معاني كلمات القران الكريم




فهرس معاني الكلمات001 الفاتحة ►002 البقرة ►003 آل عمران ►004 النساء ►005 المائدة ►006 الأنعام ►007 الأعراف ►008 الأنفال ►009 التوبة ►010 يونس ►011 هود ►012 يوسف ►013 الرعد ►014 إبراهيم ►015 الحجر ►016 النحل ►017 الإسراء ►018 الكهف ►019 مريم ►020 طه ►021 الأنبياء ►022 الحج ►023 المؤمنون ►024 النور ►025 الفرقان ►026 الشعراء ►027 النمل ►028 القصص ►029 العنكبوت ►030 الروم ►031 لقمان ►032 السجدة ►033 الأحزاب ►034 سبأ ►035 فاطر ►036 يس ►037 الصافات ►038 ص ►039 الزمر ►040 غافر ►041 فصلت ►042 الشورى ►043 الزخرف ►044 الدخان ►045 الجاثية ►046 الأحقاف ►047 محمد ►048 الفتح ►049 الحجرات ►050 ق ►051 الذاريات ►052 الطور ►053 النجم ►054 القمر ►055 الرحمن ►056 الواقعة ►057 الحديد ►058 المجادلة ►059 الحشر ►060 الممتحنة ►061 الصف ►062 الجمعة ►063 المنافقون ►064 التغابن ►065 الطلاق ►066 التحريم ►067 الملك ►068 القلم ►069 الحاقة ►070 المعارج ►071 نوح ►072 الجن ►073 المزمل ►074 المدثر ►075 القيامة ►076 الإنسان ►077 المرسلات ►078 النبأ ►079 النازعات ►080 عبس ►081 التكوير ►082 الإنفطار ►083 المطففين ►084 الانشقاق ►085 البروج ►086 الطارق ►087 الأعلى ►088 الغاشية ►089 الفجر ►090 البلد ►091 الشمس ►092 الليل ►093 الضحى ►094 الشرح ►095 التين ►096 العلق ►097 القدر ►098 البينة ►099 الزلزلة ►100 العاديات ►101 القارعة ►102 التكاثر ►103 العصر ►104 الهمزة ►105 الفيل ►106 قريش ►107 الماعون ►108 الكوثر ►109 الكافرون ►110 النصر ►111 المسد ►112 الإخلاص ►113 الفلق ►114 الناس ►

مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بؤامج نداء الايمان

النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق/مدونة ديوان الطلاق//المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة

الجامع لمؤلفات الشيخ الألباني / / /*الـذاكـر / /القرآن الكريم مع الترجمة / /القرآن الكريم مع التفسير / /القرآن الكريم مع التلاوة / / /الموسوعة الحديثية المصغرة/الموسوعة الفقهية الكبرى //برنامج الأسطوانة الوهمية /برنامج المنتخب فى تفسير القرآن الكريم //برنامج الموسوعة الفقهية الكويتية / /برنامج الموسوعة القرآنية المتخصصة / /برنامج حقائق الإسلام في مواجهة المشككين / /برنامج فتاوى دار الإفتاء في مائة عام ولجنة الفتوى بالأزهر / /برنامج مكتبة السنة / /برنامج موسوعة المفاهيم الإسلامية / /برنامج موسوعة شرح الحديث الشريف فتح البارى لشرح صحيح البخارى وشرح مسلم لعبد الباقى وشرح مالك للإمام اللكنوى / /خلفيات إسلامية رائعة / /مجموع فتاوى ابن تيمية / /مكتبة الإمام ابن الجوزي / /مكتبة الإمام ابن حجر العسقلاني / /مكتبة الإمام ابن حجر الهيتمي / /مكتبة الإمام ابن حزم الأندلسي / /مكتبة الإمام ابن رجب الحنبلي / /مكتبة الإمام ابن كثير / /مكتبة الإمام الذهبي / /مكتبة الإمام السيوطي / /مكتبة الإمام محمد بن علي الشوكاني / /مكتبة الشيخ تقي الدين الهلالي / /مكتبة الشيخ حافظ بن أحمد حكمي / /مكتبة الشيخ حمود التويجري / /مكتبة الشيخ ربيع المدخلي / /مكتبة الشيخ صالح آل الشيخ / /مكتبة الشيخ صالح الفوزان / /مكتبة الشيخ عبد الرحمن السعدي / /مكتبة الشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم / /مكتبة الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان / /مكتبة الشيخ عبد المحسن العباد / /مكتبة الشيخ عطية محمد سالم / /مكتبة الشيخ محمد أمان الجامي /مكتبة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي / /مكتبة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / /مكتبة الشيخ مقبل الوادعي / /موسوعة أصول الفقه / /موسوعة التاريخ الإسلامي / /موسوعة الحديث النبوي الشريف / /موسوعة السيرة النبوية / /موسوعة المؤلفات العلمية لأئمة الدعوة النجدية / موسوعة توحيد رب العبيد / موسوعة رواة الحديث / موسوعة شروح الحديث / /موسوعة علوم الحديث / /موسوعة علوم القرآن / /موسوعة علوم اللغة / /موسوعة مؤلفات الإمام ابن القيم /موسوعة مؤلفات الإمام ابن تيمية /

الجمعة، 4 مارس 2022

منهاج السنة النبوية/41 . لابن تيمية من 41 و42 وحتي آخر صفحة 47. والاتي ان شاء الله 48-

 

منهاج السنة النبوية/41.. الي اخر صفحة 47--


ثم الذنوب قسمان منها ذنوب ظاهرة كظلم الناس والفواحش الظاهرة فهذه تخاف الناس فيها من عقوبة ولاة أمورهم أعظم مما يخافه الإمامية من عقوبة المنتظر فعلم أن اللطف الذي أوجبوه لا يحصل بالمنتظر أصلا للعارف به ولا لغيره 

 

 

 

وأما قولهم إن اللطف به يحصل للعارفين به كما يحصل في حال الظهور فهذه مكابرة ظاهرة فإنه إذا ظهر حصل به من إقامة الحدود والوعظ وغير ذلك ما يوجب أن يكون في ذلك لطف لا يحصل مع عدم الظهور وتشبيههم معرفته بمعرفة الله في باب اللطف وأن اللطف به يحصل للعارف دون غيره قياس فاسد فإن المعرفة بأن الله موجود حى قادر يأمر بالطاعة ويثيب عليها وينهى عن المعصية ويعاقب عليها من أعظم الأسباب في الرغبة والرهبة منه فتكون هذه المعرفة داعية إلى الرغبة في ثوابه بفعل المأمور وترك المحظور والرهبة من عقابه إذا عصى لعلم العبد بأنه عالم قادر وأنه قد جرت سنته بإثابة المطيعين وعقوبة العاصين 

 

 

وأما شخص يعرف الناس أنه مفقود من أكثر من أربعمائة سنة وأنه لم يعاقب أحدا وأنه لم يثب أحدا بل هو خائف على نفسه إذا ظهر فضلا عن أن يأمر وينهى فكيف تكون المعرفة به داعية إلى فعل ما أمر وترك ما حظر بل المعرفة بعجزه وخوفه توجب الإقدام على فعل القبائح لا سيما مع طول الزمان وتوالي الأوقات وقتا بعد وقت وهو لم يعاقب أحدا ولم يثب أحدا 

 

 

بل لو قدر أنه يظهر في كل مائة سنة مرة فيعاقب لم يكن ما يحصل به من اللطف مثل ما يحصل بآحاد ولاة الأمر بل ولو قيل إنه يظهر في كل عشر سنين بل ولو ظهر في السنة مرة فإنه لا تكون منفعته كمنفعة ولاة الأمور الظاهرين للناس في كل وقت بل هؤلاء مع ذنوبهم وظلمهم في بعض الأمور شرع الله بهم وما يفعلونه من العقوبات وما يبذلونه من الرغبات في الطاعات أضعاف ما يقام بمن يظهر بعد كل مدة فضلا عمن هو مفقود يعلم جمهور العقلاء أنه لا وجود له والمقرون به يعلمون أنه عاجز خائف لم يفعل قط ما يفعله آحاد الناس فضلا عن ولاة أمرهم 

 

وأي هيبة لهذا وأي طاعة وأي تصرف وأي يد منبسطة حتى إذا كان للناس رئيس مهيب مطاع متصرف منبسط اليد كانوا أقرب إلى الصلاح بوجوده

ومن تدبر هذا علم أن هؤلاء القوم في غاية الجهل والمكابرة والسفسطه حيث جعلوا اللطف به في حال عجزه وغيبته مثل اللطف به في حال ظهوره وأن المعرفة به مع عجزه وخوفه وفقده لطف كما لو كان ظاهرا قادرا آمنا وأن مجرد هذه المعرفة لطف كما أن معرفة الله لطف

الوجه الثاني أن يقال قولكم لا بد من نصب إمام معصوم يفعل هذه الأمور، أتريدون أنه لا بد أن يخلق الله ويقيم من يكون متصفا بهذه الصفات أم يجب على الناس أن يبايعوا من يكون كذلك

فإن أردتم الأول فالله لم يخلق أحدا متصفا بهذه الصفات فإن غاية ما عندكم أن تقولوا إن عليا كان معصوما لكن الله لم يمكنه ولم يؤيده لا بنفسه ولا بجند خلقهم له حتى يفعل ما ذكرتموه

بل أنتم تقولون إنه كان عاجزا مقهورا مظلوما في زمن الثلاثة ولما صار له جند قام له جند آخرون قاتلوه حتى لم يتمكن أن يفعل ما فعل الذين كانوا قبله الذين هم عندكم ظلمة، فيكون الله قد أيد أولئك الذين كانوا قبله حتى تمكنوا من فعل ما فعلوه من المصالح ولم يؤيده حتى يفعل ذلك

وحينئذ فما خلق الله هذا المعصوم المؤيد الذي اقترحتموه على الله وإن قلتم إن الناس يجب عليهم أن يبايعوه ويعاونوه

قلنا أيضا فالناس لم يفعلوا ذلك سواء كانوا مطيعين أو عصاة

وعلى كل تقدير فما حصل لأحد من المعصومين عندكم تأييد لا من الله ولا من الناس وهذه المصالح التي ذكرتموها لا تحصل إلا بتأييد فإذا لم يحصل ذلك لم يحصل مابه تحصل المصالح بل حصل أسباب ذلك وذلك لا يفيد المقصود

الوجه الثالث أن يقال إذا كان لم يحصل مجموع مابه تحصل هذه المطالب بل فات كثير من شروطها فلم لا يجوز أن يكون الفائت هو العصمة وإذا كان المقصود فائتا إما بعدم العصمة وإما بعجز المعصوم فلا فرق بين عدمها بهذا أو بهذا فمن أين يعلم بدليل العقل أنه يجب على الله أن يخلق إماما معصوما

وهو إنما يخلقه ليحصل به مصالح عباده وقد خلقه عاجزا لا يقدر على تلك المصالح بل حصل به من الفساد مالم يحصل إلا بوجوده وهذا يتبين بالوجه الرابع وهو أنه لو لم يخلق هذا المعصوم لم يكن يجري في الدنيا من الشر أكثر مما جرى إذ كان وجوده لم يدفع شيئا من الشر حتى يقال وجوده دفع كذا بل وجوده أوجب أن كذب به الجمهور وعادوا شيعته وظلموه وظلموا أصحابه وحصل من الشرور التي لا يعلمها إلا الله بتقدير أن يكون معصوما

فإنه بتقدير أن لا يكون علي رضي الله عنه معصوما ولا بقية الاثنى عشر ونحوهم لا يكون ما وقع من تولية الثلاثة وبني أمية وبني العباس فيه من الظلم والشر ما فيه بتقدير كونهم أئمة معصومين وبتقدير كونهم معصومين فما أزالوا من الشر إلا ما يزيله من ليس بمعصوم فصار كونهم معصومين إنما حصل به الشر لا الخير

فكيف يجوز على الحكيم أن يخلق شيئا ليحصل به الخير وهو لم يحصل به إلا الشر لا الخير

وإذا قيل هذا الشر حصل من ظلم الناس له

قيل فالحكيم الذي خلقه إذا كان خلقه لدفع ظلمهم وهو يعلم أنه إذا خلقه زاد ظلمهم لم يكن خلقه حكمة بل سفها وصار هذا كتسليم إنسان ولده إلى من يأمره بإصلاحه وهو يعلم أنه لا يطيعه بل يفسده فهل يفعل هذا حكيم

ومثل أن يبنى إنسان خانا في الطريق لتأوى إليه القوافل ويعتصموا به من الكفار وقطاع الطريق وهو يعلم أنه إذا بناه اتخذه الكفار حصنا والقطاع مأوى لهم

ومثل من يعطى رجلا مالا ينفقه في الغزاة والمجاهدين وهو يعلم أنه إنما ينفقه في الكفار والمحاربين أعداء الرسول

ولا ريب أن هؤلاء الرافضة القدرية أخذوا هذه الحجج من أصول المعتزلة القدرية فلما كان أولئك يوجبون على الله الصلاح والأصلح أخذ هؤلاء ذلك منهم وأصل أولئك في أنه يجب على الله أن يفعل بكل مكلف ما هو الأصلح له في دينه ودنياه وهو أصل فاسد وإن كان الرب تعالى بحكمته ورحمته يفعل بحكمة لخلقه ما يصلحهم في دينهم ودنياهم

والناس في هذا الأصل على ثلاثة أقوال

فالقدرية يقولون يجب على الله رعاية الأصلح أو الصلاح في كل شخص معين ويجعلون ذلك الواجب من جنس ما يجب على الإنسان فغلطوا حيث شبهوا الله بالواحد من الناس فيما يجب عليه ويحرم عليه وكانوا هم مشبهة الأفعال فغلطوا من حيث لم يفرقوا بين المصلحة العامة الكلية وبين مصلحة آحاد الناس التي قد تكون مستلزمة لفساد عام ومضاده لصلاح عام

والقدرية المجبرة الجهمية لا يثبتون له حكمة ولا رحمة بل عندهم يفعل بمشيئة محضة لا لها حكمة ولا رحمة والجهم بن صفوان رأس هؤلاء كان يخرج إلى المبتلين من الجذمى وغيرهم فيقول أرحم الراحمين يفعل هذا يريد أنه ليس له رحمة

فهؤلاء وأولئك في طرفين متقابلين

والثالث قول الجمهور إن الله عليم حكيم رحيم قائم بالقسط وإنه سبحانه كتب على نفسه الرحمة وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها كما نطقت بذلك نصوص الكتاب والسنة وكما يشهد به الاعتبار حسا وعقلا وذلك واقع منه بحكمته ورحمته وبحكم أنه كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم لا بأن الخلق يوجبون عليه ويحرمون ولا بأنه يشبه المخلوق فيما يجب ويحرم بل كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل وليس لمخلوق عليه حق إلا ما أحقه هو على نفسه المقدسة كقوله كتب ربكم على نفسه الرحمة سورة الأنعام 54 وقوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين سورة الروم 47 وذلك بحكم وعده وصدقه في خبره وهذا متفق عليه بين المسلمين وبحكم كتابه على نفسه وحكمته ورحمته وهذا فيه تفصيل ونزاع مذكور في غير هذا الموضع

ثم القدرية القائلون برعاية الأصلح يقولون إنما خلقهم لتعريضهم للثواب

فإذا قيل لهم فهو كان يعلم أن هذا الذي عرضه لا ينتفع مما خلقه له بل يفعل ما يضره فكان كمن يعطى شخصا مالا لينفقه في سبيل الله وسيفا ليقاتل به الكفار وهو يعلم أنه ينفقه في حرب المسلمين وقتالهم

قالوا المكلف إنما أتى من جهة نفسه فهو الذي فرط بترك الطاعة

أجابهم أهل السنة بجوابين أحدهما مبني على إثبات العلم والثاني مبني على إثبات المشيئة والقدرة التامة وأنه خالق كل شيء

فقالوا على الأول إذا كان هو يعلم أن مقصوده بالفعل لم يحصل لم يكن فعله حكمة وإن كان بتفريط غيره

والثاني أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو خالق كل شيء وهو يعلم أنه لا يشاء ويخلق ما به يكون ما ذكروه من المطلوب فيمتنع مع هذا أن يكون ما ذكروه هو المطلوب بالخلق وكل جواب للقدرية فهو جواب للرافضة

ويجابون بأجوبة أخرى تجيبهم بها القدرية وإن وافقوهم على قاعدة التعليل والتجوير فيقولون إنما يجب خلق إمام معصوم إذا لم يكن قد خلق لهم ما يغنيهم عنه وبالجملة فحقيقة هذه الحجة أنها استدلال بالواجب على الواقع

فيقولون يجب عليه كذا فلا بد أن يكون قد فعل الواجب وليس هذا إلا هكذا

والعلم بالواقع له طرق كثيرة قطعية يقينية تبين انتفاء هذا الذي ذكروا أنه واقع فإذا علمنا انتقاء الفائدة المطلوبة قطعا لم يمكن إثبات لازمها وهو الوسيلة فإنا نستدل على إثبات اللازم بإثبات الملزوم فإذا كان الملزوم قد علمنا انتفاءه قطعا لم يمكن إثبات لازمه

ثم بعد ذلك آن أن نقدح في الإيجاب جملة وتفصيلا أو نقول الواجب من الجملة لا يتوقف على ما ادعوه من المعصوم ما لم يكن مثله في نواب معاوية

وقول الرافضة من جنس قول النصارى إن الإله تجسد ونزل وإنه أنزل ابنه ليصلب ويكون الصلب مغفره لذنب آدم ليدفع الشيطان بذلك لهم

فقيل لهم إذا كان قتله وصلبه وتكذيبه من أعظم الشر والمعصية فيكون قد أراد أن يزيل ذنبا صغيرا بذنب هو أكبر منه وهو مع ذلك لم يغير الشر بل زاد على ما كان فكيف يفعل شيئا لمقصود والحاصل إنما هو ضد المقصود

الوجه الخامس إذا كان الانسان مدنيا بالطبع وإنما وجب نصب المعصوم ليزيل الظلم والشر عن أهل المدينة فهل تقولون إن لم يزل في كل مدينة خلقها الله تعالى معصوم يدفع ظلم الناس أم لا

فإن قلتم بالأول كان هذا مكابرة ظاهرة فهل في بلاد الكفار من المشركين وأهل الكتاب معصوم وهل كان في الشام عند معاوية معصوم

وإن قلتم بل نقول هو في كل مدينة واحد وله نواب في سائر المدائن

قيل فكل معصوم له نواب في جميع مدائن الأرض أم في بعضها

فإن قلتم في الجميع كان هذا مكابرة وإن قلتم في البعض دون البعض قيل فما الفرق إذا كان ما ذكرتموه واجبا على الله وجميع المدائن حاجتهم إلى المعصوم واحدة

الوجه السادس أن يقال هذا المعصوم يكون وحده معصوما أو كل من نوابه معصوما وهم لا يقولون بالثاني والقول به مكابرة فإن نواب النبي ﷺ لم يكونوا معصومين ولا نواب علي بل كان في بعضهم من الشر والمعصية ما لم يكن مثله في نواب معاوية لأميرهم فأين العصمة

وأن قلت يشترط فيه وحده

قيل فالبلاد الغائبة عن الإمام لا سيما إذا لم يكن المعصوم قادرا على قهر نوابه بل هو عاجز ماذا ينتفعون بعصمة الإمام وهم يصلون خلف غير معصوم ويحكم بينهم غير معصوم ويطيعون غير معصوم ويأخذ أموالهم غير معصوم

فإن قيل الأمور ترجع إلى المعصومين

قيل لو كان المعصوم قادرا ذا سلطان كما كان عمر وعثمان ومعاوية وغيرهم لم يتمكن أن يوصل إلى كل من رعيته العدل الواجب الذي يعلمه هو وغاية ما يقدر عليه أن يولى أفضل من يقدر عليه لكن إذا لم يجد إلا عاجزا أو ظالما كيف يمكنه تولية قادر عادل

فإن قالوا إذا لم يخلق الله إلا هذا سقط عنه التكليف

قيل فإذا لم يجب على الله أن يخلق قادرا عادلا مطلقا بل أوجب على الإمام أن يفعل ما يقدر عليه فكذلك الناس عليهم أن يولوا أصلح من خلقه الله تعالى وإن كان فيه نقص إما من قدرته وإما من عدله

وقد كان عمر رضي الله عنه يقول اللهم إليك اشكو جلد الفاجر وعجز الثقة وما ساس العالم أحد مثل عمر فكيف الظن بغيره

هذا إذا كان المتولى نفسه قادرا عادلا فكيف إذا كان المعصوم عاجزا بل كيف إذا كان مفقودا من الذي يوصل الرعية إليه حتى يخبروه بأحوالهم ومن الذي يلزمها بطاعته حتى تطيعه وإذا أظهر بعض نوابه طاعته حتى يوليه ثم أخذ ما شاء من الأموال وسكن في مدائن الملوك فأي حيلة للمعصوم فيه

فعلم أن المعصوم الواحد لا يحصل به المقصود إذا كان ذا سلطان فكيف إذا كان عاجزا مقهورا فكيف إذا كان مفقودا غائبا لا يمكنه مخاطبة أحد فكيف إذا كان معدوما لا حقيقه له

الوجه السابع أن يقال صد غيره عن الظلم وإنصاف المظلوم منه وإيصال حق غيره إليه فرع على منع ظلمه واستيفاء حقه فإذا كان عاجزا مقهورا لا يمكنه دفع الظلم عن نفسه ولا استيفاء حقه من ولاية ومال لا حق امرأته من ميراثها فأي ظلم يدفع وأي حق يوصل فكيف إذا كان معدوما أوخائفا لا يمكنه أن يظهر في قرية او مدينة خوفا من الظالمين أن يقتلوه وهو دائما على هذه الحال أكثر من اربعمائة وستين سنة والأرض مملوءة من الظلم والفساد وهو لا يقدر أن يعرف بنفسه فكيف يدفع الظلم عن الخلق أو يوصل الحق إلى المستحق وما أخلق هؤلاء بقوله تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون أن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا سورة الفرقان 4

الوجه الثامن أن يقال الناس في باب ما يقبح من الله على قولين

منهم من يقول الظلم ممتنع منه وفعل القبيح مستحيل ومهما فعله كان حسنا فهؤلاء يمتنع عندهم أن يقال يحسن منه كذا فضلا عن القول بالوجوب

والقول الثاني قول من يقول إنه يجب عليه العدل والرحمة بإيجابه على نفسه كما قال تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة سورة الأنعام 5ويحرم الظلم بتحريمه على نفسه كما قال في الصحيح يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ويقول إن ذلك واجب بالعقل وعلى كل قول فهو سبحانه لم يقع منه ظلم ولم يخل بواجب فقد فعل ما يجب عليه وهو مع هذا لم يخلق ما تحصل به هذه المصالح المقصودة من المعصوم

فإن كانت هذه المصالح تحصل بمجرد خلقه وهي لم تحصل لزم أن لا يكون خلقه واجبا وهو المطلوب وإن كانت لا تحصل إلا بخلقه وخلق أمور أخرى حتى يحصل بالمجموع المطلوب فهو لم يخلق ذلك المجموع سواء كان لم يخلق شيئا منه أو لم يخلق بعضه

والإخلال بالواجب ممتنع عليه في القليل والكثير فلزم علي التقديرين أنه لا يجب عليه خلق الموجب لهذه المطالب وإذا لم يجب عليه ذلك فلا فرق بين أن يخلق معصوما لا يحصل به ذلك وبين أن لا يخلقه فلا يكون ذلك واجبا عليه وحينئذ فلا يلزم أن يكون موجودا فالقول بوجوب وجوده باطل على كل تقدير

وإن قيل إن المطلوب يحصل بخلقه وبطاعة المكلفين له، قيل إن كانت طاعة المكلفين مقدورة لله ولم يخلقها فلم يخلق المصلحة المطلوبة بالمعصوم فلا تكون واجبه عليه وإن لم تكن مقدورة امتنع الوجوب بدونها في حق المكلف فكيف في حق الله

وما لا يتم الوجوب إلا به وهو غير موجود فليس الأمر حينئذ بواجب، ألا ترى أن الإنسان لا يجب عليه تحصيل مصلحة لا تحصل بدون فعل غيره إلا إذا أعانه ذلك الغير كالجمعة التي لا تجب إلا خلف إمام أو مع عدد فلا يجب على الإنسان أن يصليها إلا إذا حصل الإمام وسائر العدد والحج الذي لا يجب عليه السفر إليه إلا مع رفقة يأمن معهم أو مع من يكريه دابته فلا يجب عليه إذا لم يحصل من يفعل معه ذلك

ودفع الظلم عن المظلوم إذا لم يمكن إلا بأعوان لم يجب على من لا أعوان له

فإذا قالوا إن الرب يجب عليه تحصيل هذه المصالح لعباده الحاصلة بخلق المعصوم وهي لا تحصل إلا بوجود من يطيعه والله تعالى على هذا التقدير لا يمكنه أن يجعل الناس يطيعونه لم يكن خلق المعصوم واجبا عليه لعدم وجوب ما لا يحصل الواجب إلا به وعدم حصول المطلوب بالمعصوم وحده

وإن قيل يخلقه لعل بعض الناس يطيعه

قيل أولا هذا ممتنع ممن يعلم عواقب الأمور، وقيل ثانيا إذا كان شرط المطلوب قد يحصل وقد لا يحصل وهو في كثير من الأوقات أو غالبها أو جميعها لا يحصل أمكن أن يخلق غير المعصوم يكون عادلا في كثير من الأوقات أو بعضها فإن حصول المقصود ممن يعدل في كثير من الأمور ويظلم في بعضها إذا كانت مصلحة وجوده أكثر من مفسدته خير ممن لا يقدر على أن يعدل بحال ولا يدفع شيئا من الظلم فإن هذا لا مصلحة فيه بحال

وإن قالوا الرب فعل ما يجب عليه من خلق المعصوم ولكن الناس فوتوا المصلحة بمعصيتهم له

قيل أولا إذا كان يعلم أن الناس لا يعاونونه حتى تحصل المصلحة بل يعصونه فيعذبون لم يكن خلقه واجبا بل ولا حكمة على قولهم

ويقال ثانيا ليس كل الناس عصاه بل بعض الناس عصوه ومنعوه وكثير من الناس تؤثر طاعته ومعرفة ما يقوله فكيف لا يمكن هؤلاء من طاعته

فإذا قيل أولئك الظلمة منعوا هؤلاء

قيل فإن كان الرب قادرا على منع الظلمة فهلا منعهم على قولهم

وإن لم يكن ذلك مقدورا فهو يعلم أن حصول المصلحة غير مقدورة فلا يفعله فلم قلتم على هذا التقدير إنه يمكن خلق معصوم غير نبي وهذا لازم لهم فإنهم إن قالوا إن الله خالق أفعال العباد أمكنه صرف دواعي الظلمة حتى يتمكن الناس من طاعته

وإن قالوا ليس خالق أفعال العباد

قيل فالعصمة إنما تكون بأن يريد الفاعل الحسنات ولا يريد السيئات وهو عندكم لا يقدر أن يغير إرادة أحد فلا يقدر على جعله معصوما

وهذا أيضا دليل مستقل على إبطال خلق أحد معصوما على قول القدرية فإن العصمة إنما تكون بأن يكون العبد مريدا للحسنات غير مريد للسيئات فإذا كان هو المحدث للإرادة والله تعالى عند القدرية لا يقدر على إحداث إرادة أحد امتنع منه أن يجعل أحدا معصوما

وإذا قالوا يخلق ما تميل به إرادته إلى الخير

قيل إن كان ذلك ملجئا زال التكليف وإن لم يكن ملجئا لم ينفع وإن كان ذلك مقدورا عندكم فهلا فعله بجميع العبادة فإنه أصلح لهم إذا أوجبتم على الله أن يفعل الأصلح بكل عبد وذلك لا يمنع الثواب عندكم كما لا يمنعه في حق المعصوم

الوجه التاسع أن يقال حاجة الإنسان إلى تدبير بدنه بنفسه أعظم من حاجة المدينة إلى رئيسها وإذا كان الله تعالى لم يخلق نفس الإنسان معصومة فكيف يجب عليه أن يخلق رئيسا معصوما؟ مع أن الإنسان يمكنه أن يكفر بباطنه ويعصي بباطنه وينفرد بأمور كثيرة من الظلم والفساد والمعصوم لا يعلمها وإن علمها لا يقدر على إزالتها فإذا لم يجب هذا فكيف يجب ذاك

الوجه العاشر أن يقال المطلوب من الأئمة أن يكون الصلاح بهم أكثر من الفساد وأن يكون الإنسان معهم أقرب إلى المصلحة وأبعد عن المفسدة مما لو عدموا ولم يقم مقامهم أم المقصود بهم وجود صلاح لا فساد معه أم مقدار معين من الصلاح

فإن كان الأول فهذا المقصود حاصل لغالب ولاة الأمور وقد حصل هذا المقصود على عهد أبي بكر وعمر وعثمان أعظم مما حصل على عهد علي وهو حاصل بخلفاء بني أمية وبني العباس أعظم مما هو حاصل بالاثنى عشر وهذا حاصل بملوك والترك والهند أكثر مما هو حاصل بالمنتظر الملقب صاحب الزمان فإنه ما من أمير يتولى ثم يقدر عدمه بلا نظير إلا كان الفساد في عدمه أعظم من الفساد في وجوده لكن قد يكون الصلاح في غيره أكثر منه كما قد قيل ستون سنة مع إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام

وإن قيل بل المطلوب وجود صلاح لا فساد معه

قيل فهذا لم يقع ولم يخلق الله ذلك ولا خلق أسبابا توجب ذلك لا محالة فمن أوجب ذلك وأوجب ملزوماته على الله كان إما مكابرا لعقله وإما ذاما لربه وخلق ما يمكن معه وجود ذلك لا يحصل به ذلك إن لم يخلق مايكون به ذلك

ومثل هذا يقال في أفعال العباد لكن القول في المعصوم أشد لأن مصلحته تتوقف على أسباب خارجة عن قدرته بل عن قدرة الله عند هؤلاء الذين هم معتزلة رافضة فإيجاب ذلك على الله أفسد من إيجاب خلق مصلحة كل عبد له

الوجه الحادي عشر أن يقال قوله لو لم يكن الإمام معصوما لافتقر إلى إمام آخر لأن العلة المحوجة إلى الإمام هي جواز الخطأ على الأمة فلو جاز الخطأ عليه لاحتاج إلى إمام آخر

فيقال له لم لا يجوز أن يكون إذا أخطأ الإمام كان في الأمة من ينبهه على الخطأ بحيث لا يحصل اتفاق المجموع على الخطأ لكن إذا أخطأ بعض الأمة نبهه الإمام أو نائبه أو غيره وإن أخطأ الإمام أو نائبه نبهه آخر كذلك وتكون العصمة ثابتة للمجموع لا لكل واحد من الأفراد كما يقوله أهل الجماعة

