقى الثريان، أي ندى المطر وندى الثرى.
مجاهد رحمه الله - قال في قوله عز وجل: (وأَنتُمْ سَامِدُون) البرطمة.
هذا تفسير للسمود، والسامد: الرافع رأسه تكبراً، والمبرطم: المتخاوص في النظر، وقيل: المقطب المتغضب لكبره. وجاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (سَامِدون) متكبرون.
* * * * قتادة رضي الله عنه - تخرج نار من مشارق الأرض تسوق الناس إلى مغاربها سوق البرق الكسير.
هو الجمل تعريب " بره " .
* * * * في الحديث - لا تبردوا عن الظالم.
أي لا تخففوا عنه، ولا تسهلوا عليه من عقوبة ذنبه بشتمه ولعنه.
* * * *
البيرم والبرم في " أن " . التبريح في " ول " . يتبرضه في " خب " . البرد في " خي " . وثلاثين بردة في " سر " . من هذا البرح في " سر " . غير أبرام في " عب " . كثيرات المبارك في " غث " . البرهرهة في " هو " . بكم برة في " مس " . أبر عليهم في " نض " . من البرحاء في " وغ " . برانياًّ في " جو " . وهذه البرازق في " طر " . البرجمة في " رس " . إن البر دون الإثم في " رب " .
* * * *
الباء مع الزاي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كانت نبوة رحمة، ثم تكون خلافة رحمة، ثم تكون ملكاً يملِّكه الله من يشاء من عباده، ثم تكون بزبزياَّ: قطع سبيل، وسفك دماء، وأخذ أموال بغير حقها.
أي استيلاء منسوبا إلى البزبزة؛ وهي الإسراع في الظلم، والخفة إلى العسف، وأصلها السوق الشديد - وروى " بزيزي " بوزن " خليفي " ، وهي من مصدر من بزّ إذا سلب، ومعناها كثرة البزّ. الضمير في " كانت " للحال، وكذلك في " تكون " .
خطب يوم فتح مكة فقال: ألا في قتيل خطأ العمد ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة.
يقال: جمل بازل وناقة بازل: إذا تمت لهما ثماني سنين ودخلا في التاسعة. وإذا أتى على الجمل عام بعد البزول وقيل له: مخلف، فأما الناقة فلا تكون مخلفاً، ولكن يقال لها: بزول وبازل عام. والضمير في " عامها " ، يرجع إلى موصوف محذوف؛ لأن التقدير: إلى ناقة بازل عامها، ولا يجوز إلى " بازل " نفسها، لأن البازل مضافة إلى العام، فلو رجعت فأضفت العام إليها كنت بمنزلة من يقول: سيد غلامه، أي سيد غلام السيد، وهذا محال، ونظيره في قول حاتم يخاطب امرأته:
أماويّ إني رُبَّ وَاحدِ أُمِّه ... أَجَرْتُ فلا غرم عليه ولا أَسْرُ
والخلفة: واحدة المخاض، وهي الحوامل على غير لفظها.
* * * * في قصيدة أبي طالب يعاتب قريشاً في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
كذَبتُم وبَيْت الله يُبْزَي مُحمَّدُ ... ولما نُطَاعِنْ دُونَهُ ونُقَاتِلِ
أي لا يبزي، فحذفه لأنه لا يلبس، ومثله:
فقلت يمينَ اللهِ أبرحُ قاعِدا
وقوله:
آليتُ حبّ العِراق الدَّهر أطعمه
والبزو: القهر والغلبة، ويجوز أن يكون من الإبزاء، قال:
وإنّي أخوكَ الدائم العَهْد لم أحُلْ ... إِن ابْزَاك خَصْمٌ أو نَبَا بِك مَنْزِلُ
أمير المؤمنين علي رضي الله عنه - قال سعد بن أبي وقاص: رأيته يوم بدر وهو يقول:
بَازِلُ عامَيْنِ حَدِيثٌ سَنِّي ... سَنَحْنَحُ اللّيل كأنيَ جِنِّي
لمثل هذا وَلَدَتْني أمي ... ما تَنْقِمُ الحربُ العَوَانُ مِنِّي
سَنَحْنَحُ اللَّيْلِ كأنّيَ جِنِّي
وروى:
سَمَعْمَع كأنَّني من جِنَ
بازل عامين: هو البعير الذي تمت له عشر سنين، ودخل في الحادية عشرة فبلغ نهايته في القوة، وهو الذي يقال له: مخلف عام؛ والمعنى: أنا في استكمال القوة كهذا البعير مع حداثة السن.
السنحنح والسمعمع مما كرر عينه ولامه معاً، وهما من سنح وسمع. فالسنحنح: العريض الذي يسنح كثيراً، وإضافته إلى الليل على معنى أنه يكثر السنوح فيه لأعدائه والتعرض لهم لجلادته. والسمعمع: الخفيف السريع في وصف الذئاب، فاستعير، والذئب موصوف بحدة السمع، ولهذا قيل لولده من الضبع: السمع، وضرب به المثل فقيل: أسمع من سمع.
السن: أُنثت في تسمية الجارحة بها، ثم استعيرت للعمر، للاستدلال بها على طوله وقصره، فقيل: كبرت سني؛ مبقاة على التأنيث بعد الاستعارة، ونظيرها اليد والنار في إبقاء تأنيثهما بعد ما استعيرتا للنعمة والسمة.
وقوله: حديث سني، كما يقال: طلع الشمس، واضطرم النار؛ لأن " حديث " معتمد على " أنا " المحذوف وليس بخبر قدم.
خفف ياء " جني " ضروة، ويجوز في القوافي تخفيف كل مشدد ومثله قوله:
أصحوتَ اليومَ أم شاقَتْك هِرْ
خالف بين حرفي الروى؛ لتقارب النون والميم، وهذا يسمى الإكفاء في علم القوافي، ومثله:
يَا رِيَّهَا الْيَوْمَ على مُبين ... على مُبِينٍ جَرَدِ الْقَصِيمِ
* * * * زيد رضي الله عنه - قضى في البازلة بثلاثة أبعرة.
هي في الشجاج: المتلاحمة، لأنها تبزل اللحم أي تشقه.
* * * * بزيع في " خش " . بأشهب بازل في " شه " . البيازر في " بج " . بزّة في " شك " .
* * * *
الباء مع السين
النبي صلى الله عليه وسلم - يخرج قوم من المدينة إلى العراق والشام يبسون المدينة، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
البس: السوق والطرد، يقال: بس القوم عنك، أي اطردهم، ومنه بس عليه عقاربه؛ إذا بث نمائمه؛ قال أبو النجم:
وانْبَسَّ حَيَّاتُ الكَثيبِ الأَهْيَلِ
وبه فسر قوله تعالى: (وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَساًّ). والمعنى يسوقون بهائمهم سائرين؛ ولا محل له من الإعراب؛ لأنه بدل من " يخرج قوم " ، ولا يجوز أن يقال: هو في محل النصب على الحال؛ لأن الحال لا ينتصب عن النكرة، ويجوز أن يكون صفة لقوم؛ فيُحكم على موضعه بالرفع.
* * * * يد الله بسطان لمسيء النهار حتى يتوب بالليل، ولمسيء الليل حتى يتوب بالنهار.
يقال: يد فلان بسط: إذا كان منفاقا منبسط الباع، ومثله في الصفات: روضة أنف، ومشية سجح، ثم يخفف فيقال: بسط كعنق وأذن، جُعل بسط اليد كناية عن الجود، حتى قيل للملك الذي يطلق عطاياه بالأمر وبالإشارة: مبسوط اليد، وإن كان لم يعط منها شيئاً بيده، ولا يبسطها به البتة، وكذلك المراد بقوله: يدا الله بسطان، وبقوله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) الجواد والإنعام لا غير، من غير تصور يد ولا بسطها؛ لأن قولهم: مبسوط اليد وجواد عبارتان معتقبتان على معنى واحد، والمعنى: إن الله جواد بالغفران للمسيء التائب. رزقنا الله التوبة ومغفرة الذنوب. وفي قراءة ابن مسعود: (بل يداه بُسْطان).
وفي حديث عروة: مكتوب في الحكمة: ليكن وجهك بسطاً تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.
أي منبسطا منطلقا.
* * * * أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه - مات أُسيد بن حضير فأُبسل ماله بدينه، فبلغ عمر، فرده فباعه ثلاث سنين متوالية فقضى دينه.
* * * * أي أُسلم إذا كان مستغرقاً بالدين، ومنه أُبسل فلان بجريرته. قال الشنفري: هُنَالِك لا أَرْجُو حياةً تَسُرُّني سَجِيس اللَّيَالِي مُبْسَلاً بالجَرائر وكان المال نخلاً فباعه، أي باع ثمرته حتى قضى منها دينه.
قال في دعائه: آمين وبسلا.
قيل: معناه إيجاباً وتحقيقاً. قال أبو نخيلة:
لا خابَ من نَفْعِكَ مَنْ رَجَاكَا ... بَسْلاً وَعادَى اللهُ مَنْ عَادَاكَا
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - نزل آدم من الجبة ومعه الحجر الأسود متأبطه، وهو ياقوتة من يواقيت الجنة، ونزل بالباسنة ونخلة العجوة - وروى: " ونزل بالعلاة " .
الباسنة: آلات الصناع، وقيل سكة الحرَّاث.
العجوة: ضرب من أجود التمر. وعنه عليه وآله الصلاة والسلام: العجوة من الجنة. وهي شفاء من السم.
العلاة: السندان.
* * * * الأشجع العبدي رضي الله عنه - لا تبسروا ولا تثجروا ولا تعاقروا فتسكروا.
البسر: خلط البسر بالتمر وانتباذهما.
والثجر: أن يؤخذ ثجير البسر فيُلقى مع التمر، وهو ثفله.
والمعاقرة: الإدمان، مأخوذ من عقر الحوض؛ وهو مقام الشاربة، أي لا تلزموه لزوم الشاربة العقر.
* * * * الحسن رحمه الله - قال له وليد التياس: إني رجل تياس. قال: لا تبسر ولا تحلب.
وروى: سألت الحسن عن كسب التياس. فقال: لا بأس به ما لم يبسر ولم يمصر.
هو أن يحمل على الشاة غير الصارف والناقة غير الضبعة.
المصر: أن يحلب بإصبعين، أراد ما لم يسترق اللبن.
* * * * قد بُسَّ منه في " عي " . البساط في " عم " . وبواسقها في " قع " . فأنجاد بسل في " فر " . بعد تبسق في " رب " . ومرة بالبسر في " رغ " . الباسة في " بك " . أشأم من البسوس في " زو " .
* * * *
الباء مع الشين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا يوطن من المسجد للصلاة والذكر رجل إلا تبشيش الله به حين يخرج من بيته كما تبشبش أهل البيت بغائبهم إذا قدم عليهم.
التبشيش بالإنسان: المسرة به والإقبال عليه، وهو من معنى البشاشة لا من لفظها عند أصحابنا البصريين؛ وهذا مثل لارتضاء الله فعله ووقوعه الموقع الجميل عنده.
يخرج: في موضع الجر بإضافة حين إليه، والأوقات تضاف إلى الجمل، ومن لابتداء الغاية؛ والمعنى: إن التبشيش يبتدئ من وقت خروجه من بيته إلى أن يدخل المسجد؛ فترك ذكر الانتهاء لأنه مفهوم، ونظيره:
شمتُ البرقَ من خَلَل السحاب
ولا يجوز أن يفتح " حين " كما فتحه في قوله:
على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصّبا
لأنه مضاف إلى معرب، وذاك إلى مبني.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - من أحب القرآن فلْيَبْشَرْ - وروى فلْيَبْشُر يقال: بشرته، بمعنى بشرته، فبشر، كجبرته فجبر، وبشرت فبشر كثلجت صدره فثلج، والمعنى البشارة بالثواب العظيم الذي لا يبلغ كنهه وصف؛ ولهذا المعنى حذف المبشر به.
وقيل: المراد بقوله: " فليبشر " بالضم أن يضمر نفسه لحفظه؛ فإن كثرة الطعام تنسيه إياه، من بشر الأديم وهو أخذ باطنه بشفرة. ومثله قوله: " إني لأكره أن أرى الرجل سمينا نسياًّ للقرآن " . ونظير البشر في وقوعه عبارة عن التضمير النحت والبري في التعبير بهما عن الهزال وذهاب اللحم. يقال: براه السفر، قال:
وهو من الأَيْنِ حَفٍ نَحِيت
ومن البشر حديث ابن عمرو: أُمرنا أن نبشر الشوارب بشراً أراد أن نحفيها حتى تظهر البشرة.
* * * * ابن غزوان رضي الله عنه - خطب الناس بالبصرة، فقال: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما لنا طعام إلا ورق البشام حتى قرحت أشداقنا، ما منا اليوم رجل إلا على مصر من الأمصار.
وروى: " سابع سبعة قد سُلقت أفواهنا من أكل الشجر " .
البشام: شجر يستاك به. قال جرير:
أَتَذْكُرُ يَوْم تَصْقُل عَارِضَيْهَا ... بِفَرْع بَشامةٍ سُقِي البَشَام
سُلقت، من السلاق، وهو بثر يخرج في باطن الفم.
السابع على معنيين: يكون اسما للواحد من السبعة، واسم فاعل من سبعت القوم؛ إذا كانوا ستة، فأتممتهم بك سبعة. فالأول يُضاف إلى العدد الذي منه اسمه، فيقال: سابع سبعة، إضافة محضة بمعنى أحد سبعة، ومثله في القرآن: (ثاني اثنين)، وثالث ثلاثة. والثاني يضاف إلى العدد الذي دونه فيقال: سابع ستة إضافة غيره من أسماء الفاعلين، كضارب زيد، والمعنى سابع ستة.
* * * * الحجاج - دخل عليه سيابة بن عاصم السلمي، فقال: من أي البلدان أنت؟ قال: من حوران قال: هل كان وراءك من غيث؟ قال: نعم! أصلح الله الأمير. قال: انعت لنا كيف كان المطر وتبشيره؟ قال: أصابتني سحابة بحوران، فوقع قطر كبار وقطر صغار، فكأن الصغار لحمة للكبار، ووقع سبطاً متداركاً، وهو السَّحُّ الذي سمعت به؛ وادٍ سائل، وواد نادح، وأرض مقبلة، وأرض مدبرة، وأصابتني سحابة بالقريتين فلبدت الدماث، وأسالت العزاز، وصدعت عن الكمأة أماكنها، وجئتك في مثل جار الضبع.
وروى: فلبدت الدماث، ودحضت التلاع، وملأت الحفر، وجئتك في ماء يجرّ الضبع، ويستخرجها من وجارها؛ فقاءت الأرض بعد الري، وامتلأت الإخاذ وأفعمت الأودية.
ثم دخل عليه رجل من أهل اليمامة، فقال: هل كان وراءك من غيث؟ فقال: نعم، كانت سماءٌ ولم أرها، وسمعت الرواد تدعو في ريادتها، فسمعت قائلا يقول: أُظعنكم إلى محلة تطفأ فيها النيران، وتشتكي فيها النساء، وتنافس فيها المعزى.
فلم يفهم الحجاج ما قال، فاعتل عليه بأهل الشام، فقال: ويحك! إنما تحدث أهل الشام فأفهمهم. فقال: أما طفءُ النيران، فإنه: أخصب الناس فكثر السمن والزبد واللبن فلم يحتج إلى نار يخبز بها. وأما تشكي النساء فإن المرأة تربق بهمها وتمخض لبنها فتبيت ولها أنين. وأما تنافس المعزى فإنها ترى من ورق الشجر وزهر النبات ما يشبع بطونها ولا يُشبع عيونها؛ فتبيت ولها كظة من الشبع وتشتر فتتنزل الدرة.
ثم دخل رجل من بني أسد، فقال له: هل كان وراءك غيث؟ فقال: أغبر البلاد، وأكل ما أشرف من الجنة؛ فاستيقنا أنه عام سنة. فقال: بئس المخبر أنت.
ثم دخل رجل من الموالي من أشد الناس في ذلك الزمان، فقال له: هل كان وراءك غيث؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، غير أني لا أحسن أن أقول كما قال هؤلاء، إلا أنه أصابتني سحابة فلم أزل في ماءٍ وطينٍ حتى دخلت على الأمير.
فضحك الحجاج ثم قال: والله لئن كنت من أقصرهم خطبة في المطر إنك لمن أطولهم خطوة بالسيف.
التبشير: واحد التباشير؛ وهي الأوائل والمبادئ. ومنه تباشير الصبح، وهو في الأصل مصدر بشر؛ لأن طلوع فاتحة الشيء كالبشارة به، ومثله التعشيب والتنبيت.
لحمة للكبار؛ أراد أن القطر قد انتسج لفرط تتابعه، فشبه الكبار بسدي النسيج والصغار بلحمته.
السبط: الممتد المنبسط، وقد سَبِط وسَبُط.
النادح: الواسع، من ندح يندح إذا وسعه، وهو من باب العيشة الراضية، والماء الدافق، ومنه المندوحة وهي السعة، مصدر من ندح كالمكذوبة والمصدوقة.
الدماث: السهول، جمع مكان دمث أو أرض دمثة.
العزاز: الأرض الصلبة.
دحضت التلاع: صيرتها مداحض: أي مزالق.
الإخاذ: المصانع.
أُفعمت: مُلئت.
الريادة: مُخرجة على زنة الخياطة والقصارة؛ لأنها صناعة.
الكظة: الامتلاء المفرط من طعام أو شراب؛ من اكتظ الوادي إذا غص بالماء.
قلبت جيم " تجتر " شيناً لتقاربهما.
قيل في " تشكي النساء " وجه آخر؛ وهو اتّخاذهن شكاء اللبن، جمع شكوة، وهي القربة الصغيرة يقال: شكى الراعي وتشكى، قال:
وحَتَّى رَأَيْتُ العَنْزَ تَشْرَي وشَكَّتِ الْأيَامَى وأَضْحَى الرِّئْم بالدَّوِّ طَاوِيا
الجنة: عامة الشجر التي تتربل في الصيف.
السنة: القحط، أراد بطول الخطوة التقدم إلى الأقران، من قول ابن حطان:
إذا قصُرت أسيافُنا كَانَ وَصْلُها ... خُطَانا إلى أَعْدَائنا فنُضَارب
* * * * وأبشره في " قر " . فبشكه في " طر " . والبشام في " ظر " . بشق في " غث " .
* * * *
الباء مع الضاد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عن ابن طريف: كنت شاهداً النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر أهل الطائف، فكان يصلي بنا صلاة البصر، حتى لو أن إنسانا رمى بنبلة أبصر مواقع نبله.
البصر، بمعنى الإبصار، يقال: بصر به بصراً. وقيل لصلاة الفجر أو المغرب على خلاف فيها: صلاة البصر؛ لأنها تُصلى في وقت إبصار العيون للأشخاص بعد حيلولة الظلمة أو قبلها.
* * * * ذكر قوما يؤمون البيت ورجل متعوذ بالبيت قد لجأ به من قريش، فإذا كانوا بالبيداء خسف بهم. فقيل: يا رسول الله؛ أليس الطريق يجمع التاجر وابن السبيل والمستبصر والمجبور؟ قال: يهلكون مهلكا واحداً، ويصدرون مصادر شتى.
المستبصر: ذو البصيرة في دينه.
المجبور: المُجبر على الخروج، يقال: جبره على الأمر وأجبره؛ ومعناه أن قوما يقصدون بيت الله ليلحدوا في الحرم فيخسف بهم الله. فقيل له: إن تلك الرفقة قد تجمع من ليس قصده قصدهم. فقال: يهلكون جميعاً، ثم يذهبون مذاهب شتى في الجزاء.
* * * * بن مسعود رضي الله عنه - بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبصر كل سماء مسيرة خمسمائة عام.
البصر: غلظ الشيء، يقال: ثوب ذو بصر؛ إذا كان غليظاً وثيجا. ومنه البصرة والبصر لنوع الحجارة.
ويجوز أن يراد بالمسيرة المسافة التي يسار فيها كما قيل: المتيهة والمزلة. ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى السير كالمعيشة والمعيش، والمعجزة والمعجز.
* * * * كعب رضي الله عنه - تمسك النار يوم القيامة حتى تبص كأنها متن إهالة، فإذا استوت عليها أقدام الخلائق نادى منادٍ: أمسكي أصحابك ودعي أصحابي فتخنس بهم - وروى: فتخسف بهم، فيخرج منها المؤمنون ندية ثيابهم.
البصيص: البريق.
الإهالة: الودك.
خنس به يخنُس ويخنِس: إذا أخَّره وغيَّبه.
* * * * بصير وأعمى في " سف " . ما هذه البصرة في " كذ " . بصره في " بر " . وبصرها في " فر " . أصح بصرٍ في " خس " .
* * * *
الباء مع الضاد
النبي صلى الله عليه وسلم - لما تزوج خديجة بنت خويلد دخل عليها عمرو بن أُسيد، فلما رأى النبي عليه السلام قال: هذا البضع لا يقرع أنفه - وروى: لا يقدع.
وروى: أنه لما خطب خديجة استأذنت أباها وهو ثمل فقال: هو الفحل لا يقرع أنفه؛ فنحرت بعيراً، وخلَّقت أباها بالعبير. وكسته برداً أحمر؛ فلما صحا من سكره قال: ما هذا الحبير؟ وهذا العقير؟ وهذا العبير؟ البضع: مصدر بضع المرأة إذا جامعها، ومثله فيما حكاه سيبويه: قرعها قرعاً، وذقطها ذقطاً؛ وفعل في المصادر غير غريب؛ منه الشغل والسكر والكفر وأخوات لها. ويقال لعقد النكاح: بضع أيضا، كما استعمل النكاح في المعنيين. وأرادها هاهنا صاحب البضع فحذف.
قرع الأنف: عبارة عن الرد، وأصله في الفحل الهجين إذا أراد أن يضرب في كرائم الإبل قرع أنفه بالعصا ليرتد عنها.
والقدع: قريب من القرع، قالت ليلى الأخيلية:
ولم يقْدع الخصم الألدّ ويملأ الْ ... جِفان سديفاً يوم نكباء صرصر
أراد بالحبير: البرد الذي كسته، وبالعبير: الذي خلقته به. وبالعقير: البعير المنحور.
* * * *
عمر رضي الله عنه - كان لرجل حقٌّ على أم سلمة، فأقسم عليها أن تعطيه، فضربه أدباً له ثلاثين سوطاً كلها يبضع ويَحْدُر - وروى: يُحْدِر.
أي يشق الجلد، ومنه المبضع، ويورِّم، يقال: أحدره الضرب وحدره حدرا. وحدر الجلد بنفسه حدورا. قال عمر بن أبي ربيعة:
لو دَبَّ ذَرٌّ فَوْقَ ضَاحِي جِلْدِها ... لأَبَانَ مِنْ آثارِهِنّ حُدُورَا
وقيل: يُحدر الدم؛ أي يسيله.
* * * * النخعي رحمه الله تعالى - يقال: إن الشيطان يجري في الإحليل، ويبض في الدبر، فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئاً فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
البضيض: سيلان قليل، شبه الرشح؛ والمعنى أنه يدب فيه فيخيل إليك أنه بضيض بلل.
* * * * الحسن رحمه اللع تعالى - ما تشاء أن ترى أحدهم أبيض بضا يملخ في الباطل ملخا، ينفض مذرويه، ويضرب أسدريه، يقول: هأنذا فاعرفوني! قد عرفناك فمقتك الله، ومقتك الصالحون.
البض: الرقيق البشرة الرَّخْص الجسد.
الملخ: الإسراع والمر السهل، يقال: بكرة ملوخ، وقال رؤبة:
مُعْتَزِمُ التَّجْلِيخ مَلاَّخُ المَلَق
أي سريع في الملق، وهو ما استوى من الأرض.
المذروان: فرعا الأليتين، وإنما يقل: مذريان كقولهم: مذريان في ثنية مذري الطعام؛ لأن الكلمة مبنية على حرف التثنية، كما لم تقلب ياء النهاية، وواو الشقاوة همزة لبنائهما على حرف التأنيث.
الأسدران: العطفان، أي يضرب بيديه عليهما. عن ابن الأعرابي: وهو مثل للفارغ، ونفض المذروين للمختال.
قد عرفناك: يسمى التفاتا، وله في علم البيان موقع لطيف.
* * * * وتبضع طيبها في " كي " . ما تبض ببلال في " صب " . يبض ماء أصفر في " ند " . من كل بضع في " سح " . أن يستبضع في " نظ " .
* * * *
الباء مع الطاء
النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عيسى بن مريم عليه السلام، فإذا رجل أبيض مبطن مثل السيف.
وهو الضامر البطن.
* * * * ابن عمرو رضي الله عنهما - يؤتى برجل يوم القيامة، وتُخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وتخرج له تسعة وتسعون سجلاً فيها خطاياه فترجح بها.
قال ابن الأعرابي: البطاقة: الورقة - وروى " نطاقة " بالنون. وقال شمر: هي كلمة مبتذلة بمصر وما والاها، يدعون بها الرقعة الصغيرة المنوطة بالثوب التي فيها رقم ثمنه؛ لأنها تشد بطاقة من هدبه، وقيل لها: النطاقة؛ لأنها تنطق بما هو مرقوم عليها.
* * * * ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى - قال رجاء بن حيوة: كنت معه فضعف السراج فقلت: أقوم فأُصلحه، فقال: إنه للؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه، فقام فأخذ البطَّة فزاد في دهن السراج ثم رجع فقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
البطة: الدَّبَّة بلغة أهل مكة، وقيل: هي إناء كالقارورة، وكأنها سميت بذلك لأنها على شكل الطائر المعروف.
* * * * النخعي رحمه الله تعالى - كان يبطن لحيته ويأخذ من جوانبها.
أي يأخذ شعرها من تحن الذقن والحنك.
* * * * أبطحوا في " رف " . وبطن في " ظه " . والبطحاء في " جد " . بطيحاء في " كم " . ذو البطين في " جب " . بطاقة في " كه " . ليستبطنها في " غل " . أبا البطحاء في " قح " . إن الشوط بطين في " رح " . ببطنتك في " غض " . الأباطيل في " دح " . البطريق في " رس " . ما بطأ بهم في " ثب " .
* * * *
الباء مع الظاء
علي عليه السلام - أتى في فريضة، وعنده شريح فقال له: ما تقول أنت أيها العبد الأبظر؟ هو الذي في شفته العليا بظارة، وهي هنة ناتئة في وسطها لا تكون لكل أحد، ويقال لحلمة ضرع الشاة: بظارة أيضاً، وقيل: الأبظر الصخاب الطويل اللسان؛ وجعله عبداً؛ لأنه وقع عليه سباء في الجاهلية.
* * * * بظيت في " زر " .
* * * *
الباء مع العين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ما سُقي منها بعلا ففيه العُشر.
البعل: النخل النابت في أرض تقرب مادة مائها، فهو يجتزئ بذلك عن المطر والسقي؛ وإياه أراد النابغة في قوله:
مِن الوَارِدَات الماءَ بالْقَاعِ تَسْتَقِي ... بأَذْنَابِهَا قَبْلَ اسْتِقَاء الْحَناجِرِ
وإنما سمي بعلاً لأنه باجتزائه كل على منابته ومراسخ عروقه، من قولهم: أصبح فلان بعلاً على أهله؛ إذا صار كلاًّ وعيالا عليهم.
ومنه حديثه: إن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله؛ أُبايعك على الجهاد، فقال: هل لك من بعل؟ قال: نعم، قال: انطلق فجاهد فيه، فإن لك فيه مجاهدا ًحسنا.
قيل معناه: هل لك من يلزمك طاعته من أب وأم ونحوهما؟ من قولهم: هو بعل الدار والدابة، أي مالكهما. ومنه بعل المرأة. ويجوز أن يكون مخففاً عن بعِل، وهو العاجز الذي لا يهتدي لأمره من بعل بالأمر، وامرأة بعلة: بلهاء لا تحسن اللبس ولا إصلاح شأن النفس.
بعلا، نصب على الحال، والمعنى ما سقاه الله بعلاً.
* * * * تكلم لديه رجل فقال له: كم دون لسانك من حجاب؟ فقال: شفتاي وأسناني. قال: إن الله يكره الانبعاق في الكلام.
هو الإكثار والاتساع فيه، من انعبق المطر؛ وهو أن يسيل بكثرة وشدة.
* * * * ذكر أيام التشريق فقال: إنها أكل وشرب وبعال.
هو المباعلة، وهي ملاعبة الرجل أهله، قال الحطيئة:
وكَمْ مِنْ حَصان ذَاتِ بَعْلٍ تَرَكْتَها ... إذا الليل أَدْجَى لم تَجِدْ من تُبَاعِلُه
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - ما مُصلى لامرأة أفضل من أشد مكان في بيتها ظلمة، إلا امرأة قد يئست من البعولة فهي في منقليها.
هي جمع بعل، والتاء لتأنيث الجمع، كالسهولة والحزونة، ويجوز أن يكون مصدرا، يقال: بعلت المرأة بعولة، أي صارت ذات بعل.
المنقل: الخف، قال الكميت:
وكَانَ الأَباطِحُ مِثْل الإِرِينْ ... وَشُبِّهَ بالحِفْوَةِ المَنْقَل
أي هي لابسة خفيها لخروجها من البيت، وترددها في الحوائج، والمعنى كراهة الصلاة في المسجد للشواب والترخيص فيها للعجائز.
لامرأة: في موضع الرفع صفة لمصلى.
وأفضل أما أن يُنصب على لغة أهل الحجاز، أو يرفع على لغة بني تميم.
* * * * حذيفة رضي الله عنه - قال: ما بقي من المنافقين إلا أربعة، فقال رجل: فأين الذين يبعقون لقاحنا، وينقبون بيوتنا؟ فقال: أولئك هم الفاسقون - مرتين.
بعق الناقة: نحرها، وبعق للتكثير.
* * * * وفي كلام الضبي - كانت قبلنا ذئبة مجرية، فأقبلت هي وعرسها ليلا، فبعقتا غنمنا.
أي شقتا بطونها، أو المراد اللصوص الذين يغيرون على أهل الحي فيستاقونها، ثم ينحرونها ويأكلونها.
* * * * إن للفتنة بعثات ووقفات، فمن استطاع أن يموت في وقفاتها فليفعل.
جمع بعثة، وهي المرة من البعث؛ أي إثارات وتهيجات.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قيل له: أخبرنا عن نفسك في قريش؟ فقال: أنا ابن بعثطها والله ما سوبقت إلا سبقت، ولا خضت برجل غمرة إلا قطعتها عرضا.
البعثط: سرة الوادي، أراد أنه من صميم قريش وواسطتها. وخوض الغمر عرضاً أمر شاق لا يقوى عليه إلا الكامل القوة، يقال: إن الأسد يفعل ذلك. والذي عليه العادة اتباع الجرية حتى يقع الخروج ببعدٍ من موضع الدخول، وهذا تمثيل لإقحامه نفسه فيما يعجز عنه غيره، وخوضه في مستصعبات الأمور وتفصّيه منها ظافراً بمباغيه.
* * * * عروة رضي الله عنه - قال: قتل في بني عمرو بن عوف قتيل، فجعل عقله على بني عمرو بن عوف؛ فما زال وارثه، وهو عمير بن فلان، بعلّيا حتى مات.
هو منسوب إلى البعل من النخل، وقد سبق تفسيره، والمراد ما زال غنيا ذا نخل كثير، ويجوز أن يكون بمعنى البعل وهو المالك، من قولهم: هو بعل هذه الناقة، والياء ملحقة للمبالغة مثلها في أحمري ودوَّاري؛ أي كثير الأملاك والقنية. وقيل: يشبه أن يكون بعلياء من قول العرب في أمثالها: ما زال منها بعلياء، يضرب لمن يفعل فعلة تكسبه شرفا ومجدا، ومثله قولهم: ما زال بعدها ينظر في خير.
والعلياء: اسم للمكان المرتفع كالنجد واليفاع، وليست بتأنيث الأعلى؛ الدليل عليه انقلاب الواو فيها ياء، ولو كانت صفة لقيل: العلواء، كما قيل: العشواء، والقنواء والخدواء، في تأنيث أفعلها، ولأنها استعملت منكرة، وأفعل التفضيل ومؤنثه ليسا كذلك.
* * * * فبعها في " كر " . يوم بعاث في " قي " . تبعل أزواجكن في " قص " . ولا باعوثا في " قل " . بعجت له في " حن " . اغدوا المبعث في " غد " . بعج الأرض في " زف " . بعل بالأمر في " هط " . وبعيثك في " دح " . من البعل في " ضح " . بُعد ما بين السماء والأرض في " رف " . بعلي رسولها في " سح " .
* * * *
الباء مع الغين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا معه في سفر، فأصابهم بُغيش فنادى مناديه: من شاء أن يصلي في رحله فليفعل.
تصغير بغش، وهو المطر الخفيف، وقد بغشت السماء الأرض تبغشها. قال رؤبة:
سيدا كَسِيدِ الرَّدْهَة المبغوشِ
* * * * أبو بكر الصديق رضي الله عنه - خرج في بغاء إبل، فدخل عند الظهيرة على امرأة يقال لها حبة، فسقته ضيحة حامضة.
أخرج بغاء الشيء على زنة الأدواء كالعطاس والنحاز تشبيها لشغل قلب الطالب بالداء، وبغاء المرأة على زنة العيوب كالشراد والحران؛ لأنه عيب فاحش.
الضيحة: من الضيح، وهو اللبن المرقق، كالشحمة من الشحم، والشهدة من الشهد، وهي الشيء اليسير منه.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - إذا رأيتك يا رسول الله قرَّت عيني، وإذا لم أرك تبغثرت نفسي.
التبغثر: خبث النفس من غثيان وسوء ظن وغير ذلك، والمراد هاهنا خبثها للوحشة بفقد المشاهدة.
* * * * باغ وهاد في " كر " . بغياناً في " أن " . بغوتها في " صح " . ابغني في " غف " . لا ينبغي له أن ينام في " قس " . باعوثا في " قل " . البغايا في " أب " . أبغيها الطعام في " دي " .
* * * * النبي صلى الله عليه وآله وسلم - تبقه وتوقّه.
التبقي: بمعنى الاستبقاء، كالتقصي بمعنى الاستقصاء، وفي أمثالهم: لا ينفعك من زادٍ تبقي. وقال ذو الرمة:
وأَدرَكَ المُتَبَقّي من ثَمِيَلِته
والمعنى الأمر باستقباء النفس، وألا يُلقي بها إلى التهلكة، والتحرز من المتالف، والهاء ملحقة للسكت.
* * * * نهى عن التبقر في الأهل والمال.
التبقر: تفعل، من بقر بطنه؛ إذا شقه وفتحه، فوضع موضع التفرق والتبدد. والمعنى النهي عن أن يكون في أهل الرجل وماله تفرق في بلاد شتى؛ فيؤدي ذلك إلى توزع قلبه. وهذا تفسير معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: فكيف بمال براذان ومالٍ بكذا؟ * * * * قال أبو مويهبة رضي الله عنه: طرقني رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا مويهبة؛ إني قد أُمرت أن أستغفر الله لأهل البقيع؛ فانطلقت معه، فلما تفوه البقيع قال: السلام عليكم. في كلام ذكره.
المراد بقيع الغرقد: مقبرة بالمدينة.
تفوه، أي دخل فوهته، وهي مدخله، يقال: تفوهت الزقاق والسكة.
* * * * أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه - قال أبو موسى الأشعري حين أقبلت الفتنة بعد مقتله: إن هذه الفتنة باقرة كداء البطن، لا يدري أين يؤتى له! أي صادعة للأُلفة شاقة للعصا، وشبهها في تعذر تلافيها والحيلة في كشفها بداء البطن الذي أعضل وأعيت مداواته.
* * * * أمير المؤمنين علي عليه السلام - حمل على عسكر المشركين فما زالوا يبقطون.
التبقيط: الإسراع في المشي والكلام. ويقال: بقَّط في الجبل وبرقط: أسرع في صعوده، والمعنى تعادوا إلى الجبال منهزمين.
* * * * معاذ رضي الله عنه - بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في صلاة العشاء، حتى ظننا أنه صلى ونام، ثم خرج إلينا فذكر فضل تأخير صلاة العشاء.
أي انتظرنا، والاسم منه البقوى، قلبت الياء فيها واواً. وكذلك كل " فعلى " إذا كانت اسماً كالتقوى والرعوى والشروى، وإذا كانت صفة لم تقلب ياؤها كقولهم: امرأة صديا وخزيا. قال:
فهُنَّ يَعْلُكْن حَدَائدَاتهَا ... جُنْحُ النَّوَاصي نَحْوَ أَلوِيَاتِهَا
كالطَّيْرِ تَبْقِي مُتَدَاوِماتِهَا
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - يوشك أن يستعمل عليكم بقعان أهل الشام. أراد خبثاؤهم، فشبههم في خبثهم بالبقع من الغربان التي هي أخبثها وأقذرها.
وقيل: أراد المولدين بين العرب والروميات لجمعهم بين سواد لون الآباء وبياض لون الأمهات.
* * * * وفي حديث الحجاج: إن بعضهم قال له في خيل ابن الأشعث: رأيت قوماً بقعاً. قال: ما البقع؟ قال: رقَّعوا ثيابهم من سوء الحال.
شبه الثياب المرقعة بلون الأبقع.
* * * * ابن المسيب رحمه الله - قال: لا يصلح بقط الجنان.
أي لا يجوز إعطاء البساتين على الثلث والربع، وإنما سمي هذا بقطاً؛ لأنه خلط الملك وتصييره مشاعاً، من قولهم: بقط الأقط: إذا بكله.
* * * * ابن ميسرة رحمه الله - إن حكيما من الحكماء كتب ثلاثمائة وثلاثين مصحفاً حكما فبثها في الناس فأوحى الله تعالى: إنك قد ملأت الأرض بقاقا، وإن الله لم يقبل من بقاقك شيئا.
هو كثرة الكلام، يقال: بق علينا فلان يبق بقاقا، كقولك: فك الرهن يفك فكاكا؛ إذا اندفع بكلام كثير، ومنه بقت المرأة: كثر ولدها.
وتكلم أعرابي فأكثر، فقال له أخوه: أحسن أسمائك أن تدعى مبقّا.
* * * * لقًّا زبقا في " لق " . باقعة في " نس " . عين بقة في " حزّ " . وبقر خواصرهما في " شر " .
* * * *
الباء مع الكاف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أُتي بشارب خمر، فقال: بكِّتوه فبكَّتوه.
التبكيت: استقباله بما يكره من ذم وتقريع، وأن تقول له: يا فاسق؛ أما اتقيت! أما استحييت! ومنه قيل للمرأة المعقاب: مُبكت؛ لأنها كلما وضعت أُنثى استقبلت زوجها بمكروه.
* * * * نحن معاشر الأنبياء فينا بكء.
أي قلة كلام؛ مثل بكء الناقة أو الشاة، وهو قلة لبنها، يقال: بكأت وبكؤت بُكاَء وبَكْأً وبُكوءاً، فهي بكئ وبكيئة.
* * * * وفي حديث عمر رضي الله عنه - إنه سأل جيشاً: هل يثبت لكم العدو قدر حلب شاة بكيئةٍ؟ فقالوا: نعم، فقال: غلّ القوم.
أي خانوا في القول، ومعناه يكذّبهم فيما زعموا من قلة ثبات العدو لهم.
* * * * علي عليه السلام - كانت ضرباته مبتكرات لا عوناً.
الضربة المبتكرة: هي التي ضُربت مرة واحدة ولم تعاود لشدتها وإتيانها على نفس المضروب؛ شبهت بالجارية المبتكرة وهي المفتضة؛ لأنها التي بُني عليهما مرة واحدة.
والعوان: التي وقعت مختلسة فأحوجت إلى المعاودة؛ شبهت بالمرأة العوان وهي الثيب. ومنه: حرب عوان، وحاجة عوان، ويجوز أن يراد أنه كان يوقعها على صفة في الشدة لم يسبقه إلى مثلها أحد من الأبطال.
* * * * مجاهد رحمه الله تعالى - من أسماء مكة بكة، وهي أم رحم، وهي أم القرى، وهي كوثى، وهي الباسة - وروى الناسة.
قيل: سميت بكة اتباك الناس فيها؛ وهو ازدحامهم. وقيل: لأنها تبك أعناق الجبابرة ومن ألحد فيها بظلم؛ أي تدقها.
وهي الباسة أو الناسة؛ لأنها تبسهم أي تطردهم. وتنّسهم أي تزجرهم وتسوقهم.
وأم رحم: أصل الرحمة، يقال: رحمه رحماً ورُحما. قال الله تعالى: (وأَقْرَبَ رُحْماً) - قرئ باللغتين، وقال زهير:
ومِنْ ضَريبِته التَّقْوَى ويَعْصِمُهُ ... من سَيِّءِ العَثَرَاتِ اللهُ والرُّحُمُ
وقيل في أم القرى: لأنها أول الأرض وأصلها ومنها دُحيت.
وكوثى: بقعة بمكة، وهي محلة بني عبد الدار، قال:
لَعن اللهُ مَنْزِلاً بَطْنَ كُوثَى ... ورماه بالفَقْرِ والإمْعَارِ
ليس كُوثَى العِرَاقِ أَعْنِي ولكِنْ ... كُوثَةَ الدَّارِ دَارِ عَبْدِ الدَّارِ
يريد بكوثى العراق؛ قرية ولد بها إبراهيم صلوات الله عليه.
* * * * الحجاج - كتب إلى عامل له بفارس: ابعث إليَّ بعسل أبكار، من عسل خلاَّر من الدستفشار، الذي لم تمسه النار.
أراد أبكار النحل وهي أَفتاؤها؛ لأن العسل إذا كان منها كان أطيب، وقيل أراد أن أبكار الجواري يلينه. والأول أصح، لأنه قد روى: ابعث إلي بعسل من عسل خُلاّر من النحل الأبكار.
خُلاّر: موضع بفارس.
الدستفشار: كلمة فارسية؛ أي مما عصرته الأيدي وعالجته.
* * * * بكر وابتكر في " غس " . أكار أولادكم في " نب " . إن تبكعني بها في " قر " . فبعكته في " قر " . وبكره في " رج " . بكلت في " لب " . مم بكر في " اب " . من بك في " خص " . شاة بكئ في " نو " .
* * * *
الباء مع اللام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله ما أطلعتهم عليه.
بله: من أسماء الأفعال، كرويد، ومه، وصه، يقال: بله زيدا؛ بمعنى دعه واتركه. وقد يوضع موضع المصدر فيقال: بله زيدٍ، كأنه قيل: ترك زيد، ويقلب في هذا الوجه فيقال: بهل زيد، لأن حال الإعراب مظنة التصرف.
وما أطلعتهم عليه: يصلح أن يكون منصوب المحل ومجروره على مقتضى اللغتين. وقد روى بيت كعب ابن مالك الأنصاري:
تَذَرُ الجَماجِمَ ضَاحِياً هاماماتُها ... بَلْهَ الأَكُفَّ كأنها لم تُخْلَقِ
على الوجهين. المعنى: رأته وسمعته، فحذف لاستطالة الموصول بالصلة، ونظيره قوله تعالى: (أَهَذَا الذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً).
* * * * بلوا أرحامكم ولو بالسلام.
لما رأوا بعض الأشياء يتصل ويختلط بالنداوة، ويحصل بينهما التجافي والتفرق باليبس استعاروا البل لمعنى الوصل، واليبس لمعنى القطيعة، فقالوا في المثل: لا تؤبس الثرى بيني وبينك. قال:
فلا تُؤْبِسوا بَيْنِي وَبَيْنَكم الثَّرَى ... فإنّ الذِي بيني وبينكم مُثْرِى
* * * * وفي حديث عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى - إذا استشن ما بينك وبين الله فابلله بالإحسان إلى عباده.
إن أهل الجنة أكثرهم البله.
هم الذين خلوا عن الدهاء والنكر والخبث، وغلبت عليهم سلامة الصدور وهم عقلاء.
وعن الزبرقان بن بدر: خير أولادنا الأبله العقول، قال النمر بن تولب:
ولَقَدْ لَهَوْتُ بطَفْلةٍ ميَّالةٍ ... بَلْهاءَ تُطْلِعُني عَلَى أَسْرَارِها
وفي المقامات التي أنشأتها في عظة النفس في صفة الصالحين: " هينون لينون، غير أن لا هوادة في الحق ولا إدهان، بله خلا أن غوصهم على الحقائق يغمر الألباب والأذهان.
* * * * من أحب أن يرق قلبه فليد من أكل البلس.
هو التين، وروى البلس والبلسن، وهما العدس، وقيل: حب يشبهه، والنون في البلسن مزيدة مثلها في خلبن ورعشن من الخلابة والرعشة.
* * * * ذكر الدجال فقال: رأيته بيلمانياًّ أقمر هجانا، إحدى عينيه كأنها كوكب دري - وروى فيلمانيا وفيلما.
البيلماني: الضخم المنتفخ، من قولك: أبلم الرجل إذا انتفخت شفتاه، ورأيت شفتيه مبلمتين، وأبلمت الناقة: ورم حياؤها، ويقال لطوط البردى: البيلم لطول انتفاخه.
والفيلماني والفيلم: العظيم الجثة، يقال: رأيت امرأً فيلماً: أي عظيماً. وقال الهذلي:
ويَحْمِي المُضَافَ إذا ما دَعا ... إذا فَرَّ ذُو الِّلمَّةِ الفَيْلَمُ
والألف والنون والياء المشددة المزيدات على الفيلم مبالغات في معناه.
الأقمر: الأبيض. والهجان تأكيد له.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - أرسل إلى أبي عبيدة رسولا، فقال له حين رجع: كيف رأيت أبا عبيدة؟ فقال: رأيت بللا من عيش. فقصر من رزقه، ثم أرسل إليه وقال للرسول حين قدم عليه: كيف رأيته؟ قال رأيت حفوفا. فقال: رحم الله أبا عبيدة بسطنا له فبسط، وقبضنا له فقبض.
جعل البلل والحفوف - وهو اليبس - عبارة عن الرخاء والشدة؛ لأن الخصب مع وجود الماء والجدب مع فقده. يقال: حفَّت أرضنا: إذا يبس بقلها.
وعن أعرابي: أتونا بعصيدة قد حفت فكأنها عقب فيها شقوق.
* * * * العباس رضي الله تعالى عنه - قال في زمزم: لا أُحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل.
قيل: بل إتباع لحل، وقيل: هو المباح بلغة حمير.
وعن الزبير بن بكار: معناه الشفاء، من بل المريض وأبل.
* * * * ابن عمر رضي الله تعالى عنهما - قال صلى الله عليه وآله وسلم: ستفتحون أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها البلانات، فمن دخلها ولم يستتر فليس منّا.
واحدها بلان، وهو الحمام، من بل، بزيادة الألف والنون؛ لأنه يبل بمائة أو بعرقة من دخله. ولا فعل له، إنما يقال: دخلنا البلانات - عن أبي الأزهر.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - سُئل عن الوضوء من اللبن، فقال: ما أُباليه بالة، اسمح يسمح لك.
أي مبالاة، وأصلها بالية، كعافية.
أَسمح وسَمَح وساَمَح: إذا ساهل في الأمر، يقال: أسمحت قرونته، وفي أمثالهم: إذا لم تجد عزاًّ فسمح.
عائشة رضي الله تعالى عنها - قالت لعلي رضي الله تعالى عنه - يوم الجمل: قد بلغت منا البلغين.
قيل: هي الدواهي، كقولهم: البرحين، والتحقيق فيهما أن يقال: كأنه قيل: خطبٌ بلغ، أي بليغ، وأمر برح أي مبرح، كقولهم: لحم زيم، ومكان سوي، وديناً قيما، ثم جمعا جمع السلامة؛ إيذانا بأن الخطوب في شدة نكباتها بمنزلة العقلاء الذين لهم قصد وتعمد. وفي إعراب نحو هذا طريقان: أحدهما أن يجري الإعراب على النون ويقر ما قبلها ياء، والثاني أن يفتح النون أبدا ويعرب ما قبلها؛ فيقال: هذه البلغون، ولقيت البلغين، وأعوذ بالله من البلغين، قالت ذلك حين جهدتها الحرب.
* * * *
وأبلسوا في " أش " . البُلُسُ والبُلسنُ في " جل " . من البلاغ في " رف " . بلح في " عن " . الأبلمة في " قد " . بالة في " خش " . بذي بلى وبذي بليان في " بن " . بلاقع في " خش " . أبلج الوجه في " بر " . وبلتها في " صح " . مُبلحاً في " مح " . البلقعة في " قي " . بليلة الإرعاد في " زو " . والبلت في " شن " . ما نبض ببلال في " صب " . وما ابتلت قدماه في " حن " .
* * * *
الباء مع النون
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي الأرض بشيء إلا في يوم مطير ألقينا تحته بناء.
معنى البناء: ضم الشيء إلى الشيء، ومنه قيل للنطع مِبناة ومَبناة وبناء؛ لأنه أديمان فصاعدا ضمَّ بعضها إلى بعض ووصل به.
في يوم مطير؛ أي مُطر فيه، فاتّسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول الصحيح، كما قيل: ويوم شهدناه، إلا أن الضمير استكنَّ هنا لانقلابه مرفوعا. وبرز في شهدناه؛ لأنه انقلب منصوبا، والنصب أخو الجر.
* * * * خالد رضي الله تعالى عنه - خطب الناس فقال: إن عمر استعملني على الشام، وهو له مهم؛ فلما ألقى الشام بوانيه، وصار بثنية وعسلا، عزلني واستعمل غيري فقال رجل: هذا والله هو الفتنة. فقال خالد: أما وابن الخطاب حي فلا، ولكن ذاك إذا كان الناس بذي بلى وذي بلى - وروى: " بذي بليان " .
البواني: أضلاع الزور لتضامها، الواحدة بانية، ويقال: ألقى البعير بوانيه، كما يقال: ألقى بركه، وألقى كلكله: إذا استناخ، فاستعاره لاطمئنان الشام وقرار أُموره.
البثنية: حنطة حب منسوبة إلى البثنة، وهي بلاد من ارض دمشق. والبثنة: الأرض السهلة اللينة؛ أي كثر فيها الحنطة والعسل، حتى كأن كله حنطة وعسل. والمراد ظهور الخصب والسعة فيه.
يقال لمن بَعُد حتى لا يدري أين هو: صار بذي بلى وذي بليان، من بل في الأرض إذا ذهب. والمعنى ضياع أمور الناس بعده وتشتت كلمتهم.
* * * * عائشة رضي الله تعالى عنها - كنت ألعب مع الجواري بالبنات، فإذا رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم انقمعن فيسر بهن إلي.
البنات: التماثيل التي يلعب الصبايا.
انقمعن: دخلن البيت وتغيبن.
يسربهن: يرسلهن، من السرب، وهو جماعة النساء.
* * * * شريح رحمه الله تعالى - قال له أعرابي - وأراد أن يعجل عليه بالحكومة: تبنن. أي تثبت، والبنين: العاقل المتثبت، وهو من باب ابن بالمكان.
* * * * أبيني عبد المطلب في " غل " . وبنسوا في " نس " . بنتّ الغزل في " با " . ابن أبي كبشة في " عن " .
* * * *
الباء مع الواو
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
أي غوائله وشروره، يقال: باقته بائقة تبوقه بوقا.
* * * * جاء وهم يبوكون حسي تبوك بقدح، فقال: ما زلتم تبوكونها بعد! فسميت تبوك.
وهو أن يحركوا فيه القدح حتى يخرج الماء.
ومنه حديثه: إن بعض المنافقين باك عيناً كان النبي صلى الله عليه وسلم وضع فيها سهماً.
* * * * ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما - إنه كانت له بندقة من مسك، وكان يبلها ثم يبوكها بين راحته، فتفوح روائحها.
أي يحركها بتدويره بين راحتيه.
* * * * قال علقمة الثقفي رضي الله عنه: كنت في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضرب لنا قبتين، فكان بلال رضي الله عنه يأتينا بفطرنا، ونحن مسفرون جدا حتى والله ما نحسب إلا أن ذاك شيء يبتار به إسلامنا، وكان يأتينا بطعامنا للسحور ونحن مسدفون فيكشف القبة فيسدف لنا طعامنا.
باره يبوره وابتاره، مثل خبره يخبره واختبره في البناء والمعنى.
الإسداف: الدخول في السدفة وهي الضوء؛ وقوله: " يسدف لنا طعامنا " ، أي يدخل في السدفة فيضيء لنا. أراد أنه كان يعجل الفطور ويؤخر السحور امتحانا لهم.
بفطرنا: أي بطعام فطرنا فحذف.
ومن الابتيار حديث عون، قال: بلغني أن داود سأل سليمان صلوات الله عليهما وهو يبتار علمه. فقال: أخبرني؛ ما شر شيء؟ قال: امرأة سوء إن أعطيتها باءت وفخرت، وإن منعتها شكت ونفرت.
الباء: الكبر.
* * * * كان بين حيين من العرب قتال، وكان لأحد الحيين طول على الآخر، فقالوا: لا نرضى إلا أن يقتل بالعبد منا الحر منكم، وبالمرأة الرجل؛ فأمرهم أن يتباءوا.
هو أن يتقاصوا في قتلاهم على التساوي؛ فيُقتل الحر بالحر والعبد بالعبد. يقال: هم بواء، أي أكفاء في القصاص، والمعنى ذوو بواء، قالت ليلى الأخيلية:
فإنْ تَكُنِ القَتْلَى بَوَاءً فإنّكُمْ ... فَتىً ما قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بنِ عامِرِ
ومنه الحديث: الجراحات بواء: أي سواء.
وكثر حتى قيل: هم في هذا الأمر بواء: أي سواء.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لعبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: إن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ولا تنازع الأمر أهله إلا أن تؤمر بمعصية بواحاً - أو قال: براحا.
يقال: باح الشيء، إذا ظهر - بواحا وبؤوحا، فجعل البواح صفة لمصدر محذوف تقديره إلا أن تؤمر أمراً بواحاً؛ أي بائحا ظاهرا.
براحا بمعناه من الأرض البراح، وهي البارزة.
* * * * ليس للنساء من باحة الطريق شيء، ولكن لهن حجرتا الطريق.
باحة الطريق: وسطه، وكذلك باحة الدار: وسطها، وهي عرصتها.
الحجرة: الناحية.
* * * * كان جالساً في ظل حجرة قد كاد ينباص عنه الظل.
أي ينقبض عنه ويسبقه، من باص، إذا سبق وفات.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه - إنه كان أراد أن يستعمل سعيد بن عامر فباص منه؛ أي فاته مستترا.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - إن الجن ناحت عليه فقالت:
عليك سلامٌ من أميرٍ وباركتْ ... يَدُ الله في ذاك الأَدِيم الممزّق
قضيتَ أُمُوراً ثم غادَرْتَ بَعْدَها ... بَوَائِجَ في أَكْمَامِهَا لم تُفَتّقِ
فمنْ يَسْعَ أو يركب جَنَاحيْ نَعامةٍ ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
أَبَعْدَ قَتيلٍ بالمَدِيَنةِ أَظْلَمتْ ... له الأرْضُ تهتَزُّ العِضَاه بأَسْوُقِ
البوائج: البوائق.
الأكمام: الأغطية، جمع كم؛ أي كانت الفتن في أيامك مستورة فانكشفت.
الأسوق: جمع ساق؛ أنكر على الشجر اخضرارها واهتزازها، أي كان يجب أن تجفَّ وتذهب رطوبتها بموته.
* * * * الأحنف رضي الله تعالى عنه - نُعي إليه شقيق بن ثور، فاسترجع وشقّ عليه، ونُعي إلى حسكة الحبطي فما ألقى لذلك بالاً؛ فغضب من حضره من بني تميم، فقال: إن شقيقاً كان رجلا حليما، فكنت أقول: إن وقعت فتنة عصم الله به قومه، وإن حسكة كان رجلا مشيَّعاً، فكنت أخشى أن تقع فتنة فيجر بني تميم إلى هلكة.
إلقاء البال للأمر: الاكتراث له، والاحتفال به.
قيل المشيع هنا: العجول؛ من شيعت النار: إذا ألقيت عليها ما يذكيها، وليس يبعد أن يراد به الشجاع، وديدن الشجعان اقتحام المهالك، والتخفف إلى الحروب والفتن، وقلة تدبر العواقب، ولا يخلو من هذا دأبه أن يورط نفسه وقومه.
* * * * عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى - رفع إليه رجل قال لرجل: انك تبوكها - يعني امرأةً ذكرها - فأمر بضربه، فجعل الرجل يقول: أ أضرب فلاطا.
وروى من وجه آخر: إن ابن أبي خنيس الزبيري ساب قرشيا، فقال له: علام تبوك يتيمتك في حجرك؟ فكتب سليمان بن عبد الملك إلى ابن حزم: إن البوك سفاد الحمار فاضربه الحد. فلما قدم ليضرب قال: إنا لله! أُضرب فلاطا! قال ابن حزم - وكان لا يعرف الغريب: لا تعجلوا عسى أن يكون في هذا حدٌّ آخر.
الفلاط: المفاجأة، وأفلطه: فاجأه، لغة هذيلية، قال المتنخل الهذلي:
بهِ أَحْمِي المُضافَ إذا دَعَانِي ... ونَفْسِي ساعةَ الفَزَعِ الفِلاَطِ
وقال أيضا:
أَفْلَطها اللَّيْلُ بعيرٍ فتَسْ ... عى ثوبُها مُجْتَنِبُ المْعدِلِ
وإنما قال ذلك لأنه لم يعلم أن الكلمة كانت قذفا.
* * * * بوغاء في " رج " . بائر في " هي " . فأولئكم بور في " شر " . بواء فليتبوأ في " مث " . والبور في " ند " . بآئلة وبيلتي في " فو " . بوّالا في " شص " . حتى باص في " ول " . وبوغاء في " عف " . بيص في " حي " .
* * * *
الباء مع الهاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أُتي بشارب خمر فخُفق بالنعال وبُهز بالأيدي.
البهز: الدفع العنيف. ومنه قيل لأولاد العلات: بنو بهز؛ لتدافعهم وقلة ترافدهم؛ وبه سمي ابن حكيم بهزاً.
* * * * سار ليلة حتى ابهارَّ الليل، ثم سار حتى تهور الليل.
ابهارَّ: انتصف، من البهرة وهي وسط كل شيء، وإنما قيل للوسط بهرة؛ لأنه خير موضع، فكأنه يبهر ما سواه.
تهوَّر: مستعار من تهور البناء وهو انهدامه، والغرض إدباره، ومثله قولهم: تقوّض الليل.
* * * * قال لرجل: أمن البهش أنت؟ أراد أمن أهل البهش؟ وهي بلاد الحجاز؛ لأن البهش ينبت بها، وهو المقل ما دام رطبا، فإذا يبس فهو خشل، وهو من بهش إليه، إذا أقبل باستبشار؛ لأن النبات إقباله ورونقه في رطوبته وغضاضته، وإدباره وإنكاسه في يبسه وجفوفه.
* * * * ومنه حديث عمر رضي الله عنه - إن رجلا قرأ عليه حرفاً أنكره، فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أبو موسى الأشعري. فقال: إن أبا موسى لم يكن من أهل البهش.
أراد أن القرآن نزل باللغة الحجازية وهو يمني.
* * * * ومنه حديث أبي ذر رضي الله عنه - إنه لما خرج إلى مكة أخذ شيئاً من البهش فتزوده.
* * * * يُحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غُرلاً بهما، قيل: وما البهم؟ قال: ليس معهم شيء.
البهم: جمع الأبهم، وهو البهيم، أي المصمت الذي لا يخالط لونه لون آخر.
ويجوز أن يكون جمع بهيم مخففاً كسبل، جمع سبيل. والمعنى " ليس معهم شيء من أعراض الدنيا. شبه خلو جسد العاري عن عرض يكون معه بخلو نقبة الفرس عن شية مخالفة لها.
والأبهم والبهيم أيضا: الحجر المصمت الذي لا خرق فيه. قال العجاج:
فَهَزَمْتَ ظَهْرَ السِّلاَمِ الأَبْهَم
ومن هذا جوّز أن يكون وصفا لأبدانهم بالصحة والسلامة من الأمراض والعاهات الدنيوية، إلا أنه فاسد من وجهين آخرين.
الغُرل: جمع أغرل وهو الأقلف.
* * * * سمع رجلا حين فُتحت جزيرة العرب، أو مكة يقول: أبهوا الخيل، فقد وضعت الحرب أوزارها. فقال: لا تزالون تقاتلون الكفار حتى تقاتل بقيتكم الدجال.
إبهاء الخيل: تعرية ظهورها عند رك الغزو، من قولهم: أبهى البيت؛ إذا ركه غير مسكون. وأبهى الإناء؛ إذا فرَّغه.
* * * * كان يدلع لسانه للحسن، فإذا رأى الصبي حمرة لسانه بهش إليه.
أي أقبل إليه وخف بارتياح واستبشار. قال المغيرة:
سَبَقْتَ الرِّجالَ الْبَاهِشِينَ إلى العلا ... فِعَالاً ومَجْداً والفعَالُ سِبَاقُ
* * * * ومنه حديثه: إنه أرسل أبا لبابة إلى اليهود، فبهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه.
كان أبو لبابة يهودياًّ فأسلم؛ فلهذا ارتاحوا حين أبصروه مستغيثين إليه.
* * * * ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال أبو بشامة: قلت له: إني قتلت حية وأنا محرم. فقال: هل بهشت إليك؟ قلت: لا، قال: لا بأس بقتل الأفعو ولا برمي الحدو، فما نسيت خلاف كلامه لكلامنا.
أي هل أقبلت إليك تريدك؟ قلب ألف أفعى واواً، وهذه لغة لأهل الحجاز إذا وقفوا على الألف يقولون: هذه حبلو، ولقيت سعدو؛ ومنهم من يقلبها ياء فيقول: حبلي وسعدي، وأما الحدأ فإنه لما وقف عليه فسُكنت همزته خففها تخفيف همزة رأس وكأس، ثم عاملها معاملة الألف في أفعى.
* * * * في قصة حنين: حين خرجوا بدريد بن الصمة يتبهنسون به - وروى يتبيهسون به: فقال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال: نعم مجال الخيل! لا حزن ضرس ولا سهل دهس، مالي أسمع بكاء الصغير، ورغاء البعير، ونهاق الحمير، ويعار الشاء؟ قيل: ساق مالك بن عوف مع الناس الظعن والأموال. فقال: ما هذا يا مالك؟ قال: يا أبا قرة؛ أردت أن أحفظ الناس، وأن يقاتلوا عن أهليهم وأموالهم؛ فأنقض به، وقال: رويعي ضأن والله! ماله وللحرب! وهل يرد المنهزم شيء؟ وقال: أنت محل بقومك، وفاضح من عورتك. لو تركت الظعن في بلادها، والنعم في مراتعها، ثم لقيت القوم بالرجال على متون الخيل، والرجالة بين أضعاف الخيل أو متقدمة درية أمام الخيل كان الرأي. ثم قال: هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه، ثم أنشأ يقول:
يا لَيتني فيها جَذْعْ ... أخُبُّ فيها وَأَضَعْ
أقُودُ وَطْفَاء الزَّمَعْ ... كأنّها شَاةٌ صَدَعْ
التبهنس والتبهيس: مشية البهيس، وهو الأسد، ومشية تبختر، والنون والياء زائدتين بدليل تصريفي. وقيل اشتقاق البهيس من البهس وهو الجرأة، والمعنى؛ يمشون به على تؤدة كمش المتبختر، وقيل: إنما يتهبون به، وهو من قولهم: لضعيف البصر متهب لا يدري أين يطأ، مأخذه من الهبوة.
وروى: " يقاد به في شجار " ؛ وهو مركب للنساء.
ضرس: خشن. دهس: لين.
أُحفظ: من الحفيظة وهي الغضب؛ أي أدمرهم للحرب.
أنقض به: نقر بلسانه في فيه كما يزجى الحمار والشاة؛ فعلها استجهالاً له.
محل بقومك: مخرج لهم من الامن كمن يخرج من الحرم، أو من الأشهر الحرم، أو من حرمة هو فيها، أو منزل بهم بلية، فحذف المفعول.
الدرية: بعير يستتر به الصائد عند رمي الوحش، من رداه: إذا ختله، وهي الدريئة أيضا بالهمز، من الدرء وهو الدفع، لأنه يدرأ درءا ودراء حتى يقرب من الرمية، أي يجعل الرجالة ستراً دون الخيل.
الوضع: سير حثيث، يقال: أوضع الراكب البعير، ووضع البعير.
الوطفاء، من الوطف: وهو كثرة الشعر.
الزمع: زوائد من وراء الظلف.
الصدع: الخفيف.
* * * * عمر رضي الله عنه - رفع إليه غلام ابتهر جارية في شعره، فقال: انظروا إليه فلم يوجد أنبت، فدرأ عنه الحد.
الابتهار: أن يقول: فجرت ولم يفجر، من الشيء الباهر، وهو الظاهر.
والابتيار: أن يقول وقد فعل؛ من البؤرة وهي الحفرة، قال الكميت:
قَبِيحٌ بمْثلِيَ نَعتُ الْفَتَا ... ةِ إمَّا ابتِهاَراً وإمَّا ابتِياَرَا
ومنه حديث العوام بن حوشب رضي الله عنه: الابتهار بالذنب أعظم من ركوبه. لأن فيه تبجحا بالذنب، ولا تبجح به إلا مع استحسانه، واستحسان ما قضى الإسلام بقبحه يضرب إلى الكفر.
* * * * عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه - رأى رجلا يحلف عند المقام، فقال: أرى الناس قد بهئوا بهذا المقام.
أي أنسوا به حتى قلت هيبته في صدورهم، فلم يهابوا الحلف على الشيء الحقير عنده. ومنه حديث ميمون بن مهران رحمه الله: إنه كتب إلى يونس بن عبيد: عليك بكتاب الله؛ فإن الناس قد بهئوا به واستخفوا، واستحبوا عليه الأحاديث أحاديث الرجال.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - من شاء باهلته أن الله لم يذكر في كتابه جدَّا وإنما هو أب.
المباهلة: مفاعلة من البهلة وهي اللعنة، ومأخذها من الإبهال وهو الإهمال والتخلية؛ لأن اللعن والطرد والإهمال من وادٍ واحد، ومعنى المباهلة أن يجتمعوا إذا اختلفوا فيقولوا: بهلة الله على الظالم منا.
* * * * عمرو رضي الله عنه - إن ابن الصعبة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير ذهب وفضة.
البهار: ثلاثمائة رطل، وهو ما يُحمل على البعير بلغة أهل الشام. قال بريق الهذلي:
بِمُرْتَجزٍ كأنَّ عَلَى ذُرَاهُ ... ركاب الشَّامِ يَحْمِلْنَ البُهَارَا
ابن الصعبة: طلحة بن عبيد الله، أضافة إلى أمه وهي الصعبة بنت الحضرمي، وكانت قبل عبيد الله تحت أبي سفيان بن حرب، فلما طلقها تبعتها نفسه فقال:
فإني وصَعْبة فيما ترى ... بَعيدَانِ، والوُدُّوُدٌّ قَريب
فإن لا يكن نسبٌ ثاقبٌ ... فعند الفتاةِ جمالٌ وطِيبُ
وإنما أضافة إليها غضا منه، لأنها لم تكن في ثقابة نسب.
* * * * الحجاج - كان أبو المليح على الابلة فأُتي بلؤلؤ بهرجٍ، فكتب فيه إلى الحجاج، فكتب فيه أن يخمس - وروى نبهرج.
وهما الباطل الرديء. وبهرج السلطان دمه: إذا أهدره، وهي كلمة فارسية قد استعملها العرب وتصرفوا فيها، قال:
محارمُ اللَّيلِ لهن بهرج
* * * * وفي الحديث - وتنقل الأعراب بأبهائها إلى ذي الخلصة.
جمع بهو، وهو بيت من بيوت الأعراب يكون أمام البيوت.
ذو الخلصة: بيت فيه صنم كان يقال له: الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة، وقيل: هو الكعبة اليمانية.
* * * * أبهر القوم في " عز " . بهلة الله في " خف " . قطعت أبهري في " اك " . بهر جتني في " ضب " . وعلاه البهاء في " بر " . تبهر في " تب " . ابهار الليل في " هج " . البهيم في " زخ " . المبهمات في " ذم " . فبها ونعمت في " نع " . أنابها في " خص " . هذه البهائم في " اب " .
* * * *
الباء مع الياء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أُتوا الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم.
قيل معناه: غير أنهم، وأُنشد:
عَمْداً فَعَلْتُ ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي ... إِخَالُ إِنْ هَلَكْتُ لَمْ تَرَنِّي
* * * * وفي حديثه: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد ابن بكر - وروى: " ميدأني " .
* * * * لا تقوم الساعة حتى يظهر الموت الأبيض. قالوا: يا رسول الله؛ وما الموت الأبيض؟ قال: موت الفجاءة.
معنى البياض فيه خلوُّه عما يحدثه من لا يغافص؛ من توبة واستغفار، وقضاء حقوق لازمة، وغير ذلك، من قولهم: بيضت الإناء إذا فرغته، وهو من الأضداد.
* * * * عليكم بالحجامة، لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله.
قيل: هو قلب يتبغى، من البغي.
وعن ابن الأعرابي: تبيغ الدم، وتبوغ: ثار، وهو من البوغاء، وهو التراب إذا ثار.
* * * * لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه.
البيع هاهنا: الاشتراء، قال طرفة:
ويَأْتِيك بالأَخْبَارِ من لم تَبِعْ لَهُ ... بَتَاتاً ولم تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
* * * * ألا إن التبين من الله، والعجلة من الشيطان؛ فتبينوا.
هو التثبت والتأني.
* * * * قال لامرأة - وذكرت زوجها - أهو الذي في عينيه بياض؟ فقالت: لا. ذهب إلى البياض الذي حول الحدقة، وظنته المرأة الكوكب في العين.
* * * * قال لأبي ذر رضي الله عنه: كيف تصنع إذا مات الناس حتى يكون البيت بالوصيف؟ أراد بالبيت القبر، وأن مواضع القبور تضيق لكثرة الموتى حتى يبتاع القبر بالوصيف.
* * * * كان لا يبيت مالا ولا يقيله.