وهذا كما أن كل واحد من أهل خبر التواتر يجوز عليه الخطأ وربما جاز عليه تعمد الكذب لكن المجموع لا يجوز عليهم ذلك في العادة وكذلك الناظرون إلى الهلال أو غيره من الأشياء الدقيقة قد يجوز الغلط على الواحد منهم ولا يجوز على العدد الكثير وكذلك الناظرون في الحساب والهندسة ويجوز على الواحد منهم الغلط في مسألة أو مسألتين فأما إذا كثر أهل المعرفة بذلك امتنع في العادة غلطهم ومن المعلوم أن ثبوت العصمة لقوم اتفقت كلمتهم أقرب إلى العقل والوجود من ثبوتها لواحد فإن كانت العصمة لا تمكن للعدد الكثير في حال اجتماعهم على الشىء المعين فأن لا تمكن للواحد أولى وإن أمكنت للواحد مفردا فلأن تمكن له ولأمثاله مجتمعين بطريق الأولى والأحرى

فعلم أن اثبات العصمة للمجموع أولى من إثباتها للواحد وبهذه العصمة يحصل المقصود المطلوب من عصمة الإمام فلا تتعين عصمة الإمام

ومن جهل الرافضة إنهم يوجبون عصمة واحد من المسلمين ويجوزون على مجموع المسلمين الخطأ إذا لم يكن فيهم واحد معصوم والمعقول الصريح يشهد أن العلماء الكثيرين مع اختلاف اجتهاداتهم إذا اتفقوا على قول كان أولى بالصواب من واحد وأنه إذا أمكن حصول العلم بخبر واحد فحصوله بالأخبار المتواترة أولى

ومما يبين ذلك أن الإمام شريك الناس في المصالح العامة إذ كان هو وحده لا يقدر أن يفعلها إلا أن يشترك هو وهم فيها فلا يمكنه أن يقيم الحدود ويستوفى الحقوق ولا يوفيها ولا يجاهد عدوا إلا أن يعينوه بل لا يمكنه أن يصلي بهم جمعة ولا جماعة إن لم يصلوا معه ولا يمكن أن يفعلوا ما يأمرهم به إلا بقواهم وإرادتهم فإذا كانوا مشاركين له في الفعل والقدرة لا ينفرد عنهم بذلك فكذلك العلم والرأي لا يجب أن ينفرد به بل يشاركهم فيه فيعاونهم ويعاونونه وكما أن قدرته تعجز إلا بمعاونتهم فكذلك علمه يعجز إلا بمعاونتهم

الوجه الثاني عشر أن يقال العلم الديني الذي يحتاج إليه الأئمة والأمة نوعان علم كلي كإيجاب الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان والزكاة والحج وتحريم الزنا والسرقة والخمر ونحو ذلك وعلم جزئي كوجوب الزكاة على هذا ووجوب إقامة الحد على هذا ونحو ذلك

فأما الأول فالشريعة مستقلة به لا تحتاج فيه إلى الإمام فإن النبي إما أن يكون قد نص على كليات الشريعة التي لا بد منها أو ترك منها ما يحتاج إلى القياس فإن كان الأول ثبت المقصود وإن كان الثاني فذلك القدر يحصل بالقياس

وإن قيل بل ترك فيها مالا يعلم بنصه ولا بالقياس بل بمجرد قول المعصوم كان هذا المعصوم شريكا في النبوة لم يكن نائبا فإنه إذا

كان يوجب ويحرم من غير إسناد إلى نصوص النبي كان مستقلا لم يكن متبعا له وهذا لا يكون إلا نبيا فأما من لا يكون إلا خليفة لنبي فلا يستقل دونه

وأيضا فالقياس إن كان حجة جاز إحالة الناس عليه وإن لم يكن حجة وجب أن ينص النبي على الكليات

وأيضا فقد قال تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا سورة المائدة 3

وهذا نص في أن الدين كامل لا يحتاج معه إلى غيره

والناس في هذا الأصل على ثلاثة أقوال

منهم من يقول النصوص قد انتظمت جميع كليات الشريعة فلا حاجة إلى القياس بل لا يجوز القياس

ومنهم من يقول بل كثير من الحوادث لا يتناولها النصوص فالحاجة داعية إلى القياس ومن هؤلاء من قد يدعي أن أكثر الحوادث كذلك وهذا سرف منهم

ومنهم من يقول بل النصوص تناولت الحوادث بطرق جلية أو خفية فمن الناس من لا يفهم تلك الأدلة أو لا يبلغه النص فيحتاج إلى القياس وإن كانت الحوادث قد تناولها النص أو يقول إن كل واحد من عموم النص القطعي والقياس المعنوي حجة وطريق يسلك السالك إليه ما أمكنه وهما متفقان لا يتناقضان إلا لفساد أحدهما وهذا القول أقرب من غيره

وأما الجزئيات فهذه لا يمكن النص على أعيانها بل لا بد فيها من الاجتهاد المسمى بتحقيق المناط كما أن الشارع لا يمكن أن ينص لكل مصل على جهة القبلة في حقه ولكل حاكم على عدالة كل شاهد وأمثال ذلك

وإذا كان كذلك فإن ادعوا عصمة الإمام في الجزئيات فهذه مكابرة ولا يدعيها أحد فإن عليا رضي الله عنه كان يولى من تبين له خيانته وعجزه وغير ذلك وقد قطع رجلا بشهادة شاهدين ثم قالا أخطأنا فقال لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما

وكذلك كان النبي ﷺ ففى الصحيحين عنه أنه قال إنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضى بنحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار

وقد ادعى قوم من أهل الخير على ناس من أهل الشر يقال لهم بنو أبيرق أنهم سرقوا لهم طعاما ودروعا فجاء قوم فبرأوا أولئك المتهمين فظن النبي ﷺ صدق أولئك المبرئين لهم حتى أنزل الله تعالى عليه إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما الآيات سورة النساء 105 10وبالجملة الأمور نوعان كلية عامة وجزئية خاصة فأما الجزئيات الخاصة كالجزئى الذي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه مثل ميراث هذا الميت وعدل هذا الشاهد ونفقة هذه الزوجة ووقوع الطلاق بهذا الزوج وإقامة الحد على هذا المفسد وأمثال ذلك

فهذا مما لا يمكن لا نبيا ولا إماما ولا أحدا من الخلق أن ينص على كل فرد فرد منه لأن أفعال بني آدم وأعيانهم يعجز عن معرفة أعيانها الجزئية علم واحد من البشر وعبارته لا يمكن بشر أن يعلم ذلك كله بخطاب الله له وإنما الغاية الممكنة ذكر الأمور الكلية العامة

كما قال ﷺ بعثت بجوامع الكلم. فالإمام لا يمكنه الأمر والنهي لجميع رعيته إلا بالقضايا الكلية العامة وكذلك إذا ولى نائبا لا يمكنه أن يعهد إليه إلا بقواعد كلية عامة ثم النظر في دخول الأعيان تحت تلك الكليات أو دخول نوع خاص تحت أعم منه لا بد فيه من نظر المتولى واجتهاده وقد يصيب تارة ويخطىء أخرى

فإن اشترط عصمة كل واحد اشترط عصمة النواب في تلك الأعيان وهذا منتف بالضرورة واتفاق العقلاء وإن اكتفى بالكليات فالنبي يمكنه أن ينص على الكليات كما جاء به نبينا ﷺ إذ ذكر ما يحرم من النساء وما يحل فجميع أقارب الرجل من النساء حرام عليه إلا بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته كما ذكر هؤلاء الأربع في سورة الأحزاب

وكذلك في الأشربة حرم كل مسكر دون مالا يسكر وأمثال ذلك

بل قد حصر المحرمات في قوله قل إنما حرم ربي الفواحش

ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون سورة الأعراف 33 فكل ما حرم تحريما مطلقا عاما لا يباح في حال فيباح في أخرى كالدم والميتة ولحم الخنزير

وجميع الواجبات في قوله قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين سورة الأعراف 29 الآية فالواجب كله محصور في حق الله وحق عبادة

وحق الله على عبادة أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحقوق عباده العدل كما في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه قال كنت رديف رسول الله ﷺ فقال يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده قلت الله ورسوله أعلم قال حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا يا معاذ أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قلت الله ورسوله أعلم قال حقهم على الله أن لا يعذبهم

ثم إنه سبحانه فصل أنواع الفواحش والبغي وأنواع حقوق العباد في مواضع أخر ففصل المواريث وبين من يستحق الإرث ممن لا يستحقه وما يستحق الوارث بالفرض والتعصيب وبين ما يحل من المناكح وما يحرم وغير ذلك

فإن كان يقدر على نصوص كلية تتناول الأنواع فالرسول أحق بهذا من الإمام وإن قيل لا يمكن فالإمام أعجز عن هذا من الرسول

والمحرمات المعينة لا سبيل إلى النص عليها لا لرسول الله ولا إمام بل لا بد فيها من الاجتهاد والمجتهد فيها يصيب تارة ويخطىء أخرى

كما قال النبي ﷺ إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر

وكما قال لسعد بن معاذ وكان حكما في قضية معينة يؤمر فيها الحاكم أن يختار الأصلح فلما حكم بقتل المقاتلة وسبي الذرية من بني قريظة قال النبي ﷺ لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة

وكما كان يقول لمن يرسله أميرا على سرية أو جيش إذا حاصرت أهل الحصن فسألوك أن تنزلهم على حكم الله فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك والأحاديث الثلاثة ثابتة في الصحيح

فتبين بذلك أنه لا مصلحة في عصمة الإمام إلا وهي حاصلة بعصمة الرسول ولله الحمد والمنة والواقع يوافق هذا وإنا رأينا كل من كان إلى اتباع السنة والحديث واتباع الصحابة أقرب كانت مصلحتهم في الدنيا والدين أكمل وكل من كان أبعد من ذلك كان بالعكس

ولما كانت الشيعة أبعد الناس عن اتباع المعصوم الذي لا ريب في عصمته وهو رسول الله ﷺ الذي أرسله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد الذي فرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد والنور والظلمة وأهل السعادة وأهل الشقاوة وجعله القاسم الذي قسم به عباده إلى شقى وسعيد فأهل السعادة من آمن به وأهل الشقاوة من كذب به وتولى عن طاعته

فالشيعة القائلون بالإمام المعصوم ونحوهم من أبعد الطوائف عن اتباع هذا المعصوم فلا جرم تجدهم من أبعد الناس عن مصلحة دينهم ودنياهم حتى يوجد ممن هو تحت سياسة أظلم الملوك وأضلهم من هو أحسن حالا منهم ولا يكونون في خير إلا تحت سياسة من ليس منهم

ولهذا كانوا يشبهون اليهود في أحوال كثيرة منها هذا أنه ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وضربت عليهم المسكنة فلا يعيشون في الأرض إلا بأن يتمسكوا بحبل بعض ولاة الأمور الذي ليس بمعصوم

ولا بد لهم من نسبة إلى الإسلام يظهرون بها خلاف ما في قلوبهم فما جاء به الكتاب والسنة يشهد له ما يرينا الله من الآيات في الآفاق وفي أنفسنا قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق سورة فصلت 53 ومما أرانا أن رأينا آثار سبيل المتبعين لرسول الله ﷺ المعصوم أصلح في دينهم ودنياهم من سبيل الإمام المعصوم بزعمهم وإن زعموا أنهم متبعون للرسول فهم من أجهل الناس بأقواله وأفعاله وأحواله

وهذا الذي ذكرته كل من استقرأة في العالم وجده وقد حدثني الثقات الذين لهم خبرة بالبلاد الذين خبروا حال أهلها بما يبين ذلك

ومثال ذلك أنه يوجد في الحجاز وسواحل الشام من الرافضة من ينتحلون المعصوم وقد رأينا حال من كان بسواحل الشام مثل جبل كسروان وغيره وبلغنا أخبار غيرهم فما رأينا في العالم طائفة أسوأ من حالهم في الدين والدنيا ورأينا الذين هم تحت سياسة الملوك على الإطلاق خيرا من حالهم

فمن كان تحت سياسة ملوك الكفار حالهم في الدين والدنيا أحسن من أحوال ملاحدتهم كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم من الغلاة الذين يدعون الإلهية والنبوة في غير الرسول أو يتخلون عن هذا كله ويعتقدون دين الإسلام كالإمامية والزيدية

فكل طائفة تحت سياسة ملوك السنة ولو أن الملك كان أظلم الملوك في الدين والدنيا حاله خير من حالهم فإن الأمر الذي يشترك فيه أهل السنة ويمتازون به عن الرافضة تقوم به مصالح المدن وأهلها على بعض الوجوه وأما الأمر الذي يشترك فيه الرافضة ويمتازون عن به أهل السنة فلا تقوم به مصلحة مدينة واحدة ولا قربة ولا تجد أهل مدينة ولا قرية يغلب عليهم الرفض إلا ولا بد لهم من الاستعانة بغيرهم إما من أهل السنة وإما من الكفار

وإلا فالرافضة وحدهم لا يقوم أمرهم قط كما أن اليهود وحدهم لا يقوم أمرهم قط بخلاف أهل السنة فإن مدائن كثيرة من أهل السنة يقومون بدينهم ودنياهم لا يحوجهم الله سبحانه وتعالى إلى كافر ولا رافضي

والخلفاء الثلاثة فتحوا الأمصار وأظهروا الدين في مشارق الأرض ومغاربها ولم يكن معهم رافضي

بل بنو أمية بعدهم مع إنحراف كثير منهم عن علي وسب بعضهم له غلبوا على مدائن الإسلام كلها من مشرق الأرض إلى مغربها وكان الإسلام في زمنهم أعز منه فيما بعد ذلك بكثير ولم ينتظم بعد انقراض دولتهم العامة لما جاءتهم الدولة العباسية صار إلى الغرب عبد الرحمن بن هشام الداخل إلى المغرب الذي يسمى صقر قريش واستولى هو ومن بعده على بلاد الغرب وأظهروا الإسلام فيها وأقاموه وقمعوا من يليهم من الكفار وكانت لهم من السياسة في الدين والدنيا ما هو معروف عند الناس

وكانوا من أبعد الناس عن مذاهب أهل العراق فضلا عن أقوال الشيعة وإنما كانوا على مذهب أهل المدينة وكان أهل العراق على مذهب الأوزاعي وأهل الشام وكانوا يعظمون مذهب أهل الحديث وينصره بعضهم في كثير من الأمور وهم من أبعد الناس عن مذهب الشيعة وكان فيهم من الهاشميين الحسينيين كثير ومنهم من صار من ولاة الأمور على مذهب أهل السنة والجماعة

ويقال إن فيهم من كان يسكت عن علي فلا يربع به في الخلافة لأن الأمة لم تجتمع عليه ولا يسبونه كما كان بعض الشيعة يسبه

وقد صنف بعض علماء الغرب كتابا كبيرا في الفتوح فذكر فتوح النبي ﷺ وفتوح الخلفاء بعده أبي بكر وعمر وعثمان ولم يذكر عليا مع حبه له وموالاته له لأنه لم يكن في زمنه فتوح

وعلماء السنة كلهم مالك وأصحابه والأوزاعي وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وغير هؤلاء كلهم يحب الخلفاء ويتولاهم ويعتقد إمامتهم وينكر على من يذكر أحدا منهم بسوء فلا يستجيزون ذكر علي ولا عثمان ولا غيرهما بما يقوله الرافضة والخوارج

وكان صار إلى المغرب طوائف من الخوارج والروافض كما كان هؤلاء في المشرق وفي بلاد كثيرة من بلاد الإسلام ولكن قواعد هذه المدائن لا تستمر على شيء من هذه المذاهب بل إذا ظهر فيها شيء من هذه المذاهب مدة أقام الله ما بعث به محمدا ﷺ من الهدى ودين الحق الذي يظهر على باطلهم

وبنو عبيد يتظاهرون بالتشيع واستولوا من المغرب على ما استولوا عليه وبنوا المهدية ثم جاءوا إلى مصر واستولوا عليها مائتي سنة واستولوا على الحجاز والشام نحو مائة سنة وملكوا بغداد في فتنة البساسيرى وانضم إليهم الملاحدة في شرق الأرض وغربها وأهل البدع والأهواء تحب ذلك منهم ومع هذا فكانوا محتاجين إلى أهل السنة ومحتاجين إلى مصانعتهم والتقية لهم

ولهذا رأس مال الرافضة التقية وهي أن يظهر خلاف ما يبطن كما يفعل المنافق وقد كان المسلمون في أول الإسلام في غاية الضعف والقلة وهم يظهرون دينهم لا يكتمونه

والرافضة يزعمون أنهم يعملون بهذه الآية قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه سورة آل عمران 28 ويزعمون أنهم هم المؤمنون وسائر أهل القبلة كفار مع أن لهم في تكفير الجمهور قولين لكن قد رأيت غير واحد من أئمتهم يصرح في كتبه وفتاويه بكفر الجمهور وأنهم مرتدون ودارهم دار ردة يحكم بنجاسة مائعها وأن من أنتقل إلى قول الجمهور منهم ثم تاب لم تقبل توبته لأن المرتد الذي يولد على الفطرة لا يقبل منه الرجوع إلى الإسلام

وهذا في المرتد عن الإسلام قول لبعض السلف وهو رواية عن الإمام أحمد قالوا لأن المرتد من كان كافرا فأسلم ثم رجع إلى الكفر بخلاف من يولد مسلما، فجعل هؤلاء هذا في سائر الأمة فهم عندهم كفار فمن صار منهم إلى مذهبهم كان مرتدا

وهذه الآية حجة عليهم فإن هذه الآية خوطب بها أولا من كان مع النبي ﷺ من المؤمنين فقيل لهم لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين سورة آل عمران 28 وهذه الآية مدنية باتفاق العلماء فإن سورة آل عمران كلها مدنية وكذلك البقرة والنساء والمائدة

ومعلوم أن المؤمنين بالمدينة على عهد النبي ﷺ لم يكن أحد منهم يكتم إيمانه ولا يظهر للكفار أنه منهم كما يفعله الرافضة مع الجمهور

وقد اتفق المفسرون على أنها نزلت بسبب أن بعض المسلمين أراد إظهار مودة الكفار فنهوا عن ذلك وهم لا يظهرون المودة للجمهور وفي رواية الضحاك عن ابن عباس أن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود فقال يا رسول الله إن معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو فنزلت هذه الآية

وفي رواية أبي صالح أن عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين كانوا يتولون اليهود ويأتونهم بالأخبار يرجون لهم الظفر على النبي ﷺ فنهى الله المؤمنين عن مثل فعلهم

وروى عن ابن عباس أن قوما من اليهود كانوا يباطنون قوما من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فنهاهم قوم من المسلمين عن ذلك وقال اجتنبوا هؤلاء فأبوا فنزلت هذه الآية

وعن مقاتل بن حيان ومقاتل بن سليمان أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره كانوا يظهرون المودة لكفار مكة فنهاهم الله عن ذلك

والرافضة من أعظم الناس إظهارا لمودة أهل السنة ولا يظهر أحدهم دينه حتى إنهم يحفظون من فضائل الصحابة والقصائد التي في مدحهم وهجاء الرافضة ما يتوددون به إلى أهل السنة ولا يظهر أحدهما دينه كما كان المؤمنون يظهرون دينهم للمشركين وأهل الكتاب فعلم أنهم من أبعد الناس عن العمل بهذه الآية

وأما قوله تعالى إلا أن تتقوا منهم تقاة سورة آل عمران 28 قال مجاهد إلا مصانعة

والتقاة ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي فإن هذا نفاق ولكن أفعل ما أقدر عليه كما في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان

فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون وأمرأة فرعون وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم ولا كان يكذب ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه بل كان يكتم إيمانه

وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر فهذا لم يبحه الله قط إلا لمن أكره بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر والله تعالى قد فرق بين المنافق والمكره

والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين لا من جنس حال المكره الذي أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فإن هذا الإكراه لا يكون عاما من جمهور بني آدم بل المسلم يكون أسيرا أو منفردا في بلاد الكفر ولا أحد يكرهه على كلمه الكفر ولا يقولها ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه وقد يحتاج إلى أن يلين لناس ! من الكفار ليظنوه منهم وهو مع هذا لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه بل يكتم ما في قلبه

وفرق بين الكذب وبين الكتمان فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره الله في الإظهار كمؤمن آل فرعون وأما الذي يتكلم بالكفر فلا يعذره إلا إذا أكره والمنافق الكذاب لا يعذر بحال ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب ثم ذلك المؤمن الذي يكتم إيمانه يكون بين الكفار الذين لا يعلمون دينه وهو مع هذا مؤمن عندهم يحبونه ويكرمونه لأن الإيمان الذي في قلبه يوجب أن يعاملهم بالصدق والأمانة والنصح وإرادة الخير بهم وإن لم يكن موافقا لهم على دينهم كما كان يوسف الصديق يسير في أهل مصر وكانوا كفارا وكما كان مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه ومع هذا كان يعظم موسى ويقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله سورة غافر 2وأما الرافضي فلا يعاشر أحدا إلا استعمل معه النفاق فإن دينه الذي في قلبه دين فاسد يحمله على الكذب والخيانة وغش الناس وإرادة السوء بهم فهو لا يألوهم خبالا ولا يترك شرا يقدر عليه إلا فعله بهم وهو ممقوت عند من لا يعرفه وإن لم يعرف أنه رافضي تظهر على وجهه سيما النفاق وفي لحن القول ولهذا تجده ينافق ضعفاء الناس ومن لا حاجة به إليه لما في قلبه من النفاق الذي يضعف قلبه

والمؤمن معه عزة الإيمان فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ثم هم يدعون الإيمان دون الناس والذلة فيهم أكثر منها في سائر الطوائف من المسلمين

وقد قال تعالى إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد سورة غافر 51 وهم أبعد طوائف أهل الإسلام عن النصرة وأولاهم بالخذلان فعلم أنهم أقرب طوائف أهل الإسلام إلى النفاق وأبعدهم عن الإيمان

وآية ذلك أن المنافقين حقيقة الذين ليس فيهم إيمان من الملاحدة يميلون إلى الرافضة والرافضة تميل إليهم أكثر من سائر الطوائف

وقد قال ﷺ الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقال ابن مسعود رضي الله عنه اعتبروا الناس بأخدانهم

فعلم أن بين أرواح الرافضة وأرواح المنافقين اتفاقا محضا قدرا مشتركا وتشابها وهذا لما في الرافضة فإن النفاق شعب

كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه شعبة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وفي رواية لمسلم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم

والقرآن يشهد لهذا فإن الله وصف المنافقين في غير موضع بالكذب والغدر والخيانة وهذه الخصال لا توجد في طائفة أكثر منها في الرافضة ولا أبعد منها عن أهل السنة المحضة المتبعين للصحابة فهؤلاء أولى الناس بشعب الإيمان وأبعدهم عن شعب النفاق والرافضة أولى الناس بشعب النفاق وأبعدهم عن شعب الإيمان وسائر الطوائف قربهم إلى الإيمان وبعدهم عن النفاق بحسب سنتهم وبدعتهم

وهذا كله مما يبين أن القوم أبعد الطوائف عن اتباع المعصوم الذي لا شك في عصمته وهو خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وما يذكرونه من خلاف السنة في دعوى الإمام المعصوم وغير ذلك فإنما هو في الأصل من ابتداع منافق زنديق كما قد ذكر ذلك أهل العلم.

ذكر غير واحد منهم أن أول من ابتدع الرفض والقول بالنص على علي وعصمته كان منافقا زنديقا أراد فساد دين الإسلام وأراد أن يصنع بالمسلمين ما صنع بولص بالنصارى لكن لم يتأت له ما تأتى لبولص لضعف دين النصارى وعقلهم فإن المسيح ﷺ رفع ولم يتبعه خلق كثير يعلمون دينه ويقومون به علما وعملا فلما ابتدع بولص ما ابتدعه من الغلو في المسيح اتبعه على ذلك طوائف وأحبوا الغلو في المسيح ودخلت معهم ملوك فقام أهل الحق خالفوهم وأنكروا عليهم فقتلت الملوك بعضهم وداهن الملوك بعضهم وبعضهم اعتزلوا في الصوامع والديارات

وهذه الأمة ولله الحمد لا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق فلا يتمكن ملحد ولا مبتدع من إفساده بغلو أو انتصار على أهل الحق ولكن يضل من يتبعه على ضلاله

وأيضا فنواب المعصوم الذي يدعونه غير معصومين في الجزئيات وإذا كان كذلك فيقال إذا كانت العصمة في الجزئيات غير واقعة وإنما الممكن العصمة في الكليات فالله تعالى قادر أن ينص على الكليات بحيث لا يحتاج في معرفتها إلى الإمام ولا غيره وقادر أيضا أن يجعل نص النبي أكمل من نص الإمام وحينئذ فلا يحتاج إلى عصمة الإمام لا في الكليات ولا في الجزئيات

الوجه الثالث عشر أن يقال العصمة الثابتة للإمام أهي فعله للطاعات باختياره وتركه للمعاصي باختياره مع أن الله تعالى عندكم لا يخلق اختياره أم هي خلق الإرادة له أم سلبة القدرة على المعصية

فإن قلتم بالأول وعندكم أن الله لا يخلق اختيار الفاعلين لزمكم أن الله لا يقدر على خلق معصوم

وإن قلتم بالثاني بطل أصلكم الذي ذهبتم إليه في القدرة

وإن قلتم سلب القدرة على المعصية كان المعصوم عندكم هو العاجز عن الذنب كما يعجز الأعمى عن نقط المصاحف والمقعد عن المشي

والعاجز عن الشيء لا ينهى عنه ولا يؤمر به وإذا لم يؤمر وينه لم يستحق ثوابا على الطاعة فيكون المعصوم عندكم لا ثواب له على ترك معصية بل ولا على فعل طاعة وهذا غاية النقص

وحينئذ فأي مسلم فرض كان خيرا من هذا المعصوم إذا أذنب ثم تاب لأنه بالتوبة محيت سيئاته بل بدل بكل سيئة حسنة مع حسناته المتقدمة فكان ثواب المكلفين خيرا من المعصوم عند هؤلاء وهذا يناقض قولهم غاية المناقضة

وأما المقدمة الثانية فلو قدر أنه لا بد من معصوم فقولهم ليس بمعصوم غير علي اتفاقا ممنوع بل كثير من الناس من عبادهم وصوفيتهم وجندهم وعامتهم يعتقدون في كثير من شيوخهم من العصمة من جنس ما تعتقده الرافضة في الاثنى عشر وربما عبروا هو ذلك بقولهم الشيخ محفوظ

وإذا كانوا يعتقدون هذا في شيوخهم مع اعتقادهم أن الصحابة أفضل منهم فاعتقادهم ذلك في الخلفاء من الصحابة أولى

وكثير من الناس فيهم من الغلو في شيوخهم من جنس ما في الشيعة من الغلو في الأئمة

وأيضا فالإسماعيلية يعتقدون عصمة أئمتهم وهم غير الاثنى عشر

وأيضا فكثير من أتباع بني أمية أو أكثرهم كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه ولا عذاب وأن الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء والله أمرهم بذلك وكلامهم في ذلك معروف كثير

وقد أراد يزيد بن عبد الملك أن يسير بسيرة عمر بن العزيز فجاء إليه جماعة من شيوخهم فحلفوا له بالله الذي لا إله إلا هو أنه اذا ولى الله على الناس إماما تقبل الله منه الحسنات وتجاوز عنه السيئات

ولهذا تجد في كلام كثير من كبارهم الأمر بطاعة ولي الأمر مطلقا وأن من أطاعه فقد أطاع الله ولهذا كان يضرب بهم المثل يقال طاعة شامية وحينئذ فهؤلاء يقولون إن إمامهم لا يأمرهم إلا بما أمرهم الله به وليس فيهم شيعة بل كثير منهم يبغض عليا ويسبه

ومن كان اعتقاده أن كل ما يأمر الإمام به فإنه مما أمر الله به وأنه تجب طاعته وأن الله يثيبه على ذلك ويعاقبه على تركه لم يحتج مع ذلك إلى معصوم غير إمامه

وحينئذ فالجواب من وجهين أحدهما أن يقال كل من هذه الطوائف إذا قيل لها إنه لا بد لها من إمام معصوم تقول يكفيني عصمة الإمام الذي ائتممت به لا احتاج إلى عصمة الأثنى عشر لا علي ولا غيره ويقول هذا شيخي وقدوتي وهذا يقول إمامي الأموي والإسماعيلي بل كثير من الناس يعتقدون أن من يطيع الملوك لا ذنب له في ذلك كائنا من كان ويتأولون قوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم سورة النساء 5فإن قيل هؤلاء لا يعتد بخلافهم

قيل هؤلاء خير من الرافضة الإسماعيلية

وأيضا فإن أئمة هؤلاء وشيوخهم خير من معدوم لا ينتفع به بحال فهم بكل حال خير من الرافضة

وأيضا فبطلت حجة الرافضة بقولهم لم تدع العصمة إلا في علي وأهل بيته

فإن قيل لم يكن في الصحابة من يدعي العصمة لأبي بكر وعمر وعثمان

قيل إن لم يكن فيهم من يدعي العصمة لعلي بطل قولكم وإن كان فيهم من يدعي العصمة لعلي لم يمتنع أن يكون فيهم من يدعي العصمة للثلاثة بل دعوى العصمة لهؤلاء أولى فإنا نعلم يقينا أن جمهور الصحابة كانوا يفضلون أبا بكر وعمر بل على نفسه كان يفضلهما عليه كما تواتر عنه وحينئذ فدعواهم عصمة هذين أولى من دعوى عصمة علي

فإن قيل فهذا لم ينقل عنهم

قيل لهم ولا نقل عن واحد منهم القول بعصمة علي ونحن لا نثبت عصمة لا هذا ولا هذا لكن نقول ما يمكن أحدا أن ينفي نقل أحد منهم بعصمة أحد الثلاثة مع دعواهم أنهم كانوا يقولون بعصمة علي فهذا الفرق لا يمكن أحدا أن يدعيه ولا ينقله عن واحد منهم وحينئذ فلا يعلم زمان أدعى فيه العصمة لعلي أو لأحد من الاثنى عشر

ولم يكن من ذلك الزمان من يدعي عصمة غيرهم فبطل أن يحتج بانتفاء عصمة الثلاثة ووقوع النزاع في عصمة علي

الوجه الرابع عشر أن يقال إما أن يجب وجود المعصوم في كل زما أن لا يجب فإن لم يجب بطل قولهم وإن وجب لم نسلم على هذا التقدير أن عليا كان هو المعصوم دون الثلاثة بل إذا كان هذا القول حقا لزم أن يكون أبو بكر وعمر وعثمان معصومين فإن أهل السنة متفقون على تفضيل أبي بكر وعمر وأنهما أحق بالعصمة من علي فإن كانت العصمة ممكنة فهي إليهما أقرب وإن كانت ممتنعة فهي عنه أبعد