يعني أن مال الصدقة إذا وافاه مساء أو صباحاً لم يلبثه إلى الليل، أو إلى القائلة؛ بل كان يعجّل قسمته.
* * * * عائشة رضي الله عنها - تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بيت قيمته خمسون درهما - وروى: " على بتّ " .
البيت: فرش البيت وهو معروف عندهم. يقولون: تزوج فلان امرأة على بيت.
البتّ: الكساء، وقيل: الطيلسان من خزٍ.
* * * * بيعا في " خب " . بياح في " مك " . البياض أكثر في " رس " . يبين في " فد " . بيسان في " زو " . بيص في " حي " . بيعة في " سق " . والأبيض في " حم " . بيتك في " فض " . بين إحدى ثلاث في " خب " .
آخر كتاب الباء ولله الحمد والمنة
=======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف التاء
التاء مع الهمزة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أتاه رجل عليه شارة وثياب، فأتاره بصره. وجاءه رجل آخر فيه بذاذة تعلو عنه العين، فقال: هذا خير من طلاع الأرض ذهباً؛ إن هذا لا يريد أن يظلم الناس شيئاً.
الإتآر: إتباع النظر بحدة، قال:
أَتْأَرْتُهُمْ بَصَرِي وَالآلُ يَرْفَعُهُمْ ... حتى اْسَمَدرَّ بِطَرْفِ الْعَينِ إتْآري
تعلو عنه: أي تنبو عنه وتقتحمه.
طلاع الأرض: ما يملؤها حتى يطلع ويسيل.
ومنه قوس طلاع الكف. قال يصف قوسا:
كَتُومٌ طِلاَعُ الْكفِّ لا دُونَ مَلْئِهَاولا عَجْسُهَا عَنْ مَوْضِعِ الْكَفِّ أَفْضَلاَ
هذا خير: إشارة إلى شأن الرجل وحاله.
ذهبا: نصب على التمييز.
* * * * الفرس التئق في " سو " .
* * * *
التاء مع الباء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن الرجل يتكلم بالكلمة يتبن فيها يهوي بها في النار.
تبن: دقق النظر من التبانة وهي الفطنة، والمراد التعمق، والإغماض في الجدل، وأداء ذلك إلى التكلم بما ليس بحق.
ومنه حديث سالم رحمه الله: كنا نقول في الحامل المتوفي عنها زوجها: إنه ينفق عليها من جميع المال حتى تبنتم، ودققتم النظر حتى قلتم غير ذلك.
* * * * إن مريم ابنة عمران سألت ربها أن يطعمها مما لا دم فيه، فأطعمها الجراد. فقالت: اللهم أعشه بغير رضاع، وتابع بينه وبين شياع.
أي اجعله يتبع بعضه بعضا من غير أن يشايع به مشايعة الراعي بالنعم، وهي دعاؤه بها فتجتمع، قال جرير:
فَأَلْقِ اسْتَكَ الهَلْبَاء فَوْق قَعُودها ... وشَايِعْ بهَا واضْمُمْ إليكَ التَّوَالِيَا
* * * * قال له قيس بن عاصم المنقري: يا رسول الله، ما المال الذي ليس فيه تبعة من طالب ولا من ضيف؟ فقال: نعم المال الأربعون، والكثر الستون، وويل لأصحاب المئين، إلا من أعطى الكريمة، ومنح الغزيرة، وذبح السمينة؛ فأكل وأطعم القانع والمعتر.
وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف صنع في الطروقة؟ قال له: يغدو الناس بحبالهم، فلا يوزع رجل عن جمل يخطمه. وقال له: كيف تصنع في الأفقار؟ فقال: إني لأُفقر البكر الضرع، والناب المدبرة.
وقال له: كيف أنت عند القرى؟ قال: أُلصق والله يا رسول الله بالناب الفانية والضرع.
التبعة: ما يتبع المال من الحقوق.
الكثر: الكثير.
منح: من المنحة، وهي الناقة أو الشاة تعار للبنها ثم تسترد.
القانع: السائل، ومصدره القنوع.
المعتر: الذي يتعرض ولا يفصح بالسؤال.
في الطروقة؛ أي في صاحب الطروقة إذا استطرقك فحلا.
لا يوزع: لا يمنع، أراد أنه يطرق الفحول كل من أراد من غير مضايقة في ذلك.
الإفقار: إعارة البعير للركوب أو الحمل، والمعنى التمكين من فقاره.
الضرع: الصغير الضعيف.
الإلصاق بالناب: عرقبتها، والمعنى إلصاق السيف بساقها، قال الراعي:
فقُلْتُ لَهُ أَلْصِق بأَيْبَس سَاقِها ... فإن يُجْبَر العُرْقُوبُ لاَ يَرْقَأ النَّسَا
* * * * الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والتبر بالتبر مدى بمدى.
التبر: جوهر الذهب والفضة غير مطبوع، من التَّبار، فإذا طبع وضرب دنانير ودراهم فهو عين، من عين الشيء وهو خالصه.
المدى: مكيال لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا، والمكوك: صاع ونصف. الذهب مؤنثة، يقال ذهب حمراء - وروى الفراء تذكيرها.
* * * * علي عليه السلام - استخرج رجل معدنا، فاشتراه منه أبو الحارث الأزدي بمائة شاة متبع، فأتى أمه فأخبرها فقالت: يا بني؛ إن المائة ثلاثمائة؛ أمهاتها مائة، وأولادها مائة، وكفأتها مائة. فاستقاله فأبى فأخذه فأذابه فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البائع: لآتين بك علياً عليه السلام، فأتى عليا عليه السلام فأخبره، فقال له علي عليه السلام: ما أرى الخمس إلا عليك - يعني خمس المائة.
المتبع: التي يتبعها ولدها.
الكفأة في نتاج الإبل: أن تجعلها نصفين وتراوح بينها في الإضراب ليكون أقوى لها وأحرى أن لا تخلف. قال ذو الرمة:
تَرَى كُفْأَتَيْها تُنْفِضَانِ ولم يَجِدْ ... لها ثِيلَ سَقْب في النِّتَاجَيْنِ لامِسُ
وإنما سميت كفأة؛ لأنها جعل الإبل فرقتين متكافئتين، ولا كفأة للغنم، ولكنها أرادت نتاجها الذي لا يخلف ولا يرتاب فيه أن تفذّ: وهو أن تلد كل واحدة واحدا؛ لأنهن قد يتئمن، وفي ذلك ريب فسمته كفأة لذلك.
الأثي والأثو: السعاية، وعدَّاه على تأويل أخبر وأعلم، كأنه قال: لأخبرن بشأنك عليا، أو بحذف الجار وإيصال الفعل.
* * * * عمار رضي الله عنه - صلى في تُبان وقال: إني ممثون.
التبان: سراويل الملاحين، وقد تبنه: إذا ألبسه إياه.
الممثون: الذي يشتكي مثانته.
* * * * زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه - جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فسأله فقال: ما عندنا شيء ولكن أتبع علينا.
يقال: أتبعت فلانا على فلان: أي أحلته.
ومنه الحديث: إذا أُتبع أحدكم على ملئ فليتبع.
أي إذا أحيل فليحتل.
* * * * أبو واقد رضي الله تعالى عنه - تابعنا الأعمال فلم نجد شيئاً أبلغ في طلب الآخرة من الزهد في الدنيا.
أي مارسنا وأحكمنا معرفتها، من قولهم: تابع الباري القوس: إذا أحكم بريها، فأعطى كل عضو منها حقه. وتابع الراعي الإبل: إذا أنعم تسمينها وأتقنه، وكل بليغ في الاتساق والإحكام متتابع. ومعناه أنه أشبه بعضه بعضا، وتبعه في الإحكام؛ فليس فيه موضع غير محكم.
* * * * ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى - كان يلبس رداءً متبناً بزعفران.
هو المصبوغ على لون التبن.
* * * * وأُشرب التبن في " قو " .
* * * *
التاء مع الجيم
أبو ذر رضي الله عنه - كنا نتحدث أن التاجر فاجر.
هو الخمار. قال ابن يعفر:
ولَقَدْ أَرُوحُ إلى التِّجَارِ مُرَجَّلاً ... مَذِلاً بمالِي لَيِّناً أَجْيَادِي
وقيل: هو كل تاجر؛ لما في التجارة في الأغلب من الكذب والتدليس، وقلة التحاشي عن الربا، وغير ذلك.
* * * *
التاء مع الحاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول، وتظهر التحوت. قالوا: يا رسول الله؛ وما الوعول؟ وما التحوت؟ قال: الوعول: وجوه الناس وأشرافهم. والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم.
شبه الأشراف بالوعول لارتفاع مساكنها. وجعل " تحت " الذي هو ظرف نقيض " فوق " اسما؛ فأدخل عليه لام التعريف؛ ومثله قول العرب لمن يقول ابتداء: عندي كذا: أولك عند؟ * * * * ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: إنه ذكر أشراط الساعة، فقال: وإن منها أن تعلو التحوت الوعول. فقيل: ما التحوت؟ قال: بيوت القانصة يرفعون فوق صالحيهم.
كأنه ضرب لبيوت القانصة، وهي قر الصيادين، مثلا للأرذال والأدنياء؛ لأنها أرذل البيوت.
* * * * تحفة الكبير في " حب " .
* * * *
التاء مع الخاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ملعون من غير تخوم الأرض - وروى تخوم.
التخوم - بوزن هبوط وعروض: حد الأرض وهي مؤنثة. قال:
يا بَنِيَّ التُّخُومَ لا تَظْلمُوهَا ... إنَّ ظُلْمَ التُّخُومِ ذو عُقَّالِ
والتخوم جمع لا واحد له كالقتود، وقيل: واحدها تخم، وقيل: وهذه الأرض تتاخم أرض كذا: أي تحادها؛ والمعنى تغيير حدود الحرم التي حدها إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقيل: هو عام في كل حدٍ ليس لأحد أن يزوي من حد غيره شيئا.
وفي حديثه الآخر: من ظلم جاره شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين.
* * * *
التاء مع الراء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن منبري هذا على ترعة من ترع الجنة - وروى من ترع الحوض.
قيل: هي الروضة على مرتفع من الأرض، وذلك آنق لها وأخشن، ولهذا قالوا: رياض الحزن. وفسرت بالباب والدرجة ومفتح الماء؛ والأصل في هذا البناء الترع: وهو الإسراع والنزو إلى الشر، وفلان يتترع إلينا أي يتسرع ويتنزى إلى شرنا، ثم قيل: كوز ترع، وجفنة مترعة؛ لأن الإناء إذا امتلأ سارع إلى السيلان، ثم قيل لمفتح الماء إلى الحوض: ترعة؛ لأنه منها يترع أي يملأ، وشبه به الباب لأنه مفتح الدار، فقيل له: ترعة؛ وأما الترعة بمعنى الروضة على المرتفع والدرجة فمن النزو؛ لأن فيه معنى الارتفاع، ومنه قيل للأكمة المرتفعة على ما حولها: نازية.
والمعنى أن من عمل بما أخطب به دخل الجنة.
* * * * علي عليه السلام - لئن وليت بني أمية لأنفضهم نفض القصَّاب التراب الوذمة.
التِّرَاب: جمع تَرْب، تخفيف " تَرِب " .
الوذمة: المنقطعة الأوذام، وهي المعاليق، من قولهم: وذمت الدلو فهي وذمة، إذا انقطعت وذامها، وهي سيور العراقي؛ والمعنى كما ينفض اللحوم أو البطون التي تعفرت بسقوطها على الأرض لانقطاع معاليقها.
وقيل: هذا من غلط النقلة وإنه مقلوب، والصواب الوذام التربة، وفسرت الوذام بأنها جمع وذمة، وهي الحزة من الكرش أو الكبد والكرش نفسها؛ والوجه ما ذكرت.
* * * * مجاهد رحمه الله تعالى - لا تقوم الساعة حتى يكثر التراز.
قيل هو موت الفجاءة، وترز يترز ترزاً. قال ابن دريد: الترز: اليبس، ثم كثر حتى سموا الميت تارزا، قال الشماخ:
كأنَّ الذي يَرْمي من الْوَحْشِ تارِزٌ
وقيل: أصله أن تأكل الغنم حشيشاً فيه الندى، فيقطع بطونها فتموت، يقال: ترزت الغنم ونفصت: أصابها التراز والنفاص.
* * * * في الحديث: لو وزن رجاء المؤمن وخوفه بميزان تريص ما زاد أحدهما على الآخر.
هو المحكم العدل الذي لا يحيف، وقد ترص تراصة، قال:
فَشُدَّ يَدَيْكَ بالعَقْدِ التَّرِيصِ
* * * * تارّ في " لح " . تربت يداك في " وس " . تركته في " نف " . ترائك في " شر " .
* * * *
التاء مع العين
أبو هريرة رضي الله عنه - تعس عبد الدينار والدرهم، الذي إن أُعطي مدح وضبح، وإن منع قبح وكلح، تعس فلا انتعش، وشيك فلا انتقش.
تعس تعساً فهو تاعس: إذا انحط وعثر - وقد روى تعس فهو تعِس، وليس بذاك.
ضبح: من ضباح الثعلب وهو صياحه. شبه صوته في مخاصمته دونه ومجادلته عنه بالضباح. وهذا كقولهم: فلان كلب ينبح، وديك يضبح.
قبَّح، أو قبح له وجهه، بمعنى قبَّحه.
وكلح: عبس. شيك من قولهم: شاكه الشوك، إذا دخل رجله.
والانتقاش: استخراجه.
* * * * وقام نعار في " صب " .
* * * *
التاء مع الغين
الزهري رحمه الله - مضت السُّنَّة أنه لا يجوز شهادة خصم، ولا ظنين، ولا ذي تغبة في دينه.
هي الفساد، وقد تغب تغباً فهو تغب - وروى: " ذي تغبة " ، وقيل: هي العيب والفساد، ولا تخلو من أن تكون " تفعلة " ، من غبب الذي هو مبالغة في معنى غبَّ الشيء: إذا فسد وتغير، أو من غبب في الحاجة إذا لم يبالغ فيها، وفي ذلك فسادها، أو من غبب الذئب الغنم: إذا عاث فيها وعضض أغبابها.
* * * *
التاء مع الفاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات.
التفل: ألاَّ يتطيب فيوجد منه رائحة كريهة؛ من تفل الشيء من فيه: إذا رمى به متكرهاً. قال ذو الرمة:
متى يحس منه ذائقُ القوم يَتْفَل
ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمسن طيباً.
* * * * قال رافع بن خديج رضي الله عنه في النصل الذي في لبته: إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مسحه بيده وتفل عليه فلم يصر وبقي في طمّ غير أنه منتبر في رأس الحول.
أي بزق عليه.
لم يصر؛ أي لم يجمع المدة، مع صرى الماء.
الانتبار: التورم.
* * * * ابن مسعود رضي اللع تعالى عنه - ذكر القرآن فقال: لا يتفه ولا يتشان.
هو من تفه الطعام، إذا سنخ، وتفه الطيب: إذا ذهبت رائحته بمرور الأزمنة.
والتشان: الإخلاق، من الشن وهو الجلد اليابس البالي؛ أي هو حلو طيب، لا تذهب طلاوته، ولا يبلى رونقه وطراوته بترديد القراءة كالشعر وغيره.
ومنه قول علي عليه السلام: لا تخلق بكثرة الرد.
ويجوز أن يكون من تفه الثوب، إذا بلى. ولا يتشان تأكيداً له، ويجوز أن يكون من تفه الشيء: إذا قل وحقر؛ أي هو معظَّم في القلوب أبداً.
وقيل: معنى التشان الامتزاج بالباطل، من الشنانة، وهي اللبن المذيق.
* * * * الرجل التافه في " رب " . تتفل الريح في " جف " . التفث في " عم " .
* * * *
التاء مع القاف
التقدة في " جل " .
* * * *
التاء مع اللام
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - إن الملك يأتي العبد إذا وضع في قبره، فإن كان كافراً أو منافقا قال له: ما تقول في هذا الرجل؟ يعني محمداً صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيقول: لا دريت ولا تليت.
أي ولا اتبعت الناس بأن قول شيئاً يقولونه. ويجوز أن يكون من قولهم: تلا فلان تلو غير عاقل، إذا عمل عمل الجهال، أي لا علمت ولا جهلت؛ يعني هلكت فخرجت من القبيلين.
وقيل: لا قرأت، وقلب الواو ياء للازدواج. وقيل: الصواب أتليت. يدعو عليه بألا يتلي إبله؛ وإتلاؤها: أن يكون لها أولاد تتلوها، وقيل: هو ائتليت افتعلت من لا آلو كذا، إذا لم تستطعه.
* * * * عن عائشة رضي الله عنها - كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبدو إلى هذه التلاع، وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلى ناقة محرَّمة.
التلاع: مسابل الماء من الأعالي إلى الأسافل.
بَدَا بَدَاوة وبِدَاوة: خرج إلى الصحراء.
المحرَّمة: التي لم تذلل ولم تركب. ومنه أعرابي محرَّم: إذا لم يخالط أهل الحضر، وسوط محرَّم: لم تتم دباغته.
* * * * بينا أنا نائم أُتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي.
أي أُلقيت ووضعت، والمعنى ما فتح الله لأمته من خزائن الملوك بعده.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إنه أُتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذنني أن أُعطي هؤلاء؟ فقال: لا والله يا رسول الله، لا أُثر بنصيبي منك أحدا؛ فتله في يده.
* * * * ابن مسعود رضي الله تعالى عنه - أُتي بسكران فقال: تلتلوه ومزمزوه.
التلتلة من قولهم: مرَّ فلان يتلتل فلانا، إذا عنف بسوقه. وقيل: هي التخييس والتذليل.
والمزمزة: التحريك.
وهذا كقوله: بهز بالأيدي، وقيل: معناه حركوه حتى يوجد منه ريح ماذا شرب.
* * * * قال في سورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: هن من العتاق الأول، وهن من تلادي.
أي من قديم ما أخذت من القرآن، شبههن بتلاد المال. وتاؤه بدل من واو. ومعناه ما ولد عندك.
ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: إن أخاها عبد الرحمن مات فرأته في منامها، وإنها أعتقت عنه تلاداً من أتلاده.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربع! أتقنوا عليك البنيان، وتركوك لمتلك.
أي لمصرعك.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - سأله رجل عن عثمان، فقال: أنشدك الله تعالى! هل تعلم أنه فرَّ يوم أُحد، وغاب عن بدر، وعن بيعة الرضوان؟ فذكر عذره في ذلك كله، ثم قال: اذهب به تلان معك.
أراد الآن فخففه بألان وأسقط همزته وألقى حركتها على اللام، كما يقال: ألرض في الأرض، وزاد في أوله تاء، قال الشاعر:
نَوِّلِي قَبْلَ نَأْيٍ دَارِي جُمَانَا ... وَصِلينَا كما زَعَمتِ تَلاَنَا
وقد زادها على " حين " من قال:
العاطِفُونَ تَحِينَ ما مِن عَاطِفٍ ... والمُسْبغون يَداً إذَا ما أَنعَمُوا
* * * * فتلها إليه في " خل " . والتلوة في " ثغ " . تليدة في " ول " .
* * * *
التاء مع الميم
سليمان بن يسار رضي الله عنه - الجذع التام التمم يجزي في الصدقة.
أراد بالتام: الذي استوفى الوقت الذي يسمى فيه جذعا كله وبلغ أن يسمى ثنيا.
وبالتمم: التام الخلق. ومثله في الصفات خلق عمم وبطل وحسن.
يجزئ؛ أي يقضي في الأضحية.
* * * * النخعي رحمه الله - لم ير بالتتمير بأساً.
هو تقدير اللحم. وقيل: هو أن تقطَّعه صغاراً على قدر التمر فتجففه. والمراد الرخصة للمحرم في تزوده قديد الوحش؛ فأوقع المصدر على المفعول، كما يقال: الصيد بمعنى المصيد، والخلق بمعنى المخلوق.
* * * * تممت في " أص " . فتتامت في " قح " .
* * * *
التاء مع النون
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أتاه رجل وعليه ثوب معصفر، فقال له: لو أن ثوبك هذا كان في تنور أهلك، أو تحت قدر أهلك، لكان خيراً لك. فذهب الرجل فجعله في التنور أو تحت القدر، ثم غدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما فعل الثوب؟ فقال: صنعت ما أمرتني به. فقال: ما كذا أمرتك! أفلا ألقيته على بعض نسائك؟ قال أبو حاتم: التنور ليس بعربي صحيح، ولم تعرف له العرب اسما غيره، فلذلك جاء في التنزيل؛ لأنهم خوطبوا بما عرفوا.
وقال أبو الفتح الهمداني: كان الأصل فيه نوور فاجتمع واوان وضمة وتشديد، فاستثقل ذلك فقلبوا عين الفعل إلى فائه فصار ونور، فأبدلوا من الواو تاء، كقولهم: تولج في وولج.
وذات التنانير: عقبة بحذاء زبالة. أراد: لو صرفت ثمنه إلى دقيق تختبزه أو حطب تطبخ به كان خيرا لك.
والمعنى: إنه كره الثوب المعصفر للرجال.
* * * * عمر رضي الله عنه - مر قوم من الأنصار بحي من العرب، فسألوهم القرى فأبوا، فسألوهم الشراء فأبوا؛ فتضبطوهم فأصابوا منهم، فأتوا عمر فذكروا ذلك له؛ فهم بالأعراب وقال: ابن السبيل أحق بالماء من التانئ عليه.
هو المقيم.
* * * * ابن سلام رضي الله عنه - آمن ومن معه من يهود، وتنخوا في الإسلام. أي أقاموا وثبتوا. ومنه تنوخ؛ لأنها قبائل تحالفت فتنخت في مواضعها.
وروى: " ونتخوا " . وفسر برسخوا. والأصل في يهود ومجوس أن يستعملا بغير لام التعريف؛ لأنهما علمان خاصان لقومين كقبيلتين. قال:
فَرّتْ يَهُودُ وأَسْلَمتْ جِيرانَها ... صَمِّي لِمَا فَعَلَتْ يَهُودُ صَمام
وقال:
أَحارِ أُرِيك بَرْقاً هَبَّ وَهْنا ... كنَارِ مَجُوسَ تَسْتَعِر اسْتِعَارَا
وإنما جوز تعريفهما باللام لأنه أجرى يهودي ويهود ومجوسي ومجوس وجرى شعيرة وشعير وتمرة وتمر.
* * * * وتنوفة في " عب " . تنوُّمة في " أي " .
* * * *
التاء مع الواو
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - رأى على أسماء بنت يزيد سوارين من ذهب وخواتيم من ذهب، فقال: أتعجز إحداكن أن تتخذ حلقتين أو تومتين من فضة، ثم تلطخها بعبير أو ورس أو زعفران؟ التومة: حبة تصاغ على شكل الدرة، وجمعها تُومٌ وتُوَم، كصُور وصُوَر في جمع صورة.
العبير: أنواع من الطيب تخلط - عن الأصمعي.
* * * * الاستجمار توٌّ، والطواف توٌّ، وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوٍّ.
هو الوتر؛ سبع جمرات، وسبعة أشواط، ومنه قولهم: سافر سفراً توَّا، إذا لم يعرِّج في طريقه على مكان. والتوُّ: الحبل المفتول طاقاً واحدا.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - إن التمائم والرقي والتولة من الشرك.
التولة: ضرب من السحر تؤخذ بها المرأة زوجها، وتحبب إليه نفسها، وهي من التولة والدولة، وجاء فلان بتولاته ودولاته.
ومنه الحديث: إن أبا جهل لما رأى الدبرة قال: إن الله قد أراد بقريش التولة.
والتاء مبدلة من دال، كما قال سيبويه في تاء تربوت، وهي الناقة المرتاضة: إنها بدل من دال مدرب، واشتقاق الدولة من تداول الأيام ظاهر.
* * * * تاج الوقار في " يم " . التويتات في " حو " . ورضراضه التوم في " حو " .
* * * *
التاء مع الهاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن بلالا أذَّن بليلٍ، فأمره أن يرجع فينادي ألا إن الرجل تهم - وروى تهن.
النون فيه بدل من ميم، كما حكى البنام في بنان، وجاء قاتن بمعنى قاتم في شعر الطرماح:
كطَوْفِ مُتَلِّى حَجَّةٍ بينَ غَبْغَبٍ ... وقُرَّة مُسْوَدٍّ مِن النَّسْك قَاتِن
والتهم: شبه سدر يصيب من شدة الحر وركود الريح، ومنه تهامة.
والمعنى أنه أشكل عليه وقت الأذان وتحيَّر فيه فكأنه تهم، ويجوز أن يشبه فرط نعاسة بذلك، فيكون المعنى ملكه النعاس، فلم يتفطن لمراعاة وقته.
* * * * متهم في " وض " . كليل تهامة في " غث " .
* * * *
التاء مع الياء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ما يحملكم على أن تتايعوا في الكذب كما يتتايع الفراش في النار؟ التتايع: التهافت في الشر والتسارع إليه، تفاعل من تاع؛ إذا عجل، وحذف إحدى التاءين في " تتفاعل " جائز وفي تتايع كالواجب.
ومنه حديثه: إنه لما نزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ...) الآية. قال سعد ابن عبادة: يا رسول الله؛ أرأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلا فقتله أتقتلونه؟ وإن أخبر بما رأى جُلد ثمانين؟ أفلا يضربه بالسيف؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: كفى بالسيف شا - أراد شاهداً - فأمسك، وقال: لولا أن يتتايع فيه الغيران والسكران.
حذف جواب لولا، والمعنى لولا تهافت هذين في القتل، وفي الاحتجاج بشهادة السيف لتممت على جعله شاهداً ولحكمت بذلك.
ومنه قول الحسن رضي الله عنه: إن علياً عليه السلام أراد أمراً، فتتايعت عليه الأمور فلم يجد مشرعاًز يعني في أمر الجمل.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - رأى جارية مهزولة تطيش مرة وتقوم أخرى، فقال: ومن يعرف تيَّا؟ فقال له ابنه عبد الله: هي والله إحدى بناتك.
تيا: تصغير " تا " في الإشارة إلى المؤنث، كما قيل: " ذيا " ، في تصغير " ذا " ، والألف في آخرهما مزيدة مجعولة علامة للتصغير، كالضمة في صدر فليس، وليست هي التي في آخر المكبر بدليل قولك: اللذيا واللتيا في تصغير الذي والتي، وكذا المبهمات كلها؛ مخالفة بها ما ليس بمبهم ومحافظة على بنائها.
وعن بعض السلف أنه أخذ تبنة من الأرض ثم قال: تيا من التوفيق خير من كذا وكذا من العمل.
* * * * التيعة والتيمة في " اب " . لأتيسنهم في " يم " .
تم آخر كتاب التاء ولله الحمد والمنة
=======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الثاء
الثاء مع الهمزة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - استعمل عبادة بن الصامت على الصدقة، فقال: اتق الله يا أبا الوليد ألا تأتي يوم القيامة على رقبتك شاة لها ثؤاج.
هو صوت النعجة.
ألا تأتي: فيه وجهان: أحدهما أن تكون لا مزيدة. والآخر أن يكون أصله لئلا تأتي، فحذف اللام.
على رقبتك: ظرف وقع حالا من الضمير في تأتي تقديره: مستعلية رقبتك شاة، ونظيره:
فَجاءُونَا لهم سُكُرٌ عَلَيْنَا
* * * * عمر رضي الله عنه - قال في عام الرمادة: لقد هممت أن أجعل مع كل أهل بيت من المسلمين مثلهم، فإن الإنسان لا يهلك على نصف شبعة. فقال رجل: لو فعلت ذلك يا أمير المؤمنين ما كنت فيها بابن ثأداء.
وروى: إن رجلا قال له عام الرمادة: لقد انكشفت وما كنت فيها ابن ثأداء! فقال: ذلك لو أنفقت عليهم من مال الخطاب! الثأداء: الأمة، سميت بذلك لفسادها لؤماً ومهانة، من قولهم: ثئد المبرك على البعير: إذا ابتل وفسد حتى لم يستقر عليه. وفي كلامهم: أقمت فلاناً على الثأداء، إذا أقلقته، ويعضد ذلك تسميتهم إياها ثأطاء من الثأطة.
وأما الدأثاء فهي من دئث فلان بالإعياء حتى كسل وأعيا: أي أثقل، لنها لا تخلو من ذلك في أكثر أوقاتها، وقد روى حركة الهمزة في قوله:
ومَا كُنَّا بَنِي ثَأَدَاءَ لَمَّا ... شَفَيْنَا بالأَسِنَّةِ كلَّ وَتْرِ
وقد استثقل سيبويه هذا البناء، ولم يذكر إلا قرماء وجفناء في اسمي موضعين. والمعنى : إنك عملت على شاكلة الأحرار الكرام في تفقد المسلمين ومواساتهم والقيام بما يصلحهم وينعشهم.
* * * * وثأظ في " حم " . فرأب الثأي في " سح " . فيوتر ثأركم في " حب " .
* * * *
الثاء مع الباء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أخيار أمتي أولها وآخرها، وبين ذلك ثبج أعوج، ليس منك ولست منه.
أي وسطاً، يقال: ضرب ثبجه بالسيف، ومضى بثبج من الليل: إذا مضى قريب من نصفه. معنى قولهم: هو مني هو بعضي. والغرض الدلالة على شدة الاتصال، وتمازج الأهواء، واتحاد المذاهب. ومنه قوله تعالى: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإنّهُ مِنِّي).
وقوله: ليس منك ولست منه، نفي لهذه البعضية من الجانبين.
* * * * عمر رضي الله عنه - إذا مر أحدكم بحائط فليأكل منه ولا يتخذ ثباناً - وروى: خبنة.
الثبان: ما تحمل فيه الشيء بين يديك من وعاء. وقيل: هي جمع ثبنة، وهي الحجزة تتخذها في إزارك تجعل فيها الجني وغيره.
والخبنة: مثلها، يقال: ثبن الثوب وخبنه وكبنه.
* * * * عبادة رضي الله عنه - يوشك أن يُرى الرجل من ثبج المسلمين قرأ القرآن على لسان محمد، فأعاده وأبدأه، لا يحور فيكم إلا كما يحور صاحب الحمار الميت. أي من أوساطهم وخيارهم.
على لسان محمد، أي على لغته، وكما كان يقرؤه بلا لحن ولا تحريف.
لا يحور: لا يرجع؛ أي لا يصير حاله عندكم في كساد ما يتلوه من كتاب الله إلا كحال من يعرض حمارا ميتاً، فلا يعن له من بشتريه منه.
* * * * أبو موسى الأشعري رضي الله عنه - قال لأنس بن مالك: ما ثبر الناس؟ ما بطأ بهم؟ فقال أنس: الدنيا وشهواتها.
أي ما صدهم وقطعهم عن طاعة الله؟ ومنه: ثبره الله وثبورا، إذا أهلكه، وقطع دابره.
وثبر البحر: جزر، والأصل فيه الثبرة، وهي تراب شبيه بالنورة يكون بين ظهري الأرض إذا بلغه عرق النخلة وقف، ولم يسر فيه، فضعفت.
بطأ: على ضربين: يكون تعديته لمعنى بطؤ ومبالغة فيه، فيقال: بطؤ وبطأ به وبطأ عن الأمر والطاعة: إذا بالغ، ثم يعدى بالباء فيقال: بطأت به. ومنه قوله تعالى: (وإنَّ مِنكم لَمنْ لَيُبطِّئَنَّ...) الآية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قال أبو بردة: دخلت عليه حين أصابته قرحة، فقال: هلم يا ابن أخي فانظر. فتحولت فإذا هي قد ثبرت؛ فقلت: ليس عليك يا أمير المؤمنين بأس.
أي انفتحت ونضجت وسالت مدتها؛ لأن عاديتها تذهب وتنقطع عند ذلك، وهذا من باب فعلته ففعل؛ يقال: ثبره الله فثبر؛ أي هلك وانقطع.
فتحوَّلت: أي نهضت من مكاني إليه.
* * * * حكيم رضي الله عنه - دخلت أمه الكعبة، وهي حامل، فأدركها المخاض، فولدت حكيماً في الكعبة، فحُمل في نطع، وأُخذ ما تحت مثبرها فغُسل عند حوض زمزم، وأُخذت ثيابها التي ولدت فيها فجعلت لقي.
المثبر: حيث يسقط الولد وينفصل عن أمه، وحقيقته: موضع الثبر، وهو القطع والفصل، ومنه قيل: مثبر الجزور لمجزرها.
اللقي: الملقي، وكان من عادة أهل الجاهلية إلقاء ثيابهم إذا حجوا يقولون: هذه ثياب قارفنا فيها الآثام، فلا نعود فيها، ويسمونها الألقاء.
* * * * عائشة رضي الله عنها - استأذنت سودة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ليلة المزدلقة أن تدفع قبله، وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة؛ فأذن لها.
والثبط: من التثبط كالفقير من الافتقار، والقياس في فعلهما ثبط وفقر.
* * * * أُثيبج في " رص " و " صه " .. الثبجة في " اب " . فاضربوا ثبجة في " زن " .
* * * *
الثاء مع الجيم
ابن عباس رضي الله عنهما - ذكره الحسن فقال: كان أول من عُرف بالبصرة صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران، ففسرهما حرفاً حرفا، وكان مثجَّا يسيل غربا.
هو مفعل من الثج: وهو السيل والصب الغزير. شبه فصاحته وغزلرة منطقه بماء يثج ثجاًّ، ومثله قولهم: مثج للفرس الكثير الجري، وهذا لبناء الآلات، فاستعمل فيمن يكثر منه الفعل كأنه آلة لذلك. ومنه: رجل محرب، ومدره، ومصقع؛ وفرس مكر مفر.
الغرب: ما سال بحدة واتصال بغير انقطاع. قال لبيد:
غَرْبُ المَصَبَّةِ محمودٌ مَصَارِعُه ... لاَ هِي النَّهَارِ بسَيْرِ اللّيْلِ مُحْتَقِر
ومنه: قيل للدمع الكائن بهذه الصفة ولعرق العين الذي لا يرقأ: غرب.
* * * * حلب به ثجًّا، ولم تعبه ثجلة في " بر " . بثجيجه في " قح " . لا تثجروا في " بس " .
* * * *
الثاء مع الدال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال في ذي الثُّدية المقتول بالنهروان: إنه مثدون اليد - وروى مثدَّن، ومودون، ومودن، وموتن، ومخدج.
الثُّدية: تصغير الثندوة، بتقدير حذف الزائد الذي هو النون، لأنها من تركيب الثدي، وانقلاب الياء فيها واواً لضمة ما قبلها، ووزنها فنعلة، ولم يضر لظهور الاشتقاق ارتكاب الوزن الشاذ، كما لم يضر في إنقحل - وروى: ذو اليدية.
المثدون والمثدن: المخدج، من قولهم: امرأة ثدنة؛ أي منقوصة الخلق.
المودون والمودن: من ودن الشيء وأودنه، إذا نقَّصه وصغَّره. ومنه: ودنه بالعصا: إذا ضربه، وودن الأديم: لينه بالبلّ، والمعاني متقاربة.
والموتن: من أيتن المرأة، إذا جاءت بولدها يتنا. وقلبت الياء واوا لضم ما قبلها.
وروى ابن الأنباري: الوتن بمعنى اليتن. وأوتنت: أينت.
* * * *
الثاء مع الراء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ما بعث الله نبياً بعد لوط إلا في ثروة من قومه.
أي في كثرة. يقال: ثر المال يثرو، وثرا القوم يثرون. قال ابن مقبل:
وَثَرْوَةٍ مِنْ رِجَالٍ لَوْ رَأَيتَهُم ... لَقُلْتَ إحْدَى حِرَاجِ الجَرِّ مِنْ أٌقُرِ
وذلك لقول الله تعالى حكاية عن لوط: (لَوْ أنّ لي بِكمْ قوةً أوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ).
* * * * إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرب - وروى: ولا يعيرها - وروى: ولا يعنفها.
ومعنى الثلاثة واحد.
الخادم: الجارية بغير تاء تأنيث؛ لإجرائها مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال، ومثلها: لحية وامرأة عاتق.
* * * * دعا في بعض أسفاره بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثرى فأكل، ثم قام إلى المغرب قتمضمض ثم صلى ولم يتوضأ.
أي ندى من الثرى.
ومنه قول سهل بن سعد رضي الله عنه: كنا نطحن الشعير وننفخه، فيطير ما طار وما بقي ثريناه فاكلناه.
قام إلى المغرب: أي قصدها، وتوجه إليها، وعزم عليها، وليس المراد المثول، وهكذا قوله تعالى: (إذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلاَةِ).
* * * * نهى عن الصلاة إذا صارت الشمس كالأثارب.
هي جمع أثرب جمع ثرب، وهو الشحم الرقيق المبسوط على الكرش والأمعاء، شبه بها ضياء الشمس إذا رق عند العشي.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يقعى ويثرى في الصلاة.
أي يلزم يديه الثرى بين السجدتين لا يفارق بهما الأرض، وذلك في التطوع في وقت كبره.
* * * * يثرب في " اك " . نعماً ثريا في " غث " . الثرثارون في " وط " . ثراه في " حت " . غير مثرد في " فر " .
* * * *
الثاء مع الطاء
يمشي الثطى في " ذا " . الثطاط في " نط " . ثطا في عباءة في " شغ " .
* * * *
الثاء مع العين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن امرأة أتته، فقالت: يا سول الله؛ إن ابني هذا به جنون يصيبه عند الغداء والمساء، فمسح صدره، ودعا له؛ فثع ثعة، فخرج من جوفه جروٌ أسود يسعى.
أي قاء قيئة، يقال: ثع يثع، وتع يتع.
* * * * قال: اللهم اسقنا. فقام أبو لبابة، فقال: يا رسول الله؛ إن التمر في المرابد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بإزاره، أو بردائه. قال: فمطرنا حتى قام أبو لبابة فنزع إزاره، فجعل يسد به ثعلب مربده.
المربد: الموضع الذي يوضع فيه التمر حين يصرم ليجفف، وهو من ربده: إذا حبسه، ومنه مربد الإبل، وقيل مربد البصرة، لأنهم كانوا يحبسون فيه الإبل.
والثعلب: مخرج مائه.
* * * * ولا ثعول في " شب " . الثعارير في " ضب " . المثعنجر في " قر " . فثعها في " كر " . ثعلب بن ثعلب في " صح " .
* * * *
الثاء مع الغين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أُتي بألبي قحافة وكأن رأسه ثغامة، فأمرهم أن يغيروه.
قال أبو زيد: هي شجرة بيضاء الورق، ليس في الأرض ورقة إلا خضراء غير الثغامة.
وقال ابن الأعرابي: شجرة تبيض كأنها الثلج.
أبو قحافة: أبو أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، واسمه عثمان، وكان هذا يوم فتح مكة، أُتي به ليبايعه على الإسلام، فبايعه وسار إلى المدينة.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - ما شبَّهت ما غبر من الدنيا إلا بثغب ذهب صفوه وبقي كدره.
هو المستنقع في الجبل.
وقد روى: ثغب وثغبان كظهر وظهران.
ابن عباس رضي الله عنهما - قال عمرو بن حبشي: كنت عنده، فجاءته امرأة محرمة، فقالت: أشرت إلى أرانب فرماها الكرى. فقال ابن عباس: يحكم به ذوا عدل منكم. ثم قال له: أفتنا في دابة ترعى الشجر وتشرب الماء في كرش لم تثغر. فقلت: تلك عندنا الفطيمة والتلوة والجذعة.
لم تثغر: لم تسقط أسنانها، يقال: ثغر الصبي فهو مثغور، واتَّغر واثَّغر مثله.
ومنه حديث النخعي: كانوا يحبون أن يعلموا الصبي الصلاة إذا اثَّغر - وروى: ثغر.
ويحكى أن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس لم يثغر قطّ، وأنه دخل قبره بأسنان الصبا، وما نفض له سن حتى فارق الدنيا مع ما بلغ من العمر.
ويقال للنبات بعد السقوط: اتغار واثغار أيضا، وهما لغتان في الافتعال من الثغر، والأصل اثتغار، فإما أن تقلب الثاء تاء وهو المشهور في الاستعمال والقوى في القياس، وإما أن تقلب التاء ثاء. ومثل ذلك اتّار واثّار، واتّرد واثَّرد.
الفطيمة: المفطومة.
والتلوة: التي تبعت أمها، والذكر: تلو.
والجذعة: التي دخلت في السنة الثانية.
والمعنى أنه لما قال لها يحكم به ذوا عدل منكم، نصب نفسه وابن حبشي حكمين، فسأله عن فدية بالصفة التي وصفها معتبرا للماثلة من جهة الخلقة، لا من جهة القيمة، فذكر له هذه الثلاثة، فأوجب عليها أحدها.
* * * * معاوية رضي الله تعالى عنه - في فتح قيسارية وقد ثغروا منها ثغرة، فأخذ معاوية اللواء ومضى حتى ركزوا اللواء على الثغرة، وقال: أنا عنبسة.
أي ثلموا منها ثلمة.
عنبسة: الأسد، من العبوس والنون زائدة، ومثله عنسل من العسلان.
* * * * سواء الثغرة في " نس " .
* * * *
الثاء مع الفاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أمر المستحاضة أن تستثفر وتلجم إذا غلبها سيلان الدم.
الاستثفار: أن تفعل بالخرقة فعل المستثفر بإزاره، وهو أن يرد طرفة من بين رجليه، ويغرزه في حجزته من ورائه، ومأخذه من الثفر.
ومنه حديث الزبير رضي الله عنه: إنه وصف الجن الذين رآهم ليلة استتبعه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، قال: فإذا نحن برجال طوال كأنهم الرماح مستثفرين ثيابهم.
التلجم: أن يتوثق في شد الخرقة، وهي تسمى لجمة، وكل ما شددت به شيئا وأوثقته فهو لجام ولجمة.
ويجوز أن يراد بالاستثفار: الاحتشاء بالكرسف من الثفر، وهو الفرج، كأنه طلب ما تسد به الثفر، وبالتلجم شد اللجمة.
* * * * ماذا في الأمرين من الشفاء: الصبر والثفاء.
هو الحرف، سمي بذلك لما يتبع مذاقه من لذع اللسان لحدته، من قولهم: ثفاه يثفوه ويثفيه: إذا اتَّبعه، وتسميته حرفاً لحرافته. ومنه: بصل حريف؛ وهمزة الثفاء منقلبة عن واو أو ياء على مقتضى اللغتين.
* * * * قال في غزو الحديبية: من كان معه ثفل فليصطنع.
الثفل: ما رسب تحت الشيء من خثورة وكدرة، كثفل الزيت والعصير والمرق. ثم قيل لكل ما لا يُشرب كالخبز ونحوه: ثفل.
ومنه: وجدت بني فلان مثافلين: إذا فقدوا اللبن، فأكلوا الثفل.
ورجل ثفل ومحض.
الاصطناع: اتخاذ الصنيع.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - رأى رجلا بين عينيه مثل ثفنة البعير؛ فقال: لو لم يكن هذا كان خير.
شبه السجادة بين عينيه بإحدى ثفنات البعير: وهي ما بلى الأرض من أعضائه عند البروك فيغلظ، وكأنه إنما جعل فقدها خيراً له مع أن الصلحاء وصفوا بمثل ذلك، وسمى كل واحد من الإمام زين العابدين عليه السلام، وعلي بن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم: ذا الثفنات؛ لأنه رأى صاحبه يرائي بها.
* * * * مجاهد رحمه الله - في قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده).
وذكر البر ثم التمر - إذا حضروه عند الجداد ألقى لهم الثفاريق والتمر.
الثفروق: قمع البسرة والتمرة.
وعن أبي زيد: هو شيء كأنه خيط مركب في بطن القمعة، وطرفه في النواة، والمراد هاهنا شماريخ يتعلق بأقماعها تمرات متفرقة، لا أقماع خالية من التمر.
الضمير في حضروه للمساكين.
* * * * في الحديث: حمل فلان على الكتيبة فجعل يثفنها.
أي يضربها ويطردها، وأصله من قولهم: ثفنته الناقة: ضبته بثفناتها.
* * * * بثفالها في " دس " . بالثفال في " دج " .
* * * *
الثاء مع القاف
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي.
الثقل: المتاع المحمول على الدابة، وإنما قيل للجن والإنس: الثقلان، لأنهما قطَّان الأرض، فكأنهما أثقلاها. وقد شبه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين.
والعترة: العشيرة، سميت بالعترة وهي المرزنجوشة؛ لأنها لا تنبت إلا شعبا متفرقة. قال:
فما كُنْتُ أَخْشَى أن أُُِقيم خِلافَهم ... بستّةِ أَبْيَات كما نَبَتَ العِتْرُ
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - قالت الأنصار لقريش: منا أمير ومنكم أمير. فجاء أبو بكر فقال: إنا معشر هذا الحي من قريش أكرم الناس أحسابا، وأثقبه أنسابا، ثم نحن بعد عترة رسول الله التي خرج منها، وبيضته التي تفقأت عنه، وإنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها.
أثقبه: أنوره، من ثقبت النار، ونجم ثاقب، والأصل فيه نفوذ الضوء وسطوعه. والضمير يرجع إلى الناس، وهو اسم موحد مذكر كالبشر والأنام والورى.
تفقأت: تفلقت، ومنه فقء العين. معنى جوب الرحا عن القطب: أن يقطع عنه ويزال ما يمنع نفوذه منها بأن يثقب الموضع الذي يكون فيه. ولما كان موضعه وسط الرحى شبه بذلك مكان قريش من العرب، يعني وسطها وسرَّتها.
معشر: منصوب بفعل مضمر مثل: اذكروا عني، ويسمى النصب على المدح والاختصاص.
ثقف في " لق " . لمثقباً في " نق " .
* * * *
الثاء مع الكاف
في الحديث - يحشر الناس على ثكنهم.
الثكنة: الراية، أي مع راياتهم وعلاماتهم، فتعلم كل أمة وفرقة بعلامة تمتاز بها عن غيرها.
والثكنة: الجماعة أيضا؛ أي يحشر كل أحد مع الجماعة التي هو منها. والثكنة أيضا: القبر، أي يحشرون على أحوال ثكنهم، فحذف المضاف.
والمعنى: على الأحوال التي كانوا عليها في قبورهم من سعادة أو شقاء.
* * * * على ثكنتهم في " ضر " . ثكما الأمر ثكماً في " زو " . بأُثكول في " حب " . ثكن في " رج " .
* * * *
الثاء مع اللام
النبي صلى الله عليه وسلم - قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، فابتعثاني فانطلقت معهما، فأتينا على رجل مضطجع، وإذا رجل قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة، فتثلغ رأسه، فتدهدى الصخرة. ثم انطلقنا فأتينا على رجل مستلق وإذا رجل قائم عليه بكلوب، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه. ثم انطلقنا فأتينا على مثل بناء التنور فيه رجال ونساء، يأتيهم لهب من أسفل، فإذا أتاهم ذلك ضوضوا؛ فانتهينا إلى دوحة عظيمة، فقالا لي: ارق فيها، فارتقينا، فإذا نحن بمدينة مبنية بلبن ذهب وفضة، فسما بصري صُعُداً فإذا قصر مثل الربابة البيضاء.
الثلغ والفلغ: الشدخ.
الكلاب والكلوب: خشبة في رأسها عقافة منها أو من حديد. ومنه قيل كلاليب البازي لمخالبه.
يشرشر: يشقق ويقطع.
الضوضاة: الضجيج والصياح، وهو من مضاعف الرباعي كالقلقلة، وقولهم: ضوضيت كأغزيت في قلب الواو ياء لوقوعها رابعة.
والتدهدي، أصله التدهدة، فقلبت الهاء ياء؛ لاستثقال التضعيف، كما قيل: تقضى البازي، وهو التدحرج.
والدوحة: كل شجرة عظيمة. ويقولون: انداحت هذه الشجرة، إذا عظمت ومظلة دوحة: أي عظيمة واسعة.
الربابة: السحابة المعلقة دون السحاب. قال:
كأن الرَّباب دُوَيْنَ السَّحَاب ... نعامٌ تَعَلَّقَ بالأرْجُل
* * * * لا حمى إلا في ثلاث: ثلة البئر، وطول الفرس، وحلقة القوم.
أي إذا احتفر الرجل بئراً في موضع لم يملكه أحد قبله، فله أن يحمي من حواليها ما يطرح فيه ثلتها، وهي ترابها الذي أخرجه منها، وإذا ربط فرسه في العسكر فله أن يحمي مستدار فرسه، وللقوم أن يحموا حلقة مجلسهم من أن يجلس وسطها أحد.
* * * * وفي حديث حذيفة رضي الله عنه: الجالس في وسط الحلقة ملعون.
* * * * عمر رضي الله عنه - رُئي في المنام فسُئل عن حاله فقال: ثُلّ عرشي، أو كاد عرشي يُثّل لولا أني صادفت ربَّا رحيما.
ثله: هدمه، ويكون أيضا بمعنى أصلحه - عن قطرب. وأثله: أمر بإصلاحه، وقد حكى: أثله: هدمه.
والعرش: سرير الملك.
وهذه كناية عن إدبار الأمر وذهاب العز؛ لأن الإدلة من الملك يردفها ثل عرشه.
* * * * تثلغ الخبزة في " فل " . الثلب في " نص " . ثلثا واثنتين في " بر " . وثلثهم في " ثو " . وثلاثها في " ثن " . ثلئت في " سب " . ثلة في " ثو " .
* * * *
الثاء مع الميم
ابن مسعود رضي الله عنه - أتاه رجل بابن أخيه، وهو سكران، فأمر بسوط فدقت ثمرته، ثم قال للجلاد: اضرب وارجع يديك. ثم قال: بئس لعمر الله ولي اليتيم هذا! ما أدبت فأحسنت الأدب ولا سترت الخربة. قال: يا أبا عبد الرحمن؛ إنه لابن أخي، وإني لأجد له من الّلاعة ما أجده لولدي، ولكن لم آله.
ثمرة السوط: العقدة في طرفه، وإنما أمر بدقها لتلين؛ تخفيفاً عنه، وكذلك أمره برجع اليدين وهو ألا يرفعهما عند الضرب ولا يمدهما، ويقتصر على أن يرجعهما رجعا.
اللام في اليتيم لتعريف الجنس لا للعهد، لإسناد بئس إلى المضاف اليه، لأنه لا يسند إلا إلى ما فيه اللام للجنس أو إلى ما أُضيف. والذي جوَّز الفصل بين بئس وفاعلة بالقسم أنه تأكيد لمضمون الجملة، فليس بأجنبي عنهما.
ما أدبت: التفات إلى الرجل بالتقريع.
الخربة: من قولهم: ما رأينا من فلان خربة؛ أي عيباً وفساداً. ومنه: الخارب لعيشه في المال بالسرقة؛ وخراب الأرض: فسادها لفقد العمارة.
اللاَّدعة: فعلة من لاع يلاع: إذا وجد في قلبه لوعة من شوقٍ أو حزن.
قال الأعشى:
مُلْمعٍ لاَعَةِ الفُؤَادِ إلى جَحْشٍ فَلاَهُ عنها فَبِئْسَ الْفَالِي
ومثلها: امرأة خافة، وعين داءة؛ من خاف يخاف، وداء يداء، والمراد من وجد اللاعة، وهي النفس، فحذف المضاف.
لم آله: أي مع فرط حرقتي ومحبتي له لم أدخر عنه عركا وتأديباً.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - الرشوة في الحكم سحت، وثمن الدم، وأُجرة الكاهن، وأجر القائف، وهدية الشفاعة، وجعالة الغرق.
ثمن الدم: كسب الحجام.
القيافة: أن يعرف بفطنة وصدق فراسة أن هذا ابن فلان أو أخوه، وكانت في بني مدلج.
الجعيلة والجعالة: الجُعل، وهو ما يجعل لمن يغوص على متاع أو إنسان غرق في الماء.
* * * * معاوية رضي الله عنه - دخل عليه عمرو بن مسعود، وقد أسن وطال عمره، فقال له: كيف أنت؟ وكيف حالك؟ فقال: ما تسأل يا أمير المؤمنين عمن ذبلت بشرته، وقطعت ثمرته، وكثر منه ما يحب أن يقل، وصعب منه ما يحب أن يذل، وسُحلت مريرته بالنقض، وأجم النساء وكن الشفاء، وقل انحياشه، وكثر ارتعاشه، فنومه سبات، وليلة هبات، وسمعه خفات، وفهمه تارات.
ثمرته: نسله، شبهه بثمرة الشجرة، كما يقال: هذا فرع فلان وشعبته، ويجوز أن يُكنى بها عن العضو، ويريد انقطاع قدرته على الملامسة، وانقطاع شهوته؛ لقوله: وأجم النساء، وقد أنشد بعضهم:
إلى عُلَيْجين لم تُقْطَع ثِمارُهما ... قد طال ما سَجَدا للشمْسِ والنار
يريد لم يختنا. أراد بما يحب أن يقل: السهو والنسيان، والذنين، والبول، وغير ذلك. وبما يحب أن يذل: المفاصل الجاسية التي لا تطاوعه في القبض والبسط. سحلت مريرته، أي جعل حبله المبرم سحيلا، وهو الرخو المفتول على طاق واحد، وقد سحله يسحله. والمريرة والمرير: المرُّ المفتول على طاقين فصاعدا، وهذا تمثيل لضعفه واسترخاء قوته. أجم: عاف وملَّ.
الانحياش: النفور من الشيء فزعا. قال ذو الرمة:
وبَيْضاءَ لا تَنْحَاشُ منَّا وأُمُّها ... إذا ما رَأَتْنا زِيلَ مِنهَا زَوِيلُها
ولم يرد أنه لا يفزع فينحاش؛ لأن الشيخ موصوف بالفزع والخشية. ومنه المثل: لقد كنت وما أُخشي بالذئب. ولكنه أراد أنه فزّع لم يقدر على النفار والفرار.
السبات: النوم الثقيل، ومنه قيل للميت: مسبوت، والأصل فيه انقطاع الحركة.
الهبات: الضعف والاسترخاء، من قولهم: لفلان هبته أي ضعف، وهبت المرض، ورجل مهبوت الفؤاد: نخب.
الخفات: ضعف الاستماع، من خفوت الصوت، وإنما أخرجه على " فعال " ،لأنه وزن أسماء الأدواء. تارات: يكرر عليه الحديث مرات حتى يتفهمه.
* * * * عروة رضي الله عنه - ذكر أُحيحة بن الجلاح وقول أخواله فيه: كنا أهل ثمه ورمه، حتى استوى على عممه. وقيل: الصواب الفتح في ثمه ورمه.
الثم: الجمع. والرم: المرمة، وأما الثم والرم فلا يخلوان من أن يكونا مصدرين كالحكم والشكر والكفر، أو بمعنى المفعول كالذخر والعرف والخبر. والمعنى: كنا أهل تربيته والمتولين لجمع أمره وإصلاح شأنه، أو ما كان يرتفع من أمره مجموعا ومصلحا فإنا كنا المحصلين له على تلك الصفة.
العمم: صفة كشلل وسحج، بمعنى العميم، وهو التام الطويل؛ ويجوز أن يكون جمع عميم كسرير وسرر؛ وقولهم: نخل عُمّ تخفيف عمم، والمعنى: استوى على عظمه أو قدّه التام أو على عظامه أو أعضائه التامة، وأما التشديد فيه عند من شدد فإنها التي تزاد في الوقف في قولهم: هذا عمر وفرج، وإنما زادها مجريا للوصل مجرى الوقف كما قال:
ببَازِلٍ وَجْناءَ أَوْ عَيْهَل
ليتشاكل السجعتان. وروى بالتخفيف، وروى على عممه، وهو مصدر العميم وقولهم: منكب عمم، وصف بالمصدر.
وروى أن هاشما تزوج سلمى بنت زيد النجارية بعد أُحيحة فولدت له شيبة، وتوفي هاشم وشبَّ شيبة، فانتزعه المطلب من أمه، فقالت:
كنا ذوي ثمِّه ورُمِّه ... حتى إذا قَامَ عَلَى أَتمّه
انتزعوه يافعاً من أُمِّه ... وغلب الأخوال حَقّ عمه
* * * * علاه الثمال في " بد " . على ثمد في " خب " . ثمال حاضرتهم في " رج " . سنة ثمغ في " صر " . قليل الثميلة في " صد " . ثماماً " خض " . فثملته في " ور " . وأفجر له الثمد في " صي " .
* * * *
الثاء مع النون
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - لاثنى في الصدقة.
الثنى: مصدر كالقلى والشرى، من ثنيت الشيء: إذا أخذته مرة ثانية، وثنيت الأرض: إذا كريتها مرتين، والمعنى في أخذ الصدقة، فحُذف المضاف.
والصدقة: المال المتصدق به، ويجوز أن يكون بمعنى التصديق، من صدق المال: إذا أخذ صدقته، كالزكاة بمعنى التزكية والتذكية، فلا يقدر حذف مضاف.
أراد لا تؤخذ في السنة مرتين. ثنى بني مع لا لنفي الجنس، وعلم بنائه سقوط التنوين.
* * * * سُئل عن الإمارة فقال: أولها ملامة، وثناؤها ندامة، وثلاثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل.
أي ثانيها وثالثها بالكسر، وأما ثناء وثلاث فصفتان معدولتان عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة.
* * * * قرأ عليه أبيٌّ رضي الله عنه فاتحة الكتاب فقال: والذي نفسي بيده ما أُنزل في التوراة ولا في الأنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها؛ إنها السيع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت.
المثاني: هس السبع. ومن: للتبيين، مثلها في قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجس من الأوْثان). كأنه قيل: إنها للآيات السبع التي هي المثاني، وإنما سميت مثاني؛ لأنها تثنى: أي تكرر في قومات الصلاة، الواحد مثنى، ويجوز أن يكون مثناة.
وقوله: والقرآن العظيم: إطلاق لاسم القرآن على بعضه. ومثله قوله تعالى: (بِمَا أَوْحَيِنَا إلَيْكَ هذَا القُرْآنَ) فيمن جعل المراد بالقصص سورة يوسف.
وقوله: ولا في القرآن مثلها تفضيل لآيات الفاتحة على سائر آي القرآن.
* * * * حمزة رضي الله عنه - قال وحشي: سددت حربتي يوم أُحد لثنَّته فما أخطأتها.
وعن الأصمعي: سألت ابن عمران القاضي عن رجل وقف وقفاً واستثنى منه، فقال: لا يجوز الوقف إذا كانت فيه ثنية.
* * * * يثنيه عليه إثناء في " طر " . أُثناءه في " سح " . وطلاّع الثنايا في " ين " . ثنيته في " عص " .
* * * *
الثاء مع الواو
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - توضئوا مما غيَّرت النار ولو من ثور أقط.
هو القطعة منه؛ لأن الشيء إذا قُطع عن الشيء ثار عنه وزال.
والأقط: مخيض يُطبخ ثم يترك حتى يمصل. والمراد بالتوضؤ غسل اليدين.
* * * * كتب صلى الله تعالى عليه وسلم لأهل جُرش بالحمى الذي أحماه لهم: للفرس والراحلة والمثيرة، فمن رعاه من الناس فماله سحت.
المثيرة: البقرة التي تثير الأرض.
سحت: هدر، أي إن عقره عاقر أهدرته، والذي يلاقي بينه وبين السحت المعروف أن الدم المهدر مسحوت التبعة، كما أن الكسب الحرام مسحوت البركة.
* * * * كتب صلى الله تعالى عليه وسلم لأهل نجران حين صالحهم: إن عليهم ألفي حلة في كل صفر، وفي كل رجب ألف حلة، وما قضوا من ركاب وخيل أو دروع أُخذ منهم بحساب، وعلى نجران مثوى رسلي عشرين ليلة فما دونها، ولنجران وحاشيتها ذمة الله وذمة رسوله على ديارهم وأموالهم، وثلتهم وملتهم، وبيعهم وهبانيتهم وأساقفتهم، وشاهدهم وغائبهم، وعلى ألا يغزوا أُسقفاًّ من سقيفاه، ولا ولقفلً من وقيفاه، ولا راهبا من رهبانيته، وعلى ألا يحشروا ولا يعشروا.
مثوى رسلي: أي ثواؤهم ضيوفا لهم. والثوى: الضيف، قال أوس:
لَعُمْرَك ما مَلَّتْ ثواءَ ثَوِيّها ... حليمة إذ أَلْقَى مَرَاسِيَ مُقْعَد
ويقال: تثَّويت فلانا: إذا تضَّيفته.
ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: شيخ من طفاوة تثوَّيته، فلم أر رجلا أشد تشميرا، ولا أقوم على ضيف منه.
يقال لقطيع الضأن: ثلة ولقطيع المعزى: حيلة، فإذا اجتمعا قيل لهما جميعا ثلَّة.
وعلى ألا يغزوا معطوف على قوله: أن عليهم؛ لأن المعنى صالحهم على أن عليهم، فحذف على؛ وحروف الجر يكثر حذفها مع أنْ وأنّ.
الرهبانية والأساقفة: جمع رهبان وأُسقف، وقد مضى لنا في هذه التاء كلام، وسمي الأُسقف لخشوعه من الأسقف، وهو الطويل المنحني.
الواقف: خادم البيعة، لأنه وقف نفسه على ذلك.
والسقيفي والوقيفي: مصدران كالخليفي والخطيبي.
لا يُحشروا: لا يُكلفوا الخروج في البعوث.
ولا يُعشروا: لا يؤخذ عشر أموالهم.
* * * * إذا ثُوِّبَ بالصلاة فأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا.
الأصل في التثويب: أن الرجل كان إذا جاء مستصرخا لوح بثوبه، فيكون ذلك دعاء وإنذار، ثم كثر حتى سُمي الدعاء تثويبا، قال طفيل:
وقد منَّت الخَذوَاءُ مناًّ عليكمْ ... وشَيْطَانُ إِذْ يَدْعُوهُم ويُثَوِّبُ
وقيل: هو ترديد الدعاء، تفعيل من ثاب: إذا رجع، ومنه قيل لقول المؤذن: الصلاة خير من النوم: التثويب.
* * * * عمر رضي الله عنه - كُتب إليه في رجل قيل له: متى عهدك بالنساء؟ فقال: البارحة. فقيل: من؟ قال: أم مثواي. فقيل له: قد هلكت! قال: ما علمت أن الله حرَّم الزنا. فكتب عمر أن يُستخلف ما علم أن الله حرم الزنا، ثم يُخلى سبيله.
المثوى: موضع الثواء؛ وهو النزول، ويقال لصاحب المثوى: أبو مثوى، ولصاحبته: أم مثوى.
* * * * لا أُتي بأحد انتقص من سبل المسلمين إلى مثاباته شيئاً إلا فعلت به كذا.
أي إلى منازله؛ لأنه يثاب إليها؛ أي يرجع.
* * * * عمرو رضي الله عنه - قيل له في مرضه الذي مات فيه: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوى أكثر من رزئي.
يقال: ثاب جسمه بعد النهكة: إذا عاد إلى صحته.
النجو: الحدث.
من رزئي: أي مما أرزؤه من الطعام بمعنى أُصيبه. يقال: ما رزأته زبالا: إذا لم يصب منه شيئاً.
ومنه قيل للمصاب: رزء ورزيئة.
* * * * في الحديث: الثيبان يرجمان، والبكران يجلدان ويغرّبان.
يقال للرجل والمرأة: ثيب، وهو فيعل من ثاب يثوب، كسيد من ساد يسود؛ لمعاودتهما التزوج في غالب الأمر، وقولهم: تثيبت مبني على لفظ ثيب، ويجوز أن يكون فيعلت كما قيب في تديَّرت المكان.
* * * * مم ثيب في " أب " . إلى ثور في " عي " . مثاويكم في " فر " . فلا يثوي عنده في " جو " .
آخر الثاء ولله الحمد والمنة
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الجيم
الجيم مع الهمزة
النبي صلى الله عليه وسلم - قال في المبعث حين رأى جبريل عليه السلام: فجئثت منه فرقانا، فأتت خديجة ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان نصرانياً قد قرأ الكتب، فحدثته وقالت: إني أخاف أن يكون قد عُرض له. فقال: لئن كان ما تقولين حقا إنه ليأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى.
جئث الرجل: قلع من مكانه فزعا، والثاء بدل من فاء جئف الشيء بمعنى جعف: إذا قلع من أصله، قال زيد الفوارس:
وَلَّوا تَكُبُّهمُ الرِّماحُ كأَنّهُمْ ... أَثْلٌ جأَفْتَ أُصولَه أوْ أثأَبُ
ومثله قوله في فروغ الدلو ثروغ. وفي أثاث أثاف. وعكسه فمّ في ثُمَّ، وجدف في جدث.
وروى: فجثت. وهو أيضا من جث واجتث: إذا قلع.
فرقاً: منتصب على أنه مفعول له.
عرض له: من قولهم عرضت له الغول، وعرضت بالكسر - عن أبي زيد؛ أي أخاف أن يكون قد أصابه مس من الجن.
الناموس: جبرائيل عليه السلام، شبه بناموس الملك، وهو خاصته الذي يطلعه على ما يطويه من سرائره عن غيره.
وقيل هو صاحب سر الخير خاصة.
* * * * الجآجئ في " رج " .
* * * *
الجيم مع الباء
النبي صلى الله عليه وسلم - ليس في الجبهة، ولا في الكسعة، صدقة.
الجبهة: الخيل، سميت بذلك؛ لأنها خيار البهائم، كما يقال: وجه السلعة لخيارها، ووجه القوم وجبهتهم لسيدهم.
وقال بعضهم: هي خيار الخيل.
النخة والنخة: الرقيق، وقيل: البقر العوامل، وقيل: الإبل العوامل من النخ وهو السوق الشديد.
الكسعة: الحمير، من الكسع، وهو ضرب الإدبار.
ومنه: اتبع آثارهم يكسعهم بالسيف.
* * * * أخرجوا صدقاتكم، فإن الله تعاللى قد أراحكم من الجبهة والسجة والبجة.
الجبهة: المذلة، من جبهة: إذا استقبله بالأذى.
والسجة: الذقة من السجاج، وهو اللبن المذيق.
البجة: الدم الفصيد، من البج، وهو البط والطعن غير النافذ.
والمعنى: قد أنعم الله عليكم بالتخليص من مذلة الجاهلية وضيقتها، وأعزكم بالإسلام، ووسع لكم الرزق، وأفاء عليكم الأموال، فلا تفرطوا في أداء الزكاة، فإن عللكم مزاحة.
وقيل: هي أصنام كانوا يعبدنها.
والمعنى: تصدقوا شكرا على ما رزقكم الله من الإسلام وخلع الأنداد.
* * * * حضرته امرأة فأمرها بأمر، فتأبت عليه، فقال: دعوها فإنها جبَّارة.
هي العاتية المتكبرة. ومنه قيل للملك: جبار وجبير لكبريائه.
وفي حديثه: أنه ذكر الكافر في النار فقال: ضرسه مثل أُحد، وكثافة جاده أربعون ذراعاً بذراع الجبار.
وهو من قول الناس: ذراع الملك، وكان هذا ملكا من ملوك الأعاجم تام الذراع.
* * * * قال عمر بن عبد العزيز - زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته، وهو يقول: والله إنكم لتجبِّون وتبخلون وتجهلون، وإنكم لمن ريحان الله، وإن آخر وطأة وطئها الله بوج.
معناه: إن الولد يوقع أباه في الجبن؛ خوفا من أن يقتل فيضيع ولده بعده، وفي البخل إبقاء على ماله له، وفي الجهل شُغلا به عن طلب العلم.
الواو في وإنكم للحال، كأنه قال: مع أنكم من ريحان الله: أي من رزق الله. يقال: سبحان الله وريحانه: أي أسبحه وأسترزقه. وقال النمر:
سَلاَمُ الإِلهِ وَرَيْحَانُه ... وَرَحْمَتُه وسَمَاءٌ دِرَرْ
وبعده:
غَمَامٌ يُنَزِّلُ رِزْقَ العِبَادِ ... فأَحْيَا البِلاَدَ وطَابَ الشَّجَرْ
هو مخفف عن ريحان فيعلان من الروح، لأن انتعاشه بالرزق. ويجوز أن يراد بالريحان: المشموم، لأن الشمامات تسمى تحايا، ويقال: حياه الله بطاقة نرجس، وبطاقة ريحان؛ فيكون المعنى: وإنكم مما كرم الله به الأناسي وحياهم به، أو لأنهم يشمون ويقبَّلون، فكأنهم من جملة الرياحين التي أنبتها الله.
ومنه حديث علي عليه السلام: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال له: أبا الريحانتين؛ أوصيك بريحانتي خيراً في الدنيا قبل أن ينهد ركناك. فلما مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال علي: هذا أحد الركنين، فلما ماتت فاطمة قال: هذا الركن الآخر.
الوطأة: مجاز عن الطحن والإبادة. قال:
وَوَطِئْتَنَا وَطْأَةً عَلَى حَنَقٍ ... وَطْأَ المُقَيَّدِ نابت الهَرْمِ
وج: وادي الطائف. قال:
يا سقى وج وجنوب وج ... واحتله غيث دراك الثج
والمراد غزاة حنين.
وحنين: واد قبل وج، لأنها آخر غزاة أوقع بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على المشركين. وأما غزوتا الطائف وتبوك فلم يكن فيهما قتال.
ووجه عطف هذا الكلام على ما سبقه التأسف على مفارقة أولاده لقرب وفاته؛ لأن غزوة حنين كانت في شوال سنة ثمان ووفاته في شهر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة.
كأنه قال: وإنكم لمن ريحان الله، وأنا مفارقكم عن قريب.
* * * * قال له رجل: إني مررت بجبوب بدر، فأذا أنا برجل أبيض رضراض، وإذا رجل اسود بيديه مرزبة من حديد، يضربه بها الضربة بعد الضربة فيغيب في الأرض، ثم يبدو رتوة، فيتبعه فيضربه فيغيب، ثم يبدو رتوة. فقال: ذاك أبو جهل، يفعل به ذلك إلى يوم القيامة.
الجبوب: ما غلظ من وجه الأرض، وقيل للمدرة: جبوبة؛ لأنها قطعة من الجبوب.
ومنها حديثه: إنه قال لرجل يقبر ميتاً: ضع تلك الجبوية موضع كذا.
الرضراض: الذي يترضرض لنعمته وكثرة لحمه، يقال: بدن رضراض، وكفل رضراض.