وليس أحد من أهل السنة يقول بجواز عصمة علي دون أبي بكر وعمر وهم لا يسلمون انتفاء العصمة عن الثلاثة إلا مع انتفائها عن علي فأما انتفاؤها عن الثلاثة دون علي فهذا ليس قول أحد من أهل السنة

وهذه كنبوة موسى وعيسى فإن المسلمين لا يسلمون نبوة أحد من هذين إلا مع نبوة محمد وليس في المسلمين من يقر بنبوتهما منفردة عن نبوة محمد بل المسلمون متفقون على كفر من أقر بنبوة بعضهم دون بعض وأن من كفر بنبوة محمد وأقر بأحد هذين فهو أعظم كفرا ممن أقر بمحمد وكفر بأحد هذين

وإذا قيل إن الإيمان بمحمد مستلزم للإيمان بهما وكذلك الإيمان بهما مستلزم للإيمان بمحمد وهكذا نفى العصمة وثبوت الإيمان والتقوى وولاية الله فأهل السنة لا يقولون بإيمان علي وتقواه وولايته لله إلا مقرونا بإيمان الثلاثة وتقواهم وولايتهم لله ولا ينفون العصمة عنهم إلا مقرونا بنفيها عن علي ومعنى ذلك أن الفرق باطل عندهم

وإذا قال الرافضي لهم الإيمان ثابت لعلي بالإجماع والعصمة منتفية عن الثلاثة بالإجماع كان كقول اليهودي نبوة موسى ثابتة بالإجماع أو قول النصراني الإلهية منتفية عن محمد بالإجماع والمسلم يقول نفى الإلهية عن محمد وموسى كنفيها عن المسيح فلا يمكن أن أنفيها عن موسى ومحمد وأسلم ثبوتها للمسيح وإذا قال النصراني اتفقنا على أن هؤلاء ليسوا آلهة وتنازعنا في النصراني أن الله لا بد أن يظهر له في صورة البشر ولم يدع ذلك إلا في المسيح كان كتقرير الرافضي أنه لا بد من إمام معصوم ولم يدع ذلك إلا لعلي

ونحن نعلم بالاضطرار أنه ليس لعيسى مزية يستحق أن يكون بها إلها دون موسى ومحمد كما يعلم بالاضطرار أن عليا لم يكن له مزية يستحق أن يكون بها معصوما دون أبي بكر وعمر ومن أراد التفريق منعناه ذلك وقلنا لا نسلم إلا التسوية في الثبوت أو الانتفاء

وإذا قال أنتم تعتقدون انتفاء العصمة عن الثلاثة

قلنا نعتقد انتفاء العصمة عن علي ونعتقد أن انتفاءها عنه أولى من انتفائها عن غيره وأنهم أحق بها منه إن كانت ممكنة فلا يمكن مع هذا أن يحتج علينا بقولنا

وأيضا فنحن إنما نسلم انتفاء العصمة عن الثلاثة لاعتقادنا أن الله لم يخلق إماما معصوما فإن قدر أن الله خلق إماما معصوما فلا يشك أنهم أحق بالعصمة من كل من جاء بعدهم ونفينا لعصمتهم لاعتقادنا هذا التقدير

وهنا جواب ثالث عن أصل الحجة وهو أن يقال من أين علمتم أن عليا معصوم ومن سواه ليس بمعصوم فإن قالوا بالإجماع على ثبوت عصمة علي وانتفاء عصمة غيره كما ذكروه من حجتهم

قيل لهم إن لم يكن الإجماع حجة بطلت هذه الحجة وإن كان حجة في إثبات عصمة علي التي هي الأصل أمكن أن يكون حجة في المقصود بعصمة من حفظ الشرع ونقله ولكن هؤلاء يحتجون بالإجماع ويردون كون الإجماع حجة فمن أين علموا أن عليا هو المعصوم دون من سواه

فإن ادعوا التواتر عندهم عن النبي في عصمته كان القول في ذلك

كالقول في تواتر النص على إمامته وحينئذ فلا يكون لهم مستند آخر الجواب الرابع أن يقال الإجماع عندهم ليس بحجة إلا أن يكون قول المعصوم فيه فإن لم يعرفوا ثبوت المعصوم إلا به لزم الدور فإنه لا يعرف أنه معصوم إلا بقوله ولا يعرف أن قوله حجة إلا إذا عرف أنه معصوم فلا يثبت واحد منهما

فعلم بطلان حجتهم على إثبات المعصوم وهذا يبين أن القوم ليس لهم مستند علمي أصلا فيما يقولون فإن الإجماع عندهم ليس بحجة بل لا يجوز عندهم أن تجتمع الأمة إلا إذا كان المعصوم فيهم فإن قول المعصوم وحده هو الحجة فيحتاجون حينئذ إلى العلم بالشخص المستقل حتى يعلم أن قوله حجة فإذا احتجوا بالإجماع لم تكن الحجة عندهم في الإجماع إلا قول المعصوم فيصير هذا مصادرة على المطلوب ويكون حقيقة قولهم فلان معصوم لأنه قال إني معصوم فغذا قيل لهم بم عرفتم أنه معصوم وأن من سواه ليسوا معصومين

قالوا بأنه قال أنا معصوم ومن سواى ليس بمعصوم وهذا مما يمكن كل أحد أن يقوله فلا يكون حجة، وصار هذا كقول القائل أنا صادق في كل ما أقوله فإن لم يعلم صدقه بغير قوله لم يعلم صدقه فيما يقوله

وحجتهم هذه من جنس حجة إخوانهم الملاحدة والإسماعيلية فإنهم يدعون إلى الإمام المعلم المعصوم ويقولون إن طرق العلم من الأدلة السمعية والعقلية لا يعرف صحتها إلا بتعليم المعلم المعصوم، وكأنهم أخذوا هذا الأصل الفاسد عن إخوانهم الرافضة فلما ادعت الرافضة أنه لا بد من إمام معصوم في حفظ الشريعة وأقرت بالنبوة ادعت الإسماعيلية ما هو أبلغ فقالوا لا بد في جميع العلوم السمعية والعقلية من المعصوم

وإذا كان هؤلاء ملاحدة في الباطن يقرون بالنبوات في الظاهر والشرائع ويدعون أن لها تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه الناس منها ويقولون بسقوط العبادات وحل المحرمات للخواص الواصلين فإن لهم طبقات في الدعوة ليس هذا موضعها

وإنما المقصود أن كلتا الطائفتين تدعي الحاجة إلى معصوم غير الرسول لكن الاثنى عشرية يجعلون المعصوم أحد الأثنى عشر وتجعل الحاجة إليه في حفظ الشريعة وتبليغها وهؤلاء ملاحدة كفار

والإمامية في الجملة يعتقدون صحة الإسلام في الباطن إلا من كان منهم ملحدا فإن كثير من شيوخ الشيعة هو في الباطن على غير اعتقادهم إما متفلسف ملحد وإما غير ذلك

ومن الناس من يقول إن صاحب هذا الكتاب ليس هو في الباطن على قولهم وإنما احتاج أن يتظاهر بهذا المذهب لما له في ذلك من المصلحة الدنيوية وهذا يقوله غير واحد ممن يحب صاحب هذا الكتاب ويعظمه

والأشبه أنه وأمثاله حائرون بين أقوال الفلاسفة وأقوال سلفهم المتكلمين ومباحثهم تدل في كتبهم على الحيرة والاضطراب ولهذا صاحب هذا الكتاب يعظم الملاحدة كالطوسي وابن سينا وأمثالهما ويعظم شيوخ الإمامية ولهذا كثير من الإمامية تذمه وتسبه وتقول إنه ليس على طريق الإمامية

وهكذا أهل كل دين تجد فضلاءهم في الغالب إما أن يدخلوا في دين الإسلام الحق وإما أن يصيروا ملاحدة مثل كثير من علماء النصارى هم في الباطن زنادقة ملاحدة وفيهم من هو في الباطن يميل إلى دين الإسلام وذلك لما ظهر لهم من فساد دين النصارى

فإذا قدر أن الحاجة إلى المعصوم ثابتة فالكلام في تعينه فإذا طولب الإسماعيلي بتعيين معصومه وما الدليل على أن هذا هو المعصوم دون غيره لم يأت بحجة أصلا وتناقضت أقواله

وكذلك الرافضي أخذ من القدرية كلامهم في وجوب رعاية الأصلح وبني عليه أنه لا بد من معصوم وهي أقوال فاسدة ولكن إذا طولب بتعيينه لم يكن له حجة أصلا إلا مجرد قول من لم تثبت بعد عصمته إني معصوم

فإن قيل إذا ثبت بالعقل أنه لا بد من معصوم فإذا قال علي أني معصوم لزم أن يكون هو المعصوم لأنه لم يدع هذا غيره قيل لهم لو قدر ثبوت معصوم في الوجود لم يكن مجرد قول شخص أنا معصوم مقبولا لإمكان كون غيره هو المعصوم وإن لم نعلم نحن دعواه وإن لم يظهر دعواه بل يجوز أن يسكت عن دعوى العصمة وإظهارها على أصلهم كما جاز للمنتظر أن يخفى نفسه خوفا من الظلمة

وعلى هذا التقدير فلا يمتنع أن يكون في الأرض معصوم غير الاثنى عشر وإن لم يظهر ذلك ولم نعلمه كما أدعوا مثل ذلك في المنتظر فلم لم يبق معهم دليل على التعيين لا إجماع ولا دعوى

ومع هذا كله بتقدير دعوى على العصمة فإنما يقبل هذا لو كان علي قال ذلك وحاشاه من ذلك

وهذا جواب خامس وهو أنه إذا لم تكن الحجة على العصمة إلا قول المعصوم إني معصوم فنحن راضون بقول علي في هذه المسألة فلا يمكن أحد أن ينقل عنه بإسناد ثابت أنه قال ذلك بل النقول المتواترة عنه تنفى اعتقاده في نفسه العصمة

وهذا جواب سادس فإن إقراره لقضاته على أن يحكموا بخلاف رأيه دليل على أنه لم يعد نفسه معصوما

وقد ثبت بالإسناد الصحيح أن عليا قال اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن وقد رأيت الآن أن يبعن فقال له عبيدة السلماني قاضيه رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة

وكان شريح يحكم باجتهاده ولا يراجعه ولا يشاوره وعلي يقره على ذلك وكان يقول اقضوا كما كنتم تقضون وكان يفتي ويحكم باجتهاده ثم يرجع عن ذلك باجتهاده كأمثاله من الصحابة وهذه أقواله المنقولة عنه بالأسانيد الصحاح موجودة

ثم قد وجد من أقواله التي تخالف النصوص أكثر مما وجد من أقوال عمر وعثمان وقد جمع الشافعي من ذلك كتابا فيه خلاف علي وابن مسعود لما كان أهل العراق يناظرونه في المسألة فيقولون قال علي وابن مسعود ويحتجون بقولهما فجمع الشافعي كتابا ذكر فيه ما تركوه من قول علي وابن مسعود وجمع بعده محمد بن نصر المروزي كتابا أكبر من ذلك بكثير ذكره في مسألة رفع اليدين في الصلاة لما احتج عليه فيها بقول ابن مسعود

وهذا كلام مع علماء يحتجون بالأدلة الشرعية من أهل الكوفة كأصحاب أبي حنيفة محمد بن الحسن وأمثاله فإن أكثر مناظرة الشافعي كانت مع محمد بن الحسن وأصحابه لم يدرك أبا يوسف ولا ناظره ولا سمع منه بل توفي أبو يوسف قبل أن يدخل الشافعي العراق توفي سنة ثلاث وثمانين وقدم الشافعي العراق سنة خمس وثمانين ولهذا إنما يذكر في كتبه أقوال أبي يوسف عن محمد بن الحسن عنه وهؤلاء الرافضة في احتجاجهم على أن عليا معصوم بكون غيرهم ينفي العصمة عن غيرة احتجاجا لقولهم بقولهم وإثبات الجهل بالجهل ومن توابع ذلك ما رأيته في كتب شيوخهم أنهم إذا اختلفوا في مسألة على قولين وكان أحد القولين يعرف قائله والآخر لا يعرف قائله فالصواب عندهم القول الذى لا يعرف قائله قالوا لأن قائله إذا لم يعرف كان من أقوال المعصوم فهل هذا إلا من أعظم الجهل ومن أين يعرف أن القول الآخر وإن لم يعرف قائله إنما قاله المعصوم

ولو قدر وجوده أيضا لم يعرف أنه قاله كما لم يعرف أنه قاله الآخر ولم لا يجوز أن يكون المعصوم قد قال القول الذي يعوف وأن غيره قاله كما أنه يقول أقوالا كثيرة يوافق فيها غيره وأن القول الآخر قد قاله من لا يدري ما يقول بل قاله شيطان من شياطين الجن والإنس فهم يجعلون عدم العلم بالقول وصحته دليلا على صحته كما قالوا هنا عدم القول بعصمة غيره دليل على عصمته وكما جعلوا عدم العلم بالقائل دليلا على أنه قول المعصوم وهذا حال من أعرض عن نور السنة التي بعث الله بها رسوله فإنه يقع في ظلمات البدع ظلمات بعضها فوق بعض

فصل

قال الرافضي الوجه الثاني أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه لما بينا من بطلان الاختيار وأنه ليس بعض المختارين لبعض الأمة أولى من البعض المختار الآخر ولادائه إلى التنازع والتشاجر والتشاجر فيؤدى نصب الإمام إلى أعظم أنواع الفساد التي لأجل إعدام الأقل منها أوجبنا نصبه وغير علي من أئمتهم لم يكن منصوصا عليه بالإجماع فتعين أن يكون هو الإمام

والجواب عن هذا بمنع المقدمتين أيضا لكن النزاع هنا في الثانية أظهر وأبين فإنه قد ذهب طوائف كثيرة من السلف والخلف من أهل الحديث والفقه والكلام إلى النص على أبي بكر وذهبت طائفة من الرافضة إلى النص على العباس

وحينئذ فقوله غير علي من أئمتهم لم يكن منصوصا عليه بالإجماع كذب متيقن فإنه لا إجماع على نفي النص عن غير علي وهذا الرافضي المصنف وإن كان من أفضل بني جنسه ومن المبرزين على طائفته فلا ريب أن الطائفة كلها جهال وإلا فمن له معرفة بمقالات الناس كيف يدعى مثل هذا الإجماع

ونجيب هنا بجواب ثالث مركب وهو أن نقول لا يخلوا إما أن يعتبر النص في الإمامة وإما أن لا يعتبر فإن اعتبر منعنا المقدمة الثانية إن قلنا إن النص ثابت لأبي بكر وإن لم يعتبر بطلت المقدمة الأولى

وهنا جواب رابع وهو أن نقول الإجماع عندكم ليس بحجة وإنما الحجة قول المعصوم فيعود الأمر إلى إثبات النص بقول الذي يدعى له العصمة ولم يثبت بعد لا نص ولا عصمة بل يكون قول القائل لم يعرف صحة قوله 2 أنا المعصوم وأنا المنصوص على إمامتي حجة وهذا من أبلغ الجهل وهذه الحجة من جنس التي قبلها

وجواب خامس وهو أن يقال ما تعنى بقولك يجب أن يكون منصوصا عليه لأنه لا بد من أن يقول هذا هو الخليفة من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا فيكون الخليفة بمجرد هذا النص أم لا يصير هذا إماما حتى تعقد له الإمامة مع ذلك

فإن قلت بالأول قيل لا نسلم وجوب النص بهذا الاعتبار والزيدية مع الجماعة تنكر هذا النص وهم من الشيعة الذين لا يتهمون على علي

وأما قوله إنه إذا لم يكن كذلك أدى إلى التنازع والتشاجر

فيقال النصوص التي تدل على استحقاقه الإمامة وتعلم دلالتها بالنظر والاستدلال يحصل بها المقصود في الأحكام فليست كل الأحكام منصوصة نصا جليا يستوي في فهمه العام والخاص فإذا كانت الأمور الكلية التي تجب معرفتها في كل زمان يكتفي فيها بهذا النص فلأن يكتفي بذلك في القضية الجزئية وهو تولية إمام معين بطريق الأولى والأحرى فإنا قد بينا أن الكليات يمكن نص الأنبياء عليها بخلاف الجزئيات

وأيضا فيه إذا كانت الأدلة ظاهرة في أن بعض الجماعة أحق بها من غيره استغنى بذلك عن استخلافه

والدلائل الدالة على أن أبا بكر كان أحقهم بالإمامة ظاهرة بينة لم ينازع فيها أحد من الصحابة ومن نازع من الأنصار لم ينازع في أن أبا بكر أفضل المهاجرين وإنما طلب أن يولى واحد من الأنصار مع واحد من المهاجرين

فإن قيل إن كان لهم هوى منعوا ذلك بدلالة النصوص

قيل وإذا كان لهم هوى عصوا تلك النصوص وأعرضوا عنها كما ادعيتم أنتم عليهم فمع قصدهم القصد الحق يحصل المقصود بهذا وبهذا ومع العناد لا ينفع هذا ولا هذا

وجواب سادس أن يقال النص على الأحكام على وجهين نص كلي عام يتناول أعيانها ونص على الجزئيات

فإذا قلتم لا بد من النص على الإمام إن أردتم النص على العام الكلي على ما يشترط للإمام وما يجب عليه وما يجب له كالنص على الحكام والمفتين والشهود وأئمة الصلاة والمؤذنين وأمراء الجهاد وغير هؤلاء ممن يتقلد شيئا من أمور المسلمين فهذه النصوص ثابتة ولله الحمد كثيره كما هي ثابتة على سائر الأحكام

وإن قلتم لا بد من نص على أعيان من يتولى، قيل قد تقدم أن النص على جزئيات الأحكام لا يجب بل ولا يمكن والإمامة حكم من الأحكام فإن النص على كل من يتولى على المسلمين ولاية ما إلى قيام الساعة غير ممكن ولا واقع والنص على معين دون معين لا يحصل به النص على كل معين بل يكون نصا على بعض المعينين

وحينئذ فإذا قيل يمكن النص على إمام ويفوض إليه النص على من يستخلفه

قيل ويمكن أن ينص على من يستخلفه الإمام وعلى من يتخذه وزيرا والنص على ذلك أبلغ في المقصود

وأيضا فالإمام المنصوص على عينه أهو معصوم فيمن يوليه أو ليس بمعصوم فإن كان معصوما لزم أن يكون نوابه كلهم معصومين وهذا كله باطل بالضرورة وإن لم يكن كذلك أمكن أن يستخلف غير معصوم فلا يحصل المقصود في سائر الأزمنة بوجود المعصوم

فإن قيل هو معصوم فيمن يستخلفه بعده دون من يستخلفه في حياته، قيل الحاجة داعية إلى العصمة في كليهما وعلمه بالحاضر أعظم من علمه بالمستقبل فكيف يكون معصوما فيما يأتي وليس معصوما في الحاضر

فإن قيل فالنص ممكن فلو نص النبي ﷺ على خليفة، قيل فنصه على خليفة بعده كتولية واحد في حياته ونحن لا نشترط العصمة لا في هذا ولا في هذا

وجواب سابع وهو أن يقال أنتم أوجبتم النص لئلا يفضى إلى التشاجر المفضي إلى أعظم أنواع الفساد التي لأجل إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه

فيقال الأمر بالعكس فإن أبا بكر رضي الله عنه تولى بدون هذا الفساد وعمر وعثمان توليا بدون هذا الفساد فإنما عظم هذا الفساد في الإمام الذي ادعيتم أنه منصوص عليه دون غيره فوقع في ولايته من أنواع التشاجر والفساد التي لأجل إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه فكان ما جعلتموه وسيلة إنما حصل معه نقيض المقصود وحصل المقصود بدون وسيلتكم فبطل كون ما ذكرتموه وسيلة إلى المقصود

وهذا لأنهم أوجبوا على الله ما لا يجب عليه وأخبروا بما لم يكن فلزم من كذبهم وجهلهم هذا التناقض

وجواب ثامن وهو أن يقال النص الذي يزيل هذا الفساد يكون على وجوه أحدها أن يخبر النبي ﷺ بولاية الشخص ويثنى عليه في ولايته فحينئذ تعلم الأمة أن هذا إن تولى كان محمودا مرضيا فيرتفع النزاع وإن لم يقل ولوه

وهذا النص وقع لأبي بكر وعمر

الثاني أن يخبر بأمور تستلزم صلاح الولاة وهذه النصوص وقعت في خلافة أبي بكر وعمر

الثالث أن يأمر من يأتيه أن يأتي بعد موته شخصا يقوم مقامه فيدل على أنه خليفة من بعده وهذا وقع لأبي بكر

الرابع أن يريد كتابة كتاب ثم يقول إن الله والمؤمنين لا يولون إلا فلانا وهذا وقع لأبي بكر

الخامس أن يأمر بالاقتداء بعده بشخص فيكون هو الخليفة بعده

السادس أن يأمر باتباع سنة خلفائه الراشدين المهديين ويجعل خلافتهم إلى مدة معينة فيدل على أن المتولين في تلك المدة هم الخلفاء الراشدون

السابع أن يخص بعض الأشخاص بأمر يقتضي أنه هو المقدم عنده في الاستخلاف وهذا موجود لأبي بكر

وهنا جواب تاسع وهو أن يقال ترك النص على معين أولى بالرسول فإنه إن كان النص ليكون معصوما فلا معصوم بعد الرسول وإن كان بدون العصمة فقد يحتج بالنص على وجوب اتباعه في كل مايقول ولا يمكن أحد بعد موت الرسول أن يراجع الرسول في أمره ليرده أو يعزله فكان أن لا ينص على معين أولى من النص وهذا بخلاف من يوليه في حياته فإنه إذا أخطأ أو أذنب أمكن الرسول بيان خطئه ورد ذنبه وبعد موته لا يمكنه ذلك ولا يمكن الأمة عزله لتولية الرسول إياه فكان عدم النص على معين مع علم المسلمين بدينهم أصلح للأمة وكذلك وقع

وأيضا لو نص على معين ليؤخذ الدين منه كما تقوله الرافضة بطلت حجة الله فإن ذلك لا يقوم به شخص واحد غير الرسول إذ لا معصوم إلا هو

ومن تدبر هذه الأمور وغيرها علم أن ما اختاره الله لمحمد ﷺ وأمته أكمل الأمور

وجواب عاشر وهو أن النص على الجزئيات لا يمكن والكليات قد نص عليها فلو نص على معين وأمر بطاعته في تعيين الكليات كان هذا باطلا وإن أمر بطاعته في الجزئيات سواء وافقت الكليات أو خالفتها كان هذا باطلا وإن أمر بطاعته في الجزئيات إذا طابقت الكليات فهذا حكم كل متول

وأيضا فلو نص على معين لكان من يتولى بعده إذا لم يكن منصوصا عليه يظن الظان أنه لا تجوز طاعته إذ طاعه الأول إنما وجبت بالنص ولا نص معه

وإن قيل كل واحد ينص على الآخر فهذا إنما يكون إذا كان الثاني معصوما، والعصمة منتفية عن غير الرسول وهذا مما يبين أن القول بالنص فرع على القول بالعصمة وذلك من أفسد الأقوال

فكذلك هذا أعنى النص الذي تدعيه الرافضة وهو الأمر بطاعة المتولى في كل مايقوله من غير رد ما يقوله الكتاب إلى الكتابة والسنة إذا نوزع

وأما إذا كان يرد ما تنوزع فيه إلى الكتاب والسنة لم يحتج حينئذ إلى نص عليه لحفظ الدين فإن الدين محفوظ بدونه

وبالجملة فالنص على معين إن أريد به أنه يطاع كما يطاع الرسول في كل ما يأمر به وينهى عنه ويبيحه وليس لأحد أن ينازعه في شىء كما ليس له أن ينازع الرسول وأنه يستبد بالأحكام والأمة معه كما كانت مع النبي ﷺ فهذا لا يكون لأحد بعد الرسول ولا يمكن هذا لغيره فإن أحدا بعده لا يأتيه الوحي كما كان يأتيه ولم يعرف أحد كل ما عرفه الرسول فلم يبق سبيل إلى مماثلته لا من جهته ولا من جهة الرب تعالى

وإن أريد بالنص أنه يبين للأمة أن هذا أحق بأن يتولى عليكم من غيره وولاية هذا أحب إلى الله ورسوله وأصلح لكم في دينكم ودنياكم ونحو هذا مما يبين أنه أحق بالتقدم في خلافة النبوة فلا ريب أن النصوص الكثيرة بهذه المعاني دلت على خلافة أبي بكر

وإن أريد أنه أمرهم أن يتابعوه كما أمرهم أبو بكر أن يتابعوا عمر ويعهد إليهم في ذلك فهذا إذا علم أن الأمة تفعله كان تركه خيرا من فعله وإن خاف أن لا تفعله إلا بأمره كان الأمر أولى به

ولهذا لما خشى عليهم أبو بكر رضي الله عنه أن يختلفوا بعده عهد إلى عمر ولما علم النبي ﷺ أنهم يبايعون أبا بكر لم يأمرهم بذلك

كما في الصحيحين أنه قال لعائشة ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي ثم قال يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر

فعلم أن الله لا يولى إلا أبا بكر والمؤمنون لا يبايعون إلا أبا بكر وكذلك سائر الأحاديث الصحيحة تدل على أنه علم ذلك وإنما كان ترك الأمر مع علمه أفضل كما فعل النبي ﷺ لأن الأمة إذا ولته طوعا منها بغير التزام وكان هو الذي يرضاه الله ورسوله كان أفضل للأمة ودل على علمها ودينها

فإنها لو ألزمت بذلك لربما قيل إنها أكرهت على الحق وهي لا تختاره كما كان يجري مثل ذلك لبني إسرائيل ويظن الظان أنه كان في الأمة بقايا جاهلية من التقدم بالأنساب فإنهم كانوا يريدون أن لا يتولى إلا من هو من بني عبد مناف كما كان أبو سفيان وغيره يختارون ذلك فلو ألزم المهاجرين والأنصار بهذا لظن الظان أنهم كانوا من جنس أبي سفيان وأمثاله وكانوا يعرفون اختصاص الصديق بالنبي ﷺ أولا وآخرا وموافقته له باطنا وظاهرا 

======

 

منهاج السنة النبوية/42

 

فقد يقول القائل إنهم كانوا في الباطن كارهين لمن يأمرهم بمثل ما أمرهم به الرسول لكن لما ألزمهم بذلك احتاجوا إلى التزامه لو لم يقدح فيهم بذلك لم يمدحوا إلا بمجرد الطاعة للأمر فإذا كانوا برضاهم واختيارهم اختاروا ما يرضاه الله ورسوله من غير إلزام كان ذلك أعظم لقدرهم وأعلى لدرجتهم وأعظم في مثوبتهم وكان ما اختاره الله ورسوله للمؤمنين به هو أفضل الأمور له ولهم

ألا ترى أنه ﷺ أمر زيد بن حارثة وبعده أسامة بن زيد وطعن بعض الناس في إمارتهما واحتاجوا مع ذلك إلى لزوم طاعتهما فلو ألزمهم بواحد لكان يظن بهم أن مثل هذا كان في نفوسهم وأنه ليس الصديق عندهم بالمنزلة التي لا يتكلم فيها أحد

فلما اتفقوا على بيعته ولم يقل قط أحد إني أحق بهذا الأمر منه لا قرشي ولا أنصاري فإن من نازع أولا من الأنصار لم تكن منازعته للصديق بل طلبوا أن يكون منهم أمير ومن قريش أمير

وهذه منازعة عامة لقريش فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة وقال لهم الصديق رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح قال عمر فكنت والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر وقال له بمحضر الباقين أنت خيرنا وأفضلنا وأحبنا إلى رسول الله ﷺ وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة

ثم بايعوا أبا بكر من غير طلب منه ولا رغبة بذلت لهم ولا رهبة فبايعه الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة والذين بايعوه ليلة العقبة والذين بايعوه لما كانوا يهاجرون إليه والذين بايعوه لما كانوا يسلمون من غير هجرة كالطلقاء وغيرهم

ولم يقل أحد قط إني أحق بهذا من أبي بكر ولا قاله أحد في أحد بعينه إن فلانا أحق بهذا الأمر من أبي بكر

وإنما قال من فيه أثر جاهلية عربية أو فارسية إن بيت الرسول أحق بالولاية لكون العرب كانت في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء وكذلك الفرس يقدمون أهل بيت الملك، فنقل عمن نقل عنه كلام يشير به إلى هذا كما نقل عن أبي سفيان وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي بل كان العباس عنده بحكم رأيه أولى من علي وإن قدر أنه رجح عليا فلعلمه بأن الإسلام يقدم الإيمان والتقوى على النسب فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام

فأما الذين كانوا لا يحكمون إلا بحكم الإسلام المحض وهو التقديم بالإيمان والتقوى فلم يختلف منهم اثنان في أبي بكر ولا خالف أحد من هؤلاء ولا من هؤلاء في أنه ليس في القوم أعظم إيمانا وتقوى من أبي بكر فقدموه مختارين له مطيعين فدل ذلك على كمال إيمانهم وتقواهم واتباعهم لما بعث الله به نبيهم من تقديم الأتقى فالأتقى وكان ما اختاره الله لنبيهم ﷺ ولهم أفضل لهم والحمد لله على أن هدى هذه الأمة وعلى أن جعلنا من أتباعهم

فصل

قال الرافضي: الثالث أن الإمام يجب أن يكون حافظا للشرع لانقطاع الوحي بموت النبي ﷺ وقصور الكتاب والسنة عن تفاصيل الأحكام الجزئية الواقعة إلى يوم القيامة فلا بد من إمام منصوب من الله تعالى معصوم من الزلل والخطأ لئلا يترك بعض الأحكام أو يزيد فيها عمدا أو سهوا وغير علي لم يكن كذلك بالإجماع

والجواب من وجوه أحدها أنا لا نسلم أنه يجب أن يكون حافظا للشرع بل يجب أن تكون الأمة حافظة للشرع وحفظ الشرع يحصل بمجموع الأمة كما يحصل بالواحد بل الشرع إذا نقله أهل التواتر كان خيرا من أن ينقله واحد منهم وإذا كان كل طائفة تقوم بهم الحجة تنقل بعصمة حصل المقصود وعصمة أهل التواتر حصل في نقلهم أعظم عند بني آدم كلهم من عصمة من ليس بنبي فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ولو قيل إنهم معصومون فما نقله المهاجرون والأنصار أبلغ مما نقله هؤلاء

وأيضا فإن كان أكثر الناس يطعنون في عصمة الناقل لم يحصل ا فكيف إذا كان كثير من الأمة يكفرة