المرزبة والإرزبة: الميتدة، من رزب على الأرض ورزم: إذا لزم فلم يبرح قال:
ضَرْبُكَ بالمِرْزَبَةِ الْعُودَ النَّخِرْ
الرتوة: قرب المسافة، من قول الماشي: رتوت رتوة إذا مشى مشياً قليلا، ومنه رتوت الدلو: إذا مددتها برفق، ورتا برأسه، وهو شبه الإيماء.
* * * *
قال سلمة بن الأكوع: قدمنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بئر الحديبية، فقعد على جباها فسقينا واستقينا، ثم أن المشركين راسُّونا الصلح، حتى مشى بعضنا إلى بعض فاصطلحنا.
الجبا: بالفتح ما حول البئر، وبالكسر: ما جُمع في الحوض من الماء.
راسونا: فاتحونا، من قولهم: بلغني رسٌّ من خبر، ورسُّ الحمى ورسيسها: أول ما تَمَسّ.
* * * * عبد الرحمن رضي الله عنه - لما بدا له أن يهاجر أودع مطعم بن عدي جبجبة فيها نوى من ذهب.
هي زنبيل من جلود.
ومنها حديث عروة: كانت تموت له البقرة فيأمر أن تتخذ من جلدها جباجب.
النوى: جمع نواة، وهي قطعة وزنها خمسة دراهم، سميت بنواة التمرة.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - قال: وذكر النفخ في الصور فيقومون فيجيبون تجبية رجل واحد قياماً لرب العالمين.
قيل لكل واحد من الراكع والساجد: مجب، لأنه يجمع بانحنائه بين أسفل بطنه وأعالي فخذيه.
* * * * أُسامة رضي الله عنه - ذكر سرية خرج فيها قال: فصبحنا حيًّا من جهينة فلما رأونا جبئوا من أخبيتهم، وانفرد لي ولصاحب السرية رجل، فأشرع عليه الأنصاري رمحه وسجد، فالتفت وقال: لا إله إلا الله، فرفع عنه الأنصاري وأدركته فقتلته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله؟ قال أسامة: فلا أُقاتل رجلا يقول: لا إله إلا الله حتى ألقاه.
فقال سعد: وأنا لا أُقاتلهم حتى يقاتلهم ذو البطين. وكان لأسامة بطن مندح.
وروى أنه كان في سرية أميرها غالب بن عبد الله، وأنهم قد أحاطوا ليلاً بحاضر فعم، وقد عطنوا مواشيهم، فخرج إليهم الرجال فقاتلوا ساعة، ثم ولوا، قال أسامة: فخرجت في أثر رجل منهم فجعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه ولحمته بالسيف قال: لا إله إلا الله، فلم أُغمد عنه سيفي حتى أوردته شعوب.
جبئوا: خرجوا، يقال: جبأ عليه الأسود من جحره، وجبأت عليه الضبع من وجارها: وهو الخروج من مكمن.
فرفع عنه: أي رمحه أو يده، فحذف لأنه مفهوم.
الضمير في ألقاه يرجع إلى الله في قوله: لا إله إلا الله.
أراد بذي البطين: أُسامة لاندحاح بطنه، وهو اتساعه واستفاضته. ومنه: اندحَّ الكلأ.
الحاضر: الحي إذا حضر، والدار التي بها مجتمعهم. قال:
في حاضِرٍ لَجِبٍ بالليل سامرهُ ... فيه الصَّوَاهِلُ والرَّاياتُ والعَكَرُ
وهو أيضا خلاف البادي في قوله:
لهم حاضِرٌ فَعْمٌ وَبَادٍ كأَنَّهُ ... قَطِينُ الإِلهِ عزَّةً وتَكَرُّمَا
وقد يقال أيضا للمكان المحضور: حاضر، فيقولون: نزلنا حاضر بني فلان.
الفعم: الضخم الجم.
عطَّنوا: من العطن.
التهكم: الاستهزاء والاستخفاف.
لحمته: ضربته. ومعناه أصبت لحمه.
شعوب: علم لمنية، كذكاء للشمس؛ وقد يدخل عليها لام التعريف فيقال: أدركته الشعوب؛ وهي حينئذ صفة غالبة إذا لم تدخل عليها اللام انصرفت، فقيل: أدركته شعوبٌ. كقولك: منية ومصيبة، وهي من الشعب بمعنى التفريق.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - نهى عن الجبِّ. قيل: وما الجب؟ فقالت امرأة عنده: هو المزادة يخيط بعضها إلى بعض، وكانوا ينتبذون فيها حتى ضريت.
هي من الجب، وهو القطع؛ لأنها التي فريت لها عدة آدمة.
وعن الأصمعي في المزادة هي التي تفأم بجلد ثالث بين الجلدين لتتسع، وتسمى المجبوبة أيضا.
ويقال: استجب السقاء: إذا غلظ وضرى، ومعناه صار جُبًّا، كاستحجر الطين.
* * * * جابر - كان اليهود يقولون: إذا نكح الرجل امرأة مجبية جاء ولده أحول؛ فنزلت: (نِسَاؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ). غير أن ذلك في صمام واحد - وروى في سمام. أي مكَّبة على الوجه.
الصمام: ما يسد به الفرجة، فسمي به الفرج. ويجوز أن يكون معناه في موضع صمام.
والسمام: السم، يقال: سمّ الإبرة وسمامها، ويجوز أن يكون الصاد بدلا نت السين شاذا عن القياس؛ أعني أنه ليس بعدها أحد الحروف الأربعة التي هي الغين والخاء والقاف والطاء، كما شذ صلهب في معنى سلهب.
* * * * عكرمة - كان يسأله خالد الحذاء، فسكت خالد، فقال له: مالك أجبلت؟ أي انقطعت، وأصله أن يبلغ معول الحافر الجبل ولا يعمل.
* * * * مسروق رضي الله عنه - الممسك بطاعة الله إذا جبب الناس عنها كالكار بعد الفار.
التجبيب: الفرار البليغ بغاية الإسراع.
* * * *
المجبور في " بص " . وجبروة في " عف " . جبار في " عج " . ولا تجبوا في " عش " . من أجبى في " أب " . مجبأة في " قص " . وجبار القلوب في " دح " . في جبوته في " حب " . من الجبت في " طي " . جب طلعة في " جف " .
* * * *
الجيم مع الثاء
النبي صلى الله عليه وسلم - من دعا دعاء الجاهلية فهو من جثى جهنم.
أي من جماعتها.
والجثوة: ما جُمع من تراب وغيره، فاستُعيرت.
وروى جثى، وهو جمع جاثٍ؛ من قوله تعالى: (حَوْلَ جهنَّم جِثِيّا).
* * * * نهى عن المجثمة.
هي البهيمة تجثم ثم نُرمى حتى تُقتل.
* * * * فجثثت في " جا " . تجثمها في " جف " .
* * * *
الجيم مع الحاء
النبي صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة مجح، فسأل عنها، فقالوا: هذه أمة لفلان. فقال: أيلم بها؟ فقالوا: نعم. فقال: لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره؛ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل له؟ الجح: جرو الحنظل والبطيخ، فشبه به الجنين، فقيل للحامل: مجح.
الضمير في يستخدمه ويورثه راجع إلى الولد، وهو في الموضعين يرجع إلى الاستخدام والتوريث.
والمعنى: أن أمره مشكل إن كان ولده لم يحل له استعباده، وإن كان ولد غيره لم يحل له توريثه.
* * * * خذوا العطاء ما كان عطاءً، فإذا تجاحفت قريش على الملك، وكان عن دين أحدكم فدعوه.
أي تقاتلت. من الإجحاف، ويقال: الجحف: الضرب بالسيف. والمجاحفة المزاحفة. عن دين أحدكم: أي مجاوزاً لدين أحدكم مباعداً له.
* * * * عائشة - إذا حاضت المرأة حرم الجحران.
المعنى: أن أحدهما حرام قبل المحيض، فإذا حاضت حرِّما معاً، وقيل الجحران والجحر، كعقب الشهر وعقبانه.
* * * * ميمونة - كان لها كلب، فأخذه داءٌ يقال له الجحام؛ فقالت: وا رحمتا لمسمار! هو داء يأخذ في رءوس الكلاب، فتكوى بين أعينها، وفي عيون الأناسي فترم.
مسمار: اسم كلبها.
* * * * الحسن - استؤذن في قتال أهل الشام حين خرج ابن الأشعث، فقال في كلام له: والله إنها لعقوبة، فما أدري أمستأصلة أم مجحجحة. فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف ولكن بالاستكانة والتضرع.
أراد أم متوقفة كافَّة عن الاستئصال، يقال: جحجح عن الأمر وحجحج عليه: إذا لم يقدم عليه.
* * * * جحيمر في " عش " . جحظ في " سح " . ولا جحراء في " طم " . فاجتحفها في " صب " . الجحيم في " قع " . فجحجح في " جح " .
* * * *
الجيم مع الخاء
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - كان إذا سجد جخى.
أي تقوس ظهره، متجافياً عن الأرض، من قولهم: جخى الشيخ: إذا انحنى من الكبر. قال:
لاَ خَيْرَ في الشيخ إذا ما جَخَّى
وروى: جخ: أي فتح عضديه - وروى: كان إذا صلى جخَّ. وفسر بالتحول من مكان إلى مكان.
* * * * ابن عمر - نام وهو جالس حتى سُمع جخيفه، ثم قام فصلى ولم يتوضأ.
جخف النائم: إذا نفخ وزاد على الغطيط.
* * * * في الحديث: إن أردت العز فجخجخ في جشم.
أي صح فيهم ونادهم. وقيل: احلل في معظمهم وسوادهم؛ كأنه ليل قد تجخجخ: أي تراكمت ظلمته. قال الأغلب:
إنْ سَرَّكَ العِزُّ فجَخْجِخْ في جُشَمْ ... أَهْلِ الْعَدِيدِ والبناءِ والكَرَمْ
وروى بالحاء؛ أي توقف فيهم. ومن روى: فجحجح بجشم، فهو من قولهم: جحجحت بفلان؛ أي أتيت به جحجاحا: سيدا.
* * * * مجخيا في " عر " . جخراء في " طم " .
* * * *
الجيم مع الدال
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أن اكتب إليَّ بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب إليه: إني سمعته يقول إذا انصرف من الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد - وروى: لما أنطيت، ولا منطي.
الجد: الحظ، والإقبال في الدنيا. والجد - بالضم: الصفة، ومثله الحلو والمر، وناقة عبر أسفار.
ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء، وإذا أصحاب الجد محبوسون.
منك: من قولهم: هذا من ذاك؛ أي بدل ذاك، ومن قوله:
فليتَ لنا من ماء زمزم شَرْبةً
أي بدل ماء زمزم. ومنه قوله تعالى: (ولوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكم مَلائِكةً في الأرْضِ يَخْلُفُون). والمعنى: أن المحظوظ لا ينفعه حظه بذلك، أي بدل طاعتك وعبادتك.
ويجوز أن تكون من على أصل معناها؛ أعني الابتداء، وتتعلق إما بينفع وإما بالجد.
والمعنى: المجدود لا ينفعه منك الجد الذي منحته، وإنما ينفعه أن تمنحه اللطف والتوفيق في الطاعة، أو لا ينفع من جده منك جده، وإنما ينفعه التوفيق منك.
الإنطاء: الإعطاء بلغة بني سعد.
* * * * إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته.
انجدل: مطاوع جدله، إذا ألقاه على الأرض، وأصله الإلقاء على الجدالة وهي الأرض الصلبة، وهذا على سبيل إنابة فعل مناب فعل، وقد سبق نظيره.
الطينة: الخلقة، من قولهم: طانه الله على طينتك، والجارُّ الذي هو " في " ليس بمتعلق بمنجدل، وإنما هو خبر ثان لإن؛ والواو مع ما بعدها في محل النصب على الحال من المكتوب.
والمعنى كتبت خاتم الأنبياء في الحال التي آدم مطروح على الأرض، حاصل في أثناء الخلقة، لما يفرغ من تصويره وإجراء الروح فيه.
* * * * نهى صلى الله عليه وسلم عن جداد الليل وعن حصاد الليل.
هو بالفتح والكسر: صرام النخل، وكانوا يجدون بالليل ويحصدون خشية حضور المساكين وفراراً من التصديق عليهم؛ فنُهوا عن ذلك بقوله تعالى: (وآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِه).
* * * * أوصى من خيبر بجادِّ مائة وسق للأشعريين، وبجاد مائة وسق للشنائيين. أي بنخل يجدُّ منه مائة وسق من التمر، وهو من باب قولهم: ليل نائم.
ومنه حديثه: اربطوا الفرس فمن ربط فرساًفله جادُّ مائة وخمسين وسقاً.
قيل: كان هذا في بدء الإسلام، وفي الخيل إذ ذاك عزة وقلة.
الشنئى: منسوب إلى شنوءة، بحذف الواو وفتح العين، وهكذا النسبة إلى كل ما ثالثه واو أو ياء ساكنة وفي آخره تاء تأنيث، كقولهم: عضبيّ وحنفيّ نسبهم إلى بني عضوبة وبني حنيفة.
وروى للشنويين، وهذا فيمن خفف شنوءة بقلب همزتها واوا.
* * * * أبو بكر الصديق رضي الله عنه - إن قوم خفاف بن ندبة السلمي ارتدوا، وأبى أن يرتد، وحسن ثباته على الإسلام؛ فقال فيه شعراً قوافيه ممدودة مقيدة:
ليس لشيء غيرِ تَقْوى جَدَاءْ ... وكلُّ خَلْقٍ عُمْرُه لِلْفَناءْ
إنَّ أبا بكر هو الغيثُ إذ ... لم تُرْزِغ الأمطارُ بَقلا بماءْ
المُعْطِيَ الْجُرْدَ بأَرسانها ... والناعجاتِ المُسْرِعات النَّجَاءْ
واللهِ لا يدركُ أيامَه ... ذو طُرّةٍ نَاشٍ ولا ذُو رِدَاءْ
مَنْ يَسْعَ كي يدركَ أَيامَه ... يجتهِدُ الشدَّ بأرضٍ فضاءْ
الجداء: من أجدى عليه، كالغناء من أغنى عنه.
الإرزاغ: البل البليغ، ومنه الرزغة، وهي الردغة.
المعطي: نصب على المدح.
الناعجات: الإبل السراع، وقد نعجت، وقيل: الكرام الحسان الألوان، من النعج.
يجتهد الشدّ: أي يجتهده، ويبلغ أقصى ما يمكن منه، من قولهم: اجتهد رأيه.
* * * * عمر رضي الله عنه - جدب السمر بعد العتمة.
الجدب: العيب والتنقص، قال:
ومن وَجْهٍ تَعَلَّلَ جادِبُه
ومنه الجدب.
* * * * خرج إلى الاستشسقاء، فصعد المنبر فلم يزد على الاستغفار حتى نزل، فقيل له: انك لم تستسق. فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء.
هو جمع مجدح: وهو ثلاثة كواكب كأنها أُثفية، فشبه بالمجدح، وهو خشبة لها ثلاثة أعيار يجدح بها الدواء: أي يُضرب، والقياس مجادح، فزيدت الياء لإشباع الكسرة، طقولهم: الصياريف والدراهيم. وهو على قياس قول سيبويه جمع على غير واحد.
والمجدح عند العرب من الأنواء التي لا تكاد تخطئ، وإنما جمعه، لأنه أراده وما شاكله من سائر الأنواء الصادقة.
والمعنى: أن الاستغفار عندي بمنزلة الاستسقاء بالأنواء الصادقة عندكم؛ لقوله تعالى: (فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا ربكم إِنَّهُ كانَ غفَّارا يُرسلِ السماءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً).
* * * * سأل المفقود الذي استهوته الجن: ما كان طعامهم؟ قال: الفول، وما لم يذكر اسم الله عليه. قال: فما كان شرابهم؟ قال: الجدف.
جاء في الحديث: إنه ما لا يُغطى من الشراب، كأنه الذي جُدف عنه الغطاء: أي نُحيِّ، وجدف من قولهم: رجل مجدوف الكمين، إذا كان قصير الكمين محذوفهما، وجذفت السماء بالثلج وجدفت: رمت به، وقيل: هو كل ما رُمي به عن الشراب من زبد أو قذى. وقيل: هو نبات إذا رعته الإبل لم تحتج إلى الماء، كأنه يجدف العطش.
إن رفع طعامهم وشربهم كان " ما " في محل النصب، والفعل خال من الضمير؛ والتقدير: أي شيء كان طعامهم أو شرابهم. وإن كان في محل الرفع، وفي الفعل ضميره. والتقدير: أي شيء كان هو طعامهم أو شرابهم، والجدف جائز فيه الرفع والنصب.
* * * * علي عبيه السلام - وقف على طلحة يوم الجمل وهو صريع، فقال: أعزز عليَّ أبا محمد أن أراك مجدَّلاً تحت نجوم السماء في بطون الأودية، شفيت نفسي، وقتلت معشري! إلى الله أشكو عجري وبجري! المجدل: المطروح.
العجر: العقد في العصب، ومنه عجر العصا.
والبجر: العروق المتعقدة في البطن خاصة، وقيل: العجر النفخ في الظهور، والبجر في البطون، فوضعت موضع الهموم والأشجان على سبيل الاستعارة.
* * * * سعد - رميت يوم بدر سهيل بن عمرو، فقطعت نساه فانبعثت جدية الدم هي أول دفعة منه.
* * * * ابن عمر - كان لا يبالي أن يصلي في المكان الجدد والبطحاء والتراب.
الجدد: المستوي الصلب.
والبطحاء: المسيل الذي فيه حصى صغار.
* * * * أنس - كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدَّ فينا.
أي عظم فيما بيننا. ومنه جد الله وهو عظمته.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قال لصعصعة بن صوحان: أنت رجل تتكلم بلسانك، فما مر عليك جدلته، ولم تنظر في أرز الكلام ولا استقامته.
فقال له صعصعة: والله إني لأترك الكلام حتى يختمر في صدري، فما أُزهف به، ولا ألهب فيه، حتى أقوم أوده، وأنظر في اعوجاجه، فآخذ صفوه، وأدع كدره.
أراد أنه يتكلم بكل ما يعن له من غير روية؛ فشبهه بالصائد الذي يرمي، فيجدل كل ما أكثبه من الوحش المارة عليه.
الأرز: من قولك: أرز الشيء: ثبت في مكانه فاجتمع. ومنه: الآرزة؛ والمراد التئام الكلام.
الإزهاق: الاستقدام، يقال: أزهقت قدما؛ يعني ما أقدمه قبل النظر فيه. ويجوز أن يكون من أزهف فلان في الحديث، إذا زاد فيه وقال ما ليس بحقّ، وقد صحَّف من رواه بالراء.
والإلهاب: الإسراع.
* * * * عائشة رضي الله تعالى عنها - قالت في العقيقة: تذبح يوم السابع، وتقطع جدولاً، ولا يُكسر لها عظم.
أي أعضاء تامة.
قال المبرد: الجدل: العظم يفصل بما عليه من اللحم.
يوم السابع: أي يوم الليل السابع.
* * * * كعب رضي الله عنه - شر الحديث التجديف.
هو كفران النعمة واستقلالها، وحقيقته نسبة النعمة إلى التقاصر؛ من قولهم: قميص مجدوف الكمين.
ومنه الحديث: لا تجدفوا بنعم الله.
ومنه حديث الأوزاعي: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل شر؟ قال: التجديف. قيل: وما التجديف؟ قال: أن يقول الرجل: ليس لي وليس عندي؛ لأن جحود النعمة من كفرانها.
* * * * مجاهد - قال في تفسير قول الله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه): على جديلته.
هي الطريقة والناحية. وقال شمر: ما رأيت تصحيفا أشبه بالصواب مما قرأ مالك بن سليمان عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه). أي على جديلته؛ فإنه صحَّف قوله: على جديلته، فقال: على حد يليه.
* * * * ابن سيرين رحمه الله - كان يختار الصلاة على الجد إن قدر عليه، فإن لم يقدر عليه فقائما، فإن لم يقدر فقاعدا.
الجد بمعنى الجدة: وهي الشاطئ، يعني أن راكب السفينة يصلي على الشاطئ، فإن لم يقدر صلى في السفينة قائما وإلا فقاعدا.
* * * * عطاء - قال في الجدجد يموت في الوضوء: لا بأس به.
هو صرَّار الليل، وفيه شبه من الجراد، قال ذو الرمة:
كأنّا تُغَنِّي بيننا كلّ لَيْلَة ... جَدَاجِدُ صَيْفٍ من صَرِير الأواخر
* * * * في الحديث: فوردنا على جدجد متدمن.
قيل: هو البئر الكثيرة الماء.
* * * * أو جدعاء في " شر " . وجداً في " حي " . وجداية في " ضغ " . الجدر في " شر " . يجادونه في " مص " . جادسة في " خم " . الجديد في " صل " .
* * * *
الجيم مع الذال
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - من تعلم القرآن ثم نسيه لقى الله تعالى وهو أجذم.
أي مقطوع اليد.
ومنه قول علي عليه السلام: من نكث بيعته لقي الله وهو أجذم، ليست له يد.
وقيل: الأجذم والمجذوم والمجذم: المصاب بالجذام، وقيل: هو المنقطع الحجة.
* * * * في حديث المبعث - إن ورقة بن نوفل قال: يا ليتني فيها جذع.
أراد ليتني في نبوّته شاب أقوى على نصرته، أو ليتني أدركتها في عصر الشبيبة، حتى كنت على الإسلام لا على النصرانية.
* * * * علي عليه السلام - أسلم والله أبو بكر وأنا جذعمة، أقول فلا يُسمع قولي، فكيف أكون أحق بمقام أبي بكر؟ هي الجذعة، والميم زائدة للتوكيد، كالتي في زرقم وستهم. وفي التاء وجهان: أحدهما المبالغة، والثاني التأنيث على تأويل النفس أو الجثة.
* * * * أمر نوفاً البكالي أن يأخذ من مزوده جذيذا.
هو السويق، لأنه يجذ، أي يكسر ويجش، والشربة منه: جذيذة.
ومنها حديث أنس رضي الله عنه: قال محمد بن سيرين: أصبحنا ذات يوم بالبصرة ولا ندري على ما نحن عليه من صومنا، فخرجت حتى أتيت أنس بن مالك، فوجدته قد أخذ جذيذة كان يأخذها قبل أن يغدو في حاجته ثم غدا.
يجوز أن تكون ما استفهامية قد دخل عليها الجار، وأبقيت كما هي محذوفة الألف وإن كان الحذف هو الأكثر استعمالا، وعليه زائدة للتوكيد. ويجوز أن تكون موصولة، ويجري ندري مجرى نطلع ونقف؛ فيعدى تعديته.
* * * * حذيفة رضي الله عنه - حدثنا رسول الله صلى الله تعالى ليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلّموا القرآن وعلّموا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل نومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها كأثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها كأثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك تراه منتبرا وليس فيه شيء، ولقد أتى عليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما ليردنه عليّ إسلامه، ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه عليّ ساعيه، فأما اليوم فما كنت لأبايع إلا فلانا وفلانا.
الجذر - بالفتح والكسر: الأصل. قال زهير:
وسامِعَتَيْن تَعْرفُ العِتْقَ فِيهِما ... إلى جَذْرِ مَدْلوكِ الْكُعُوبِ مُحَدَّدِ
الفرق بين الوكت والمجل: أن الوكت: النقط في الشيء من غير لونه، يقال: بعينه وكته، ووكت البسر: إذا بدت فيه نقط الإرطاب.
والمجل: غلظ الجلد من العمل لا غير، ويدل عليه قوله: تراه منتيراً: أي منتفخاً وليس فيه شيء.
بايعت: من البيع.
الساعي: واحد السعاة: وهم الولاة على القوم؛ يعني أن المسلمين كانوا متحققين بالإسلام فيتحفظون بالصدق والأمانة، والملوك ذوي عدل؛ فما كنت أبالي من أعامل؛ إن كان مسلماً رجعه إليّ بالخروج عن الحق عمله بمقتضى الإسلام، وإن كان غير مسلم أنصفني منه الوالي.
* * * * الحباب - قال يوم سقيفة بني ساعدة حين اختلف الأنصار في البيعة: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير.
الجذل: عود ينصب للإبل الجربى تحتك به فتستشفى.
والمحكك: الذي كثر به الاحتكاك حتى صار مملسا.
والعذق: بالفتح: النخلة.
والمرجب: المدعوم بالرجبة؛ وهي خشبة ذات شعبتين؛ وذلك إذا طال وكثر حمله.
والمعنى: إني ذو رأي يستشفى بالاستضاءة به كثيراً في مثل هذه الحادثة، وأنا في كثرة التجارب والعلم بموارد الأحوال فيها وفي أمثالها ومصادرها كالنخلة الكثيرة الحمل، ثم رمى بالرأي الصائب عنده، فقال: منا أمير ومنكم أمير.
* * * * قتادة - قال في قوله تعالى: (والرَّكبُ أَسْفل منكم). أبو سفيان انجذم بالعير فانطلق في ركب نحو البحر.
أي انقطع بها عن الجادة نحو البحر.
* * * * والمجذية في " خو " . يتجاذون في " رب " . بجذل في " شي " . والجذم في " مص " . والجذعة في " ثغ " . حسمى جذام في " كف " .
* * * * النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - من شرب في آنية الذهب والفضة فكأنما يجرجر في جوفه نار جهنم.
أي يرددها فيه، من جرجر الفحل: إذا ردد الصوت في حنجرته.
* * * * ما من عبد ينام بالليل إلا على رأسه جرير معقود، فإن هو تعارَّ، وذكر الله حلت عقدة، فإن هو قام وتوضأ وصلى حُلَّت عقدة - وروى: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد، فإذا قام من الليل فتوضأ وصلى انحلت عقدة.
هو حبل من أدم.
تعارّ: سهر بصوت، ومنه عرار الظليم وهو صياحه.
وفي معناه: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: من أصبح على غير وتر أصبح وعلى رأسه جرير سبعون ذراعاً.
ومن الجرير قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لبني عبد المطلب وهم ينزعون على زمزم: انزعوا على سقايتكم، فلولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت معكم حتى يؤثر الجرير بظهري.
ومنه الحديث: إن رجلا كان يجر الجرير فأصاب صاعين من تمر، فتصدق بأحدهما فلمزه المنافقون.
معناه: أنه كان يستقى الماء.
القافية: القفا.
* * * * قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: نصبت على باب حجرتي عباءة، وعلى مجر بيتي ستراً مقدمه من غزوة خيبر أو تبوك، فدخل البيت فهتك العرص حتى وقع إلى الأرض.
المجر والعرص واحد، وهما الجائز الذي توضع عليه أطراف العوارض.
وروى بالضاد وقيل: لأنه يوضع على البيت عرضا، ويقال: عرَّضت السقف تعريضاً.
مقدمة: نصب على الظرف، أي وقت مقدمه.
* * * * ليس لابن آدم حق فيما سوى هذه الخصال: بيت يكنه، وثوب يواري عورته، وجرف الخبز، والماء - ويروى: جلف.
وهما جمع جرفة وجلفة؛ وهي الكسرة، من جرفته السنة وجلفته.
الخصال: الخلال، وليست الأشياء المذكورة بخلال، ولكن المراد إكنان بيت، ومواراة ثوب، وأكل جرف، وشرب ماء؛ فحذف ذلك، كقوله تعالى: (واسْأَل الْقَرْيةَ).
وروى: كل شيء سوى جلف الطعام، وظل بيت، وثوب يستر - فضل - بسكون لام جلف.
وقيل: هو الخبز اليابس غير المأدوم. وأنشد:
الفَقْر خَيْرٌ مِنْ مَبِيتٍ بِتُّهُ ... بِجُنُوبِ زَخَّةَ عِنْدَ آلِ مُعَارِكِ
جَاءُوا بجِلْفٍ مِنْ شَعِير يَابِسٍ ... بَيْنِي وبَيْنَ غُلاَمِهِم ذِي الْحَارِكِ
* * * * لا تجار أخاك ولا تشاره.
أي لا تطاوله ولا تغالبه فعل المجاري في السابق.
والمشاراة: الملاجة، ومنها: استشراء الفرس في عدوه. ورويا مشددين، وقيل: المجارَّة من الجرير، وهو أن يجني كل واحد منهما على صاحبه، وقيل: المماطلة وأن يلوي بحقه ويجره من وقت إلى وقت. والمشارة من الشر.
* * * * دخلت امرأة النار من جرّا هرة لم تطعمها حتى ماتت هزلا.
أي من أجلها. قال أبو النجم.
فَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ من جَرَّاها
* * * * قال عمرو بن خارجة الأشعري: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة، وكنت بين جِرَانِ ناقته، وهي تقصع بجرتها، و لغامها يسيل بين كتفي.
وهو من العنق: ما بين المذبح إلى المنحر.
القصع: المضغ بعد الدسع؛ وهو نزع الجرة من الكرش إلى الفم، يقال: دسعت بجرتها ثم قصعت بها.
اللغام: الزبد ولغم البعير: رمى به.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - مر بالناس في معسكرهم بالجرف، فجعل ينسب القبائل، حتى مر ببني فزارة، فقام له رجل منهم، فقال له أبو بكر: مرحباً بكم. قالوا: نحن يا خليفة رسول الله أحلاس الخيل، وقد قدناها معنا. فقال أبو بكر: بارك الله فيكم.
الجرف: موضع، وأصله ما تجرَّفته السيول من الأودية.
ينسب القبائل: من قولهم: نسبت فلانا إذا قلت: ما نسبك؟ قال أبو وجزة:
ما زِلْنَ يَنْسُبْنَ وَهْناً كلَّ صَادِقةٍ
أي يشخصن القطا فيقول: قطا قطا؛ فجعل ذلك نسباً له.
حلس الدابة: كالمرشحة يكون تحت اللبد، فيشبه به الرجل اللازم لظهر الفرس.
* * * * عمر رضي الله عنه - تجردوا بالحج وإن لم تُحرموا.
أي جيئوا بالحج مفرداً، وإن لم تقرنوا الإحرام بالعمرة؛ يقال: جرد فلان الحج وتجرد به: إذا أفرده ولم يقرنه بالعمرة.
* * * * أتى مسجد قُبء، فرأى فيه شيئاً من غبار وعنكبوت، فقال لرجل: ائتني بجريدة واتق العواهين. قال: فجئته بها فربط كُمَّيه بوذمة، ثم أخذ الجريدة، فجعل يتتبع بها الغبار.
الجريدة: السعفة التي جرد عنها الخوص؛ أي قُشر.
العواهن: ما يلي القلبة من السعف، وإنما نهى عنها لئلا يضر قطعها القلبة.
الوذمة: السَّير.
* * * * كان يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ثم يجمع جراميزه ويثب، فكأنما خُلق على ظهر فرسه. أي أطرافه. ومنه تجرمز الرجل واجرنمز: إذا اجتمع وتقبض، وهو جمع لم يُسمع واحده، كالعباديد والحذافير، وقيل: الجرموز: الركبة، فإن صحَّ كان المعنى أنه جمع ركبتيه وما يتصل بهما.
ومنه حديث المغيرة: إنه لما بُعث إلى ذي الحاجبين قال: قالت لي نفسي: لو جمعت جراميزك، فوثبت وقعدت مع العلج.
* * * * عبد الرحمن - قالالحارث بن الصِّمَّة: رأيته يوم أُحد في جر الجبل فعطفت إليه.
هو أسفله. قال:
وقدْ قَطَعْتُ وَادِياً وجَرّا
وكأنه ما انجر على الأرض من سفحه. وقولهم: ذيل الجبل. يحتج له.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - جردوا القرآن ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم؛ فإن الشيطان يخرج من البيت تقرأ فيه سورة البقرة.
قيل: أراد تجريده عن النقط والفواتح والعشور لئلا ينشأ نشءٌ فيرى أنها من القرآن.
وقيل: هو حث على ألا يتعلم معه غيره من كتب الله، لأنها تأخذ عن النصارى واليهود، وهم غير مأمونين.
وقيل: إن رجلا قرأ عنده، فقال: استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال: ذلك.
وفيه وجه أسلوب الكلام ونظمه عليه أدل: وهو أن يجعل اللام من صلة جردوا، ويكون المعنى: اجعلوا القرآن لهذا، وخصوه به، واقصروه عليه دون النسيان والإعراض عنه، من قولهم: جرد فلان لأمر كذا وتجرد له.
وتلخيصه: خصوا القرآن بأن ينشأ على تعلمه صغاركم وبألا يتباعد عن تلاوته وتدبره كباركم؛ فإن الشيطان لا يقر في مكان يقرأ فيه.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - لو رأيت الوعول تجرش ما بين لابتيها ما هجتها ولا مستها؛ لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حرم شجرها أن تعضد أو تخبط.
أي ترعى وتقضم، والأصل فيه جرش الملح وغيره؛ وهو ألا ينعم دقه فهو جريش، ثم استعير لموضع القضم.
وأما الجرس فهو أن ينقر الطير الحب فيسمع له جرس أي صوت، ومنه: نحل جوارس.
اللابتان: حرتا المدينة.
مستها: أي مسستها. وفيه وجهان: أحدهما أن تحذف السين وتلقي حركتها على الميم. والثاني: أن تحذفها حذفا من غير أن تلقيها عليها فتقول: مستها بالفتح، ومثله ظِلْتُ وظَلْت في ظَللت.
* * * * ابن عمر رضي الله تعالى عنهما - شهد فتح مكة، وهو ابن عشرين سنة، ومعه فرس حرون، وجمل جرور، وبردة فلوت، ورمح ثقيل؛ فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يختلي لفرسه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن عبد الله، إن عبد الله.
الجرور: لا ينقاد كأنه يجر قائده، أو يُجر بالشطن جراً.
الفلوت: التي لا تنضم عليه لصغرها، كأنها تنفلت عنه.
يختلي: يجتز الخلى؛ وهو الرطب، ولامه ياء لقولهم: خليت الخلى.
قال ابن مقبل:
تَمَطَّيْتُ أَخْلِيهِ اللِّجَامِ وبَذَّنِي ... وشَخْصِي يُسَامى شَخْصَه ويُطَاوِلُه
أي أجعل اللجام في فيه مكان الخلي.
إن عبد الله، إن عبد الله: يجوز أن يكونا جملتين محذوفتي الخبر، ويجوز أن تكون الثانية خبراً كقولهم: عبد الله عبد الله.
* * * * عائشة رضي الله عنها - رأت امرأة شلاء؛ فقالت: رأيت أمي في المنام، وفي يدها شحمة، وعلى فرجها جريدة، وهي تشكو العطش، فأردت أن أسقيها، فسمعت مناديا ينادي: ألا من سقاها شلت يمينها، فأصبحت كما ترين.
تصغير جردة: وهي الخرقة الخلق؛ من قولهم: ثوب جرد.
* * * * وهب رحمه الله - قال طالوت لداود: أنت رجل جريء، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس.
هم اللصوص، من جرجمه: إذا صرعه؛ وقياس الواحد جرجمي.
يحتربون: يستلبون؛ من حربته: إذا أخذت ماله.
* * * * الشعبي رحمه الله - قال سويد: قلت له: رجل قال إن تزوجت فلانة فهي طالق.
قال: هو كما قال. قلت: إن عكرمة يزعم أن الطلاق بعد النكاح. قال: جرمز مولى ابن عباس.
أي حاد عن الصواب، ونكص.
* * * * الحسن رحمه الله تعالى - قال عيسى بن عمر: أقبلت مجرنمزاً حتى اقعنبيت بين يديه، فقلت: يا أبا سعيد؛ ما قول الله: (والنخلَ باسقاتٍ لها طَلْعُ نَضيد)؟ قال: هو الطبيع في كفراه.
أي متقبضاً.
اقعنبيت: استوفزت جاعلاً يدي على الأرض.
الطبيع: لب الطلع، سمي لامتلائه، من قولك: هذا طبع الأناء؛ أي ملؤه، وطبع القربة.
والكفرى: قشر الطلع.
* * * * عبد الملك - قال في خطبته: وقد وعظتكم فلم تزدادوا على الموعظة إلا استجراحاً.
هو استفعال من الجرح؛ وهو الطعن على الرجل ورد شهادته؛ أي لم تزدادوا إلا فساداً تستحقون به أن يطعن عليكم، كما يفعل بالشاهد.
ومنه قول ابن عون رحمه الله: استجرحت هذه الأحاديث.
أي كثرت حتى دعت أهل العلم إلى جرح بعضها.
* * * * ولا يستجرينكم في " جف " . بيده جريدة في " زو " . جردية في " ري " . مجرسة في " سر " . جردا في " سق " . في موضع الجرير في " غف " . من الجريمة في " عذ " . المتجرد في " شذ " . وجرثمتها في " بر " . جراثيم العرب في " رك " . حار جار في " شب " . جرنهما في " صر " . أجرد في " قع " . واجرٍ في " قن " . ولا يجر عليه في " هض " . جرستك الدهور في " حن " . ولم تجرد في " سر " . ثم جرجم في " لو " . ثم يجرجر في " كو " . جرزاً في " دو " . على جرته في " حن " . بجرعية الذقن في " كف " . بجريرة حلفائك في " عض " . جراثيم في " رف " .
* * * *
الجيم مع الزاي
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال لأبي بردة بن نيار في الجذعة التي أمره أن يضحي بها: ولا تجزي عن أحد بعدك.
أي لا تؤدي عنه الواجب ولا تقضيه، من قوله تعالى: (لا تَجْزِي نَفْسُ عنْ نَفْسٍ شَيْئاً). وإنما وضع الجزاء موضع الأداء؛ لأن مكافأة الصنيع كقضاء الحق.
* * * * أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.
قال الأصمعي: هي من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول. وأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام. وقيل: ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول.
وأما العرض فما بين رمل يبرين إلى منقط السماوة.
وقيل: سميت جزيرة؛ لأن البحرين: بحر فارس وبحر الحبش، والرافدين قد أحاطت بها.
* * * * قال علي رضي الله تعالى عنه في وصف دخوله صلى الله عليه وآله وسلم: كان دخوله لنفسه، مأذون له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءًا لله، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه. ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة، ولا يدخر عنهم شيئاً.
يريد أن العامة كانت لا تصل إليه في منزله، ولكنه كان يوصل إليها حظها من ذلك الجزء بالخاصة التي تصل إليه فتوصله إلى العامة.
لنفسه: من صلة الدخول.
ومأذون: خبر مبتدأ محذوف، والجملة في موضع خبر كان؛ ويجوز أن يستتر في كان ضمير الشأن، ويرتفع الدخول بالابتداء ومأذون خبره، ويجوز أن يكون لنفسه خبر كان، ومأذون خبر مبتدأ محذوف، والجملة لا محل لها؛ لأنها بدل عن قوله كان دخوله لنفسه.
* * * * وقف على وادي محسر، فقرع راحلته، فخبَّت حتى جزعه.
أي قطعه عرضا، ومنه جزع الوادي.
* * * * ذكر خروج الدجال وأنه يدعو رجلا ممتلئاً شاباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض، ثم يدعوه فيُقبل يتهلل وجهه يضحك.
أي قطعتين، يقال: ضرب الصيد فجزله جزلتين: إذا قطعه باثنتين.
رمية الغرض: يريد أن بعد ما بين القطعتين رمية غرض، وتقدير الكلام كأنه قال: فيفصل بين نصفيه فصلا مثل رمية الغرض؛ لأنه معنى قوله: فيقطعه جزلتين، أو فيفصل بين نصفيه واحد.
* * * * قال: لا يحل لأحد منكم من مال أخيه شيء إلا بطيب نفسه. فقال له عمرو بن يثربي: يا رسول الله؛ أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي أجتزر منها شاة؟ فقال: إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وزنادا بخبت الجميش فلا تهجها.
اجتزار الشاة: اتخاذها جزرة، وهي من الغنم كالجزور من الإبل.
خبت: علمٌ لصحراء بين مكة والحجاز. قال جندب:
زَعَم العواذِلُ أن ناقة جُنْدُب ... بجُبُوبِ خَبْتٍ عُرِّيت وأجَّمت
وامتناع صرفها للتأنيث والعلمية، ويجوز أن تصرف لسكون الوسط.
والجميش: صفة لها، فعيل بمعنى مفعولة، من الجمش وهو الحلق، كأنها حلق نباتها.
ويجوز أن تضاف خبت إلى الجميش. والجميش: النبات.
والمعنى: إنك إن ظفرت بشاة ابن عمك، وهي حاملة ما تحتاج إليه في ذبحها واتخاذها من سكين ومقدحة، وأنت مقو في أرض قفر فلا تتعرض لها.
* * * * عمر رضي الله عنه - أتاه رجل بالمصلى عام الرمادة من مزينة، فشكا إليه سوء الحال، وإشراف عياله على الهلاك؛ فأعطاه ثلاثة أنياب جزائر، وجعل عليهن غرائر، فيهن رزم من دقيق، ثم قال له: سر فإذا قدمت فانحر ناقة فأطعمهم بودكها ودقيقها ونوِّز. فلبث حيناً، ثم إذا هو بالشيخ المزني فسأله فقال: فعلت ما أمرتني به، وأتى الله بالحيا، فبعت ناقتين، واشتريت للعيال صبَّةً من الغنم فهي تروح عليهم.
الجزائر: جمع جزور، وهي الناقة قبل أن تنحر، فإذا نحرت فهي جزور - بالضم.
الرزمة من الدقيق: نحو ثلث الغرارة وربعها، وهي من رزم الشيء: إذا جمعه، كالقطعة والصرمة من قطع وصرم، ويقال أيضا للثياب المجموعة وبقية التمر في الجلة: رزمة.
نوَّزْ: قلل - عن شمر.
الحيا: الخصب، ولامه ياءٌ، وهو من الحياة.
الصبة: ما بين العشر إلى الأربعين.
تسمية الناقة المسنة بالناب لطول نابها، كما يسمى الطليعة عينا؛ والناب مذكر، فلوحظ الأصل حيث قيل: ثلاثة أنياب على التذكير، كما قالوا في تصغيرها: نييب لذلك.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها.
الجزية: الخراج الذي ضرب على الكفار جزاؤه؛ أي أداؤه، فاستعيرت لخراج الأرض المحتوم أداؤه.
والمعنى أنه شرط عليه أن يؤدي عنه الخراج في السنة التي وقع فيها البيع.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - كان يسبِّح بالنوى المجزَّع - وروى بالكسر.
قيل: هو الذي حك بعضه حتى ابيضَّ، وتُرك الباقي على لونه، فصار على لون الجزع، وكل ما اجتمع فيه سواد وبياض فهو مجزَّع. ومنه: جزَّع البسر، إذا أرطب إلى نصفه.
والمعنى أنه اتخذ سبحة من النوى يسبح بها.
* * * * خوَّات رضي الله عنه - خرجت زمن الخندق عيناً إلى بني قريظة، فلما دنوت من القوم كمنت ورمقت الحصون ساعة، ثم ذهب بي النوم فلم أشعر إلا برجل قد احتملني، فلما رقي بي إلى حصونهم قال لصاحب له: أبشر بجزرة سمينة، فتناومت، فلما شغل عني انتزعت مغولا كان في وسطه، فوجأت كبده، فوقع ميتا.
هي الشاة المعدة للجزر؛ أي الذبح.
المغول: شبه الخنجر يشده الفاتك على وسطه للاغتيال.
* * * * قتادة رحمه الله - قال في اليتيم: تكون له الماشية يقوم وليه على صلاحها وعلاجها، ويصيب من جززها ورسلها وعوارضها.
جمع جزة، وهي ما جز من صوف الشاة. يقال: أعطني جزة أو جزتين، أي صوف شاة أو شاتين؛ وفلان عاضٌّ على جزّة: إذا كان عظيم اللحية.
الرسل: اللبن.
العوارض: جمع عارض، وهو ما عرض له داءٌ فذكي. يقال: بنو فلان يأكلون العوارض.
* * * * النخعي رحمه الله - التكبير جزم، والقراءة جزم، والتسليم جزم.
الجزم: القطع، ومنه قيل لضرب من الكتابة: جزم؛ لأنه جزم عن المسند، وهو خط حمير، أي قطع عنه وأخذ منه.
والمعنى الإمساك عن إشباع الحركات، والتعمق فيها، وقطعها أصلا في مواضع الوقف، ولإضراب عن الهمز المفرط، والمد الفاحش، وأن يختلس الحركة، ويعمل على طلب الاسترسال والتسهل في الجملة، وعلى وتيرة قول الأصمعي: إن العرب تزوف على الإعراب ولا تعمق فيه.
* * * * الحجاج - قال لأنس بن مالك: والله لأقلعنك قلع الصمغة، ولأجزرنك جزر الضرب، ولأعصبنك عصب السلمة. فقال أنس: من يعني الأمير؟ قال: إياك! أصمّ الله صداك.
فكتب أنس بذلك إلى عبد الملك. فكتب إلى الحجاج: يا بن المستفرمة بحب الزبيب؛ لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي منها إلى نار جهنم، قاتلك الله أُخيفش العينين، أصك الرجلين، أسود الجاعرتين.
جزر العسل: انتزاعه من الخلية وقطعه عنها، ومنه جزر النخل: إذا أفسده بقطع ليفه وشحمه.
والضرب: العسل الأبيض الغليظ، وقد استضرب، وهو يسهل على العاسل استقصاء شوره، بخلاف الرقيق فإنه ينماع ويسيل، ولو روي الصرب - بالصاد - وهو الصمغ الأحمر - لجادت روايته.
عصب السلمة: ضم أغصانها بحبل ثم ضربها حتى يسقط ورقها.
أصم الله صداك: أي أهلكك حتى لا يكون لك صوت يسمعه الصدى فيجيبه.
المستفرمة: من الفرم والفرمة، وهو شيء كانت البغايا يتخذنه من عجم الزبيب ومن الأشياء العفصة للتضييق، وهو التفريم والتفريب، ومنه قول امرئ القيس يثف خيلا:
مُسْتَفْرِمَات بالحصَى جَوَافِلا
الركلة: الرفسة بالرجل. ومنها: مركلا الفرس لموقعي رجلي الفارس من جنبيه.
الجاعرتان: حيث يضرب الفرس أو الحمار بذنبه من فخذيه.
* * * * ابن عمير رضي الله عنهما - إن رجلا كان يدان الناس وكان له كاتب ومتجاز، فكان يقول: إذا رأيت الرجل معسرا فأنظره، فغفر الله له.
أهل المدينة يسمون المتقاضي المتجازي، ويقولون: أمرت فلانا يتجازى ديني على فلان.
* * * * أجزرنا في " عز " . فتجزعوها في " مل " . فجزَّلها في " كن " . فليجز في " عر " . من جزئه في " حي " . بقناح في " قن:.
* * * *
الجيم مع السين
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا.
هو بالجيم: تعرف الخبر بتلطف ونيقة، ومنه الجاسوس، وجس الطبيب اليد، وبالحاء: تطلب الشيء بحاسة كالتسمع على القوم.
* * * * الشعبي رحمه الله: اجْسُر جَسَّارُ سمَّيْتُك الْفَشْفَاش إن لم تَقْطع جسَّار: فعَّال من الجسارة، يعني سيفه، جعله علما له.
والفشفاش: التنفج الكذاب، وفشفش: أفرط في الكذب، وأصله فشفشة الوطب، وهي فشّه.
* * * * نوف رحمه الله تعالى - ذكر عوجاً وقتل موسى له، قال: فوقع على نيل مصر فجسرهم سنة.
أي اعترض على النيل، فعقد لهم من شخصه جسرا، من جسر الجسر: إذا عقده، والأصل فجسر لهم، فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله:
ولقد جنيتُك أكْمُؤًا وعَسَاقِلا
ومنه قول ذي الرمة:
فلا وَصْلَ إلا أن تُقَارِب بيننا ... قَلاَئصُ يَجْسُرنَ الفَلاَة بنا جَسْرا
* * * * الجساسة في " زو " . جساماً في " قح " . لجاسد في " شن " .
* * * *
الجيم مع الشين
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أولم على بعض نسائه بحشيشة.
هي الحنطة المجشوشة تطبخ بلحم أو تمر.
* * * * عمر رضي الله عنه - قال حفص بن أبي العاص: كنا نأكل عند عمر وكان يجيئنا بطعام جشب غليظ، فكان يأكل ويقول: كلوا فكنا نعذّر.
الجشب: الغليظ الخشن، وقد جشب جشابة. ومنه:
تُوِليكَ كَشْحاً لَطيفاً لَيْسَ مِجْشَابَا
التعذير: التقصير مع طلب إقامة العذر.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - بلغني أن أناساً منكم يخرجون إلى سوادهم إما في تجارة وإما في جباية، وإما في جشر فيقصرون الصلاة، فلا تفعلوا؛ فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو بحضرة عدوّ.
الجشر: فعل بمعنى مفعول، وهو المال الذي يجشر؛ أي يخرج إلى المرعى فيُبات فيه، ولا يراح إلى البيوت، ويقال للذين يجشرونه: جشر أيضا، كأنه جمع جاشر.
ويقال: جشر المال عن أهله فهو جاشر وجشر. ومنه قوله: لا يغرنكم جشركم من صلاتكم. وذلك أنهم كانوا يطيلون الغيبة عن البيوت فيرونها سفراً فيقصون الصلاة.
شاخصاً: أي مسافراً.
بحضرة عدو: يعني أنه كان يقصر وإن كان مقيما إذا كان في قتال عدو.
ومن الجشر حديث صلة بن أشيم، قال: خرجت إلى جشر لنا، والنخل سلب، وكنت سريع الاستجاعة، فسمعت وجبة فإذا سب فيه دوخلة رطب، فأكلت منها، فلو أكلت خبزاً ولحماً ما كان أشبع لي منه.
سلب: لا حمل عليها، الواحدة سليب.
الاستجاعة: قوة الجوع، واستجاع من جاع، كاستعلى من علا، واستبشر من شر.
الوجبة: صوت السقوط.
السب: الثوب الرقيق. وقيل: الشقَّة البيضاء.
الدوخلة: سفيفة من خوص.
* * * * معاذ رضي الله عنه - لما خرج إلى اليمن شيعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
أي جزعاً مع شدة حرص على الإقامة معه.
* * * * تجشمني فإني في " لب " .
* * * *
الجيم مع الظاء
كل جظّ في " ضع " .
* * * *
الجيم مع العين
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - نهى عن لونين من التمر: لون الجعرور، ولون الحبيق.
الجعرور: ضرب من الدَّقل، يحمل أشياء صغارا لا خير فيها.
ومنه قيل لصغار الناس: جعارير.
والحبيق: ضرب رديٌّ أيضا. والمراد النهي عن أن يؤخذا في الصدقة.
ومنه حديث الزهري: لا يأخذ المصدق الجعرور، ولا مصران الفارة، ولا عذق حبيق.
قال الأصمعي: عذق حبيق وعذق ابن حبيق: ضرب من الدقل.
* * * * مر مصعب بن عمير وهو منجعف فقال: رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
جعفت الرجل: صرعته، فانجعف.
* * * * بُعث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه رسولاً إلى أهل مكة، فنزل على أبي سفيان ابن حرب، وبلَّغه رسالته، فقال أهل مكة لأبي سفيان: ما أتاك به ابن عمك؟ قال: أتاني بشرّ؛ سألني أن أخلي مكة لجعاسيس مضر.
قال الأصمعي: الجعسوس بالسين والشين: وصف بالقماءة والصغر، وقيل بالسين: اللئيم، وبالشين: الدقيق الطويل. وقال الراعي:
ضعافُ القُوَى ليسوا كَمَنْ يبتني العُلا ... جعاسيسُ قَصَّارُون دون المَكَارمِ
* * * *
كان العباس رضي الله تعالى عنه يسم إبله في وجوهها، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: يا عم؛ إن لكل شيء حُرمة، وإن حرمة البدن الوجه. قال: لا جرم يا رسول الله! لأباعدن ذلك عنه. فكان يسمها على جواعرها.
قال المبرد: للورك حروف ستة؛ فحرفاها المشرفان على الخاصرتين: الحجبتان، وحرفاها المشرفان على الفخذين: الغرابان، وحرفاها اللذان يبتدان الذنب: الجاعرتان.
* * * * ابن عمر رضي الله تعالى عنهما - ذُكر عنده الجعائل، فقال: لا أغزو على أجر، ولا أبيع أجري من الجهاد.
جمع جعالة بالفتح والكسر أو جعيلة؛ وهي جُعل يدفعه المضروب عليه البعث إلى من يغزو عنه قال الأسدي:
فأَعْطَيْتُ الجُعالة مُسْتَمِيتاً
ومنه حديث مسروق رحمه الله: إنه كان يكره الجعائل.
* * * * ابن زياد - كتب إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص: أن جعجع بالحسين.
أي أنزله بجعجاع، وهو المكان الخشن الغليظ وهذا تمثيل لإلجائه إلى خطبٍ شاق وإرهاقه.
وقيل: المراد إزعاجه؛ لأن الجعجاع مناخ سوء لا يقرّ فيه صاحبه، ومنه: جعجع الرجل: إذا قعد على غير طمأنينة.
* * * * جعظ في " ضع " . جعظري في " غل " . الجعثن في " صب " . الجعاد في " نط " . جعد في " فر " . جعيلة في " ثم " . كالجعدبة في " عص " . انجعافها في " خو " .
* * * *
الجيم مع الفاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - في صفة الدجال: جفال الشَّعر هو الكثير الشعر المجتمعه.
ومنه الجفالة: الجماعة من الناس. وتقول العرب على لسان الضائنة: أُولد رخالا، وأجز جفالا، وأُحلب كثباً عجالا، ولم تر مثلي مالا.
وفي حديث آخر: إنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى رجلا جافل الشعر؛ فقال: أما وجد هذا شيئاً يسكّن به شعره! هو المستطار الشعر المتفرقة. ومنه حديث السحاب الجفل: الخفيف الذي تطير به الريح، وكل خفيف جافل وجفل وجفيل.
* * * * صوموا ووفروا أشعاركم فإنها مجفرة.
أي مقطعة للنكاح، يقال: جفر الفحل عن الضراب جفورا: إذا انقطع عنه.
* * * * وكنت آتيكم فأجفرتكم: أي قطعتكم.
ومنه حديثه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن عثمان بن مظعون قال له: إني رجل يشق على العزبة في المغازي؛ أفتأذن لي في الخصاء؟ ولكن عليك بالصوم فإنه مجفر.
أي قاطع للشهوة.
ومنه حديث علي عليه السلام: إنه رأى رجلا في الشمس فقال: قم عنها فإنها مبخرة مجفرة، تتفل الريح، وتبلى الثوب، وتظهر الداء الدفين.
وعن عمر رضي الله عنه - إياكم ونومة الغداة فإنها مبخرة مجفرة - وروى نجعرة أي نيبسة للطبيعة.
* * * * حين سُحر جعل سحره في جف طلعة، ودُفن تحت راعوفة البئر - وروى: في جب طلعة.
جفّها؛ وعاؤها إذا جف، وجبّها: جوفها ومنه جبّ البئر وهو جرابها.
الراعوفة: صخرة تترك ناتئة في أسفل البئر فإذا نقّوها جلس عليها المنقي. وقيل: تكون في بعض البئر لا يمكن قطعها فتُترك، وهي من رعف: إذا تقدم.
* * * * في لحوم الحمر الأهلية نهى عنها، ونادى مناديه بذلك؛ فأجفئوا القدور - وروى: فجفئوا - وروى: فأمر بالقدور فكُفئت - وروى: فأُكفئت.
جفأ القدر وكفأها وأجفأها وأكفأها: قلبها.
* * * * قال عبد الله بن الشخير رضي الله عنه: قدمت عليه في رهط من بني عامر فسلَّمنا عليه، فقالوا: أنت والدنا، وأنت سيدنا، وأنت أطول طولا، وأنت الجفنة الغرّاء، فقال: قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان - وروى: ولا يستهوينكم.
شبهوه بالجفنة الغراء، وهي البيضاء من الدسم؛ نعتاً له بإنه مضياف مطعام، أو أرادوا: أنت ذو الجفنة، ومنه قوله:
يا جفنةً بإزَاءِ الحَوْض قد كفئوا ... ومَنْطِقاً مثل وَشْى اليُمْنَةِ الحَبِره
وقول امرئ القيس:
رُبَّ طَعْنَةٍ مُثْعَنْجِرَه
وجَفْنَةٍ مُسْحَنْفِرَه
تُدْفَن غداً بأَنْقرَه
بقولكم: أي بما هو عادتكم من القول المسترسل فيه على السجية، دون المتكلف المتعمل للتزيد في الثناء.
وقيل: بقول أهل الإسلام ومخاطبتهم بالنبي والرسول؛ لأن ما خاطبوه به من تحية أهل الجاهلية لملوكهم.
استجريت جرياَّ، وتجرّيته: أي اتخذته وكيلا، وهو من الجري، لأنه يجري مجرى موكله.
والمعنى: لا يتخنكم كالأجرياء في طاعتكم له واتباعكم خطواته.
* * * * خلق الله الأرض السفلى من الزبد الجفاء والماء الكباء.
الجفاء: ما جفأه السيل؛ أي رمى به، ويجوز أن يُراد به الجافي، وهو الغليظ، من قولهم: ثوب جافٍ، ورجل جاف.
والكباء: الكابي، وهو المرتفع العظيم؛ من قولهم: فلان كابي الرماد. وكبا الغبار: ارتفع، وكبت العلبة: امتلأت حتى تفيض.
* * * * من اتخذ قوسا عربية وجفيرها نفى الله عنه الفقر.
الجفير: الواسعة من الكنائن، ومنه: الفرس المجفر، وتقدير قوله: وجفيرها: وجفير سهامها، فحذف، وخص بالعربية؛ كراهة زي العجم.
وروى أنه رأى رجلا معه قوس فارسية فقال: ألقها.
* * * * قالت حليمة رضي الله عنها التي أرضعته صلى الله عليه وآله وسلم: كان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، فبلغ ستلًّ وهو جفر.
هو الذي قوي على الأكل، واتَّسع جوفه، وقد استجفر. وهو من أولاد المعز: ما بلغ أربعة أشهر وفُصل.
* * * * ومنه حديث عمر: إنه قضى في الضبع كبشاً، وفي الضبي شاةً، وفي اليربوع جفراً أو جفرة.
أي أوجب ذبحها على المجرم إذا قتل شيئاً من ذلك.
* * * * عمر رضي الله عنه - كيف يصلح بلد جلُّ أهله هذان الجفَّان: كذب بكر، أو بخل تميم.
هذا لقب لبكر وتميم. قيل: لأنه لم يكن في العرب قبيلتنا أكثر عددا منهما.
والجفُّ: الجمع الكثير. وعن المبرد: هما حيَّان فيهما جفاءٌ، من الجفّ وهو الجافي.
* * * * حمل يهودي امرأة مسلمة على حمار، فلما خرج بها من المدينة جفلها عن رحلها، ثم جثمها لينكحها، فأثتي به عمر؛ فقال: ما على هذا عاهدناكم؛ فقتله.
جفلها: طرحها، من قولهم: طعنه فجفله، إذا قلعه من الأرض، والريح تجفل الجهام: أي ذهب به.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إن رجلا قال له: آتي البحر فأجده قد جفل سمكاً كثيرا، فقال: كل ما لم تر شيئاً طافيا.
أي رمى به إلى الساحل.
تجثمها: من تجثم الطائر أُنثاه إذا علاها للسفاد.
* * * * انكسرت قلوص من إبل الصدقة فجفنها.
أي أطعمها في الجفان، وأنشد ابن الأعرابي:
يا رُبَّ شَيْخٍ فيهم عِنِّين ... عَن الطِّعَانِ وعن التَّجْفِينِ
* * * * عثمان رضي الله عنه - لما حُوصر أشار عليه طلحة أن يلحق بجنده من أهل الشام فيمنعوه. فقال: ما كنت لأدع المسلمين بين جُفَّين، يضرب بعضهم رقاب بعض.
الجف والجفة: الجماعة الكثيرة، ويجوز أن يريد بين مثل جفَّين، وهما بكر وتميم في كثرة العدد.
* * * * أبو قتادة رضي الله عنه - كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في سفرة، فنعس على ظهر بعيره حتى كاد ينجفل فدعمته.
هو مطاوع جفله، إذا طرحه وألقاه.
* * * * ابن عازب رضي الله عنه - سُئل عن يوم حنين، فقال: انطق جفاءٌ من الناس وحُسَّر إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد؛ فانكشفوا.
أراد سرعان الخيل تشبيها بجفاء السيل.
والحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا جنة له؛ يعني أنهم قليلون وحاسرون.
رجل الجراد: الجماعة منه.
* * * * لم تجتفئوا في " حف " . الجفرة في " عك " . جفّ طلعة في " طب " . مجفرة في " زو " . من بدا جفا في " بد " . في جفاء الحقو في " حق " . أجفلة في " زف " . جفة في " نف " . جفنة عبد الله في " جك " . جفوفا في " بل " .
* * * *
الجيم مع اللام
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - نهى عن لحوم الجلالة.
كنى عن العذرة بالجلة، وهي البعرة؛ فقيل لآكلتها: جلالة وجالَّة، وقد جل الجلة واجتلها: التقطها، وماء مجلول: وقعت فيه الجلة.
* * * * ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إن رجلا سأله عن لحوم الحمر، فقال: أطعم أهلك من سمين مالك، فإني إنما كرهت لك جوالَّ القرية.
ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: إن رجلا قال له: إني أريد أن أصحبك. فقال: لا تصحبني على جلاَّل.
كره ركوبه؛ لأن ريح الجلَّة في عرقه.
* * * * استأذن عليه أبو سفيان فحجبه، ثم أذن له فقال: ما كدت تأذن لي حتى تأذن لحجارة الجلهمتين! فقال: يا أبا سفيان؛ أنت كما قال القائل: كل الصيد في جوف الفرا.
الجلهمة - بالضم: القارة الضخمة.
وعن أبي عبيد: أنه أراد الجلهة، وهي جانب الوادي، فزاد ميماً، والرواية عنه بالفتح.
والمعنى أنك تؤخرني ولا تأذن لي حتى تأذن قبلي لناس كثير، هم في كثرة حجارتها. أو لا تأذن لي أصلا كما لا تأذن للحجارة.
الفرأ: حمار الوحش، يعني أن كل صيد دونه، وإنما قصد تألفه بذا الكلام، وكان من المؤلفة قلوبهم.
* * * * لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام.
الجلب " بمعنى الجلبة، وهي التصويت.
والجنب: مصدر جنب الفرس؛ إذا اتخذه جنيبة.
والمعنى فيهما في السباق أن يتبع فرسه رجلاً يجلب عليه ويزجره، وأن يجنب إلى فرسه فرساً عرياً، فإذا شارف الغاية انتقل إليه؛ لأنه أودع فسبق عليه.
وقيل: الجلب في الصدقة: أن يجلبوا إلى المصدق أنعامهم في موضع ينزله، فنهى عنه إيجاباً لتصديقها في أفنيتهم.
وقد مر الشغار في " أب " .
* * * * أعطى بلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها.
النسبة إلى الجلس وهو نجد، سمى بذلك لارتفاعه من قولهم للغلظ من الأرض والجبل المشرف والناقة المرتفعة: جلس.
وجلس: إذا أنجد، وقال الشماخ:
فمرَّتْ على ماء العُذَيْبِ وعَيْنُها ... كَوَقْبِ الصَّفا جَلْسِيُّها قَدْ تَغَوَّرا
* * * * في حديث الإسراء: أخذني جبرائيل وميكائيل، فصعدا بي، فإذا بنهرين جلواخين قال: يا جبرائيل؛ ما هذان النهران؟ قال: سقيا أهل الدنيا.
الجلواخ: الواسع، قال بعض بني غطفان:
ألاَ لَيتَ شِعْرِي هل أَبيتَنَّ ليلةً ... بأَبْطَحَ جِلْوَاحٍ بأَسْفَلِهِ نَخْلُ
* * * * قال له صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه لما نزلت: (إِنَّا فَتَحْنَا لكَ فَتحاً مُبِينا): هذا يا رسول الله أنت، قد غفر لك، وبقينا نحن في جلج لا ندري ما يُصنع بنا.
الجلج: بمعنى الحرج وهو القلق، أي بقينا في غير استقرار ويقين من أمرنا.
وقيل: هو جمع جلجة، وهي الرأس: أي في عدد رءوس كثيرة من المسلمين.
* * * * ومنه حديث عمر رضي الله عنه: إنه كتب إلى عامله على مصر خُذ من كل جلجة من القبط كذا وكذا.
* * * * أخذ أسعد بن زرارة رضي الله عنه بيده صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقال: يأيها الناس؛ أتدرون على ماذا تبايعون محمداً صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ إنكم بايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم والجن والإنس مجلية! قالوا: نحن حرب لمن حارب، سلم لمن سالم.
أي حرباً مجلية عن الأوطان، تقول العرب: اختاروا فإما سلم مخزية وإما حرب مجلية.
وقيل: لو رويت مجلبة، فهي من أجلب القوم، وأجلبوا: إذا اجتمعوا.
* * * * قدم سويد بن الصامت مكة فتصدى له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فدعاه فقال له سويد: لعل الذي معك مثل الذي معي! قال صلى الله عليه وآله وسلم: وما الذي معك؟ قال: مجّلة لقمان.
* * * * كل كتاب حكمة عند العرب مجلَّة. قال النابغة:
مَجَلتُهُمْ ذَاتُ الإْلهِ ودِينُهم ... قَوِيم فما يَرجُونَ غَيْرَ الْعَوَاقِبِ
وكأنها مفعلة من جلَّ؛ لجلال الحكمة وعظم خطرها، ثم إما أن يكون مصدراً كالمذلة فسمي بها، كما سُمي بالكتاب الذي هو مصدر كتب، وإما أن يكون بمعنى مكان الجلال.
* * * * لا يدخل شيء من الكبر الجنة. قال قائل: يا رسول الله؛ إني أحب أن أتجمل بجلاز سوطي وشسع نعلي. فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن ذلك ليس من الكبر، إن الله جميل يحب الجمال، وإن الكبر من سفه الحق وغمص الناس.
الجلاز: ما يجلز به السوط أو القوس وغيرهما من عقب وغيره، وهو أن يُدار عليه ويلوي.
ومنه قيل للمستدير في أسفل السنان كالحلقة: جلز، وللعقد المعقود مستديراً جلز وجلاز.
كنى بقوله: لا يدخل شيء من الكبر الجنة عن أنه لا يدخلها أحد من المتكبرين؛ لأنه إذا نفى أن يدخلها شيء منه فقد نصب دليلا على أن صاحبه غير داخلها لا محالة.
جميل: أي جميل الأفعال حسنها، والعرب كما تصف الشيء بفعله فإنها تصفه بفعل ما هو من سببه.
من سفه الحق: أي فعل من سفهه، ومعناه جهله.
وغمص الناس: أي استحقرهم.
* * * * لما خرج أصحابه إلى المدينة وتخلف هو وأبو بكر ينتظر إذن ربه في الخروج اجتمع المشركون في دار الندوة يتشاورون في أمره، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بت. فقال أبو جهل: إني مشير عليكم برأي. قال: وما هو؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلاماً شاباً نهداً ثم يُعطى سيفاً صارماً، فيضربونه ضربة رجلٍ واحد، حتى يقتلوه، ثم وديناه وقطعنا عنا شأفته واسترحنا منه.
فقال الشيخ: هذا والله الرأي!
جلّ الرجل فهو جليل: إذا أسن وكبر، ومنه قولهم: جلَّ عمرو عن الطوق، بدليل قولهم: كبر عمرو. قال كثير:
وجُنَّ اللواتي قُلْنَ عزةُ جلَّتِ
البت: كساء غليظ مربع.
النهد: العظيم الخلق المرتفع.
قال:
من بعد ما كنتُ صُمُلاًّ نَهْدا
الشأفة: قرحة تخرج بالقدم فتكوى فتذهب، وقد شئفت رجله.
والمعنى: قطعنا أصله كما تقطع الشأفة.
* * * * قال البراء رضي الله عنه: لما صالح رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم المشركين بالحديبية صالحهم على أن يدخل هو وأصحابه مكة من قابل ثلاثة أيام، ولا يدخلونها إلا بجلبان السلاح.
قال: فسألته ما جلبان السلاح؟ قال: القراب بما فيه.
الجلبان والجربان والقراب: شبه جراب يضع فيه الراكب سيفه مغموداً وسوطه وأداته، وينوطه وراء رحله.
وقيل: هو مخفف بوزن الجلبان الذي هو الملك؛ ولعله سمي جلبانا لجمعه السلاح، ومدار هذا التركيب على معنى الجمع.
وجربان من لفظ الجراب، وإنما اشترطوا عليه ذلك ليكون علماً للسلم.
* * * * قدم أبيّ بن خلف في فداء ابنه - وكان أُسر يوم بدر - فقال: يا محمد؛ إن عندي فرساً أُجلها كل يوم فرقاً من ذرة أقتلك عليها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بل أنا أقتلك عليها إن شاء الله تعالى.
أُجلها: أعلفها علفا جليلا، من قولهم: أتيته فما أجلَّني ولا أحشاني: أي ما أعطاني من جلة ماله ولا حاشيته.
وقوله: فرقا، بيان لذلك الجليل، وهو مكيال يسع ستة عشر رطلا.
عليها: في الأول حال عن الفاعل وفي الثاني عن المفعول.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - في قصة المهاجرة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: ألم يأن للرحيل؟ فقلت: بلى! فارتحلنا حتى إذا كنا بأرض جلدة.
هي الصلبة.
* * * * ومنها حديث علي عليه السلام: إنه كان ينزع الدلو بتمرة، ويشترط أنها جلدة. وذلك أن الرطبة إذا صلبت طابت جدا.
ومنه المثل: أطيب مضغة صيحانية مصلبة.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - كتب إلى معاوية رضي الله تعالى عنه يسأله أن يأذن له في غزو البحر، فكتب إليه: إني لا أحمل المسلمين على أعواد نجرها النجار وجلفطها الجلفاط، يحملهم عدوهم إلى عدوهم.
هو الذي يسد دروز السفن ويصلحها - بالطاء غير المعجمة، وأراد بالعدو البحر أو النواتي، لأنهم كانوا علوجا يعادون المسلمين.