والتواتر يحصل بأخبار المخبرين الكثيرين وإن لم تعلم عدالتهم

الوجه الثاني أن يقال أتريد به من يكون حافظا للشرع وإن لم يكن معصوما أو من يكون معصوما فإن اشترطت العصمة فهذا هو الوجه الأول وقد كررته وتقدم الجواب عليه وإن اشترطت مجرد الحفظ فلا نسلم أن عليا كان أحفظ للكتاب والسنة وأعلم بهما من أبي بكر وعمر بل هما كانا أعلم بالكتاب والسنة منه فبطل ما ادعاه من الإجماع

الوجه الثالث أن يقال أتعني بكونه حافظا للشرع معصوما أنه لا يعلم صحة شىء من الشرع إلا بنقله أم يمكن أن يعلم صحة شىء من الشرع بدون نقله

إن قلت بالثاني لم يحتج لا إلى حفظه ولا إلى عصمته فإنه إذا أمكن حفظ شىء من الشرع بدونه أمكن حفظ الآخر حتى يحفظ الشرع كله من غير حاجة إليه

وإن قلت بل معناه أنه لا يمكن معرفة شىء من الشرع إلا بحفظه

فيقال حينئذ لا تقوم حجة على أهل الأرض إلا بنقله ولا يعلم صحة نقله حتى يعلم أنه معصوم ولا يعلم أنه معصوم إلا بالإجماع على نفي عصمة من سواه فإن كان الإجماع معصوما أمكن حفظ الشرع به وإن لم يكن معصوما لم تعلم عصمته

الوجه الرابع أن يقال فبماذا تثبت نبوة محمد ﷺ عند من يقر بنبوته

فإن قيل بما نقله الإمام من معجزاته

قيل من لم يقر بنبوة محمد لم يقر بإمامة علي رضي الله عنه بطريق الأولى بل يقدح في هذا وهذا

وإن قيل بما تنقله الأمة نقلا متواترا من معجزاته كالقرآن وغيره

قيل فإذا كان نقل الأمة المتواتر حجة يثبت بها أصل نبوته فكيف لا يكون حجة يثبت بها فروع شريعته

الوجه الخامس أن الإمام هل يمكنه تبليغ الشرع إلى من ينقله عنه بالتواتر أم لا يزال منقولا نقل الآحاد من إمام إلى إمام فإن كان الإمام يمكنه ذلك فالنبي ﷺ يمكنه ذلك بطريق الأولى وحينئذ فلا حاجة إلى نقل الإمام

وإن قيل لا يمكنه ذلك،

لزم أن يكون دين الإسلام لا ينقله إلا واحد بعد واحد والنقلة لا يكونون إلا من أقارب رسول الله ﷺ الذين يمكن القادح في نبوته أن يقول إنهم يقولون عليه مايشاؤون ويصير دين المسلمين شرا من دين النصارى واليهود الذين يدعون أن أئمتهم يختصون بعلمه ونقله

الوجه السادس أن ما ذكروه ينقص من قدر النبوة فإنه إذا كان الذي يدعي العصمة فيه وحفظ من عصبته كان ذلك من أعظم التهم التي توجب القدح في نبوته ويقال إن كان طالب ملك أقامه لأقاربه وعهد إليهم مايحفظون به الملك وأن لا يعرف ذلك غيرهم فإن هذا بأمر الملك أشبه منه بأمر الأنبياء

الوجه السابع أن يقال الحاجة ثابتة إلى معصوم في حفظ الشرع ونقله وحينئذ فلماذا لا يجوز أن يكون الصحابة الذين حفظوا القرآن والحديث وبلغوه هم المعصومين الذين حصل بهم مقصود حفظ

الشرع وتبليغه ومعلوم أن العصمة إذا حصلت في الحفظ والتبليغ من النقلة حصل المقصود وإن لم يكونوا هم الأئمة

الوجه الثامن أن يقال لماذا لا يجوز أن تكون العصمة في الحفظ والبلاغ ثابتة لكل طائفه بحسب ماحملته من الشرع فالقراء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه والمحدثون معصومون في حفظ الحديث وتبليغه والفقهاء معصومون في فهم الكلام والاستدلال على الأحكام

وهذا هو الواقع المعلوم الذي أغنى الله به عن واحد معدوم

الوجه التاسع أنه إذا كان لا يحفظ الشرع ويبلغه إلا واحد بعد واحد معصوم عن معصوم وهذا المنتظر له أكثر من أربعمائة وستين سنة لم يأخذ عنه أحد شيئا من الشرع فمن أين علمتم القرآن من أكثر من أربعمائة سنة ولم لا يجوز ان يكون هذا القرآن الذي تقرؤونه ليس فيه شىء من كلام الله

وكذلك من أين لكم العلم بشىء من أحوال النبي ﷺ وأحكامه وأنتم لم تسمعوا شيئا من ذلك من معصوم لأن المعصوم إما مفقود وإما معدوم

فإن قالوا تواتر ذلك عند أصحابنا بنقلهم عن الأئمة المعصومين

قيل فإذا كان تواتر أصحابكم عن الأئمة يوجب حفظ الشرع ونقله فلماذا لا يجوز أن يكون تواتر الأمة كلها عن نبيها أولى بحفظ الشرع ونقله من غير احتياج إلى نقل واحد عن واحد

وهم يقولون إن ما بأيديهم من العلم الموروث عمن قبل المنتظر يغنيهم عن أخذ شىء من المنتظر فلماذا لا يكون ما بأيدي الأمة عن نبيها يغنيها عن أخذ شىء عمن بعده وإذا كانوا يدعون أن ماينقلونه عن واحد من الاثنى عشر ثابت فلماذا لا يكون ما تنقله الأمة عن نبيها ثابتا

ومن المعلوم أن مجموع الأمة أضعاف أضعاف الرافضة بكثير وأنهم أحرص على حفظ دين نبيهم وتبليغه أقدر على ذلك من الرافضة على حفظ ما يقوله هؤلاء ونقله وهذا مما لا يخفى على من له أدنى معرفة بالأمور

الوجه العاشر أن يقال قولك لانقطاع الوحى وقصور النصوص عن تفاصيل الأحكام أتريد به قصورها عن بيان جزئى جزئى بعينه أو قصورها عن البيان الكلي المتناول للجزئيات

فإن ادعيت الأول قيل لك وكلام الإمام وكل أحد بهذه المنزلة فإن الأمير إذا خاطب الناس فلا بد أن يخاطبهم بكلام عام يعم الأعيان والأفعال وغير ذلك فإنه من الممتنع أن يعين بخطابه كل فعل من كل فاعل في كل وقت فإن هذا غير ممكن فإذا لا يمكنه إلا الخطاب العام الكلي والخطاب العام الكلي ممكن من الرسول

وإن ادعيت أن نفس نصوص الرسول ليست عامة كلية

قيل لك هذا ممنوع وبتقدير أن يمنع هذا في نصوص الرسول الذي هو أكمل من الإمام فمنع ذلك من نصوص الإمام أولى وأحرى فأنت مضطر في خطاب الإمام إلى أحد أمرين إما ثبوت عموم الألفاظ وإما ثبوت عموم المعاني بالاعتبار وأيهما كان أمكن إثباته في خطاب الرسول فلا يحتاج في بيانه الأحكام إلى الإمام

الوجه الحادي عشر أن يقال وقد قال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم سورة إبراهيم 4 وقال تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل سورة النساء 165 وقال تعالى وما على الرسول إلا البلاغ المبين سورة النور 54 وأمثال ذلك

فيقال وهل قامت الحجة على الخلق ببيان الرسوم أم لا؟ فإن لم تقم بطلت هذه الآيات وما كان في معناها وإن قامت الحجة ببيان الرسول علم أنه لا يحتاج إلى معين آخر يفتقر الناس إلى بيانه فضلا عن حفظ تبليغه وأن ما جعل الله في الإنسان من القوة الناقلة لكلام الرسول وبيانه كافية من ذلك لا سيما وقد ضمن الله حفظ ما أنزله من الذكر فصار ذلك مأمونا أن يبدل أو يغير

وبالجملة دعوى هؤلاء المخذولين أن دين الإسلام لا يحفظ ولا يفهم إلا بواحد معين من أعظم الإفساد لأصول الدين وهذا لا يقوله وهو يعلم لوازمه إلا زنديق ملحد قاصد لإبطال الدين ولا يروج هذا إلا على مفرط في الجهل والضلال

الوجه الثاني عشر أن يقال قد علم بالاضطرار أن أكثر المسلمين بلغهم القرآن والسنة بدون نقل علي فإن عمر رضي الله عنه لما فتح الأمصار بعث إلى الشام والعراق من علماء الصحابة من علمهم وفقههم واتصل العلم من أولئك إلى سائر المسلمين ولم يكن ما بلغه علي للمسلمين أعظم مما بلغه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وأمثالهما

وهذا أمر معلوم ولو لم يحفظ الدين إلا بالنقل عن علي لبطل عامة الدين فإنه لا يمكن أن ينقل عن علي إلا أمر قليل لا يحصل به المقصود والنقل عنه ليس متواترا وليس في زماننا معصوم يمكن الرجوع إليه فلا حول ولا قوة إلا بالله ما أسخف عقول الرافضة

فصل

قال الرافضي الرابع أن الله تعالى قادر على نصب إمام معصوم وحاجة العالم داعية إليه ولا مفسدة فيه فيجب نصبه وغير علي لم يكن كذلك إجماعا فتعين أن يكون الإمام هو علي أما القدرة فظاهرة وأما الحاجة فظاهرة أيضا لما بينا من وقوع التنازع بين العالم وأما انتفاء المفسدة فظاهر أيضا لأن المفسدة لازمة لعدمه وأما وجوب نصبه فلأن عند ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل

والجواب أن هذا هو الوجه الأول بعينه ولكن قرره وقد تقدمت الأجوبة عنه بمنع المقدمة الأولى وبيان فساد هذا الاستدلال فإن مبناه على الاحتجاج بالإجماع فإن كان الإجماع معصوما أغنى عن عصمة علي وإن لم يكن معصوما بطلت دلالته على عصمة علي فبطل الدليل على التقديرين

ومن العجب أن الرافضة تثبت أصولها على ما تدعيه من النص والإجماع وهم أبعد الأمة عن معرفة النصوص والإجماعات والاستدلال بها بخلاف السنة والجماعة فإن السنة تتضمن النص والجماعة تتضمن الإجماع فأهل السنة والجماعة هم المتبعون للنص والإجماع

ونحن نتكلم على هذا التقرير ببيان فساده وذلك من وجوه

أحدها أن يقال لا نسلم أن الحاجة داعية إلى نصب إمام معصوم وذلك لأن عصمة الأمة مغنية عن عصمته وهذا مما ذكره العلماء في حكمة عصمة الأمة

قالوا لأن من كان من الأمم قبلنا كانوا إذا بدلوا دينهم بعث الله نبيا يبين الحق وهذه الأمة لا نبي بعد نبيها فكانت عصمتها تقوم مقام النبوة فلا يمكن أحدا منهم أن يبدل شيئا من الدين إلا أقام الله من يبين خطأه فيما بدله فلا تجتمع الأمة على ضلال

كما قال ﷺ لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة وقال إن الله أجاركم على لسان نبيكم أن تجتمعوا على ضلالة إلى غير ذلك من الدلائل الدالة على صحة الإجماع

الثاني إن أريد بالحاجة أن حالهم مع وجوده أكمل فلا ريب أن حالهم مع عصمة نواب الإمام أكمل وحالهم مع عصمة أنفسهم أكمل وليس كل ما تقدره الناس أكمل لكل منهم يفعله الله ولا يجب عليه فعله

وإن أريد أنهم مع عدمه يدخلون النار أو لا يعيشون في الدنيا أو يحصل لهم نوع من الأذى، فيقال هب أن الأمر كذلك فلم قلت إن أزالة هذا واجب ومعلوم أن الأمراض والهموم والغموم موجودة والمصائب في الأهل والمال والغلاء موجود والجوائح التي تصيب الثمار موجودة وليس ما يصيب المظلوم من الضرر بأعظم مما يصيبه من هذه الأسباب والله تعالى لم يزل ذلك

الثالث أن قوله عند ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل

يقال له لم قلت إن الداعي ثابت والصارف منتف

وقوله حاجة العالم داعية إليه

يقال له الداعي هو الذي يكون داعيا للفاعل فلم قلت إن مجرد الحاجة داعية للرب تعالى فيها

وكذلك قوله وانتفاء الصارف وأنت لم تدع إلا عدم المفسدة التي ادعيتها فلم قلت لا مفسدة في ذلك كما يقال إن الواحد منا يحتاج إلى المال والصحة والقوة وغير ذلك

الرابع أن قوله إن الله قادر على نصب إمام معصوم أتريد به معصوما بفعل الطاعات باختياره والمعاصي باختياره والله تعالى لم يخلق اختياره كما هو قولهم أم تريد به أنه معصوم يفعل الطاعات بغير اختيار يخلقه الله فيه

فإن قالوا بالأول كان باطلا على أصلهم فإن الله عندهم لا يقدر على خلق مؤمن معصوم بهذا التفسير كما لا يقدر على خلق مؤمن وكافر عندهم بهذا التفسير فإن الله عندهم لا يقدر على فعل الحي المختار ولا يخلق إرادته المختصة بالطاعة دون المعصية

وإن قالوا بهذا الثاني لم يكن لهذا المعصوم ثواب على فعل الطاعة ولا على ترك المعصية وحينئذ فسائر الناس يثابون على طاعتهم وترك معاصيهم أفضل منه فكيف يكون الإمام المعصوم الذي لا ثواب له أفضل من أهل الثواب

فتبين انتقاض مذهبهم حيث جمعوا بين متناقضين بين إيجاب خلق معصوم على الله وبين قولهم إن الله لا يقدر على جعل أحد معصوما باختياره بحيث يثاب على فعله للطاعات وتركه للمعاصي

الوجه الخامس أن يقال قولك يقدر على نصب إمام معصوم لفظ مجمل فإنه يقال إن الله يقدر على جعل هذا الجسم أسود وأبيض ومتحركا وساكنا وميتا وحيا وهذا صحيح بمعنى أن الله إن شاء سوده وإن شاء بيضه وإن شاء أحياه وإن شاء أماته لكن ليس المراد أنه يصير أبيض وأسود في حال واحدة فإن اجتماع الضدين ممتنع لذاته فليس بشيء ولا يسمى شيئا باتفاق الناس ولا يدخل في عموم قوله والله على كل شيء قدير سورة البقرة 28وإذا كان كذلك فقولك قادر على نصب إمام معصوم إن أردت أنه قادر على أن ينصب إماما ويلهمه فعل الطاعات وترك المعاصي فلا ريب أن الله قادر على ذلك غيره كما هو قادر على أن يجعل جميع البشر معصومين كالإمام بجعل كل واحد من البشر نبيا وأمثال ذلك من مقدورات الله تعالى

وإن أردت أنه مع ذلك تحصل حكمته المنافية لوجود ذلك التي يمتنع وجودها إلا مع عدم ذلك فهذا يستلزم الجمع بين الضدين فمن أين تعلم انتفاء جميع أنواع الحكمة التي تنافي وجود ذلك

ولو لم يكن الأعظم أجر المطيعين إذا لم يكن لهم إمام معصوم فإن معرفة الطاعة والعمل بها حينئذ أشق فثوابه أكبر وهذا الثواب يفوت بوجود المعصوم

وأيضا فحفظ الناس للشرع وتفقههم في الدين واجتهادهم في معرفة الدين والعمل به تقل بوجود المعصوم فتفوت هذه الحكم والمصالح

وأيضا فجعل غير النبي مماثلا للنبي في ذلك قد يكون من أعظم الشبه والقدح في خاصة النبي فإنه إذا وجب أن يؤمن بجميع ما يقوله هذا كما يجب الإيمان بجميع ما يقوله النبي لم تظهر خاصة النبوة فإن الله أمرنا أن نؤمن بجميع ما أتى به النبيون فلو كان لنا من يساويهم في العصمة لوجب الإيمان بجميع ما يقوله فيبطل الفرق

الوجه السادس أن يقال المعصوم الذي تدعو الحاجة اليه أهو القادر على تحصيل المصالح وإزالة المفاسد أم هو عاجز عن ذلك الثاني ممنوع فإن العاجز لا يحصل به وجود المصلحة ولا دفع المفسدة بل القدرة شرط في ذلك فإن العصمة تفيد وجود داعية إلى الصلاح لكن حصول الداعي بدون القدرة لا يوجب حصول المطلوب

وإن قيل بل المعصوم القادر

قيل فهذا لم يوجد وإن كان هؤلاء الاثنا عشر قادرين على ذلك ولم يفعلوه لزم أن يكونوا عصاه لا معصومين وإن لم يقدروا لزم أن يكونوا عاجزين فأحد الأمرين لازم قطعا أو كلاهما العجز وانتفاء العصمة وإذا كان كذلك فنحن نعلم بالضرورة انتفاء ما استدل به على وجوده والضروريات لا تعارض بالاستدلال

الوجه السابع أن يقال هذا موجود في هذا الزمان وسائر الأزمنة وليس في هذا الزمان أحد يمكنه العلم بما يقوله فضلا عن كونه يجلب مصلحة أو يدفع مفسدة فكان ما ذكروه باطلا

الوجه الثامن أنه سبحانه وإن كان قادرا على نصب معصوم فلا نسلم أنه لا مفسده في نصبه وهذا النفي العام لا بد له من دليل ولا يكفي في ذلك عدم العلم بالمفسدة فإن عدم العلم ليس علما بالعدم ثم من المفاسد في ذلك أن يكون طاعة من ليس بنبي وتصديقه مثل طاعة النبي مطلقا وإذا ساوى النبي في وجوب طاعته في كل شيء ووجوب تصديقه في كل شيء ونفى كل غلط منه

فيقال فأي شيء خاصة النبي التي انفرد بها عنه حتى صار هذا نبيا وهذا ليس بنبي

فإن قيل بنزول الوحي عليه

قيل إذا كان المقصود بنزول الوحي عليه قد حصل له فقد استراح من التعب الذي كان يحصل للنبي وقد شاركه في المقصود

وأيضا فعصمته إنما تكون بإلهام الحق له وهذا وحي

وأيضا فإما أن يخبر بما أخبر به النبي ﷺ ويأمر بما أمر به أو يخبر بأخبار وأوامر زائدة فإن كان الأول لم يكن إليه حاجة ولا فيه فائدة فإن هذا قد عرف بأخبار الرسول وأوامره وإن كان غير ذلك وهو معصوم فيه فهذا نبي فإنه ليس بمبلغ عن الأول

وإذا قيل بل يحفظ ما جاء به الرسول، قيل يحفظه لنفسه أو للمؤمنين فإن كان لنفسه فلا حاجة بالناس إليه وإن كان للناس فبأي شىء يصل إلى الناس ما يحفظه أفبالتواتر أم بخبر الواحد فبأى طريق وصل ذلك منه إلى الناس الغائبين وصل من الرسول إليهم مع قلة الوسائط

ففي الجملة لا مصلحة في وجود معصوم بعد الرسول إلا وهي حاصلة بدونه وفيه من الفساد مالا يزول إلا بعدمه فقولهم الحاجة داعية إليه ممنوع وقولهم المفسدة فيه معدومة ممنوع

بل الأمر بالعكس فالمفسدة معه موجودة والمصلحة معه منتفية وإذا كان اعتقاد وجوده قد أوجب من الفساد ما أوجب فما الظن بتحقق وجوده

فصل

قال الرافضي الخامس أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته وعلي أفضل أهل زمانه على ما يأتي فيكون هو الإمام لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلا ونقلا قال تعالى أفمن يهدي إلىالحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون سورة يونس 3والجواب من وجوه

أحدها منع المقدمة الثانية الكبرى فإنا لا نسلم أن عليا أفضل أهل زمانه بل خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر كما ثبت ذلك عن علي وغيره وسيأتي الجواب عما ذكروه وتقرير ما ذكرناه

الثاني أن الجمهور من أصحابنا وغيرهم وإن كانوا يقولون يجب توليه الأفضل مع الإمكان لكن هذا الرافضي لم يذكر حجة على هذه المقدمة وقد نازعه فيها كثير من العلماء وأما الآية المذكورة فلا حجة فيها له لأن المذكور في الآية من يهدي إلى الحق ومن لا يهدي إلا أن يهدي والمفضول لا يجب أن يهدي إلا أن يهديه الفاضل بل قد يحصل له هدى كثير بدون تعلم من الفاضل وقد يكون الرجل يعلم ممن هو أفضل منه وإن كان ذلك الأفضل قد مات وهذا الحي الذي هو أفضل منه لم يتعلم منه شيئا

وأيضا فالذي يهدي إلى الحق مطلقا هو الله والذي لا يهدي إلا أن يهدي صفة كل مخلوق لا يهدي إلا أن يهديه الله تعالى وهذا هو المقصود بالآية وهي أن عبادة الله أولى من عبادة خلقه

كما قال في سياقها قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى سورة يونس 3فافتتح الآيات بقوله قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت سورة يونس 31 إلى قوله قل هل من شركائكم من يهدى إلى الحق سورة يونس 3وأيضا فكثير من الناس يقول ولاية الأفضل واجبة إذا لم تكن في ولاية المفضول مصلحة راجحة ولم يكن في ولاية الأفضل مفسدة

وهذه البحوث يبحثها من يرى عليا أفضل من أبي بكر وعمر كالزيدية وبعض المعتزلة أو من يتوقف في ذلك كطائفة من المعتزلة

وأما أهل السنة فلا يحتاجون إلى منع هذه المقدمة بل الصديق عندهم أفضل الأمة لكن المقصود أن نبين أن الرافضة وإن قالوا حقا فلا يقدرون أن يدلوا عليه بدليل صحيح لأنهم سدوا على أنفسهم كثيرا من طرق العلم فصاروا عاجزين عن بيان الحق حتى أنه لا يمكنهم تقرير إيمان علي على الخوارج ولا تقرير إمامته على المروانية

ومن قاتله فإن ما يستدل به على ذلك قد أطلق جنسه على أنفسهم لأنهم لا يدرون ما يلزم أقوالهم الباطلة من التناقض والفساد لقوة جهلهم واتباعهم الهوى بغير علم

قال الرافضي المنهج الثاني في الأدلة المأخوذة من القرآن والبراهين الدالة على إمامة علي من الكتاب العزيز كثيرة

الأول قوله تعالى أنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وقد أجمعوا أنها نزلت في علي قال الثعلبي في إسناده إلى أبي ذر قال سمعت رسول الله ﷺ بهاتين وإلا صمتا ورايته بهاتين وإلا عميتا يقول علي قائد البررة وقاتل الكفرة فمنصور من نصره ومخذول من خذله أما أني صليت مع رسول الله ﷺ يوما صلاة الظهر فسال سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهم أنك تشهد أني سالت في مسجد رسول الله ﷺ فلم يعطني أحد شيئا وكان علي راكعا فأومأ بخنصره اليمنى وكان متختما فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم وذلك بعين النبي ﷺ فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم أن موسى سألك وقال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري فأنزلت عليه قرأنا ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري قال أبو ذر فما استتم كلام رسول الله ﷺ حتى نزل عليه جبريل من عند الله فقال يا محمد اقرأ قال وما اقرأ قال اقرأ أنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون

ونقل الفقيه ابن المغازلي الواسطي الشافعي أن هذه نزلت في علي والولي هو المتصرف وقد اثبت له الولاية في الآية كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله

والجواب من وجوه أحدها أن يقال ليس فيما ذكره ما يصلح أن يقبل ظنا بل كل ما ذكره كذب وباطل من جنس السفسطة وهو لو أفاده ظنونا كان تسميته براهين تسمية منكرة فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما يفيد العلم واليقين كقوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين

وقال تعالى آمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين

فالصادق لا بد له من برهان على صدقه والصدق المجزوم بأنه صدق هو المعلوم

وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب فلا يمكن أن يذكر حجة واحدة جميع مقدماتها صادقة فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل وسنبين إن شاء الله تعالى عند كل واحدة منها ما يبين كذبها فتسمية هذه براهين من أقبح الكذب

ثم أنه يعتمد في تفسير القرآن على قول يحكى عن بعض الناس مع أنه قد يكون كذبا عليه وإن كان صدقا فقد خالف أكثر الناس فإن كان قول الواحد الذي لم يعلم صدقه وقد خالفه الأكثرون برهانا فأنه يقيم براهين كثيرة من هذا الجنس على نقيض ما يقوله فتتعارض البراهين فتتناقض والبراهين لا تتناقض بل سنبين إن شاء الله تعالى قيام البراهين الصادقة التي لا تتناقض على كذب ما يدعيه من البراهين وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه وأن البراهين الدالة على نبوة الرسول حق وأن القرآن حق وأن دين الإسلام حق تناقض ما ذكره من البراهين فإن غاية ما يدعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب وتأمل لوازمه وجده يقدح في الأيمان والقرآن والرسول

وهذا لأن اصل الرفض كان من وضع قوم زنادقة منافقين مقصودهم الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنا في دين الإسلام وروجوها على أقوام فمنهم من كان صاحب هوى وجهل فقبلها لهواه ولم ينظر في حقيقتها ومنهم من كان له نظر فتدبرها فوجدها تقدح في حق الإسلام فقال بموجبها وقدح بها في دين الإسلام أما لفساد اعتقاده في الدين وأما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين الإسلام

ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب فأن ما تنقله الرافضة من الأكاذيب تسلطوا به على الطعن في الإسلام وصارت شبها عند من لم يعلم أنه كذب وكان عنده خبرة بحقيقة الإسلام

وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الزنادقة الملاحدة المنافقين وكان مبدأ ضلالهم تصديق اللرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث كأئمة العبيديين أنما يقيمون مبدأ دعوتهم بالأكاذيب التي اختلقتها الرافضة ليستجيب لهم بذلك الشيعة الضلال ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة إلى القدح في علي ثم في النبي ﷺ ثم في إلالاهية كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد

ثم نقول ثانيا الجواب عن هذه الآية حق من وجوه الأول أنا نطالبه بصحة هذا النقل أو لايذكر هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة فأن مجرد عزوه إلى تفسير الثعلبي أو نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات الصادقين في نقلها ليس بحجة باتفاق أهل العلم أن لم نعرف ثبوت إسناده وكذلك إذا روى فضيلة لأبي بكر وعمر لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرد ثبوت روايته باتفاق أهل العلم

فالجمهور أهل السنة لا يثبتون بمثل هذا شيئا يريدون إثباته لا حكما ولا فضيلة ولا غير ذلك وكذلك الشيعة

وإذا كان بمجرده ليس بحجة باتفاق الطوائف كلها بطل الاحتجاج به وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبي نعيم أو الثعلبي أو النقاش أو ابن المغازلي ونحوهم

الثاني قوله قد أجمعوا أنها نزلت في علي من أعظم الدعاوى الكاذبة بل اجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة واجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع

وأما ما نقله من تفسير الثعلبي فقد اجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي إمامة في فضل تلك السورة وكأمثال ذلك ولهذا يقولون هو كحاطب ليل

وهكذا الواحدي تلميذه وأمثالهما من المفسرين زيادة ينقلون الصحيح والضعيف

ولهذا لما كان البغوي عالما بالحديث اعلم به من الثعلبي والواحدي وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي لم يذكر في تفسيره شيئا من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي مع أن الثعلبي فيه خير ودين لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث زيادة ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال

وأما أهل العلم الكبار أهل التفسير مثل تفسير محمد بن جرير الطبري وبقي بن مخلد وابن أبي حاتم وابن المنذر وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وأمثالهم فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات

دع من هو اعلم منهم مثل تفسير احمد بن حنبل واسحق بن راهويه بل ولا يذكر مثل هذا عند ابن حميد ولا عبد الرزاق مع أن عبد الرزاق كان يميل إلى التشيع ويروي كثيرا من فضائل علي وأن كانت ضعيفة لكنه اجل قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب الظاهر

وقد اجمع أهل العلم بالحديث إلى أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد من جنس الثعلبي والنقاش والواحدي وأمثال هؤلاء المفسرين لكثرة ما يروونه من الحديث ويكون ضعيفا بل موضوعا فنحن لو لم نعلم كذب هؤلاء من وجوه أخرى لم يجز أن نعتمد عليه لكون الثعلبي وأمثاله رووه فكيف إذا كنا عالمين بأنه كذب

وسنذكر إن شاء الله تعالى ما يبين كذبه عقلا ونقلا وإنما المقصود هنا بيان افتراء هذا المصنف أو كثرة جهله حيث قال قد أجمعوا أنها نزلت في علي فيا ليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم والعالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يقبل من غير اهل العلم بالمنقولات وما فيها من إجماع واختلاف

فالمتكلم والمفسر والمؤرخ ونحوهم لو ادعى أحدهم نقلا مجردا بلا إسناد ثابت لم يعتمد عليه فكيف إذا ادعى إجماعا

الوجه الثالث أن يقال هؤلاء المفسرون الذين نقل من كتبهم هم ومن هم اعلم منهم قد نقلوا ما يناقض هذا الإجماع المدعى والثعلبي قد نقل في تفسيره أن ابن عباس يقول نزلت في أبي بكر ونقل عن عبد الملك قال سألت أبا جعفر قال هم المؤمنون قلت فأن أناسا يقولون هو علي قال فعلي من الذين آمنوا وعن الضحاك مثله

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه قال حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثنا معاوية بن صالح حدثنا علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه قال كل من آمن فقد تولى الله ورسوله الذين آمنوا قال وحدثنا أبو سعيد إلاشج عن المحاربي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال سالت أبا جعفر محمد بن علي عن هذه الآية فقال هم الذين آمنوا قلت نزلت في علي قال علي من الذين آمنوا وعن السدي مثله

الوجه الرابع أنا نعفيه من الإجماع ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبي إسناده ضعيف فيه رجال متهمون وأما نقل ابن المغازلي الو اسطي فاضعف واضعف فأن هذا قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذب على من له أدنى معرفة بالحديث والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا

الوجه الخامس أن يقال لو كان المراد بالآية أن يؤتى الزكاة حال ركوعه كما يزعمون أن عليا تصدق بخاتمه في الصلاة لوجب أن يكون ذلك شرطا في الموالاة وأن لا يتولى المسلمون إلا عليا وحده فلا يتولى الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم وهذا خلاف إجماع المسلمين

الوجه السادس أن قوله الذين صيغة جمع فلا يصدق على علي وحده

الوجه السابع أن الله تعالى لا يثني على الإنسان إلا بما هو محمود عنده أما واجب وأما مستحب والصدقة والعتق والهدية والهبة والإجارة والنكاح والطلاق وغير ذلك من العقود في الصلاة ليست واجبة ولا مستحبة باتفاق المسلمين بل كثير منهم يقول أن ذلك يبطل الصلاة وأن لم يتكلم بل تبطل بإلاشارة المفهمة وآخرون يقولون لا يحصل الملك بها لعدم الإيجاب الشرعي ولو كان هذا مستحبا لكان النبي ﷺ يفعله ويحض عليه أصحابه ولكان علي يفعله في غير هذه الواقعة