* * * * قالت أم صبية الجهنية رضي الله عنها: كنا نكون على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله تعالى عنهما في المسجد نسوة قد تجاللن، وربما غزلنا فيه؛ فقال عمر رضي الله تعالى عنه: لأردنكن حرائر.
فأخرجنا منه.
تجاللن: اسنن.
حرائر: أي كما يجب أن تكون الحرائر من ضرب الحجب عليهن، وألاَّ يبرزن بروز الإماء.
* * * * علي عليه السلام - من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلباباً، أو قال: تجفافاً.
الجلباب: الرداء، وقيل: الملاءة التي يشتمل بها.
والمعنى: فليُعدّ وقاءً مما يورد عليه الفقر والتقلل ورفض الدنيا؛ من الحمل على الجزع وقلة الصبر على شظف العيش وخشونة الحال.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إن امرأته سألته أن يكسوها، فقال: أخشى أن تدعي جلباب الله الذي جلببك به. قالت: وما هو؟ قال: بيتك. قالت: أجنَّك من أصحاب محمد تقول هذا؟ أجنَّك: أصله من أجل أنك، أو لأجل أنك، فحذف الجار؛ كقوله:
أَجْلَ أنَّ اللهَ قد فَضَّلَكُم ... فَوْقَ من أَحْكَأَ صُلْباً بإِزَار
وخففت أن ضربين من التخفيف: أحدهما حذف الهمزة، والثاني حدف إحدى النونين، فوليت النون الباقية اللام وهما متقاربتا المخرجين، فقُلبت اللام نوناً، وأُدغمت في النون؛ وحق المدغم أن يسكن فالتقى ساكنان هي والجيم فحركت الجيم بالكسر؛ فصار أَجنَّك.
* * * * ذكر المهدي من ولد الحسن رضي الله عنهما، فقال رجل: أجلى الجبين، أفتى الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، أفلج الثنايا، بفخذه اليمنى شامة.
الجلا: ذهاب شر الرأس إلى نصفه، والجلح: دونه، والجله: فوقه.
القنا: احديداب في قصبة الأنف.
الزيل: الفحج.
* * * * الزبير رضي الله عنه - كان أجلع فرجا.
هما بمعنى واحد، وهو الذي لا يزال يبدو فرجه.
والأجلع أيضاً: الذي لا تنضم شفتاه.
* * * *
لما التقينا يوم بدر سلط الله علينا النعاس، فوالله إن كنت لأتشدد فيجلد بي، ثم أتشدد فيُجلد بي.
أي يصر عني النوم. يقال: جلدت به الأرض: إذا صرعته، كما يقال: ضربت به الأرض.
إن: مخففة من الثقيلة، واللام في لأتشدد هي الفارقة بين إن المخففة والنافية.
* * * * أبو أيوب رضي الله عنه - من بات على سطح أجلح فلا ذمة له.
هو الذي لم يحجر بجدار ولا غيره.
* * * * ابن معاذ رضي الله عنه - كان رجلاً ضخماً جلعاباً - وروى: جلحاباً هما الطويل: وقيل: الضخم الجسيم.
* * * * أم سلمة رضي الله تعالى عنها - كانت تكره للمحدّ أن تكتحل بالجلاء.
هو الإثمد؛ لأنه يجلو البصر؛ وأما الحُلاء - بالحاء والضم فحكاكة حجر على حجرٍ.
قال أبو المثلم الهذلي:
وأكْحُلْكَ بِالصَّابِ أو بالحُلاَء ... ففَقِّح لِذَلِكَ أَوْ غَمِّض
وهو الحلوء أيضاً، يقال: حلأت له حلوءًا: إذا حككت حجراً على حجر، ثم جعلت الحكاكة على كفك، وصدأت به المرآة ثم كحلته به، وقد غُلّط راوي بيت الهذلي بالجيم؛ لأنه متوعد فلا يكحل بما يجلو البصر.
* * * * عطاء رحمه الله - قال ابن جريج: سألته عن صدقة الحب، فقالك فيه كله صدقة، وذكر الذرة والدخن والجلجلان والبلسن والإحريض والتقدة.
الجلجلان: السمسم.
والبلسن: العدس، وهو البلس بضمتين - عن ابن الأعرابي.
والإحريض: العصفر، وثوب محرَّض.
والتقدة - بالتاء: الكزبرة، وبالنون الكرويا.
* * * * في الحديث: إن الله ليؤدي الحقوق إلى أهلها حتى يقص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء نطحتها.
الجلحاء: الجَّاء.
* * * * لا أجلنظي في " بج " . أجلي في " زه " . مجللا في " حي " . أجلو الله في " حل " . ولا جلحاء في " عق " . من جلبابها في " عس " . فجُلد بالرجل في " رت " . جلعدا في " قص " . على أجالدهم في " قس " . وجليل في " صب " . جلاّل في " لق " . ذا الجلب في " لب " . جلحاء في " قذ " . جليل المشاش في " مع " .
* * * *
الجيم مع الميم
النبي صلى الله تعالى وآله وسلم - قال في الشهداء: ومنهم أن تموت المرأة بجُمْع.
يقال: ماتت بجُمْع وجِمْع: أي حاملة أو غير مطموثة.
ومنه حديثه: أيما امرأة ماتت بجمع لم تُطمث دخلت الجنة.
وحقيقة الجُمْع والجِمْع أنهما بمعنى المفعول كالذخر والذبح. ومنه قولهم: ضربه بجُمع كفه، أي بمجموعها، وأخذ فلان بجمع ثياب فلان.
فالمعنى: ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها: حملٍ أو بكارة، وأما قول ذي الرمة:
ورَدْناه في مَجْرى سُهَيْل يَمَانِياً ... بصُعْر البُرَي من بين جُمْعٍ وخَادِجِ
فلابد فيه من تقدير مضاف محذوف، أي ذات جمع.
* * * * وضأة المغيرة، فذهب يخرج ذراعيه، فضاق عليه كُمَّا جمَّازته، فأخرج يده من تحتها.
الجمازة: مدرعة قصيرة من صوف.
* * * * قال عمر رضي الله تعالى عنه: إن سمرة بن جندب باع خمراً، قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لعن الله اليهود حُرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها.
جمل الشحم يجمله: أذابه.
والمعنى أنه خلل الخمر ثم باعها، فكان ذلك مضاهياً لفعل يهود في إذابتهم الشحم حتى يصير ودكا، ثم بيعهم له متوهمين أنه خرج عن حكم الأصل بالإذابة.
* * * * قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه: قلت: يا رسول الله؛ كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وعشرون ألفاً. قلت: كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وئلائة عشر جمَّاءً غفيراً! قلت: من أولهم؟ قال: آدم. قلت: أنبي مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيدهن ونفخ فيه من روحه، ثم سوَّاه قِبَلا - وروى: قَبَلا، وقُبَلا.
ذكر سيبويه: الجماء الغفير في باب: ما يُجعل من الأسماء مصدراً كطرًّا وقاطبة، وكأنه قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: هم كذا وكذا جمعاً لهم وحصرا واستغراقاً.
والكلمتان من الجموم، وهو الاجتماع والكثرة، ومن الغفر وهو التغطية، فجعلتا في موضع الشمول والإحاطة.
وعن المازني: لم تقل العرب الجماء إلا موصوفاً، ويقال: جاءوا جماًّ غفيراً، والجماء الغفير، والجمَّ الغفير. وعن بعضهم: جم الغفير، وجماء الغفير، وجماء الغفيرة، وجماء الغفيري.
قِبَلا وقُبَلا: مقابلة ومشاهدة، وقَبَلا: استقبالا واستئنافاً، يقال: لا آتيك إلى عشر من ذي قبل: من قبل، أي من زمانٍ نشاهده، ومن ذي قبل، أي من زمان يستقبلنا.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - إن أهل الكوفة لما وفدوا إليه العلباء بن الهيثم السدوسي، فرأى عمر هيئة رثة، وما يصنع في الحوائج. قال: لكل أناس في جميلهم خبر - وروى في بعيرهم.
وهو مثل يضرب في نعرفة القوم بصاحبهم؛ يريد أن قومه لم يسودوه إلا لمعرفتهم بشأنه، وكان العلباء دميما أعور باذَّ الهيئة، وكان الرجل إذا حزب أمرٌ.
* * * * سأل الحطيئة عن عبس ومقاومتها قبائل قيس، فقال: يا أمير المؤمنين؛ كنا ألف فارسٍ، كأننا ذهبة حمراء، لا نستجمر ولا نحالف.
أي لا نسأل غيرنا أن يتجمعوا إلينا لاستغنائنا بأنفسنا من الجمار - بفتح الجيم: وهو الجماعة، وتجمرت القبائل: اجتمعت.
* * * * لا تجمروا الجيش فتفتنوهم.
وهو أن يحبسوا في الثغر، ور يؤذن لهم في القفول.
* * * * الخدري رضي الله عنه - بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا.
الجمع: صنوف من التمر تجمع.
والجنيب: نوع منه جيد، وكانوا يبيعون صاعين من الجمع بصاع من الجنيب، فقال ذلك تنزيها لهم عن الربا.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - أمرنا أن نبني المساجد جُمًّا والمدائن شُرفا.
الجم: التي لا شُرف لها، من الشاة الجماء، وهي خلاف القرناء. والشرف: التي لها شُرف.
* * * * أنس رضي الله تعالى عنه - توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والوحي أجمُّ ما كان، لم يفتر عنه.
أي أكثر ما كان؛ من جم الشيء جموما.
* * * * معاوية رضي الله تعالى عنه - قال له ابن الزبير: إنا لا ندع مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه، ويضرب صفاتها بمعوله، ولولا مكانك لكان أخف على رقابنا من فراشة، وأقل في أنفسنا من خشاشة، وأيم الله لئن ملك أعنة خيل تنقاد له ليركبن منك طبقاً تخافه.
فقال معاوية: يا معشر قريش؛ ما أراكم منتهين حتى يبعث الله عليكم من لا تعطفه قرابة، ولا يذكر رحما، يسومكم خسفاً، ويوردكم تلفا.
قال ابن الزبير: إذن والله نطلق عقال الحرب بكتائب تمور كرجل الجراد، على حافتيها الأسل، لها دوي كدوي الريح، تتبع غطريفا من قريش، لم تكن أمه براعية ثلة.
فقال معاوية: أنا ابن هند، أطلقت عقال الحرب، فأكلت ذروة السنام، وشربت عنفوان المكرع، إذ ليس للآكل إلا الفلذة وللشارب إلا الرنق والطرق.
جمهور الناس: معظمهم، وجمعه جماهير، وقد يقال له: جرهوم وجراهيم.
المشقص: من النصال: ما طال وعرض. وعن الأصمعي أنه الطويل غير العريض.
الصفاة والصفوانة: الحجر الأملس.
الفراشة: التي تتهافت في النار.
الخشاشة: واحدة الخشاش، وهي الهوام.
الطبق: جمع طبقة، وهي منزلة فوق منزلة. قال الله تعالى: (لَتْركَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق)، ومنه طبق الظهر، وهو فقاره.
والمعنى: ليركبن منك أحوالا ومنازل في العداوة مخوفة.
سامه خسفاً: إذا ألزمه إياه قسراً وإجباراً، من سوم العالة، وهو أن تكره ويداوم عليها حتى تشرب، يقال: سام ناقته سوما.
والخسف: حبس الدابة على غير علف، فوُضع موضع الإذلال.
نُطلق: منصوب بإذن لكونها مبتدأة غير معتمدة، وكون الفعل مستقبلا غير حاضر.
رجل الجراد: القطعة منه التي قوي بعضها ببعض - عن المبرد.
الغطريف: السيد.
الثلة: الجماعة من الضأن.
العنفوان: الأول، وزنه فعلوان، من اعتنف الشيء إذا ابتدأه، ولو جعل العين بدلا من الهمزة لم يبعد، لقولهم: أنفوان وائتنف الشيء.
الفلذة: القطعة من الكبد.
الرَّنْق: الرَّنِق، وهو الكدر.
الطرق: الماء الذي طرقته الدواب؛ أي خاضته، وبالت فيه، وبعرت؛ فتعير واصفرَّ، سُمي بالمصدر.
ضرب ذلك مثلا لعزه ومذلتهم وتقدمه وتخلفهم.
* * * * عائشة رضي الله تعالى عنها - بلغها أن الأحنف قال شعراً يلومها فيه، فقالت: لقد استفرغ حلم الأحنف ججاؤه إياي، أبي كان يستجم مثابه سفهه؟ إلى الله أشكو عقوق أبنائي! استجم البئر: تركها أياما لا يستسقي منها حتى يجتمع ماؤها، كأنه طلب جمومها.
والمثابة: الموضع الذي يثوب منه الماء.
أرادت أنه كان يحلم عن الناس، ولا يتسافه عليهم، فكأنه كان يجمع سفهه.
أَبي: أي بسببي، ومن أجلي.
* * * *
عاصم رحمه الله - لقد أدركت أقواما، يتخذون هذا الليل جملا يشربون النبيذ، ويلبسون المعصفر، منهم زر بن حبيش وأبو وائل.
هي عبارة عن قيام الليل والتهجد.
* * * * في الحديث - إن ابن آدم عليه السلام رمى إبليس بمنى، فأجمر بين يديه؛ فسميت الجمار به الجمار.
أي أسرع. قال لبيد:
فإذا حَرَّكْتُ غَرْزِي أَجْمَرت
* * * * كان في جبل تهامة جُمَّاع قد غصبوا المارة من كنانة ومزينة وحكم والقارة.
الجمّاع: الأُشابة من قبائل شتى. قال ابن الأسلت:
مِنْ بَيْن جمْعٍ غَيْر جُمَّاع
* * * * إذا وضعت الجوامد فلا شفعة.
هي الحدود، جمع جامد.
* * * * من جمع في " غل " . جمز في " ذل " . جملاء في " سن " . بخبت الجميش في " جز " . جماليا في " صه " . جمعاء في " فط " . وإذا استجمرت في " نث " . مجمعا في " نس " . ولا تجمّروهم في " كف " . جُمَّاع في " شع " . جامساً في " مي " . جمس في " سن " . أجمر ما كانوا في " خم " .
* * * * النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أمر بالتجنح في الصلاة، فشكا ناس إليه الضعف، فأمرهم أن يستعينوا بالركب.
التجنح والاجتناح في السجود: أن يعتمد على راحتيه مجافيا لذراعيه غير مفترشهما؛ من قول ابن الرقاع يصف ثور الوحش:
يبيتُ يَحْفِر وَجْهَ الأرض مُجْتَنِحا ... إذا اطمأنَّ قليلا قامَ فانْتَقلا
وفي حديثه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إنهم شكوا إليه الاعتماد في السجود؛ فرخَّص لهم أن يستعينوا بمرافقهم على ركبهم.
* * * * ذكر الشهداء، فقال: والمجنوب في سبيل الله شهيد.
هو الذي به ذات الجنب.
دخل مكة فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالد بن الوليد على اليسرى، وبعث أبا عبيدة على الحبس أو الحسَّر.
المجنبتان: جناحا العسكر.
الحُبسُ: الرَّجالة، سُموا بذلك لحبسهم الخيالة ببطء مسيرهم، كأنه جمع حبوس، أو لأنهم يتخلفون عنهم وتحبسهم الرجلة عن بلوغهم، كأنه جمع حبيس.
والحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا بيضة عليه.
* * * * لا يضر المرأة الحائض والجنب لألاّ تنقض شعرها إذا أصاب الماء سور الرأس - روى: شوى رأسها.
الجنب: يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والاثنان والجمع. وقد يقال: جنبون وجنبات وأجناب.
سور الرأس: أعلاه.
والشوى: جمع شواة وهي فروته.
* * * * عن علي بن الحسين عليهما السلام - جنأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بيده في يوم حارّ وقال: من أحب أن يظله الله من فور جهنم يوم القيامة فلينظر غريما أو ليدع معسرا.
يريد حناها، والأجنا: الذي في كاهله انحناء على صدره وليس بالاحدب.
وتيس أجنأ: الذي انحنى قرناه على جنبيه وصليف عنقه.
* * * * عن عمر رضي الله تعالى عنه - إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رجم يهودياً ويهوديةً، فقد رأيته يجانئ عليها يقيها الحجارة بنفسه - وروى: فعلق الرجل يجنئ عليها.
يقال: جنأ عليه إذا عطف جنوءاً، وأجنأه عليه، ومنه المجنأ؛ وهو الترس.
والقبر المجنأ: المسنم. وجانأه: بمعنى أجنأه، كباعده وأبعده، وعالاه وأعلاه، والمعنى: يعطف عليها نفسه.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - أفطر في شهر رمضان وهو يرى أن الشمس قد غربت، ثم نظر فإذا الشمس طالعة. فقال: لا نقضيه، ما تجانفنا فيه لإثم.
التجانف: الميل، والجنف والإجناف كذلك.
ومنه حديث عروة: يردُّ من صدقة الجانف في مرضه ما يرد من وصيه المجنف عند موته.
* * * * ابن عباس رضي الله عنه - الجان مسيخ الجن، كما مسخت القردة من بني إسرائيل.
هو العظيم من الحيات.
ومنه حديث ابن واثلة رحمه الله: أقبل جان فطاف بالبيت سبعاً، ثم انقلب حتى إذا كان ببعض دور بني سهم عرض له شاب من بني سهم أحمر أكشف، أزرق أحول أعسر، فقتله، فثارت بمكة غبرة حتى لم تبصر لها الجبال.
الأكشف: الذي له في قصاص الناصية شعرات ثائرة، وقد يتشاءم به.
ومنه حديث القاسم رحمه الله: إنه سُئل عن قتل الجان؛ فقال أمر بقتل الأيم منهن.
الأيم والأين: ما لطف منها.
ويجمع على جنَّان، ونظيره غائط وغيطان، وحائط وحيطان.
ومنه الحديث - في كسح زمزم أن العباس قال: يا رسول الله؛ إن فيها جنَّانا كثيرة.
ومنه حديث آخر: إنه نهى عن قتل النَّجان التي تكون في البيوت.
* * * * علي بن الحسين عليهما السلام - مدحه الفرزدق فقال:
في كَفِّهِ جُنَهٌّي رِيْحُهُ عَبِقٌ ... مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ في عِرْنِيِنه شَمَمُ
قال القتيبي: الجنهي: الخيزران. ومعرفتي بهذه الكلمة عجيبة، وذلك أن رجلا من أصحاب الغريب سألني عنه فلم أعرفه، فلما أخذت من الليل مضجعي أتاني آت في المنام فقال لي: ألا أخبرته عن الجهني؟ قلت: لم أعرفه. قال: هو الخيزران! فسألته شاهداً، فقال: هدية طرفنه. في طبق مجنَّه.
فهببت وأنا أكثر التعجب، فلم ألبث إلا يسيرا حتى سمعت من ينشد: في كفه جنهي... وكنت أعرفه: في كفه الخيزران.
* * * * مجاهد رحمه الله - قال في قوله تعالى: (متاعاً لَكُمْ ولِلسيَّارة)؛ أجناب الناس كلهم. هم الغرباء، الواحد جُنُب. قالت الخنساء:
ابكي أخاك لأَيْتَامٍ وأَرْملة ... وابكي أخاك إذا جاورْتِ أَجْنَابا
* * * * الحجاج - نصب على البيت منجنيقين ووكل بهما جانقين، فقال أحد الجانقين عند رميه:
خَطَّارَةٌ كالجملِ الفَنِيقِ ... أَعْدَدتُها للمَسْجِد العَتِيق
الجانق: الرامي بالمنجنيق، وقد جنق يجنق.
وقال الشيخ أبو علي الفارسي: الميم في منجنيق أصل، والنون التي تلي الميم زائدة، فأما جنق ففيه بعض حروف المنجنيق، وليس منه؛ كقولهم: لأل وليس من اللؤلؤ، والمنجنيق مؤنثة، ولهذا قال: " خطارة " ، شبهها بالفحل، ووصفها بما يوصف به من الخطران، وهو تحريكه ذنبه للصيال أو للنزاء.
والفنيق: الفحل، ويجمع على فنق وأفناق.
* * * * في الحديث - الجانب المستغزظ يثاب من هبته.
الجانب: الغريب.
والمستغزر، من استغزر الرجل: إذا طلب أكثر مما أعطى.
والمراد أن الرجل الغريب إذا أهدى إليك شيئاً لتكافئه وتزيده فأثبه من هديته وزده.
* * * * لا جنب في " جل " . جناب الهضب في " نص " . بالجنبة في " كس " . أخفوا الجنن في " زن " . ظهر المجن في " كل " . جنابيه في " قح " .
* * * *
الجيم مع الواو
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال له حمل بن مالك بن النابغة: إني كنت بين جارتين لي، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميتاً وماتت؛ فقضى بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، وجعل في الجنين غُرَّة عبداً أو أمة.
كنوا عن الضرة بالجارة تطيرا من الضرر.
وحكى أنهم كانوا يكرهون أن يقولوا: ضرة، ويقولون: إنها لا تذهب من رزقها بشيء.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إنه كان ينام بين جارتيه.
المسطح: عمود الخباء: لأنه يسطح به، أي يمد.
العاقلة: القرابة التي تعقل عن القاتل؛ أي تعطي الدية من قبله.
غرة: أي رقيقاً أو مملوكا، ثم أبدل منه عبداً أو أمة. قال ابن أحمر:
إنْ نحن إلاّ أُناس أهل سَائمةٍ ... ما إنْ لَنَا دونها حَرْث ولا غُرَر
أي أرقاء. وقال آخر:
كلُّ قَتيلٍ في كُلَيْبِ غُرّه
أي هم كالمماليك في جنبه، وإنما قيل للرقيق غرَّة؛ لأنه غرة ما يملك: أي خيره وأفضله.
وقيل: أُطلق اسم الغرة وهي الوجه على الجملة، كما قيل: رقبة ورأس، فكأنه قيل جعل فيه نسمة عبداً أو أمة.
وقيل: أراد الخيار دون الرذُّال.
وعن أبي عمرو بن العلاء: لولا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أراد بالغرة معنى لقال: في الجنين عبداً أو أمة، ولكنه عنى البياض، ولا يقبل في الدية إلا غلام أبيض، أو جارية بيضاء.
* * * * قالت عائشة رضي الله عنها: كان إذا دخل علينا لبس مجولاً.
هو ثوب يثنى ويخاط من أحد شقيه، ويجعل له جيب يلبس ويجال به في البيت.
* * * * إن رجلا قال له: يا رسول الله؛ إنا قوم نتساءل أموالنا. فقال: يسأل الرجل في الجائحة والفتق، فإذا استغنى أو كرب استعف.
الجائحة: اسم فاعلة من جاحته تجوحه: إذا استأصلته، وهي المصيبة العظيمة في المال التي تهلكه.
ومنه حديثه: إنه أمر بوضع الجوائح.
قيل: هي كل ما أذهب الثمرة أو بعضها من أمر سماوي بغير جناية آدمي.
وتقديره بوضع ذوات الجوائح، أي بوضع صدقات ذات الجوائح، فحذف الاسمان، ونظيره قوله:
وناقتي النَّاجِي إليك بَريدها
قال أبو علي: أي ذو سير بريدها.
الفتق: أن تقع الحرب بين فريقين، فتقع بينهم الدماء والجراحات؛ فيتحملها رجل ليصلح بينهم، فيسأل فيها حتى يؤديها.
وقيل: هو الجدب والشدة.
كرب: قرب من ذلك.
* * * *
قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: استحيوا من الله. ثم قال: الاستحياء من الله ألا تنسوا المقابر والبلى، وألا تنسوا الجوف وما وعى، وألا تنسوا الرأس وما احتوى.
ما وعاه الجوف، وهو داخل البطن: المأكول والمشروب.
وما احتواه الرأس: السمع والبصر واللسان.
والمعنى: الحث على الحلال من الرزق، واستعمال هذه الجوارح فيما رضى الله استعمالها فيه.
* * * * دخل صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها، وعندها رجل؛ فقالت: إنه أخي من الرضاعة. فقال: انظرن ما إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة.
هي الجوع، وفي وزنها ومعناها المخمصة.
والمعنى أن الرضاع إنما يعتبر إذا لم يشبع الرضيع من جوعه إلا اللبن، وذلك في الحولين، فأما رضاع من يشبعه الطعام فلا.
* * * * جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أُزراً بينهم عامتهم من مضر؛ فتغير وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما رأى بهم من الفاقة، ثم حث على الصدقة.
أي مقتطعي النمار؛ وهي أكسية من صوف، واحدتها نمرة.
أُزراً بينهم: انتصابه على الحال من الضمير في عراة، وجعله حالا من قوم غير ضعيف لأنه موصوف.
* * * * أتته امرأة فقالت: إني رأيت في المنام كأن جائز بيتي قد انكسر. فقال: خيرٌ! يرد الله غائبك.
فرجع زوجها ثم غاب ورأت مثل ذلك، فلم تجد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فوجدت أبا بكر فأخبرته، فقال: يموت زوجك.
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل قصصتها على أحد؟ قالت: نعم. قال: هو كما قيل لك.
الجائز الذي توضع عليه أطراف العوارض، وجمعه أجوزة وجوزان.
* * * * الضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فهو صدقة، وجائزته يومه وليلته، ولا يثوى عنده حتى يحرجه.
الجائزة من أجازه بكذا: إذا أتحفه وألطفه، كالفاضلة واحدة الفواضل، من أفضل عليه.
يثوى - من الثواء: وهو الإقامة.
الإحراج: التضييق.
والمعنى أنه يحتفل له في اليوم الأول، ويقدم إليه ما حضره في الثاني والثالث، وهو فيما وراء ذلك متبرع، إن فعل فحسن وإلا فلا بأس به كالمتصدق، وعلى الضيف ألا يطيل الإقامة عنده حتى يضيق عليه.
* * * * في الرهط العرنيين: قدموا المدينة فاجتووها، فقال: لو خرجتم إلى إبلنا فأصبتم من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فمالوا على الرعاء فقتلوهم، واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، فبعث في طلبهم قافة، فأُتي بهم فأمر فقُطعت أيديهم وأرجلهم، وسَمَّل أعينهم - وروى: وسمر أعينهم.
قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا عطشا.
اجتواء المكان: خلاف تنعمه، وهو ألا تستمرئ طعامه وشرابه ولا يوافقك.
القافة: جمع قائف، وهو الذي يقوف الآثار؛ أي يقفوها.
سمل أعينهم: أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها.
وسمرها: أحمى لها مسامير فكحلهم بها.
الكدم: العض.
قيل: وقع الترخيص في إصابة بول الإبل للتداوي لهؤلاء خاصة، وذلك في صدر الإسلام ثم نُسخ. وقيل: للمتداوي أن يصيبه كأكل الميتة لكسر عادية الجوع.
وأما المثلة بهم فلأنهم كانوا مثلوا بيسار مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه، فأثدخل المدينة ميتا، فجازاهم لقوله تعالى: (فعَاقِبوا بمثلِ ما عُوقبتم به). نزل في قتلى أُحد ومثلة المشركين بهم وقول المسلمين عند ذلك: لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم أعظم مما مثلوا.
* * * * قال له رجل: يا رسول الله؛ أي الليل أجوب دعوة؟ قال: جوف الليل الغابر.
أجوب: كأنه في التقدير من جابت الدعوة بوزن فعلت كطالت، أي صارت مستجابة، كقولهم في فقير وشديد: كأنهما من فقر وشدد؛ وليس ذلك بمستعمل.
ويجوز أن يكون من جبت الأرض: إذا قطعتها بالسير، على معنى أمضى دعوة، وأنفذ إلى مظان التقبل والإجابة.
* * * * عمر رضي الله عنه - لما قدم الشام أقبل على جمل، عليه جلد كبش جونيّ، وزمامه من خلب النخل.
الجون: الأسود، وقد يقال للأحمر: جون، كما يقال له: أسود. قال في صفة الشقشقة:
في جَوْنَةٍ كَقَفَدَانِ العطَّارْ
والياء للمبالغة كقولهم: أحمري وأسودي.
الخلب: الليف.
* * * * علي عليه السلام - لأن أطلى بجواء قدر أحب إلى من أطلى بزعفران.
جواء القدر: سوادها. وهو من قولهم: كتيبة جأواء.
العين همزة واللام واو. وأصله جئاء، إلا أنه استثقلت همزتان بينهما ألف، فقلبت الأولى واوا كما في ذوائب.
* * * * سأله رجل عن الوتر، فلم يرد عليه شيئاً، وقام من جوز الليل ليصلي، وقد طرَّت النجوم، فقال: والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس. أين السائل عن الوتر؟ نعم ساعة الوتر هذه! جوز الليل: وسطه.
طرَّت النجوم: طلعت - وروى: طرَّت: أي أضاءت، من طررت السيف: إذا صقلته.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - أقرض رجلا دراهم، فأتاه بها، فقال حين قضاه: إني قد تجودَّتها لك من عطائي. فقال عبد الله: أذهب بها فاخلطها ثم اءتنا بها من عرضها.
التجود: تخير الأجود.
العرض: الجانب: أي خذها من جانب من جوانبها من غير تخير.
* * * * حذيفة رضي الله تعالى عنه - لقد تركنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ونحن متوافرون، وما منا أحد لو فتش إلا فتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابن عمر.
ضرب الجائفة - وهي الطعنة الواصلة إلى الجوف، والمنقلة: وهي التي ينقل منها العظام - مثلا للمعايب.
وفي معناه قول جابر: ما منا أحد إلا وقد مالت به الدنيا إلا عمر وابن عمر.
* * * * سلمان رضي الله تعالى عنه - إن لكل امرئ جوانيا وبرانيا، فمن يصلح جوانيه يصلح الله برانيه، ومن يفسد جوانيه يفسد الله برانيه.
الجواني: نسبة إلى الجوّ، وهو الباطن، من قولهم: جوّ البيت لداخله.
والبراني: إلى البر، وهو الظاهر، من قولهم للصحراء البارزة: بر وبرية، وللباب الخارج: براني. وزيادة الألف والنون للتأكيد.
والمعنى أن لكل امرئ سرًّا وشأناً باطنا وعلناً وشأناً ظاهرا.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - ستة لا يدخلون الجنة، فذكر الجوَّاظ والجعثل والقتَّات. فقيل له: ما الجعثل؟ فقال: الفظ الغليظ.
جاظ الرجل جوظاً وجوظانا: إذا اختال من سمن وثقل في بدنه. ومنه الجوَّاظ. وقيل: هو الجموع المنوع.
الجعثل: مقلوب العثجل، وهو العظيم البطن.
القتَّات: النمَّام.
* * * * شريح رحمه الله - خاصم إليه محمد بن الحنفية رحمه الله غلاما لزياد، في برذونة باعها، وكفل له الغلام، فقال محمد: حيل بيني وبين غريمي، واقتضى مالي مسمَّى، واقتسم مال غريمي دوني.
فقال شريح: إن كان مجيزاً كفل لك غرم، وإن كان اقتضى لك مالك مسمَّى فأنت أحق، وإن كان الغرماء أخذوا ماله دونك فهو بينكم بالحصص.
أراد بالمجيز: المأذون له في التجارة؛ لأنه يجيز الشيء، أي يمضيه وينفذه بسبب الإذن له، ويقال للولي والوصي: مجيز أيضا.
ومنه حديثه الآخر: إذا باع المجيزان فالبيع للأول، وإذا أنكح المجيزان فالنكاح للأول.
اقتضى مالك مسمى: أي أن تقاضاه وقبضه على اسمك وعلى أنه لك فأنت أحق به، وإن كان الغرماء أخذوا المال دونك فأنت غريم كبعضهم، ولك فيه حصةٌ على قدر مالك.
* * * * عطاء رحمه الله - سئل عن المجاور إذا ذهب للخلاء أيمر تحت سقف؟ قال: لا. قيل: أفيمر تحت قبوٍ مقبوّ من لبن أو حجارة ليس فيه عتب ولا خشب؟ قال: نعم.
المجاور: المعتكف.
القبو: الطاق.
مقبو: معقود. ومنه: كان يقال لضم الحرف قبو، وحرف مقبو.
العتب: الدرج.
* * * * الحجاج - أتى بدرع حديد، فعُرضت عليه في الشمس، وكانت الدرع صافية، فجعل لا يرى صفاءها، فقال له الرجل - وكان فصيحا: الشمس جونة - وروى عرضها عليه في الشمس، فقال له الحجاج: الشمس جونة.
أي نحها عن الشمس، فقد قهرت لون الدرع.
والجونة هنا: البيضاء الشديدة البياض، والجون من الأضداد.
* * * * وأجيفوا في " خم " . لم تجز عليه في " رح " . المجيد في " ضم " . جيدوا في " عذ " . ذي المجاز في " عن " ز أجون في " قع " . إلا جوراً في " نط " . جولة في " وج " ز جوح الدهر في " عش " . فجوب في " فر " . فسرت إليه جوادا في " ذر " . قطعة الجائز في " رض " . جوّفوه في " قر " . ليس لك جول في " حد " . أجواز الإبل في " ضح " . وتستجيل في " صب " .
* * * *
الجيم مع الهاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كان بالحديبية فأصابهم عطش، قال: فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يقال: جهش إليه، وأجهش: إذا فزع اليه، كأنه يريد البكاء فزع الصبي إلى أبويه.
* * * *
بينا هو في مسير له نزل بأرض جهاد - وروى: بينا هو يسير على أرض جرز مجدبة مثل الأيم، فقال للناس: احطبوا، فتفرق الناس فجاء بعود، وجاء ببعرة، حتى ركموا؛ فكان سواداً، فقال: هذا مثل ما تحقرون من أعمالكم.
الجهاد والجرز بمعنى، وهي التي لا نبات بها ولا ماء.
الأيم: الحية، شبه الأرض في ملاستها.
السواد: الشخص.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - إذا رأيناكم جهرناكم.
أي وجدناكم عظاماً في الأعين معجبة أجسامكم، يقال: جهرني فلان: راعني بجسمه وهيئته؛ وجهرته: رأيته كذلك.
* * * * محمد بن مسلمة رضي الله عنه - قصد يوم أُحد رجلا قال: فجاهضني عنه أبو سفيان. أي مانعني وعاجلني بذلك. من قولهم: أجهضته عن كذا، إذا نحيته عنه بعجلة.
* * * * في الحديث: من استجهل مؤمنا فعليه إثمه.
أي حمله على الجهل والسفه بشيء أغضبه به، فأخرجه من خُلُقه.
* * * * فجهجأه في " حش " . أجهضوهم في " حو " . لا تُجهده في " دع " . واجتهر في " سح " . أجهشت في " سا " .
* * * *
الجيم مع الياء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - عن ابن عمر: بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سرية، فلقوا العدو، فجاض المسلمون جيضة، فأتيت المدينة، فقلنا: يا رسول الله؛ نحن الفرارون، فقال: بل أنتم العكاّرون، وأنافئتكم - وروى: فحاص الناس حيصة.
ومعنى الكلمتين واحد هو الحيدودة حذراً.
العكَّار: الكَّرار. ذهب في قوله: أنافئتكم إلى قوله تعالى: (أو مُتحَيِّزاً إلى فِئَةٍ). يُمهد بذلك عذرهم في الفرار.
* * * * البراء بن مالك رضي الله عنه - شهدت المدينة فكفُّونا أول النهار، فرجعت من العشي فوجدتهم في حائط، فكأن نفسي جاشت؛ فقلت: لا وألت، أفراراً من أول النهار، وجبنا آخره! فانقحمت عليهم.
جاشت: ارتفعت، من الارتياع وغلت.
وألت: نجوت.
* * * * فجاش في " خب " . جيشات في " دح " . الجية في " مخ " . فتجيشت في " حي " .
آخر الجيم ولله الحمد والمنة
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الحاء
الحاء مع الباء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة.
الحبل: مصدر سمي به المحمول، كما سمي بالحمل؛ وإنما أدخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه؛ لأن معناه أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة، على تقدير أن يكون أُنثى، وإنما نهى عنه لأنه غرر.
* * * * يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره.
الحبر: أثر الحسن والبهاء، من حبرت الشيء وحبَّرته.
والسبر: ما عُرف من هيئته وشارته، من السبر؛ وهو تعرّف الشيء.
عن أبي عمرو بن العلاء: أتيت حيا من أحياء العرب، فلما تكلمت قال بعض من حضر: أما اللسان فبدوي، وأما السبر فحضري - وقد روي فيهما الفتح.
* * * * قال في السقط: يظل محبنطياً على باب الجنة.
احبنطيت: من حبط، إذا انتفخ بطنه، كاسلنقيت من سلقه: إذا ألقاه على ظهره، والنون والياء زائدتان.
والمعنى أنه يظل منتفخا من الغضب والضجر - وقد روى مهموزا.
* * * * في صفة الدجال: رأسه حبك.
الحبك: هي الطرائق، واحدها حباك أو حبيك، أو هو جمع حبيكة.
ومنه حديث قتادة رحمه الله: الدجال قصد من الرجال، أجلى الجبين، برَّاق الثنايا، محبك الشعر - وروى: محبل.
أي كل قرن من قرونه حبل، لأنه جعله تقاصيب.
* * * * إن الأنصار لما أرادوا أن يبايعوه قال أبو الهيثم بن التيهان: يا رسول الله؛ إن بيننا وبين القوم حبالا، ونحن قاطعوها؛ فنخشى إن الله أعزك وأظهرك أن ترجع إلى قومك.
فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم - وروى: بل اللدم اللدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أُحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم.
الحبال: العهود.
والهدم بالسكون: أن يُهدم دم القتيل، أي يهدر، يقال: دماؤهم هدم بينهم.
والمعنى دمكم دمي وهدمكم هدمي، يريد إن طلب دمكم فقد طلب دمي، وإن أُهدر فقد أهدر دمي لاستحكام الألفة.
وأما اللدم: فهي الحرام، جمع لادم، لأنهن يلتد من على صاحبهن إذا هلك.
والهدم: المنزل، وهو فعل بمعنى مفعول، لأنه يهدم؛ أي حرمي حرمكم، ومنزلي منزلكم.
وقيل: المراد بالهدم: القبر، أي وأُقبر حيث تقبرون؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لهم: المحيا محياكم، والممات مماتكم.
* * * *
إن رجلا أحبن أصاب امرأة، فسُئل، فاعترف، فأمر به فجُلد بأُثكول النخل - وروى: بإثكال النخل.
الأحبن: الذي به حبن وهو السقي.
* * * * وعن الأصمعي: إن رجلا تجشأ في مجلس، فقال له رجل: أدعوت على هذا الطعام أحداً؟ قال: لا. قال: فجعله الله حبناً وقداداً.
الأُثكول والإثكال: الشمراخ.
* * * * الخيل ثلاثة: أجر، وستر، ووزر؛ فأما الأجر فرجل حبس خيلاً في سبيل الله فما سنَّت له شرفاً إلا كان له أجر. ورجل استعف بها وركبها ولم ينس حق الله فيها، فذلك الذي له ستر. ورجل حبس خيلاً فخراً ونواءً على أهل الإسلام، فذلك الذي عليه الوزر.
حبس فرساً في سبيل الله وأحبس: إذا وقفه، فهو حبيس ومُحبس.
سنَّت: من سن الفرس إذا لج في عدوه.
والشرف: الطلق، يقال: عدا شرفاً.
النواء: المناوأة، وهي المناهضة في المباهاة. قال:
بَلَّتْ يَداه في النِّواء بفارسٍ ... لا طَائِشٍ رَعِشٍ ولا وَقَّافِ
* * * * إن رجلا كان اسمه الحباب، فسماه عبد الله. وقال: إن الحباب اسم شيطان.
اشترك الشيطان والحية في الحباب، كما اشتركا في الشيطان والجان وأبي قترة.
* * * * في قصةبدر: إن رجلا من غفار قال: أقبلت وابن عم لي حتى صعدنا على حبل، ونحن مشركان على إحدى عجمتي ندرٍ - العجمة الشامية - ننتظر الوقعة.
الحبل: الممتد من الرمل.
والعجمة: المتراكم منه المشرف على ما حوله.
* * * * قال لعمر رضي الله عنه في نخل له أراد أن يتقرب به صدقة إلى الله: حبس الأصل، وسبَّل الثَّمرة.
أي اجعله حبيساً وقفاً مؤبدا لا يباع ولا يوهب ولا يورث، واجعل ثمرته في سبل الخير.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - قال لرجل من أهل الطائف: الحبلة أفضل أم النخلة؟ وجاء أبو عمرة عبد الرحمن بن محصن الأنصاري - قال: الزبيب إن آكله أضرس، وإن أتركه أغرث، ليس كالصقر في رءوس الرقل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، خرفة الصائم، وتحفة الكبير، وصمتة الصغير، وخرسة مريم، وتحترش به الضباب من الصلعاء.
الحبلة: الكرمة.
ومنه الحديث: لما خرج نوح عليه السلام من السفينة غرس الحبلة.
ومنه حديث أنس رضي الله عنه: إنه كانت له حبلة تحمل كُرَّا، وكان يسميها أم العيال.
أضرس. من الضرس الأسنان.
أغرث: أي أجوع؛ يريد أنه إذا أكل الزبيب ثم تركه تركه وهو جائع، لأنه لا يعصم كما يعصم التمر.
الصقر: عسل الرطب.
الرَّقل: النخيل الطوال.
الوحل: لغة في الوحل وهو الطين.
خرفة الصائم: أي مخترفه، أي مجتناه، وقد استحب الإفطار بالتمر.
وعن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد تمراً فإن الماء طهور.
الصُّمتة: ما يُصمت به.
الخرسة: ما تطعمه النفساء؛ أراد قوله تعالى: (تُساقِطْ عليكِ رُطَباً جَنِيّا).
الصلعاء: الصحراء التي لا نبات فيها، من الصلع.
واحتراش الضب: اصطياده. يقال إنه يعجب بالتمر جداً.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - كل شيء يحب ولده حتى الحباري.
جصها لأنها موصوفة بالموق. وقد شرحت ذلك في كتاب " المستقصي من أمثال العرب " .
* * * * عبد الرحمن رضي الله عنه - قال يوم الشورى: يا هؤلاء؛ إن عندي رأيا، وإن لم نظرا، إن حابياً خير من زاهق، وإن جرعة شروب أنفع من عذب موب، وإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيوب في الكلم؛ فلا تُطيعوا الأعداء وإن قربوا، ولا تفلوا المدى بالاختلاف بينكم؛ ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم؛ فيوتروا ثأركم، وتؤلتوا أعمالكم - وروى: ولا تؤبروا آثاركم، فتؤلتوا دينكم - لكل أجل كتاب، ولكل بيت إمام، بأمره يقومون، وبنهيه يرعون؛ قلدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل، مأمون الغيب على ما استكن، يقترع منكم، وكلكم منتهي، يرتضي منكم، وكلكم رضا.
ضرب الحابي - وهو السهم الذي يزلج على الأرض ثم يصيب الهدف، والزاهق - وهو الذي يجاوزه، من زهق الفرس: إذا تقدم أمام الخيل - مثلاً لوال ضعيفٍ ينال الحق أو بعضه، ولآخر يجاوز الحقَّ ويتخطاه.
والشَّروب: وهو الماء الملح الذي لا يُشرب إلا عند الضرورة. والعذب الموبئ: وهو الذي يورث وباءً - مخففة - مثلاً لرجلين: أحدهما أدون وأنفع، والثاني أرفع وأضر.
السيوب: مصدر ساب في الكلام إذا هضب فيه وخاض بهذرٍ؛ يريد أن التلطف في الكلام والتقلل منه أبلغ من الإكثار.
وترته: أصبته برتر، وأوترته: أوجدته ذلك.
والثأر: العدو؛ أي لا توجدوا عدوكم الوتر في أنفسكم.
وتؤلتوا: تنقصوا، يقال: آلته بمعنى ألته.
التوبير: تعفية الآثار، من توبير الأرنب، وهو مشيها على وبر قوائمها لئلا يقتص أثرها.
يرعون: يكفون. يقال: ورَّعته فورع يرع، كوثق يثق ورعا ورعة.
على ما استكن: أي تأمنون غيبه على ما استتر من أمركم عليكم فلا يخونكم. يقترع: يُختار. ومنه القريع.
* * * * سعد رضي الله تعالى عنه - لقد رأينا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وما لنا طعامٌ إلا الحبلة وورق السمر، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، لقد ظللت إذن وخاب عملي! الحبلة: ثمر السمر، مثل اللوبياء - عن ابن الأعرابي.
تعزرني؛ من عزره على الأمر، وعزره: إذا أجبره عليه ووقفه بالنهي عن معاودة خلافه؛ قال هذا حين شكاه أهل الكوفة إلى عمر، وقالوا: لا يُحسن الصلاة، فسأله عمر عن ذلك، فقال: إني لأُطيل بهم في الأوليين، وأحذف في الأُخريين، وما آلو عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
فقال عمر: كذلك عهدنا الصلاة - وروى: كذلك الظن بك يا أبا إسحاق.
* * * * سأل عنه عمر عمرو بن معد يكرب، فقال: خير أمير، نبطي في حبوته - وروى: جبوته، عربي في نمرته، أسد في تامورته - وروى: ناموسته، يعدل في القضية، ويقسم بالسوية، وينقا إلينا حقنا كما تنقل الذرة.
الحبوة، من الاحتباء وهي للعرب خاصة، كما يقال: حبى العرب حيطانها، وعمائمها تيجانها.
والجبوة: الجباية، يقال: جبوة وجبية وجباوة.
يريد أنه كالنبطي في علمه بالعمارة، وهو في حبوة العرب.
وإذا روى بالجيم فمعناه هو كالنبطي في علمه بأمر الخراج.
النمرة: بردة تلبسها الأعراب والإماء.
التَّامورة: عريسة الأسد. وقيل: التأمورة: علقة القلب.
والمعنى أسد في جراته وشدة قلبه.
الناموسة: مكمن الصائد، شبَّه بها العريسة.
* * * * ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما - بلغه قتل مصعب؛ فقال في خطبته: إنا والله ما نموت حبجا، ولا نموت إلا قتلا وقعصاً بالرماح تحت ظلال السيوف، ليس كما تموت بنو مروان.
الحبج: أن تنتفخ بطون الإبل لأكلها العرفج؛ يعرض ببني مروان أنهم يموتون تخمة.
القعص: أن تصيبه فتقتله مكانه.
* * * * عائشة رضي الله تعالى عنها - كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة.
الاحتباك: الائتزار بإحكام. ومنه الحبكة، وهي الحجزة.
* * * * شريح رحمه الله - جاء محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإطلاق الحبس.
هو جمع حبيس: وهو ما كان أهل الجاهلية يحبسونه من السوائب والبحائر والحوامي وغيرها؛ فالمعنى أن الشريعة أطلقت ما حَبَّسوا، وحللت ما حرَّموا.
* * * * وهب رحمه الله - قال: ماأحدثت لرمضان شيئا قط - يعني من صلاة أو صيام، وكان إذا دخل يثقل عليّ كأنه الجبل الحابي.
هو العظيم المشرف.
* * * * ابن المسيب رحمه الله - قال عبد الله بن يزيد السعدي: سألته عن أكل الضبع. فقال: أو يأكلها أحد؟ فقلت: إن ناسا من قومي يتحبلونها فيأكلونها.
التحبل والاحتبال: الاصطياد بالحبالة.
الواو في أو يأكلها هي العاطفة دخلت عليها همزة الاستفهام، والمعطوف عليه في مثل هذا الكلام محذوف مقدر.
* * * * على الحبس " جن " . تنبت الحبة في " ضب " . على حبل عاتقه في " حت " . ما يقتل حبطاً في " زه " . لحبرتها في " زم " . وثوب حبرة في " صح " . لون الحبيق في " جع " . ولو حبواً في " غر " . ألبس الحبير في " خب " . وحبلتها في " صح " . عقد الحبى في " صع " . أم حبين في " أم " . حب الغمام في " شذ " . وأن يحتبى في " صم " . هذا الحبير في " بض " . عذق حبيق في " جع " . لا يحبس في " صب " .
* * * *
الحاء مع التاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال لسعد يوم أُحد: احتهم يا سعد، فداك أبي وأمي! أراد ارددهم وادفعهم، وحثُّ الشيء وحطُّه نظيران.
ومنه حديث عمر: إن أسلم يأتيه بالصاع من التمر فيقول: يا أسلم؛ حتَّ عنه قشره. قال: فأحسفه فيأكله.
الحسف مثل الحتّ. ومنه حسافة التمر.
* * * * ذاكر الله في الغافلين مثل الشجرة الخضراء وسط الشجر الذي قد تحات من الضريب.
أي تساقط ورقه من الجليد، وهو تفاعل من الحت - وروى من الصريد؛ وتفسيره في الحديث: البرد.
وقال فيمن خرج مجاهدا في سبيل الله: فإن رفسته دابة أو أصابته كذا فهو شهيد، ومن مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله، ومن قُتل قعصا فقد استوجب المآب.
انتصب حتف أنفه على المصدر، ولا فعل لها كبهرا وويحا، كأنه قيل: موت أنفه. ومعناه الموت على الفراش، قيل: لأنه إذا مات كذلك زهقت نفسه من أنفه وفيه، ويقال: مات حتف فيه، وحتف أنفيه، يُراد الأنف والفم، فيغلب أحدهما.
* * * * في حديث العرباض رضي الله عنه - كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يخرج في الصُّفَّة وعلينا الحوتكية.
هي عمة يتعممها الأعراب.
* * * * علي عليه السلام - بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أبا رافع يتلقى جعفر ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فأعطاه علي عليه السلام حتيا وعكة سمن، وقال له: إني أعلم بجعفر، إنه إن علم ثراه مرة واحدة ثم أطعمه، فادفع هذا إلى أسماء بنت عميس، تدهن به بني أخي من صمر البحر، وتطعمهم من الحتي.
الحتي: سويق المقل: قال الهذلي:
لا دَرَّ دَرِّيَ إنْ أَطْعَمْتُ نَازِلَكُمقِرْفَ الحَتِيِّ وعِنْدِي البُرُّ مَكْنُوزُ
ثراه: بله؛ من الثرى، يريد أن جعفر مطعام، فإن ظفر به ندَّاه بالسمن، وأطعمه الناس، وحرمه أولاده.
الصمر: النتن والغمق، ومنه الصُّماري وهي الاست. وسميت الصيمرة، وهي بلدة لغمقها.
* * * * زينب رضي الله تعالى عنها - يبعث الله من بقيع الغرقد سبعين ألفا هم خيار من ينحت عن خطمه المدر، تضئ وجوههم غمدان اليمن.
انحت: مطاوع حتّه.
والخطم: مستعار من السبع والطائر، وهو مقدم الأنف والفم والمنقار. والمعنى تنشق عن وجه الأرض.
* * * * في الحديث: من أكل وتحتم دخل الجنة.
هو من الحتامة، وهي دقاق الخبز وغيره الساقط على الخوان.
* * * * أحتم في " سح " . حتفها ضائن تحمل في " فر " .
* * * *
الحاء مع الثاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - لا تقوم الساعة إلا على حثالة من الناس.
هي الرديء من كل شيء. ومنه قيل لثفل الدهن وغيره: حثالة.
ومنه حديثه الآخر: إنه قال لعبد الله بن عمر: كيف أنت إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم.
أي اختلطت وفسدت.
* * * * عمر رضي الله عنه - قال ابن عباس: دعاني عمر فإذا حصير بين يديه عليه الذهب منثوراً نثر الحثا، فأمرني بقسمه.
هو دقاق التبن، لأن الريح تحثوه حثواً. قال:
وأغبر مَسْحُولِ الترابِ تَرَى به ... حَثاً طرَدَته الريحُ من كلِّ مَطْرَدِ
ويجوز أن يُكتب بالياء لقولهم: حثى يحثي.
منثوراً: حال من الظرف الذي هو عليه.
* * * * أنس رضي الله تعالى عنه - أعوذ بك أن أبقى في حثل من الناس.
أي في حثالة - بسكون الثاء.
* * * * المحثلة في " ضح " . أن يحثوا عنه في " نه " . حثحث في " دج " .
الحاء مع الجيم
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: لأهل القتيل أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى وإن كانت امرأة.
انحجز: مطاوع حجزه إذا منعه.
والمعنى: أن لورثة القتيل أن يعفوا عن دمه رجالهم ونسائهم.
* * * * قال لزيد: أنت مولانا فحجل.
أي رفع رجلا، وقفز على الأخرى من الفرح.
وهو زيد بن حارثة ملكته خديجة عليها السلام فاستوهبه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فوهبته له؛ فأعتقه وزوجه أم أيمن.
* * * * كان له حصير يبسطه بالنهار، ويحتجره بالليل يصلي عليه.
أي يحظره لنفسه دون غيره. ومنه احتجرت الأرض، إذا ضربت عليها مناراً أو أعلمت علماً في حدودها للحيازة.
* * * * توضع الرحم يوم القيامة لها حجنة كحجنة المغزل، تكلم بلسان طلق ذلق - وروى: بألسنة طلق ذلق.
الحجنة من الأحجن، كالحمرة من الأحمر، سميت بها الحديدة العقفاء في رأس المغزل. يقال: لسان طَلِق ذَلِق، وطَلُق ذَلُق، وطُلُقٌ ذُلُقٌ، وطَلِيق ذَلِيق، وألسنة طُلُق ذُلُق. والمراد الانطلاق والحدة.
ومنه الحديث: إذا كان يوم القيامة جاءت الرحم فتكلمت بلسان طَلِق ذَلِق، تقول: اللهم صلْ من وصلني، واقطع من قطعني.
* * * *
ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها نساء الأنصار، فأثنت عليهن خيراً، وقالت لهن معروفاً. وقالت: لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجوز مناطقهن فشققنها، فجعلن منهما خمراً، وأنه دخلت منهن امرأة على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فسألته عن الاغتسال من المحيض، فقال لها: خذي فرصة ممسكة فتطهري بها.
واحد الحجوز حجز - بكسر الحاء، وهو الحجزة، ويجوز أن يكون واحدها حجزة على تقدير إسقاط التاء، كبرج وبروج.
الفرصة: قطعة قطن أو صوف، من فرص: إذا قطع.
الممسكة الخلق التي أُمسكت كثيراً، كأنه أراد ألا يستعمل الجديد للارتفاق به في الغزل وغيره؛ ولأن الخلق أصلح لذلك وأوفق.
وقيل: هي المطيبة من المسك.
* * * * رأى رجلا محتجزاً بحبل أبرق وهو محرم، فقال: ويحك ألقه! هو الذي يشد ثوبه في وسطه، مأخوذ من الحجزة.
الأبرق: الذي فيه سواد وبياض، ومنه للعين: برقاء.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - قال لبلال بن الحارث: ما أقطعك رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم العقيق لتحتجنه؛ فأقطعه الناس.
احتجان الشيء: اجتذابه إلى نفسك، من المحجن.
والمعنى هاهنا الامتلاك والحيازة لنفسه، أراد أن الاقطاع ليس بتمليك، إنما هو إرفاق إلى مدة.
* * * * علي عليه السلام - سُئل عن بني أمية فقال: هم أشدنا حُجزاً، وأطلبنا للأمر لا ينال فينالونه.
شدة الحجزة عبارة عن الصبر على الشدة والجهد.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - إنكم معاشر همدان من أحجى حيٍ بالكوفة، يموت أحدكم فلا يترك عصبة، فإذا كان كذلك فليوص بماله كله.
يقال: هو حج بكذا وحجي به: أي حريّ وخليق؛ وهو أحجى به. قال الأعشى:
أَمِ الصَّبْرُ أَحْجَى فإنّ امْرأَ ... سيَنْفَعُه عِلْمُه إن عَلِم
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - ترك الغزو عاماً، فبعث مع رجل صرة، فقال: فإذا رأيت رجلا يسير من القوم حجرة، في هيئته بذاذة فادفعها إليه.
الحجرة: الناحية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قال رجل: خاصمت إليه ابن أخي، فجعلت أحجّ خصمي؛ فقال: أنت كما قال أبو داود:
أنّي أُتِيح لها حِرْبَاءُ تَنْضَبةٍ ... لا يُرْسِلُ السَّاقَ إلاَّ مُمْسِكاً سَاقَا
أحَجّه: غلبه في المحاجة، شبهة في تعلقه بحجه بعد انقضاء أخرى بفعل الحرباء في إمساكه ساق شجرة عند إرسال غيرها.
* * * * في الحديث: تزوجوا في الحُجز الصالح، فإن العِرق دساس.
هو الأصل والمنبت. وقيل: هو فضل ما بين فخذ الرجل والفخذ الأخرى من عشيرته؛ سمي بذلك لأنه يحتجز بهم، أي يمتنع، وإن روي بالكسر فهو بمعنى الحجزة، كناية عن العفة وطيب الإزار.
* * * * رأيت علجا يوم القادسية قد تكنى وتحجى، فقتلته.
أي زمزم، والحجاء - ممدود: الزمزمة.
* * * * حجرتا الطريق في " بو " . حجراء في " طم " . من وراء الحجزة في " فر " . كالجمل المحجوم في " صع " . كالحجفة في " ذر " . فيستحجي في " غد " . واحتجانه في " نو " . الحواجب في " شذ " . بمحجته في " فز " . تحجّى في " كن " .
* * * *
الحاء مع الدال
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ألم تروا إلى ميتكم حين يحدج ببصره، فإنما ينظر إلى المعراج من حُسنه.
أي يرمي ببصره ويحدّ نظره.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: حدَّث القوم ما حدجوك بأبصارهم.
أي ما داموا نشيطين لسماع حديثك مُقبلين عليك.
* * * * في قصة حنين: إن مالك بن عوف النصري قال لغلام له حاد البصر: ما ترى؟ فقال: أرى كتيبة حرشف، كأنهم قد تشذروا للحملة، ثم قال له: ويلك! صف لي، قال: قد جاء جيش لا يُكتُّ ولا ينكف.
يقال: رجل حديد البصر وحادُّه، كقولهم: كليل البصر وكالُّه.
الحرشف: الرجَّالة.
تشذَّروا: تهيئوا.
لا يُكت: لا يُحصى.
لا ينكف: لا يُقطع، ولا يبلغ آخره، يقولون: رأينا غيثاً ما نكفه أحد سار يوما ولا يومين.
* * * * قال في السُّنة: في الرأس والجسد قص الشارب والسواك والاستنشاق والمضمضة وتقليم الأظفار ونتف الإبط والختان والاستنجاء بالأحجار والاستحداد وانتقاص الماء.
استحد الرجل: إذا استعان، وهو استفعل من الحديد، كأنه استعمل الحديد على طريق الكناية والتورية.
ومنه حديثه: إنه حين قدم من سفرٍ أراد الناس أن يطرقوا النساء ليلا، فقال: أمهلوا حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة.
قيل في انتقاص الماء: هو أن يغسل مذاكيره ليرتد البول؛ لأنه إذا لم يفعل نزل منه الشيء بعد الشيء؛ فيعسر استبراؤه، فلا يخلو الماء من أن يُراد به البول، فيكون المصدر مضافا إلى المفعول، وأن يُراد به الماء الذي يغسل به، فيكون مضافا إلى الفاعل، على معنى وانتقاص الماء البول، وانتقص بكون متعديا وغير متعد. قال عدي بن الرّعلاء:
لم ينتقص مِنّي المَشِيبُ قُلاَمة ... الآنَ حينَ بَدَا ألبُّ وأَكْيس
وقيل: هو تصحيف، والصواب انتفاض الماء - بالفاء، والمراد نضحه على الذّكر، من قولهم: لنضح الدم القليل: نفص، الواحدة نفصة، قال حميد:
طافت ليالي وانضمَّت ثميلتُها ... وعاد لحمٌ عليها بادن نَخَصا
فجاءها قانص يسعى بضارية ... ترى الدِّماء على أَكتافها نَفَصا
* * * * إن في كل أمة محدَّثين ومروَّعين، فإن يكن في هذه الأمة أحد فإن عمر منهم.
المحدَّث: المصيب فيما يحدس، كأنه حدِّث بالأمر.
قال أوس:
نِقَاب يُحَدِّثُ بالغَائب
والمروَّع: الذي يُلقي الشيء في روعه صدق فراسته.
* * * * خيار أمتي أحدّاؤُها.
هو جمع حديد، كأشداء في جمع شديد، والمراد الذين فيهم حدة وصلابة في الدين.
* * * * قال: إن أُبي بن خلف كان على بعير له وهو يقول: يا حدارها يا حدارها! قال أبو عبيدة: يريد هل أحد رأى مثل هذه! ويجوز أن يريد يا حدراء الإبل، فقصرها، وهو تأنيث الأحدر، وهو الممتلئ الفخذ والعجز الدقيق الأعلى، وأراد بالبعير الناقة. وفي كلامهم حلبت بعيري وصرعتني بعير لي.
* * * * عمر رضي الله عنه - حجَّةَ هاهنا ثم احدج ههنا حتى تفنى.
أي احدج إلى الغزو. والحدج: شدُّ الأحمال وتوسيقها.
تفنى: تهرم، من قولهم للكبير: فانٍ. قال لبيد:
حبائُله مَبْثُوثَةٌ بسبيلهِ ... ويَفْنَى إذَا ما أخطَأْتْهُ الحَبائِلُ
أو أراد حتى تموت. والمعنى: حج حجة واحدة، ثم أقبل على الجهاد ما دامت فيك مسكة أو ما عشت.
* * * * علي عليه السلام - عن أم عطية: وُلد لنا غلام أحدر شيء وأسمنه، فحلف أبوه لا يقرب أمه حتى تفطمه، فارتفعوا إلى علي، فقال: أمن غضب غضبت عليها؟ قال: لا، ولكني أردت أن يصلح ولدي، فقال: ليس في الإصلاح إيلاء.
حدر حدرا فهو حادر: إذا غلظ جسمه.
ليس في الإصلاح إيلاء، أي أن الإيلاء إنما يكون في الضرار والغضب لا في الرضا.
* * * * قال يوم خيبر:
أنا الذي سَمَّتْنِ أُمِّي حَيْدَرَهْ
كليْثٍ غاباتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَه
أَوْفِيهم بالصاع كَيْلَ السَّنْدَره
قيل: سمته أمه فاطمة بنت أسد باسم أبيها، وكان أبو طالب غائبا، فلما قدم كرهه وسماه عليا، وإنما لم يقل: سمتني أسدا؛ ذهابا إلى المعنى. والحيدرة: من أسماء الأسد.
السندرة: مكيال كبير كالقنقل. وقيل: امرأة كانت تبيع القمح وتوفي الكيل.
والمعنى: أقتلكم قتلا واسعا. وقيل: السندرة العجلة، والمراد توعدهم بالقتل الذريع.
ووجه الكلام: أنا الذي سمَّته، ليرجع الضمير من الصلة إلى الموصول، ولكنه ذهب إلى المعنى؛ لأن خبر المبتدأ هو، أعني أن الذي هو أنا في المعنى، فرد إليه الضمير على لفظ مردود إلى أنا، كأنه قال: أنا سمتني.
جمع الغابة ليجعل الليث الذي شبه به نفسه حاميا لغياض شتى؛ لفرط قوته ومنعه جانبه.
* * * * صفية بنت أبي عبيد رضي الله عنهما - اشتكت عيناها وهي حادٌّ على ابن عمر زوجها، فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان.
حَدَّ تُحِدُّ حَدًّا، والمعنى أحدّت: إذا تركت الزينة بعد وفاة زوجها وهي حادّ، أي ذات حداد، أو شيء حادّ على الذهبين.
الرمص معروف. وإن روي: ترمصان فالرَّمص الحمى.
* * * * الأحنف رحمه الله تعالى - قدم على عمر في وفد أهل البصرة وقضى حوائجهم، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إن أهل الأمصار نزلوا في مثل حدقة البعير من العيون الهذاب، تأتيهم فواكههم لم تخضد - وروى: لم تخضّد.
وروى: إن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حولاء الناقة من ثمار متهدلة، وأنهار متفجرة، وإنا نزلنا بسبخة نشاشة، طرف لها بالفلاة، وطرف لها بالبحر الأُجاج، يأتينا ما يأتينا في مثل مرئ النعامة، فإن لم ترفع خسيستنا بعطاء تفضِّلنا به على سائر الأمصار نهلك، فحبسه عنده سنة. وقال: خشيت أن تكون مفوَّها ليس لك جول.
شبه بلادهم في خصبها وكثرة مائها بحدقة البعير وحولاء الناقة؛ لأن الحدقة توصف بكثرة الماء. وقيل: أراد أن خصبها دائم لا ينقطع، لأن المخّ ليس يبقى في شيء بقاءه في العين.
والحولاء: جلدة رقيقة تخرج مع الحوار كأنها مرآة مملوءة ماء أصفر، يسمى السخد. قال الكميت:
وكالحُولاء مراعي المسيم عندك والرئة المهل
خضد الشيء: ثناه وتخضد تثنى، يعني أن فواكههم قريبة منهم؛ فهي تأتيهم غضة لم تتثن ولم تتكسر ذبولا.
التهدل: الاسترخاء والتدلي.
النشاشة: من النشيش، والغليان.
مرئ النعامة: مجرى طعامها، وهو ضيق؛ يعني نزارة قوتهم. الخسيسة: صفة للحال.
المفوه: البليغ المنطيق، كأنه منسوب إلى الفوه؛ وهو سعة الفم.
الجول: العقل والتماسك، وأصله جانب البئر، ومثله قولهم: ماله زبر؛ من زبرت البئر.
* * * * مجاهد رحمه الله تعالى - كنت أتحدى القرَّاء، فأقرأ.
أي أتعمدهم، والتحدي والتحري بمعنى.
* * * * الحسن رحمه الله - حادثوا هذه القلوب بذكر الله، فإنها سريعة الدثور، واقعدوا هذه الأنفس فإنها طُلعة.
محادثة السيف: تعهده بالصقل وتطريته. قال زيد الخيل:
أُحَادِثُه بصقلٍ كلَّ يومٍ ... وأَعْجمهُ بهَامَاتِ الرِّجالِ
فشبه ما يركب القلوب من الرَّين بالصدأ وجلاءها بذكر الله بالمحادثة.
والدثور: الدروس.
القدع: الكفّ.
الطلعة: التي تطلع إلى هواها وشهواتها.
* * * * ابن الأشعث - كتب إلى الحجاج: سأحملك على صعب حدباء حدبار ينج ظهرها.
الحدبار: التي بدا عظم ظهرها ونشزت حراقيفها هزالا. قال الكميت:
ردّهنّ الهزال حُدْباً حَدَابي ... رَوطيّ الإكَامِ بَعْدَ الإِكَام
نجيج القرحة: سيلانها قيحاً، قال:
فإنْ تَكُ قُرْحةٌ خَبُثَتْ ونَجَّتْ ... فإنَّ الله يشفي من يَشَاءُ
ضرب ذلك مثلا للأمر الصعب والخطة الشديدة.
* * * * في الحديث: القضاة ثلاثة: رجل علم فعدل، فذلك الذي يحرز أموال الناس ويحرز نفسه من الجنة. ورجل علم فحدل، فذلك الذي يهلك الناس ويهلك نفسه في النار، وذكر الثالث.
حدل: عدل، من قولهم: إنه لحدل غير عدل.
* * * * ويحدر في " بض " . حدجة حنظل في " أل " . نحدرها في " ظا " . فحدأ في " بج " . الحدو في " به " . أو عصا حديدة في " رف " .
* * * *
الحاء مع الذال
النبي صلى الله تعالى عليه وآله سلم - تراصوا في الصلاة لا تتخللكم الشياطين، كأنها بنات حذف.
وروى: أقيموا صفوفكم لا يتخللكم كأولاد الحذف - قيل: يا رسول الله؛ وما أولاد الحذف؟ قال: ضأن سود جرد صغار تكون باليمن.
كأنها سميت حذفاً؛ لأنها محذوفة عن مقدار الكبار ونظيره قولهم للقصير: حطائط، قيل: لأنه حُطّ عن مقدار الطويل.
كأولاد: الكاف فيه في محل الرفع على الفاعلية، ومثله الكاف في قول الأعشى:
هل تَنْتَهون ولن يَنْهى ذوي شَطَط ... كالطَّعْن يَذْهَبُ فيه الزيت والفُتُلُ
* * * * في ليلة الإسراء: انطلق بي خلق من خلق الله كثير موكل بهم رجال يعمدون إلى عرض جنب أحدهم فيحذون منه الحذوة من اللحم مثل النعل، ثم يضفزونه في أحدهم، ويقال له: كل كما أكلت.
أي يقطعون منه القطعة، من حذو النعل.
ومنه الحديث - في مس الذكر: إنما هو حذية منك.
يضفزونه: يدفعونه فيه، من ضفزت البعير: إذا جمعت ضغثاً فلقمته إياه، وضفزت الفرس لجامه.
* * * * من دخل حائطاً فليأكل منه غير آخذ في حذله شيئاً - وروى " في حذنه " . وهما التبان.
ومنه قولهم: هو في حذل أمه؛ أي في حجرها، وأنشد:
أنَا مِنْ ضِئْضِئِ صِدْقٍ ... بَخْ وفي أكرمِ حُذْل
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قال في ذات عرق: هي حذو قرنٍ - وروى: وزان قرن.
ومعناهما واحد؛ أراد أنها محاذية قرن فيما بين كل واحد منهما وبين مكة، فمن أحرم من هذا كمن أحرم من ذاك.
* * * *
ابن غزوان رضي الله عنه - خطب الناس فقال: إن الدنيا آذنت بصرم، وولت حذَّاء، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء.
الحذّاء: الخفيفة السريعة.
ومنه قولهم للسارق: أحذّ اليد، وللقصيدة السيارة: حذّاء.
* * * * حُذاقي في " صع " . إن لم يُحذك في " دو " . فاحذم في " رس " . أن يحذفها في " لب " . حذاؤها في " عف " .
* * * *
الحاء مع الراء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال حريث: رأيته دخل مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سواء حرقانية، وقد أرخى طرفها على كتفيه.
هي التي على لون ما أحرقته النار، كأنها منسوبة بزيادة الألف والنون إلى الحرق؛ يقال: الحرق بالنار والحرق معاً، والحرق من الدق الذي يعرض للثوب عند دقه محرك لا غير.
ومنه حديث عمر بن عبد العزيز رحمهما الله - إنه أراد أن يستبدل بعماله لما رأى من إبطائهم في تنفيذ أمره فقال: أما عدي بن أرطأة فإنما غرَّني بعمامته الحرقانية. وأما أبو بكر بن حزم فلو كتبت إليه أذبح لأهل المدينة شاة لراجعني فيها: أقرناء أم جماء؟ * * * * لا قطع في حريسة الجبل.
هي الشاة مما يحرس بالجبل من الغنم وهي الحرائس.
ومنه حديثه الآخر: إنه سُئل عن حريسة الجبل، فقال: فيها غرم مثلها، وجلدات نكالاً، فإذا آواها المراح ففيها القطع.
واحترس فلان: إذا استرق الحريسة.
ومنه الحديث: إن غلمة لحاطب ابن أبي بلتعة احترسوا ناقة لرجل فانتحروها.
* * * * إن رجلا أتاه بضباب قد احترشها. فقال: إن أمه مُسخت، فلا أدري لعل هذه منها.
الاحتراش: أن يمسح يده على الجحر ويحركها حتى يظن الضب أنها حية، فيخرج ذنبه ليضربها فيقبض عليه، وهو من الحرش بمعنى الأثر، لأن ذلك المسح له أثر.
* * * * تغدى أعرابي مع قوم فاعتمد على الخردل، فقالوا: ما يعجبك منه؟ قال: حراوته وحمزه.
الحراوة والحمز: اللذع والقرص باللسان.
* * * * سموا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها الحارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة.
قيل: لأنه ما من أحد إلا وحو يحرث، أي يكسب. ويهم بالشيء أي يعزم عليه ويريده. وكره حرباً ومرة ذهاباً إلى معنى المحاربة والمرارة.
* * * * كان قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وآله وسلم ياتي حراء فيتحنث فيه الليالي.
حراء: من جبال مكة معروف، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه، وللناس فيه ثلاث لحنات: يفتحون حاءه وهي مكسورة، ويقصرون ألفه وهي ممدودة، ويميلونها ولا يسوغ فيها الإمالة؛ لأن الراء سبقت الألف مفتوحة وهي حرف مكرر فقامت مقام الحرف المستعلي، ومثل رافع وراشد لا يمال.
التحنث: التعبد، ومعناه إلقاؤه الحنث عن نفسه، كالتحرج والتحوب.
ومنه حديث حكيم بن حزام القرشي رضي الله عنه: يا رسول الله؛ أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وصلة رحم؛ هل لي فيها أجر؟ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: أسلمت على ما سلف من خير.
* * * * نهى عن حرق النواة، وأن تقصع بها القملة.
قيل: هو إحراقها بالنار، ويجوز أن يكون من حرق الشيء، إذا برده بالمبرد.
والقصع: الفضخ؛ وإنما نهى عن ذلك إكراما للنخلة، قيل: لأنها مخلوقة من فضلة طينة آدم عليه السلام.
* * * * وفي الحديث: أكرموا النخلة فإنها عمتكم.
وفي حديث آخر: نعمت العمة لكم النخلة. وقيل: لأن النوى قوت للدواجن.
* * * * بعث عروة بن مسعود رضي الله عنه إلى قومه بالطائف، فأتاهم فدخل محرابا له فأشرف عليهم عند الفجر، ثم أذّن للصلاة، ثم قال: أسلموا تسلموا؛ فقتلوه.
المحراب: المكان الرفيع والمجلس الشريف؛ لأنه يدافع عنه ويحارب دونه.
ومنه قيل: محراب الأسد لمأواه، وسمي القصر والغرفة المنيفة محرابا. قال:
رَبَّةُ مِحْرابٍ إذا جِئْتُهَا ... لم أَلْقَهَا أوْ أرْتَقِي سُلَّماً
* * * * ما من مؤمن مرض مرضاً حتى يحرضه إلا حط الله عنه خطاياه.
أي يشرف به على الهلاك.
* * * * في قصة بدر: عن معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه قال: نظرت إلى أبي جهل في مثل الحرجة، فصمدت له، حتى إذا أمكنتني منه غرة حملت عليه، فضربته ضربة طرحت رجله من الساق، فشبهتها النواة تنزو من المراضخ.
الحرجة: الغيضة التي تضايقت التفافها، من الحرج وهو الضيق.
الصمد: القصد.
المرضخة: حجر يرضخ به النوى.
* * * * إن المشركين لما بلغهم خروج أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى بدر يرصدون العير. قالوا : اخرجوا إلى معايشكم وحرائبكم - وروى بالثاء.
الحرائب: جمع حريبة، وهي المال الذي به قوام الرجل.
والحرائث: الكاسب، من الاحتراث، وهو اكتساب المال، الواحدة حريثة.
وقيل: هي أنضاء الإبل، من أحرثنا الخيل وحرثناها: إذا أهزلناها.
* * * * تزوج رجل من المهاجرين من امرأة من الأنصار فأراد أن يأتيها، فأبت إلا أن تؤتى على حرف، حتى شرها أمرهما، فبلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؛ فأنزل الله تعالى: (نِساؤُكم حَرْثٌ لكم فأُْتوا حَرْثَكم أَنَّى شِئْتُم).
الحرف: الطرف والناحية. والمعنى إتيانها على جنب.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: كان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وكان الأنصار قد أخذوا بذلك من صنيعهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكراً.
قيل: شرح المرأة: إذا سلقها على قفاها، ثم غشيها.
وقيل: معنى على حرف ألا يتمكن منها تمكن المتوسط المتبحبح في الأمر. والشرح: أن يتمكن منها، من شرح الأمر، وهو فتح ما انغلق منه.
شرى: أي عظم وارتفع، من شرى البرق وهو أن يتتابع في لمعانه.
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - كان يوتر من أول الليل ويقول:
وا حَرَزَا وأَبْتَغِي النَّوَافَلا
وروى:
أحرزتُ نَهْبي وأَبْتغي النوافِلاَ
الحرز: ما أحرزته.
والنوافل: الزوائد، وألف واحرزا منقلبة عن ياء الإضافة، كقولهم: يا غلاما أقبل. وهذا مثل يضربه الطالب للزيادة على الشيء بعد ظفره به، فتمثل به لأداء صلاة الوتر وفراغ قلبه منها وتنفله بعد ذلك.
* * * * لما مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أصابه حزن شديد، فما زال يحري بدنه حتى لحق بالله.
أي يذوب وينقص. قال:
حتى كأني خاتل قَنَصا ... والمرءُ بعد تمامه يَحْرِي
ومنه: الحارية من الأفاعي، وهي التي قيل فيها: حارية قد صغرت من الكبر.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - ذكر فتيان قريش وسرفهم في الإنفاق؛ فقال: حرفة أحدهم أشد علي من عيلته.
الحرفة: بالكسر الطُّعمة، وهي الصناعة التي منها يرتزق، لأنه منحرف إليها. والحرفة والحرف بالضم: من المحارف وهو المحدود. ومنها قولهم: حرفة الأدب، والمراد لعدم حرفة أحدهم والاغتمام لذلك أشد علي من فقره.
ومنه ما يروى عنه: إني لآرى الرجل فيعجبني فأقول: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني. والصحيح أن يريد بالحرفة سرفهم في الإنفاق. وكل ما اشتغل به الإنسان وضرى به من أي أمر كان؛ فإن العرب تسميه صنعة وحرفة؛ يقولون: صنعة فلان أن يفعل كذا، وحرفة فلان أن يفعل كذا، يريدون دأبه وديدنه.
* * * * علي عليه السلام - عليكم من النساء بالحارقة.
هي الضيقة الملاقي كأنها التي تضم الفعل ضم العاض الذي يحرق أسنانه، ويقال لها: العضوض والمصوص.
* * * * وعنه عليه السلام: إنه سُئل عن امرأته، فقال: وجدتها حارقة طارقة فائقة.
أراد بالطارقة: التي طرقت بخير، وقيل: الحارقة: النِّكاح على الجنب، أخذت من حارقة الورك، وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع.
وعنه عليه السلام: كذبتكم الحارقة، ما قام لي بها إلا أسماء بنت عميس.
* * * * قال علي عليه السلام لفاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام: لو أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألته خادما تقيك حارَّ ما أنت فيه من العمل! أي شاقه وشديده. جعلوا الحرارة عبارة عن الشدة، والبرد عن خلافها، وقد سبق نحو من ذلك.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - دخل على مريض، فرأى جبينه يعرق، فقال: موت المؤمنين عرق الجبين، تبقي عليه البقية من الذنوب فيحارف بها عند الموت - وروى: فيكافأ بها.
المحارفة: المقايسة، ومنه المحراف، وهو الميل الذي يقايس به الجراحة، فوضعت موضع المكافأة. والمعنى أن الشدة التي ترهقه حتى يعرق لها جبينه تقع كفاءً لما بقي عليه من الذنوب وجزاءً؛ فتكون كفَّارة له.
* * * * احرثوا هذا القرآن.
أي فتشوه وتدبروه.
* * * *
عوف رضي الله عنه - قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: رأيت محلم بن جثامة في المنام فقلت: كيف أنت يا محلم؟ فقال: بخير؛ وجدنا ربنا رحيما غفر لنا. قلت: أكلكم؟ قال: كلنا غير الأحراض. قلت: ومن الأحراض؟ قال: الذين يشار إليهم بالأصابع.
أراد الفاسدين المشتهرين بالشر الذين لا يخفى على أحد فسادهم؛ شبههم بالسقمى المشرفين على الهلاك، فسماهم أحراضا.
* * * * الحسن رحمه الله - قال: في الرجل يُحرم في الغضب كذا.
أي يحلف في حال الغضب؛ وإنما سمي الحالف محرما، لأنه يتحرم بيمينه كالمحرم الذي يدخل في حرمة الحج والحرم. ومنه إحرام المصلي بالتكبير.
* * * * الحجاج - باع مُعتقا في حراره.
يقال: حرَّ العبد حرارا، قال:
وما رُدَّ من بَعْدِ الحَرارِ عَتِيقُ
* * * * في الحديث: الذين تدركهم الساعة تسلط عليهم الحرمة، ويسلبون الحياء.
هي الغلمة، من حرمت الشاة واستحرمت: إذا اشتهت الفحل.
* * * * الحرق والغرق والشرق شهادة.
هو الاحتراق بالنار.
* * * * حرق النار في " هم " . يحرّف القلوب في " ذف " . على حراجيج في " عب " . يحتربون في " جر " . وحرقفتيه في " ند " . أحرُّ لك في " أر " . قد حرب في " كل " . حرثناها في " ظه " . سبعة أحرف في " أض " . حرشف في " حد " . حرمد في " حر " . حريبة في " زو " . محردها في " عي " . حرباء تنضبه في " حج " .
* * * *
الحاء مع الزاي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - بعث مصدقا فقال: لا تأخذ من حزرات أنفس الناس شيئا. خذ الشارف والبكر وذا العيب.
الحزرات: جمع حزرة، وهي خيار مال الرجل يحزره في نفسه، كأنها سميت بالمرة من الحزر، ولهذا المعنى أُضيفت إلى الأنفس، ويقال: هي الحرزة أيضا بتقديم الراء من الإحراز.
الشارف: الناقة المسنة، وهي بينة الشوف؛ سميت لعلو سنها. ومنها قيل : السهم الشارف للذي طال عهده فانتكث عقبة وريشه. كان ذلك في بدء الإسلام؛ لأن السُّنة ألا تؤخد إلا بنت مخاض، أو بنت لبون، أو حقة، أو جذعة.
* * * * كان يرقّص الحسن أو الحسين عليهم الصلاة والسلام فيقول: حُزُقًّه حُزُقًّه. تِرقَّ عين بقه. فترقى الغلام حتى وضع قدمه على صدره.
روى: حزقه حزقه، برفع الأول وتنوينه والوقف في الثاني، وبالوقف فيهما. فوجه الرواية الاولى أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره أنت حزقة والثاني كذلك أو خبر مكرر. ووجه الرواية الثانية أن تكون منادى حُذف منه حرف النداء، وهو في الشذوذ كقولهم: أطرق كرا. وافتد مخنوق، والثاني كذلك، أو تكرير للمنادى.
والحزقة: الضعيف القصير المقارب خطوه. قال امرؤ القيس:
وأَعْجَبني مَشْيُ الحُزُقَّةِ خَالدٍ ... كمَشْيِ أَتَانٍ حُلِّئَتْ بالمنَاهِل
وعين بقه: منادى، ذهب إلى صغر عينه، تشبيها لها بعين البعوضة.
* * * * قال لأبي بكر رضي الله عنه: متى توتر؟ فقال: من أول الليل. وقال لعمر: متى توتر؟ فقال: من آخر الليل. فقال لأبي بكر: أخذت بالحزم. وقال لعمر: أخذت بالعزم.
الحزم: ضبط الأمر والحذر من فواته. والعزم: عقد القلب على الأمر وقوة الصريمة.
ومنه الحديث الآخر: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تذاكرا الوتر عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر: أما أنا فإني أنام على وتر، فإن استيقظت صليت شفعاً إلى الصباح. وقال عمر: لكني أنام على شفع ثم أوتر من السحر.
فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأبي بكر: حذر هذا، وقال لعمر: قوي هذا.
* * * * علي عليه السلام - خطب أصحابه في أمر المارقين وحضهم على قتالهم، فلما قتلوهم جاءوا فقالوا: أبشر يا أمير المؤمنين؛ فقد استأصلناهم. فقال: حزق عيرٍ، حزق عيرٍ، قد بقيت منهم بقية.
الحزق: الشد البليغ والضغط والتضييق، يقال: حزقه بالحبل. وحزق القوس بالوتر. وإبريق محزوق العنق: ضيقها. ومنه: حزق: إذا حبق لما في الضرط من الضغط؛ وفسر على وجهين: أحدهما: أن فعلتم بهم في قلة الاكتراث به حصاص حمار. والثاني: أن أمرهم يعد في إحكامه كأنه وقر حمار بولغ في شده. والمعنى حزق حمل عير، فحذف.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - الإثم حزاز القلوب.
هي الأمور التي تحز في القلوب؛ أي تحك وتؤثر وتخالج فيها أن تكون معاصي لفقد الطمأنينة إليها.
ورواه بعضهم: حوّاز القلوب، أي يحوز القلوب ويغلب عليها ويجعلها في ملكته.
* * * * زيد رضي الله عنه - لما دعاني أبو بكر إلى جمع القرآن دخلت عليه وعمر محزئل في المجلس.
أي مستوفز، من قولهم: احزألت الآكام: إذا زهاها السراب، واحزألت الإبل في السير: إذا ارتفعت فيه. قال الطرماح:
ولو خرَج الدَّجَّال ينشد دِينَه ... لزَافَت تميمٌ حَوْلَه واحْزَأَلّت
وكان عمر ينكر ذلك، ويقول: كيف نصنع شيئا لم يصنعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ ثم وافقه بعد.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - ذكر الغزو، ومن يغزو ولا نية له، فقال: إن الشيطان يحزِّنه.
أي يجعله بوسوسته حزينا نادما على مفارقة أهله، حتى يفسد عليه نيته. يقال: أحزنه الأمر وحزّنه.
* * * * أبو سلمة رحمه الله - لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم متحزقين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أُريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون.
المتحزق: المتقبض. والمتماوت: من صفة المرائي بنسكه الذي يتكلف التزمت وتسكين الأطراف، كأنه ميت.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه: لما رأى جلا متماوتا، فخفقه بالدرة قال: لا تمت علينا ديننا، أماتك الله! * * * * الشعبي رحمه الله - أُتي به الحجاج فقال: أخرجت علي يا شعبي؟ فقال: أصلح الله الأمير، أجدب بنا الجناب، وأحزن بنا المنزل، واستحلسنا الخوف، واكتحلنا السهر؛ فأصابتنا خزية لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. قال: لله أبوك! ثم أرسله.
أحزن المنزل: صار ذا حزونة، كأخصب وأجدب، ويجوز أن يكون من قولهم: أحزن الرجل وأسهل: إذا ركب الحزن والسهل، والباء للتعدية، يعني: وركب بنا المنزل الحزن؛ لأنهم إذا نزلوه وهو حزن فكأنه قد أوطأهم الحزن.
استحلسنا الخوف: صيرناه كالحلس الذي يفترش.
خزية: أي خصلة خزينا فيها، أي ذللنا. قال:
فإني بحمدِ اللهِ لا ثوبُ عاجز ... لَبِست ولا من خِزَيْةَ أَتقّنعُ
* * * * في الحديث: كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم غلمانا حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن.
هو جمع حَزْوَر وحَزوَّر، وهو المراهق، والتاء لتأنيث الجمع. وفلان آخذ بحزَّته أي بحجزته، وقيل بعنقه.
* * * * حزَّله حزَّة في " سع " . حزبى من القرآن في " طر " . حزبه أمر في " هي " . محزون في " زو " . حازق في " حق " . الحزقة في " أر " . حزقان في " غي " .
* * * *
الحاء مع السين
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - الحسب المال، والكرم التقوى.
هو ما يعده من مآثره ومآثر آبائه.
ومنه قولهم: من فاته حسب نفسه لم ينتفع بحسب أبيه. وقال ذو الرمة:
له قَدَمٌ لا يُنْكِرُ الناسُ أَنها ... مع الحَسب العادي طمَّتْ على البحر
وقال المتلمس:
ومَنْ كانَ ذَا بَيْتٍ كريمٍ ولم يَكُنْ ... له حَسَبٌ كان اللَّئِيمَ المُذَمَّمَا
* * * * وفي حديث عمر رضي الله عنه: من حسب الرجل نقاء ثوبيه.
والمعنى: إن ذا الحسب الفقير لا يوقر ولا يحتفل به، ومن لا حسب له إذا رُزق الثروة وقر وجل في العيون.
وفي حديث آخر: حسب الرجل خلقه، وكرمه دينه.
وعنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن وفد هوازن لما قدموا عليه يكلمونه في سبيهم قال لهم: اختاروا إحدى الطائفتين: إما المال وإما السبي. فقالوا: أما إذ خيرتنا بين المال والحسب فإنا نختار الحسب، فاختاروا أبناءهم ونساءهم.
قيل المراد بالحسب هنا عدد ذوي القرابات، ويجوز أن يراد أن فكاك الأسارى وإيثاره على استرداد المال حسب وفعال حسنة فهو بالاختيار أجدر.
* * * * عمر رضي الله عنه - مر بامرأة قد ولدت، فدعا لها بشربة من سويق وقال: اشربي؛ هذا يقطع الحسَّ.
هو وجع النفساء غبَّ الولادة.
* * * * يأيها الناس، احسبوا أعمالكم، فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته.
الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدِّ. وإنما قيل: احتسب العمل لمن ينوي به وجه الله؛ لأن له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد؛ والحسبة: اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد. وقولهم: ماتت والدتي فاحتسبتها. معناه: اعتددت مصيبتها في جملة بلايا الله التي أثاب على التصبر عليها.
* * * * أتى بجراد محسوس فأكله.
هو الذي مسته النار حتى قتله، من الحس وهو القتل.
* * * * طلحة رضي الله عنه - اشترى غلاماً بخمسمائة درهم وأعتقه، فكتب: هذا ما اشترى طلحة بن عبيد الله من فلان ابن فلان العبشمي، اشترى منه فتاه ديناراً بخمسمائة درهم بالحسب والطيب، ودفع إليه الثمن، وأعتقه لوجه الله؛ فليس لأحدٍ عليه سبيل الولاء.
قيل: هو من حسبته إذ أكرمته، أي بالكرامة من البائع والمشتري والرغبة وطيب النفوس منها.
* * * * العطاردي رحمه الله - قال له أبو عمرو بن العلاء: ما تذكر؟ قال: أذكر مقتل بسطام بن قيس على الحسن.
هو حبل من رمل. قال:
لأُمِّ اْلأَرْضِ وَيْلٌ ما أَجَنَّتْ ... غداة أَضَرَّ بالحَسنِ السَّبيلُ
عمر مائة وثمانياً وعشرين سنة، وكانت ولادته قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة.
* * * * سماك رحمه الله - قال شعبة: سمعته يقول: ما حسَّبوا ضيفهم.
أي ما أكرموه، وأصله من الحسبانة، وهي الوسادة الصغيرة، ويقال لها المحسبة أيضا؛ لأن من أُكرم أجلس عليها.
* * * * في الحديث: إن المسلمين كانوا يتحسبون الصلاة، فيجيئون بلا داع.
أي يتعرفون وقتها ويتوخونه، يأتون المسجد قبل أن يسمعوا الأذان.
* * * * يخرج في آخر الزمان رجل يسمى أمير المعصب، أصحابه محسرون محقَّرون مقصون عن أبواب السلطان، يأتونه من كل أوب كأنهم قزع الخريف، يورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها.
محسَّرون: مؤذون محمولون على الحسرة، أو مدفَّعون مبعدون؛ من حسر القناع: إذا كشفه. أو مطرودون متعبون، من حسر الدابة إذا أتعبها.
من كل أوب، قال ابن السراج: معناه أنهم جاءوا من كل مآب يرجعون إليه ومن كل مستقر.
القزع: السحاب المتفرق.
* * * * ادعوا الله ولا تستحسروا.
هو أبلغ من الحسور؛ أي لا تنقطعوا ولا تملوا.
* * * * عليكم بالصوم فإنه محسمة.
أي مقطعة للباءة.
* * * * ثم حسمه في " شق " . لا يحسر صابحها في " دك " . حسّ في " هض " . عليها حسيكة في " يس " . فأحسفه في " حت " . فحسك أمراس في " فر " . تحسّف جلد الحية في " ظل " . حُسّر في " جف " . حسكة في " عر " . ولا تحسُّوا في " رث " . هل أحسستما في " سم " . حسمي في " رك " . حسته في " مد " . على الحس في " حن " . ولا تحسسوا في " جس " .
* * * *
الحاء مع الشين
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - إن رجلاً من أسلم كان في غنيمة له يحشُّ عليها في بيداء ذي الحليفة إذ عوى عليه ذئب فانتزع شاة من غنمه فجهجأه الرجل بالحجارة حتى استنقذ منه شاته، فقال الذئب: أما اتقيت الله أن تنزع مني شاة رزقتها؟ فقال الرجل: تالله ما سمعت كاليوم قص! فقال الذئب: أعجب من ذلك ذا الرسول بين الحرتين يحدِّث الناس بما خلا ويحدِّثهم بما هو آت. فلما سمع الرجل قول الذئب ساق غنمه يحوزها حتى جاء المدينة.
يحش: بمعنى يهش، أي يخبط الورق، ومثله مدح ومده! جهجأه: زجره، والهمزة بدل من هاء. قال عمر بن الإطنابة:
والضار بين الكَبْشَ يبرق بَيْضه ... ضرب المُجْهِجَه عن حِيَاض الآبل
يحوزها: يجمعها في السوق.
ما سمعت كاليوم: أي ما سمعت أُعجوبة كأعجوبة اليوم؛ فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامة، والمضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
* * * * قال لأبي بصير رضي الله عنه: ويلمه محش حرب لو كان معه رجال! هو الذي يحش نر الحرب كثيراً، كقولهم: مسعر حرب.
وي: كلمة تعجب، والأصل وي لأمه، فحذفت الهمزة للتخفيف، وألقيت حركتها على اللام، وربما كسرت إتباعا للميم أو لأنها حركتها الأصلية، وانتصاب " محش " على التمييز.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - أُتي بامرأة مات زوجها، واعتدت بأربعة أشهر وعشر، ثم تزوجت رجلا، فمكثت عنده أربعة أشهر ونصفا، ثم ولدت ولداً؛ فدعا عمر نساءً من نساءِ الجاهلية فسألهن عن ذلك. فقلن: هذه امرأة كانت حاملا من زوجها، فلما مات حشَّ ولدها في بطنها، فلما مسها الزوج الآخر تحرك ولدها؛ فألحق الولد بالأول.
حشَّ الولد في بطن المرأة: إذا يبس فيه، وهو حش، وأحشت المرأة.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - قال له أبان بن سعيد حين بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى أسارى المسلمين. يا عم؛ مالي أراك متحشفاً؟ فقال: هكذا إزره صاحبنا.
أي متقبضاً متقلص الثوب، من الحشف وهو التمر اليابس الرديء، وقيل: هو لابس الحشيف، وهو الخلق. قال الهذلي:
يُدْنِى الحشيفَ عليها كي يُوَاريَها ... ونفسه وهو للأطمار لَبَاسُ
الإسبال: إرخاء الإزار، وكان قد شمره وقلّصه.
الإزرة: ضرب من الائتزار؛ وأراد بصاحبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يعني أنه إذا ائتزر شمّر ولم يُسبل.
* * * * ابن مسعود رضي الله تعالى عنه - محاش النساء عليكم حرام.
المحشة: بالشين والسين: الدبر - وقد روى بهما - وروى: محاشي. والمحشاة: أسفل مواضع الطعام الذي يؤدي إلى المذهب، وهي المبعر من الدواب.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - خلق الله البيت قبل أن يخلق الأرض بألف عام، وكان البيت زبدة بيضاء حين كان العرش على الماء، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة، فدحيت الأرض من تحته.
هي صخرة تنبت في البحر. قال ابن هرمة يصف ناقة:
كأنها قادِسٌ يُصَرِّفها النُّو ... تيّ تحتَ الأمْوَاجِ عن حَشَفه
وروى: كانت الكعبة خشعة على الماء، فدحيت من تحتها الأرض. وهي أكمة متواضعة.
* * * * أم سلمة رضي الله عنها - خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من بيتها ليلاً، ومضى إلى البقيع فتبعته، وظنت أنه دخل بعض حجر نسائه، فلما أحس بسوادها قصد قصده، فعدت وعدا على أثرها، فلم يدركها إلا وهي في جوف حجرتها؛ فدنا منها وقد وقع عليها البهر والربو، فقال: مالي أراك حشيا رابية.
هي التي أصابها الحشى وهو الربو، وقد حشيت، والرجل حشيان وحشٍ.
* * * * في الحديث: كان صلى الله عليه وآلة وسلم يصلي في حاشية المقام.
أي في جانبه.
* * * * محشود في " بر " . تحشحشنا في " حط " . حيٌّ حشَّد في " عب " . لا يحشرن في " عش " . أوحشنا في " حو " . في الحش في " نش " . ولا حشت في " نم " . المحاشد في " رس " . ألا يحشروا في " ثو " .
* * * *
الحاء مع الصاد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال لمعاذ بن جبل: اكفف عليك لسانك! فقال: يا رسول الله؛ أوَ إنا لمأخوذون بما نتكلم؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
جمع حصيدة، وهي ما يحصد من الزرع، شبه اللسان وما يقتطع به من القول بحدِّ المنجل، وما يُقطع به من النبات.
* * * * استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
أي لن طيقوا الاستقامة في كل شيء، حتى لا تميلوا؛ من قوله تعالى: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوه).
ومعنى التركيب الضبط، فالعاد يضبط ما يعده ويحصره، وكذلك المطيق للشيء ضبط له. ومنه الحصو، وهو المنع. يقال: حصوتني حقي.
* * * * بلغه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن قبطيا يتحدث إلى مارية، فأمر عليا عليه السلام بقتله، قال علي عليه السلام: فأخذت السيف وذهبت إليه؛ فلما رآني رقى على شجرة، فرفعت الريح ثوبه؛ فإذا هو حصور، فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه ةآله وسلم فأخبرته، فقال: إنما شفاء العيّ السؤال.
قيل: الحصور هاهنا هو المجبوب؛ لأنه حُصر عن الجماع.
والعيّ: الجهل، من عيّ بالأمر يعيا عيّا: إذا لم يهتد له.
* * * * نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة.
هو أن يقول: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع؛ وهو من بيوع الجاهلية.
* * * * عمر رضي الله عنه - لما حصب المسجد قال له فلان: لِمَ فعلت هذا؟ قال: هو أغفر للنخامة، وألين في الموطئ.
هو تغطية سطحه بالحصباء، وهي الحصى الصغار.
أغفر: أستر، وهي رخصة في البزاق في المسجد إذا ادفن.
* * * * يا لخزيمة حصِّبوا.
التحصيب: إذا نفر الرجل من منى إلى مكة للتوديع أن يقيم بالأبطح حتى يهجع به ساعة من الليل ثم يدخل مكة - وروى: أصبحوا، أراد أن يقيموا بالأبطح إلى أن يصبحوا.
وعن عائشة رضي الله عنها: ليس التحصيب بشيء؛ إنما كان منزلاً نزله رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؛ لأنه كان أسمح للخروج.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - في حديث مقتله: تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر أديم السماء.
هو الترامي بالحصباء.
* * * * علي عليه السلام - لأن أُحصحص في يدي جمرتين أحب إليَّ من أن أُحصحص كعبتين.
الحصحصة: تحريك الشيء، أو تحركه حتى يستقر ويتمكن.
ومنه حديث سمرة رضي الله عنه: إنه أُتي برجل عنين، فكتب فيه إلى معاوية، فكتب إليه: أن اشتر له جارية من بيت المال، وأدخلها معه ليلة، ثم سلها عنه، ففعل، فلما أصبح قال: ما صنعت؟ قال: فعلت حتى حصحص فيه؛ فسأل الجارية، فقالت: لم يصنع شيئاً: خل سبيلها يا محصحص؟ * * * * ابن مسعود رضي الله عنه - لُدغ رجل وهو مُحرم بالعمرة فأُحصر، فقال عبد الله: ابعثوا بالهدى، واجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فإذا ذبح الهدي بمكة حل هذا.
أي منع بسبب اللدغ؛ من قوله تعالى: (فإنْ أُحْصِرْتُمْ).
الأمار والأمارة: العلامة. يقال: أَمار ما بيني وبينك كذا. والمعنى: اجعلوا بينكم وبينه يوماً تعرفونه.
* * * * أبو هريرة رضي الله تعالى عنه - إن الشيطان إذا سمع الأذان خرج وله حصاص.
هو حدة العدو، وقيل: هو أن يمصع بذنبه، ويصر بأُذنيه ويعدو. وقال:
عجرَّدٌ كالذِّئب ذي الحُصَاص ... يُوضع تحت القمر الوَبَّاص
وقيل هو الضراط.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - أتته امرأة فقالت: إن أبنتي عريس، وقد تمعط شعرها، وأمروني أن أُرجلها بالخمر. فقال: إن فعلت ذاك فألقى الله تعالى في رأسها الحاصة.
هي العلة التي تحُصُّ الشعر، أي تنثره وتذهب به.
ويقال: بينهم رحم حاصة، إذا قطعوهان بمعنى محصوصة، والتحقيق ذات حصّ.
عريس: تصغير عروس، ولم تدخله تاء التأنيث لقيام الحرف الرابع مقامها، ومثله قُليص وعُقيرب، وقد شذ قديدمة وورية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - أُفلت وانحص الذنب.
هو مثل فيمن أشفى ثم نجا، وحديثه في :كتاب المستقصي.
* * * * حصيف العقدة في " كل " . ليس مثل الحصر في " رج " . ذنوب حصان في " فق " . وحصلبها في " سل " . في مؤخر الحصار في " خذ " . قد حصبوا في " فر " .
* * * *
الحاء مع الضاد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أهدى له هدية فلم يجد شيئاً يضعها عليه فقال: ضعه بالحضيض، فإنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد.
هو قرار الأرض بعد منقطع الجبل، قال امرؤ القيس:
فلما أجنّ الشمسَ منى غُؤورها ... نزلتُ إليه قائما بالحضيضِ
* * * * قال صلى الله عليه وسلم لعامر بن الطفيل: أسلم تسلم، فقال: على أن تجعل لي نصف ثمار المدينة، وتجعلني والي الأمر من بعدك. فقال له أُسيد بن حضير: اخرج بذمتك لا أُنفذ حضنيك بالرمح، فوالله لو سألتنا سيابة ما أعطيناكها.
هما الجنبان، وأحضان كل شيء: جوانبه. السيابة: البلحة.
* * * * إن بغلته صلى الله عليه وآله وسلم لما تناول الحصى ليرمي به يوم حنين فهمت ما أراد، فانحضجت.
أي انبسطت، ويقال: انحضج بطنه: إذا اتسع وتفتق سمنا. قال:
وقَلَّصَ بُدْنَه بَعْدَ انحِضَاجِ
وانحضج من الغيظ: انقدّ وانشقّ.
ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: إنه قال في الركعتين بعد العصر: أما أنا فلا أدعهما، فمن شاء أن ينحضج فلينحضج. وقيل معناه: من شاء أن يسترخي في ادائهما ويقصَّر فشأنه.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - قال يوم أتى سقيفة بني ساعدة للبيعة: فإذا إخواننا من الأنصار يريدون أن يختزلوا الأمر دوننا ويحضنونا عنه.
أي يحجبونا ويجعلونا في حضن، أي في ناحية.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: إنه أوصى إلى الزبير وإلى ابنه عبد الله بن الزبير، وقال في وصيته: إنه لا تزوج امرأة من بناته إلا بأذنها، ولا تحضن زينب امرأة عبد الله عن ذلك.
* * * * عثمان رضي الله تعالى عنه - قال كعب بن عجرة: ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فتنة فقرَّبها وعظمها، ثم مر رجل متقنع في ملحفة، فقال: هذا يومئذ علىالحق. فانطلقت محضرا فأخذت بضبعه، فقلت: أهذا هو يا رسول الله؟ قال: هذا فإذا هو عثمان بن عفان.
أي مسرعا.
* * * * عمران رضي الله تعالى عنه - أقسم لأن أكون عبدا حبشيا في أعنز حضنيات أرعاهن حتى يدركني أجلي أحب إليّ من أن أرمي في أحد الصفين بسهم أصبت أو أخطأت.
نسبها إلى حضن، وهو جبل في أول حدود نجد. ومنه قولهم: أنجد من رأى حضناً. يعني أن ذلك أحب إليّ من أن أشهد حربا في فتنة.
* * * * الحضرمي في " ظل " . وفي " ذي " . أحاطوا ليلا بحاضر في " جب " .
* * * *
الحاء مع الطاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال علي عليه السلام: لما خطبت فاطمة عليها السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعندك شيء؟ قلت: لا. قال: فأين درعك الحطمية التي أعطيتك؟ قلت: هاهي ذه. قال: أعطها. ودخل علينا، وعلينا قطيفة، فلما رأيناه تحشحشنا، فقال: مكانكما. وفيه: قلت يا رسول الله؛ هي أحب إليك مني. قال: هي أحب منك، وأنت أعز عليّ.
هي منسوبة إلى حطمة بن محارب، بطن من عبد القيس يعملون الدروع.
* * * * التحشحش: التحرك للنهوض.
شر الرعاء الحُطمة.
هو الذي يعنف بالإبل في السوق والإيراد والإصدار فيحطمها؛ ضربه مثلا لوالي السوء.
* * * * جلس صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى غصن شجرة يابسة فقال بيده، فحط ورقها.
الحط والحت بمعنى واحد.
* * * * قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أخذ بقفاي، فحطأني حطأة فقال: اذهب فادع إليّ معاوية - وكان كاتبه - وروى: فحطاني حطوة - غير مهموز.
الحطء: الضرب بالكف ميسوطة كاللطح. وقيل: هو الدفع، يقال: حطأت القدر بزبدها: دفعته ورمت به، وحطأ بسلحه وضرطه، وكان الحطيئة يلعب مع الصبيان فضرط فضحكوا فقال: ما لكم؟ إنما كانت حطيئة، فلزمته نبزا.
ومنه حديث معاوية رضي الله تعالى عنه: إن المغيرة قال له حين ولى عمراً: ما لبثك السهمي أن حطأ بك إذ تشاورتما.
أي دفعك عن رأيك. وعن ابن الأعرابي: الحطو: تحريك الشيء مزعزعا.
* * * * حطاما في " خض " .
* * * *
الحاء مع الظاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - سأله أبيض بن حمّال عن حمى الأراك. فقال: لا حمى في الأراك. فقال: أراكة في حظاري. قال: لا حمى في الأراك.
أراد أرضاً قد حظرها وحوط عليها. وفيه لغتان: الفتح والكسر؛ وحين أحياها كانت تلك الأراكة فيها.
* * * * عمر رضي الله عنه - من حظ الرجل نفاق أيمه وموضع حقه.
الحظ: الجدن وفلان حظيظ ومحظوظ.
والأيم: التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا؛ أي من جده ألا تبور عليه بناته وأخواته، وأن يكون حقه في ذمة مأمون جحوده وتهضمه.
* * * * لا يحظر في " ند " .
* * * *
الحاء مع الفاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أُتي بتمر وهو محتفز فجعل يقسمه.
هو المستوفز المريد للقيامن من حفزه: إذا أزعجه. ومنه: الليل يسوق النهار ويحفزه.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنه ذُكر القدر عنده فاحتفز وقال: لو رأيت أحدهم لعضضت بأنفه.
أي قلق وشخص به ضجراً.
* * * * عن أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه - سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التوبة النصوح، فقال: هو الندم على الذنب حين يفرط منك، وتستغفر الله بندامتك عند الحافر، ثم لا تعود إليه أبدا.
كانوا لكرامة الفرس عندهم ونفاستهم بها لا يبيعونها بالنساء فقالوا: النقد عند الحافر، وسيروه مثلا، أي عند بيع الحافر في أول وهلة العقد من غير تأخير، والمراد بالحافر ذات الحافر وهي الفرس. ومن قال: عند الحافرة فله وجهان: أحدهما - أنه لما جعل الحافر في معنى الدابة نفسها، وكثر استعماله على ذلك من غير ذكر الذات فقيل: اقتنى فلان الخف والحافر؛ أي ذواتهما، ألحقت به علامة التأنيث إشعارا بتسمية الذات بها. والثاني - أن يكون فاعلة من الحفر؛ لأن الفرس بشدة دوسها تحفر الأرض، كما سميت فرسا لأنها تفرسها: أي تدقها؛ هذا أصل الكلمة، ثم كثرت حتى استعملت في كل أولية؛ فقيل: رجع إلى حافره وحافرته، وفعل كذا عند الحافر والحافرة. والمعنى تنجيز الندامة والاستغفار عند مواقعة الذنب من غير تأخير؛ لأن التأخير من الإصرار.
الباء في " بندامتك " بمعنى مع، أو بمعنى الاستعانة؛ أي بطلب مغفرة الله بأن تندم.
الواو في وتستغفر للحال، أي هو الندم منك مستغفرا، ويحتمل أن يعطف على الندم على أن أصله وأن تستغفر فحذف. كقوله:
ألاَ أيّهذا اللائمي أَحْضُرَ الوَغَى
النصوح: هي التي يناصح فيها الإنسان نفسه مبالغا، فجعل الفعل لها كأنها هي التي تبالغ في النصيحة.
* * * * سئل: متى تحل الميتة؟ فقال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها.
الاحتفاء: اقتلاع الحفأ، وهو البردي، وقيل: أصله، فاستعير لاقتلاع البقل.
وروى: تحتفوا، من احتفى القوم المرعى: إذا رعوه وقلعوه.
وروى: تحتفوا، من احتفاف النبت وهو جزه. وحفت المرأة وجهها واحتفت.
وروى: تجتفئوا، بالجيم، من اجتفاء الشيء: إذا قلعته ورميت به. ومنه الجفاء.
وروى: تختفوا بالخاء، من اختفيت الشيء: إذا أخرجته. والمختفي: النبَّاش.
ما: مصدرية مقدر قبلها الزمان، والمعنى: وقت فقد صبوحكم.
أمر أن تحفى الشوارب وتعفى اللحى.
* * * * الإحفاء والحفو: أن يلزق الجز.
والإعفاء: التوفير، من عفا الشيء: إذا كثر، وعفوته وأعفيته.
* * * * إنا لم نشبع من طعام إلا على حفف.
وروى: ضفف - وروى: شظف.
الثلاثة في معنى ضيق المعيشة وقلتها وغلظتها، يقال: أصابه حفف وحفوف، وحفت الأرض: إذا يبس نباتها.
وعن الأصمعي رحمه الله: أصابهم من العيش ضفف؛ أي شدة، وفي رأي فلان ضفف؛ أي ضعف، وما رئي على بني فلان حفف ولا ضفف: أي أثر عوز، والمعنى: أنه لم يشبع إلا والحال خلاف الرخاء والخصب عنده، وقيل: معناهما اجتماع الأيدي وكثرة الأكلة؛ أي لم يأكل وحده، ولك مع الناس.
* * * * عطس عنده رجل فوق ثلاث، فقال له: حفوت.
الحفو: المنع، يقال: حفاه من الخير؛ أي منعتنا أن نشمتك بعد الثلاث.
ومنه: إن رجلاً سلَّم على بعض السلف فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الزاكيات، فقال له: أراك قدحفوتنا ثوابها.
أخذته كله وحرمتنا.
وروى: حقوت بالقاف؛ أي شددت، من الحقو وهو الإزار الذي يشد على الخصر، والمعنى واحد؛ لأن الشد من باب المنع.
* * * * استعمل رجلا فأهدى إليه فقال: هذا لي، فقال: ألا جلس في حفش أمه، فلينظر أكان يُهدى إليه شيء؟ هو البيت الصغير، من الحفش وهو الجمع لاجتماع جوانبه. قيل للسفط والسنام حفش. ومنه حديث زينب رضي الله عنها - كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به، فقلّ ما تفتض بشيء إلا مات.
أي تكسر به ما كانت فيه من العدة، وتخرج منه به. قيل: كانت تمسح به قُبلها فلا يكاد يعيش - وروى: فتقبص؛ من القبص، وهو الأخذ بأطراف الأصابع.
* * * * يذهب الصالحون الأُول فالأُول حتى يبقى حفالة كحفالة التمر.
هي الخشارة.
* * * * صلى فجاء رجل قد حفزه النفسن فقال: الله أكبر، حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه. فلما قضى صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات؟ فأرم القوم - وروى: " فأزم القوم " .
حفزه: أقلقه وجهده.
الإرمام: السكوت. قال:
يسرون والليلُ مُرِمٌّ طائره
والأزم: الإمساك. حمداً: نصب بفعل مضمر، أراد أحمده حمداً.
* * * * إن الله تعالى يقول لآدم عليه السلام: أخرج نصيب جهنم من ذزيتك، فيقول يا ربِّ؛ كم؟ فيقول: من كل مائة تسعة تسعين. فقالوا: يا رسول الله؛ احتفينا إذن، فماذا يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود.
اي استؤصلنا.
* * * * نهى عن بيع المحفلة، وقال: إنها خلاَّبة.
هي التي حفِّل اللبن في ضرعها أياما ليغتر بها المشتري؛ فيزيد في الثمن.
الضمير في " إنها " للفعلة، ويجوز أن يرجع إلى المحفلة، ويكون سبيل الكلام سبيل قولها:
فإنما هي إقْبَال وإدْبَارُ
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - إنما نحن حفنة من حفنات ربنا.
هي ما يملأ الكفين من دقيق أو غيره. ويقال: حفن له حفنة: إذا أعطاه قليلا، كأنه لم يزده على ملءِ الكفين. والمعنى: إنا على كثرتنا يوم القيامة قليل عند الله عز وجل.
* * * * عمر رضي الله عنه - كان أصلع له حفاف.
حفافا الشيء: جانباه. وقولهم: بقي من شعره حفاف: هو أن يصلع وتبقى طرّة من الشعر حول رأسه.
* * * * أنزل أويسا القرني فاحتفاه.
أي بالغ في إلطافه واستقصى.
* * * * علي عليه السلام - سلم عليه الأشعث فرد عليه بغير تحفٍّ.
الحفاوة والتحفي: الإكرام بالمسألة والإلطاف.
* * * * معاوية رضي الله تعالى عنه - بلغه أن عبد الله بن جعفر حفف وجهد من بذله وإعطائه؛ فكتب إليه يأمره بالقصد، وينهاه عن السرف. وكتب إليه بيتين من شعر:
لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُه فيُغْنِى ... مَفَاقِرَه أعفُّ من القُنُوع
يَسُدُّ بهِ نَوَائِبَ تَعْتَرِيه ... مِنَ الأَيام كالنُّهُلِ الشُّرُوعِ
حفف: مبالغة في حفّ؛ أي جهد وقلّ ماله، من حفّت الأرض.
المفاقر: جمع فقر على غير قياس، كالملامح والمشابه، ويجوز أن يكون جمع مفقر؛ مصدر من أفقره الله، أو مفتقر بمعنى الافتقار، أو مفقر وهو الشيء الذي يورث الفقر.
القنوع: السؤال. يقال: قنع إلى فلان يقنع.
النهل: الإبل العطاش، جمع ناهل. الشروع: الشاربة في الماء. والبيتان للشماخ.
* * * * محفود في " بر " . أن أحفظ الناس في " به " . كدت أُحفى فمي في " در " . الحوفزان في " نس " . فلتحتفر في " خو " . أخشى حفده في " كل " . حفلت له في " زف " . حفوفا في " بل " .
* * * *
الحاء مع القاف
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أعطى النساء اللواتي غسَّلن ابنته حقوه، فقال: أشعرنها إياه.
الحقو: الإزار الذي يشد على الحقو، وهو الخصر.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه: لا تزهدن في جفاء الحقو، فإن يكن ما تحته جافياً فإنه أستر له، وإن يكن ما تحته لطيفا فإنه أخفى له.
أشعرنها إياه: أي اجعلن لها الحقو شعاراً، وهو الثوب الذي يلي الجسد.
جفاء الحقو: أن تجعله جافيا؛ أي غليظاً بأن تضاعف عليه الثياب لتستر مؤخرها.
* * * * نهى عن المحاقلة والمزابنة، ورخَّص في العرايا.
الحقل: القراح من الأرض، وهي الطيبة التربة، الخالصة من شائب السبخ، الصالحة للزرع.
ومنه حقل يحقل، إذا زرع، والمحاقلة: مفاعلة من ذلك، وهي المزارعة بالثلث والربع وغيرهما. وقيل: هي اكتراء الأرض بالبرّ. وقيل: هي بيع الطعام في سنبله بالبرّ. وقيل: بيع الزرع قبل إدراكه.
المزابنة: بيع التمر في رءوس النخل بالتمر؛ لأنها تؤدي إلى انزاع والمدافعة، من الزبن وهو الدفع.
العرية: النخلة التي يعريها الرجل محتاجاً، أي يجعل له ثمرتها، فرخّص للمعري أن يبتاع ثمرتها المعري بتمر لموضع حاجته؛ سميت عرية؛ لأنه إذا وهب ثمرتها فكأنه جردها من الثمرة وعرَّاها منها، ثم اشتق منها الإعراء.
* * * * مر هو وأصحابه وهم محرمون بظبي حاقف في ظل شجرة، فقال: يا فلان؛ قف هاهنا حتى يمر الناس لا يريبه أحد بشيء.
هو المحقوقف؛ وهو المنعطف المنثني في نومه، وقيل: هو الكائن في أصل حقف من الرمل.
لا يريبه: لا يوهمه الأذى، ولا يتعرض له به.
* * * * قال للنساء: ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق.
هو أن يركبن حُقها وهو وسطها. يقال: سقط على حاقِّ القفا وحُقَّه.
عليك، جعل اسما للفعل الذي هو خذ، فقيل: عليك زيدا وبزيد، كما قيل: خذه وخذ به.
الحافة: الناحية، وعينها واو، بدليل قولهم في تصغيرها حويفة، وتحوّفه بمعنى تطرفه. قال:
تَحَوَّفَ غَدْرهم مَالِي وأهدى ... سَلاَسِلَ في الحُلوق لها صَلِيلُ
وأما تحيفه فمن الحيف.
* * * * عن عبادة بن أحمر المازني: كنت في إبلي أرعاها، فأغارت علينا خيل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أو خيل أصحابه، فجمعت إبلي، وركبت الفحل، فحقب فتفاج يبول، فنزلت عنه، وركبت ناقة منها، فنجوت عليها وطردوا الإبل.
الحقب: أن يتعسر البول على البعير. ومنه: حقب عامنا: إذا احتبس مطره. وقيل: هو أن يقع الحقب على ثيله فيورثه ذلك.
التفاج: تفاعل من الفجج، وهو أبلغ من الفجح.
والمعنى: ففرج بين رجليه يريد أن يبول.
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - خرج إلى المسجد، فقيل: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجني إلا ما أجد من حاقِّ الجوع.
أي من صادقه، ويقولون: فلان والله حاق الرجل، وحاق الشجاع، وحاقة الرجل وحاقة الشجاع.
والمعنى: صادق جنسه في الرجولية والشجاعة.
وروى: من حاق الجوع، وهو من حاق به البلاء يحيق حيقاً وحاقاً: أي من اشتمال الجوع، ويجوز أن يكون بمعنى حائق، كالشاك والنال.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - لما طُعن أُوقظ للصلاة، فقيل: الصلاة يا أمير المؤمنين. فقال: الصلاة والله إذن ولا حقَّ.
أي الصلاة مقضية إذن ولا حق مقضي غيرها؛ كأنه أراد أن في عنق حقوقاً جمة مفترضا عليه الخروج عن عهدتها، وهو غير مقتدر عليه؛ فهب أنه قضى حق الصلاة فما بال الآخر؟ وقيل معناه: ولا حظ في الإسلام لمن تركها. ويحتمل: ولا حظ لي فيها؛ لأنه وجد نفسه على حال سقطت عنه الصلاة فيها؛ وهذا أوقع.
* * * *
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - قال في قُرَّاء القرآن: متى ما تغلوا تحتقروا.
التحاق والاحتقاق: التخاصم، وأن يقول كل واحد: الحق معي.
* * * * في الحديث: لا رأي لحاقن ولا حاقب ولا حازق.
الحاقب: المحصور.
والحازق: الذي ضاق خفه فحزق قدمه، أي ضغطها، وهو فاعل بمعنى مفعول. ويجوز أن يكون بمعنى ذي الحزق، كما قيل في: ماء دافق، وعيشة راضية.
* * * * لا يصلين أحدكم وهو حقن حتى يتخفف.
هو الحاقن.
* * * * ما تصنعون بمحاقلكم.
هي المزارع، الواحدة محقلة.
* * * * حقبه في " ضج " . الحقل في " رب " . حقاق العرفط في " قل " . الحقاق في " نص " . نفج الحقيبة في " خض " . على أحقابها في " خط " . حاقنتي في " سح " . كحق الكهول في " عص " . المحقب في " أم " . كل حقّ في " حق " . حقوت في " حف " . الحقحقة في " سو " .
* * * *
الحاء مع الكاف
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: قال لي أبو جهل بن هشام: والله إني أعلم أن ما يقول محمد صلى الله عليه وآله وسلم حقّ، ولكن قالت بني قصي: فينا الحجابة! فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا اللواء! قلنا: نعم، ثم قالوا: فينا الندوة! قلنا: نعم. ثم قالوا: فينا السقاية! قلنا: نعم. ثم أطعمونا وأطعمنا، حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي؛ والله لا أفعل! أي تماست واصطكت، والمراد تساويهم في الشرف وتشاكلهم في المنزلة. وقيل: تجاثيهم على الركب للتفاخر.
وأراد بالإطعام: الرفادة. كانوا يترافدون فيشترون الجُزر والكعك والسويق، ويطعمون الحاج، ويقولون: نحن أهل الله وجيران بيته، والحاج وفد الله وضيفانه؛ فنحن أولى بقراهم.
وعنى بالندوة تناديهم في دار عبد المطلب للتشاور إذا حزبهم أمر.
* * * * سأله صلى الله عليه وآله وسلم النوّاس بن سمعان عن البر والإثم، فقال: البر حسن الخلق، والإثم ماحك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس.
أي أثر في قلبه وأوهمه أنه ذنب وخطيئة.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: الإثم ماحك في صدرك وإن أفتاك الناس عنه وأقنوك.
أي أرضوك.
ومنه الحديث: إياكم والحكاكات، فإنها المآثم.
أي الأمور التي تحك في الصدور.
وروى: ما حاك، من قولهم: حاك فيه السيف وأحاك.
* * * * عمر رضي الله عنه: إن العبد إذا تواضع رفع الله حكمتهن وقال: انتعش نعشك الله، وإذا تكبر وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض.
الحكمة من الإنسان: أسفل وجهه، ورفع الحكمة كناية عن الإعزاز؛ لأن من صفة الذليل أن ينكس ويضرب بذقنه صدره. وقيل: الحكمة القدر والمنزلة، من قولهم: لا يقدر على هذا من هو أعظم حكمة منك.
وهصه: كسر ودقه.
* * * * أبو هريرة رضي الله تعالى عنه - قال في الكلاب: إذا وردن الحكر الصغير لا تطعمه.
هو الماء المستنقع في وقبة من الأرض، لأنه يحكر أي يجمع ويحبس، من احتكار الطعام.
لا تطعمه: أي لا تشربه. ومنه قوله تعالى: (ومَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فإنَّهُ منِّي).
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قرأت المحكم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وأنا ابن اثنتي عشرة سنة.
يعني المفصل، سمي محكما لأنه لم ينسخ منه شيء، وقيل: يعني ما لم يكن متشابهاً؛ لأنه أُحكم بيانه بنفسه، ولم يفتقر إلى غيره.
* * * * كان الرجل يرث امرأة ذات قرابته، فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله تعالى عن ذلك ونهى عنه.
أي منع، يقال: حكمت الفرس وحكَّمته وأحكمته: إذا قدعته. قال:
أَبنِي حَنِيَفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكم ... إنّي أَخَافُ عليْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا
* * * * كعب رحمه الله - ذكر داراً في الجنة ووصفها، ثم قال: لا ينزلها إلا نبي أو صدّيق، أو شهيد، أو مُحكَّم في نفسه، أو إمام عادل.
هو الذي يخير بين الشرك والقتل فيختار القتل.
ومنه الحديث: إن الجنة للمحكمين - وروى بالكسر، وفُسر بأنه المنصف من نفسه.
* * * * النخعي رحمه الله - حكم اليتيم كما تحكم ولدك.
أي امنعه من الفساد.
* * * * الحكم في " عص " . حكرة في " عي " ز المحكك في " جذ " . الحكم في الأنصار في " دع " . إذ حككت قرحة في " قف " .
* * * *
الحاء مع اللام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن حلوان الكاهن.
هو أجرته، يقال: حلوته كذا، إذا حبوته به، فحُلي به؛ إذا ظفر به. واشتقاقه من الحلاوة.
* * * * أمر معاذا رضي الله تعالى عنه أن يأخذ من كل حالم ديناراً.
قيل: المراد كل من بلغ وقت الحلم، حلم أو لم يحلم.
ومنه الحديث: الغسل يوم الجمعة واجب على كل حالم.
* * * * إن امرأة توفي عنها زوجها، فاشتكت عينها، فأرادوا أن يداووها، فسُئل صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: فكانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها في بيتها إلى الحول، فإذا كان الحول، فمر كلب رمته ببعرة ثم خرجت، أفلا أربعة أشهر وعشراً.
الحلس: كساء يكون على ظهر البعير تحت البرذعة، ويبسط في البيت تحت حر الثياب، وجمعه أحلاس. قال:
ولا تَغُرَّنْكَ أَضْغَانٌ مُزَمَّلة ... قد يُضْرَب الدّبر الدَّامي بأَحْلاسِ
والمعنى أنها كانت في الجاهلية إذا أحدت على زوجها اشتملت بهذا الكساء سنة جرداء، فإذا مضت السنة رمت الكلب ببعرة، ترى أن ذلك أهون عليها من بعرة يُرمى بها كلب، فكيف لا تصبر في الإسلام هذه المدة. وأربعة أشهر منصوب بتمكث مضمرا.
وفي حديثه: إنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذكر الفتن حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله؛ وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي هرب وحرب. فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجلٍ من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني؛ إنما أوليائي المتقون؛ ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء، لا تدع من هذه الأمة أحداً إلا لطمته.
كأن لها أحلاساً تغشيها الناس لظلمتها والتباسها، وهي ذات دواه وشرور راكدة لا تقلع بل تلزم لزوم الأحلاس.
السرَّاء: البطحاء.
الدخن: من دخنت النار دخناً إذا ارتفع دخانها، وقيل: الدخن: الدخان.
من تحت قدمي رجل: أي هو سبب إثارتها.
كورك على ضلع: مثل، أي لا يستقل بالملك ولا يلائمه، كما أن الورك لا يلائم الضلع.
الدهيماء: الداهية.
ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم: مررت على جبرائيل ليلة أُسري بي كالحلس من خشية الله.
ويشبه به الذي لا يبرح منزله، فيقال: هو حلس بيته.
ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه: كن حلس بيتك، حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية.
وكذلك الذي يلزم ظهر فرسه فيقال: هو من أحلاس الخيل.
ومنه حديث معاوية رضي الله عنه، دخل عليه الضحاك بن قيس، فقال معاوية:
تطاولت للضّحاك حتى ردَدْته ... إلى حَسَبٍ في قومه مُتَقَاصِر
فقال الضحاك: قد علم قومنا أنا أحلاس الخيل، فقال: صدقت، أنتم أحلاسها ونحن فرسانها!.
أراد أنتم راضتها وساستها، فتلزمون ظهورها أبداً؛ ونحن أهل الفروسية.
ويحتمل أن يذهب بالأحلاس إلى الأكسية، ويريد أنكم بمنزلتها في الضعة والذلة، كما يقال للمستضعف: بردعة وولية.
* * * * لا يموت لمؤمن ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم.
مثل في القليل المفرط القلة، وهو أن يباشر من الفعل الذي يقسم عليه المقدار الذي يبر به قسمه ويحلله، مثل أن يحلف على النزول بمكان، فلو وقع به وقعة خفيفة فتلك تحلة قسمه. قال ذو الرمة:
طَوَى طيَّة فَوْقَ الكرى جَفْن عَيْنِه ... على رَهباتٍ منْ حَنَاِن المُحَاذِر
قليلاً كَتَحْليل الأُلَى ثم قلَّصت ... به شيمةٌ رَوْعاء تَقْلِيصَ طَائِرِ
والمعنى: لا تمسه النار إلا مسة يسيرة مثل تحليل قسم الحالف، ويحتمل أن يراد بالقسم قوله تعالى: (وإنْ منكم إلاّ وَارِدُها كانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا). لأن ما حتمه الربُّ على نفسه جار في التأكيد مجرى المقسم عليه، ويعني بتحلته الورود والاجتياز.
* * * * لعن من النساء الحالقة والسالقة والخارقة والمنتهشة والممتهشة.
الحالقة: التي تحلق شعرها.
السالقة: التي تصرخ عند المصيبة، والسلق والصلق: الصوت الشديد.
الخارقة: التي تخرق ثوبها.
المنتهشة: التي تخمش وجهها، وتأخذ لحمه بأظفارها، من قولهم: انتهشه الذئب والكلب والحية، وهي عضة سريعة لها مشقة.
الممتهشة، جاء في الحديث: أنها التي تحلق وجهها بالموسى للزينة؛ قيل: كأن هاءها مبدلة من حاء، من المحش، وهو السحج والقشر، يقال: مرَّ بي فمحشني.
* * * * حالف صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في دار أنس التي بالمدينة.
أي آخى بينهم وعاهد.
* * * *
كان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل دعا بشيء نحو الحلاب.
هو المحلب، قال:
صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ ... رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَا في الْحِلاَبِ
ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: كان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء مثل الحلاب، فأخذ بكفه، فبدأ بشقِّ رأسه الأيمن، ثم الأيسر.
وروى: " مثل الجلاب " بالجيم والضم، وفسر بماء الورد، وأنه فارسي معرّب.
* * * * لما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه يوم بدر قال: إنه إنما يستنطق الأنصار شفقاً ألا يستحلبوا معه على ما يريد من أمره.
استحلاب القوم، مثل إحلابهم؛ وهو اجتماعهم للنصرة وإعانتهم، إلا أن في الاستحلاب معنى طلب الفعل وحرص عليه، وأصل الإحلاب: الإعانة على الحلب، ثم كثر حتى استعمل في كل موضع، والمعنى ما يستشيرهم إلا خوفاً من أن يتركوا إعانته. وشفقاً: مفعول له، وحرف الجر محذوف قبل أن. وأن مع ما في حيِّزها منصوبة المحل بالمصدر المفضي إليها بعد حذف الجار.
* * * * أحلوا الله يغفر لكم.
أي أسلموا لله، ومعناه الخروج من حظر الشرك وضيقه إلى حل الإسلام وسعته، من أحلَّ المحرم.
وروى: " أجلوا بالجيم " ، أي قولوا له: يا ذا الجلال، وآمنوا بعظمته وجلاله.
* * * * لا أُتي بحال ولا محلل له إلا رجمتها.
يقال: حللت لفلان امرأته فأنا حالٌ وهو محلول له: إذا نكحها لتحل للزوج الأول، وهو من حل العقدة. ويقال: أحللتها له وحللتها.
وعنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إنه لعن المُحلل والمحلَّل له.
وروى: لعن المُحِلَّ والمُحَلَّ له.
* * * * سُئل صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال: الحالّ المرتحل. قيل وما ذاك؟ قال: الخاتم المفتتح.
أراد الرجل المواصل لتلاوة القرآن الذي يختمه ثم يفتتحه، شبهه بالمسافر الذي لا يقدم على أهله فيحل إلا أنشأ سفرا آخر فارتحل.
وقيل: أراد الغازي الذي لا يقفل عن غزو فيختمه إلا عقَّبه بآخر يفتتحه.
والتقدير عمل الحال المرتحل، فحذف لأنه معلوم.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - مرَّ بالنهدية إحدى مواليه، وهي تطحن لمولاتها وهي تقول: والله لا أعتقك حتى يعتقك صباتك، فقال أبو بكر رضي الله عنه: حلاًّ أم فلان! واشتراها فأعتقها.
حلاًّ: بمعنى تحللاً، من تحلل في يمينه إذا استثنى، وهو في حذف الزوائد منه ورده إلى ثلاثة أحرف للتخفيف نظير عمرك الله، بمعنى تعميرك الله، وانتصابه بفعل مضمر تقديره تحللي حلاًّ.
قال عبيد:
حِلاًّ أَبَيت اللَّعْن حِلاًّ ... إنَّ فيما قُلْتَ آمَهْ
يقال هذا لمن يحلف على ما ليس بمرضي؛ ليكون له سبيل بالاستثناء إلى إتيان المرضى مع إبرار اليمين، وأرادت بالصباة المسلمين، أي حتى يشتريك بعضهم فيعتقك.
الموالي: جمع مولى ومولاة، لأن مفعلا ومفعلة يجمعان على مفاعل.
* * * * عمر رضي الله عنه - قضى في الأرنب يقتلها المحرم بحُلام - وروى بالنون.
الحُلاَّن: الجدي أو الحمل، يسمى بذلك حين تضعه أمه فيحل بالأرض، ويلزمه ما دام صغيراً. قال ابن أحمر:
يُهْدَى إليه ذِرْاُع الْجَدْيِ تَكْرِمَةً ... إِمَّا ذَبِيحاً وإمَّا كان حُلاّناً
أراد إما كبيراً قد استحق أن يذبح، وإما صغيراً قريب العهد بالوضع.
وأما الحلام فميمه بدل من النون، وقيل: هو الصغير الذي حلَّمه الرضا، أي سمَّنه؛ من تحلم الصبي إذا سمن واكتنز.
وفي حديث عثمان رضي الله عنه: إنه قضى في أم حبين بحُلان.
* * * * من كان حليفاً أو عريراً في قوم عقلوا عنه ونصروه فميراثه لهم، إذا لم يكن له وارثٌ معلوم.
الحليف: المحالف، وهو المعاهد.
والعرير: النزيل فيهم ليس من أنفسهم؛ من عرَّه واعتراه، إذا غشيه.
عقلوا عنه، أي وجبت عليه دية فأدوها عنه.
* * * * إن علياً عليه السلام أرسل أم كلثوم إليه وهي صغيرة، فقالت: إن أبي يقول لك: هل رضيت الحُلَّة؟ فقال: نعم قد رضيتها.
كان قد خطب إلى علي عليه السلام ابنته، فاعتذر إليه بصغرها، وأرسلها إليه ليراها إعذاراً، وجعل الحُلة كناية عنها، وقد يكنى عن النساء باللباس.
* * * *
أبو ذر رضي الله عنه - قال لحبيب بن مسلمة: هل يوافقكم عدوكم حلب شاة نثور؟ وروى: فتوح. قال: أي والله وأربع عزز، فقال: غللتم والله.
الحلب بالتحريك: مصدر حلب، والمعنى وقت حلب شاة، فحذف؛ ومثله قولهم: آتيك خفوق النجم.
النثور والفتوح: الواسعة الإحليل، كأنها تنثر الدر نثراً وتفتح سبيله فتحاً. أي بمعنى نعم؛ إلا أنها تختص باإتيان مع القسم؛ إيجاباً لما سبقه من الاستعلام، ونعم تأتي مع القسم وغيره.
العزز: جمع عزوز، وهي الضيقة الإحليل، كأنها تعز حالبها على الدر، أي تغلبه عليه وتمنعه إياه.
غللتم، أي خنتم في القول ولم تصدقوا.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - لما نزل تحريم الخمر كنا نعمد إلى الحلقانة، وهي التذنوبة، فنقطع ما ذنب منها حتى نخلص إلى البسر ثم نفتضخه.
إذا بلغ الإرطاب ثلثي البسر فهو حلقان، ووزنها فعلال؛ لأن نونها يقضي على إصالتها قولهم: حلقن البسر فهو محلقن. ونظيره دهقان وشيطان نص سيبويه على أن نونيهما أصليتان مستدلاًّ بتدهقن وتشيطن، وإذا رطَّب من قبل ذنابه فهو التَّذنوب وقد ذنّب.
افتضاخه: أن يفضخ باليد، وهو شدخه، فيتخذ منه شراب يسمونه الفضيخ.
* * * * كان يتوضأ إلى نصف الساق ويقول: إن الحلية تبلغ مواضع الوضوء.
أراد بالحلية التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء. من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن أمتي يوم القيامة غرّ من السجود محجلون من أثر الوضوء.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - إن حل ليوطي ويؤذي ويشغل عن ذكر الله.
هو زجر للناقة، والمعنى: إن حثك الناقة والتصويت بها في الإفاضة من عرفات يؤدي إلى ذلك فسر على هينتك.
* * * * لقيه عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف في خلافة عمر، فقال: كيف ترون ولاية هذا الأحلافي؟ قال: وجدنا ولاية صاحبه المطيبي خيراً من ولايته.
كانت الرياسة في بني عبد مناف، والحجابة في بني عبد الدار، فأراد بنو عبد مناف أن يأخذوا ما لعبد الدار، فحالف عبد الدار بني سهم ليمنعوهم، فعمدت أم حكيم بنت عبد المطلب إلى جفنة فملأتها خلوقاً، ووضعتها في الحجر، وقالت: من تطيب بهذا فهو منا؛ فتطيب به عبد مناف وأسد وزهرة وبنو تميم؛ فسموا المطيبين، فالمطيبي أبو بكر؛ لأنه من تيم. ونحر بنو سهم جزوراً؛ وقالوا: من أدخل يده في دمها فهو منا؛ فأدخلت أيديها بنو سهم وبنو عبد الدار وجمح وعدي ومخزوم وتحالفوا؛ فسموا أحلافاً؛ فالأحلافي عمر؛ لأنه من عدي.
ويروى: إنه لما صاحت الصائحة على عمر قالت: وا سيد الأحلاف! قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: والمحتلف عليهم؛ يعني المطيبين.
النسبة إلى الأحلاف كالنسبة إلى الأبناء في قولهم أبنائي.
ومنه حديث المغيرة: إنه خرج مع ستة نفر من بني مالك إلى مصر فعدا عليهم، فقتلهم جميعاً، واستاق العير، ولحق برسول الله، فاجتمعت الأحلاف إلى عروة بن مسعود فقالوا: ما ظنك بأبي عمير سيد بني مالك؟ قال: ظني والله أنكم لا تتفرقون حتى تروه يخلج أو يحلج في قومه، كأنه أمة مخرَّبة، ولا ينتهي حتى يبلغ ما يريد ويرضى من رجاله، فما تفرقوا حتى نظروا إليه قد تكتب يزف في قومه.
يخلج: يمشي مسرعا في حثِّ قومه فيحرك في مشيه يديه وأعضاءه فعل الخالج وهو الجاذب.
يحلج: يسرع، من قول العجاج:
تُواضخُ التقريب قِلوا مِحْلَجَا
المخرَّبة: المثقوبة الآذان، من الخربة؛ شبهه بأمة سندية لشدة أدمة لونه.
تكتب: حزَّم، وجمع عليه ثيابه.
يزف: من الزفيف، وهو الإسراع.
* * * * أنس - كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي العصر والشمس بيضاء محلِّقة، فأرجع إلى أهلي فأقول: صلوا.
أي مرتفعة، من حلق الطائر: إذا ارتفع في طيرانه، ومنه الحالق، وهو المكان المشرف، يقال: هوى من حالق.
* * * * عائشة رضي الله عنها - قالت لامرأة مرت بها: ما أطول ذيلها! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اغتبتها، قومي إليها فتحلليها.
التحلل والاستحلال: طلبك إلى الرجل أن يجعلك في حِلّ.
وفي الحديث: من كانت عنده مظلمة من أخيه فليستحله.
* * * * عدي رضي الله عنه - لا يتحلجن في صدرك طعام ضارعت فيه النصرانية.
يقال: دع ما تحلَّج في صدرك وما تخلَّج، أي اضطرب فيه ريب منه، والمعنى: إنه نظيف لا ترتابن فيه.
* * * *
النخعي رحمه الله - قال في المحرم يعدو عليه السبع أو اللص: أحلّ بمن أحلّ بك.
أي من ترك الإحرام وأحلّ بك فقاتلك فأحلل به أنت أيضا وقاتله.
وفي حديث آخر: من حلّ بك فاحلل به.
يقال: حلَّ المحرم صار حلالا، وأحلَّ: دخل في الحلّ.
* * * * الزهري رحمه الله تعالى - ذكر شأن الفيل، وأن قريشا أجلت عن الحرم، ولزمه عبد المطلب، وقال: والله لا أخرج من حرم الله أبتي العز في غيره، وقال:
لا هُمَّ إنَّ المَرْءَ يَمنَعُ رَحْلَه فامْنَعْ حِلاَلَك
لا يَغْلبنَّ صَلِيبُهم ... ومِحَالهم غَدْواً مِحَالك
وأنه رأى في المنام فقيل له: احفر تكتم، بين الفرث والدم. قال: فحفرها القرار، ثم بحرها حتى لا تنزف.