فلما لم يكن شيء من ذلك علم أن التصدق في الصلاة ليس من الأعمال الصالحة وإعطاء السائل لا يفوت فيمكن المتصدق إذا سلم أن يعطيه وأن في الصلاة لشغلا

الوجه الثامن أنه لو قدر أن هذا مشروع في الصلاة لم يختص بالركوع بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع فكيف يقال لا ولي لكم إلا الذين يتصدقون في كل الركوع فلو تصدق المتصدق في حال القيام والقعود أما كان يستحق هذه الموالاة

فإن قيل هذه أراد بها التعريف بعلي على خصوصه

قيل له أوصاف علي التي يعرف بها كثيرة ظاهرة فكيف يترك تعريفه الأمور المعروفة ويعرفه بأمر لا يعرفه إلا من سمع هذا وصدقه

وجمهور إلامة لم تسمع هذا الخبر ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة لاالصحاح ولا السنن ولا الجوامع ولا المعجمات ولا شيء من أمهات أحد الأمرين لازم أن قصد به المدح بالوصف فهو باطل وأن قصد به التعريف فهو باطل

الوجه التاسع أن يقال قوله ويؤتون الزكاة وهم راكعون على قولهم يقتضي أن يكون قد أتى الزكاة في حالة ركوعه وعلي رضي الله عنه لم يكن ممن تجب عليه على عهد النبي ﷺ فأنه كان فقيرا وزكاة الفضة أنما تجب على من ملك النصاب حولا وعلي لم يكن من هؤلاء

الوجه العاشر أن إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزي عند كثير من الفقهاء إلا إذا قيل بوجوب الزكاة في الحلي وقيل أنه يخرج من جنس الحلي ومن جوز ذلك بالقيمة فالتقويم في الصلة متعذر والقيم تختلف باختلاف الأحوال

الوجه الحادي عشر أن هذه آلية بمنزلة قوله وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين هذا أمر بالركوع

وكذلك قوله يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين وهذا أمر بالركوع

قد قيل ذكر ذلك ليبين أنهم يصلون الجماعة لأن المصلي في الجماعة أنما يكون مدركا للركعة بادراك ركوعها بخلاف الذي لم يدرك إلا السجود فأنه قد فاتته الركعة وأما القيام فلا يشترط فيه الإدراك

وبالجملة الواو أما واو الحال وأما واو العطف والعطف هو الأكثر وهي المعروفة في مثل هذا الخطاب وقوله أنما يصح إذا كانت واو الحال فأن لم يكن ثم دليل على تعيين ذلك بطلت الحجة فكيف إذا كانت الأدلة تدل على خلافة

الوجه الثاني عشر أنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفا عن سلف أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين لما كان بعض المنافقين مثل كعبد الله بن أبي يوالي اليهود ويقول إني أخاف الدوائر فقال بعض المؤمنين وهو عبادة بن الصامت إني يا رسول الله أتولى الله ورسوله وأبرا إلى الله ورسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم

ولهذا لمل جاءتهم بنو قينقاع وسبب تأمرهم عبد الله بن أبي بن سلول فأنزل الله هذه الآية يبين فيها وجوب موالاة المؤمنين زيادة عموما وينهى عن موالاة الكفار عموما وقد تقدم كلام الصحابة والتابعين أنها عامة لا تختص بعلي الوجه الثالث عشر أن سياق الكلام يدل على ذلك لمن تدبر القرآن فأنه قال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فأنه منهم أن الله لا يهدي القوم الظالمين

فهذا نهي عن موالاة اليهود والنصارى

ثم قال فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده إلى قوله فاصبحوا خاسرين فهذا وصف الذين في قلوبهم مرض الذين يوالون الكفار المنافقين

ثم قال يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم فذكر فعل المرتدين وأنهم لن يضروا الله شيئا وذكر من يأتي به بدلهم

ثم قال أنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين رسوله يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فأن حزب الله هم الغالبون

فتضمن هذا الكلام ذكر أحوال من دخل في الإسلام من المنافقين وممن يرتد عنه وحال المؤمنين الثابتين عليه ظاهرا وباطنا

فهذا السياق مع أتيناه أتى بصيغة الجمع مما يوجب لمن تدبر ذلك علما يقينا لا يمكنه دفعه عن نفسه أن الآية عامة في كل المؤمنين المتصنفين بهذه الصفات لا تختص بواحد بعينه لا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم لكن هؤلاء أحق إلامة بالدخول فيها

الوجه الرابع عشر أن الألفاظ المذكورة في الحديث مما يعلم أنها كذب على النبي ﷺ فأن عليا ليس قائدا لكل البررة بل لهذه الأمة رسول الله ﷺ ولا هو أيضا قاتلا لكل الكفره بل قتل بعضهم كما قتل غيره بعضهم

وما أحد من المجاهدين القاتلين لبعض الكفار إلا وهو قاتل لبعض الكفرة

وكذلك قوله منصور من نصره ومخذول من خذله هو خلاف

الواقع والنبي ﷺ لا يقول إلا حقا لا سيما على قول الشيعة فأنهم يدعون أن إلامة كلها خذلته إلى قتل عثمان

ومن المعلوم أن الأمة كانت منصورة في أعصار الخلفاء الثلاثة نصرا لم يحصل لها بعده مثله ثم لما قتل عثمان وصار الناس ثلاثة أحزاب حزب نصره وقاتل معه وحزب قاتلوه وحزب خذلوه لم يقاتلوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء لم يكن الذين قاتلوا معه منصورين على الحزبين الآخرين ولا على الكفار بل أولئك الذين نصروا عليهم وصار الأمر لهم لما تولى معاوية فانتصروا على الكفار وفتحوا البلاد أنما كان علي منصورا كنصر أمثاله في قتال الخوارج والكفار

والصحابة الذين قاتلوا الكفار والمرتدين كانوا منصورين نصرا عظيما فالنصر وقع كما وعد الله به حيث قال أنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد

فالقتال الذي كان بأمر الله وأمر رسوله من المؤمنين للكفار والمرتدين والخوارج كانوا فيه منصورين نصرا عظيما إذا اتقوا وصبروا فإن التقوى والصبر من تحقيق الإيمان الذي علق به النصر

وأيضا فالدعاء الذي ذكره عن النبي ﷺ عقب التصدق بالخاتم من اظهر الكذب فمن المعلوم أن الصحابة أنفقوا في سبيل الله وقت الحاجة إليه ما هو أعظم قدرا ونفعا من إعطاء سائل خاتما

وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال ما نفعني مال كمال أبي بكر أن آمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا

وقد تصدق عثمان بألف بعير في سبيل الله في غزوة العسرة حتى قال النبي ﷺ ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم

والإنفاق في سبيل الله وفي إقامة الدين في أول الإسلام أعظم من صدقة على سائل محتاج ولهذا قال النبي ﷺ لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه أخرجاه في الصحيحين

قال تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى

فكذلك الإنفاق الذي صدر في أول الإسلام في إقامة الدين ما بقي له نظير يساويه

وأما إعطاء السؤال لحاجتهم فهذا البر يوجد مثله إلى يوم القيامة فإذا كان النبي ﷺ لأجل تلك النفقات العظيمة النافعة الضرورية لا يدعو بمثل هذا الدعاء فكيف يدعوا به لأجل إعطاء خاتم لسائل قد يكون كاذبا في سؤاله

ولا ريب أن هذا ومثله من كذب جاهل أراد أن يعارض ما ثبت لأبي بكر بقوله وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى، بأن يذكر لعلي شيئا من هذا الجنس فما أمكنه أن يكذب أنه فعل ذلك في أول الإسلام فكذب هذه الأكذوبة التي لا تروج إلا على مفرط في الجهل

وأيضا فكيف يجوز أن يقول النبي ﷺ في المدينة بعد الهجرة والنصرة واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري مع أن الله قد اعزه بنصره وبالمؤمنين كما قال تعالي هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وقال إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا

فالذي كان معه حين نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا هو أبو بكر وكانا اثنين الله ثالثهما وكذلك لما كان يوم بدر لما صنع له عريش كان الذي دخل معه في العريش دون سائر الصحابة أبو بكر وكل من الصحابة له في نصر رسول الله ﷺ سعي مشكور وعمل مبرور

وروي أنه لما جاء علي بسيفه يوم أحد قال لفاطمة اغسليه يوم أحد غير ذميم فقال النبي ﷺ أن تك أحسنت فقد أحسن فلأن وفلأن وفلأن فعدد جماعة من الصحابة

ولم يكن لعلي اختصاص بنصر النبي ﷺ دون أمثاله ولا عرف موطن احتاج النبي ﷺ فيه إلى معونة علي وحده لا باليد ولا باللسان ولا كان إيمان الناس برسول الله ﷺ وطاعتهم له لأجل علي بسبب دعوة علي لهم وغير ذلك من الأسباب الخاصة كما كان هارون وموسى فإن بني إسرائيل كانوا يحبون هارون جدا ويهابون موسى وكان هارون يتألفهم

والرافضة تدعي أن الناس كانوا يبغضون عليا وأنهم لبغضهم له لم يبايعوه فكيف يقال أن النبي ﷺ احتاج إليه كما احتاج موسى إلى هارون

وهذا أبو بكر الصديق اسلم على يديه ستة أو خمسة من العشرة عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة ولم يعلم أنه أسلم على يد علي وعثمان وغيرهما أحد من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار

ومصعب بن عمير هو الذي بعثه النبي ﷺ إلى المدينة لما بايعه الأنصار ليلة العقبة واسلم على يده رؤوس إلأنصار كسعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن لموته واسيد بن حضير وغير هؤلاء

وكان أبو بكر يخرج مع النبي ﷺ يدعو معه الكفار إلى الإسلام في الموسم ويعاونه معاونة عظيمة في الدعوة بخلاف غيره ولهذا قال النبي ﷺ في الصحيح لو كنت متخذا من أهل الأرضى خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا

وقال أيها الناس إني جئت إليكم فقلت إني رسول الله فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت فهل أنتم تاركو لي صاحبي

ثم أن موسى دعا بهذا الدعاء قبل أن يبلغ الرسالة إلى الكفار ليعاون عليها ونبينا ﷺ قد بلغ الرسالة لما بعثه الله بلغها وحده وأول من آمن به باتفاق أهل الأرض أربعة أول من آمن به من الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الصبيان علي ومن الموالي زيد

وكان أنفع الجماعة في الدعوه باتفاق الناس أبو بكر ثم خديجة لأن أبا بكر هو أول رجل حر بالغ آمن به باتفاق الناس وكان له قدر عند قريش لما كان فيه من المحاسن فكان آمن الناس عليه في صحبته وذات يده ومع هذا فما دعا الله أن يشد أزره بأحد لا بأبي بكر ولا بغيره

بل قام مطيعا لربه متوكلا عليه صابرا له كما أمر بقوله قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر وقال فاعبده وتوكل عليه

فمن زعم أن النبي ﷺ سأل الله عز وجل أن يشد أزره بشخص من الناس كما سأل موسى أن يشد أزره بهارون فقد افترى على رسول الله ﷺ وبخسه حقه ولا ريب أن الرفض مشتق من الشرك والإلحاد والنفاق لكن تارة يظهر لهم ذلك فيه وتارة يخفى

الوجه الخامس عشر أن يقال غاية ما في الآية أن المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين فيوالون عليا ولا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن كما يجب على كل مؤمن مولاة أمثاله من المؤمنين

قال تعالى وأن تظاهرا عليه فأن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين فبين الله أن كل صالح من المؤمنين فهو مولى رسول الله ﷺ الله مولاه وجبريل مولاه الصالح من المؤمنين متوليا على رسول الله كما أن الله مولاه وجبريل مولاه يأن يكون صالح المؤمنين متوليا على رسول الله ﷺ ولا متصرفا فيه وأيضا قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

فجعل كل مؤمن وليا لكل مؤمن وذلك لا يوجب أن يكون أميرا عليه معصوما لا يتولى عليه إلا هو

وقال تعالى إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون فكل مؤمن تقي فهو ولي الله والله وليه كما قال تعالى الله ولي الذين آمنوا وقال ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم وقال أن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ثم آووا ونصروا إلى قوله وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله

فهذه النصوص كلها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض وأن هذا ولي هذا وهذا ولي هذا وأنهم أولياء الله وأن الله وملائكته والمؤمنين موالي رسوله كما أن الله ورسوله والذين آمنوا هم أولياء المؤمنين وليس في شيء من هذه النصوص أن من كان وليا للآخر كان أميرا عليه دون غيره وأنه يتصرف فيه دون سائر الناس

الوجه السادس عشر أن الفرق بين الولاية بالفتح والولاية بالكسر معروف فالولاية ضد العداوة وهي المذكوره في هذه النصوص ليست هي الولاية بالكسر التي هي الإمارة وهؤلاء الجهال يجعلون الولي هو الأمير ولم يفرقوا بين الولاية والولاية والأمير يسمى الوالي لا يسمى الولي ولكن قد يقال هو ولي الأمر كما يقال وليت أمركم ويقال أولو الأمر وأما إطلاق القول بالمولى وإراده الولي فهذا لا يعرف بل يقال في الولي المولى ولا يقال الوالي ولهذا قال الفقهاء إذا اجتمع في الجنازة الوالي والولي فقيل يقدم الوالي وهو قول أكثرهم وقيل يقدم الولي

فبين أن الولاية دلت على الموالاة المخالفة للمعاداة الثابتة لجميع المؤمنين بعضهم على بعض وهذا مما يشترك فيه الخلفاء الأربعة وسائر أهل بدر وأهل بيعة الرضوان فكلهم بعضهم أولياء بعض ولم تدل الآية على أحد منهم يكون أميرا على غيره بل هذا باطل من وجوه كثيرة إذ لفظ الولي والولاية غير لفظ الوالي والآية عامة في المؤمنين والمارة لا تكون عامة

الوجه السابع عشر أنه لو أراد الولاية التي هي إلا مارة لقال أنما يتولى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا ولم يقل ومن يتولى الله ورسوله فأنه لا يقال لمن ولي عليهم وال أنهم يقولون تولوه بل يقال تولى عليهم

الوجه الثامن عشر أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأنه متول على عباده وأنه أمير عليهم جل جلاله وتقدست أسماؤه فأنه خالقهم ورازقهم وربهم ومليكهم له الخلق والأمر ولا يقال أن الله أمير المؤمنين كما يسمى المتولي مثل علي وغيره أمير المؤمنين بل الرسول ﷺ أيضا لا يقال أنه متول على الناس وأنه أمير عليهم فأن قدره اجل من هذا بل أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يكونوا يسمونه إلا خليفة رسول الله وأول من سمي من الخلفاء أمير المؤمنين هو عمر رضي الله عنه وقد روي أن عبد الله بن جحش كان أميرا في سرية فسمي أمير المؤمنين لكن إمارة خاصة في تلك السرية لم يسم أحد بإمارة المؤمنين عموما قبل عمر وكان خليقا بهذا الاسم

وأما الولاية المخالفة للعداوة فأنه يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه ويرضى عنهم ويرضون عنه ومن عادى له وليا فقد بارزه بالمحاربة وهذه الولاية من رحمته وإحسانه ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه قال تعالى وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل فالله تعالى ليس له ولي من الذل بل هو القائل من كان يريد العزة فلله العزة جميعا بخلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذاته إذا لم يكن له ولي ينصره

الوجه التاسع عشر أنه ليس كل من تولى عليه إمام عادل يكون من حزب الله ويكون غالبا فأن أئمة العدل يتولون على المنافقين والكفار كما كان في مدينة النبي ﷺ تحت حكمه ذميون ومنافقون وكذلك كان تحت ولاية علي كفار ومنافقون والله تعالى يقول ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فأن حزب الله هم الغالبون فلو أراد الإمارة لكان المعنى أن كل من تأمر عليهم الذين آمنوا يكونون من حزبه الغالبين وليس كذلك وكذلك الكفار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره مع كونه لا يتولاهم بل يبغضهم

فصل

قال الرافضي البرهان الثاني قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت رسالته اتفقوا في نزولها في علي وروى أبو نعيم الحافظ من الجمهور بإسناده عن عطية قال نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ في علي بن أبي طالب ومن تفسير الثعلبي قال معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي فلما نزلت هذه الآيه اخذ رسول الله ﷺ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه والنبي ﷺ مولى أبي بكر وعمر وباقي الصحابة بالإجماع فيكون علي مولاهم فيكون هو الإمام

ومن تفسير الثعلبي لما كان رسول الله ﷺ بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فاخذ بيد علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله ﷺ على ناقته حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته وأناخها فعقلها فأتى رسول الله ﷺ وهو في ملا من أصحابه فقال يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك وأمرتنا أن نزكي أموالنا فقبلناه منك وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلناه منك وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه منك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته علينا وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه وهذا منك أم من الله قال النبي ﷺ والله الذي لا اله إلا هو هو من أمر الله فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله وأنزل الله تعالى سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله وقد روي هذه الرواية النقاش من علماء الجمهور في تفسيره

والجواب من وجوه أحدها أن هذا أعظم كذبا وفرية من الأول كما سنبينه إن شاء الله تعالى وقوله اتفقوا على نزولها في علي أعظم كذبا مما قاله في تلك الآيه فلم يقل لا هذا ولا ذاك أحد من العلماء الذين يدرون ما يقولون

وأما ما يرويه أبو نعيم في الحلية أو في فضائل الخلفاء والنقاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في التفسير فقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيرا من الكذب الموضوع واتفقوا على أن هذا الحديث المذكور الذي رواه الثعلبي في تفسيره هو من الموضوع وسنبين أدلة يعرف بها أنه موضوع وليس الثعلبي من أهل العلم بالحديث ولكن المقصود هنا أنا نذكر قاعدة فنقول المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك فلكل علم رجال يعرفون به

والعلماء بالحديث أجل هؤلاء قدرا وأعظمهم صدقا وأعلاهم منزلة وأكثر دينا. وهم من أعظم الناس صدقا وأمانة وعلما وخبرة فيما يذكرونه عن الجرح والتعديل مثل مالك وشعبة وسفيان ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن المهدي وابن المبارك ووكيع والشافعي واحمد وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وابن معين وابن المديني والبخاري ومسلم وأبي داود وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والعجلي وأبي احمد بن عدي وأبي حاتم البستي والدار قطني وأمثال هؤلاء خلق كثير لا يحصى عددهم من أهل العلم بالرجال والجرح والتعديل وأن كان بعضهم اعلم بذلك من بعض وبعضهم اعدل من بعض في وزن كلامه كما أن الناس في سائر العلوم كذلك

وقد صنف للناس كتبا في نقلة الأخبار كبارا وصغارا مثل الطبقات لابن سعد وتاريخي البخاري والكتب المنقولة عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما وقبلها عن يحيى بن سعيد القطان وغيره وكتاب يعقوب بن سفيان وابن أبي خيثمة وابن أبي حاتم وكتاب بن عدي وكتب أبي حازم وأمثال ذلك

وصنفت كتب الحديث تارة على المساند فتذكر ما اسنده الصاحب عن رسول الله ﷺ كمسند احمد وإسحاق وأبي داود الطيالسي وأبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن أبي عمر والعدني واحمد بن منيع وأبي يعلى الموصلي وأبي بكر البزار البصري وغيرهم وتارة على الأبواب فمنهم من قصد مقصده الصحيح كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وأبي حاتم وغيرهم وكذلك من خرج على الصحيحين كإلاسماعيلي والبرقاني وأبي نعيم غيرهم ومنهم من خرج أحاديث السنن كأبي داود والنسائي ابن ماجة وغيرهم ومنهم من خرج الجامع الذي يذكر فيه الفضائل وغيرها كالترمذي وغيره

وهذا علم عظيم من أعظم علوم الإسلام ولا ريب أن الرافضة أقل معرفة بهذا الباب وليس في أهل الأهواء والبدع أجهل منهم به فأن سائر أهل الأهواء كالمعتزلة والخوارج مقصورون وفي معرفة هذا ولكن المعتزلة اعلم بكثير من الخوارج والخوارج اعلم بكثير من الرافضة والخوارج اصدق من الرافضة وأدين اورع بل الخوارج لا نعرف عنهم أنهم يتعمدون الكذب بل هم من أصدق الناس

والمعتزلة مثل سائر الطوائف فيهم من يكذب وفيهم من يصدق لكن ليس لهم من العناية بالحديث ومعرفته ما لأهل الحديث والسنة فإن هؤلاء يتدينون به فيحتاجون إلى أن يعرفوا ما هو الصدق

وأهل البدع سلكوا طريقا آخر ابتدعوها اعتمدوا عليها ولا يذكرون الحديث بل ولا القرآن في أصولهم للاعتضاد لا للاعتماد والرافضة اقل معرفة وعناية بهذا إذ كانوا لا ينظرون في الإسناد ولا في سائر الأدلة الشرعية والعقلية هل توافق ذلك أو تخالفه ولهذا لا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة قط بل كل إسناد متصل لهم فلا بد من أن يكون فيه من هو معروف بالكذب أو كثرة الغلط

وهم في ذلك شبيه باليهود والنصارى فأنه ليس لهم إسناد والإسناد من خصائص هذه الأمة وهم من خصائص الإسلام ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة والرافضة من اقل الناس عناية إذ كانوا لا يصدقون إلا بما يوافق أهواءهم وعلامة كذبه أنه يخالف هواهم ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم ثم أن أولهم كانوا كثيري الكذب فانتقلت أحاديثهم إلى قوم لا يعرفون الصحيح من السقيم فلم يمكنهم التمييز إلا بتصديق الجميع أو تكذيب الجميع والاستدلال على ذلك بدليل منفصل غير الإسناد

فيقال ما يرويه مثل أبي نعيم والثعلبي والنقاش وغيرهم أتقبلونه مطلقا أم تردونه مطلقا أم تقبلونه إذا كان لكم لا عليكم وتردونه إذ كان عليكم فأن تقبلوه مطلقا ففي ذلك أحاديث كثيره في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان تناقض قولكم وقد روى أبو نعيم في أول الحلية في فضائل الصحابة وفي كتاب مناقب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أحاديث بعضها صحيحة وبعضها ضعيفة بل منكرة وكان رجلا عالما بالحديث فيما ينقله لكن هو وأمثاله يروون ما في الباب لا يعرف أنه روى كالمفسر الذي ينقل أقوال الناس في التفسير والفقيه الذي يذكر الأقوال في الفقه والمصنف الذي يذكر حجج الناس ليذكر ما ذكروه وأن كان كثير من ذلك لا يعتقد صحته بل يعتقد ضعفه لأنه يقول أنا نقلت ما ذكر غيري فالعهدة على القائل لا على الناقل

وهكذا كثير ممن صنف في فضائل العبادات وفضائل الأوقات وغير ذلك يذكرون أحاديث كثيرة وهي ضعيفة بل موضوعة باتفاق أهل العلم كما يذكرون أحاديث في فضل صوم رجب كلها ضعيفة بل موضوعة عند أهل العلم ويذكرون صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة منه وألفية نصف شعبان وكما يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال وفضائل المصافحة والحناء والخضاب والاغتسال ونحو ذلك ويذكرون فيها صلاة

وكل هذا كذب على رسول الله ﷺ لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه قال حرب الكرماني قلت لأحمد بن حنبل الحديث الذي يروى من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته فقال لا اصل له وقد صنف في فضائل الصحابة علي وغيره غير واحد مثل خيثمة بن سليمان إلاطرابلسي وغيره وهذا قبل أبي نعيم يروي عنه إجازة وهذا وأمثاله جروا على العادة المعروفة لأمثالهم ممن يصنف في الأبواب أنه يروي ما سمعه في هذا الباب

وهكذا المصنفون في التواريخ مثل تاريخ دمشق لابن عساكر وغيره إذا ذكر ترجمة واحد من الخلفاء الأربعة أو غيره يذكر كل ما رواه في ذلك الباب فيذكر لعلي ومعاوية من الأحاديث المروية في فضلهما ما يعرف أهل العلم بالحديث أنه كذب ولكن لعلي من الفضائل الثابتة في الصحيحين وغيرهما ومعاوية ليست له بخصوصه فضيلة في الصحيح لكن قد شهد مع رسول الله ﷺ حنينا والطائف وتبوك وحج معه حجة الوداع وكان يكتب الوحي فهو ممن ائتمنه النبي ﷺ على كتابة الوحي كما ائتمن غيره من الصحابة فإذا كان المخالف يقبل كل ما رواه هؤلاء وأمثالهم في كتبهم فقد رووا أشياء كثيرة تناقض مذهبهم وأن كان يرد الجميع بطل احتجاجه بمجرد عزوه الحديث بدون المذهب إليهم وأن قال أقبل ما يوافق مذهبي وارد ما يخالفه أمكن منازعه أن يقول له مثل هذا وكلاهما باطل لا يجوز أن يحتج على صحة مذهب بمثل هذا فأنه يقال أن كنت أنما عرفت صحة هذا الحديث بدون المذهب فاذكر ما يدل على صحته وأن كنت إنما عرفت صحته لأنه يوافق المذهب امتنع تصحيح الحديث بالمذهب لأنه يكون حينئذ صحة المذهب موقوفة على صحة الحديث وصحة الحديث موقوفة على صحة المذهب فيلزم الدور الممتنع

وأيضا فالمذهب أن كنت عرفت صحته بدون هذا الطريق لم يلزم صحة هذا الطريق فأن الإنسان قد يكذب على غيره قولا وأن كان ذلك القول حقا فكثير من الناس يروي عن النبي ﷺ قولا هو حق في نفسه لكن لم يقله رسول الله ﷺ فلا يلزم من كون الشيء صدقا في نفسه أن يكون النبي ﷺ قاله وأن كنت أنما عرفت صحته بهذا الطريق امتنع أن تعرف صحة الطريق بصحته لإفضائه إلى الدور

فثبت أنه على التقديرين لا يعلم صحة هذا الحديث لموافقته للمذهب سواء كان المذهب معلوم الصحة أو غير معلوم الصحه وأيضا فكل من له أدنى علم وأنصاف يعلم أن المنقولات فيها صدق وكذب وأن الناس كذبوا في المثالث والمناقب كما كذبوا في غير ذلك وكذبوا فيما يوافقه ويخالفه ونحن نعلم أنهم كذبوا في كثير مما رووه في فضائل أبى بكر وعمر وعثمان كما كذبوا في كثير مما رووه في فضائل علي وليس في أهل الأهواء اكثر كذبا من الرافضة بخلاف غيرهم فأن الخوارج لا يكادون يكذبون بل هم من اصدق الناس مع بدعتهم وضلالهم

وأما أهل العلم والدين فلا يصدقون بالنقل ويكذبون به بمجرد موافقة ما يعتقدون بل قد ينقل الرجل أحاديث كثيرة فيها فضائل النبي ﷺ وأمته وأصحابه فيردونها لعلمهم بأنها كذب ويقبلون أحاديث كثيرة لصحتها وأن كان ظاهرها بخلاف ما يعتقدونه أما لاعتقادهم أنها منسوخة أو لها تفسير لا يخالفونه ونحو ذلك

فالأصل في النقل أن يرجع فيه إلى أئمة النقل وعلمائه ومن يشركهم في علمهم علم ما يعلمون وأن يستدل على الصحة والضعف بدليل منفصل عن الرواية فلا بد من هذا وهذا وإلا فمجرد قول القائل رواه فلان لا يحتج به لا أهل السنة ولا الشيعة وليس في المسلمين من يحتج بكل حديث رواه كل مصنف فكل حديث يحتج به نطالبه من أول مقام بصحته

ومجرد عزوه إلى رواية الثعلبي ونحوه ليس دليلا على صحته باتفاق أهل العلم بالنقل ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث في شيء من كتبهم التي ترجع الناس إليها في الحديث لا في الصحاح ولا في السنن ولا المسانير ولاغير ذلك لان كذب مثل هذا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث

وإنما هذا عند اهل العلم بمنزلة ظن من يظن من العامة وبعض من يدخل في غمار الفقهاء أن النبي ﷺ كان على أحد المذاهب الأربعة وأن أبا حنيفة ونحوه كانوا من قبل النبي ﷺ

أو كما يظن طائفة من التركمان أن حمزة له مغاز عظيمة وينقلونها بينهم والعلماء متفقون على أنه لم يشهد إلا بدرا وأحدا قتل يوم أحد ومثل ما يظن كثير من الناس أن في مقابر دمشق من أزواج النبي ﷺ أم سلمة وغيرها ومن أصحابه أبي بن كعب وأويس القرني وغيرهما وأهل العلم يعلمون أن أحدا من أزواج النبي ﷺ لم يقدم دمشق ولكن كان في الشام أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري وكان أهل الشام يسمونها أم سلمة فظن الجهال أنها أم سلمة زوج النبي ﷺ وأبي بن كعب مات بالمدينة وأويس تابعي لم يقدم الشام ومثل من يظن من الجهال أن قبر علي بباطن النجف وأهل العلم بالكوفة وغيرها يعلمون بطلان هذا ويعلمون أن عليا ومعاوية وعمرو بن العاص كل منهم دفن في قصر الإمارة ببلده خوفا عليه من الخوارج أن ينبشوه فانهم كانوا تحالفوا على قتل الثلاثة فقتلوا عليا وجرحوا معاوية

وكان عمرو بن العاص قد استخلف رجلا يقال له خارجة فضربه القاتل يظنه عمرا فقتله فتبين انه خارجة فقال أردت عمرا وأراد الله خارجة فصار مثلا

ومثل هذا كثير مما يظنه كثير من الجهال وأهل العلم بالمنقولات يعلمون خلاف ذلك

الوجه الثاني أن نقول في نفس هذا الحديث ما يدل على انه كذب من وجوه كثيرة فان فيه أن رسول الله ﷺ لما كان بغدير يدعى خما نادى الناس فاجتمعوا فاخذ بيدي علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه وأن هذا قد شاع وطار في بالبلاد وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري وانه أتى النبي ﷺ على ناقته وهو في الأبطح وأتى وهو في ملا من الصحابه فذكر انهم امتثلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج ثم قال ألم ترضى بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه وهذا منك أم من الله فقال النبي ﷺ هو من أمر الله فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله وانزل الله سال سائل بعذاب واقع للكافرين الآيه فيقال لهؤلاء الكذابين اجمع الناس كلهم على أن ما قاله النبي ﷺ بغدير خم كان مرجعه من حجة الوداع والشيعة تسلم هذا وتجعل ذلك اليوم عيدا وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة والنبي ﷺ لم يرجع إلى مكة بعد ذلك بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة وعاش تمام ذي الحجة والمحرم وصفر وتوفي في أول ربيع الأول