قوم حلة وحلال: أي كانوا مقيمين متجاورين، يريد سكان الحرم.
المحال: الكيد، والاصل في المحل الشدة.
تكتم: من أسماء زمزم؛ لأنها كانت مكتومة، وقد اندفنت بعد أيام جرهم حتى أظهرها عبد المطلب.
بحرها: شقها وأوسعها.
الميمان في لاهم عوض عن حرف النداء عند أصحابنا البصريين.
الغدو: أصل الغدو تامّه، ولم يرد اليوم الذي بعد يومه، وإنما أراد ما قرب من الأوقات المستقبلة، وقد يجري مثل هذا التجوز في اليوم والأمس.
* * * * في الحديث: دب إليكم داء الأمم من قبلكم البغضاء والحالقة.
هي قطيعة الرحم والتظالم، لأنها تجتاح الناس وتهلكهم، كما يحلق الشعر، يقال: وقعت فيهم حالقة لا تدع شيئا إلا أهلكته.
* * * * من تحلم ما لم يحلم.
أي من تكلف حلما لم يره فقد أساء وفعل منكرا.
* * * * حين حلها في " وق " . لحلاوة القفا في " هو " . بفصيل محلول في " خل " . الحلقة في " صف " وفي " ند " . وحلبها على الماء في " طر " . حلبانة في " غف " . حلب امرأة في " نض " . أحلاس الخيل في " جر " . على حلقة في " هت " . ولا حلوب في " بر " . استحلسنا الخوف في " حر " . محلس أخفافها في " نج " . حلأتهم في " بد " . حلاَّ في " قو " . حلقة القوم في " ثل " . حلقي في " عق " . الحلأ في " جل " . أهل الحلقة في " قد " . محلٌّ بقومك في " به " .
* * * *
الحاء مع الميم
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - الحمد رأس الشكر، وما شكر الله عبدٌ إلا بحمده.
الشكر لا يكون إلا على نعمة، وهو مقابلتها قولا وعملا ونية، وذلك أن يثني على المنعم بلسانه، ويدئب نفسه في الطاعة له، ويعتقد أنه ولي النعمة، وقد جمعها الشاعر في قوله:
أَفادَتكُم النعماءُ منِّي ثلاثة ... يَدِي ولِسَاني والضمِيرَ المحجَّبا
وهو من قولهم: شكرت الإبل: إذا أصابت مرعى فغزرت عليه، وفرس شكور إذا عُلف فسمن. وأما الحمد فهو المدح والوصف بالجميل، وهو شعبة واحدة من شعب الشكر، وإنما كان رأسه؛ لأن فيه إظهار النعم والنداء عليها والإشارة بها.
* * * * في كتابه صلى الله عليه وآله وسلم: أما بعد فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أي أنهى إليك أن الله محمود.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إني أحمد إليكم غسل الإحليل.
معناه: أرضاه لكم وأُفضي إليكم بأنه فعل محمود مرضي.
* * * * لقي صلى الله عليه وسلم العدو في بعض مغازيه، فقال: " حم لا يُنصرون " .
وفي حديث آخر: إن بيتم الليلة فقولوا: " حم لا يُنصرون " .
قيل " إن حم من أسماء الله تعالى، وإن المعنى اللهم لا يُنصرون، وفي هذا نظر؛ لأن حم ليس بمذكور في أسماء الله المعدودة، ولأن أسماءه تقدست ما منها شيء إلا وهو صفة مفصحة عن ثناءٍ وتمجيد، وحم ليس إلا اسمي حرفين من حروف المعجم، فلا معنى تحته يصلح لأن يكون به تلك المثابة، ولأنه لو كان اسماً كسائر الأسماء لوجب أن يكون في آخره إعراب؛ لأنه عارٍ من علل البناء؛ ألا ترى أن قاتل محمد بن طلحة بن عبيد الله لما جعله اسما للسورة كيف أعربه، فقال:
يُذَكِّرُني حامِيمَ والرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلاَّ تَلاَ حامِيمَ قبل التَّقَدُّمِ
منعه من الصرف لأنه علم ومؤنث، والذي يؤدي إليه النظر أن السور السبع التي في أوائلها حم سور لها شأن.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إذا وقعت في آل حم فكأني وقعت في روضات دمثات.
فنبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن ذكرها لشرف منزلتها، وفخامة شأنها عند الله عز وجل مما يستظهر به على استنزال رحمة الله في نصرة المسلمين، وفلّ شوكة الكفار، وفضّ خدمتهم.
وقوله: لا ينصرون كلام مستأنف. كأنه حين قال قولوا: حم قال له قائل: ماذا يكون إذا قيلت هذه الكلمة؟ فقال: لا ينصرون.
وفيه وجه آخر؛ وهو أن يكون المعنى وربّ - أو مومُنزل حم لا ينصرون.
* * * * قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقلة كنت أجتنيها - وكان يكنى أبا حمزة.
سُميت لحرافتها بالحمزة وهي اللذعة.
ويحكى أن أعرابياً تغدَّى مع قوم فاعتمد على الخردل فقالوا: ما يعجبك منه؟ فقال: حراوته وحمزه.
* * * * قال جبير بن مطعم رضي الله عنه " أضللت بعيراً لي يوم عرفة، فخرجت أطلبه حتى أتيت عرفة؛ فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله واقفاً بعرفة مع الناس، فقلت: هذا من الحُمس؛ فماله خرج من الحرم؟ الحمس: قريش ومن دان بدينهم في الجاهلية، واحدهم أحمس؛ سموا لتحمسهم أي تشددهم في دينهم. والحمسة: الحرمة مشتقة من اسم الحمس، لحرمتهم بنزولهم الحرم، وكانوا لا يخرجون من الحرم، ويقولون: نحن أهل الله، لسنا كسائر الناس؛ فلا نخرج من حرم الله، وكان الناس يقفون بعرفة وهي خارج الحرم، وهم كانوا يقفون فيه حتى نزل: (ثُمَّ أََِفيضُوا مِنْ حيثُ أفاضَ النَّاسُ).
فوقفوا بعرفة، فلما رأى جبير رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعرفة، ولم يعلم نزول هذه الآية أنكر وقوفه خارج الحرم.
رسول الله: مبتدأ وخبره فإذا، كقولك: في الدار زيد.
وواقفا: حال عمل ما في إذا من معنى الفعل.
* * * * الحميل غارم.
هو الكفيل، يقال حمل به يحمل حمالة.
* * * * إن قوما من أصحابه صلى الله عليه وسلم أخذوا فرخي حُمَّرة، فجاءت الحُمَّرة فجعلت تفرّش.
هي طائر بعظم العصفور، وتكون دهساء وكدراء ورقشاء.
التفرش: أن تقرب من الأرض فترفرف بجناحيها. قال أبو داود:
فأَتَانَا يَسْعَى تَفَرُّشَ أمّ الْبَيْضِ شدًّا وقَدْ تَعَالى النَّهار
* * * * إن وفد ثقيف لما انصرف كل رجل منهم إلى حامَّته قالوا: أتينا رجلاً فظَّا غليظا، قد أظهر السيف، وأداخ العرب، ودان له الناس، وكان لهم بيت يسمونه الربة كانوا يضاهون به بيت الله الحرام، وكان يستر ويهدي اليه، فلما أسلموا جاء المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين فهدمها، فبهت ثقيف، وقالت عجوز منهم: أسلمها الرُّضَّاع وتركوا المصاع.
الحامة: الخاصة.
أداخ: أذلَّ.
دان: أطاع كرها.
الكرزين: الفأس.
الرُّضَّاع: اللئام، جمع راضع، والفعل منه رضع.
المصاع: المماصعة وهي المجالدة.
* * * * بعثت إلى الأحمر والأسود.
أي إلى العجم والعرب؛ لأن الغالب على ألوان العجم الحمرة والبياض، وعلى ألوان العرب الأدمة والسمرة.
وعنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض.
هما الذهب والفضة.
وأما حديث ابن شجرة: أن عمر رضي الله عنه كان يبعثه على الجيوش، فخطب الناس فقال: اذكروا نعمة الله عليكم، ما أحسن نعمته عليكم إن كنتم ترون! ما أرى مما بين أحمر وأصفر وأخضر وأبيض، وفي الرحال ما فيها، إلا أنه إذا التقى الصفان في سبيل الله فُتحت أبواب السماء وأبواب الجنة وأبواب النار، وتزيَّن الحور العين، فإذا أقبل الرجل بوجهه إلى القتال قلن: اللهم ثبته، اللهم انصره. وإذا أدبر احتجبن منه، وقلن: اللهم اغفر له، فانهكوا وجوه القوم، فدى لكم أبي وأمي! ولا تخزوا الحور العين.
فإنه يريد بالألوان التي ذكرها زهرة الدنيا وحسن هيئة القوم في لباسهم.
النهك: الجهد والإضناء.
الفدى - بفتح الفاء مقصور بمعنى الفداء.
لا تُخزوا: من الخزاية وهي الحياء.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - إن أبا الأعور السلمي دخل عليه فقال: إنا قد جئناك في غير محمَّة ولا عدم.
المحمة: الحاجة الحاضرة المهمة، يقال: أحم الأمر إذا دنا، قال:
حَيِّيَا ذَاكما الغَزَالَ الأَجمّا ... إن يكن ذاكما الفِرَاقُ أَحَمَّا
* * * * عمر رضي الله عنه - لا يدخلن رجل على امرأة وإن قيل حموها، ألا حموها الموت!
والأحماء: أقرباء الزوج كالأب والأخ والعم وغيرهم، الواحد حم في غير الإضافة، وإذا أضيف قيل: هذا حموها، ورأيت حماها، ومررت بحميها، وهو أحد الأسماء الستة التي إعرابها بالحروف مضافة، ويقال أيضاً: هذا حما كقفا وهو حماها.
وقوله: ألا حموها الموت معناه أن حماها الغاية في الشر و الفساد، فشبهه بالموت؛ لأنه قصارى كل بلاء وشدة، وذلك أنه شر نت الغريب من حيث أنه آمن مدل، والأجنبي متخوف مترقب، ويُحتمل أن يكون دعاء عليها، أي كأن الموت منها بمنزلة الحم الداخل عليها إن رضيت بذلك.
* * * * قال لرجل: مالي أراك محجماً.
التحميج: إدامة للنظر مع فتح العين وإدارة الحدقة. قال:
وحَمَّجَ للجَبَانِ المَوْ ... تُ حتى قَلْبُهُ يجِبُ
والتحميج مثله.
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أنه اختصم إليه ناس من قريش، وجاءه شهود يشهدون فطفق المشهود عليه يجمح إلى الشاهد النظر.
* * * * أمير المؤمنين علي عليه السلام - كنا إذا احمرَّ البأس اتقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فلم يكن أحد أقرب إلى العدو منه.
أي اشتدت الحرب. ومنه: موت أحمر، وهو مأخوذ من لون السبع، كأنه سبع إذا أهوى إلى الإنسان.
اتَّقينا به: أي استقبلنا به العدو.
* * * * أتاه الأشعث بن قيس وهو على المنبر فقال: غلَّبتنا عليك هذه الحمراء، فقال علي: من يعذرني من هؤلاء الضياطرة، يتخلف أحدهم يتقلب على حشاياه وهؤلاء يهجرون إلى أن طردتهم، إني إذاً لمن الظالمين، والله لقد سمعته يقول: ليضربنكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءًا.
الحمراء: العجم.
الضياطرة: جمع ضيطر، وهو الضخم الذي لا غناء عنده.
التهجير: الخروج في الهاجرة.
الضمير في " سمعته " للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وفي " ليضربنكم " للعجم.
* * * * وعنه: إنه قد عارضه رجل من الموالي فقال: اسكت يا ابن حمراء العجان.
أراد يا ابن الأمة. قال جرير:
إذا ما قلتُ قافيةً شرودا ... تَنَحَّلَهَا ابنُ حَمْرَاءِ العِجَانِ
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - كان حمش الساقين.
أي دقيقهما.
ومنه حديث ابن الحنفية: إنه ذكر رجلا يلي الأمر بعد السفياني، فقالك حمش الذراعين والساقين، مصفح الرأس، غائر العينين، يكون بين شثٍ وطبَّاق.
المصفح: العريض.
الشث والطباق: شجران ينبتان ببلاد تهامة والحجاز، أي يخرج بالمواضع التي هي منابت هذين.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - سُئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: أحمزها.
أي أمتنها وأقواها، من قولهم: رجل حميز الفؤاد وحامزه.
* * * * كان يقول: إذا أفاض من عنده في الحديث بعد القرآن والتفسير: أحمضوا.
يقال: أحمضت الإبل، وحمضت: إذا رعت الحمض عند سآمتها من الخلة، فضرب ذلك مثلا لخوضهم في الأحاديث وأخبار العرب إذا ملوا تفسير القرآن.
ومنه حديث الزهري رحمه الله: الأذن مجاجة وللنفس حمضة.
* * * * حاجّ عمرو بن العاص عند معاوية رضي الله عنهم في آية، فقال عمرو: تغرب في عين حامية، وقال ابن عباس: حمئة، فلما خرج إذا رجل من الأزد قال له: بلغني ما بينكما، ولو كنت عندك أفدتك بأبيات قالها تبّع:
فَرَأَى مغارَ الشمسِ عِنْدَ غُرُوبها ... في عَين ذي خُلُب وثَأْطٍ حَرْمَدِ
فقال: اكتبها يا غلام.
حامية: حارة.
حمئة: ذات حمأة.
الخلب: الطين اللزج وماء مخلب.
الثأط: الحمأة.
والحرمد: الأسود.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يتوضأ ويغتسل بالحميم.
هو الماء الحار.
* * * * قال سعيد بن يسار: قلت له: كيف تقول في التحميض؟ قال: وما التحميض؟ قلت: أن تؤتى المرأة في دبرها. قال: هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! كنى عن ذلك بتحميض الإبل إذا سئمت الخلة.
* * * * المسور رضي الله عنه - ذكر حليمة بنت عبد الله بن الحارث، وأنها خرجت في سنة حمراء قد برت المال، وخرجت بابنها عبد الله ترضعه، ومعها أتان قمراء تُدعى سدرة، وشارف دلقاء يقال لها سمراء لقوح قد مات سقبها بالرأس.
الحمراء: المقحطة.
برت المال: أي هزلت الإبل، والمال عند العرب الإبل؛ لأنها معظم مالها.
قال النابغة:
ونَمْنَح المالَ في الأَمْحَال والغنما
القمراء: البيضاء، ويقال: حمار أقمر.
الشارف: المسنة.
الدلقاء: التي ذهبت أسنانها، ويقال لها الدلوق أيضاً.
* * * * أنس رضي الله عنه - كان يقيم بمكة فإذا حمم رأسه خرج فاعتمر.
هو أن ينبت بعد الحلق فيسود، من حمم الفرخ: إذا اسودَّ جلده من الريش، وحمم وجه الغلام.
* * * * كعب رحمه الله - أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب السالفة: محمد، وأحمد، والمتوكل، والمختار، وحمياطا، وفار قليطا.
معنى حمياطا: حامي الحرم.
وفار قليطا: يفرق بين الحق والباطل.
* * * * شريح رحمه الله - كان يردُّ الحمَّارة من الخيل.
الحمَّارة والحمّار: الخيل التي تعدو عدو الحمير. وقيل: الحمَّارة: أصحاب الحمير كالبغالة والجمَّالة.
والخيل: أصحاب الخيل، من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: يا خيل الله اركبي.
والمعنى: إنه ردَّهم فلم يلحقهم بالفرسان في السهام.
* * * * مسلمة - كان يقول في خطبته: إن أقل الناس في الدنيا همَّا أقلهم حمّا.
هو المتعة، من تحميم المطلقة، وهي أن تمتَّع بثوب أو نحوه. قال:
أنتَ الذي وَهَبْتَ زيداً بعدما ... هَمَمْتُ بالعَجُوزِ أَنْ تُحَمَّما
* * * * في الحديث: في حديث ذي الثدية المقتول بالنهروان: إنه كان له ثدية مثل ثدي المرأة إذا مدت امتدت وإذا تركت تحمصَّت.
أي تقبَّضت. ومنه: حمص الورم: إذا سكن وحمصه الدواء.
* * * * إنما مثل العالم كالحمة تكون في الأرض، يأتيها البعداء، ويتركها القرباء، فبينا هم كذلك إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم وبقي قوم يتفكنون.
هي عين حارة الماء يستشفي بها.
يتفكنون: يتندمون ويتعجبون من شأن أنفسهم وما فرطوا فيه من طلب حظهم مع إمكانه وسهولة مأخذه.
والفكن والفنك: العجب، وقيل: تفكَّن وتفكَّر بمعنى.
* * * * ذا الحممة في " بج " . حمة زغر في " زو " . حمة كل دابة في " غر " . الحمم الأسود في " هض " . حميت في " خذ " . حمة النهاضات في " هم " . حماديات في " سد " . حممها في " خذ " . أحماس في " فر " . يحمش في " زن " . حمنانة في " قر " . الحميدات في " حو " . وتحامل في " فق " . المحماة في " غم " . والحمة في " هم " . سنة حمراء في " صب " . استحمق في " مه " . حمش الساقين في " صه " .
* * * *
الحاء مع النون
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - كان يحنِّك أولاد الأنصار.
هو أن يمضغ التمر ويدلكه بحنكه. يقال: حنك الصبي وحنَّكه.
* * * * كانوا معه صلى الله عليه وسلم فأشرفوا على حرة واقم، فإذا قبور بمحنية.
هي مفعلة، من حنى، وهي منعطف الوادي ومنحناه.
* * * * لا تزال الأمة على شريعة ما لم يظهر فيهم ثلاث: ما لم يُقبض منهم العلم، ويُكثر فيهم أولاد الحنث، ويظهر فيهم السقارون. قالوا ما السقارون يا رسول الله؟ قال: نشءٌ يكونون في آخر الزمان تحيتهم إذا التقوا التلاعن.
الذنب العظيم سمي بالحنث، وهو العدل الكبير الثقيل. وقيل للزنا: حنث، لأنه من العظائم.
السَّقار والصَّقّار: اللعان لمن لا يستحق اللعن، سُمي بذلك؛ لأنه يضرب الناس بلسانه، من الصقر، وهو ضربك الصخرة بمعول وهو الصاقور. ومنه الصقر لأنه يصقر الصيد؛ أي يضربه بقوة.
النشءُ: القرن الذي ينشأ بعد قرن مضى، وهو مصدر كالضيف.
* * * * عمر رضي الله عنه - لما قال ابن أبي معيط: أ أقتل من بين قريش؟ قال عمر: حنَّ قدح ليس منها.
ضربه مثلاً لإدخاله نفسه في قريش، وليس منهم، وأصله أن يستعار قدح فيضرب مع القداح فيصوت صوتا يخالف أصواتها.
* * * * لا يصلح هذا الأمر إلا لمن لا يحنق على جرّته.
يقال: ما يكظم فلان على جرة، وما يحنق على جرة: إذا لم ينطو على حقد ودخل، وأصل ذلك في البعير أن يفيض بجرته، وهو أن يقذف بها ولا يضمر عليها، والإحناق: لحوق البطن والتصاقه. قال أوس:
وجَلَّي بها حتى إذا هي أَحْنَقَتْ ... وأَشْرَف فَوْقَ الحالِبين الشَّرِاسِف
وإنما وضع موضع الكظم من حيث أن الاجترار ينفخ البطن والكظم بخلافه.
* * * * طلحة - قال لعمر ضي الله عنهما حين استشارهم في جموع الأعاجم: قد حنَّكتك الأمورن وجرَّستك الدهور، وعجمتك البلايا، فأنت ولي ما وليت، لا ننبو في يديك، ولا نخول عليك.
حنَّكتك الأمور وأحنكته وحنَّكته: إذا أدَّبته وراضتهن وهو حنيك ومحنّك ومُحْنَك، واحتنك فهو مُحْتَنك، وأصله من قولهم: حنك الفرس يحنكه: إذا جعل في حنكه الأسفل حبلا يقوده به.
جرَّسته: أحكمته، وهو من جرَّست بالقوم: إذا سمعت بهم، كأنه ارتكب أموراً لم يهتد الإصابة فيها، فعُنف وصيح به وأنحي عليه باللوائم حتى تعلم واستحكم.
عجمتك: من عجم العود؛ وهو عضه ليعرف صلابته من رخاوته، ومن فصيح كلامهم ما حكاه أبو زيد من قولهم: إني لتعجمك عيني؛ يريدون يخيل إليّ أني قد رأيتك.
لا نخول: لا نتكبر. قال:
فإنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا ... وإن كُنْتَ لِلْخَالِ فاذْهَبْ فَخُلْ
وهو مع الخيلاء والخيل شاذ.
لا ننبو في يديك: أي نحن لك كالسيوف الباترة.
* * * * أبو ذر رضي الله عنه - لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا ما نفعكم ذلك، حتى تحبوا آل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
وعنه: لو صليتم حتى تكونوا كالأوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا ما نفعكم ذلك إلا بنية صادقة وورع صادق.
الحنية: القوس بلا وتر، وقيل: العقد المضروب، وقيل كل منحن.
والمعنى حتى تحدبوا وتنحنوا مما تجهدون أنفسكم فتصيروا كالقسي، أو العقود في انحنائها وانعطافها، أو كالأوتار في الدقة من الهزال.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - الكلاب من الحن - وهي ضعفة الجن - فإذا غشيتكم عند طعامكم فألقوا لهن، فإنَّ لهنَّ أنفسا.
الحن: من حن عليه إذا رقّ وأشفق، قال:
ولابد من قَتْلَى فَعَلَّكَ منْهُمُ ... وإلاّ فجُرْحٌ لا يحِنُّ على العَظْمِ
والرقة والضعف من واد واحد، ألا ترى إلى قولهم: رقاق القلوب وضعاف القلوب، كما يقولون: غلاظ القلوب وأقوياء القلوب، ويحتمل أن يكون من أحن إحنانا إذا أخطأ؛ لأن الأبصار تخطئها ولا تدركها، كما أن الجن من الاجتنان عن العيون.
الأنفس: جمع نفس، وهي العين.
* * * * عمرو رضي الله عنه - إن ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها، وألقت إليه أفلاذ كبدها، ونقت له مخَّتها، وأطعمته شحمتها، وأمطرت له جوداً سال منه شعابها، ودفقت في محافلها، فمصَّ منها مصَّاً، وقمص منها قمصا، وجانب غمرتها، ومشى ضحضاحها وما ابتلت قدماه، ألا كذلك أيها الناس؟ قالوا: نعم رحمه الله! حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومي أم عمر بن الخطاب.
البعج: الشق، يعني أظهرت له ما أن مخبوءًا من غيره.
الأفلاذ: جمع فلذ وهو القطعة من الكبد؛ أي ملَّكته كنوزها وأفاءت عليه أموالها.
المحافل: حيث يحتفل الماء جمع محفل أو محتفل.
مصّ منها، أي نال اليسير.
قمص: نفر وأعرض.
الضحضاح: ما رقّ من الماء على وجه الأرض.
ما ابتلت قدماه: أي لم يتعلق منها بشيء. نصب ضحضاحها على أحد وجهين: إما على حذف الجار وإيصال الفعل، أو تأوّل مشى بخاض وسلك وما أشبه ذلك.
* * * * بلال رضي الله تعالى عنه - مر عليه ورقة بن نوفل وهو يعذَّب، فقال: والله لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً.
أراد لأجعلن قبره موضع حنان، أي مظنة من رحمة الله فاتمسح به متبركا، كما كان يتمسح بقبور الصالحين الذين قتلوا في سبيل الله في الأمم الماضية، فيرجع ذلك عاراً عليكم وسبَّةً عند الناس.
وورقة هو ابن عم خديجة رضي الله تعالى عنها، وهو أحد من كان على دين عيسى عليه السلام قبيل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
* * * * ابن المسيب رحمه الله - من قتل قراداً أو حُنظباناً وهو محرم تصدَّق بتمرة أو بتمرتين.
وقال له ابن حمزة: قتلت قُراداً او حنظبا، فقال: تصدَّق بتمرة.
هما ذكر الخنافس، وقد يفتح ظاء حنظب، وهذا عند سيبويه دليل على زيادة النون، وأنّ الوزن فنعل لأن فعللا ليس بثبت عنده، ويجب على قياس مذهبه أن يُشتق من حظب، إذا سمن.
* * * * عطاء رحمه الله - قال ابن جريج قلت لعطاء: أي الحناط أحب إليك؟ قال: الكافور، قلت: فأين يجعل منه؟ قال: في مرافقه، قلت: وفي بطنه؟ قال: نعم! قلت: وفي رفغي رجليه ومآبضه! قال: نعم! قلت: وفي عينيه وأنفه وأُذنيه؟ قال: نعم. قلت: أيابسا يُجعل الكافور أم يُبل بماء؟ قال: لا، بل يابساً. قلت: أتكره المسك حِناطا؟ قال: نعم.
الحنوط والحناط: كل ما يطيب به الميت.
المآبض: بواطن الركبتين.
الرفغ: أصل الفخذ.
حناطا نصب على التمييز.
* * * * في الحديث - لاتزوجن حنَّانة ولا منَّانة.
أي امرأة كان لها زوج قبلك، فهي تذكره بالتحزن والحنين إليه. ولا أنسب منك، فهي تمنُّ علايك بصحبتها.
* * * * إن ثمودا لما استيقنوا بالعذاب تكفنوا بالأنطاع وتحنطوا بالصبر.
أي جعلوا حنوطهم الصبر.
* * * * الحنتم في " دب " . والحنوة في " فش " . في حندسه في " نح " . فيتحنث في " حر " . الحانية في " سف " . أحنف الرجل في " صع " . الحنش في " غر " . حنانيك في " لب " .
* * * *
الحاء مع الواو
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - خير الخيل الحوّ.
الحوّة: كمتة يعلوها سواد، وقد حوى، وهو أحوى، والجمع حوّ. قال طفيل:
وِرَاداً وحُوَّا مُشْرِفاً حَجَبَاتُها ... بَناتُ حِصانٍ قد تُعُولِمَ مُنْجِبِ
* * * * قال له صلى الله عليه وآله وسلم رجل: يا رسول الله؛ هل عليَّ في مالي شيء إذا أديت زكاته؟ فقال: فأين ما تحاوت عليك الفضول.
التحاوي: تفاعل من الحواية، وهي الجمع. وما موصلة وما يجب من الضمير الراجع إليها في الصلة محذوف، والتقدير تحاوته.
والفضول: جمع فضل وهو ما فضل من المال عن حوائجه.
والمعنى: فأين الحقوق التي تحاوتها عليك فضول المال من الصدقات والمكارم.
ومن يرويه: تحاوأت فوجهه إن صحت روايته أن يكون في الشذوذ كقولهم: حلأت السويق، ولبأت في الحج.
* * * كان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر قال: آيبون تائبون لربنا حامدون حوباً حوباً.
حوب: زجر للجمل، يقولون: حوب لا مشيت، وفي كلامهم بعضهم: حوب حوب، إنه يوم دعق وشوب، لا لعا لبني الصوب. وقد سمي به الجمل، فقيل له: الحوب. قال يصف كنانته:
هِيَ ابْنَةُ حَوْبٍ أمّ تِسْعينَ آزَرَتْ ... أخا ثِقَةٍ تمْرِي جَباهَا ذَوَائِبُه
ويجوز فيه ما يجوز في أف من الحركات الثلاث والتنوين إذا نكر، فقوله: حوبا حوبا بمنزلة قولك: سيراً سيراً، كأنه فرغ من دعائه، ثم زجر جمله.
* * * * كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل إلى أهله قال: توباً توباً، لا يغادر علينا حوباً.
الحَوْب والحُوب والحُوْبة: الإثم.
ومنه: إن أبا أيوب رضي الله عنه أراد أن يطلق أم أيوب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن طلاق أم أيوب لحوب.
وإنما أثَّمه بطلاقها لأنها كانت مصلحة له في دينه.
وفي دعائه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: اللهم اقبل توبتي، واغسل حوبتي.
وروى: وارحم حوبتي.
وفُسرت بالحاجة والمسكنة، وإنما سموا الحاجة حوبة، لكونها مذمومة غير مرضية، وكل ما لا يرتضونه هو عندهم غيّ وخطيّة وسيئة، وإذا ارتضوا شيئا سمّوه خيرا ورشدا وصوابا. قال القطامي:
والناس مَنْ يَلْقَ خَيْراً قائِلُون لهُ ... ما يَشْتَهِي وَلأِمّ المُخِطئ الهَبَل
أراد من استغنى وأصاب ثروة مدحوه وأحسنوا فيه القول. ويقولون للفقير:هبلته أمه.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إليك أرفع حوبتي.
وفي حديثه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن رجلا أتاه، فقال: إني أتيتك لأُجاهد معك. فقال: ألك حوبة؟ قال: نعم! قال: ففيها فجاهد.
هي الحرمة التي يأثم في تضييعها؛ من أمّ أو أخت أو بنت، والتقدير ذات حوبة.
قال الفرزدق:
لحَوْبة أمّ ما يَسُوغ شَرَابُها
ومنه الحديث: اتقوا الله في الحوبات. الربا سبعون حوباً أيسرها مثل وقوع الرجل على أمه، وأربى الربا عرض المسلم.
هو الفن والضرب. قال ذو الرمة:
تَسْمَع في تَيْهَائِه الأَغفال ... حَوْبَيْنِ مِنْ هَمَاهِمِ الأَغْوَالِ
وهذا أيضا من الباب؛ لأنه فن مما لا يرتضى.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم للذي باع له القدح والحلس فيمن يزيد: انطلق إلى هذا الوادي فلا تدع حاجا ولا حطبا ولا تأتني خمسة عشر يوما.
الحاج: ضرب من الشوك. قال:
من حَسَكِ التّلْعَة أو من حَاجِها
* * * * الزبير ابن عمتي وحواريي من أُمتي.
حواريو الأنبياء: صفوتهم والمخلصون لهم، من الحور وهو أن يصفو بياض العين ويشتد خلوصه، فيصفو سوادها، ومن الدقيق الحوَّاري وهو خلاصته ولبابه، ومن ذلك قيل لنساء الأمصار: الحواريات؛ لخلوص ألوانهن وذهابهن في النظافة عن نساء الأعراب. قال المبرد:
إذا ما الحَوَارِيّات علقن طَنّبت ... بمِيثاءَ لا يألُوك رافضُها صَخْرَا
صفية رضي الله عنها: بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وهي أم الزبير.
* * * * أتى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يعوده، فما تحوزَّ له عن فراشه.
التحوَّز: من الحوزة؛ وهي الجانب، كالتنحي من الناحية، يقال: تحوَّز عنه وتحيَّز، وتحييز تفعيل.
السنَّة أن الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه.
* * * * أتى صلى الله عليه وسلم حائش نخل أو حشا فقضى حاجته.
الحائش: النخل الملتف، كأنه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض. قال الأخطل:
وكأَنَّ ظُعْنَ الحيِّ حائِشُ قَرْيَةٍ ... دَانِى الجَنَاةِ وطَيِّبُ الاثمِارِ
والحُش والحَشّ: البستان، وقيل: هو النخل الناقص القصير الذي ليس بمستقي ولا مغمور، من حش الولد في بطنها.
وفي حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إنه كان أحب ما استتر به إليه حائش نخل أو حائط.
ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم: إنه دخل يوما حائش نخل، فرأى فيه بعيراً؛ فلما رآه البعير خنّ أو حن، وذرفت عيناه، فمسح سراته وذفراه فسكن؛ فقال لصاحبه: أحسن إليه؛ فإنه شكا إليّ أنك تُجيعه وتدئبه.
الخنين: البكاء في الأنف.
السراة: أعلى الظهر.
الذفرى: أصل الأذن، وهي مؤنثة، سواء جعلت ألفها للتأنيث أو للإلحاق. يقول: هذه ذفرى أسيلة وذفرى أسيلة.
* * * * في ذكر الكوثر - حاله المسك ورضراضه التُّوم.
الحال: الحمأة، من حال يحول: إذا تغير.
ومنه الحديث - إن جبرئيل عليه السلام أخذ من حال البحر فأدخله فا فرعون.
الرضراض: الحصى الصغار.
التُّوم: جمع تومة، وهي حبة الدر. قال الأسود بن يعفر:
يَسْعى بها ذُو تُومَتَيْن منطّفٌ ... قَنَأَتْ أَنَامِله من الفِرْصَاد
ونظيره درة ودرر، وصورة وصور.
* * * * كوى أسعد بن زرارة رضي الله عنه على عاتقه حوراء - وروى: إنه وجد وجعاً في رقبته، فحَّوره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحديدة.
الحوراء: كيَّة مدورة، من حار يحور: إذا رجع، وحوّره: إذا كواه هذه الكيَّة، وحوّر عين دابته وحجَّرها: إذا وسم حولها بميسم مستدير.
وعنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إنه لما أُخبر بقتل أبي جهل قال: إن عهدي به في ركبته حوراء، فانظروا ذلك؛ فنظروا فرأوه.
* * * * إنهم حاسوا العدو يوم أُحد ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم، وإن رجلاً من المشركين جميع اللاّمة كان يحوز المسلمين، ويقول: استوسقوا كما تستوسق جرب الغنم، فضربه أبو دجانة على حبل عاتقه ضربةً بلغت وركه.
الحوس: المخالطة بضرر ونكاية، يقال: تركت فلانا يحوسهم ويجوسهم ويدوسهم.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه. إنه رأى فلانا وهو يخطب امرأة تحوس الرجال. قال العجاج:
خَيالُ تُكْنَى وخيال تكتما ... باتا يَحُوسان أناسا نُوّمَا
وعنه: إنه ذكر فلان شيئا، فقال له عمر: بل تحوسك فتنة.
ضرباً: تمييز، ويجوز أن يكون حالا، أي حاسوه ضاربين.
الإجهاض: التنحية والطرد.
جميع اللأمة: أي مجتمع السلاح.
الحوز: السوق.
استوسقوا: اجتمعوا؛ يقال: وسقه فاتسق واستوسق.
حبل العاتق: رباطه ما بينه وبين المنكب.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يستنجى بعظم حائل.
هو المتغير المستحيل بلى، من حال: أي تغير.
* * * * علم الإيمان الصلاة، فمن فرغ لها قلبه وحاذ عليها بحدودها فهو مؤمن.
أي حافظ عليها بجدٍ وانكماش، من الأحوذى، وهو الجاد الحسن السباق للأمور.
* * * * أقبل صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر، وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها فكان يحوي وراءه بعباءة أو بكساء، ثم يردفها وراءه.
التحوية: أن يدير كساء حول السنام، وهو الحوية، وجمعها حوايا.
* * * * وفي قصة بدر: إن أبا جهل بعث عمير بن وهب الجمحي ليحزر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأطاف عمير برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت الحوايا عليها المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع.
النواضح: جمع ناضح، وهو السانية.
الناقع: الثابت المجتمع، من نقع الماء في بطن الوادي واستنقع. ومنه السم المنقع والنقيع، وهو الذي جُمع وربى.
* * * * اللهم بك أُحاول وبك أُصاول.
المحاولة: طلب الشيء بحيلة، ونظيرها المراوغة.
والمصاولة: المواثبة - وروى: إنه كان يقول إذا لقى العدو: اللهم بك أحول وبك أصول.
وهو من حال يحول حيلة، بمعنى احتال، والمراد كيد العدو، وقيل: هو من حال بمعنى تحرَّك.
* * * * صبَّح خيبر يوم الخميس بكرة فجأة، وقد فتحوا الحصن، وخرجوا معهم المساحي، فلما رأوه حالوا إلى الحصن، وقالوا: محمد والخميس.
أي تحولوا إليه، يقال: حال حولا كعاد عودا.
محمد خبرمبتدأ محذوف، أي هذا محمد وها الخميس، أو محمد والخميس جاءا، على حذف الخبر.
* * * * من أحال دخل الجنة.
أي أسلم، لأنه قلب لحاله عما عهد عليه، من حال الشيء وأحاله: غيَّره.
* * * * عمر رضي الله عنه - ما وليها أحد إلا حام على قرابته، وقرى في عيبته، ولن يلي الناس كقرشي عضَّ على ناجذه.
هو أن يحكي في عطفه ورفرفته عليهم فعل الحائم على الورد.
والقرابة: الأقارب، سُموا بالمصدر كالصحابة.
القرى في العيبة - وهو الجمع فيها - تمثيل للاحتجان والاختزال.
عض على ناجذه: صبر وتصلب، والنواجذ: أبعة أضراس في أقصى المنابت تنبت بعد أن يسب الإنسان، تسمى أضراس العقل والحلم.
* * * * أحرق بيت رويشد الثقفي وكان حانوتا.
هو حانة الخمار. قال طرفة:
وإن تَقْتَنِصْني في الحوانيت تَصْطَدِ
وهو كالطاغوت في تقديمه لامه إلى موضع العين، وأصله حنووت فعلوت من حنا يحنو حنوا، لإحرازه ما يرفع فيه وحفظه إياه، ثم قلب فصار حونوت ثم حانوت.
والحانة: أيضا من تركيبه، لأن أصلها حانية فاعلة من الحنو، بدليل قولهم في جمعها: حوان، وفي النسبة إليها حانويّ، وفي معناها الحانياء؛ إلا أنه حذف لامها كما قالوا: ما باليت به بالة، والأصل بالية كعافية.
* * * * علي عليه السلام - اشترى قميصا فقطع ما فضل عن أصابعه، ثم قال لرجل: حصه.
أي خط كفافه.
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - لما بايع الناس عبد الله بن الزبير قلت: أين المذهب عن ابن الزبير؟ أبوه حواري الرسول، وجدته عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفية بنت عبد المطلب، وعمته خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجده صدّيق رسول الله أبو بكر، وأمه ذات النطاقين، فشددت على عضده، ثم آثر عليَّ الحميدات والتويتات والأسامات، فبأوت بنفسي ولم أرض بالهوان؛ أن ابن أبي العاص مشى اليقدمية - وروى القدمية - وإن ابن الزبير مشى القهقرى - وروى: لوى ذنبه - ثم قال لعلي ابنه: الحق بابن عمك، فغثك خير من سمين غيرك، ومنك أنفك وإن كان أجدع، فلحق بعبد الملك؛ فكان آثر الناس عنده.
حواري الرسول: صفوته، وقد مر.
خديجة عمة الزبير لأن خويلد بن أسد بن عبد العزى أبو العوام وخديجة، فجعلها عمة لعبد الله كما يجعل الجد أبا.
خالته عائشة لأن أمه أسماء بنت أبي بكر، وسميت ذات النطاقين لمظاهرتها بينهما تسترا، وقيل: كانت تحمل في أحدهما الزاد إلى الغار.
والنطاق: ثوب تلبسه وتشد وسطها بحبل، ثم ترسل الأعلى على الأسفل.
شددت على عضده، أي عضدته وأعنته.
الحميدات وغيرها: بنو حميد. وتويت وأسامة: قبائل من أسد بن عبد العزى.
بأوت بنفسي: رفعتها وربأت بها.
مشى اليقدمية، أي المشية اليقدمية، وهي التي يقدم بها الناس أي يتقدمهم، وروى عن بعضهم بالتاء وغلط. قال:
الضّارِبِينَ اليَقْدُمِيَّةَ بالمُهَنّدَة الصَّفَائحْ
القهقرى: الرجوع إلى خلف، وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي:
مشى ابنُ الزُّبير القهقرى وتقدّمت ... أمية حتى أَحْرَزُوا القَصبَات
تلوية الذنب: مثلٌ لترك المكارم والروغان عن المعروف.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - دخل أرضاً له فرأى كلبا فقال: أحيشوه عليّ، وأخذ المسحاة فاستقفاه، فضربه بها حتى قتله، وأقبل على قيمه في أرضه فقال: أتدخل أرضي كلبا! حشت عليه الصيد حوشا وأحتشيه عليه: إذا نفَّرته نحوه وسقته.
استقفاه وتقفاه: إذا أتاه من قبل قفاه.
* * * *
عمر رضي الله عنه - قال في قصة إسلامه: أقبلت متوجها إلى المدينة على جمل لي، فبينا أنا أسير ببعض الطريق إذا ببياض أنحاش منه مرة، وينحاش مني أخرى، فإذا أنا بأبي هريرة الدوسي فقلت: أين تريد؟ قال: المدينة، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة فأربت بأبي هريرة، ولم تضرني إربة أربتها قط قبل يومئذ؛ قلت: أقدم أبا هريرة فيدخل فيجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشغولا؛ فجئنا والصلاة قائمة فدخل أبو هريرة والناس ينظرون إليه في الصلاة؛ فتشايره الناس وشهر، وتأخرت أنا حتى صلى.
الانحياش: مطاوع الحوش وهو النفار. قال ذو الرمة:
وبَيضَاء لا تَنْحَاشُ مِنَّا وأُمُّها ... إذا ما رَأَتْنَا زِيلَ مِنْها زَوِيلُها
أربت به: احتلت به.
الإربة: الحيلة.
قط: فيما مضى، كعوض وأبدا فيما يستقبل، يقول: ما فعلت ذلك قط، ولن أفعله عوض؛ وبناؤه من حيث أنه وجبت إضافته إلى صاحب الوقت أُضيف إليه قبل وبعد، فلما انقطع من الإضافة بنى على الضم كما بنيا.
تشايروه: تراءوا شارته أي هبئته، وهذا يؤذن بأن ألف الشاره عن ياء.
وقد روى أبو عبيد: إنه لحسن الشورة بمعنى الشارة، فهما لغتان.
والصحيح أن إسلام عمرو تقدم إسلام أبي هريرة، أسلم عمرو مع خالد بن الوليد سنة خمس وأبو هريرة سنة سبع.
* * * * معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما - لما احتضر قال لبنت قرظة:اندبيني. فقالت:
ألا أبكيه ألا أبكيه ... ألا كل الفتى فيه
فقال لابنتيه: قلباني، وقال: إنكما لتقلبان حوَّلاً قلباً، إن وقى كبة النار.
وروى: حوليا قلبيا إن نجا من عذاب الله غدا، ثم تمثل:
لا يبعدنّ ربيعة بن مُكَدَّم ... وسقَى الْغَوادِي قَبْرَه بذَنُوب
الحول: ذو التصرف والاحتيال.
والقلب: المقلب للأمور ظهراً لبطن، ولحوق ياء النسبة للمبالغة.
كبة النار: معظمها، والبيت لحسان.
* * * * عائشة رضي الله عنها - تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ حوف، فما هو إلا أن تزوجني فألقى عليّ الحياء.
هو بقيرة يلبسها الصبي؛ قال:
جارية ذات حِرٍ كالنَّوفِ ... مُلَمْلَمِ تَسْتُرُه بحَوْفِ
* * * * ابن عبد العزيز رحمهما الله - قدم عليه وفدٌ فجعل فتى منهم يتحوس في كلامه، فقال: كبِّروا كبِّروا! فقال الفتى: يا أمير المؤمنين؛ لو كان بالكبر لكان بالمسلمين من هو أسن منك.
هو تفعل من الأحوس وهو الشجاع، أي يتشجع في كلامه، ولا يبالي، وقيل: يتردد ويتحيل؛ من قولهم: ما زال يتحوس حتى تركته. قال:
سر قد أنَى لك أيها المتحوس
كبِّروا: أي اجعلوا متكلمكم رجلا كبيرا مسنًّا.
* * * * قتادة رحمه الله - أن تسجد بالآخرة منهما أحرى ألا يكون في نفسك حوجاء.
هي الريبة التي يحتاج إلى إزالتها. يقال: ما في صدري حوجاء ولا لوجاء. قال قيس بن رفاعة:
مَنْ كان في نفسه حَوْجَاءُ يَطْلُبها ... عِنْدي فإنّي له رَهْنٌ بإصْحَارِ
أُقِيمُ نَخْوَتَه إن كان ذا عِوَجٍ ... كما يُقَوِّمُ قِدْحَ النَّبْعَةِ الْبَارِي
يريد من كان له ريبة في أمري يطلب عندي إزالتها فأنا مزيلها.
والمعنى: إن موضع السجود من حم السجدة مختلف فيه، فعند بعضهم هو في الآية الأولى عند قوله تعالى: (وَاسْجُدُوا للهِ الذِي خَلَقَهُنّ). وعند آخرين في الآية الأخرى عند قوله تعالى: (وهُمْ لا يَسْأمون). فاختار السجود عند الأخرى؛ لأنه إن كانت السجدة عند الأولى لم يضره أن يسجدها عند الأخرى، وإن كانت عند الأخرى فسجدها عند الأولى قدّم السجود قبل الآية.
أن تسجد: في موضع المبتدأ وأحرى خبره.
* * * * الحور في " وع " . يتخولهم في " خو " ز الحائمة في " ضح " . يحوزها في " حش " . الحوأب في " دب " . نستحيل الجهام في " صب " . انحاز في " هت " . بالحومانة في " عب " . إلى حواء في " فر " . الحورى في " نص " . حوشيّ الكلام في " عظ " .بحور في " صه " . لا يحور فيكم في " ثب " . يحوف في " ذف " . بمحول في " قص " . بخفة الحاذ في " اب " . حولاء في " حد " . أحوى في " سف " . فلم يحر في " رج " . أحالوا عليه في " رح " . تحوَّلت في " زو " . المستحيلة في " ور " .
* * * *
الحاء مع الياء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن قوما أسلموا على عهده، فقدموا بلحم إلى المدينة، فتحيشت أنفس أصحابه وقالوا: لعلهم لم يُسموا، فسألوه، فقال: سموا أنتم وكلوا - وروى: فتجيشت.
هما تفعّل من حاش يحيش: إذا فزع ونفر، ومن جاشت نفسه: إذا دارت للغثيان.
* * * * عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قلنا: السلام على الله، السلام على فلان، السلام على فلان، فقال لنا: قولوا التحيات لله والصلوات الطيبات... إلى آخر التشهد، فإنكم إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السموات والأرض.
التحية: تفعلة من الحياة بمعنى الإحياء والتَّبقية.
والصلاة من الله: الرحمة.
والطيبات: الكلمات الدالة على الخير، كسقاه الله ورعاه، وأعزه وأكرمه، وما أشبه ذلك.
والمعنى: إنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنكر عليهم التسليم على الله، وعلَّمهم أن ما تقولون عكس ما يجب أن يقال: لأن كل إحياء وتعمير وسلامة في ملكة الله وله ومنه، فكيف يستجاز أن يقال: السلام على الله، وكذلك كل رحمة وكل ما يدل عليه كلمات أدعية الخير فهو مالكها ومُعطيها.
* * * * إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
فيه إشعار بأن يكف الإنسان ويردعه عن مواقعة السوء الحياء، فإذا رفضه وخلع ربقته فهو كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل شيئة.
* * * * جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم - اللهم ذا الحيل الشديد.
هو الحول، أُبدل واوه ياء - وروى الكسائي: لا حيل ولا قوة إلا بالله.
والمعنى ذا الكيد والمكر الشديد، وهو من قوله تعالى: (وأَكِيدُ كَيْداً). وقوله تعالى: (ومَكَرَ اللهُ). وقيل: ذا القوة؛ لأن أصل الحول الحركة والاستطاعة.
* * * * تحيَّنوا نوقكم.
أي احتلبوها في حينها المعلوم.
* * * * الحياء من الإيمان.
جُعل كالبعض منه لمناسبته له في أنه يمنع من المعاصي كما يمنع الإيمان.
وعن الحسن رحمه الله: إن رجلا قال له: يأتيني الرجل وأنا أمقته، لا أُعطيه إلا حياء، فهل لي في ذلك من أجر؟ قال: إن ذلك من المعروف، وإن في المعروف لأجراً.
* * * * أتاني جبريل ليلة أُسري بي بالبراق فقال: اركب يا محمد، فدنوت منه لأركب، فأنكرني فتحيَّا مني.
أي انقبض وانزوى، ولا يخلو من أن يكون مأخوذاً من الحياء على طريق التمثيل، لأن من شأن الحيي أن يتقبض، أو يكون أصله تحوَّى، أي تجمع، فقُلبت واوه ياء، أو يكون تفعيل، من الحي وهو الجمع كتحيز من الحوز.
* * * * خرج صلى الله عليه وآله وسلم للاستسقاء، فتقدم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسبِّح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب، وهل أتاك حديث الغاشية، فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه، وقلب رداءه، ثم جثا على ركبتيه، ورفع يديه، وكبَّر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثا مغيثا، وحياً ربيعا، وجداً طبقاً غدقاً مغدقا، مونقا عاما، هنيئا مريئا، مريعا مربعا مرتعا، وابلا سابلا، مُسبلا مجللا، ديما درراً، نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، غيثا اللهم تُحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد. اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها. اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهوراً فأحي به بلدة ميتا. واسقه مما خلقت لنا أنعاما وأناسيّ كثيرا.
قيل لابن لهيعة: لم قلب رداءه؟ فقال: لينقلب القحط إلى الخصب. فقيل له: كيف قلبه؟ قال: جعله ظهراً لبطن. قيل: كيف؟ قال: حوَّل الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر.
الحيا: المطر لإحيائه الأرض.
الجدا: المطر العام.
الطَّبق: مثله.
الغدق والمغدق: الكثير القطر.
المونق: المُعجب.
المريع: ذو المراعة، وهي الخصب.
المربع: الذي يربعهم عن الارتياد، من ربعت بالمكان وأربعني.
المرتع: المنبت مل يرتع فيه.
السابل، من قولهم: سبل سابل، أي مطر ماطر.
المجلل: الذي يجلل الأرض بمائه أو بنباته.
الدرر: الدار، كقولهم: لحم زيم ودين قيم.
الرائث: البطيء.
السكن: القوت؛ لأن السكنى به. كما قيل: النزل، لأن النزول يكون به.
* * * *
عمر رضي الله عنه - قال لأخيه زيد حين نُدب لقتال أهل الردة فتثاقل: ما هذا الحيش والقلّ! أي الفزع والرعدة، يقال للمرأة المذعورة من الريبة: حيشانة.
وأخذه قلّ: إذا أرعد، كأنه يقل من موضعه.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر.
أي ابدأ به، واعجل بذكره، وفيه لغات: حيهل بفتح اللام، وحيهلا بألف مزيدة. قال:
بحَيَّهَلاَ يُزْجُونَ كلَّ مَطِيَّةٍ ... أمامَ المَطَايَا سَيْرُها المُتَقَاذِفُ
وحيهلا بالتنوين للتنكير، وحيهلا بتخفيف الياء. وروى حيهل بالتشديد وإسكان الهاء، وعلل باستثقال توالي المتحركات واستدراك ذلك، وقيل: الصواب حيهل بتخفيف الياء وسكون الهاء، وأن هذا التعليل إنما يصح فيه لا في المشدد، ويلحقه كاف الخطاب فيقال: حيهلك الثريد.
وسمع أبو مهدية الأعرابي رجلا يقول لصاحبه: زوذ فسأل عنه فترجم:تعجّل. فقال: أفلا يقول: حيهلك. ويقال: فحي بعمر.
* * * * سلمان رضي الله عنه - أحيوا ما بين العشاءين فإنه يحط عن أحدكم من جزئه، وإياكم وملغاة أول الليل، فإن ملغاة أول الليل مهدنة لآخره - وروى: مهذرة في موضع ملغاة.
إحياء الليل بمنزلة تسهيده وتأريقه؛ لأن النوم موت، واليقظة حياة، ومرجع الصفة إلى صاحب الليل، فهو إذن من باب قوله:
إذا ما نامَ ليلُ الهَوْجَلِ
أراد بالعشاءين المغرب والعشاء فغلّب، وبالجزء: ما وظف على نفسه من التهجد. الملغاة والمهذرة والمهدنة: مفعلة من اللغو والهذر، والهدون بمعنى السكون، والمعنى: إن من قطع صدر الليل بالسمر ذهب به النوم في آخره، فمنعه من القيام للصلاة.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان في غزاة بعثهم فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فحاص المسلمون حيصة - وروى فجاض.
كلاهما بمعنى انهزم وانحرف.
ومنه حديث أبي موسى رضي الله عنه: إن هذه لحيصة من حيصات الفتن.
أي زوغة منها عدلت إلينا.
* * * * ابن عمير رضي الله تعالى عنه - إن الرجل ليسأل عن كل شيء حتى عن حيَّة أهله.
أي عن كل نفس حية في بيته؛ من هرة وفرس وحمار، وغير ذلك.
* * * * مطرف رحمه الله - خرج من الطاعون، فقيل له في ذلك، فقال: هو الموت نحايصه ولابد منه.
المحايصة: مفاعلة من حاص عنه، وليس المعنى أن كل واحد من الموت والرجل يحيص عن صاحبه، وإنما المعنى أن الرجل في فرط حرصه على الحياص عن الموت كأنه يباريه ويغالبه؛ لأن من شأن الغالب المباري أن يحرص على فعله ويحتشد فيه، فيئول معنى نحايصه إلى قولك: يحرص على الفرار منه. وإخراجه على هذه الزنة لهذا الغرض؛ لكونها موضوعة لإفادة المباراة والمغالبة في الفعل.
ومنه قوله تعالى: (يُخادِعُونَ الله وَهوَ خَادِعُهُم).
* * * * سعيد رحمه الله تعالى - سُئل عن مكاتب اشترط عليه أهله ألا يخرج من المصر، فقال: أثقلتم ظهره، وجعلتم عليه الأرض حيص بيص.
أي ضيقة لا يقدر على التردد فيها؛ من قولهم: وقع فلان في حيص بيص: إذا وقع في خطة ملتبسة لا يجد موضع تفصٍّ عنها، تقدم أو تأخر، من حاص عن الشيء إذا حاد عنهن وباص: إذا تقدم، والذي قلبت له واو بوص ياء طلب المزاوجة كالعين الحير، وبُنيا بناءَ خمسة عشر، لأن الأصل حيص وبيص - وروى الفتح والكسر في الحاء والصاد، والتنوين للتنكير.
* * * * عطاء رحمه الله - قال له ابن جريج: كيف يمشي بجنازة الرجل؟ قال: يُسرع به. قال: فالمرأة؟ قال: يُسرع بها أيضا؛ ولكن أدون من الإسراع بالرجل. قال: فما حياكتهم - أو حياكتكم هذه؟ قال: زهو.
هي مشية فيها تبختر. قال:
حَيَّاكَة وَسْطَ القَطِيع الأَعْرَم
* * * * تحيضي في " كر " . حيهلا في " قح " . حيرى دهر في " طر " . من حاق الجوع في " حق " . الحياء في " مر " . تحايوا في " رو " . انحياشه في " ثم " بالحيا في " جز " .حبلة في " كر " .
* * * * آخر الحاء
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الخاء
الخاء مع الباء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أهل من ذي الحليفة، وبعث من بين يديه عيناً من خزاعة يتخبر له خبر كفار قريش، فلقيه، فأخبره أنه ترك قريشاً تجمع لقتاله، قال: فراحوا إلى عسفان، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: خيل قريش بالغميم عليها خالد بن الوليد، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتيامنوا عن الغميم.
ويروى أنه قال لما لقيه خالد بن الوليد: هلم هاهنا، فأخذ بهم بين سروعتين، ومال عن سنن القوم.
ويروى أنه قال: يامنوا في هذا العصل، فلم يشعر خالد وأصحابه إلا وقد خلَّفتهم قترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فركض خالد إلى مكة، فأنذر كفار قريش، فخرجوا بأجمعهم حتى نزلوا أعداد مياه الحديبية، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير نحو القوم، فبركت به ناقته، فزجرها المسلمون. فألحت، وقالوا: خلأت القصواء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والله ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم زجرها فقامت وانصرف عن القوم، فنزل على ثمدٍ بوادي الحديبية ظنون الماء، يتبرضه الناس تبرضاً، فشكا الناس إليه قلة مائه، فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الثمد، فجاش لهم الماء بالري، ثم قدم بديل بن ورقاء الخزاعي في رهط من خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة، فقال: تركت قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي، قد خرجوا بأجمعهم معهم العوذ المطافيل، وقد أقسموا بالله لا يخلون بينم وبين الطواف ما بقي منهم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نأت لقتال أحد، ولكن جئنا نطوف بالبيت، فمن صدنا عنه قاتلناه، وإن قريشا قد أضرت بهم الحرب ونهكتهم، فإن شاءوا كاددناهم مدة يستجمون فيها، وأنا والله مجاهد على أمري حتى تنفرد سالفتي أو ينفذ الله أمره.
وفي الحديث: إن عروة بن مسعود رضي الله عنه قال له: إني أرى معك أوشاباً من الناس لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم.
تخبَّر الخبر: تعرَّفه.
التيامن عن الموضع: الذهاب عنه ذات اليمين، يقال: يامن بهم وشاءم فتيامنوا وتشاءموا.
الغميم: موضع ما بين عسفان ضجنان.
السروعة والزروحة: رابية من رمل.
العصل: رمل معوج، سمي بالعصل وهو الالتواء.
القترة: الغبرة.
الأعداد: المياه ذوات المادة كماء العيون والآبار.
الحَّتْ: لزمت مكانها لا تبرح.
الخلاء للناقة: كالحران للفرس.
الثمد: الماء القليل.
الظنون: كل ما تتوهمه ولست منه على يقين. قال الشماخ:
كِلاَ يَوْميْ طُوَالَةَ وَصْلُ أَرْوَى ... ظَنُونٌ آنَ مُطَّرَحُ الظَّنُون
التبرض: الأخذ قليلا قليلا، من البرض وهو الوشل.
جاش:ارتفع.
عنى بالعيبة: أنهم موضع سره ومظنة استنصاحه.
العوذ: الحديثات النتاج، جمع عائذ.
السالفتان: ناحيتا مقدم العنق.
الأوشاب: الأخلاط.
* * * * كان إذا أراد الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث - وروى: الخبث - بضم الباء.
الخُبث: خلاف طيب الفعل من فجور وغيره.
ومنه الحديث: إذا كثر الخبث يكون كذا.
وفي الحديث: وجد فلان مع أمه يخبث بها.
ويجوز أن يكون تخفيف الخبث، وهو جمع خبيث.
والخبائث: جمع خبيثة، فالمراد شياطين الجن والأنس ذكرانهم وإناثهم.
* * * * اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث.
هو الذي أصحابه وأعوانه خبثاء، كقولهم للذي فرسه قوي: مقو. وقيل: هو الذي ينسب الناس إلى الخبث، وقيل: الذي يعلمهم الخبث ويوقهم فيه.
* * * * اشترى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من أعرابي حمل خبط، فلما وجب البيع قال له: اختر. فقال له الأعرابي: عمرك الله بيعاً.
هو الورق المخبوط.
عمرك الله: ذكر أبو علي الفارسي في الشيرازيات أن انتصابه بفعل مضمر، وذلك الفعل عمَّرتك الله، أي سألت الله تعميرك.
والمعنى عمَّرتك الله تعميرا مثل تعميرك إياهن وفي هذا إلطاف من المخاطب، وتقرُّب إلى من يخاطبه، فكان القياس في عمرك الله تعميرك الله، إلا أن المصدر استعمل بحذف الزيادة ونظيره تحقير الترخيم.
البيع: فيعل من باع، بمعنى اشتري، كلين من لان، وانتصابه على التمييز.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن المخابرة.
هي المزارعة على الخبرة وهي النصيب.
* * * * وعن جابر رضي الله عنه: كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فنصيب من القصرى، ومن كذا وكذا، فقال: من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه.
القصرىك القصارة، وهي الحب الباقي في السنبل بعد الدياسة.
والمنحة: العارية.
* * * *
وعن ابن عمر رضي الله عنهما - إنه كان يخابر بأرضه، ويشترط ألا يعرها.
من العرة: وهي السرجين.
* * * * إن الحمى تنفي الذنوب كما ينفي الكير الخبث.
هو نفاية الجوهر المذاب ورديه.
* * * * من أصيب بدم أو خبل فهو بين إحدى ثلاث: بين أن يعفو، أو يقتص، أو يأخذ الدية، فإن فعل شيئا من ذلك ثم عدا بعدُ فإن له النار خالداً فيها مخلدا.
يقال: خبل الحُبّ قلبه إذا أفسدهن يَخْبِله ويَخْبُله خَبْلا.
ومنه خبلت يد فلان أي قطعت. قال أوس:
أَبَنِي لُبَيْنَي لَسْتُم بَِدٍ ... إلاَّ يَداً مَخْبُولَةَ الْعَضُدِ
وبنو فلان يطالبون بدماء وخبل؛ أي بقطع أيد وأرجل.
والمعنى: من أُصيب بقتل نفس أو قطع عضو.
بين: يقتضي شيئين فصاعدا.
وقوله: بين إحدى ثلاث إنما جاز لأنه محمول على المعنى.
ومنه قول سيبويه: وقولهم: بيني وبينه مالٌ معناه بيننا مالٌ، إلا أن المعطوف حُذف هاهنا لكونه مفهوما مدلولا عليه بالثلاث، وتقديره بين إحدى ثلاث وبين أختيها أو قرينتها أو الباقيتين منها، وكذلك قوله: بين أن يعفو.
* * * * وفي حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: بينيدي الساعة الخبل.
هو الفساد بالفتن.
* * * * ابتغوا الرزق في خبايا الأرض.
هي جمع خبيئة، وهو المخبوء، وقياس جمعها خبائي بهمزتين، المنقلبة عن ياء فعيلة ولام الفعل، إلا أنهما استثقل اجتماعهما فقُلبت الأخيرة ياء لانكسار ما قبلها، ثم قيل خباءي كعذاري ومداري، فحصلت الهمزة بين ألفين فقلبت ياء.
ونظيرها خطايا في جمع خطيئة، والمراد ما يخبوه الزراع من البذر، فيكون حثاً على الزراعة، أو ما خبأه الله تعالى في معادن الأرض.
* * * * كتب صلى الله عليه وسلم للعداء بن خالد بن هوذة كتابا: هذا ما اشترى العداء ابن خالد من محمد رسول الله، اشترى منه عبداً أو أمةً، لا داء ولا خبثة ولا غائلة، بيع المسلم للمسلم.
عبَّروا عن الحرمة بالخبث كما عبَّروا عن الحل بالطيب، والخبثة نوع من أنواعهز قيل: هو أن يكون مسبيا من قوم أعطوا عهدا أو أماناً أو لهم حرية في الأصل.
الغائلة: الخصلة التي تغول المال، أي تهلكه من إباق وغيره.
* * * * إن امرأتين من هذيل كانت إحداهما حُبلى فضربتها ضرتها بمخبط فأسقطت، فحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغرَّة.
هو عصا يخبط بها الورق.
* * * * إن أبا عامر الذي يلقب الراهب كان مقيما على الحنيفية قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان حسوداً، فساعة بلغه أن الأنصار بايعوه صلى الله عليه وآله وسلم تغيَّر وخبت وعاب الحنيفية.
هو بمعنى خبث. قال السموءل بن عاديا:
إنني كنتُ ميِّتاً فحييت ... وحَيَاتي رَهْنٌ بأَنْ سأموتُ
فأتاني اليقينُ أني إذا ما مت ... أوَرمّ أعظُمي مَبْعُوت
يَنْفَعُ الطَّيِّبُ القليلُ من الكَسْب ولا ينفع الكَثِير الخَبِيتُ
قال عمر بن شبة: هذه لغته، أراد مبعوث والخبيث.
* * * * عثمان رضي الله عنه - قد اختبأت عند الله خصالا: إني لرابع الإسلام، وزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته ثم ابنته، وبايعته بيدي هذه اليمنى، فما مسست بها ذكري، وما تغنيت ولا تمنيت ولا شربت خمرا في جاهلية ولا إسلام.
أي ادَّخرتها وجعلتها خبيئة لنفسي.
زوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقية فماتت، ثم زوجه أم كلثوم.
التمني: التكذب، تفعل من منى إذا قدر؛ لأن المتفعل يقدر الحديث في نفسه ويزوره، ومصداقه التخرص من الخرص والحزر والتقدير.
وعنه رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت.
* * * * أبو عبيدة رضي الله عنه - خرج في سرية إلى أرض جهينة فأصابهم جوع فأكلوا الخبط، وهو يومئذ ذو مشرة حتى إن شدق أحدهم بمنزلة مشفر البعير العضه، وحتى قال قائلهم: لو لقينا العدو ما كان منا حركة إليه، فقال قيس بن سعد لرجل من جهينة: بعني جزراً وأوفيك شقة من تمر المدينة، فابتاع منه خمس جزائر يشرط عليه الأعرابي تمر ذخيرة مصلبة من تمر آل دليم.
قال الجهني: أشهد لي، فكان فيمن استشهد عمر، فقال: لا أشهد، هذا يدين ولا مال له، إنما المال مال أبيه، فقال الجهني: والله ما كان سعد ليخني بابنه في شقة من تمر.
الخبط: فعل بمنى مفعول كالنفض.
المَشَرَة والمَشْرة من أمشرت العضاه وتمشرت: إذا أصابها مطر الخريف فتفطرت بورق، ومعنى وصف الخبط بذي مشرة أن العضاه قد أمشرت به.
حتى أن شدق أحدهم: هي حتى التي يبتدأ الكلام بعدها، ولهذا وجب كسر إن بعدها.
العضه: الذي يرعى العضاه، يعني أن أشداقهم قد انتفخت وقلّصت.
الشقة: كل قطعة مما يشق، ومنها قولهم: غضب فطارت منه شقة. فاستعارها في الطائفة من التمر.
الجزائر والجزر: جمع جزور، وهي مؤنثة، ولهذا قال: خمس.
المصلبة - بالكسر - من صلبت الرطبة: إذا بلغت اليبس، يقال: أطيب مضغة أكلها الناس صيحانية مصلِّبة.
أدان يدين: إذا أخذ الدين فهو دائن، ودنته: أعطيته الدين فهو مدين.
اإخناء على الشيء: إفساده، ومنه الخنا، وهو الفحش، والكلام الفاسد. ودخلت الباء في قوله: ليُخني بابنه للتعدية.
والمعنى ما كان ليجعله مخنيا على ضمانه خائسا به، واللام لتأكيد معنى النفي، كأنه قال: سعد أجلّ من أن يضايق ابنه في هذا حتى يعجز عن الوفاء بما ضمن.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - إن كنت لأستقرئ الرجل السورة لأنا أقرأ لها منه؛ رجاءَ أن يذهب بي إلى بيته فيطعمني، وذلك حين لا آكل الخبير ولا ألبس الحبير.
الخبير: الإدام الطيب، لأنه يصلح الطعام ويدمثه للأكل، من الخبراء، وهي الأرض السهلة الدمثة، وهي الخبرة أيضا؛ يقال: أتانا بخبزة ولم يأت بخبرة. وروى الخمير.
الحبير: الموشى من البرود، وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والتي دخلت على أنا للابتداء.
الاستقراء: طلب القراءة، والإقراء أيضا كالاستنشاد.
* * * * ابن عامر رحمه الله - دخل عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، فقال: ما ترون في حالي؟ قالوا: ما نشك لك في النجاة؛ قد كنت تقري الضيف وتعطي المختبط.
هو الذي يسأل من غير سابق معرفة ولا وسيلة، شُبِّه بخابط الورق.
* * * * الحسن رحمه الله - خباث، كلَّ عيدانك مضضنا فوجدنا عاقبته مرّا.
خباث: هي الخبيثة، في النداء خاصة، كغدار وفساق، وحرف النداء محذوف وهو جئز في كل معرفة، ولا يصح به أي، والخطاب للدنيا.
مضَّ يمضّ مضيضا: إذا مصّ، يقال: لا تمض مضيض العنز.
* * * * مكحول رحمه الله - مر برجل نائم بعد العصر فدفعه برجله، وقال: لقد عوفيت، لقد دُفع عنك، إنها ساعة مخرجهم أي الشياطين وفيها ينتشرون وفيها تكون الخبتة.
كانت فيه لكنة، فجعل الطاء تاء، وإنما أراد الخبطة من تخبطه الشيطان إذا مسه بخبل أو جنون.
* * * * في الحديث: من أكل الربا أطعمه الله تعالى من طينة الخبال يوم القيامة.
قيل: هو ما ذاب من حراقة أجساد أهل النار.
* * * * بخبت الجميش في " جز " . هل تخبون في " وط " . خبنة في " صب " . والمخبر في " سح " . وأختبط في " ضج " . اخبر تقله في " قل " . خبَّاط عشوات في " ذم " . كخبج الحمار في " ضل " .
* * * *
الخاء مع التاء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - من أشراط الساعة أن تُعطل السيوف من الجهاد، وأن تختل الدنيا بالدين - وروى: وأن تتخذ السيوف مناجل.
ختل الذئب الصيد: إذا تخفَّى له، وختل الصائد: مشيه للصيد قليلا قليلا في خفية لئلا يسمع حسَّا، فشبه فعل منيرى دينا وورعا، يتذرع بذلك إلى طلب الدنيا، بختل الذئب والصائد.
المناجل: المجاز، أي يؤثرون الحرث على الحرب.
* * * * إذا التقى الختانان وجب الغُسل.
هما موضعا الإعذار والخفض.
* * * * سعيد رحمه الله - سئل: أ ينظر الرجل إلى شعر ختنته، فقرأ: (ولا يُبْدِينَ زِيَنَتُهُنَّ إلا لِبُعُولتِهنَّ...) الآية. فقال: لا أراه فيهم ولا أراها فيهن.
الختن: أبو امرأة الرجل، والختنة: أمها. قال الأصمعي: الأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل الرجل، والصهر يجمعهما، وخاتن الرجل الرجل: إذا تزوج إليه. وعن النضر بن شميل سميت المصاهرة مخاتنة لالتقاء الختانين.
* * * *
الخاء مع الجيم
أبو هريرة رضي الله تعالى عنه - قال: إن رجلا ذهبت له أينق فطلبها، فأتى على واد خجن مغنّ معشب، فوجد أينقه فيه.
الخجل: الكثير العشب المتكاثفة. ومنه: قميص خجل: فضفاض واسع، وجلل الفرس جلاًّ خجلا: أي واسعا يضطرب عليه ويدنو من الأرض.
أغن الوادي فهو مغنّ: إذا صوتت ذبانه، وفي صوتها غنة، كقولك: أقطف الرجل: إذا قطفت دابته. ويقال أيضا: وادٍ لأغن، جعل الوصف له، وهو للذباب كقولهم: طريق سائر.
الأينق: جمع ناقة كالآكام في جمع أكمة، قال ذلك سيبويه، وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون أصله أنوق فقلبت وأبدل واوه ياء.
والثاني: أن تحذف العين وتزاد الياء عوضا.
* * * * ابن عمير رضي الله عنه - اسم الذي بنى الكعبة لقريش باقوم، وكان روميا، كان في سفينة أصابتها ريح فخجَّتها، فخرجت إليها قريش بجدّة فأخذوا السفينة وخشبها، وقالوا: ابنه لنا بنيان الشام.
الريح الخجوج: الشديدة المرِّ في غير استواء، وخجّت السفينة: لوتها عن وجهها بعصف.
الضمير في ابنه للبيت.
* * * * خجلتنَّ في " دق " . ريح خجوج في " ذر " .
* * * *
الخاء مع الدال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كل صلاة ليست فيها قراءة فهي خداج.
فسر في الباء مع الهمزة.
* * * * من سأل وهو غني جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا، أو خموشا، أو كدوحاً، في وجهه، قيل: وما غناه؟ قال: خمسون درهما أو عدلها من الذهب.
خدش الجلد: قشره بعود أو نحوه. ومنه قيل لأطراف السَّفا: الخادشة.
والخمش بالأظفار.
والكدح: العض.
وهذه مصادر، والذي جوَّز فيها أن تجمع أنها جُعلت أسماء للآثار.
عدل الشيء: مثله من غير جنسه.
* * * * إن سعد بن عبادة رضي الله عنه أتاه برجل في الحي مُخدج سقيم، وُجد على أمة من إمائهم يخبث بها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: خذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة.
هو الناقص الخلق.
العثكال والعثكول: الكباسة.
* * * * عمر رضي الله عنه - رفع إليه رجل ما أهمه من قحوط المطر؛ فقال: خدعت الضباب وجاعت الأعراب.
أي أمعنت في جحرتها. ومنه خدعت العين: إذا غارت، والمخدع: البيت الداخل، وخدع الرجل: أن تظهر له خلاف ما تخفي.
* * * * عبد الرحمن رضي الله عنه - طلَّق امرأته فمتَّعها بخادم سوداء حممها إياها.
الخادم: واحد الخدم غلاما كان أو جارية. قال:
ما أنا بالجلد ولا بالْحَازِم ... إن لم أَجَأْ هَنَّكِ بالعُجَارِم
وَجْأ يُنَسّيك طلابَ الخادم
يريد الجارية.
حممها إياها: أي أعطاها الجارية على وجه التحميم، وهو إعطاء متعة الطلاق خاصة، وكأنهم كانوا يجعلونها من حامَّة مالهم؛ أي من خياره، يقال: لفلان إبل حامّة: إذا كانت خيارا.
* * * * سلمان رضي الله عنه - كان في سرية وهو أميرها على حمارٍ، وعليه سراويل، وخدمتاه تذبذبان.
الخدمة: سير محكم كالحلقة يشد في رسغ البعير، ثم يشد إلى سريحة النعل، وجمعها خدم. قال جرير:
يَدْمَى على خَدَم السَّرِيح أظلّها ... والمروُ من وَهَج الهواجرِ حامِي
وبها سمي الخلخال خدمة، واشتق منها الفرس المخدم وهو الذي تحجيله مستدير فوق أشاعره؛ فيجوز أن يشبه قناتي سراويله بالخدمتين. ويجوز أن يريد ساقيه؛ لأنهما موضعا الخدمتين.
التذبذب: الاضطراب.
* * * * مسروق رحمه الله - أنهار الجنة تجري في غير أُخدود، وشجرها نضيد من أصلها إلى فرعها.
أي في غير شق في الأرض.
نضيد: منضود بالورق أو بالثمر من أعلاها إلى أسفلها ليس لها سوق بارزة.
* * * * خدبّا في " قص " . خدامهنّ في " دل " . خدلّج في " صه " . خدم نسائكم في " صف " . خدل في " عف " . خدَّاعة في " غد " . خدب في " كس " . مخدج اليد في " ثد " . فهي خداج في " با " .
* * * *
الخاء مع الذال
أبو بكر رضي الله تعالى عنه - قال سعد: رأيته بالخذوات وقد حلَّ سفرة معلقة في مؤخر الحصار، فإذا قريص من ملة فيه أثر الرَّضيف، وإذا حميت من سمن، فدعاني فأصبت من طعامه.
هي موضع.
الحصار: حقيبة يُرفع مؤخرها فيُجعل كآخرة الرحل، ويُحشى مقدمها فيكون كقادمة الرَّحل يُركب بها البعير، ويقال: قد احتصرت البعير بالحصار.
من ملَّة: أي مما ينضج في ملَّة: وهي الرماد الحار.
الرضيف: اللحم المشوي على الرضف، ورضفه يرضفه.
وأثره: ما علق بالقرص من دسمه.
الحميت: زقّ السمن. قال ابن السكيت: هو النحي المربوب؛ وإنما سمي حميتا؛ لأنهم يحتمونه بالرّب، والحميت المتين. قال رؤبة:
حتى يَبُوخ الغَضَبُ الحَمِيتُ
ويقال للتمرة إذا كانت أشد حلاوة من صاحبتها: هذه أحمت حلاوة منها.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قيل له: أتذكر الفيل؟ قال: أذكر خذقه.
هو روثه.
* * * * النخعي رحمه الله - إذا كان الشق أو الخذا أو الخرق في أذن الأُضحية فلا بأس ما لم يكن جدعاً.
وهو استرخاء الأُذن وانكسارها، ولامه واو لقولهم: خذواء، ومنه خذى الرجل واستخذى: إذا انكسر.
* * * * أبو الزناد رحمه الله - أتى عبد الحميد وهو أمير على العراق بثلاثة نفر قد قطعوا الطريق، وخذموا بالسيف. فأُشير عليه بقتلهم؛ فاستشارني فنهيته، ثم قتل أحدهم، فجاءه كتاب عمر بن عبد العزيز يغلظ له ويقبِّح له ما صنع.
الخذم: سرعة القطع، والمراد أنهم جرحوا الناس.
* * * * في الحديث: كأنكم بالترك وقد جاءتكم على براذين مخذمة الآذان.
أي مقطعتها.
* * * * المخذم في " فق " . يتخذَّمانها في " عم " . ومخذفة في " قف " . خذمة في " سن " .
* * * *
الخاء مع الراء
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - عائد الريض على مخارف الجنة حتى يرجع. هو جمع مخرف أو مخرفة، فالمخرف من قولهم: اشترى فلان مخرفا صالحا، أي نخلات يخترفن.
ومنه حديث أبي طلحة رضي الله عنه: حين نزلت: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسناً. قال: إن لي مخرفا، وإني قد جعلته صدقةً. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: اجعله في فقراء قومك.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه:لما أعطاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سلب القتيل. قال: فبعته وابتعت به مخرفا، فهو أول مال تأثلته في الإسلام.
والمعنى أن العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه على نخل الجنة يخترف ثمارها، والمخرف والمخرفة أيضاً: الطريق الواضح. قال أبو كبير الهذلي:
فأَجَزْتُه بأفَلَّ تَحسبُ أَثْرَه ... نَهْجاً أَبَانَ بذِي فَرِيغٍ مَخْرَفِ
وفي حديث عمر رضي الله عنه: تركتكم على مثل مخرفة النعم.
أي على منهاج لاحب كالجادة التي كدتها النعم بأخفافها، حتى وضحت واستبانت، وهي في الأصل: السكة بين صفي النخل، فيكون المعنى أنه على الطريق المؤدية إلى الجنة.
وروى: خرافة الجنة، وهي مصدر خرف الثمار: إذا جناها - وروى: على خرفة الجنة: أي على مواضع خرفتها، وهي اسم المخروف فيئول إلى معنى قوله: على مخارف الجنة.
* * * * حضَّ صلى الله عليه وآله وسلم على الصدقة، فجعلت المرأة تُلقي خُرصها وسخابها.
هو حلقة القرط.
ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: إنها ذكرت جراحة سعد بن معاذ فقالت: وقد كان رقأ كله وبرأ، فلم يبق إلا مثل الخُرص.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إنه قال في قوله تعالى: (وجِئْنَا ببِضَاعةٍ مُزْجَاةٍ): الغرارة، والحبل، والخرص.
والخرص أيضاً: الحلقة التي في أسفل السنان، ثم سمي به السنان، ثم كثر حتى سمي به الرمح.
* * * * كان عليه الصلاة والسلام يأكل العنب خرطا.
يقال: خرط العنقود واخترطه: إذا وضعه في فيه وأخرج عمشوقه عاريا.
* * * * نهى صلى الله تعالى وآله وسلم أن يُضحي بالمخرَّمة الأذن.
هي مقطوعتها.
* * * * قال له صلى الله عليه وآله وسلم حكيم بن حزام: أُبايعك على ألا أخرَّ إلا قائما. فقال: أما من قبلنا فلن تخر إلا قائما.
أي لا أموت إلا ثباتاً على الإسلام قائما بالحق.
ومعنى جوابه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إنك لن تعدم من جهتنا الاجتهاد في إرشادك وفي ألا تموت إلا بهذه الصفة.
* * * * إنه صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر رضي الله عنه حين خرجا مهاجرين استأجرا رجلا من بني الديل هاديا خرِّيتاً فأخذ بهم يدبحر.
هو الماهر بالدلالة الذي يهتدي لأخرات المفازة، وهي مضايقها وطرقها الخفية.
يدبحر: أي طريق بحرٍ، يريد الساحل؛ لأن الطريق كان عليه.
* * * * من اقتراب الساعة إخراب العامر، وعمارة الخراب، وأن يكون الفيء رفدا، وأن يتمرس الرجل بدينه تمرُّس البعير بالشجرة.
وقال أبو عمرو: الإخراب: أن يترك الموضع خربا، والتخريب: الهدم، وقرأ وحده: (يُخَرِّبون بيوتهم) مشددة، والباقون يُخْربُون، والمراد ما يُخرّبه الملوك من العمران، وتعمّره من الخراب شهوة لا صلاحاً.
الفيء: الخراج؛ أي يصلون به من أرادوا، ولا يصفونه إلى مصارفه.
يتمرس بدينه: أي يتلعب به ويعبث، كما يتحكك البعير بالشجرة متعبثا.
* * * * زوّج صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من عليّ عليهما السلام، فلما أصبح دعاها، فجاءت خرقة من الحياء، فقال لها: اسكني فقد أنكحتك أحب أهل بيتي، ودعا لهما - وروى: إنها أتته تعثر في مرطها من الخجل.
الخرق: التحيّر.
* * * * سأله صلى الله عليه وسلم رجل عن إتيان النساء في أدبارهن فقال: حلال. فلما ولى دعاه فقال: كيف قلت؟ في أي الخرزتين أو الخصفتين، أمن دبرها في قبلها فنعم، أم من دبرها في دبرها فلا.
ثلاثتها بمعنى واحد، وهو الثقب المستدير. قال ذو الرمة:
أَوْ مِنْ مَعَاشِرَ في آذَانِها الخُرَبُ
والخرزة، من الخرز، والخصفة: من الخصف.
* * * * مر صلى الله عليه وسلم بأوس بن عبد الله الأسلمي، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وهما متوجهان إلى المدينة، فحملهما على جمل، وبعث معهما دليلا، وقال: اسلك بهما حيث تعلم من مخارق الطرق، وكان أوس مُغفلا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يسم إبله في أعناقها قيد الفرس.
المخرم: منقطع أنف الجبل.
المغفل: الذي إبله أغفال.
قيد الفرس: سمة. أنشد أبو عبيد:
كومٌ على أَعناقها قَيْدُ الفَرَسْ ... تَنْجُو إذا الليلُ تَدَانَي والْتَبَسْ
قال صخر - من أسباط أوس: وهي سمتنا اليوم، وصورتها أن تحلَّق حلقتين وتمد بينهما مدَّة.
* * * * من تحلى ذهبا أو حلى ولده مثل خربصيصة، أو عين جرادة كان كذا يوم القيامة.
هي هنة تتراءى في الرمل لها بصيص كأنها عين جرادة.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: إن نعيم الدنيا أقل وأصغر عند الله من خربصيصة.
* * * * عمر رضي الله عنه - رأى في ثوبه جنابة، فقال: خرط علينا الاحتلام.
أي أرسل، من قولهم: خرط الفحل في الشَّول، وخرط البازي في سيره، وخرط دلوه في البئر.
* * * * كان رضي الله عنه يقول للخارص: إذا رأيت قوما قد خرفوا في حائطهم فانظر قدر ما ترى أنهم يأكلون، فلا يُخرص عليهم.
أي أقاموا فيه وقت اختراف الثمار، وهو الخريف، يقال: خرف القوم بمكان كذا وصافوا وشتوا، وأما أخرفوا وأصافوا وأشتوا فمعناها الدخول في هذه الأوقات.
* * * * علي عليه السلام - أتاه قوم برجل فقالوا: إن هذا يؤمنا ونحن له كارهون، فقال له علي: إنك لخروط. أتؤم قوما وهم لك كارهون! شبهه في تهوره وتهافته في الأمر بجهله بالفرس الخروط؛ وهو الذي يجتذب رسنه من يد ممسكه ويمضي هائما.
* * * * البرق مخاريق الملائكة.
جمع مخراق؛ وهو ثوب يفتل يتضارب به، ثم يقال للسيوف الخفاف: نخاريق تشبيها. قال:
مخاريقٌ بأَيدي لاَعِبينَا
* * * * قال سويد بن غفلة رحمه الله: دخلت على علي عليه السلام يوم الخروج فإذا بين يديه فاثور، عليه خبز السمراء، وصحفة فيها خطيفة وملبنة، فقلت يا أمير المؤمنين؛ يوم عيد وخطيفة! فقال: إنما هذا عيد من غفر له.
يقال ليوم العيد: يوم الخروج، ويوم الزينة، ويوم الصف، ويوم المشرق.
الفاثور: الخوان من الرخام ونحوه، ويقال للجام أو الطست من الذهب أو الفضة: فاثور، ومنه قيل لقرص الشمس فاثورها.
السمراء: الخشكار لسمرته، كما قيل للباب: الحواري لبياضه، والسمراء أيضاً من أسماء البر.
الصحفة: القطعة المسلنطحة.
الخطيفة: الكبولاء. وقيل: لبن يوضع على النار، يذر عليه دقيق، ويطبخ، ويختطف بالملاعق.
الملبنة: ملعقة يلعق بها الخطيفة ونحوها، وهي من اللبن.
يوم عيد: خبر مبتدؤه محذوف، ولا يجوز أن يكون استفهاما لأن حرف الاستفهام لا يجوز حذفه إلا في مثل قولك: زيد في الدار أم على السطح؛ لأن أم العديلة للهمزة تدل عليها، ولو قلت: زيد في الدار، وأنت تريد الاستفهام كنت مخطئاً عند البصريين.
* * * * سعد رضي الله عنه - ما خرمت من صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم شيئاً.
أي ما تركت، وأصله القطع.
* * * * زيد رضي الله عنه - قال في الخرمات الثلاث في كل واحدة منها ثلث الدية.
جمع خرمة، وهي من الأخرم، كالشترة من الأشتر.
والمعنى: إذا خرم الوترة والناشرتين كانت عليه الدية، وإذا خرم واحدة منها فعليه الثلث.
* * * * الخدري رضي الله عنه - لوسمع أحدكم ضغطة القبر لخرع.
أي انكسر وضعف، ومنه الخروع؛ وهو كل نبات لين.
وفي حديث يحيى بن أبي كثير: لا يؤخذ في الصدقة الخرع.
أراد الصغير؛ لأنه ضعيف.
وعن أبي طالب: لولا أن قريشا تقول أدركه الخرع - أي الخور - لأقررت بها عينيك.
* * * * الأشعري رضي الله عنه - مثل الذي يقرأ القرآن، ويعمل به كمثل الأترجة، طيب ريحها، طيب خراجها. ومثل الذي يعمل به ولا يقرؤه كمثل النخلة؛ طيب خراجها ولا ريح لها.
كل ما خرج من شيء من نفعه فهو خراجه؛ فخراج الشجر ثمره، وخراج الحيوان نسله ودرُّه.
* * * * * أبو هريرة رضي الله عنه - كره السراويل المخرفجة.
هي الواسعة التي تقع على ظهور القدمين، ومنها عيش مخرفج.
السراويل: معربة، وهي اسم مفرد واقع في كلامهم على مثال الجمع الذي لا ينصرف كقناديل؛ فيمنعونه الصرف. قال يصف ثورا:
يُمَشِّي بها ذَبُّ الرِّيَاد كأَنّه ... فَتىً فارِسيٌّ في سَرَاوِيِلِ رَامِح
ويقال في معناها: سراولة. قال:
عَلَيْه مِنَ اللُّؤْمِ سِرْاَولةٌ
وعن الأخفش: إن من العرب من يراها جمعاً وأن كل جزء من أجزائها سروالة.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - يتخارج الشريكان وأهل الميراث.
أي إذا كان بينهم شيء غير مقسوم جاز لكل واحد منهم بيع نصيبه من الآخر، ولا يجوز له بيعه من أجنبي إلا بعد القبض والحيازة، وهو تفاعل من الخروج، كأنه يخرج كل واحد عن ملكه إلى صاحبه بالبيع.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - قال في الذي يقلد بدنته فيضن بالنعل: يقلدها خرابة.
هي بتشديد الراء وتخفيفها: عروة المزادة، ويقال لثقب الورك أيضا خرابة باللغتين، ولفم الدبرة التي تفتح وتشكر: خرّابة - بالتشديد.
* * * * في الحديث: كان فلان إذا دُعي إلى طعام قال: أفي خرس أم عرس أم إعذار؟ فإن كان في واحد من ذلك أجاب وإلا لم يجب.
الخرس: طعام الولادة، والخرسة ما تطعمه النفساء نفسها. وفي أمثالهم: تخرَّسي لا مخرِّسة لك. وكأنه سمِّي خرسا؛ لأنه يصنع عند وضعها وانقطاع صرختها.
* * * * إن قوم صالح عليه السلام سألوه أن يُخرج لهم من الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء.
قيل: على خلقة الجمل، وقيل: مشاكلة للبخت، وهي من قولهم: اخترجه بمعنى استخرجه؛ فإما أن تكون التي استخرجت من شكل الذكور أو من شكل البُخْت.
الجوفاء: الواسعة الجوف.
* * * * كان كتاب فلان مخربشاً.
الخربشة والخرمشة والخرفشة معناها التشويش والإفساد.
* * * * الخارقة في " حل " . تخترق في " فض " . أو خرقاء في " شر " . خارف في " نص " . اللبن الخريف " هن " . يخرش في " قز " . خرفة الصائم وخرسة مريم في " حب " . الخربة في " ثم " . مخرّبة في " حل " . المخردل في " وب " . فخرق في " اج " . مخرفا في " عذ " . خارك في " را " . مخرنطمة في " سو " .
* * * *
الخاء مع الزاي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن كعب بن الأشرف عاهده ألا يعين عليه ولا يقاتله، ولحق بمكة، ثم قدم المدينة معلنا معاداة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخزع منه هجاؤه له، فأمر بقتله.
الخزع: القطع، ومنه خزاعة، لأنهم تخزعوا عن أصحابهم وأقاموا بمكة، وخزع منه كقولهم: نال منه وشعث منه، ووضع منه.
والضمير في منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: معناه قطع الهجاء عهده وذمته، والضمير على هذا لكعب.
* * * * حذيفة رضي الله عنه - إن الله تعالى يصنع صانع الخزم ويصنع كل صنعة.
الخزم: شجر يتخذ من لحائه الحبال، الواحدة خزمة، وبالمدينة سوق الخزامين، والمراد بصانع الخزم: صانع ما يُتّخذ من الخزم.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - قال له رجل: إن أخوانك من أهل الكوفة يقرئونك السلام، ويامرونك أن تعظهم. قال: اقرأ عليهم السلام، ومرهم أن يعطوا القرآن بخزائمهم.
جمع خزامة، وهي شيء من الشعر كالخشاش من العود في أنف البعير، والمراد اتِّباعهم القرآن منقادين لأحكامه.
أعطى: منقول بالهمزة، من عطا الشيء، إذا تناوله، فهو متعد إلى مفعولين، ووجه دخول الباء هاهنا على المفعول الثاني، وفي قولهم أعطى بيده إذا انقاد ووكل أمره إلى من عنى له بيان ما تضمن من زيادة المعنى على معنى الإعطاء المجرد.
* * * * معاوية رضي الله عنه - حبسه عتبان بن مالك على خزيرة تصنع له.
هي حساء من دقيق ودسم، وقيل: الحريرة من الدقيق والخزيرة من النخالة.
* * * *
في الحديث: إن الشيطان لما دخل سفينة نوح عليه السلام: اخرج يا عدو الله من جوفها، فصعد على خيزران السفينة.
هو سكَّانها. قال المبرد يقال للمردي: خيزرانة إذا كان يتثنى إذا اعتمد عليه. والخيزران: كل غصن متثن.
* * * * خزقتهم في " بد " . لا خزام في " زم " . ولا تخزوا في " حم " . خزية في " حز " . فخزل في " قص " .
* * * *
الخاء مع السين
عمر رضي الله عنه - إن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه سأله عن الشعراء، فقال: امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصح بصر.
أي أنبطها وأغزرها، من قولهم: خسف البئر: إذا حفرها في حجارة فنبعت بماءٍ كثير، فهي خسيف.
يريد أنه أول من فتق صناعة الشعر، وفنن معانيها، وكثّرها وقصَّدها؛ فاحتذى الشعراء على مثاله.
افتقر: افتعل من الفقير، وهو فم القناة بمعنى شقّ وفتح، جعل للشعر بصراً صحيحا، وجعل ذلك البصر مفتوحا باصراً، وهو في المعنى لمتأمله والناظر فيه كقوله تعالى: (وآتينَا ثمُودَ النَاقة مُبْصِرَةً). وكذلك وصفه المعاني بالعور في الحقيقة لمتأملها، يعني أنها لغموضها وخفائها عليه كأنه أعمى عنها.
والمراد أن امرأ القيس قد أوضح معاني الشعر، ولخصها، وكشف عنها الحجب، وجانب التعويص والتعقيد.
ومحل عن وما دخل عليه النصب على الحال، كأنه قال: فتح للشعر أصح بصر مجاوزا للمعاني العور متخطياً لها.
* * * * أخسفت في " شج " . يسومكم خسفاً في " جم " . خسيستنا في " حد " .
* * * *
الخاء مع الشين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال في مكة: لا تزول حتى يزول أخشباها.
هما أبو قبيس والأحمر، وهو جبل مشرف وجهه على قيقعان.
والأخشب: كل جبل خشن غليظ، وأخاشب: جبال بالصمان.
وفي حديثه الآخر أن جبرئيل قال له: يا محمد؛ إن شئت جمعت عليهم الأخشبين، فعلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفكلٌ وقال: دعني أُنذر قومي.
الأفكل: الرعدة.
أُنذر: مجزوم بحرف شرط مضمر، تقديره فإن تدعني أُنذر، ولو رفع لكان متجها على أنه يكون حالا أو كلاما مستأنفا كقوله:
وقال قائلهم أرْسُوا نُزَاولها
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لبلال: ما عملك، فإني لا أراني أدخل الجنة، فأسمع الخشفة فأنظر إلا رأيتك.
الخشفة: الحس والحركة؛ ومنها: الخشف وهو الغزال إذا تحرك.
أراني: من الرؤية، بمعنى العلمبدليل تعديه إلى ضمير فاعله. وأدخل في موضع المفعول الثاني. ورأيتك في موضع الحال بإضمار قد، كأنه قيل: لا أراني ناظرا إلا رائيا لك.
* * * * وروى: ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشة، فقلت: من هذا. فقالوا: بلال، ثم مررت بقصر مشيد بزيع، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا لعمر بن الخطاب.
الخشخشة: حركة فيها صوت. قال العجاج:
خَشْخَشَة الرِّيح الحَصَادَ اليُبَّسَا
البزيع: الحدث الظريف، وقد بزع بزاعة، فشبه به القصر في حسنه.
* * * * دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تُطعمها ولم تسقها، ولم ترسلها فتأكل من خشاش الأرض.
أي من هوامها. الواحدة خشاشة، سميت بذلك لاندساسها في التراب، من خشَّ في الشيء، إذا دخل فيه يخش، وخشه غيره يخشه. ومنه الخشاش، لأنه يخش في أنف البعير.
في هرة: أي في معناها وبسببها.
* * * * في ذكر المنافقين: مستكبرون لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل، صُخب بالنهار - وروى: سُخب - بالسين.
شبههم في تمددهم نياما بالخشب المطرَّحة، ويقال للقتيلخرَّ كأنه خشبة، وكأنه جذع. قال جميل بن معمر:
قعدتُ له والقومُ صَرْعَى كأنهم ... لدَى العِيس والأكْوَار خُشْبٌ مُطَرَّحُ
السخب والصخب: اختلاط الأصوات، والأصل السين، ومنه السِّخاب، وهو القلادة من القرنفل، وقيل: ومن خرز؛ لإجراسه، والصاد بدل، والذي أُبدلت له وقوع الخاء بعدها: كقولهم: صخر في سخر؛ والغين والقاف والطاء أخوات الخاء في ذلك، يقال: أصبغ ويصاقون ومصيطر! والمراد رفع أصواتهم وضجيجهم في المجادلات والخصومات وغير ذلك.
* * * *
عمر رضي الله عنه - أتاه قبيصة بن جابر فقال: إني رميت ظبياً، وأنا محرم، فأصبت خششاءه، فركب ردعه، فأسن فمات. فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فشاوره، ثم قال: اذبح شاة. فقال قبيصة لصاحبه: والله ما علم أمير المؤمنين حتى سأل غيره، وأحسبني أني سأنحر ناقتي! فسمعه عمر فأقبل عليه بالدرة، وقال: أتغمص الفتيا وتقتل الصيد وأنت محرم؟ قال الله تبارك وتعالى: (يَحْكُمُ به ذَوَا عَدْلٍ منكم). فأنا عمر وهذا عبد الرحمن! الخششاء: العظم الناتئ خلف الأذن، وهمزتها منقلبة عن ألف التأنيث، وأما همزة الخشاء ووزنها فعلاء كقوباء، وهذا الوزن قليل فيما قال سيبويه - فمنقلبة عن ياء للإلحاق، ونظير هذه الهمزة في كونها تارة للتأنيث وأخرى للإلحاق ألف علقي، وهي من خش لأنها عظم مركوز في اليافوخ مركب فيه.
الردع: التضميخ بالزعفران، وثوب مردوع: مزعفر، وكثر حتى قيل للزعفران نفسه: ردع، وهو في قولهم: ركب ردعه اسم للدم على سبيل التشبيه، ومثله الجسد هو الزعفران والدم، ومعنى ركوبه دمه أنه جرح فسال دمه فوقه متشحطا فيه.
وعن المبرد أنه من ارتدع السهم: إذا رجع النصل في السنخ متجاوزاً، وأن معناه سقط، فدخلت عنقه في جوفه.
وفيه وجهان: أحدهما أن يكون الردع بمعنى الارتداع على تقدير حذف الزوائد. والثاني أن يكون من ردع الرامي السهم: إذا فعل به ذلك، ومنه ردع السهم: إذا ضرب نصله بالأرض ليثبت في الرعظ، والتقدير ركب ذات ردعه؛ أي عنقه، فحذف المضاف، أو سمى العنق ردعاً على الاتساع.
أسن: ديربه، من أسن المائح.
الغمص: التسخط والاستحقار.
* * * * إن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال له: أكثرت من الدعاء بالموت حتى خشيت أن يكون ذلك أسهل لك عند أوان نزوله، فإذا مللت من أمتك؛ أما تعين صالحاً أو تقوّم فاسداً؟ فقال: يابن عباس؛ إني قائل قولاً وهو إليك. قال: قلت لن يعدوني. قال: كيف لا أحب فراقهم وفيهم ناسٌ كلهم فاتح فاه للهوة من الدنيا إما بحق لا ينوء به أو بباطل لا يناله، ولولا أن أُسأل عنكم لهربت منكم، فأصبحت الأرض مني بلاقع، فمضيت لشأني وما قلت ما فعل الغالبون.
خشيت: رجوت.
وهو إليك: أي مسرٌّ إليك.
اللهوة: ما ألقى من الحب في فم الرحى، فاستعيرت للعطية والمنالة.
ناء بالحمل: إذا نهض.
البلاقع: جمع بلقع وهو الخالي. وصف بالجمع مبالغة كقوله:
كأَن قتود رَحْلي حين ضَمَّتْ ... حَوَالِبَ غُرَّزاً وَمِعاً جِيَاعاً
* * * * سلمان رضي الله عنه - ذكره أبو عثمان، فقال: كان لا يكاد يفقه كلامه من شدة عجمته، وكان يُسمى الخشب خشبان.
قد أُنكر هذا الحديث: لأن كلامه يضارع كلام الفصحاء. والخشبان في جمع الخشب صحيح مروي، ونظيره سلق وسلقان وحمل وحملان. وقال:
كأنهم بجنوب الْقَاع خُشْبَان
ولا مزيد على ما يتعاون على ثبوته القياس والرواية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - كان سهم بن غالب من رءوس الخوارج خرج بالبصرة عند الجسر، فآمنه عبد الله بن عامر، فكتب إلى معاوية: قد جعلت لهم ذمتك.
فكتب إليه معاوية: لو كنت قتلته كانت ذمةً خاشفت فيها.
فلما قدم زياد صلبه على باب داره.
أي سارعت إلى إخفارها. يقال: خاشف فلان في الشر، وخاشف الإبل ليلته: إذا سايرها؛ يريد لم يكن في قتلك له إلا أن يقال: قد أخفر ذمَّته، يعني أن قتله كان الرأي.
* * * * في الحديث: إذا ذهب الخيار وبقيت خشارة كخشارة الشعير لا يبالي بهم الله بالة.
هي من كل شيء رديه ونفايته، وقيل: هو من الشعير ما لا لبَّ له.
البالة: أصلها بالية كعافية بمعنى المبالاة.
* * * * لتركبن سنن من كان قبلكم ذراعاً بذراع حتى لو سلكوا خشرم دبر لسلكتموه. قيل: هو بيت النحل ذو التخاريب، ويقال لجماعة النحل: خشرم.
والدبر: النحل، ويمكن أن يجعل اشتقاقه من التدبير؛ لما في عمله من النيقة.
* * * * أخاشب في " عب " . المخشوش في " مد " . خشمه في " سل " . واخشوشنوا في " فر " . من أخشن في " نش " . خُشنا في " نب " . خُشاش المرأة في " سح " . خاشى بهم في " دف " . خشعة في " حش " . خشّ في " فق " . من خشاشة في " جم " .
* * * *
الخاء مع الصاد
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يصلي فأقبل رجل في بصره سوء، فمرَّ ببئر عليها خصفة؛ فوقع فيها؛ فضحك بعض من كان خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمرهم بإعادة الوضوء والصلاة.
الخصفة: واحدة الخصف، وهي جِلال نجرانية يُكنز فيها التمر، وكأنه فعل بمعنى مفعول، من الخصف؛ وهو ضم الشيء إلى الشيء، لأنه شيء مرمول من خُوص، ومنه خصف النعل، وشبه به ضرب من الثياب الغلاظ جداً، فقيل له: خصف.
ومنه الحديث: إن تُبَّعاً كسا البيت المسوح، فانتفض البيت منه، ومزَّقه عن نفسه ثم كساه الخصف فلم يقبله، ثم كساه الأنطاع فقبلها.
* * * * جاء صلى الله عليه وآله وسلم إلى البقيع ومعه مخصرة له، فجلس ونكت بها في الأرض، ثم رفع رأسه وقال: ما من منفوسة إلا وقد كتب مكانها في الجنة والنار.
المخصرة: قضيب يشير به الخطيب والملك إذا خاطب. قال:
يكادُ يُزيل الأَرضَ وَقْعُ خِطَابهِمْ ... إذا وَصَلُوا أيمانهمْ بالمَخَاصِرِ
ويقال: اختصرتها وتخصَّرت بها: إذا أمسكتها بيدك. قال أبو الفتح الهمداني النحوي: هي من الخنصر، لأنها إما أن تكون بعلاقة فيعتلقها صاحبها بخنصره، وإما ألا تكون بعلاقة فيجعلها بين خنصره وبنصره. ووزن خنصر فنعل من الاختصار لصغرها.
النكت في الأرض: أن يضربها ويخط فيها، وهذه من صفة المفكر المهموم، كما قال ذو الرمة:
عَشِيَّةَ مالِي حِيلةٌ غيرَ أنَّني ... بلَقْطِ الحَصَى والخطِّ في الدَّارِ مُولَعُ
المنفوسة: المولودة، نفست المرأة نفاسا: إذا ولدت فهي نافس، والولد منفوس. قال:
كما سقط المَنْفُوس بين القَوَابِل
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل مختصراً - وروى: متخصراً. هما بمعنى الواضع يده على خاصرته.
* * * * وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: الاختصار في الصلاة راحة أهل النار.
قيل معناه أن هذا فعل اليهود في صلاتهم وهم أهل النار، لا أن لأهل جهنم راحةً، لقوله تعالى: (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وهُمْ فيهِ مُبْلِسُونُ).
وقيل: هو أن يأخذ بيده مخصرة يتكئ عليها. وقيل الاختصار: أن يقرأ آية أو آيتين من آخر السورة ولا يقرأها بكمالها في فرضه.
ومنه: إنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن اختصار السجدة.
وهو أن يقرأ السجدة، فإذا انتهى إلى موضعها تخطَّاه.
وأما الحديث - المختصرون يوم القيامة على وجوههم النور.
فهم الذين يتهجدون، فإذا تعبوا وضعوا أيديهم على خواصرهم، وقيل: هم المتكئون على أعمالهم يوم القيامة.
* * * * قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله؛ أراك كساهم الوجه؛ أمن علة؟ قال: ولكنه السبعة دنانير التي أُتينا بها أمس نسيتها في خُصم الفراش فبتّ ولم أقسمها.
هو الجانب، وجمعه خصوم وأخصام.
ومنه قول سل بن حنيف رحمه الله يوم صفين لما حُكِّم الحكمان: إن هذا الأمر لا يُسدُّ منه والله خصم إلا انفتح علينا خصم آخر.
والمخاصمة: من الخصم، كما أن المشاقة من الشق، لأن المتجاذبين كلاهما منحاز إلى جانب.
روى: الدنانير السبعة، وهي الرواية الصحيحة، لأن إضافة ما فيه لام التعريف في غير أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة لا وجه لها.
* * * * بادروا بالأعمال ستّا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، ودابة الأرض، وخويصة أحدكم، وأمر العامة.
الخويصة: تصغير الخاصة بسكون الياء، لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، ومثله أُصيم ومذيقّ، في تصغير أصمّ ومذقّ، والذي جوز فيها نظائرها التقاء الساكنين، أن الأول حرف لين، والثاني مدغم، والمراد حادثة الموت التي تخصّ المرء، وصُغِّرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث العظام من البعث والحساب وغير ذلك.
العامة: القيامة لأنها تعم الخلائق. ومعنى مبادرة الست بالأعمال الانكماش في الأعمال الصالحة قبل وقوعها، وتأنيث الست لأنها خُطط ودواهٍ.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - كان يرمي فإذا أصاب جصلة قال: أنا بها، أنا بها.
الخصلة: المرة من الخصل، وهو الغلبة في النضال، يقال: خصلتهم خصلا وخصالا كأنه على خاصلتهم، فخصلتهم، كناضلتهم فنضلتهم. والتخاصل: التراهن في النضال، وأصل الخصل: القطع. ومنه: سيف مخصل، لأن المتراهنين يتقاطعون أمرهم على شيء معلوم.
أنا بها: أي أنا جئت بها وخصلتها فحذف.
ومثله قول عمر رضي الله عنه - وقد أتى بامرأة قد فجرت: من بك؟ أي من فعل بك؟ * * * * يخصف الورق في " فض " . متخصرا في " قر " . إذا تخصروا في " زخ " . خصبة في " زو " . مخصَّرة في " عق " . الخصيلة في " صد " . الخصفتين في " خر " . ولا يخصف في " نش " .
* * * *
الخاء مع الضاد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - خطب الناس يوم النحر، وهو على ناقة مخضرمة.
الخضرمة: أن يُجعل الشيء بين بين، فالناقة المخضرمة: هي التي قطع شيء يسير من طرف أُذنها؛ لأنها حينئذ بين الوافرة الأذن والناقصتها، وقولهم للخفض: خضرمة تشبيه بذلك؛ لأن ما يحذف يسير، وقيل: هي المنتوجة بين النجائب والعكاظيات، ويقال للحم الذي لا يدري أمن ذكر هو أم من أنثى مخضرم، ومنه المخضرم من الشعراء: الذي أدرك الجاهلية والإسلام.
* * * * نهى صلى الله عليه وسلم عن المخاضرة.
وهي بيع الثمار خضر لمَّا يبد صلاحها.
* * * * قال أبو سفيان رضي الله عنه يوم فتح مكة: يا رسول الله؛ قد أُبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم.
هي جماعتهم وكثرتهم؛ سميت بذلك من الخضرة التي بمعنى السواد، كما قيل لها سواد ودهماء، ومثلها تسميتهم اللبن المخلوط بالمء خضاراً، كما سموه سماراً؛ شبهوها في تكاثفها وترادفها بالليل المظلم، وقد صرحوا بذلك فقالوا: أقبلوا كالليل المظلم. وقال:
ونحنُ كاللَّيل جاشَ في قتمه
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم في فتح مكة: إنه أمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي حيث تمر به الكتائب، فحبسه حتى مر المسلمون، ومر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في كتيبته الخضراء.
هي التي غلبها سواد الحديد كما قيل الجأواء.
ومنه حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: إن الحارث بن حكيم تزوج امرأة أعرابية، فدخل عليها، فإذا هي خضراء؛ فكرهها ولم يكشفها، فطلقها، فأرسل مروان في ذلك إلى زيد فجعل لها صداقاً كاملا.
الصداق بالكسر أفصح عند أصحابنا البصريين.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي مات فيه: أجلسوني في المخضب فاغسلوني.
هو المركن، سمي بذلك؛ لأنه يجعل فيه ما يُخضب به.
* * * * إياكم وخضراء الدمن. قيل: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء.
ضرب الشجرة التي تنبت في ملقى الزبل فتجئ مخضرة ناضرة، ولكن منبتها خبيث قذر، مثلا للمرأة الجميلة الوجه اللئيمة المنصب.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لأم سليم: خضلي قنازعك.
الخضل: الندى، وخضل واخضل: إذا ندى، والتخضيل: التندية.
القنازع: شعر متفرق في الرأس في مواضع شتى بعد الحلق أو النتف، الواحدة قنزعة، يقال: لم يبق من شعره إلا قنزعة، ونونها زائدة من الرأس المقزع.
أمرها بإزالة الشعث وتطاير الشعر والتندية بالماء أو الدهن.
* * * * عمر رضي الله عنه - مر رجل برجل وامرأة قد خضعا بينهما حديثاً، فضرب الرجل حتى شجه، فرفع إلى عمر رضي الله عنه فأهدره.
خضع يكون متعديا ولازما. قال جرير:
أعدَّ اللهُ للشُّعَراءِ منِّي ... صَوَاعِق يَخْضَعُون لها الرِّقَابا
والمراد خفض الحديث وتليينه.
* * * * كان يقول: اغزوا والغزو حلو خضر قبل أن يكون ثماما، ثم رماما، ثم يكون حطاما.
وكان يقول: إذا انتطت المغازي، واشتدت العزائم، ومُنعت الغنائم فخير غزوكم الرباط.
الخضر: الأخضر، والمراد الطريّ.
والثمام: شجر ضعيف.
والرمام: الهشيم من النبت.
وقيل: هو حين تنبت رءوسه فترم، أي تؤكل.
وحطام كل شيء: كسارته.
والمعنى: عليكم بالغزو، وهو لعدل ولاة الأمر في قسمة الفيء، ولما ينزل الله من النصر وييسر من الفتح ببركة الصالحين كالثمرة في وقت طراوتها وحلاوتها وخلوها من الآفات قبل أن يتدرج في الوهن إلى أن يشبه حطام اليبيس ودقاقه.
انتاطت:بعدت؛ افتعلت من نياط المفازة؛ وهو بعدها؛ كأنها نيطت بأخرى. المغازي: مواضع الغزو ومتوجهات الغزاة.
العزائم: عزمات الأمراء على الناس في الغزو إلى الأقطار البعيدة وأخذهم به.
الراط: المرابطة، وهي الإقامة في الثغر.
* * * * الزبير رضي الله عنه - عن عروة ابنه: كان الزبير طويلا أزرق، أخضع أشعر،ربما أخذت وأنا غلام بشعر كتفيه حتى أقوم. يخط رجلاه إذا ركب الدابة، نُفُج الحقيبة.
الأخضع: الذي فيه جنأ.
الأشعر: الكثير الشعر.
النفج: صفة كالسرح والسجح، بمعنى المنتفج، وهو الرابي المرتفع.
والحقيبة: كل ما يجعله الراكب وراء رحله، فاستُعيرت للعجز.
والمعنى: أنه لم يكن بأزلّ.
* * * * أبو ذر رضي الله عنه - عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ما أظلَّت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر.
هي السماء، وتسمى الجرباء والرقيع والرقع.
وروى في اللهجة سكون الهاء وفتحها، وأن الفتح أفصح. وقال أبو حاتم عن الأصمعي: اللهجة الهاء ساكنة، ول يعرف اللهجة، وقيل: لهجة اللسان ما ينطق به من الكلام، وإنها من لهج بالشيء، ونظيرها قول بعضهم في اللغة: إنها من لغى بالشيء إذا أُغري به.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - مر بمروان وهو يبني بنياناً له، فقال: ابنوا شديدا، وأمِّلوا بعيدا، واخضموا فسنقضم.
الخضم: المضغ بأقصى الاضراس، وهو من الكثرة، ومنه الرجل الخضم الكثير العطية.
والقضم: بأدنى الأسنان، ومنه القضيم، وما ذقت قضاما.
والمعنى: استكثروا من الدنيا فإنا سنقنع منها بالدون.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - سُئل عن الخضخضةن فقال: هو خير من الزنا ونكاح الأمة خيرٌ منه.
هي الاستمناء، وهو استنزال المني في غير الفرج، وأصل الخضخضة: التحريك، يقال خضخض الماء في الإناء، والسكين في بطنه.
* * * * معاوية رضي الله عنه - رأى رجلا يجيد الأكل، فقال: إنه لمخضد.
هو الشديد الأكل يقال: الفرس يخضد خضدا. قال امرؤ القيس:
ويَخْضِدُ في الآرِيّ حتى كأَنما ... به عُرَّةٌ أو طائِفٌ غَيْرُ مُعْقِبِ
وهو من الخضد، وهو قطع الشيء الرطب. وقيل لأعرابي كان معجباً بالقثاء: ما يعجبك منه؟ فقال: خضده.
ومنه حديث مسلمة بن مخلد: إنه قال لعمرو بنالعاص: إن ابن عمك هذا لمخضد.
* * * * الحجاج - جاءته امرأة برجل فقالت: تزوجني على أن يعطيني خضلا نبيلا.
هو الدر الصافي ذو الماء، الواحد خضلة، وهي من الخضل بمعنى الندى.
* * * * مجاهد رحمه الله - ليس في الخضروات صدقة.
قيل هي من الفواكه مثل التفاح والكمثرى وغيرهما، وقيل: البقول، وإنما جاز جمع فعلاء هذه بالألف والتاء، ولا يقال نساء حمراوات، لاختلاطها بالأسماء.
* * * * وفي الحديث: تجنبوا من خضرائكم ذوات الريح.
أراد الثوم والبصل والكراث.
* * * * في الحديث: من خضر له في شيء فليلزمه.
أي من بورك له في صناعة أو حرفة أو تجارة فليقبل عليها؛ وتحقيقه: جعلت له الحال فيها خضراء.
* * * * مخضبة خضرة، وىكلة الخضر في " زه " . أخضلوا في " لع " . أخضر الشمط في " مع " . يخضل في " طي " . خضمة في " زو " . لم تخضد في " حد " . فيه خضرات في " بد " . خضرمنا النعم في " دج " . خضرتها في " قر " . خضراؤهم في " قو " . وخضده في " رب " .
* * * *
الخاء مع الطاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وعد رجلا أن يخرج إليه فأبطأ عليه، فلما خرج قال له: شغلني عنك خطمٌ.
قال ابن الأعرابي: هو الخطب الجليل، فميمه على هذا بدل من الباء، ونظيره قولهم: بنات مخرٍ في بنات بخر، ورأيته من كثم وكثب، وما زلت راتما على هذا وراتباً؛ ويحتمل أن يراد بالخطم أمر خطمه؛ أي منعه من الخروج.
* * * * نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخطفة.
هي المرة من الخطف، سُمّي بها العضو الذي يخطفه السبع، أو يقطعه الإنسان من أعضاء البهيمة الحية، وهو ميتة لا تحل، وأصل هذا أنه حين قدم المدينة رأى الناس يجبون أسنمة الإبل وأليات الغنم فيأكلونها.
* * * * سأله صلى الله عليه وآله وسلم معاوية بن الحكم عن الخطِّ. فقال: كان نبي من الأنبياء يخطُّ، فمن صادف خطه علم مثل علمه.
قال ابن الأعرابي: كان يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانا فيقول له: اقعد حتى أخطَّ لك، وبين يديه غلام معه ميل، ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط خطوطا كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو على مهله خطين خطين، فإن بقي منها خطان فهما علامة النجاح، فيقول الحازي: ابني عيان. أسرعا البيان. وإن بقي خطٌّ واحد فهو علامة الخيبة، والعرب تسمية الأسحم.
* * * *
تخرج الدابة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام، فتحلي وجه المؤمن بالعصا وتخطم أنف الكافر بالخاتم، حتى أن أهل الإخوان ليجتمعون فيقول هذا: يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر.
أي تؤثر على أنفه، من خطمت البعير: إذا وسمته بالكي بخطٍّ من الأنف إلى أحد خديه، وتسمى تلك السمة: الخطام.
الإخوان: الخوان، ومثاله الإسوار والسوار. وقال:
ومَنْحَر مِئْنَاثٍ تَجُرُّ حُوارَها ... ومَوْضِع إخْوَانٍ إلى جَنْبِ إخْوَانِ
* * * * أبو ذر رضي الله عنه - نرعى الخطائط، ونرد المطائط، وتأكلون خضما، ونأكل قضما، والموعد الله.
الخطيطة: الأرض التي لم تمطر بين ممطورتين.
المطيطة: الماء المختلط بالطين الذي يتمطط، أي يتمدد بخثورته.
الخضم والقضم: قد مضى تفسيرهما آنفا.
ابن عباس رضي الله عنهما - سُئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها، فقالت: فأنت طالق ثلاثا. فقال ابن عباس: خطَّأَ الله نوءها! ألا طلقت نفسها ثلاثا.
أي جعله مخطئاً لها لا يصيبها مطره، ويقال للرجل إذا طلب حاجته فلم ينجح: أخطأ نوؤك - وروى: خطى؛ وهو يحتمل أن يكون من الخطيطة، وهي الأرض غير الممطرة وأصله خطَّط، فقُلبت الطاء الثالثة حرف لين، كقولهم: تقضَّى البازي والتظني ولا أملاه.
وروى بهذا المعنى خطّ بغير ألف، وما أظنه صحيحا، وأن يكون من خطَّى الله عنك السوء؛ أي جعله يتخطاها ولا يمطرها.
* * * * أنس رضي الله تعالى عنه - كان عند أم سليم شعير فجشَّته، فجعلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيفة وأرسلتني أدعوه.
هي لبن يُطبخ بدقيقويُختطف بالملاعق.
* * * * ابن مقرن رضي الله عنه - قام خطيبا في غزوة نهاوند، فقال: أيها الناس، إن هذه الأعاجم قد أخطروا لكم وأخطرتم لهم إخطارا؛ أخطروا رثةً وأخطرتم الإسلام؛ فنافحوا عن دينكم؛ ألا وإنكم باب بين المسلمين والمشركين إن كسر ذلك الباب دُخل عليهم منه. ألا وإني هازٌّ لكم الراية، فإذا هززتها فليثب الرجال إلى أكمة خيولها فيقرطوها أعنَّتها؛ ألا وإني هازٌّ لكم الراية الثانية فلتثب الرجال فتشدهما بينها على أحقائها، ثم ذُكر أن النعمان طعن برايته رجلاً ثم رفع رايته مختضبة دماً، كأنها جناح عقاب كاسر؛ وجُمعت الرثاث كأنها الإكام - بعد قتل النعمان - إلى السائب.
يقال: أخطر لي فلان وأخطرت له، إذا تراهنا. والخطر: ما وضعاه على يدي عدل، فمن فاز أخذه، وهو من الخطر بمعنى الغرر؛ لأن ذلك المال على شفا أن يفاز به ويؤخذ.
الرثة واحدة الرثاث: الأمتعة الردية، أراد الغنائم؛ فصغّر شأنها كما قالت أخت عمرو بن معد يكرب:
ولا تأخذوا منهم إفَالا وأَبْكرا ... وأُتْرك في بيت بصَعْدَة مُظْلِم
أراد أنهم لم يعرضوا للاستهلاك إلا متاعاً يهون قدره؛ وأنتم عرّضتم له ما هو أفخم الأشياء شأنا وأعظمها قدراً، وهو دين الإسلام؛ فضرب لذلك فعل المتخاطرين مثلا.
المنافحة: المدافعة، من نفحه بالسيف، وقوس نفوح: بعيدة الدفع للسهم، ونفح الرائحة: انتشارها واندفاعها.
الأكمة: جمع كمام وهو المخلاة التي تعلق بأعلى رأس الدابة، وكمام البعير: هو ما يُكوّ به فوه لئلا يعضّ.
التقريط: أن يجعلوا الأعنة وراء آذانها عند طرح اللجم في رءوسها، أُخذ من تقريط المرأة.
والمعنى: الأمر بنزع المخالي وإلجام الخيل.
الثانية: صفة للمصدر المحذوف، تقديره الهزة الثانية.
الهميان: الذي يُجعل فيه الدراهم ويشدّ على الحقو، فعلان من همى، لأنه إذا أُفرغ همى بما فيه، وسميت به المنطقة؛ لأنها تُشدّ مشدّة، والمراد هاهنا المناطق.
الكاسر: التي تكسر جناحيها إذا انحطَّت.
* * * * عائشة رضي الله عنها - وصى أبو بكر رضي الله عنه أن يُكفن في ثوبين كانا عليه، وأن يجعل معهما ثوب آخر؛ فأرادت عائشة أن تبتاع له أثوابا جدداً، فقال عمر: لا يُكفّن إلا فيما أوصى به. فقالت عائشة: يا عمر؛ والله ما وُضعت الخطم على آنفنا. فبكى عمر وقال: كفني أباك فيما شئت.
كُني عن الولاية والملك بوضع الخطم؛ لأن البعير إذا مُلك وضع عليه الخطام.
والمعنى: ما ملكت علينا أمورنا فتنهانا أن نصنع ما نريد فيها.
* * * *
وما يخطر في " سن " . خطيطه في " ضف " . فتخطمه في " هض " . وخطيفة في " خر " . كالخطائط في " سل " . المخاطب في " رس " . خطر في " أر " . عن خطمه في " حت " . خطّارة في " جن " . واسوق خطوي في " ذق " .
* * * *
الخاء مع الفاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أيما سية غزت فأخفقت كان لها أجرها مرتين.
أي لم تغنم، وحقيقته صادفت الغنيمة خافقةً غير ثابتة مستقرة؛ فهو من باب أجنبته وأنحلته وأقحمته.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم عطية؛ إذا خفضت فأشمي، ولا تنهكي؛ فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج.
الخفض: ختن المرأة خاصة، شبَّه القطع اليسير بإشمام الرائحة.
والنهك: المبالغة فيه.
أسرى، من سروت عنه الثوب: إذا كشفته، أي أجلى للوجه، وأصفى للونه؛ والضمير في فإنه للإشمام.
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - ذكر المسلمين فقال: فمن ظلم منهم أحداً فقد أخفر الله، ومن ولى من أمر الناس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله، ومن صلى الصبح فهو في خفرة الله.
خفرت الرجل أجرته، وحفظت عهده وأخفرته: نقضت عهده، الهمزة فيه مثلها في أشكيته، كأن المعنى: أزلت خُفرته.
كتاب الله، أي مراسمه في العدل والإنصاف.
البهلة - بالفتح والضم: اللعنة.
* * * * أبو ذر رضي الله عنه - قدم مكة عند إسلامه، فذكر أنه كان يمشي نهاره، فإذا كان الليل سقطت كأني خفاء.
هو الكساء الذي وطب اللبن، من خفي، قال ذو الرمة:
عليه زَادٌ وأَهْدَام وأخْفية
كان هي التامة المستغنية عن الخبر.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - مثل المؤمن الضعيف كمثل خافت الزرع، يميل مرة ويعتدل أخرى - وروى: خافتة الزرعِ وخافة الزرع.
الخافت والخافتة: ما لان وضعف، ولحوق التاء على تأويل السنبلة، وأما الخافة فهي فعلة من باب خوف، وهي وعاء الحب؛ سميت بذلك لأنها وقاية له. ويقال للعيبة والخريطة التي يشتار فيها العسل: خافة من هذا، والخوف هو الاتقاء.
والمعنى إنه ممنوٌّ بأحداث الزمان مرزأٌ لا يستقيم في أمر دنياه استقامة غيره.
* * * * ابن أُسيد رضي الله عنه - ذكر الدجال فقال: يخرج في قلة من الناس، وخفقة من الدين، وإدبار من العلم.
هي من خفق إذا اضطرب، أو خفق الليل: إذا ذهب أكثره، أو خفق النجم إذا انحطّ في المغرب، أو من خفق خفقة، إذا نعس نعسة، والمعنى فترة أمره.
* * * * عبيدة السلماني رحمه الله تعالى - سُئل عن موجب الجنابة، فقال: الخفق والخِلاط - وروى: الدفق.
هو الإيللاج، وأصله الضرب، يقال: خفقه بالدرة.
والخلاط: مخالطة الرجل المرأة.
* * * * مجاهد رحمه الله - سأله حبيب بن أبي ثابت، فقال: إني أخاف أن يؤثِّر السجود في جبهتي. فقال: إذا سجدت فتخافَّ.
أي ضع جبهتك على الأرض وضعاً خفيفا من غير اعتمادٍ.
ومنه حديث عطاء: خفّوا على الأرض - وروى: فجتافَّ.
* * * * تختفوا في " حف " . أخفواً في " قع " . خفر في " بج " . خافجة في " لب " .
* * * *
الخاء مع القاف
عبد الملك - كتب إلى الحجاج: أما بعد فلا تدع خقاًّ من الأرض، ولا لقاًّ إلا زرعته.
الخقُّ: الخد في الأرض، يقال: خقّ فيها وخدَّ.
واللق: الصدع - وروى عن يوسف بن عمر أنه قال: إن عاملا من عمالي كتب إليّ يذكر أنه زرع كل حق ولق، بالحاء والضم، وفسر الحُقّ بالأرض المطمئنة، واللقُّ بالمرتفعة.
* * * * أخاقيق في " وق " .
* * * *
الخاء مع اللام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن الله تعالى جعل حسنات ابن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقال جل ثناؤه: إلا الصوم؛ فإن الصوم لي، وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
خلف فوه خلوفة وخلوفاً، وأخلف إخلافا: إذا تغير. قال ابن الأحمر:
بانَ الشبابُ وأَخْلَف العَمْرُ ... وتنكّر الإخوانُ والدَّهْر
أراد بالعمر: اللحم الذي بين الأسنان، قال المبرد في تفسيره: خلف: حدثت له رائحة بعدما عهدت منه، ولا يقال: خلوف لمن لم يزل ذلك منه. ومنه اللحم الخالف، وهو الذي تجد منه رويحةً.
ومنه حديث علي عليه السلام - حين سُئل عن القُبْلَة للصائم، فقال: وما أربك إلى خلوف فيها؟ * * * * ليردن عليَّ الحوض أقوامٌ ليختلجن دوني.
أي ليجتذبن، ويقتطعن عني.
* * * *
صلى صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه صلاة جهر فيها بالقراءة، وقرا قارئ خلفه فجهر فلما سلم قال: لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها.
أي جاذبني القراءة ونازعنيها.
وفي حديث آخر: مالي أُنازع القرآن! * * * * بعث صلى الله عليه وآله وسلم رجلا على الصدقة، فجاء بفصيل مخلول، أو محلول، فقال: هذا من صدقة فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا بارك الله له في إبله؛ فبلغ الرجل دعاؤه فجاء بناقة كوماء، فتلها إليه، فدعا له في إبله بالبركة.
المخلول: الذي خُلّ لسانه لئلا يرضع عند الفطام فهُزل.
والمحلول: الذي كأنما حُلَّ عن أوصاله اللحم وخُلع لفرط هزاله.
تلها: أناخها، من تللت الرجل: إذا صرعته.
الكوماء: المرتفعة السنام، من كومت الشيء: إذا ركمته.
* * * * قال أبو رفاعة رضي الله عنه. أتيته صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب، فقلت: إني رجل جاهل غريب لا يعلم دينه، فترك الناس ونزل، فقعد على كرسي خلبٍ، قوائمه من حديد.
هو ليف النخل. قال:
ومُطَّردا كرِشَاءِ الجَرُو ... رِ مِنْ خُلُب النَّخْل لم ينْأَدِ
وهو الخلب بمعنى الانتزاع، يقال: خلب السبع الفريسة، ومنه الخلب لأنه ينتزع من النخل، وسمي ليفا، لأنه يلاف منه أي يؤخذ منه، من لاف المال الكلأ يلوفه.
ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم: إنه كان له وسادة حشوها خلب - وروى: سلب.
وهو قشور الشجر - وروى: فأُتي بكرسي من خلب قوائمه حديد فقعد عليه.
قال حميد بن هلال: أراه خشبا أسود، حسب أنه حديد.
* * * * لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة.
هو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة؛ أو صنم لهم.
وقيل: كان عمرو بن لحي بن قمعة نصبه بأسفل مكة حين نصب الأصنام في مواضع شتى، فكانوا يلبسونه القلائد، ويعلقون عليه بيض النعام، ويذبحون عنده، وكأن معناهم في تسميته بذلك أن عُبَّاده والطائفين به خلصة.
وقيل: هو الكعبة اليمانية.
وفي قول من زعم أنه بيت كان فيه صنم يسمى الخلصة نظر؛ لأن ذو لا يضف إلا إلى أسماء الأجناس.
والمعنى أنهم يرتدون ويعودون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان فترمل نساء بني دوس طائفات حول ذي الخلصة، فترتج أكفالهن.
ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لجرير بن عبد الله: تهيأ حتى تسير إلى بيت قومك خثعم وذي الخلصة، وتدعوهم إلى الإسلام وتكسر صنمهم. فقال: يا رسول الله إني رجل قلع، فقال: اللهم ثبته واجعله هادياً مهديًّا.
القلع: الذي لا يثبت في السرج.
ومنه الحديث: تكون ردة قبل يوم القيامة، حتى يرجع ناس من العرب كفارا يعبدون الأصنام بذي الخلصة.
وفيه دليل على أنه بيت أصنام.
* * * * عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله؛ ما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول أسلمت وجهي إلى الله وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، كل مسلم عن مسلم محرم، أخوان نصيران.
فقلت: يا نبي الله؛ هذا ديننا؟ قال: هذا دينكم وأينما تحسن يكفك.
التخلي: التفرغ. يقال: تخلى من الدنيا وتخلى للعبادة، وهو تفعل من الخلو، والمراد التبرؤ من الشرك، وعقد القلب على شرائع الإسلام.
كل من دخل في حرمة لا يسوغ هتكها فهو محرم؛ يعني أن حق كل مسلم أن يكون آمنا أذى مسلم مثله متباعداً عن استطالته عليه، ونكايته فيه، لكونه داخلا في حرمة الإسلام ومأمنه.
أخوان: خبر مبتدأ محذوف، معناه: هما أخوان، أي المسلمان حتم عليهما التناصر والتعاون؛ لا ينبغي لهما أن يتخاذلا.
ما في أينما زائدة؛ ليست مثلها في حيثما وإذما، ألا ترى أن أين جازمة للفعلين بدونها، ولكنها أفادت تاكيدا وضربا من الشياع الزائد.
والمعنى: هذا دينكم وأنتم كما قلت في المحافظة على هذه الحدود وإقامة هذه الفرائض، وعلى أن الأمر كذلك؛ ففي أي مقامة من مقامات الخير أوقعت إحسانا وبرا على سبيل التبرع أجدى عليك ونفعك عند الله فلا تعجز أن تفعل.
* * * * ثلاث آيات يقرؤهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات سمان عظام.
الخلفة: الناقة الحامل.
* * * * كانت له صلى الله عليه وآله وسلم خشبة يقوم عندها إذا خطب، فقالوا: لو جعلنا لك شيئا تقوم عليه حتى تُسمع الناس؟ فحنَّت الخشبة حنين الناقة الخلوج، فأتاها فضمها إليه.
هي التي اختلج عنها ولدها، أي انتزع.
لو: بمعنى ليت، وقد سبق مثلها مع الشرح.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم في مكة: لا يُختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد.
الخلي: الرطب من الخلي، كما أن الفصيل من الفصل وهما القطع؛ يقال: خلى الخلي يخليه واختلاه: إذا جزه، وحقه أن يكتب بالياء، ويثني خليان.
اللقطة - بفتح القاف، والعامة تسكنها: ما يُلتقط.
المنشد: المعرِّف.
* * * * أبو بكر رضي الله تعالى عنه - جاءه أعرابي فقال: أنت خليفة رسول الله؟ قال: لا، قال: فما أنت؟ قال: أنا الخالفة بعده.
الخالف والخالفة: الذي لا غناء عنده ولا خير فيه، وهو بين الخلافة بالفتح. يقال: هو خالفة أهل بيته. وهو خالفة من الخوالف، وما أدري أي خالفة هو؟ أراد تصغير شأن نفسه وتوضيعها.
لما كان سؤاله عن الصفة دون الذات. قال: فما أنت؟ ولم يقل فمن أنت؟ * * * * عمر رضي الله عنه - لو أُطيق الأذان مع الخليفى لأذنت.
هذا النوع من المصادر يدل على معنى الكثرة .
قال سيبويه: يقول: كان بينهم رمياًّ؛ فليس يريد قوله رمى رمياً، ولكنه يريد ما كان بينهم من الترامي وكثرة الرمي، وأما الدليلي فإنما يريد كثرة علمه بالدلالة ورسوخه فيها؛ فكأنه أراد بالخليفي كثرة جهده في ضبط أمور الخلافة، وتصريف أعنتها.
* * * * رفع إليه رضي الله عنه رجل قالت له امرأته: شبهني، فقال: كأنك ظبية، كأنك حمامة. فقالت: لا أرضى حتى تقول: خليَّة طالق، فقال ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: خذ بيدها فهي امرأتك.
الخلية: الناقة التي تخلي عن عقالها، وطلقت من العقال تطلق طلقا فهي طالق، وقيل الخلية: الغزيرة يؤخذ ولدها فيعطف عليه غيرها وتُخلّى هي للحي يشربون لبنها. قال خالد بن جعفر الكلابي يصف فرسا.
وأوصى الحالَبْين ليُؤْثرَاها ... لهَا لَبَنُ الخِلّية والصُّعُود
والطالق: الناقة التي لا خطام عليها، أرادت مخادعته عن التطليق بإرادتها له على أن يقول: كأنك خلية طالق، فتطلق، وإنما ذهب هو إلى الناقة فلم يقع الطلاق.
* * * * قال عمر رضي الله عنه: ليس الفقير الذي لا مال له، إنما الفقير الأخلق الكسب هو الأملس المصمت الذي لا يؤثر فيه شيء؛ من قولهم: حجر أخلق، وهو صخرة خلقاء.
ومعنى وصف الكسب بذلك أنه وافر منتظم، لا يقع فيه وكس ولا يتحيفه نقصان. أراد أن عادة الله في المؤمن أن تلم به المرازئ فيما يملكه، فيثاب على صبره فيها؛ فإذا لم يزل معافي منها موفورا كان فقيرا من الثواب، وهو الفقر الأعظم.
* * * * إن عاملا له رضي الله عنه على الطائف كتب إليه: إن رجلا من فهم كلموني في خلايا لهم أسلموا عليها، وسألوني أن أحميها لهم.
فكتب إليه عمر: إنما هو ذباب غيث، فإن أدَّوا زكاته فاحمه عليهم.
الخلايا عسَّالات النحل، وهي أشباه الرواقيد، الواحدة خلية، كأنها المواضع التي تُخلى فيها أجوافها.
ومنه الحديث في خلايا النحل، أن فيها العشر.
هو: ضمير العسل. يعني أنه يعيش بالغيث ويرعى ما ينبته، فشبهه بالنعم السائم الذي فيه الزكاة.
* * * * عثمان رضي الله عنه - كان إذا أُتي بالرجل قد تخلع في الشراب المسكر جلده ثمانين.
أي انهمك في معاقرته، وخلع رسنه فيها، وبلغ به الثمل إلى أن استرخت مفاصله استرخاء يشبه التخلع والتفكك، كما قال الأخطل:
صَرِيعُ مُدَام يَرْفَعُ الشَّرْبُ رأسَه ... ليحيا وقد مَاتَتْ عِظَامٌ ومَفْصِل
إذا رفعوا عَظْماً تحامل صَدْرُه ... وآخرُ مما نال منها مُخَبَّلُ
* * * * ابن عمرو بن نفيل - لما خالف دين قومه قال له الخطاب بن نفيل: إني لأحسبك خالفة بني عدي؛ هل ترى أحدا يصنع من قومك ما تصنع؟ الخالفة: الكثير الخلاف، قال:
يأيها الْخَالِفة اللَّجُوج
ويجوز أن يريد الذي لا خير عنده، وقد مرَّ آنفا.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يختل إليه.
أي يحتاج، من الخلة، وهي الحاجة.
* * * * الخدري رضي الله عنه - خرجنا في سرية زيد بن حارثة التي أصاب فيها بني فزارة، فأتينا القوم خلوفا، فقاتل النحام العدوي يومئذ، وقد أقام على صلبه نصيلاً.
قال: إني أقويت منذ ثلاث، فخفت أن يحطمني الجوع.
فُسّر الخلوف في الهزة والطاء.
النصيل: حجر فيه طول نحو الذراع واكثر.
الإقواء: نفاد الزاد.
* * * * شريح رحمه الله - إن نسوة شهدن عنده على صبي وقع حيّا يتخلج، فقال: إن الحي يرث الميت، أتشهدن بالاستهلال؟ فأبطل شهادتهن.
التخلج: الاضطراب والتحرك.
أهل الصبي واستهل: صاح عند الولادة، وأهل الهلال فاستهل: صيح بالتكبير عند رؤيته، وانهلَّت السماء بالقطر، واستهلت: ابتدأت به فسُمع صوت وقعه.
* * * * قضى في قوس كسرها رجل لرجل بالخلاص.
قيل: هو مثل الشيء المتوى.
وخلَّص: إذا أعطى الخلاص، ومنَّاه ما يتخلص به من الخصومة.
* * * * أبو مجلز رحمه الله - إذا كان الرجل مختلجا فسرَّك ألا تكذب فانسبه إلى أمه.
يقال: تخالجوا الشيء واختلجوه، إذا تنازعوه.
والمعنى: إذا كان مختلفا في نسب أبيه يتداعاه قوم وقوم فانسبه إلى طرف الأم.
* * * * ابن عبد العزيز رحمه الله - كُتب إليه في امرأة خلقاء تزوجها رجل؛ فكتب إليه: إن كانوا علموا بذلك فأغرمهم صداقها لزوجها - يعني الذين زوجوها - وإن كانوا لم يعلموا فليس عليهم إلا أن يحلفوا ما علموا بذلك.
هي الرتقاء، من الصخرة الخلقاء: المصمتة.
معتمر رحمه الله - سُئل مالك عن عجين يعجن بدردي، فقال: إن كان يُسكر فلا، فحدَّث الأصمعي به معتمرا فقال: أو كان كما قال:
رأى في كفّ صاحبه خَلاةً ... فَتُعْجِبه ويُفْزِعه الجَرِيرُ
الخلاة: الطائفة من الخلي وهو الرطب، ونظيرها الشهدة من الشهد، والجبنة من الجبن.
أعجبته فتوى مالك، وخاف التحريم لاختلاف الناس في المسكر، فتوقف وتمثل بالبيت.
ومعناه أن الرجل يندُّ بعيره فيأخذ بإحدى يديه عشباً، وفي الأخرى حبلا فينظر البعير إليهما فلا يدري ما يصنع.
* * * * حلوفا في " أط " . لا خلاط في " اب " . خلأت في " حب " . إذا أخلف في " دك " .ما خلفه في " دخ " . بخلاقك في " شل " . أخلق في " عو " . خالع في " هل " . خلب النخل في " جو " . الخلي في " لف " . خلاص في " عذ " . اختللناها في " سل " . يختلي في " جر " . يخلج في " حل " . خلوقكم في " ول " . واخلولق في " رب " . الخلاط في " ين " . نستخلب في " صب " . مخلاف في " نص " .
* * * *
الخاء مع الميم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - خمِّروا آنيتكم، وأوكوا أسقيتكم، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح، واكفتوا صبيانكم؛ فإن للشياطين انتشار وخطفة - يعني بالليل.
التخمير: التغطية.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إنه أُتي بإناء من لبن، فقال: لولا خمرته ولو بعود تعرضه عليه.
لولا هذه تحضيضية.
ومنه الحديث: لا تجد المؤمن إلا في إحدى ثلاث: في مسجد يعمره، أو بيت يخمِّره، أو معيشة يدبِّرها.
أي يستره ويصلح من شأنه.
الآنية: جمع قلة، كآدمة جمع أديم.
الإيكاء: الشد بالوكاء، وهو خيط يشد به السقاء.
إجافة الباب: رده.
اكفتوهم: ضموهم إليكم، واحبسوهم في البيوت.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يسجد على الخمرة.