وفي هذا الحديث يذكر انه بعد أن قال هذا بغدير خم وشاع في البلاد جاءه الحارث وهو بالأبطح والأبطح بمكة فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم

وأيضا فان هذه السورة سورة سأل سائل مكية باتفاق أهلا العلم نزلت بمكة قبل الهجرة فهذه نزلت قبل غدير خم قبل بعشر سنين أو اكثر من ذلك فكيف تكون نزلت بعده وأيضا قوله وغذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك في سورة الأنفال وقد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي ﷺ قبل الهجرة كأبي جهل وأمثاله وأن الله ذكر نبيه بما كانوا يقولونه بقوله وإذ قالوا الله أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أي اذكر قولهم كقوله وإذ قال ربك للملائكة وإذ غدوت من أهلك ونحو ذلك يأمره بان يذكر كل ما تقدم فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة

وأيضا فانهم لما استفتحوا بين الله انه لا ينزل عليهم العذاب محمد ﷺ فيهم فقال وإذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ثم قال الله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون واتفق الناس على أن أهل مكة لم تنزل عليهم حجارة من السماء لما قالوا ذلك فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله

ولو أن الناقل طائفة من أهل العلم فلما كان هذا لا يرويه أحد من المصنفين في العلم لا المسند ولا الصحيح ولا الفضائل ولا التفسير ولا السير ونحوها إلا ما يروى بمثل هذا الإسناد المنكر علم انه كذب وباطل

وأيضا فقد ذكر في هذا الحديث أن هذا القائل أمر بمباني الإسلام الخمس وعلى هذا فقد كان مسلما فانه قال فقبلناه منك ومن المعلوم بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي ﷺ لم يصبه هذا

وأيضا فهذا الرجل لا يعرف في الصحابة بل هو من جنس الأسماء التي يذكرها الطرقية من جنس الأحاديث التي في سيرة عنترة ودلهمة وقد صنف الناس كتبا كثيرة في أسماء الصحابة الذين ذكروا في شيء من الحديث حتى في الأحاديث الضعيفة مثل كتاب الاستيعاب لابن عبد البر وكتاب ابن منده وأبي نعيم الأصبهاني والحافظ أبي موسى ونحو ذلك ولم يذكر أحد منهم هذا الرجل فعلم انه ليس له ذكر في شيء من الروايات فان هؤلاء لا يذكرون إلا ما رواه أهل العلم لا يذكرون أحاديث الطرقية مثل تنقلات الأنوار للبكري الكذاب وغيره

الوجه الثالث أن يقال أنتم ادعيتم أنكم إثبتم بالقرآن والقران ليس في ظاهره ما يدل على ذلك أصلا فانه قال بلغ ما انزل إليك من ربك وهذا اللفظ عام في جميع ما انزل إليه من ربه لا يدل على شيء معين

فدعوى المدعى أن إمامة علي هي مما بلغها أو مما أمر بتبليغها لا تثبت بمجرد القران فان القران ليس فيه دلالة على شيء معين فان ثبت ذلك بالنقل كان ذلك إثباتا بالخبر لا بالقران فمن ادعى أن القران يدل على أن إمارة علي مما أمر بتبليغه فقد افترى على القران فالقران لا يدل على ذلك عموما ولا خصوصا

الوجه الرابع أن يقال هذه الآية مع ما علم من أحوال النبي ﷺ تدل على نقيض ما ذكروه وهو أن الله لم ينزلها عليه ولم يأمره بها فأنها لو كانت مما أمره الله بتبليغه لبلغه فانه لا يعصي الله في ذلك

ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله تعالى يقول يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت رسالته

لكن أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن النبي ﷺ لم يبلغ شيئا من إمامة علي ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم

منها أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من حديثه لا سيما مع كثرة ما ينقل من فضائل علي من الكذب الذي لا أصل له فكيف لا ينقل الحق الصدق الذي قد بلغ للناس

ولان النبي ﷺ أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه

ومنها أن النبي ﷺ لما مات وطلب بعض الأنصار ان يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير فأنكر ذلك عليه وقالوا الإمارة لا تكون إلا في قريش وروى الصحابة في مواطن متفرقة الأحاديث عن النبي ﷺ في أن الأمامه في قريش

ولم يرو واحد منهم لا في ذلك المجلس ولا غيره ما يدل على إمامة علي

وبايع المسلمون أبا بكر وكان اكثر بني عبد مناف من بني أمية وبني هاشم وغيرهم لهم ميل قوي إلى علي بن أبي طالب يختارون ولايته ولم يذكر أحد منهم هذا النص وهكذا اجري الأمر في عهد عمر وعثمان وفي عهده أيضا لما صارت له ولآية ولم يذكر هو ولا أحد من أهل بيته ولا من الصحابة المعروفين هذا النص وإنما ظهر هذا النص بعد ذلك وأهل العلم بالحديث والسنة الذين يتولون عليا ويحبونه ويقولون انه كان الخليفة بعد عثمان كأحمد بن حنبل وغيره من الأئمة قد نازعهم في ذلك طوائف من أهل العلم وغيرهم وقالوا كان زمانه زمان فتنة واختلاف بين الأمة لم تتفق الأمة فيه لا عليه ولا على غيره

وقال طوائف من الناس كالكرامية بل هو كان إماما ومعاوية إماما وجوزوا أن يكون للناس إمامان للحاجة وهكذا قالوا في زمن ابن الزبير ويزيد حيث لم يجدوا الناس اتفقوا على إمام

وأحمد بن حنبل مع أنه أعلم أهل زمانه بالحديث احتج على إمامة علي بالحديث الذي في السنن تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا

وبعض الناس ضعف هذا الحديث لكن أحمد وغيره يثبتونه فهذا عمدتهم من النصوص على خلافة علي فلو ظفروا بحديث مسند أو مرسل موافق لهذا لفرحوا به

فعلم أن ما تدعيه الرافضة من النص هو مما لم يسمعه أحد من أهل العلم بأقوال الرسول ﷺ لا قديما ولا حديثا

ولهذا كان أهل العلم بالحدث يعلمون بالضرورة كذب هذا النقل كما ليعلمون كذب غيره من المنقولات المكذوبة

وقد جرى تحكيم الحكمين ومعه أكثر الناس فلم يكن في المسلمين من أصحابه ولا غيرهم من ذكر هذا النص مع كثرة شيعته ولا فيهم من احتج به في مثل هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم والدواعي على إظهار مثل هذا النص

ومعلوم انه لو كان النص معروفا عند شيعة علي فضلا عن غيرهم لكانت العادة المعروفة تقتضي أن يقول أحدهم هذا نص رسول الله ﷺ على خلافته فيجب تقديمه على معاوية

وأبو موسى نفسه كان من خيار المسلمين لو علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه لم يستحل عزله ولو عزله لكان من أنكر عزله عليه يقول كيف تعزل من نص النبي ﷺ على خلافته

وقد احتجوا بقوله ﷺ تقتل عمارا الفئة الباغية وهذا الحديث خبر وأحد أو اثنين أو ثلاثة ونحوهم وليس هذا متواترا والنص عند القائلين به متواتر فيا لله العجب كيف ساغ عند الناس احتجاج شيعة علي بذلك الحديث ولم يحتج أحد منهم بالنص 

=========

 

منهاج السنة النبوية/43

 

فصل

قال الرافضي البرهان الثالث قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا روى أبو نعيم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ دعا الناس إلى غدير خم وأمر بإزالة ما تحت الشجر من الشوك فقام فدعا عليا فاخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله ﷺ ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فقال رسول الله ﷺ الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي ثم قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه عاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله

والجواب من وجوه أحدها أن المستدل عليه بيان صحة الحديث ومجرد عزوه إلى رواية أبي نعيم لا تفيد الصحة باتفاق الناس علماء السنة والشيعة فان أبا نعيم روى كثيرا من الأحاديث التي هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق علماء أهل الحديث السنة والشيعة وهو وأن كان حافظا كثير الحديث واسع الرواية لكن روى كما عادة المحدثين أمثاله يروون جميع ما في الباب لأجل المعرفة بذلك وأن كان لا يحتج من ذلك إلا ببعضه والناس في مصنفاتهم منهم من لا يروي عمن يعلم انه يكذب مثل مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل فان هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم ولا يروون حديثا يعلمون انه عن كذاب فلا يروون أحاديث الكذابين الذين يعرفون بتعمد الكذب لكن قد يتفق فيما يروونه ما يكون صاحبه أخطأ فيه

وقد يروي الإمام أحمد واسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم لاتهام رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك ليعتبر بها ويستشهد بها فانه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له انه محفوظ وقد يكون له ما يشهد بأنه خطا وقد يكون صاحبها كذبها في الباطن ليس مشهورا بالكذب بل يروى كثيرا من الصدق فيروى حديثه

وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذبا بل يجب التبين من خبره كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا فيروى لتنظر سائر الشواهد هل تدل على الصدق أو الكذب

وكثير من المصنفين يعز عليه تمييز ذلك على وجهه بل يعجز عن ذلك فيروي ما سمعه كما سمعه والدرك على غيره لا عليه وأهل العلم ينظرون في ذلك وفي رجاله وإسناده

الوجه الثاني أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات وهذا يعرفه أهل العلم بالحديث والمرجع إليهم في ذلك ولذلك لا يوجد هذا في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها أهل العلم بالحديث

الوجه الثالث انه قد ثبت في الصحاح والمساند والتفسير أن هذه الآية نزلت على النبي ﷺ وهو واقف بعرفة وقال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال له عمر وأي آية هي قال قوله اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فقال عمر أني لأعلم أي يوم نزلت وفي أي مكان نزلت نزلت يوم عرفة بعرفة ورسول الله ﷺ واقف بعرفة وهذا مستفيض من زيادة ووجوه أخر وهو منقول في كتب المسلمين الصحاح والمساند والجوامع والسير والتفسير وغير ذلك

وهذا اليوم كان قبل غدير خم بتسعة أيام فانه كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة فكيف يقال أنها نزلت يوم الغدير

الوجه الرابع أن هذه الأيه ليس فيها دلالة على علي ولا إمامته بوجه من الوجوه بل فيها إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة على المؤمنين ورضا الإسلام دينا فدعوى المدعي أن القران يدل على إمامته من هذا الوجه كذب ظاهر

وإن قال الحديث يدل على ذلك، فيقال الحديث أن كان صحيحا فتكون الحجة من الحديث لا من الآية وأن لم يكن صحيحا فلا حجة في هذا ولا في هذا

فعلى التقديرين لا دلالة في الآية على ذلك وهذا مما يبين به كذب الحديث فان نزول الأية لهذا السبب وليس فيها ما يدل عليه أصلا تناقض

الوجه الخامس أن هذا اللفظ وهو قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله كذب باتفاق أهل المعروفة بالحديث

وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فلهم فيه قولان وسنذكره فان شاء الله في موضعه

الوجه السادس أن دعاء النبي ﷺ مجاب وهذا الدعاء ليس بمجاب فعلم انه ليس من دعاء النبي ﷺ فإنه من المعلوم انه لما تولى كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف صنف قاتلوا معه وصنف قاتلوه وصنف قعدوا عن هذا وهذا واكثر السابقين الأولين كانوا من القعود وقد قيل أن بعض السابقين الألين قاتلوه وذكر ابن حزم أن عمار بن ياسر قتله أبو الغادية وأن أبا الغادية هذا من السابقين ممن بايع تحت الشجرة وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين انه لا يدخل النار منهم أحد

ففي صحيح مسلم وغيره عن جابر عن النبي ﷺ إنه قال لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة

وفي الصحيح أن غلام حاطب بن ابي بلتعة قال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال كذبت إنه شهد بدرا والحديبية

وحاطب هذا هو الذي كاتب المشركين بخبر النبي ﷺ وبسبب ذلك نزل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة الأية وكان مسيئا إلى مماليكه ولهذا قال مملوكه هذا القول وكذبه النبي ﷺ وقال انه شهد بدرا والحديبية وفي الصحيح لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة وهؤلاء فيهم ممن قاتل عليا كطلحة والزبير وأن كان قاتل عمار فيهم فهو ابلغ من غيره

وكان الذين بايعوه تحت الشجرة نحو ألف وأربعمائة وهم الذين فتح الله عليهم خيبر كما وعدهم الله بذلك في سورة الفتح وقسمها بينهم النبي ﷺ على ثمانية عشر سهما لأنه كان فيهم مائتا فارس فقسم للفارس ثلاثة اسهم سهما له وسهمين لفرسه فصار لأهل الخيل ستمائة سهم ولغيرهم ألف ومائتا سهم هذا هو الذي ثبت في الأحاديث الصحيحة وعليه اكثر أهل العلم كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم وقد ذهب طائفة إلى أنه أسهم للفارس سهمين وأن الخيل كانت ثلاثمائة كما يقول ذلك من يقول من أصحاب أبي حنيفة وأما على فلا ريب أنه قاتل معه طائفة من السابقين لأولين كسهل بن حنيف وعمار بن ياسر لكن الذين لم يقاتلوا معه كانوا افضل فان سعد بن أبي وقاص لم يقاتل معه ولم يكن قد بقي من الصحابة بعد علي افضل منه وكذلك محمد بن مسلمة من الأنصار وقد جاء في الحديث أن الفتنة لا تضره فاعتزل وهذا مما استدل به على أن القتال كان قتال فتنة بتأويل لم يكن من الجهاد الواجب ولا المستحب

وعلي ومن معه أولى بالحق من معاوية وأصحابه كما ثبت عن النبي ﷺ انه قال تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فدل هذا الحديث على أن عليا أولى بالحق ممن قاتله فانه هو الذي قتل الخوارج لما افترق المسلمون فكان قوم معه وقوم عليه ثم أن هؤلاء الذين قاتلوه لم يخذلوا بل ما زالوا منصورين يفتحون البلاد ويقتلون الكفار

وفي الصحيح عن النبي ﷺ انه قال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة قال معاذ بن جبل وهم بالشام

وفي مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ انه قال لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة

قال أحمد بن حنبل وغيره أهل الغرب هم أهل الشام وهذا كما ذكروه فان كل بلد له غرب وشرق والاعتبار في لفظ النبي ﷺ بغرب مدينته ومن الفرات هو غرب المدينة فالبيرة ونحوها على سمت المدينة كما أن حران والرقة وسميساط ونحوها على سمت مكة ولهذا يقال أن قبلة هؤلاء اعدل القبل بمعنى انك تجعل القطب الشمالي خلف ظهرك فتكون مستقبل الكعبة فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة إلى آخر الأرض وأهل الشام أول هؤلاء

والعسكر الذين قاتلوا مع معاوية ما خذلوا قط بل ولا في قتال علي فكيف يكون النبي ﷺ قال اللهم اخذل من خذله وانصر من نصره والذين قاتلوا معه لم ينصروا على هؤلاء بل الشيعة الذين تزعمون انهم مختصون بعلي ما زالوا مخذولين مقهورين لا ينصرون إلا مع غيرهم أما مسلمين وإما كفار وهم يدعون انهم أنصاره فأين نصر الله لمن نصره وهذا وغيره مما يبين كذب هذا الحديث

فصل

قال الرافضي البرهان الرابع قوله تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى روى الفقيه علي بن المغازلي الشافعي بإسناده عن ابن عباس قال كنت جالسا مع فتية من بني هاشم عند النبي ﷺ إذ انقض كوكب فقال رسول الله ﷺ من انقض هذا النجم في منزله فهو الوصي من بعدي فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي قالوا يا رسول الله قد غويت في حب علي فانزل الله تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحته كما تقدم وذلك أن القول بلا علم حرام بالنص والإجماع

قال تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقال قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال ها انتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم

وقال ومن الناس من يجادل في الله بغير علم وقال الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا والسلطان الذي أتاهم هو الحجة الآتية من عند الله كما قال أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون وقال أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم أن كنتم صادقين وقال أن هي إلا أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان

فما جاءت به الرسل عن الله فهو سلطان فالقرآن سلطان والسنة سلطان لكن لا يعرف أن النبي ﷺ جاء به إلا بالنقل الصادق عن الله فكل من احتج بشيء منقول عن النبي ﷺ فعليه أن يعلم صحته قبل أن يعتقد موجبه ويستدل به وإذا احتج به على غيره فعليه بيان صحته وإلا كان قائلا بلا علم مستدلا بلا علم وإذا علم أن في الكتب المصنفة في الفضائل ما هو كذب صار الاعتماد على مجرد ما فيها مثل الاستدلال بشهادة الفاسق الذي يصدق تارة ويكذب أخرى بل لو لم يعلم أن فيها كذبا لم يفدنا علما حتى نعلم ثقة من رواها

وبيننا وبين الرسول مئون من السنين ونحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقا وكذبا وقد روى عنه انه قال سيكذب علي فان كان هذا الحديث صدقا فلا بد أن يكذب عليه وأن كان كذبا فقد كذب عليه وأن كان كذلك لم يجز لأحد أن يحتج في مسالة فرعية بحديث حتى يبين ما به يثبت فكيف يحتج في مسائل الأصول التي يقدح فيها خيار القرون وجماهير المسلمين وسادات أولياء الله المقربين بحيث لا يعلم المحتج به صدقه

وهو لو قيل له أتعلم أن هذا واقع فان قال اعلم ذلك فقد كذب فمن أين يعلم وقوعه ويقال له من أين علمت صدق ذلك وذلك مما لا يعرف إلا بالإسناد ومعرفة أحوال الرواة وأنت لا تعرفه ولو انك عرفته لعرفت أن هذا كذب

وإن قال لا اعلم ذلك فكيف يسوغ لك الاحتجاج بما لا تعلم صحته

الثاني أن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالحديث وهذا المغازلي ليس من أهل الحديث كابي نعيم وأمثاله ولا هو أيضا من جامعي العلم الذين يذكرون ما غالبه حق وبعضه باطل كالثعلبي وأمثاله بل هذا لم يكن الحديث من صنعته فعمد إلى ما وجده من كتب الناس من فضائل علي فجمعها كما فعل اخطب خوار زم وكلاهما لا يعرف الحديث وكل منهما يروي فيما جمعه من الأكاذيب الموضوعة ما لا يخفى انه كذب على اقل علماء النقل والحديث ولسنا نعلم أن أحدهما يتعمد الكذب فيما ينقله لكن الذي تيقناه أن الأحاديث التي يروونها فيها ما هو كذب كثير باتفاق أهل العلم وما قد كذبه الناس قبلهم وهما وأمثالهما قد يروون ذلك ولا يعلمون أنه كذب وقد يعلمون أنه كذب فلا ادري هل كانا من أهل العلم بان هذا كذب أو كانا مما لا يعلمان ذلك

وهذا الحديث ذكره الشيخ أبو الفرج في الموضوعات لكن بسياق آخر من حديث محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما عرج بالنبي ﷺ إلى السماء السابعة وأراه الله من العجائب في كل سماء فلما اصبح جعل يحدث الناس عن عجائب ربه فكذبه من أهل مكة من كذبه وصدقه من صدقه فعند ذلك انقض نجم من السماء فقال النبي ﷺ في دار من وقع هذا النجم فهو خليفتي من بعدي فطلبوا ذلك النجم فوجدوه في دار علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال أهل مكة ضل محمد وغوى وهوى أهل بيته ومال إلى ابن عمه على بن أبي طالب رضي الله عنه فعند ذلك نزلت هذه السورة والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى قال أبو الفرج هذا حديث موضوع لا شك فيه وما ابرد الذي وضعه وما ابعد ما ذكر وفي إسناده ظلمات منها أبو صالح وكذلك الكلبي ومحمد بن مروان السدي والمتهم به الكلبي قال أبو حاتم بن حبان كان الكلبي من الذين يقولون أن عليا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا وأن راو سحابة قالوا أمير المؤمنين فيها لا يحل الاحتجاج به قال والعجب من تغفيل من وضع هذا الحديث كيف رتب ما لا يصح في المعقول من أن النجم يقع في دار ويثبت إلى أن يرى ومن بلهه أنه وضع هذا الحديث على ابن عباس وكان ابن عباس زمن المعراج ابن سنتين فكيف يشهد تلك الحالة ويرويها

قلت إذا لم يكن هذا الحديث في تفسير الكلبي المعروف عنه فهو مما وضع بعده وهذا هو الأقرب قال أبو الفرج وقد سرق هذا الحديث بعينه قوم وغيروا إسناده ورووه بإسناد غريب من طريق أبي بكر العطار عن سليمان بن احمد المصري ومن طريق أبي قضاعة ربيعة بن محمد حدثنا ثوبان بن إبراهيم حدثنا مالك بن غسان النهشلي عن انس قال انقض كوكب على عهد النبي ﷺ فقال النبي ﷺ انظروا ألي هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو خليفة من بعدي قال فنظرنا فإذا هو قد انقض في منزل علي فقال جماعة قد غوى محمد في حب علي فانزل الله تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى

قال أبو الفرج وهذا الحديث هو المتقدم سرقه بعض هؤلاء الرواة فغير إسناده ومن تغفيله وضعه إياه على انس فان أنسا لم يكن بمكة زمن المعراج ولا حين نزول هذه السورة لأن المعراج كان قبل الهجرة بسنة وانس أنما عرف رسول الله ﷺ بالمدينة وفي هذا الإسناد ظلمات أما مالك النهشلي فقال ابن حبان يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الإثبات وأما ثوبان فهو أخو ذي النون المصري ضعيف في الحديث وأبو قضاعة منكر الحديث متروكه وأبو بكر العطار وسليمان بن أحمد مجهولان

الوجه الثالث أنه مما يبين أنه كذب أن فيه ابن عباس شهد نزول سورة النجم حين انقض الكوكب في منزل علي وسورة النجم باتفاق الناس من أول ما نزل بمكة وبن عباس حين مات النبي ﷺ كان مراهقا للبلوغ لم يحتلم بعد هكذا ثبت عنه في الصحيحين فعند نزول هذه إلآيه أما أن ابن عباس لم يكن ولد بعد وأما أنه كان طفلا لا يميز فان النبي ﷺ لما هاجر كان لابن عباس نحو خمس سنين والأقرب أنه لم يكن ولد عند نزول سورة النجم فإنها من أوائل ما نزل من القران

الوجه الرابع أنه لم ينقض قط كوكب إلى الأرض بمكة ولا بالمدينة ولا غيرهما ولما بعث النبي ﷺ كثر الرمي بالشهب ومع هذا فلم ينزل كوكب إلى الأرض وهذا ليس من الخوارق التي تعرف في العالم بل هو من الخوارق التي لا يعرف مثلها في العالم ولا يروي مثل هذا ألا من هو من اوقح الناس وأجرئهم على الكذب واقلهم حياء ودينا ولا يروج ألا على من هو من اجهل الناس وأحمقهم واقلهم معرفة وعلما

الوجه الخامس أن نزول سورة النجم كان قي أول الإسلام وعلي إذ ذاك كان صغيرا والأظهر أنه لم يكن احتلم ولا تزوج بفاطمة ولا شرع بعد فرائض الصلاة أربعا وثلاثا واثنين ولا فرائض الزكاة ولا حج البيت ولا صوم رمضان ولا عامة قواعد الإسلام

وأمر الوصية بالإمأمة لو كان حقا أنما يكون في آخر الأمر كما ادعوه يوم غدير خم فكيف يكون قد نزل في ذلك الوقت

الوجه السادس أن أهل العلم بالتفسير متفقون على خلاف هذا وأن النجم المقسم به أما نجوم السماء وأما نجوم القران ونحو ذلك ولم يقل أحد أنه كوكب نزل في دار أحد بمكة

الوجه السابع أن من قال لرسول الله ﷺ غويت فهو كافر والكفار لم يكن النبي ﷺ يأمرهم بالفروع قبل الشهادتين والدخول في الإسلام

الوجه الثامن أن هذا النجم أن كان صاعقة فليس نزول الصاعقة في بيت شخص كرأمةله وأن كان من نجوم السماء فهذه لا تفارق الفلك وأن كان من الشهب فهذه يرمى بها رجوما للشياطين وهي لا تنزل إلى الأرض ولو قدر أن الشيطان الذي رمي بها وصل إلى بيت علي حتى احترق بها فليس هذا كرأمةله مع أن هذا لم يقع قط

فصل

قال الرافضي البرهان الخامس قوله تعالى أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فروى احمد بن حنبل في مسنده عن واثلة بن الاسقع قال طلبت عليا في منزله فقالت فاطمة رضي الله عنها ذهب إلى رسول الله ﷺ قال فجاءا جميعا فدخلا ودخلت معهما فاجلس عليا عن يساره وفاطمة عن يمينه والحسن والحسين بين يديه ثم التفع عليهم بثوبه

وقال أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا اللهم أن هؤلاء أهلي حقا وعن أم سلمة قالت أن النبي ﷺ كان في بيتها فاتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها حريرة فدخلت بها عليه فقال ادعي زوجك وابنيك قالت فجاء علي والحسن والحسين فدخلوا وجلسوا يأكلون من تلك الحريرة وهو وهم على منام له علي وكان تحته كساء خيبري قالت وأنا في الحجرة أصلي فانزل الله تعالى هذه الآية أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت فاخذ فضل الكساء وكساهم به ثم اخذ يده فألوى بها إلى السماء وقال هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وكرر ذلك قالت فأدخلت رأسي وقلت وأنا معهم يا رسول الله قال انك إلى خير

وفي هذه الآية دلالة على العصمة مع التأكيد بلفظه أنما وإدخال اللام في الخبر والاختصاص في الخطاب بقوله أهل البيت والتكرير بقوله ويطهركم والتأكيد بقوله تطهيرا وغيرهم ليس بمعصوم فتكون الإمأمةفي علي ولأنه ادعاها في عدة من أقواله كقوله والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى وقد ثبت نفي الرجس عنه فيكون صادقا فيكون هو الإمام

والجواب أن هذا الحديث صحيح في الجملة فانه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لعلي وفاطمة وحسن وحسين اللهم أن هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا

وروى ذلك مسلم عن عائشة قالت خرج رسول الله ﷺ غداة وعليه مرط مرحل من شعر اسود فجاء الحسن بن علي فادخله معه ثم جاءت فاطمة فادخلها معه ثم جاء علي فادخله ثم قال ثم لاجاء الحسين فأدخله معه إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا

وهو مشهور من رواية أم سلمة من رواية احمد والترمذي لكن ليس في هذا دلالة على عصمتهم ولا إمامتهم

وتحقيق ذلك في مقامين أحدهما أن قوله أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا كقوله ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج وكقوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وكقوله يريد الله ليبن لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما فان أرادة الله في هذه الآيات متضمنة المحبة الله لذلك المراد ورضاه به وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به ليس في ذلك أنه خلق ذلك المراد ولا أنه قضاه وقدره ولا أنه يكون لا محالة

والدليل على ذلك أن النبي ﷺ بعد نزول هذه الآية قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا

فطلب من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد اذهب عنهم الرجس وطهرهم لم يحتج إلى الطلب والدعاء وهذا على قول القدرية أظهر فان أرادة الله عندهم لا تتضمن وجود المراد بل قد يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد فليس في كونه تعالى مريدا لذلك ما يدل على وقوعه

وهذا الرافضي وأمثاله قدرية فكيف يحتجون بقوله أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت على وقوع المراد وعندهم أن الله قد أراد إيمان من على وجه الأرض فلم يقع مراده وأما على قول أهل الإثبات فالتحقيق في ذلك أن الإرادة في كتاب الله نوعان أرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه وأرادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره

الأولى مثل هؤلاء الآيات والثانية مثل قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح زيارده صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء وقول نوح ولا ينفعكم نصحي أن أردت أن انصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم

وكثير من المثبة والقدرية يجعل الإرادة نوعا واحدا كما يجعلون الإرادة والمحبة شيئا واحدا ثم القدرية ينفون أرادته لما بين أنه مراد في آيات التقدير وأولئك ينفون إرادته لما بين أنه مراد في آيات التشريع فان عندهم كل ما قيل أنه مراد فلا بدان يكون كائنا

والله قد اخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين وأن يطهرهم وفيهم من تاب وفيهم من لم يتب وفيهم من تطهر وفيهم من لم يتطهر وإذا كانت الآية دالة على وقوع ما أراده من التطهير وإذهاب الرجس لم يلزم بمجرد الآية ثبوت ما ادعاه

ومما يبين ذلك أن أزواج النبي ﷺ مذكورات في الآية والكلام في الأمر بالتطهير بإيجابه ووعد الثواب على فعله والعقاب على تركه قال تعالى يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض إلى قوله واطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب الرجس عنكم أهل البيت ويطهركم تطهيرا فالخطاب كله لأزواج النبي ﷺ ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بهذا الخطاب وغيره وليس مختصا بأزواجه بل هو متناول لأهل البيت كلهم وعلي وفاطمة والحسن والحسين أخص من غيرهم بذلك ولذلك خصهم النبي ﷺ بالدعاء لهم وهذا كما أن قوله لمسجد أسس على التقوى من أول يوم نزلت بسبب مسجد قباء لكن الحكم يتناوله ويتناول ما هو أحق منه بذلك وهو مسجد المدينة

وهذا يوجه ما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدي هذا

وثبت عنه في الصحيح أنه كان يأتي قباء كل سبت ماشيا وراكبا فكان يقوم في مسجده يوم الجمعة ويأتي قباء يوم السبت وكلاهما مؤسس على التقوى

وهكذا أزواجه وعلي وفاطمة والحسن والحسين كلهم من أهل البيت لكن عليا وفاطمة والحسن والحسين أخص بذلك من أزواجه ولهذا خصهم بالدعاء

وقد تنازع الناس في آل محمد من هم فقيل هم أمته وهذا قول طائفة من أصحاب مالك واحمد وغيرهم

وقيل المتقون من أمته ورووا حديثا آل محمد كل مؤمن تقي رواه الخلال وتمام في الفوائد له وقد احتج به طائفة من أصحاب احمد وغيرهم وهو حديث موضوع وبنى على ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد هم خواص الأولياء كما ذكر الحكيم الترمذي

والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته وهذا هو المنقول عن الشافعي واحمد وهو اختيار الشريف أبي جعفر وغيرهم لكن هل أزواجه من أهل بيته على قولين هما روايتان عن احمد أحدهما أنهن لسن من أهل البيت ويروى هذا عن زيد بن أرقم والثاني هو الصحيح أن أزواجه من آله

فانه قد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه علمهم الصلاة عليه الله صل على محمد وأزواجه وذريته

ولأن أمرأة إبراهيم من آله وأهل بيته وأمرأة لوط من آله وأهل بيته بدلالة القران فكيف لا يكون أزواج محمد من آله وأهل بيته