هي السجادة الصغيرة من الحصير، لأنها مرملة مخمّرة خيوطها بسعفها.
* * * * سُئل صلى الله عليه وآله وسلم - أي الناس أفضل؟ فقال: الصادق اللسان، المخموم القلب. قالوا: هذا الصادق اللسان قد عرفناه، فما المخموم القلب؟ قال: هو النقي الذي لا غلّ فيه ولا حسد.
هو من خممت البيت، إذا كنسته.
* * * * علي عليه السلام - قال حبة بن جوين العرني: شهدنا معه يوم الجمل، فقسم ما في العسكر بيننا، فأصاب كل رجل منا خمسمائة خمسمائة؛ فقال بعضهم يوم صفين في كلام له:
قُلْتُ لِنَفِس السوء لا تَقرِّيْن ... لا خَمْسَ إلا جَنْدَل الإحَرِّيْن
والخَمْسَ قد تُجْشِمُك الأَمرِّين
أراد لا خمسمائة، فحذف لأنه كان معلوما.
الإحرون: جمع حرة، وزيادة الهمزة فيه بمنزلة الحركة في أرضون، وكتغير الصدر في ثبون وقلون كراهة أن تكون بمنزلة ما الواو والنون له في الأصل، كمسلمون. ويقال حرّون كما قيل قلون بغير تغيير؛ تنزيلا للواو والنون منزلة اللف والتاء.
ونظيره قول بعضهم في الواحدة: إحرة.
والمعنى: مالك اليوم مما فرض لك يوم الجمل إلا الحجارة.
الأمرون: الدواهي، جمع الأمرّ، والمعنى الخطب أو الحادث.
الأمرّ: الأفظع. والقول فيه القول في حرّون.
* * * * *
معاذ رضي الله عنه - كان يقول باليمن: ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم في الصدقة؛ فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة.
الخميس: ثوب طوله خمس أذرع، وهو المخموس أيضاً، يعني الصغير من الثياب.
واللبيس: الذي لُبس فأخلق.
وعن أبي عمرو: الخميس نوع من الثياب عمله الخمس ملك باليمن، قال الأعشى:
توماً تراها كشِبْهِ أرْدية الخِمْس ويوماً أديمَها نَغِلا
أيسر: أسهل.
* * * * من استخمر قوماً أولهم أحرار، وجيران مستضعفون، فإن له ما قصر في بيته حتى دخل الإسلام، وما كان مهملاً يعطي الخراج فإنه عتيق، وإن كل نشر أرض يسلم عليها صاحبها فإنه يخرج منها ماأعطى نشرها ربع المسقوى وعشر المظمئ، ومن كانت له أرض جادسة، قد عُرفت له في الجاهلية حتى أسلم فهي لربها.
استخمر: استعبد وتملك، وأخمرني كذا: ملكنيه - كلمة يمانية.
يعني إذا استعبد الرجل في الجاهلية قوماً بني أحرار، وقوما استجاروا به، فاستضعفهم واستعبدهم، فإن من قصره، أي من احتبسه واختاره منهم في بيته، واستجراه في خدمته، إلى أن جاء الإسلام فهو عبدٌ له، ومن لم يحتبسه، وكان مهملاً قد ضرب عليه الخراج، وهو الضريبة، فهو حرٌّ بمجيء الإسلام.
النشر: النبات.
ما: أعطى مصدرية مقدَّر معها الزمان.
وربع: مفعول يُخرج.
المسقوي: الذي يُسقى سيحاً.
والمضمئ: الذي تسقيه السماء، وهما منسوبان إلى المسقى والمظمأ، مصدري سقي وظمئ.
الجادسة: التي لم تُحرث ولم تُعمر. قال ابن الأعرابي: الجوادس: البقاع التي لم تزرع قط.
* * * * قال عائذ الله بن عمرو: دخلت المسجد يوما مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخمر ما كانوا... ثم ذكر حديثا حدثهم به معاذ.
أي أكثر ما كانوا وأوقر، وحقيقته أستر ما كانوا، من خمر شهادته يخمرها، ويخمرها؟ أي ستروا بدهمائهم أرض المسجد.
وروى بالجيم، من أجمر القوم إذا اجتمعوا.
* * * * سهل بن حنيف الأنصاري رحمه الله - قال عامر بن ربيعة: انطلقت أنا وسهل نلتمس الخمر، فوجدنا خمراً وغدير ماء، ودخل الماء فأعجبني خلقه، فأصبته بعين فأخذته قفقفة.
هو ما واراك من شجر. القفقفة: الرعدة.
* * * * في الحديث: اذكروا الله ذكراً خاملا.
أي خفيضا خفيا، كقوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وخُفْيَةً).
* * * * الخميس في " حو " . خمرا في " ست " . خميصة في " سد " . وفي " فض " . خمصان الأخمصين في " شذ " . خماشات في " نو " . خموشاً في " خذ " . لا تخمِّروا وجهه في " وق " . خمر العالم في " غب " .
* * * *
الخاء مع النون
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله؛ تخرقت عنا الخنف وأحرق بطوننا التمر.
الخنيف: ضرب من أردأ الكتان، أردأ ما يكون منه، كأنه سُمي بذلك لمباينته سائر أجناس الكتان وانقطاعه، وميله عنها رداءة، من خنف الأُترجَّة بالسكين إذا قطعها، وخنف الفرس: أمال حافره إلى وحشيه.
نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن اختناث الأسقية.
هو ثني أفواهها إلى خارج، فإن ثنيت إلى داخل فهو قبع.
قيل: إنما نهى عنه لأنه ينتنها، أو كراهة أن تكون فيه دابة.
ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: إنه كان يشرب من الإداوة ولا يختنثها، ويسميها نفعة.
سماها بالمرّة من النفع، ومنعها الصرف للعلمية والتأنيث.
* * * * لولا بنو إسرائيل ما خنز الطعام، ولا أنتن اللحم، كانوا يرفعون طعام يومهم لغدهم. هو قلب خزن إذا أروح وتغير، وهو من الخزن بمعنى الإدخار، لأنه سبب تغيره، ألا ترى إلى قول طرفة:
ثُمّ لا يخْزَنُ فينا لحمُها ... إنما يَخْزَن لحمُ المدَّخِرْ
ويحتمل أن يكونا أصلين، ومنه الخنزوانة، وهي الكبر، لأنها تغيّر عن السمت الصالح، ووزنها فعلوانة، ويحتمل أن يكون فنعلانة، من الخزو، وهو القهر والإذلال.
* * * * الزبير رضي الله عنه - سمع رجلا يقول: يا لخندف! فخرج وبيده السيف، وهو يقول: أُخندف إليك أيها المخندف! والله لئن كنت مظلوما لأنصرنك.
الخندفة: الهرولة، ولو قيل: إن نونها مزيدة واشتقت من خدفت السماء بالثلج، إذا رمت به، لأن المهرول يقذف بنفسه في السير - كان وجهاً.
وخندف: لقب ليلى بنت عمران بن الحافي ابن قضاعة، ولدت للياس بن مضر عمراً وعامرا وعميرا فندت لهم إبل، فذهبوا في طلبها، فأدركها عامر فلقب بمدركة، واقتنص عمروٌ أرنبا فطبخها فسمي طابخة، وانقنع عمير في البيت فسمي قمعة، وخرجت ليلى في إثرهم، وقالت: أخندف في إثركم فلقبت خندف.
أراد بالمخندف المنادي بيا لخندف، ولم يرد المهرول، ونظيره المهلل والملبي.
اللام في يا لخندف لام الاستغاثة، كان هذا كان قبل نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التعزي بعزاء الجاهلية.
* * * * عائشة رضي الله عنها - ذكرت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: فانخنث في حجري فما عرت حتى قُبض.
أي انثنى، يقال: خنثه فانخنث.
قالت لها بنو تميم: هل لك في الأحنف؟ قالت: لا، ولكن كونوا على مخنته، أي على طريقته، قال بعض بني ضبَّة:
يا مَن لِعَاذلةٍ لَوْمِي مَخَنَّثُها ... ولو أرادَتْ سدَاداً لاتَّقَتْ عَذْلي
ويقال: البطيخ لي مخنة، أي أكله لي ألف وعادة، أي آكله الساعة بعد الساعة لا أصبر عنه.
* * * * في الحديث - يخرج عنق من النار فتخنس بالجبارين في النار.
أي تغيب بهم فيها، من خنس النجم.
* * * * الخنيف في " هن " . فحنُّوا في " شي " . الخنس في " ضح " .
* * * *
الخاء مع الواو
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - مَثلُ المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيِّئها الرياح مرة هنا ومرة هاهنا، ومثل الكافر مثل الأرزة المجذية على الأرض حتى يكون انجعافها مرَّةً. هي الغصة. قال الشماخ:
إنما نحْن مثلُ خامةِ زَرْع ... فمتى يَأْن يأتِ مخْتَضِدُه
تفيِّئها: تميلها.
الأرزة بفتح الراء. شجرة الأرزن، وروى بسكونها، وهي شجرة الصنوبر، والصنوبر ثمرها، وروى: الآرزة، وهي الثابتة في الأرض، وقد أرزت تأزر.
والمجذية مثلها، يقال: جذا يجذو، وأجذى يجذي.
الانجعاف: مطاوع جعفه إذا قلعه.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يتخولهم بالموعظة مخافة السآمة عليهم.
أي يتعهدهم، من قولهم: فلان خائل مال، وهو الذي يصلحه ويقوم به، وقد خال يخول خولا وهو الخولي عند أهل الشام.
وروى: يتخونهم على هذا المعنى. قال ذو الرمة:
لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إلاَّ ما تَخَوَّنه ... داعٍ يُنادِيه باسْم الماءِ مَبْغومُ
وقيل: يتحولهم: أي يتأمل حالاتهم التي ينشطون فيها للموعظة.
* * * * لا تبقى خوخة في المسجد إلا سُدَّت غير خوخة أبي بكر.
هي مخترق بين بيتين يُنصب عليها باب.
* * * * * عن التلب بن ثعلبة العنبري - أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خوبةٌ فرقي إليه أن عندي طعاما فاستقرضه مني.
هي الحاجة، وقد خاب يخوب خوبا: إذا افتقر. رقي إليه: رُفع إليه وبُلغ.
ومن الحديث: نعوذ بالله من الخوبة.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله، أن يتخونهم أو يلتمس عوراتهم.
التخون: تطلُّب الخيانة والريبة، والأصل لأن يتخوَّنهم، فحذف اللام؛ وحروف الجر تسقط مع أن كثيرا. ومعناه متخوِّناً، وقد مرّت له نظائر.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - لن تخور قوى ما كان صاحبها ينزع وينزو.
خار يخور خوراً أو خؤوراً أو خئورةً إذا ضعف، وهو خوَّار.
أراد: ينزع القوس وينزو على الفرس.
* * * * علي عليه السلام - إذا صلى الرجل فليخوِّ، وإذا صلت المرأة فلتحتفز.
التخوية: أن يجافي عضديه عن جنبيه حتى يخوي ما بين ذلك.
الاحتفاز: التضام، كتضام المحتفز؛ وهو المستوفز.
* * * * في الحديث - مثل المرأة الصالحة مثل التاج المخوَّص بالذَّهب، ومثل المرأة السوء كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير.
هو الذي جعلت عليه صفائح من ذهب كخوص النخل.
* * * * خوّة في " ده " . نستخيل في " صب " . وخوّى في " عج " . خاص في " عذ " . لا نخول في " حن " . لا الخال في " لب " . خولا في " دخ " . خواتاً في " رض " . أهل الإخوان في " خط " . خوضات الفتن في " دح " .
* * * *
الخاء مع الياء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عن عائشة رضي الله عنهما: كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى ريحاً سأل الله خيرها وخير ما فيها، وإذا رأى في السماء اختيالا تغيَّر لونه ودخل وخرج، وأقبل وأدبر - وروى: كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر وتغير. قالت عائشة: فذكرت ذلك له، فقال: وما يدرينا؟ لعله كقومٍ ذكرهم الله: (فلما رأوه عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيتهم...) الآية.
الاختيال: أن يُخال فيها المطر، والمخيلة: موضع الخيل وهو الظن، كالمطنة وهي السحابة الخليقة بالمطر، ويجوز أن تكون مسماةً بالمخيلة التي هي مصدر كالمحسبة كقولهم: الكتاب والصيد.
* * * * قال أُسامة بن زيد رضي الله عنهما: قلت له: يا رسول الله أين تنزل غدا؟ في حجَّته. فقال: هل ترك لنا عقيل منزلا! ثم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر - يعني المحصَّب.
الخيف: ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل.
قاسمت: من القسم، وذلك أنهم قالوا: لا نناكح بني هاشم، ولا نبايعهم؛ معاداة لهم في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعقيل هو ابن أبي طالب رضي الله عنه، باع دور عبد المطلب، لأنه ورثها أباه دون علي عليه السلام؛ لأن عليا عليه السلام تقدم إسلامه موت أبيه، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها إرث؛ لأن أباه عبد الله رضي الله عنه هلك وأبوه عبد المطلب حيّ، وهلك أكثر أولاده ولم يعقبوا، فحاز رباعه أبو طالب رضي الله عنه وبعده عقيل رضي الله عنه.
* * * * بعث صلى الله عليه وآله وسلم مصدِّقا، فانتهى إلى رجل من العرب له إبل، فجعل يطلب في إله، فقال له: ما تنظر؟ فقال: بنت مخاض أو بنت لبون. فقال: إني لأكره أن أُعطي الله من مالي مالا ظهر يركب، ولا لبن فيحلب، فاخترها ناقة.
الاختيار: أخذ ما هو خير، وهو يتعدى إلى أحد مفعوليه بوساطة من، ثم يحذف ويوصل الفعل، كقوله تعالى: (واخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)؛ أراد فاختر منها ناقة أي من الإبل؛ ويجوز أن يرجع الضمير إلى المطلوبة وتنصب ناقة على الحال، ويكون المختار منه محذوفا، وذلك سائغ في غير باب حسب.
* * * * تخيروا لنطفكم.
أي تكلفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها من الخبث والفجور.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: إنه كره أن يسترضع بلبن الفاجرة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن اللبن ليُشَبَّهُ عليه.
* * * * لا أعرفنَّ أحدهم يجيء يوم القيامة ومعه شاة غلَّها لها ثغاء، ثم قال: أدُّوا الخياط والمخيط.
الخياط: الخيط، يقال: هب لي خياطا ونصاحا. والمخيط: الإبرة لا أعرفن صورته: نهى نفسه عن العرفان.
ومعناه نهى الناس عن الغلول؛ لأنهم إذا لم يغلّوا لم يعرفهم غالِّين، ونظيره قول العرب: لا أرينَّك هاهنا.
* * * * في مسيره صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر: إنه مضى حتى قطع الخيوف، وجعلها يسارا، ثم جزع الصُّفيراء، ثم صبَّ في دقران، حتى أفتق من الصدمتين.
جمع خيف.
الصفيراء: شعب بناحية بدر، ويقال لها: الأصافر.
دقران: واد ثمَّة.
وصبَّ فيه: إذا انحدر فيه.
أفتق: خرج إلى الفتق، وهو ما انفرج واتَّسع، ومثله أصحر وأفضى.
الصدمتان: جانبا الوادي؛ لأنهما لضيق المسلك الذي يشقهما كأنهما يتصادمان.
قال أبو رافع رضي الله عنه: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأيته أُلقي في قلبي الإسلام، وقلت: والله لا أرجع إليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد؛ ولكن ارجع فإن كان في نفسك التي في نفسك الآن فارجع.
خاس بالعهد: إذا أفسده، من خاس الطعام إذا فسد، ومنه الخيس لما يخيس فيه من لحوم الفرائس.
البرد: جمع بريد، وهو الرسول، مخفف عن بُرُد، كرُسْل في رُسُل.
التي في نفسك: أراد النية والعزيمة فأنَّث.
فارجع، أي إلى المدينة.
* * * * علي عليه السلام - بنى سجنا من قصب فسماه مانعا، فنقبه اللصوص، ثم بنى سجنا من مدر، فسماه مخيَّسا. ثم قال:
أمَا تراني كَيِّساً مُكَيّسا ... بنيتُ بعد نافعٍ مُخَيَّسا
باباً حصينا وأمينا كَيِّسا
المخيس: موضع التخييس، وهو التذليل. قال المتلمس:
شدّوا الرحال على إبل مُخَيَّسَةٍ
وروى بكسر الياء؛ لأنه يذلل من وقع فيه.
الكيس: حسن التأني في الأمور.
والمكيس: المنسوب إلى الكيس المعروف به.
وأمينا: أراد: ونصبت أمينا، يعني السجان، كقوله:
متقلِّداً سَيْفاً ورُمْحا
* * * * وخيسه في " نو " . الأخيب في " مي " .
* * * * آخر الخاء
======
الفائق في غريب الحديث و الأثر
حرف الدال
الدال مع الهمزة
في الحديث: إن الجنة محظور عليها بالدَّآليل.
هي جمع دؤلول؛ وهو الشدة والداهية، يقال: وقع الناس في دؤلول، وهو فعلول، على تكرير اللام، من دأل إذا عد؛ لأن الناس يتعادون في النوازل ويترددون فيها.
ومعناه معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: حُفَّت الجنة بالمكاره.
* * * *
الدال مع الباء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ثلاثة لا تُقبل لهم صلاة: رجل أتى الصلاة دبارا، ورجل اعتبد محرراً، ورجل أمَّ قوماً وهم له كارهون.
يقال: لا يدري فلان ما قبال الأمر من دباره، وما قبيله من دبيره، أي ما أوله من آخره.
والمراد أنه يأتي في آخر وقت الصلاة حين أدبر وكاد يفوت. وانتصابه على الظرف. وعن ابن الأعرابي رحمه الله: هو جمع دبر كالأدبار في قوله تعالى: (وأدْبَار السّجُود).
الاعتباد: الاستعباد.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت - ويروى: نهى عن الشرب في النقير والمزفت والحنتم؛ وأباح أن يشرب في السقاء المُوكَى.
الدباء: القرع، الواحدة دباءة، ووزنه فُعَّال، ولامه همزة، كالقثاء على اعتبار ظاهر اللفظ؛ لأنه لم يعرف انقلاب لامه عن واو أو ياء؛ كما قال سيبويه في ألاءة، ويجوز أن يقال: هو من باب الدبا وهو الجراد ما دامت ملساً قرعا؛ وذلك قبل نبات أجنحتها، وإنه سمي بذلك لملاسته، ويصدقه تسميتهم إياه بالقرع، ولام الدباء واو لقولهم: أرض مدبوة، وأما مدبية فكقولهم: أرض مسنية في مسنوة.
الحنتم: جرار خضر.
النقير: أصل خشبة ينقر.
المزفَّت: الوعاء المطلي بالزفت، وهي أوعية تسرع بالشدة في الشراب. وتُحدث فيه التغير ولا يشعر به صاحبه، فهو على خطر من شرب المحرم.
وأما الموكى فهو السقاء الرقيق الذي كان ينتبذ فيه، ويُكى راسه، فإنه لا يشتد فيه الشراب إلا انشقّ، فلا يخفي تغّيره.
* * * * وفي حديث ابن مغفل رضي الله عنه قال غزوان: قلت له: أخبرني ما حرم علينا من الشراب؟ فذكر النهي عن الدباء والحنتم والنقير والمزفّت، فقلت شرعي، فانطلقت إلى السوق فاشتريت أفيقة، فما زالت معلقة في بيتي.
شرعي: حسبي. قال:
شَرْعُكَ مِنْ شَتْمِ أخيك شَرْعُكْ ... إن أاك في الأشاوي صَرْعُك
الأفيقة: من الأفيق كالجلدة من الجلد، وهو الذي لم يتم دباغه، فهو رفيق غير خصيف، وأراد سقاء متخذا من الأفيقة.
* * * * نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يدبِّح الرجل في صلاته كما يدبِّح الحمار.
هو أن يطأطئ الراكع رأسه حتى يكون أخفض من ظهره.
وفي حديث: إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا ركع لو صبَّ على ظهره ماء لاستقرّ.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوّبه.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تسير أو تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب؟ الأدب كالأزب، وهو الكثير وبر الوجه، فأُظهر التضعيف ليزاوج الحوأب.
الحوأب: منهل، وأصله الوادي الواسع.
* * * * لا يدخل الجنة ديبوب ولا قلاّع.
هو الذي يدب بين الرجال والنساء، ويسعى حتى يجمع بينهم. وقيل: النمام لأنه يدب بعقاربه.
والقلاّع: الذي يقلع الرجل المتمكن عند الأمير بوشايته.
* * * * عمر رضي الله عنه - كان زنباع بن روح في الجاهلية نزل مشارف الشام، وكان يعشر من مرَّ به، فخرج عمر في تجارة إلى الشام ومعه ذهبه قد جعلها في دبيل، وألقمها شارفا له، فنظر إليها زنباع تذرف عيناها، فقال: إن لها لشأنا، فنحرها، ووجد الذَّهبة فعشرها؛ فقال عمر:
متى ألقَ زِنْبَاعَ بنَ رَوْحٍ بِبَلْدَةٍليَ النِّصْفُ منها يَقْرَعُ السِّنَّ من نَدَمْ
الدبيل: من دبل اللقمة دبلا ودبَّلها: إذا جمعها وعظَّمها. قال كثير:
ودبَّلْتُ أَمْثال الأثَافِي كَأَنَّها ... رُءوسُ نِقَادٍ قُطِّعَتْ يوم تُجْمَع
النِّصف: النَّصفَة.
* * * *
لما بويع لأبي بكر رضي الله عنه قام فقال: أما بعد، فإني قلت لكم مقالة لم تكن كما قلت، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يدبرنا.
أي يخلفنا بعد موتنا، يقال: هو يدبره ويخلفه ويذنبه.
وكانت مقالته أنه لما نعي إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنكر موته وتوعَّد النَّاعي، وزعم أنه لا يموت حتى يموت أصحابه، حتى تلا عليه أبو بكر رضي الله عنه قوله تعالى: (أفإنْ مَاتَ أو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلَى أَعْقَابِكُمْ).
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل، هم الذين لا ياتون الصلاة إلا دبرا، ولا يستمعون القول إلا هجرا؛ ولا يعتق محررهم.
أي آخراً، حين كاد الإمام يفرغ.
الهجر: الفحش، من أهجر في منطقه - وروى: لا يسمعون القرآن إلا هجرا.
أي تركا وإعراضا؛ يعني أنهم وضعوا الهجر موضع السماع، فسماعهم له تركه، ويجوز أن يكون بمعنى الهذيان من قولك: هجر في منطقه؛ أي هذي، يعني لا يستنصتون له، ولا يعظمونه: كأنهم يستمعون هُجرا من الكلام.
محررهم: معتقهم.
والمعنى أنهم يستخدمونه ولا يخلونه وشأنه؛ وإن أراد مفارقتهم ادَّعوا رقَّه، فهو محرر في معنى مسترقّ.
وقيل: إن العرب كانوا إذا أعتقوا عبداً باعوا ولاءه، ووهبوه وتناقلوهتناقل الملك، وقال الشاعر:
فباعوه عَبْداً ثم باعوه مُعْتَقاً ... فليس له حتى المماتِ خَلاصُ
* * * * ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - اتَّبعوه دبَّة قريش فلا تفارقوا الجماعة.
هي طريقهم، يقال: ركب فلان دبة فلان وأخذ بدبته، وهي من الدبيب.
* * * * النجاشي رضي الله عنه - ما أحب أن لي دبراً ذهبا، وأني آذيت رجلا من المسلمين.
فسر في الحديث بالجبل، وانتصاب ذهبا على التمييز، ومثله قولهم: عندي راقود خلاً، ورطل سمنا.
والواو في " وأني " بمعنى مع؛ أي ما أحب اجتماع هذين.
* * * * سكينة رضي الله عنها - جاءت إلى أمها الرَّباب، وهي صغيرة تبكي، فقالت: مابك؟ قالت: مرت بي دبيرة فلسعتني بأبيرة.
هي تصغير دبرة، وهي النحلة، سميت بذلك لتدبيرها ونيقتها في عمل العسل.
* * * * النخعي رحمه الله - كان له طيلسان مدبج.
هو الذي زين تطاريف بالديباج.
في الحديث - لا يأتي الصلاة إلا دبريا - وروي: دبريا بالسكون.
هو منسوب إلى الدبر وهو الآخر، والتحريك من تغيرات النسب. كقولهم حمصى ورملى. وانتصابه على الحل من فاعل يأتي.
* * * * أما سمعته من معاذ يدبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
حقيقة قولهم: دبَّرت الحديث، أنه جعل له دبرا، أي آخرا ومسندا كقولك: روى فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن ثعلب إنما هو يذبِّره - بالذال المعجمة - وفسره بيتقنه. وعن الزجاج الذَّبر: القراءة. وعن بعضهم: ذبر إذا نظر فأحسن النظر.
* * * * مدابرة في " شر " . الدباء في " فغ " . الدبر في " قع " . ولا تدابرا في " نج " .دبول في " نط " . الدوابل في " اص " . دبرا في " شع " . لمن الدبرة في " ذم " . دبرا في " خش " .
* * * *
الدال مع الثاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قيل له: يا رسول الله؛ ذهب أهل الدثور بالأجور.
جمع دثر، وهو المال الكثير.
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - إن القلب يدثر كما يدثر السيف، فجلاؤه ذكر الله.
شبه ما يغشى القلب من الرين والقسوة بما يركب السيف، من الصدأ فيغطي وجهه، وهو من دثور المنزل، وهو أن تهب عليه الرياح فتغشى رسومه بالرمل، وتغطيها بالتراب، وأصله من الدثار.
الجلاء، مصدر كالصقال، ويحتمل أن يراد ما يُجلى به.
* * * * سريعة الدثور في " حد " .
* * * *
الدال مع الجيم
النبي صلى الله عليه وآلة وسلم - لعن الله من مثل بدواجنه.
هي الشاء التي تعلفها الناس في منازلهم؛ شاة داجن، ودجنت تدجن دجونا.
والمثلة بها: أن يخصيها ويجدعها.
* * * * بعث صلى الله عليه وآله وسلم عيينة بن بدر رضي الله عنه حين أسلم الناس، ودجا الإسلام، فهجم على بني عدي بن جندب بذات الشقوق، فأغاروا عليهم، وأخذوا أموالهم حتى أحضروها المدينة؛ فقالت وفود بني العنبر: أُخذنا يا رسول الله مسلمين غير مشركين، حين خضرمنا النعم، فردّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم ذراريهم وعقار بيوتهم.
دجا الإسلام: شاع وطبق، من دجا الليل إذا ألبس كل شيء. قال الأصمعي: وليس من الظلمة.
وقيل لأعرابي: بم تعرف حمل شاتك؟ قال: إذا استفاضت خاصرتاها، ودجت شعرتها؛ أي وفرت.
وفي بعض الأحاديث: منذ دجت الإسلام. فأنّث على معنى الملة الحنيفية.
أرادوا خضرمة الإسلام؛ وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يخضرمون نعمهم، فلما جاء الإسلام أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يخضرموا في غير الموضع الذي خضرم فيه أهل الجاهلية. وقد فُسرت الخضرمة في الخاء مع الضاد.
عقار البيت: المصون من متاعه الذي لا يبتذل، ورجل معقر: كثير العقار.
قال ابن الأعرابي: أنشدني أبو محضة قصيدة فقال في أبيات منها: هذه الأبيات عقار هذه القصيدة، أي خيارها، وقال الشاعر:
تُضيئ عَقارَ البيت في ليلة الدُّجَى ... وإن كان مقصوراً عليها ستُورُها
* * * * إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه خطب إليه فاطمة عليها السلام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إني قد وعدتها بعلي ولست بدجال.
أي خدّاع، وأصل الدجل الخلط، وبه سمي مسيح الضلالة لخلطه الحقَّ بالباطل.
* * * * ابن عمر رضي الله عنهما - رأى قوما في الحج لهم هيئة أنكرها؛ فقال: هؤلاء الدَّاجُّ وليسوا بالحاجّ.
دجّ دجيجا، إذا دبَّ وسعى ومنه الدَّاجُّ، وهم الذين يسعون مع الحاج في تجارتهم، وقيل: هم الأعوان والمكارون. وعن بعضهم: الداج: المقيم. وأنشد:
عِصابة إنْ حَجَّ عيسى حَجُّوا ... وإن أَقام بالعراق دَجُّوا
ونظير الحاج والداج في أن اللفظ موحد، والمعنى جمع قوله تعالى: (سَامِراً تَهْجُرُون).
وقول الشاعر:
أو تُصْبحي في الظَّاعِن المُوَلِّي
* * * * أكل الدجر ثم غسل يده بالثفال.
الدجر: اللوبياء.
والثفال: الإبريق.
* * * * والدَّاجن في " نص " . داجنتهم في " نو " . ولا داجنة في " دو " .
* * * *
الدال مع الحاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - سُئل: هل يتناكح أهل الجنة؟ قال: نعم! دحماً دحماً.
الدحم والدخم والدحب والدَّعب: نكاح المرأة بدفع وإزعاج.
ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: إنه ذكر الجنة فقال: ليس فيها منىّ ولا منية؛ إنما تدحمونهن دحماً.
وانتصاب دحما بفعل مضمر، أي يدحمون دحما، ويجوز أن ينتصب على الحال، أي داحمين. والتكرير للتأكيد، أو بمنزلة قولك: دحما بعد دحم؛ كقولك: لقيتهم رجلا رجلا.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الهجير التي يسمونها الأولى حين تدحض الشمس. أي تزول؛ لأنها تنزل حينئذ عن كبد السماء وتزول عنها.
أراد صلاة الهجير، فحذف المضاف وأنَّث الصفة، وهي الاسم الموصول لكون الصلاة مرادةً، ومن ذلك قول حسان:
بَردَى يُصَفّق بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
أراد ماء بردى، فذكر يصفق لذلك.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يبايع الناس وفيهم رجل دحسمان، وكان كلما أتى عليه أخَّره حتى لم يبق غيره؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل شتكيت قطُّ؟ قال: لا. قال: فهل رزئت بشيء؟ قال: لا، فقال: إن الله يبغض العفرية النفرية، الذي لم يرزأ في جسمه ولا ماله.
الدُّحْسُمان والدُّحْمُسان: الأسود في سمن وحدارة، ويلحق بهما ياء النسبة كأحمري. ولو قيل: إن الميم زائدة لما في تركيب دحس من معنى الخفاء - فالدحس: طلب الشيء في خفاء. ومنه داحس، والدحاس:دويبة تغيب في التراب - لكان قولا.
العفر والعفرية والعفريت والعفارية: القوى المتشيطن، الذي يعفِّر قرنه. والياء في عفرية وعفارية للإلحاق بشرذمة وعذافرة. وحرف التأنيث فيهما للمبالغة. والتاء في عفريت للإلحاق بقنديل. والنفرية والنفريت والنفارية إتباعات.
* * * * مر بغلام يسلخ شاة، فقال له: تنح حتى أريك، فدحس بيده حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى، فصلى ولم يتوضأ.
أي دسها بين الجلد واللحم.
ومنه حديث عطاء رحمه الله: حق على الناس أن يدحسوا الصفوف حتى لا تكون بينهم فرج.
أراد أن يرصوها ويدسوا أنفسهم بين فروجها - وروى: أن يدخسوا بالخاء، من الدخيس، وهو اللحم المكتنز، وكل شيء ملأته فقد دخسته.
ومنه: إن العلاء بن الحضرمي أنشد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
وإن دَحَسوا بالشرّ فاعْفُ تَكَرُّما ... وإن خَنَسوا عنك الحديثَ فلا تَسَلْ
الدحس: دسه من حيث لا يعلم به.
* * * * ما من يوم إبليس فيه أدحر ولا أدحق من يوم عرفة، إلا ما رأى يوم بدر. قيل: وما رأى يوم بدر؟ قال: أما إنه رأى جبرئيل يزع الملائكة.
الدحر: الدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال.
والدحق: الطرد والإبعاد، يقال: فلان دحيق سحيق، وأدحقه وأسحقه.
ومنه: دحقت الرحم؛ إذا رمت الماء فلم تقبله. وأفعل التفضيل من دحر ودحق، كقولهم: أشهر وأجن من شهر وجن.
يزع الملائكة: يعني يتقدمهم فيكف ريعانهم، من قوله تعالى: (فَهُمْ يُوزَعُونَ).
نُزّل وصف الشيطان بأنه أدحر وأدحق منزلة وصف اليوم به؛ لوقوع ذلك في اليوم واشتماله عليه؛ فلذلك قيل: من يوم عرفة، كأن اليوم نفسه هو الأدحر الأدحق.
وقوله إلا ما رأى يوم بدر: استثناء من معنى الدحور، كأنه قال: إلا الدحور الذي أصيب به يومئذ عند وزع جبرئيل الملائكة.
* * * * كان صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على أحياء العرب في المواسم، فأتى عامر بن صعصعة فردوا عليه جميلا وقبلوه، ثم أتاهم رجلٌ من بني قشير، فقال لهم: بئس ما صنعتم! عمدتم إلى دحيق قوم فأجرتموه، لترمينكم العرب عن قوس واحدة. قالوا: يا محمد؛ اعمد لطيتك، وأصلح قومك، فلا حاجة لنا فيك.
الدحيق: الطريد.
الطية: الوجهة، وهي فعلة من طوى الأرض.
* * * * علي عليه السلام - عن سلامة الكندي: كان علي عليه السلام، يعلِّمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم داحي المدحوات، وباري المسموكات، وجبار القلوب على فطراتها: شقيها وسعيدها؛ اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ لجيشات الأباطيل، كما حُمِّل فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك، بغير نكل في قدم، ولا وهىٍ في عزم، واعياً لوحيك، حافظا لعهدك، ماضياً على نفاذ أمرك؛ حتى أورى قبساً لقابس آلاء الله تصل بأهله أسبابه. به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة، اللهم افسح له مفتسحاً في عدلك، أو عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، له مهنَّآاٍ غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزل عطائك المعلول. اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم مثواه لديك ونُزُله، وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضىَّ المقالة، ذا منطق عدل، وخطة فصل، وبرهان عظيم.
الدحو: البسط. والمدحوات: الأرضون، وكان خلقها ربوة ثم بسطها.
المسموكات: السموات، وكل شيء رفعته فقد سمكته.
الجبَّار: من الجبر الذي هو ضد الكسر، أي أثبتها وأقامها على ما فطرها عليه من معرفته؛ ويجوز أن يكون من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه، أي ألزمها وحتم عليها الفطرة على وحدانيته والاعتراف بربوبيته.
والفطرات: جمع تكسير فطرة؛ على بناء أدنى الجمع كالقربات والسدرات بكسر العين. قال سيبويه: ومن العرب من يفتح العين - وروى عنهم الإسكان أيضا كما يقولون في الغرفة: غرفات.
شقيها وسعيدها: بدل من القلوب.
الرأفة: أرق الرحمة، فأضافها إلى التحنن وهو الترحم.
الجيشات: جمع جيشة، من جاش إذا ارتفع.
الأباطيل: جمع باطل على غير قياس. والمراد أنه قامع ما نجم منها ومزهقه.
اضطلع به: قوي بحمله، افتعل من الضلاعة وهي القوة، وإجفار الجنبين، يقال فرس ضليع، وقد ضلع، والأصل الضلع.
نكل قدم الرجل نكلا: لغة في نكل نكولا.
والقدم: التقدم؛ ويجوز أن يراد قدم الرجل، ويقع نكولها عبارة عن التلكؤ والتأخر.
أراد بالقبس نور الحق.
الضميران في بأهله وأسبابه راجعان إلى القبس؛ يعني من أنعم عليه الله وتكاملت عنده آلاؤه وصل أسباب ذلك القبس به، وجعله من أهله والمستضيئين بشعاعه.
المصدر في خوضات الفتن مضاف إلى المفعول، أي بعدما خاضت القلوب الفتن أطوارا وكرات.
موضحات: متعلق بهديت، والأصل هديت إلى موضحات، فحذف الجار، وأوصل الفعل.
النَّائر بمعنى المنير: نار الشيء وأنار.
شهيدك: أي الشاهد على أمته يوم القيامة.
البعيث: المبعوث.
المفتسح: موضع الافتساح، وهو الاتساع، أو مصدر.
العدن: الجنة، وأصله الإقامة.
المحلول: الميسر المهيأ.
المعلول: المضاعف المكرر، من علل الشرب.
نُزُله: رزقه.
* * * * أبو ذر رضي الله تعالى عنه - إن خليلي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن ما دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة.
هما الزلق.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قال في حديث إسماعيل عليه السلام: فلما ظمئ إسماعيل عليه السلام جعل يدحض الأرض بعقبيه، وذهبت هاجر حتى علت الصفا إلى الوادي، والوادي يومئذ لاحٌّ.
الدحض: الفحص. يقال: دحض المذبوح برجليه.
لاحّ: ضيق بكثرة الشجر والحجارة، ومنه لححت عينه: التصقت - وروى: لاخّ، أي ملتف مختلط، من قولهم: سكرانٌ ملتخّ - وروى: لخخت عينه، مثل لححت، وروى: لاخٌ بالتخفيف، من قولهم: التاخ النبت إذا التبس، وكذلك الأمر، ولخته لوخا، يقال: وادٍ لاخٌ وأودية لاخة، وتقديره فعل، كما قيل في كبش صافٍ - وروى: لاخٍ كقاضٍ، بمعنى معوج من الألخى، وهو المعوج الفم.
* * * * أبو رافع رضي الله عنه - كنت ألعب الحسن والحسين عليهما السلام بالمداحي. هي أحجار أمثال القرصة يحفرون حفيرة فيدحون بها إليها، وتسمى المسادي والمراصيع. والدحو: رمي الملاعب بالجوز أو غيره، وكذلك الزَّدو، والسَّدو، والرَّصع: ضربه باليد.
ومنه حديث ابن المسيب رحمه الله: إنه سُئل عن الدحو بالحجارة فقال: لا بأس به.
* * * * سعيد بن جبير رحمه الله - خلق الله آدم من دحناء، ومسح ظهره بنعمان السحاب.
دحناء: اسم أرض.
نعمان: جبل بقرب عرفة، وأضافه إلى السحاب؛ لأن السحاب يركد فوقه لعلوِّه.
* * * * أبو وائل رحمه الله - ورد علينا كتاب عمر رضي الله تعالى عنه ونحن بخانقين؛ إذا قال الرجل للرجل: لا تدحل فقد آمنه.
من دحل عني إذا فرَّ واستتر، وهو من الدحل. قال:
ورَجُل يَدْحَل عني دَحْلا ... كدَحلانِ البَكْر لاَقَى الفَحْلاَ
* * * * عطاء رحمه الله - بلغني أن الأرض دُحَّت دحَّا من تحت الكعبة.
أي بسطت ووسعت، من دح بيته: إذا وسعه، واندحَّ بطنه.
* * * * ابن زياد لعنه الله - دخل عليه زيد بن أرقم وبين يديه رأس الحسين عليه وعلى أبيه وجده وأمه وجدَّته من الصلوات أزكاها ومن التحيات أنماها، وهو ينكته بقضيب معه، فغشي عليه، فلما أفاق قال له: مالك يا شيخ؟ قال: رأيتك تضرب شفتين طالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبِّلهما. فقال ابن زياد، لعنه الله: أخرجوه، فلما قام ليخرج قال: إن محمديكم هذا لدحداح.
هو القصير.
* * * * في الحديث: يدخل البيت المعمور كل يوم سبعون ألف دحية مع كل دحية سبعون ألف ملك.
قيل: هو رئيس الجند، وسمي به دحية الكلبي؛ وكأنه من دحاه يدحوه؛ إذا بسطه ومهده؛ لأن الرئيس له التمهيد والبسط، وقلبت الواو ياءً فيه نظير قلبها في قنية وصبية.
وروى ابةو حاتم عن الأصمعي دحية الكلبي، ولا يقال بالكسر، ولعل هذا من تغيرات الأعلام كشمس، وموهب، والحجاج على الإمالة.
* * * * دحض في " عب " . مندح في " حب " . مدحضة في " سو " . وادحل في " صر " . ودحضت في " بش " . دحمسة في " نف " .
* * * *
الدال مع الخاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إذا أراد أحدكم أن يضطجع على فراشه فلينزع داخلة إزاره.
وروى: صنفة إزاره، ثم لينفض فراشه، فإنه لا يدري ما خلفه عليه.
هي حاشية الإزار التي تلي جسده. وهي الصَّنفة، ومشده هنالك، فإذا نزعها فقد حلَّ الإزار.
خلفه عليه: أي صار بعده فيه، من هامة أو غيرها، مما يؤذي المضطجع.
" ما " في محل الرفع على الابتداء، ويدري معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام.
* * * * قال صلى الله عليه وآله وسلم لابن صياد: إني خبأت لك خبيئا، فما هو؟ قال: الدَّخ، فقال: اخسأ، فلن تعدو قدرك.
هو الدخان. قال:
عند رِوَاق البيت يَغْشى الدُّخا
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان دين الله دخلا، ومال الله نحلا، وعباد الله خولا.
هو الغش والفساد، وحقيقته أن يدخل في الأمر ما ليس منه، أي يدخلون في الدين أموراً لم تجر بها السُّنة.
النحا من العطاء: ما كان ابتداء من غير عوض، والمراد أنهم يعطون بغير استحقاق.
والخول: الخدم، جمع خائل.
* * * * دخن في " هد " . دخنها في " حل " . يدخسوا في " دح " .
* * * *
الدال مع الدال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ما أنا من ددٍ ولا الدد مني.
هذه الكلمة محذوفة اللام، وقد استعملت متممة على ضربين ددي كندي، وددن كبدن، فهي من أخوات سنه وعضه في اختلاف موضع اللام؛ فلا يخلو المحذوف من أن يكون ياء فيكون كقولهم يدٌ في يدي أو نوناً فيكون كقولهم: لد في لدن. ومعناه اللهو واللعب.
معنى تنكير الدد في الجملة الأولى الشياع، وألا يبقى طرف منه إلا وهو منزه عنه، كأنه قال: ما أنا من نوع من أنواع الدد، وما أنا في شيء منه.
وتعريفه في الثانية لأنه صار معهودا بالذكر، كأنه قال: ولا ذلك النوع مني، وليس بحسن أن يكون لتعريف الجنس؛ لأن الكلام يتفكك ويخرج عن التئامه. ونظيره جاءني رجل وكان من فعل الرجل كذا.
وإنما لم يقل: ولا هو مني؛ لأن الصريح آكد وأبلغ، والكلام جملتان وفي الموضعين مضاف محذوف تقديره: وما أنا من أهل ددٍ ولا الدد من أشغالي.
* * * *
الدال مع الراء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - مر على أصحاب الدركلة فقال: خذوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة. قال: فبينا هم كذلك إذ جاءه عمر، فلما رأوه ابذعرّوا.
الدركلة والدرقلة بوزن الربحلة: ضرب من لعب الصبيان، وقد درقلوا درقلة.
ومنه الحديث: إنه قدم عليه صلى الله عليه وآله وسلم فتية من الحبشة يدرقلون. وفسر بيرقصون - وقال شمر: قرئ على أبي عبيد وأنا شاهد: الدركلة بوزن الشرذمة.
أرفدة: أبو الحبش.
ابذعروُّا: تفرقوا.
* * * * كان في يده صلى الله عليه وآله وسلمندرى يحك به رأسه، فنظر إليه رجل من شقَّ بابه، فقال له: لو علمت أنك تنظر لطعنت به في عينك.
المدري والمدراة: حديدة يسرَّح بها الشعر، وقد درت شعرها.
الشق: واحدة الشقوق؛ سمي بالمصدر.
* * * * إنه صلى الله عليه وآله وسلم سأل ابن صياد عن تربة الجنة، فقال: درمكة بيضاء، يخالطها مسك خالص، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: صدق.
هي بالكاف والقاف الحوَّاري.
وذكر خالد بن صفوان الدرهم فقال: يطعم الدرمق ويكسو النرمق.
* * * * لزمت السواك حتى خفت أن يدردني - وروى: حتى كدت أُحفي فمي.
من الدر، وهو سقوط الأسنان، أراد بالفم الأسنان.
ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يفضض الله فاك. ومثل العرب: متى عهدك بأسفل فيك؟ وإحفاؤها: إسقاطها من أصولها، من إحفاء الشعر؛ وهو أن يلزق جزَّه.
* * * * أبو بكر رضي الله عنه - لا تزالون تهزمون الروم، فإذا صاروا إلى التدريب وقفت الحرب.
قال ابن الأعرابي: التدريب: الصبر في الحرب وقت الفرار، وقد درب الرجل إذا صبر، وأصله من الدُّربة، ويجوز أن يكون التدريب من الدُّروب كالتبويب من الأبواب.
* * * * عمر رضي الله عنه - صلى المغرب فلما انصرف درأ جمعة من حصى المسجد وألقى عليه رداءه واستلقى.
أي سوَّاها بيده وبسطها، من درأ له الوسادة.
والجُمعة: المجموعة، ويقال: أعطني جمعة من تمر كالقبضة.
* * * * ابن عباس رضي الله عنهما - قال عطاء: صلينا معه على درنوك قد طبق البيت كله.
الدرنوك والدرموك: ضرب من الطنفسة.
ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل أولات الأجنحة فهتكه.
* * * * كعب رحمه الله - قال له عمر: لأي ابني آدم كان النسل، فقال ليس لواحد منهما نسل؛ أما المقتول فدرج، وأما القاتل فهلك نسله في الطوفان، والناس من بني نوح، ونوح من بني شيث بن آدم عليهم السلام.
درج: مات وذهب.
* * * * درّية في " به " . دررا في " حي " . أدراجك في " لب " . تدردر في " دع " . دريناً في " دك " . ولا الدرنة في " طع " . ذو تدرءٍ في " عد " . المدرّ في " عص " . لا يدري ما الله في " بج " . أدرّوا في " لق " . ولا يداري في " شر " . تدركوني في " بد " .
* * * *
الدال مع السين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - خطب الناس ذات يوم، وعلى رأسه عمامة دسماء. هي السوداء.
* * * * ذكر صلى الله عليه وآله وسلم ما يُجب الوضوء فقال: أو دسعةٌ تملأ الفم.
هي القيئة؛ يقال: دسع الرجل، ودسع البعير بجرته دسعاً ودسوعا: انتزعها من كرشه وألقاها إلى فيه.
* * * *
عمر رضي الله عنه - خطب فقال: إن أخوف ما أخاف عليكم أن يؤخذ الرجل البريء فيدسر كما تدسر الجزور، ويشاط لحمه كما يشاط لحم الجزور؛ يقال عاصٍ وليس عاصٍ.
فقال علي عليه السلام: وكيف ذاك ولما تشتد البلية، وتظهر الحمية، وتسب الذرية، وتدقهم الفتن دقَّ الرَّحى بثفالها؟ الدسر: الدفع. والمعنى يدفع ويكب للقتل كما يفعل بالجزور عند النحر. أشاط الجزار الجزور: إذا قطعها وقسَّم لحومها.
لمّا: مركبة من لم وما، وهي نقيضة قد تنفي ما تثبته من الخبر المنتظر.
أراد بالحمية حمية الجاهلية.
الثفال: جلدة تُبسط تحت رحى اليد، يقع عليها الدقيق. قال:
فَتَعْرُكْكُم عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالها
والمعنى: كما تدق الرحى في حال طحنها؛ لأن الثفال إنما يكون معها حينئذ.
ومن الدسر حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس في العنبر زكاة، إنما هو شيء دسره البحر.
ومنه حديث الحجاج: إنه قال لسنان بن يزيد النخعي لعنه الله: كيف قتلت الحسين عليه السلام؟ قال: دسته بالرمح دسرا، وهبرته بالسيف هبرا، ووكلته إلى امرئ غير وكل.
فقال الحجاج: أما والله لا تجتمعان في الجنة أبداً، وأمر له بخمسة آلاف درهم؛ فلما ولى قال: لا تعطوه إياها.
الهبر: القطع الواغل في اللحم.
والوكل: الجبان الذي يكل أمره إلى غيره.
* * * * عثمان رضي الله عنه - رأى صبيا تأخذه العين جمالا، فقال: دسِّموا نونته.
أي سوِّدوا النقرة التي في ذقنه ليردَّ العين.
* * * * الحسن رحمه الله - كان يقول في المستحاضة: تغتسل من الأولى إلى الأولى، وتدسم ما تحتها وتتوضأ إذا أحدثت.
أي تسد فرجها؛ من الدسام، وهو ما يسد به رأس القارورة.
* * * * في الحديث: لا يذكرون الله إلا دسماً.
أي قليلا؛ من قولهم: دسم المطر الأرض إذا لم يبلغ أن يبل الثرى، والديسم: القليل الذكر.
* * * * دسيعة ظلم، وتدسع في " رب " . ودساماً في " نش " .
* * * *
الدال مع الشين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - دعا قوما من أصحاب الصفة إلى بيت عائشة، فقال: يا عائشة أطعمينا. قال الراوي: فجاءت بدشيشة، فأكلنا، ثم جاءت بحيسة مثل القطا فأكلنا، ثم جاءت بعُس عظيم فشربنا، ثم انطلقنا إلى المسجد.
الدشيشة كالجشيشة، وهي حسو يتخذ من بُرّ مرضوض.
العُسّ: القدح الضخم العظيم.
* * * *
الدال مع العين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كانت فيه دعابة.
الدعابة كالفكاهة والمزاحة، مصدر دعب إذا مزح، والمداعبة مفاعلة منه.
ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله: أبكراً تزوجت أم ثيبا، قال: بل ثيباً. قال صلى الله عليه وآله وسلم: فهلا بكراً تُداعبها وتُداعبك! نصب بكراً بفعل مضمر معناه: فهلا تزوجت بكراً.
* * * * لا تقتلوا أولادكم سرا، أنه ليدرك الفارس فيدعثره.
وهو من قولهم: دعثر الحوض؛ إذا هدَّمه. قال ذو الرمة:
آريُّها والمنتأى المُدَعْثَرُ
والدّعثور: الحوض المتثلم، والمراد النهي عن الغيل وأن من سوء أثره في بدن المغيل، وإرخاء قواه، وإفساد مزاجه أن ذلك لا يزال ماثلا فيه إلى أن يكتهل ويبلغ مبلغ الرجل، فإذا أراد مقاواة قرن في الحرب وهن عنه وانكسر. وسبب وهنه وانكساره الغيل.
ومعنى الإدراك هاهنا كمعنى التدارك في قوله:
جَرَى طَلَقاً حتى إذا قِيل سابقٌ ... تَداركه أعْرَاقُ سوءٍ فَبَلَّدَا
* * * * أمر ضرار بن الأزور أن يحلب ناقة. وقال له: داعي اللبن لا تجهده.
أي أبق في الضرع باقيا يدعو ما فوقه من اللبن فينزله، ولا تستوعبه؛ فإنه إذا استنفض أبطأ الدر.
والجهد: الاستقصاء. قال الشماخ:
من ناصع اللَّوْن حُلْوٍ غيرِ مجهود
* * * * ذكر الخوارج فقال: آيتهم رجل أدعج، إحدى يديه مثل ثدي المرأة تدردر.
هو الأسود. قال:
حتَّى ترى أعناقَ ليلٍ أَدْعجا
التدردر: الاضطراب، والمجيء والذهاب، ومنه تدردر في مشيته: إذا حرَّك نفسه.
* * * * الخلافة في قريش، والحكم في الأنصار، والدعوة في الحبشة.
يعني الأذان؛ جعله في الحبشة، تفضيلا لبلال، ورفعاً منه، وجعل الحكم في الأنصار؛ لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم؛ منهم معاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وغيرهم رضي الله عنهم.
* * * *
سمع رجلا في المسجد يقول: من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال: لا وجدت لا وجدت.
أراد من أنشده فدعا إليه صاحبه، وإنما دعا، كراهية النشدان في المسجد.
* * * * إنما كان أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
إنما سمي التهليل والتمجيد دعاء؛ لأنه بمنزلته في استيجاب صنع الله وإنعامه.
ومنه الحديث: يقول الله: إذا شغل عبدي ثناؤه عليّ عن مسألته أعطيته أفضل ما أعطى السائلين.
ودعاء الأنبياء يجوز فيه الرفع على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
* * * * عمر رضي الله عنه - وصفه عمر بن عبد العزيز فقال: دعامة للضعيف، مزمهر على الكافر.
شبهه في تقويته الضعيف بالدعامة التي يدعم بها.
المزمهر: الغضوب الذي تزمهر عيناه، أي تحمران من شدة الغضب، من قولهم: ازمهرت الكواكب إذا لمعت وزهرت، والميم مزيدة.
* * * * كان يقدم الناس على سابقتهم في أعطياتهم، فإذا انتهت الدعوة إليه كبّر.
هي المناداة والتسمية، وأن يقال: دونك يا أمير المؤمنين، يقال: دعوت زيداً إذا ناديته، ودعوته زيداً، إذا سميته به.
* * * * دعج في " بر " . أديعج في " مع " . المداعسة في " رض " . الدعوة في " سح " . دعابة في " كل " .
* * * *
الدال مع الغين
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال لنساء: لا تعذبن أولادكن بالدغر.
هو أن يأخذ الصبي العذرة، وهي وجع في الحلق، فتدغر المرأة ذلك الموضع، أي تدفعه بإصبعها.
* * * * ضحَّى صلى الله عليه وآله وسلم بكبش أدغم.
هو ما اسودت أرنبته وما تحت حنكه. وفي أمثالهم: الذئب أدغم، وهو من الإدغام، لأنه لون في لون آخر.
* * * * علي عليه السلام - لا قطع في الدغرة.
هي الخلسة؛ لأن المختلس يدفع نفسه على الشيء.
* * * * تدغرن في " عل " . ندغفقها دغفقة في " نط " .
* * * *
الدال مع الفاء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أُتي بأسير يوعك، فقال لقوم: اذهبوا به فأدفوه، فذهبوا به فقتلوه، فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أراد الإدفاء، من الدفء فحسبوه الإدفاء بمعنى القتل في لغة أهل اليمن؛ يقال: أدفأت الجريح ودافأته ودافقته ودفوته ودافيته: أجهزت عليه، والأصل أدفئوه، فخففه بحذف الهمزة، وهو تخفيف شاذ، ونظيره: لا هناك المرتع، وتخفيفه القياسي أن تجعل الهمزة بين بين.
* * * * فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح.
هو الذي تضرب به النساء - بالضم والفتح.
والمراد بالصوت الإعلان.
* * * * أبصر صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره شجرة دفواء تسمى ذات أنواط؛ كان يناط بها السلاح وتُعبد من دون الله.
الأدفى: الطويل الجناح من الطير، والطويل القرنين من الوعول؛ ويقال: عنز دفواء، إذا انصب قرناها على طرفي علباويها، ومن ذلك شجرة دفواء؛ وهي العظيمة الطويلة الفروع والأغصان، الجثلة الظليلة.
سمي المنوط به بالنوط؛ وهو مصدر ثم جمع؛ ومنه قولهم: لمزود الراكب الذي ينوطه: نوط.
* * * * قال له صلى الله عليه وآله وسلم أعرابي: يا رسول الله؛ هل في الجنة إبل؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم تدف بركبانها.
أصل الدفيف من دفَّ الطائر؛ إذا ضرب بجناحيه دفَّيه في طيرانه على الأرض؛ ثم قيل: دفّت الإبل إذا سارت سيراً لينا.
ومنه حديث عمر رضي الله عنه: إنه قال لمالك بن أوس: يا مال؛ إنه قد دفت علينا من قومك دافَّة، وقد أمرنا لهم برضخ فاقسمه بينهم.
هم القوم يسيرون جماعة. وعدى دفَّت بعلى على تاويل قدم وورد.
ومنه حديث سالم رضي الله عنه: إنه كان يلي صدقة عمر؛ فإذا دفَّت دافَّة الأعراب وجهها أو عامتها فيهم وهي مسبلة.
* * * * دفع من عرفات العنق، فإذا وجد فجوة نصَّ.
أي ابتدأ السير من عرفات، وحقيقته دفع نفسه منها، ونحاها. وانتصاب العنق كانتصاب الخيزلي والقهقرى، في قولهم: مشي الخيزلي، ورجع القهقرى في أحد الوجهين.
والعنق: السير الفسيح.
الفجوة: المتسع من الارض، يقال: بين دور آل فلان فجوة.
النصُّ: من نصَّ البعير في السير إذا رفعه، ولا يقال منه فعل البعير.
* * * * خالد رضي الله عنه - لما أخذ الراية يوم مؤتة دافع بالناس وخاشى بهم.
وروى: رافع.
دافع من الدفع بمعنى التنحية.
ورافع، من قولهم: رفع الشيء لذل أخذه وأحرزه.
وخاشى: من الخشية؛ والمعنى أنه نحَّى المسلمين عن القتال، وصدَّهم عنه، وحاذر عليهم منه؛ وكأن مجيء هذه الأفعال على " فاعل " ، فائدته أنه ظاهر غيره على ذلك، مبالغة في الإبقاء عليهم.
* * * * أسر رضي الله عنه من بني جذيمة يوم فتح مكة قوماً، فلما كان الليل نادى مناديه: من كان معه أسير فليدافعه.
وروى بالتخفيف، وبالذال المعجمة مع التثقيل؛ ومعنى الثلاثة: فليجهز عليه.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه " إنه دافَّ أبا جهل يوم بدر.
وروى: أقعص ابنا عفراء أبا جهل، وذفف عليه ابن مسعود.
المراد: أحرضاه وأجهز هو عليه، وأصل الإقعاص: إعجال القتل.
* * * * شريح رحمه الله - كان لا يردُّ العبد من الادفان، ويرده من الإباق البات.
قال أبو زيد: هو أن يروغ من مواليه اليوم أو اليومين، ولا يغيب من المصر. وهو افتعال من الدفن؛ لأنه يدفن نفسه أي يكتمها، وعبد دفون، وفعله الدفان.
وأما الإباق، فهو أن يغيب من المصر ويهرب.
البات: الذي لا شبهة فيه، وهو من اليمين الباتة، وهي المنقطعة عن علائق الشروط، وقد بتت بتوتاً.
* * * * عكرمة رحمه الله - قال في قوله تعالى: (يَوْمَ يَُعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يدفرون دفراً.
هو الدفع العنيف، يقال: ادفر في قفاه دفراً، وعن بعضهم إنه اشتق قولهم للدنيا: أم دفر، من هذا لأنها تدفر أهلها.
* * * * في الحديث - يؤكل ما دفَّ، ولا يؤكل ما صفَّ.
أي ما حرك جناحيه من الطير كالحمام ونحوه دون ما صفهما كالنسور والصقور ونحوها.
* * * * فيه دفاً في " مس " . فاستدفّ في " عل " . يا دفار في " فر " . يدفُّون في " قح " . من دفئهم في " نص " . الأذفر في " قش " . وادفراه في " صد " . دفن في " سح " .
* * * * النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال للنساء: إنكن إذا جعتن دقعتن، وإذا شبعتن خجلتن.
الدقع: اللصوق بالدقعاء؛ وهو التراب ذلاًّ.
والخجل: الأشر، من خجل الوادي، إذا كثر صوت ذبابه.
* * * * لا تحل المسألة إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع.
هو الملصق بالتراب لشدته، ومنه قولهم: ترب إذا افتقر؛ وأما أترب فمعناه: صار له من المال مثل التراب في كثرته، ومثله أثرى.
المفضع: الشديد المثقل.
الدم الموجع: أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، وإن لم يؤدها قُتل المتحمل عنه، وهو أخوه أو حميمه، فيوجعه قتله.
* * * * عمر رضي الله عنه - استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، فشهدوا عليه بشرب الخمر، فأتوا به، فقال: ائتوني بسوط، فأتاه أسلم مولاه بسوط دقيق، فقال عمر لأسلم: قد أخذتك دقرارة أهلك؛ ائتني بغير هذا؟، فأتاه بسوط تام فجلده.
الدقرارة: واحدة الدقارير وهي الأباطيل وعادات السوء، قال الكميت:
وإن أبيت من الأسرار هَيْنَمَةً ... عَلَى دقاريرَ أَحْكِيها وأْفتَعِلُ
والمعنى أن عادة السوء التي هي عادة منصبك وقومك في العدول عن الحقِّ، والعمل بالباطل، قد نزعتك؛ وكان أسلم عبداً بجاوياً.
* * * * الدقل في " هد " وفي " ذا " .
* * * *
الدال مع الكاف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - سأل جرير بن عبد الله البجلي عن منزله ببيشة فقال: سهل ودكداك، وسلم وأراك، وحمض وعلاك، بين نخلة ونخلة، ماؤنا ينبوع، وجنابنا مريع، وشتاؤنا ربيع. فقال له: يا جرير؛ إياك وسجع الكهان.
ويروى أنه قال: شتاؤنا ربيع، وماؤنا يميع، أو يريع، لا يقام ماتحها، ولا يحسر صابحها، ولا يعزب سارحها؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن خير الماء الشبم، وخير المال الغنم، وخير المرعى الأراك والسلم؛ إذا أخلف كان لجينا، وإذا سقط كان درينا، وإذا أكل كان لبيناً.
الدكداك: الرمل المتلبد بالأرض، غير شديد الارتفاع.
العلاك والعلك: شجر بالحجاز.
يميع: يسيل.
يريع: يثوب.
الماتح: نازع الدلو، أراد أن ماءهم سائح، فلا يحتاجون إلى إقامة ماتح.
حسر يحسر: إذا أعيا.
الصابح: الذي يصبح الإبل؛ أي يسقيها صباحاً؛ يعني أنه يوردها الشريعة فلا يعيا في سقيها.
السارح: النعم؛ أي نبتها قريب من المنازل، فنعمهم لا تعزب.
الشبم: البارد، وقيل: إنما هو السنم؛ أي العالي على وجه الأرض.
أخلف: أخرج الخلفة؛ وهي الورق بعد الورق الأول.
اللجين: الورق يدقُّ حتى يتلجن؛ أي يتلزج ثم توجره الإبل.
الدرين: حطام المرعى إذا قدم.
اللبين: بمعنى اللابن؛ من لبنت القوم إذا سقيتهم اللبن، كأنه يلبن القوم؛ لأنه يدرُّه ويكثره.
* * * * الأشعري رضي الله عنه - كتب إلى عمر رضي الله عنه: إنا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكاًّ، فما يرى أمير المؤمنين في أسهامها؟ فكتب إليه عمر: تلك البراذين؛ فما قارف العتاق منها فاجعل له سهما واحدا وألغ ما سوى ذلك.
الأدك: العريض الظهر، القصير؛ من دككت الشيء إذا ألصقته بالأرض، وناقة دكاء: لا سنام لها.
قارف: أي قاربها في السرعة.
* * * * بالدكداك في " مخ " .
* * * *
الدال مع اللام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قالت أم المنذر العدوية: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ناقه، ولنا دوال معلقة، فقام فأكل، وقام علي يأكل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مهلاً فإنك ناقه؛ فجلس علي عليه السلام وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم جعلت لهم سلقاً وشعيرا، فقال له: من هذا أصب فإنه أوفق لك.
الدوالي: بسر يعلق فإذا أرطب أكل، وهي من التدلية.
* * * * يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيقال: مالك؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه.
الاندلاق: خروج الشيء من مكانه.
الأقتاب: الأمعاء، جمع قتب.
* * * * إن أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم كن يدلحن بالقرب على ظهورهن، يسقين أصحابه، بادية خادمهن في غزوة أُحد.
الدلح: أن يمشي بالحمل وقد أثقله، ومنه سحائب ذلح.
الخدام: الخلاخيل، جمع خدمة.
* * * * إن امرأة رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها فسقته فغُفر لها.
دلع لسانه وأدلعه: أخرجه، ودلع بنفسه.
ومنه حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: يبعث شاهد الزور يوم القيامة مدلعاً لسانه في النار.
الموق: ضرب من الخفاف، فارسية معربة، ويجمع أمواقا.
* * * * عمر رضي الله عنه - كتب إلى خالد بن الوليد: بلغني أنك دخلت الحمام بالشام، وأن من بها من الأعاجم أعدُّوا لك دلوكاً عُجن بخمر، وإني أظنكم آل المغيرة ذء النار - وروى: ذرو النار.
الدلوك: ما تدلك به جسدك من طيب وغيره.
الذرء: أصله من ذرأ الأرض؛ إذا بذرها، وذرأ فيها، وزرع فيها الحب: ألقاه فيها، وزرع ذرئ؛ ومنه قوله:
شَقَقْتَ القلبَ ثم ذَرَأْتَ فيه ... هواكَ فَلِيمَ فالتأَم الفُطُور
فاستعير للخلق.
ومنه قول أبي طالب: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل.
وناصبه فعل مضمر؛ تقديره ذرئتم ذرءاً للنار، فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى النار، ومعنى إضافته إليها أنهم ذرءوا لها، من قوله تعالى: (ولقد ذَرَأْنا لِجَهنّمَ)؛ ويجوز أن يراد بالمصدر المفعول كالخلق، ويعمل النصب فيه الظن على أنه مفعول ثان.
وأما الذرو، فقد قيل: ذروت بمعنى ذرأت، أي بذرت، فسبيله سبيل الذرء؛ وقيل: هو من ذرت الريح التراب، ومعناه تذرون في النار ذرواً.
* * * * إن رجلا أتاه فقال: إن امرأة أتتني أبايعها، فأدخلتها الدولج، فضربت بيدي إليها. هو المخدع، وكذلك كل ما ولجت فيه من كهف أو سرب، فهو تولج ودولج، والأصل وولج؛ " فوعل " من الولوج، فالتاء بدل من الواو، والدال من التاء.
* * * * سلمان رضي الله عنه - اشترى هو وأبو الدرداء لحماً فتدالحاه بينهما على عودٍ.
التدالح: تفاعل، من دلح بحمله، والمعنى: وضعاه على عود، واحتملاه آخذين بطرفيه.
* * * * أبو هريرة رضي الله عنه - صلِّ العشاء إذا غاب الشفق، وادلامَّ الليل من هنا ما بينك وبين ثلث الليل، وما عجلت بعد ذهاب البياض فهو أفضل.
هو افعال من الدلمة؛ كاحمار من الحمرة؛ يقال ليل أدلم: أسود مظلم.
من هنا: أي من قبل المغرب، وهذا الحديث حجة لأبي حنيفة رحمه الله في اعتباره الشفق الأبيض.
* * * * ابن الزبير رضي الله عنهما - وقع حبشي في بئر زمزم، فأمر أن يدلوا ماءها.
الدلو: نشط الدلو، والإدلاء إرسالها، وأما قول العجاج:
يَكْشِفُ عن جَمَّاته دَلْوُ الدّالْ ... عَبَاءًةً غَبْرَاء من أَجْنٍ طالْ
فقال المبرد: يريد المدلي؛ ولكنه أخرجه على الأصل للقافية إذ كانت الهمزة زائدة، وهذا رديء في الضرورة، لأن الهمزة إنما زيدت لمعنى، فمتى حذفت زال ذلك المعنى، ودخل في باب آخر، وأنشد أبو عبيدة في مثل ذلك:
يَخْرُجْنَ من أجْوازِ ليلٍ غاضِ
وغنما حقه مغضٍ. وقال أبو علي الفارسي: أراد المدلي، فحذف الزيادة، أو أراد دلو ذي الدلو، كحلا بن وتامر.
وقال بعضهم: الدالي والمدلي جميعاً صفتان للمستقي؛ وكأنه قال: دلو المستقي، ولو قيل: إنما قصد بقوله دلو الدال نزح النازح، لأن حقيقة نزح الماء واستقائه في الدلو لا في الإدلاء وعمله في كشف العرمض أبلغ من عمله، ولأن النزع لا يكون إلا بعد الإرسال، ويكون عكس ذلك - لكان قولاً وجيهاً.
* * * * شقيق رحمه الله - قال في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلوة لِدُلُوكِ الشَّمْسِ).
دلوكها: غروبها.
قال: هو في كلام العرب دلكت براح.
دلكت الشمس: إذا زالت، وإذا غابت، قيل لأن الناظر إليها يدلك عينه، ونظيره: أفغر النجم؛ إذا استوى على رءوسهم لأن الناظر إليه يفغر فاه.
وقوله: براح فيه قولان: أحدهما أنه جمع راحة، يعني أنهم يضعون راحاتهم على عينهم ينظرون هل غربت؟ قال:
هذا مُقامُ قَدَمَيْ رَبَاحِ ... ذَبَّبَ حتى دَلَكَتْ بِرَاحِ
الثاني أن براح بوزن قطام اسم للشمس، وهي معدولة عن بارحة؛ سميت بذلك لظهورها وانكشافها، من البراح: البراز، وبارحة: كاشفة، وعلة بنائها شبهها بفعال في الأمر.
* * * * ابن المسيب رحمه الله - عمر رضي الله عنه - لو لم ينه عن المتعة لاتخذها الناس دولسيًّا.
الدولسي: الأمر الذي فيه تدليس، وأصله أن يستر البائع على المشتري عيب السلعة؛ من الدلس وهو الظلمة. والمراد: متعة النكاح؛ كان الرجل يشارط المرأة بأجل معلوم على شيء يمتعها به، يستحل به فرجها، ثم يفارقها من غير تزوج ولا طلاق، وإنما أُحل ذلك للمسلمين بمكة ثلاثة أيام حين حجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم حرُم؛ فالمعنى: لو لم ينه عنها لكان أصحاب الريب يتخذونها سبباً وسلَّما إلى الزنا مدلسين به على الناس.
* * * * مجاهد رحمه الله - إن لأهل النار جناباً يستريحون إليه، فإذا أتوه لسعتهم عقارب كأمثال البغال الدُّلم.
الدلمة: سواد مع طول؛ رجل أدلم وليل أدلم، ودلم الشيء: اشتد سواده.
* * * * الحسن رحمه الله - سئل أيدالك الرجل امرأته؟ قال: نعم إذا كان مفلجاً.
المدالكة والمداعكة والمماعكة: المماطلة، والمعنى مطله إياها بالمهر.
الملفج، بالفتح: المعدم، من قولهم: الفجتني إليك الحاجة؛ أي اضطرتني، ويقال: ألفج إذا أفلس، فهو ملفج بالكسر.
* * * * وليدلف، ودله عقلي في " قح " . ودله في " سم " . الدلاة في " رع " . دلونا في " قف "