ولأن هذه الآية تدل على أنهن من أهل بيته وألا لم يكن لذكر ذلك في الكلام معنى وأما الأتقياء من أمته فهم أولياؤه كما ثبت في الصحيح أنه قال إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء وإنما وليي الله وصالح المؤمنين

فبين أن أولياءه صالح المؤمنين

وكذلك في حديث آخر: إن أوليائي المتقون حيث كانوا واين كانوا

وقد قال تعالى وأن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين وفي الصحاح عنه أنه قال وددت أنى رأيت إخواني قالوا أولسنا إخوانك قال بل انتم أصحابي وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني

وإذا كان كذلك فأولياؤه المتقون بينه وبينهم قرابة الدين والإيمان والتقوى وهذه القرابة الدينية أعظم من القرابة الطينية والقرب بين القلوب والأرواح أعظم من القرب بين الأبدان

ولهذا كان افضل الخلق أولياؤه المتقون وأما أقاربه ففيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر فان كان فاضلا منهم كعلي رضي الله عنه وجعفر والحسن والحسين فتفضيلهم بما فيهم من الإيمان والتقوى وهم أولياؤه بهذا الاعتبار لا بمجرد النسب فأولياؤه أعظم درجة من آله وأن صلى على آله تبعا له لم يقتض ذلك أن يكونوا افضل من أوليائه الذين لم يصل عليهم فان الأنبياء والمرسلين هم من أوليائه وهم افضل من أهل بيته وأن لم يدخلوا في الصلاة معه تبعا فالمفضول قد يختص بأمر ولا يلزم أن يكون افضل من الفاضل

ودليل ذلك أن أزواجه هم ممن يصلي عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين فقد ثبت باتفاق الناس كلهم أن الأنبياء افضل منهن كلهن

فان قيل فهب أن القران لا يدل على وقوع ما أريد من التطهير وإذهاب الرجس لكن دعاء النبي ﷺ لهم بذلك يدل على وقوعه فان دعاءه مستجاب

قيل المقصود ان القرآن لا يدل ما ادعاه من ثبوت الطهارة وإذهاب الرجس فضلا عن ان يدل على العصمة والإمأمة

وأما الاستدلال بالحديث فذاك مقام آخر

ثم نقول في المقام الثاني هب أن القران دل على طهارتهم وإذهاب الرجس عنهم كما أن الدعاء المستجاب لا بد أن يتحقق معه طهارة المدعو لهم وإذهاب الرجس عنهم لكن ليس في ذلك ما يدل على العصمة من الخطأ

والدليل عليه أن الله لم يرد بما أمر به أزواج النبي ﷺ أن لا يصدر من واحدة منهن خطأ فأن الخطأ مغفور لهن ولغيرهن وسياق الآية يقتضي أنه يريد ليذهب عنهم الرجس الذي هو الخبث كالفواحش ويطهرهم تطهيرا من الفواحش وغيرها من الذنوب

والتطهير من الذنب على وجهين كما في قوله وثيابك فطهر وقوله إنهم أناس يتطهرون فإنه قال فيها من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين والتطهير عن الذنب أما بأن لا يفعله العبد وأما بأن يتوب منه كما في قوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها لكن ما أمر الله به من الطهارة ابتداء وأرادة فإنه يتضمن نهيه عن الفاحشة لا يتضمن الإذن فيها بحال لكن هو سبحانه ينهى عنها ويأمر من فعلها بأن يتوب منها وفي الصحيح عن النبي انه كان يقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب واغسلني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس

وفي الصحيحين أنه قال لعائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قبل أن يعلم النبي براءتها وكان قد ارتاب في أمرها فقال يا عائشة إن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت الممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فان العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب الله عليه

وبالجملة لفظ الرجس أصله القذر ويراد به الشرك كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان ويراد به الخبائث المحرمة كالمطعومات والمشروبات كقوله قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه ألا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسق وقوله أنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان وإذهاب ذلك إذهاب لكله ونحن نعلم أن الله اذهب عن أولئك السادة الشرك والخبائث

ولفظ الرجس عام يقتضي أن الله يريد أن يذهب جميع الرجس فإن النبي ﷺ دعا بذلك

وأما قوله: وطهرهم تطهيرا، فهو سؤال مطلق بما يسمى طهارة وبعض الناس يزعم أن هذا مطلق فيكتفي فيه بفرد من أفراد الطهارة ويقول مثل ذلك في قوله فاعتبروا يا أولى الأبصار ونحو ذلك

والتحقيق أنه أمر بمسمى الاعتبار الذي يقال عند الإطلاق كما إذا قيل اكرم هذا أي افعل معه ما يسمى عند الإطلاق إكراما وكذلك ما يسمى عند الإطلاق اعتبارا والإنسان لا يسمى معتبرا إذا اعتبر في قصة وترك ذلك في نظيرها وكذلك لا يقال هو طاهر أو متطهرا أو مطهرا إذا كان متطهرا من شيء متنجسا بنظيره

ولفظ الطاهر كلفظ الطيب قال تعالى والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات كما قال الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات وقد روى أنه قال لعمار ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب

وهذا أيضا كلفظ المتقي ولفظ المزكي قال تعالى قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها وقال خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وقال قد افلح من تزكى وقال ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد ولكن الله يزكي من يشاء وليس من شرط المتقين ونحوهم أن لا يقع منهم ذنب ولا أن يكونوا معصومين من الخطأ والذنوب فإن هذا لو كان كذلك لم يكن في الأمة متق بل من تاب من ذنوبه دخل في المتقين ومن فعل ما يكفر سيئاته دخل في المتقين كما قال أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما

فدعاء النبي ﷺ بان يطهرهم تطهيرا كدعائه بان يزكيهم ويطيبهم ويجعلهم متفقين ونحو ذلك ومعلوم أن من استقر أمره على ذلك فهو داخل في هذا لا تكون الطهارة التي دعا بها بأعظم مما دعا به لنفسه وقد قال اللهم طهرني من خطاياي بالثلج والبرد والماء البارد

فمن وقع ذنبه مغفورا أو مكفرا فقد طهره الله منه تطهيرا ولكن من مات متوسخا بذنوبه فانه لم يطهر منها في حياته وقد يكون من تمام تطهيرهم صيانتهم عن الصدقة التي هي أوساخ الناس والنبي ﷺ إذا دعا بدعاء أجابه الله بحسب استعداد المحل فإذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات لم يلزم أن لا يوجد مؤمن مذنب فإن هذا لو كان واقعا لما عذب مؤمن لا في الدنيا ولا في الآخرة بل يغفر الله لهذا بالتوبة ولهذا بالحسنات الماحية ويغفر الله لهذا ذنوبا كثيرة وأن واحدة بأخرى وبالجملة فالتطهير الذي أراده الله والذي دعا به النبي ﷺ ليس هو العصمة بالاتفاق فان أهل السنة عندهم لا معصوم ألا النبي ﷺ والشيعة يقولون لا معصوم غير النبي ﷺ والإمام فقد وقع الاتفاق على انتفاء العصمة المختصة بالنبي ﷺ والإمام عن أزواجه وبناته وغيرهن من النساء

وإذا كان كذلك امتنع أن يكون التطهير المدعو به للأربعة متضمنا للعصمة التي يختص بها النبي ﷺ والإمام عندهم فلا يكون من دعاء النبي ﷺ بهذه العصمة لا لعلي ولا لغيره فإنه دعا بالطهارة لأربعة مشتركين لم يختص بعضهم بدعوة

وأيضا فالدعاء بالعصمة من الذنوب ممتنع على أصل القدرية بل وبالتطهير أيضا فإن الأفعال الاختيارية التي هي فعل الواجبات وترك المحرمات عندهم غير مقدورة للرب ولا يمكنه أن يجعل العبد مطيعا ولا عاصيا ولا متطهرا من الذنوب ولا غير متطهر فامتنع على أصلهم أن يدعو لأحد بان يجعله فاعلا للواجبات تاركا للمحرمات وأنما المقدور عندهم قدرة تصلح للخير والشر كالسيف الذي يصلح لقتل المسلم والكافر والمال الذي يمكن إنفاقه في الطاعة والمعصية ثم العبد يفعل باختياره أما الخير وأما الشر بتلك القدرة

وهذا الأصل يبطل حجتهم والحديث حجة عليهم في إبطال هذا الأصل حيث دعا النبي ﷺ لهم بالتطهير

فإن قالوا المراد بذلك أنه يغفر لهم ولا يؤاخذهم، كان ذلك أدل على البطلان من دلالته على العصمة

فتبين أن الحديث لا حجة لهم فيه بحال على ثبوت العصمة

والعصمة مطلقا التي هي فعل المأمور وترك المحظور ليست مقدورة عندهم لله ولا يمكنه أن يجعل أحدا فاعلا لطاعة ولا تاركا لمعصية لا لنبي ولا لغيره فيمتنع عندهم أن من يعلم انه إذا عاش يطيعه باختيار نفسه لا بإعانة الله وهدايته

وهذا مما يبين تناقض قولهم في مسائل العصمة كما تقدم ولو قدر ثبوت العصمة فقد قدمنا أنه لا يشترط في الإمام العصمة ولا إجماع على انتفاء العصمة في غيرهم وحينئذ فتبطل حجتهم بكل طريق

وأما قوله أن عليا ادعاها وقد ثبت نفي الرجس عنه فيكون صادقا فجوابه من وجوه أحدها أنا لا نسلم أن عليا ادعاها بل نحن نعلم بالضرورة علما متيقنا أن عليا ما ادعاها قط حتى قتل عثمان وإن كان قد يميل بقلبه إلى أن يولي لكن ما قال إني أنا الإمام ولا أنى معصوم ولا أن رسول الله ﷺ جعلني إلإمام بعده ولا أنه أوجب على الناس متابعتي ولا نحو هذه الألفاظ

بل نحن نعلم بالاضطرار أن من نقل هذا ونحوه عنه فهو كاذب عليه ونحن نعلم أن عليا كان اتقى لله من أن يدعي الكذب الظاهر الذي تعلم الصحابة كلهم أنه كذب

وأما نقل الناقل عنه أنه قال لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى

فنقول أولا أين إسناد هذا النقل بحيث ينقله ثقة عن ثقة متصلا إليه وهذا لا يوجد قط وأنما يوجد مثل هذا في كتاب نهج البلاغة وأمثاله وأهل العلم يعلمون أن اكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ولا لها إسناد معروف فهذا الذي نقلها من أين نقلها ولكن هذه الخطب بمنزلة من يدعي أنه علوي أو عباسي ولا نعلم أحدا من سلفه ادعى ذلك قط ولا ادعى ذلك له فيعلم كذبه فإن النسب يكون معروفا من أصله حتى يتصل بفرعه وكذلك المنقولات لا بد أن تكون ثابته معروفة عمن نقل عنه حتى تتصل بنا فإذا صنف واحد كتابا ذكر فيه خطبا كثيرة للنبي ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان ولم علي ولم يرو أحد منهم تلك الخطب قبله بإسناد معروف علمنا قطعا أن ذلك كذب وفي هذه الخطب أمور كثيرة قد علمنا بقينا من علي ما يناقضها

ونحن في هذا المقام ليس علينا أن نبين أن هذا كذب بل يكفينا المطالبة بصحة النقل فإن الله لم يوجب على الخلق أن يصدقوا بما لم يقم دليل على صدقه بل هذا ممتنع بالاتفاق لا سيما على القول بامتناع تكليف ما لا يطاق فإن هذا من أعظم تكليف ما لا يطاق فكيف يمكن الإنسان أن يثبت ادعاء علي للخلافة بمثل حكاية ذكرت عنه في اثناء المائة الرابعة لما كثر الكذابون عليه وصار لهم دولة تقبل منهم ما يقولون سواء كان صدقا أو كذبا وليس عندهم من يطالبهم بصحة النقل وهذا الجواب عمدتنا في نفس الأمر وفيما بيننا وبين الله تعالى

ثم نقول هب أن عليا قال ذلك فلم قلت أنه أراد اني إمام معصوم منصوص عليه ولم لا يجوز أنه أراد اني كنت احق بها من غيري لاعتقاده في نفسه أنه افضل واحق من غيره وحينئذ فلا يكون مخبرا عن أمر تعمد فيه الكذب ولكن يكون متكلما باجتهاده والاجتهاد يصيب ويخطئ

ونفي الرجس لا يوجب أن يكون معصوما من الخطإ بالاتفاق بدليل أن الله لم يرد من أهل البيت أن يذهب عنهم الخطإ فإن ذلك غير مقدور عليه عندهم والخطإ مغفور فلا يضر وجوده

وأيضا فالخطأ لا يدخل فيه عموم الرجس

وأيضا فانه لا معصوم من أن يقر على خطأ ألا رسول الله ﷺ وهم يخصون ذلك بالأئمة بعده وإذهاب الرجس قد اشترك فيه علي وفاطمة وغيرهما من أهل البيت

وأيضا فنحن نعلم أن عليا كان اتقى لله من أن يتعمد الكذب كما أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم كانوا اتقى لله من أن يتعمدوا للكذب لكن لو قيل لهذا المحتج بالآلية أنت لم تذكر دليلا على أن الكذب من الرجس وإذا لم تذكر على ذلك دليلا لم يلزم من إذهاب الرجس إذهاب الكذبة الواحدة إذا قدر أن الرجس ذاهب فهو فيمن يحتج بالقران وليس في القران ما يدل على إذهاب الرجس ولا ما يدل على أن الكذب والخطأ من الرجس ولا أن عليا قال ذلك ولكن هذا كله لو صح شيء منه لم يصح ألا بمقدمات ليست في القران فأين البراهين التي في القران على الإمامة وهل يدعي هذا إلا من هو من أهل الخزي والندامة

فصل

قال الرافضي البرهان السادس في قوله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال إلى قوله يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار قال الثعلبي بإسناده عن انس وبريده قالا قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية فقام رجل فقال أي بيوت هذه يا رسول الله فقال بيوت الأنبياء فقام إليه أبو بكر فقال يا رسول الله هذا البيت منها يعني بيت علي وفاطمة قال نعم من أفضلها وصف فيها الرجال بما يدل على أفضليتهم فيكون علي هو الإمام وألا لزم تقديم المفضول على الفاضل

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا النقل ومجرد عزو ذلك إلى الثعلبي ليس بحجة باتفاق أهل السنة والشيعة وليس كل خبر رواه واحد من الجمهور يكون حجة عند الجمهور بل علماء الجمهور متفقون على أن ما يرويه الثعلبي وأمثاله لا يحتجون به لا في فضيلة أبي بكر وعمر ولا في إثبات حكم من الأحكام ألا أن يعلم ثبوته بطريق فليس له أن يقول أنا نحتج عليكم بالأحاديث التي يرويها واحد من الجمهور فإن هذا بمنزلة من يقول أنا احكم عليكم بمن يشهد عليكم من الجمهور فهل يقول أحد من علماء الجمهور أن كل من شهد منهم فهو عدل أو قال أحد من علمائهم أن كل من روى منهم حديثا كان صحيحا

ثم علماء الجمهور متفقون على أن الثعلبي وأمثاله يروون الصحيح والضعيف ومتفقون على أن مجرد روايته لا توجب اتباع ذلك ولهذا يقولون في الثعلبي وأمثاله أنه حاطب ليل يروي ما وجد سواء كان صحيحا أو سقيما فتفسيره وأن كان غالب الأحاديث التي فيه صحيحة ففيه ما هو كذب موضوع باتفاق أهل العلم

ولهذا اختصره أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي وكان اعلم بالحديث والفقه منه والثعلبي اعلم بأقوال المفسرين ذكر البغوي عنه أقوال المفسرين والنحاة وقصص الأنبياء فهذه الأمور نقلها البغوي من الثعلبي وأما الأحاديث فلم يذكر في تفسيره شيئا من الموضوعات التي رواها الثعلبي بل يذكر الصحيح منها ويعزوه إلى البخاري وغيره فإنه مصنف كتاب شرح السنة وكتاب المصابيح وذكر ما في الصحيحين والسنن ولم يذكر الأحاديث التي تظهر لعلماء الحديث إنها موضوعة كما يفعله غيره من المفسرين كالوا حدي صاحب الثعلبي وهو اعلم بالعربية منه وكالزمخشري وغيرهم من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع

الثاني أن هذا الحديث موضوع عند أهل المعرفة بالحديث ولهذا لم يذكره علماء الحديث في كتبهم التي يعتمد في الحديث عليها كالصحاح والسنن والمساند مع أن في بعض هذه ما هو ضعيف بل ما يعلم أنه كذب لكن هذا قليل جدا وأما هذا الحديث وأمثاله فهو أظهر كذبا من أن يذكروه في مثل ذلك

الثالث أن يقال الآية باتفاق الناس هي في المساجد كما قال في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال وبيت علي وغيره ليس موصوفا بهذه الصفة

الرابع أن يقال بيت النبي ﷺ افضل من بيت علي باتفاق المسلمين ومع هذا لم يدخل في هذه الآية لأنه ليس في بيته رجال وأنما فيه هو والواحدة من نسائه ولما أراد بيت النبي ﷺ قال لا تدخلوا بيوت النبي وقال واذكرن ما يتلى في بيوتكن

الوجه الخامس أن قوله هي بيوت الأنبياء كذب فانه لو كان كذلك لم يكن لسائر المؤمنين فيها نصيب وقوله يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تليهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله متناول لكل من كان بهذه الصفة

الوجه السادس أن قوله في بيوت أذن الله أن ترفع نكرة موصوفة ليس فيها تعيين وقوله أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه أن أراد بذلك ما لا يختص به المساجد من الذكر في البيوت والصلاة فيها دخل ذلك بيوت اكثر المؤمنين المتصفين بهذه الصفة فلا تختص بيوت الأنبياء

وان أراد بذلك ما يختص به المساجد من وجود الذكر في الصلوات الخمس ونحو ذلك كانت مختصة بالمساجد وأما بيوت الأنبياء فليس فيها خصوصية المساجد وأن كان لها فضل بسكنى الأنبياء فيها

الوجه السابع أن يقال أن أريد ببيوت الأنبياء ما سكنه النبي ﷺ فليس في المدينة من بيوت الأنبياء ألا بيوت أزواج النبي ﷺ فلا يدخل فيها بيت علي وأن أريد ما دخله الأنبياء فالنبي ﷺ قد دخل بيوت كثير من الصحابة وأي تقدير قدر في الحديث لا يمكن تخصيص بيت علي بأنه من بيوت الأنبياء دون بيت أبي بكر وعمر وعثمان ونحوهم وإذا لم يكن له اختصاص فالرجال مشتركون بينه وبين غيره

الوجه الثامن أن يقال قوله الرجال المذكورون موصوفون بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ليس في الآية ما يدل على انهم افضل من غيرهم وليس فيها ذكر ما وعدهم الله به من الخير وفيها الثناء عليهم ولكن ليس كل من اثني عليه أو وعد بالجنة يكون افضل من غيره ولهذا لم يلزم أن يكون هو افضل من الأنبياء

الوجه التاسع أن يقال هب أن هذا يدل على انهم افضل ممن ليس كذلك من هذا الوجه لكن لم قلت أن هذه الصفة مختصة بعلي بل كل من كانت لا تلهيه التجارة والبيع عن ذكر الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة ويخاف بوم القيامة فهو متصف بهذه الصفة فلم قلت أنه ليس متصف بذلك ألا عليا ولفظ الآية يدل على انهم رجال ليسوا رجلا واحدا فهذا دليل على أن هذا لا يختص بعلي بل هو وغيره مشتركون فيها وحينئذ فلا يلزم أن يكون افضل من المشاركين له فيها

الوجه العاشر أنه لو سلم أن عليا افضل من غيره في هذه الصفة فلم قلت أن ذلك يوجب الإمامة

وأما امتناع تقديم المفضول على الفاضل إذا سلم فإنما هو في مجموع الصفات التي تناسب الإمامة وألا فليس كل من فضل في خصلة من الخير استحق أن يكون هو الإمام ولو جاز هذا لقيل ففي الصحابة من قتل من الكفار اكثر مما قتل علي وفيهم من انفق من ماله اكثر مما انفق علي وفيهم من كان اكثر صلاة وصياما من علي وفيهم من أوذي في الله اكثر من علي وفيهم من كان أسن من علي وفيهم من كان عنده من العلم ما ليس عند علي

وبالجملة لا يمكن أن يكون واحد من الأنبياء له مثل ما لكل واحد من الأنبياء من كل وجه ولا أحد من الصحابة يكون له مثل ما لكل أحد من الصحابة من كل وجه بل يكون في المفضول نوع من الأمور التي يمتاز بها عن الفاضل ولكن الاعتبار في التفضيل بالمجموع

فصل

قال الرافضي البرهان السابع قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا ألا المودة في القربى روى احمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا ألا المودة في القربى قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما وكذا في تفسير الثعلبي ونحوه في الصحيحين وغير علي من الصحابة والثلاثة لا تجب مودته فيكون علي افضل فيكون هو الإمام ولأن مخالفته تنافي المودة وبامتثال أوامره تكون مودته فيكون واجب الطاعة وهو معنى الإمامة

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا الحديث وقوله إن احمد روى هذا في مسنده كذب بين فان هذا مسند احمد موجود به من النسخ ما شاء الله وليس فيه هذا الحديث وأظهر من ذلك كذبا قوله أن نحو هذا في الصحيحين وليس هو في الصحيحين بل فيهما وفي المسند ما يناقض ذلك

ولا ريب أن هذا الرجل وأمثاله جهال بكتب أهل العلم لا يطالعونها ولا يعلمون ما فيها ورأيت بعضهم جمع لهم كتابا في أحاديث من كتب متفرقة معزوة تارة إلى الصحيحين وتارة إلى مسند احمد وتارة إلى المغازلي والموفق خطيب خوارزم والثعلبي وأمثاله وسماه الطرائف في الرد على الطوائف وآخر صنف كتابا لهم سماه العمدة واسم مصنفه ابن البطريق وهؤلاء مع كثرة الكذب فيما يروونه فهم امثل حالا من أبي جعفر محمد بن علي الذي صنف لهم وأمثاله فان هؤلاء يروون من الأكاذيب ما لا يخفى ألا على من هو من اجهل الناس ورأيت كثيرا من ذلك المعزو الذي عزاه أولئك إلى المسند والصحيحين وغيرهما باطلا لا حقيقة له يعزون إلى مسند احمد ما ليس فيه أصلا

لكن احمد صنف كتابا في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم وقد يروي في هذا الكتاب ما ليس في المسند وليس كل ما رواه احمد في المسند وغيره يكون حجة عنده بل يروي ما رواه أهل العلم وشرطه في المسند أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده وأن كان في ذلك ما هو ضعيف وشرطه في المسند مثل شرط أبي داود في سننه

وأما كتب الفضائل فيروي ما سمعه من شيوخه سواء كان صحيحا أو ضعيفا فانه لم يقصد أن لا يروي في ذلك إلا ما ثبت عنده ثم زاد ابن احمد زيادات وزاد أبو بكر القطيعى زيادات وفي زيادات القطيعي زيادات كثيرة كذب موضوعة فظن الجاهل أن تلك من رواية احمد وانه رواها في المسند وهذا خطأ قبيح فإن الشيوخ المذكورين شيوخ القطيعي وكلهم متأخر عن احمد وهم ممن يروى عن أحمد لا ممن يروي احمد عنه

وهذا مسند احمد وكتاب الزهد له وكتاب الناسخ والمنسوخ وكتاب التفسير وغير ذلك من كتبه يقول حدثنا وكيع حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان حدثنا عبد الرزاق فهذا احمد وتارة يقول حدثنا أبو معمر القطيعي حدثنا علي بن الجعد حدثنا أبو نصر التمار فهذا عبد الله وكتابه في فضائل الصحابة له فيه هذا وهذا وفيه من زيادات القطيعي يقول حدثنا احمد بن عبد الجبار الصوفي وأمثاله ممن هو مثل عبد الله بن احمد في الطبقة وهو ممن غايته أن يروي عن احمد فإن احمد ترك الرواية في آخر عمره لما طلب الخليفة أن يحدثه ويحدث ابنه ويقيم عنده فخاف على نفسه من فتنة الدنيا فامتنع من الحديث مطلقا ليسلم من ذلك ولأنه كان قد حدث بما كان عنده قبل ذلك فكان يذكر الحديث بإسناده بعد شيوخه ولا يقول حدثنا فلان فكان من يسمعون منه ذلك يفرحون بروايته عنه

فهذا القطيعي يروي عن شيوخه زيادات وكثير منها كذب موضوع وهؤلاء قد وقع لهم هذا الكتاب ولم ينظروا ما فيه من فضائل سائر الصحابة بل اقتصروا على ما فيه من فضائل علي وكلما زاد حديثا ظنوا أن القائل ذلك هو احمد بن حنبل فإنهم لا يعرفون الرجال وطبقاتهم وأن شيوخ القطيعي يمتنع أن يروي احمد عنهم شيئا ثم انهم لفرط جهلهم ما سمعوا كتابا إلا المسند فلما ظنوا أن احمد رواه وانه إنما يروي في المسند صاروا يقولون لما رواه القطيعي رواه احمد في المسند هذا أن لم يزيدوا على القطيعي ما لم يروه فإن الكذب عندهم غير مأمون ولهذا يعزو صاحب الطرائف وصاحب العمدة أحاديث يعزوها إلى احمد لم يروها احمد لا في هذا ولا في هذا ولا سمعها أحد قط وأحسن حال هؤلاء أن تكون تلك مما رواه القطيعي وما رواه القطيعي فيه من الموضوعات القبيحة الوضع ما لا يخفى على عالم

ونقل هذا الرافضي من جنس صاحب كتاب العمدة والطرائف فما ادري نقل منه أو عمن ينقل عنه وإلا فمن له بالنقل أدنى معرفة يستحي ان يعزو مثل هذا الحديث إلى مسند احمد والصحيحين والصحيحان والمسند نسخهما ملء الأرض وليس هذا في شيء منها وهذا الحديث لم يرو في شيء من كتب العلم المعتمدة أصلا وإنما يروي مثل هذا من يحطب بالليل كالثعلبي وأمثاله الذين يروون الغث والسمين بلا تمييز

الوجه الثاني أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث وهم المرجوع إليهم في هذا وهذا لا يوجد في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها

الوجه الثالث أن هذه الأيه في سورة الشورى وهي مكية باتفاق أهل السنة بل جميع آل حم مكيات وكذلك آل طس ومن المعلوم أن عليا إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر والحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة والحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة فكيف يفسر النبي ﷺ الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف ولم تخلق بعد

الوجه الرابع ان تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك ففي الصحيحين عن سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فقلت أن لا تؤذوا محمدا في قرابته فقال ابن عباس عجلت انه لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله ﷺ فيهم قرابة فقال لا أسألكم عليه أجرا لكن أسألكم ان تصلوا القرابة التي بيني وبينكم

فهذا ابن عباس ترجمان القران واعلم أهل البيت بعد علي يقول ليس معناها مودة ذوي القربى لكن معناها لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجرا لكن أسألكم ان تصلوا القرابة التي بيني وبينكم فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أولا ان يصلوا رحمه فلا يعتدوا عليه حتى يبلغ رسالة ربه

الوجه الخامس انه قال لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى لم يقل إلا المودة في للقربى ولا المودة لذوي القربى فلو أراد المودة لذوي القربى لقال المودة لذوى القربى كما قال واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذوي القربى وقال ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى وكذلك قوله فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل وقوله وأتى المال على حبه ذوي القربى وهكذا في غير موضع

فجميع ما في القران من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي ﷺ وذوي قربى الإنسان إنما قيل فيها ذوي القربى لم يقل في القربى فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم دل على انه لم يرد ذوي القربى

الوجه السادس انه لو أريد المودة لهم لقال المودة لذوي القربى ولم يقل في القربى فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره أسألك المودة في فلان ولا في قربى فلان ولكن أسألك المودة لفلان والمحبة لفلان فلما قال المودة في القربى علم انه ليس المراد لذوي القربى

الوجه السابع ان يقال إن النبي ﷺ لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجرا ألبته بل أجره على الله كما قال قل ما أسألكم عليه من أجر وما انا من المتكلفين وقوله أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون وقوله قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ولكن الاستثناء هنا منقطع كما قال قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا

ولا ريب ان محبة أهل بيت النبي ﷺ واجبة لكن لم يثبت وجوبها بهذه الآية ولا محبتهم أجر للنبي ﷺ بل هو مما أمرنا الله به كما أمرنا بسائر العبادات

وفي الصحيح عنه انه خطب أصحابه بغدير يدعى خما بين مكة والمدينة فقال أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي

وفي السنن عنه انه قال والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي

فمن جعل محبة أهل بيته أجرا له يوفيه إياه فقد اخطأ خطأ عظيما ولو كان أجرا له لم نثب عليه نحن لانا أعطيناه أجره الذي يستحقه بالرسالة فهل يقول مسلم مثل هذا

الوجه الثامن ان القربى معرفة باللام فلا بد ان يكون معروفا عند المخاطبين الذين أمر ان يقول لهم قل لا أسألكم عليه أجرا وقد ذكرنا أنها لما نزلت لم يكن قد خلق الحسن ولا الحسين ولا تزوج علي بفاطمة فالقربى التي كان المخاطبون يعرفونها يمتنع ان تكون هذه بخلاف القربى التي بينه وبينهم فإنها معروفة عندهم كما تقول لا أسألك إلا المودة في الرحم التي بيننا وكما تقول لا أسألك إلا العدل بيننا وبينكم ولا أسألك إلا ان تتقي الله في هذا الأمر

الوجه التاسع أنا نسلم أن عليا تجب مودته وموالاته بدون الاستدلال بهذه الآية لكن ليس في وجوب موالاته ومودته ما يوجب اختصاصه بالامامة ولا الفضيله بالفضيلة

وأما قوله والثلاثة لا تجب موالاتهم فممنوع بل يجب أيضا مودتهم وموالاتهم فإنه قد ثبت ان الله يحبهم ومن كان الله يحبه وجب علينا ان نحبه فإن الحب في الله والبغض في الله واجب وهو أوثق عرى الإيمان وكذلك هم من أكابر أولياء الله المتقين وقد أوجب الله موالاتهم بل قد ثبت ان الله رضي عنهم ورضوا عنه بنص القران وكل من رضي الله عنه فانه يحبه والله يحب المتقين والمحسنين والمقسطين والصابرين وهؤلاء أفضل من دخل في هذه النصوص من هذه الأمة بعد نبيها وفي الصحيحين عن النبي ﷺ انه قال مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ان اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر فهو اخبرنا المؤمنين يتوادون ويتعاطفون ويتراحمون وانهم في ذلك كالجسد ال وهؤلاء قد ثبت إيمانهم بالنصوص والإجماع كما قد ثبت إيمان علي ولا يمكن من قدح في إيمانهم يثبت إيمان علي بل كل طريق دل على إيمان علي فإنها على إيمانهم أدل والطريق التي يقدح بها فيهم يجاب عنها كما يجاب عن القدح في علي وأولى فان الرافضي الذي يقدح فيهم ويتعصب لعلي فهو منقطع الحجة كاليهود والنصارى الذين يريدون إثبات نبوة موسى وعيسى والقدح في نبوة محمد ﷺ

ولهذا لا يمكن الرافضي أن يقيم الحجة على النواصب الذين يبغضون عليا أو يقدحون في إيمانه من الخوارج وغيرهم فإنهم إذا قالوا له بأي شيء علمت أن عليا مؤمن أو ولي لله تعالى

فان قال بالنقل المتواتر بإسلامه وحسناته قيل له هذا النقل موجود في أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من أصحاب النبي ﷺ بل النقل المتواتر بحسنات هؤلاء السليمة عن المعارض أعظم من النقل المتواتر في مثل ذلك لعلي وإن قال بالقران الدال على إيمان علي قيل له القران إنما دل بأسماء عامة كقوله لقد رضي الله عن المؤمنين ونحو ذلك وأنت تخرج من ذلك أكابر الصحابة فإخراج واحد أسهل

وإن قال بالأحاديث الدالة على فضائله أو نزول القران فيه، قيل أحاديث أولئك أكثر واصح وقد قدحت فيهم

وقيل له تلك الأحاديث التي في فضائل علي إنما رواها الصحابة الذين قدحت فيهم فان كان القدح صحيحا بطل النقل وكان النقل صحيحا بطل القدح

وإن قال بنقل الشيعة أو تواترهم، قيل له الصحابة لم يكن فيهم من الرافضة أحد والرافضة تطعن في جميع الصحابة إلا نفرا قليلا بضعة عشر ومثل هذا قد يقال انهم قد تواطأوا على ما نقلوه فمن قدح في نقل الجمهور كيف يمكنه إثبات نقل نفر قليل وهذا مبسوط في موضعه

والمقصود ان قوله وغير علي من الثلاثة لا تجب مودته كلام باطل عند الجمهور بل مودة هؤلاء أوجب عند أهل السنة من مودة علي لان وجوب المودة على مقدار الفضل فكل من كان أفضل كانت مودته اكمل

وقد قال تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا قالوا يحبهم ويحببهم إلى عباده وهؤلاء أفضل من آمن وعمل صالحا من هذه الأمة بعد نبيها كما قال تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود إلى السورة

وفي الصحيحين عن النبي ﷺ انه سئل أي الناس احب إليك قال عائشة قيل فمن الرجال قال أبوها

وفي الصحيح أن عمر قال لأبي بكر رضي الله عنهما يوم السقيفة بل أنت سيدنا وخيرنا واحبنا إلى رسول الله ﷺ

وتصديق ذلك ما استفاض في الصحاح من غير وجه أن النبي ﷺ قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن مودة الإسلام فهذا يبين انه ليس في أهل الأرض أحق بمحبته ومودته من أبي بكر وما كان احب إلى رسول الله ﷺ فهو احب إلى الله وما كان احب إلى الله ورسوله فهو أحق ان يكون احب إلى المؤمنين الذين يحبون ما احبه الله ورسوله كما احب الله ورسوله والدلائل الدالة على انه أحق بالمودة كثيرة فضلا عن ان يقال ان المفضول تجب مودته وان الفاضل لا تجب مودته

وأما قوله إن مخالفته تنافي المودة وامتثال أوامره هو مودته فيكون واجب الطاعة وهو معنى الإمامة

فجوابه من وجوه أحدها ان كان المودة توجب الطاعة فقد وجبت مودة ذوى القربى فتجب طاعتهم فيجب ان تكون فاطمة أيضا إماما وان كان هذا باطلا فهذا مثله

الثاني ان المودة ليست مستلزمة للإمامة في حال وجوب المودة فليس من وجبت مودته كان إماما حينئذ بدليل ان الحسن والحسين تجب مودتهما قبل مصيرهما إمامين وعلي تجب مودته في زمن النبي ﷺ ولم يكن إماما بل تجب وان تأخرت إمامته إلى مقتل عثمان

الثالث ان وجوب المودة ان كان ملزوم الإمامة وانتفاء الملزوم يقتضي انتفاء اللازم فلا تجب المودة إلا من يكون إماما معصوما فحينئذ لا يود أحد آمن المؤمنين ولا يحبهم فلا تجب مودة أحد من المؤمنين ولا يحبهم فلا ولا محبته إذا لم يكونوا أئمة لا شيعة على ولا غيرهم وهذا خلاف الإجماع وخلاف ما علم بالاضطرار من دين الإسلام

الرابع ان قوله والمخالفة تنافى المودة، يقال متى كان ذلك واجب الطاعة أو مطلقا الثاني ممنوع وإلا لكان من أوجب على غيره شيئا لم يوجبه الله عليه أن خالفه فلا يكون محبا له فلا يكون مؤمن محبا لمؤمن حتى يعتقد وجوب طاعته وهذا معلوم الفسادأما والأول فيقال إذا لم تكن المخالفة قادحة في المودة إلا إذا كان واجب الطاعة فحينئذ يجب ان يعلم أولا وجوب الطاعة حتى تكون مخالفته قادحة في مودته فإذا ثبت وجوب الطاعة بمجرد وجوب المودة باطلا وكان ذلك دورا ممتنعا فانه لا يعلم ان المخالفة تقدح في المودة حتى يعلم وجوب الطاعة ولا يعلم وجوب الطاعة إلا إذا علم انه إمام ولا يعلم انه إمام حتى يعلم ان مخالفته تقدح في مودته

الخامس ان يقال المخالفة تقدح في المودة إذا أمر بطاعته أم لم يؤمروالثاني منتف ضرورة وأما الأول فإنا نعلم ان عليا لم يأمر الناس بطاعته في خلافة أبي بكر ان وعثمان السادس يقال هذا بعينه يقال في حق أبي بكر وعمر وعثمان فان مودتهم ومحبتهم وموالاتهم واجبة كما تقدم ومخالفتهم تقدح في ذلك

السابع الترجيح من هذا الحديث لان القوم دعوا الناس إلى ولايتهم وطاعتهم وادعوا الإمامة والله أوجب طاعتهم فمخالفتهم تقدح في مودتهم بل تقدح في محبة الله ورسوله ولا ريب ان الذي ابتدع الرفض لم يكن محبا لله ولرسوله بل كان عدوا لله

وهؤلاء القوم مع أهل السنة بمنزلة النصارى مع المسلمين فالنصارى يجعلون المسيح إلها ويجعلون إبراهيم وموسى ومحمدا اقل من الحواريين الذين كانوا مع عيسى وهؤلاء يجعلون عليا هو الإمام المعصوم أو هو النبي أو اله والخلفاء الأربعة أقل من مثل الاشتر النخعي وأمثاله الذين قاتلوا معه ولهذا كان جهلهم وظلمهم أعظم من ان يوصف ويتمسكون بالمنقولات المكذوبة والألفاظ المتشابهة والاقيسة الفاسدة ويدعون المنقولات الصادقة بل المتواترة والنصوص البينة والمعقولات الصريحة

فصل

قال الرافضي البرهان الثامن قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله قال الثعلبي ان رسول الله ﷺ لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار ان ينام على فراشه فقال له يا علي اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ونم على فراشي فانه لا يخلص إليك منهم مكروه ان شاء الله تعالى ففعل ذلك فأوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل أنى قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختاره كلامهماالحياه فأوحى الله إليها إلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد عليه الصلاة والسلام فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه فقال جبريل بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة فأنزل الله عز وجل على رسوله ﷺ وهو متوجه إلى المدينة في شان علي ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله وقال ابن عباس إنما نزلت في علي لما هرب النبي ﷺ من المشركين إلى الغار وهذه فضيلة لم تحصل لغيره تدل على أفضلية علي على جميع الصحابة فيكون هو الإمام

الجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا النقل ومجرد نقل الثعلبي وأمثاله لذلك بل روايتهم ليس بحجة باتفاق طوائف أهل السنة والشيعة لان هذا مرسل متأجر ولم يذكر إسناده وفي نقله من هذا الجنس للإسرائيليات والأسلاميات أمور أنها يعلم باطلة وأن كان هو لم يتعمد الكذب

ثانيها ان هذا الذي نقله من هذا الوجه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسيرة والمرجع إليهم في هذا الباب

الثالث ان النبي ﷺ لما هاجر هو وأبو بكر إلى المدينة لم يكن للقوم غرض في طلب علي وإنما كان مطلوبهم النبي ﷺ وأبا بكر وجعلوا في كل واحد منهما ديته لمن جاء به كما ثبت ذلك في الصحيح الذي لا يستريب أهل العلم في صحته وترك عليا في فراشه ليظنوا ان النبي ﷺ في البيت فلا يطلبوه فلما اصبحوا وجدوا عليا فظهرت خيبتهم ولم يؤذوا عليا بل سألوه عن النبي ﷺ فاخبرهم انه لا علم له به ولم يكن هناك خوف على علي من أحد وإنما كان الخوف على النبي ﷺ وصديقه ولو كان لهم في علي غرض لتعرضوا له لما وجدوه فلما لم يتعرضوا له دل على انهم لا غرض لهم فيه فأي فداء هنا بالنفس؟

والذي كان يفديه بنفسه بلا ريب ويقصد ان يدفع بنفسه عنه ويكون الضرر به دونه هو أبو بكر كان يذكر الطلبة فيكون خلفه ويذكر الرصد فيكون إمامه وكان يذهب فيكشف له الخبر وإذا كان هناك ما يخاف احب أن يكون به لا بالنبي ﷺ

وغير واحد من الصحابة قد فداه بنفسه في مواطن الحروب فمنهم من قتل بين يديه ومنهم من شلت يده كطلحة بن عبد الله وهذا واجب على المؤمنين كلهم فلو قدر انه كان هناك فداء بالنفس لكان هذا من الفضائل المشتركة بينه وبين غيره من الصحابة فكيف إذا لم يكن هناك خوف على علي

قال ابن إسحاق في السيرة مع انه من المتولين لعلي المائلين إليه وذكر خروج النبي ﷺ من منزله واستخلاف علي على فراشه ليلة مكر الكفار به قال فأتى جبريل النبي ﷺ

فقال له لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله ﷺ مقامهم قال لعلي نم على فراشي واتشح ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم وعن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له وفيهم أبو جهل فقال وهم على بابه أن محمدا يزعم أنكم أن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنات كجنات الأردن وأن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها قال وخرج رسول الله ﷺ عليهم فاخذ حفنة من تراب في يده ثم قال نعم أنا أقول ذلك أنت أحدهم واخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه ولم يبق منهم رجلا إلا وضع على رأسه ترأبا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فاتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا قالوا محمدا قال خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترأبا وانطلق لحاجته افما ترون ما بكم قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش مسجى ببرد رسول الله ﷺ فيقولون والله أن هذا لمحمد نائما عليه بردة فلم يبرحوا كذلك حتى اصبحوا فقام علي عن الفراش فقالوا والله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا وكان مما انزل الله من القران ذلك اليوم وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وقوله أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون وأذن الله لنبيه في الهجرة عند ذلك فهذا يبين أن القوم لم يكن لهم غرض في علي أصلا

وأيضا فان النبي ﷺ قد قال اتشح ببردي هذا الأخضر فنم فيه فانه لن يخلص إليك منهم رجل بشيء تكرهه. فوعده وهو الصادق انه لا يخلص إليه مكروه وكان طمأنينته بوعد الرسول ﷺ

الرابع أن هذا الحديث فيه من الدلائل على كذبه ما لا يخفى فان الملائكة لا يقال فيهم مثل هذا الباطل الذي لا يليق بهم وليس أحدهما جائعا فيؤثره الآخر بالطعام ولا هناك خوف فيؤثر أحدهما صاحبه بالآمن فكيف يقول الله لهما أيكما يؤثر صاحبه بالحياة ولا للمؤاخاة بين الملائكة أصل بل جبريل له عمل يختص به دون ميكائيل وميكائيل له عمل يختص به دون جبريل كما جاء في الآثار أن الوحي والنصر لجبريل وأن الرزق والمطر لميكائيل

ثم إن كان الله قضى بان عمر أحدهما أطول من الآخر فهو ما قضاه وان قضاه لواحد واراد منهما أن يتفقا على تعيين الأطول أو يؤثر به أحدهما الآخر وهما راضيان بذلك فلا كلام وأما أن كانا يكرهان ذلك فكيف يليق بحكمة الله ورحمته أن يحرش بينهما ويلقي بينهما العداوة ولو كان ذلك حقا تعالى الله عن ذلك ثم هذا القدر لو وقع مع انه باطل فكيف تأخر من حين خلقهما الله قبل آدم إلى حين الهجرة وإنما كان يكون ذلك لو كان عقب خلقهما

الخامس أن النبي ﷺ لم يؤاخ عليا ولا غيره بل كل ما روي في هذا فهو كذب وحديث المؤاخاة الذي يروى في ذلك مع ضعفه وبطلانه إنما فيه مؤاخاته له في المدينة هكذا رواه الترمذي فأما بمكة فمؤاخاته له باطلة على التقديرين

وأيضا فقد عرف انه لم يكن فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة باتفاق علماء النقل

السادس أن هبوط جبريل وميكائيل لحفظ واحد من الناس من أعظم المنكرات فان الله يحفظ من شاء من خلقه دون هذا وإنما روي هبوطهما يوم بدر للقتال وفي مثل تلك الأمور العظام ولو نزلا لحفظ واحد من الناس النزلا لحفظ النبي ﷺ وصديقه اللذين كان الأعداء يطلبانهما من كل وجه وقد بذلوا في كل واحد منهما ديته وهم عليهما غلاظ شداد سود الكباد

السابع أن هذه الآية في سورة البقرة وهي مدنية بلا خلاف وإنما نزلت بعد هجرة النبي ﷺ إلى المدينة لم تنزل وقت هجرته وقد قيل أنها نزلت لما هاجر صهيب وطلبه المشركون فأعطاهم ماله وأتى المدينة فقال النبي ﷺ ربح البيع أبا يحيى

وهذه القصة مشهورة في التفسير نقلها غير واحد

وهذا ممكن فان صهيبا هاجر من مكة إلى المدينة قال ابن جرير اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فيه ومن عني بها فقال بعضهم نزلت في المهاجرين والأنصار وعني بها المجاهدون في سبيل الله وذكر بإسناده هذا القول وعن قتادة وقال بعضهم نزلت في قوم بأعيانها وروى عن القاسم قال حدثنا الحسين حدثنا حجاج حدثنا ابن جريح عن عكرمة قال نزلت في صهيب وأبي ذر جندب اخذ أهل أبي ذر أبا ذر فانفلت منهم فقدم على النبي ﷺ فلما رجع مهاجرا عرضوا له وكانوا بمر الطهران فانفلت أيضا حتى قدم عليه وأما صهيب فاخذ أهله فافتدى منهم بماله ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان فخرج له مما بقي من ماله فخلى سبيله

وقال آخرون عني بذلك كل شار نفسه في طاعة الله وجهاد في سبيل الله وأمر بمعروف

ونسب هذا القول إلى عمر بل وابن عباس وأن صهيبا كان سبب النزول

الثامن أن لفظ الآية مطلق ليس فيه تخصيص فكل من باع نفسه ابتغاء مرضات الله فقد دخل فيها وأحق من دخل فيها النبي وصديقه فانهما شريا نفسهما ابتغاء مرضات الله وهاجرا في سبيل الله والعدو يطلبهما من كل وجه

التاسع أن قوله هذه فضيلة لم تحصل لغيره فدل على أفضليته فيكون هو الإمام

فيقال لا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر قي الهجرة لم تحصل لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع فتكون هذه الأفضلية ثابتة له دون عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة فيكون هو الإمام

فهذا هو الدليل الصدق الذي لا كذب فيه يقول الله إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا

ومثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قطعا بخلاف الوقاية بالنفس فإنها لو كانت صحيحة فغير واحد من الصحابة وقى النبي ﷺ بنفسه وهذا واجب على كل مؤمن ليس من الفضائل المختصة بالأكابر من الصحابة

والأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات يبين ذلك انه لم ينقل أحد أن عليا أوذي في مبيته على فراش النبي وقد أوذي غيره في وقايتهم النبي ﷺ تارة بالضرب وتارة بالجرح وتارة بالقتل فمن فداه وأوذي أعظم ممن فداه ولم يؤذ

وقد قال العلماء ما صح لعلي من الفضائل فهي مشتركة شاركه فيها غيره بخلاف الصديق فان كثيرا من فضائله وأكثرها خصائص له لا يشركه فيها غيره وهذا مبسوط في موضعه

فصل

قال الرافضي البرهان التاسع قوله تعالى فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين نقل الجمهور كافة أن أبناءنا إشارة إلى الحسن والحسين ونساءنا إشارة إلى فاطمة وأنفسنا إشارة إلى على وهذه الآية دليل على ثبوت الإمامة لعلى لأنه تعالى قد جعل نفس رسول الله ﷺ والاتحاد محال فيبقى المراد بالمساواة له الولاية وأيضا لو كان غير هؤلاء مساويا لهم وأفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه لأنه في موضع الحاجة وإذا كانوا هم الأفضل تعينت الإمامة فيهم وهل تخفى دلالة هذه الآية على المطلوب إلا على من استحوذ الشيطان عليه واخذ بمجامع قلبه وحببت إليه الدنيا التي لا ينالها إلا بمنع أهل الحق من حقهم

والجواب أن يقال أما أخذه عليا وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة فحديث صحيح رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال في حديث طويل لما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم دعا رسول الله ﷺ عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي

ولكن لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية

وقوله قد جعله الله نفس رسول الله ﷺ والاتحاد محال فبقى المساواة له وله الولاية العامة فكذا المساوية قلنا لا نسلم انه لم يبق إلا المساواة ولا دليل على ذلك بل حمله على ذلك ممتنع لان أحدا لا يساوي رسول الله ﷺ لا عليا ولا غيره

وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة قال تعالى في قصة الإفك لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ولم يوجب ذلك أن يكون المؤمنون والمؤمنات متساوين وقد قال الله تعالى في قصة بني إسرائيل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم أي يقتل بعضكم بعضا ولم يوجب ذلك أن يكونوا متساوين ولا أن يكون من عبد العجل مساويا لمن لم يعبده وكذلك قد قيل في قوله ولا تقتلوا أنفسكم أي لا يقتل بعضكم بعضا وان كانوا غير متساوين

وقال تعالى ولا تلمزوا أنفسكم أي لا يلمز بعضكم بعضا فيطعن عليه ويعيبه وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن والعيب مع انهم غير متساوين لا في الأحكام ولا في الفضيلة ولا الظالم كالمظلوم ولا الإمام كالمأموم

ومن هذا الباب قوله تعالى ثم انتم هؤلاء تقتلون وأنفسكم أي يقتل بعضكم بعضا وإذا كان اللفظ وأنفسنا كأنفسكم كاللفظ في قوله ولا تلمزوا أنفسكم وقوله تعالى لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ونحو ذلك مع أن التساوي هنا ليس بواجب بل ممتنع فكذلك هناك واشد بل هذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة والتجانس والمشابهة يكون بالاشتراك في بعض الأمور كالاشتراك في الإيمان فالمؤمنون اخوة في الإيمان وهو المراد بقوله لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقوله ولا تلمزوا أنفسكم وقد يكون الاشتراك في الدين وان كان فيهم المنافق كاشتراك المسلمين في الإسلام الظاهر وان كان مع ذلك الاشتراك في النسب فهو أوكد وقوم موسى كانوا أنفسنا بهذا الاعتبار

قوله تعالى تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم أي رجالنا ورجالكم أي الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب والرجال الذين هم من جنسكم أو المراد التجانس في القرابة فقط لأنه قال أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم فذكر الأولاد وذكر والنساء والرجال فعلم انه أراد الأقربين إلينا من الذكور والإناث من الأولاد والعصبة

ولهذا دعا الحسن والحسين من الأبناء ودعا فاطمة من النساء ودعا عليا من رجاله ولم يكن عنده أحد أقرب إليه نسبا من هؤلاء وهم الذين أدار عليهم الكساء والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه وإلا فلو بأهلهم بالابعدين في النسب وان كانوا أفضل عند الله لم يحصل المقصود فان المراد انهم يدعون الأقربين كما يدعوا هو الأقرب إليه

والنفوس تحنوا على أقاربها مالا تحنوا على غيرهم وكانوا يعلمون انه رسول الله ﷺ ويعلمون انهم أن باهلوه نزلت البهلة عليهم وعلى أقاربهم واجتمع خوفهم على أنفسهم وعلى أقاربهم فكان ذلك أبلغ في امتناعهم وإلا فالإنسان قد يختار أن يهلك ويحيا ابنه والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقى أقاربه في نعمة ومال وهذا موجود كثير

فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال والأقربين من الجانبين فلهذا دعا هؤلاء

وآية المباهلة نزلت سنة عشر لما قدم وفد نجران ولم يكن النبي ﷺ قد بقي من أعمامه إلا العباس والعباس لم يكن من السابقين الأولين ولا كان له به اختصاص كعلي وأما بنو عمه فلم يكن فيهم مثل علي وكان جعفر قد قتل قبل ذلك فان المباهلة كانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر وجعفر قتل بمؤتة سنة ثمان فتعين علي رضي الله عنه وكونه تعين للمباهلة إذ ليس في الأقارب من يقوم مقامه لا يوجب أن يكون مساويا للنبي ﷺ في شيء من الأشياء بل ولا أن يكون أفضل من سائر الصحابة مطلقا بل له بالمباهلة نوع فضيلة، وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين ليست من خصائص الإمامة فان خصائص الإمامة لا تثبت للنساء ولا يقتضي أن يكون من بأهل به أفضل من جميع الصحابة كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة

وأما قول الرافضي لو كان غير هؤلاء مساويا لهم أو أفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه لأنه في موضع الحاجة

فيقال في الجواب لم يكن المقصود إجابة الدعاء فان دعاء النبي ﷺ وحده كاف ولو كان المراد بمن يدعوه معه أن يستجاب دعاؤه لدعا المؤمنين كلهم ودعا بهم كما كان يستسقى بهم وكما كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وكان يقول وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم

ومن المعلوم أن هؤلاء وان كانوا مجابين فكثرة الدعاء ابلغ في الإجابة لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل ونحن نعلم بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وسلم لو دعا أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم للمباهلة لكانوا من أعظم الناس استجابة لأمره وكان دعاء هؤلاء وغيرهم ابلغ في إجابة الدعاء لكن لم يأمره الله سبحانه بأخذهم معه لان ذلك لا يحصل به المقصود

فان المقصود أن أولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعا كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الذين هم أقرب الناس إليهم فلو دعا النبي ﷺ قوما أجانب لأتى أولئك بأجانب ولم يكن يشتد عليه نزول البهلة بأولئك الأجانب كما يشتد عليهم نزولها بالأقربين إليهم فان طبع البشر يخاف على أقربيه مالا يخاف على الأجانب فأمر النبي ﷺ أن يدعوا قرابته وأن يدعوا أولئك قرابتهم

والناس عند المقابلة تقوا كل طائفة للأخرى ارهنوا عندنا أبناءكم ونساءكم فلو رهنت إحدى الطائفتين أجنبيا لم يرض أولئك كما أنه لو دعا النبيي الأجانب لم يرض أولئك المقابلون له ولا يلزم أن يكون أهل الرجل أفضل عند الله إذا قابل بهم لمن يقابله بأهله فقد تبين أن الآية لا دلالة فيها أصلا على مطلوب الرافضي لكنه وأمثاله ممن في قلبه زيغ كالنصارى الذين يتعلقون بالألفاظ المجملة ويدعون النصوص الصريحة ثم قدحه في خيار الأمة بزعمه الكاذب حيث زعم أن المراد بالأنفس المساوون وهو خلاف المستعمل في لغة العرب

ومما يبين ذلك أن قوله نساءنا لا يختص بفاطمة بل من دعاه من بناته كانت بمنزلتها في ذلك لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلا فاطمة فإن رقية وأم كلثوم وزينب كن قد توفين قبل ذلك

فكذلك أنفسنا ليس مختصا بعلي بل هذه صيغة جمع كما انه صيغة جمع وكذلك أبناءنا صيغة جمع وإنما دعا حسنا وحسينا لأنه لم يكن ممن ينسب إليه بالبنوة سواهما فان إبراهيم أن كان موجودا إذ ذاك فهو طفل لا يدعى فان إبراهيم هو ابن مارية القبطية التي أهداها له المقوقس صاحب مصر وأهدى له البغلة ومارية وسيرين فأعطى سيرين لحسان بن ثابت وتسرى مارية فولدت له إبراهيم وعاش بضعة عشر شهرا ومات فقال النبي ﷺ أن له مرضعا في الجنة تتم إرضاعه

وكان إهداء المقوقس بعد الحديبية بل بعد حنين 

==========

 

فصل

قال الرافضي البرهان العاشر قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن ابن عباس قال سئل النبي ﷺ عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين أن يتوب عليه فتاب عليه وهذه فضيلة لم يلحقه أحد من الصحابة فيها فيكون هو الإمام لمساواته النبي ﷺ في التوسل به إلى الله تعالى

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا النقل فقد عرف أن مجرد رواية ابن المغازلي لا يسوغ الاحتجاج بها باتفاق أهل العلم

الثاني أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم وذكره أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات عن طريق الدار قطني فان له كتبا في الأفراد والغرائب قال الدار قطني تفرد به عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي المقدام لم يروه عنه غير حسن الأشقر قال يحيى بن معين عمرو بن ثابت ليس ثقة ولا مأمونا وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات

الثالث إن الكلمات التي تلقاها آدم قد جاءت مفسرة في قوله تعالى ربنا ظلمنا أنفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين وقد روي عن السلف هذا وما يشبهه وليس في شيء من النقل الثابت عنهم ما ذكره من القسم

الرابع انه معلوم بالاضطرار أن من هو دون آدم من الكفار والفساق إذا تاب أحدهم إلى الله تاب الله عليه وأن لم يقسم عليه بأحد فكيف يحتاج آدم في توبته إلى ما لا يحتاج إليه أحد من المذنبين لا مؤمن ولا كافر وطائفة قد رووا انه توسل بالنبي ﷺ حتى قبل توبته وهذا كذب وروي عن مالك في ذلك حكاية في خطابه للمنصور وهو كذب على مالك وإن كان ذكرها القاضي عياض في الشفا

الخامس أن النبي ﷺ لم يأمر أحدا بالتوبة بمثل هذا الدعاء بل ولا أمر أحدا بمثل هذا الدعاء في توبة ولا غيرها بل ولا شرع لامته أن يقسموا على الله بمخلوق ولو كان هذا الدعاء مشروعا لشرعه لامته

السادس أن الأقسام على الله بالملائكة والأنبياء أمر لم يرد به كتاب ولا سنة بل قد نص غير واحد من أهل العلم كأبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما على انه لا يجوز أن يقسم على الله بمخلوق وقد بسطنا الكلام على ذلك

السابع أن هذا لو كان مشروعا فآدم نبي كريم كيف يقسم على الله بمن هو اكرم عليه منه ولا ريب أن نبينا ﷺ أفضل من آدم لكن آدم أفضل من علي وفاطمة وحسن وحسين

الثامن أن يقال هذه ليست من خصائص الأئمة فأنها قد ثبتت لفاطمة وخصائص الأئمة لا تثبت للنساء وما لم يكن من خصائصهم لم يستلزم الإمأمةفان دليل الإمأمةلا بد أن يكون ملزوما لها يلزم من وجوده استحقاقها فلو كان هذا دليلا على الإمأمة لكان من يتصف به يستحقها والمرأة لا تكون إماما بالنص والإجماع

فصل

قال الرافضي البرهان الحادي عشر قوله تعالى إني جاعلك للناس إماما ومن ذريتي روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي عن ابن مسعود قال قال النبي ﷺ انتهت الدعوة إلى وإلى علي لم يسجد أحدنا لصنم قط فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا وهذا نص في الباب

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا كما تقدم

الثاني أن هذا الحديث كذب موضوع بإجماع أهل العلم بالحديث

الثالث أن قوله انتهت الدعوة إلينا كلام لا يجوز أن ينسب إلى النبي ﷺ فانه إن أريد أنها لم تصب من قبلنا كان ممتنعا لأن الأنبياء من ذرية إبراهيم دخلوا في الدعوة

قال تعالى ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وقال تعالى وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل

وقال عن بني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون

وقال نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض فهذه عدة نصوص من القران في جعل الله أئمة من ذرية إبراهيم قبل امتنا

وإن أريد انتهت الدعوة إلينا انه لا إمام بعدنا لزم أن إلا يكون الحسن والحسين ولا غيرهما أئمة وهو باطل بالإجماع ثم التعليل بكونه لم يسجد لصنم هو علة موجودة في سائر المسلمين بعدهم

الوجه الرابع أن كون الشخص لم يسجد لصنم فضيلة يشاركه فيها جميع من ولد على الإسلام مع أن السابقين الأولين أفضل منه فكيف يجعل المفضول مستحقا لهذه المرتبة دون الفاضل

الخامس انه لو قيل انه لم يسجد لصنم لأنه اسلم قبل البلوغ فلم يسجد بعد إسلامه فهكذا كل مسام والصبي غير مكلف وإن قيل انه لم يسجد قبل إسلامه فهذا النفي غير معلوم ولا قائله ممن يوثق به ويقال ليس كل من لم يكفر أو من لم يأت بكبيرة أفضل ممن تاب عنها مطلقا بل قد يكون التائب من الكفر والفسوق أفضل ممن لم يكفر ولم يفسق كما دل على ذلك الكتاب العزيز فان الله فضل الذين أنفقوا من فبل الفتح وقاتلوا على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وأولئك كلهم اسلموا بعد الكفر وهؤلاء فيهم من ولد على الإسلام وفضل السابقين الأولين على التابعين لهم بإحسان وأولئك آمنوا بعد الكفر وأكثر التابعين ولدوا على الإسلام

وقد ذكر الله في القران أن لوطا آمن لإبراهيم وبعثه الله نبيا وقال شعيب قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وقال تعالى وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا

وقد اخبر الله عن اخوة يوسف بما اخبر ثم نباهم بعد توبتهم وهم الأسباط الذين امرنا أن نؤمن بما أوتوا في سورة البقرة وآل عمران والنساء وإذا كان في هؤلاء من صار نبيا فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم وهذا مما تنازع فيه الرافضة وغيرهم ويقولون من صدر منه ذنب لا يصير نبيا والنزاع فيمن اسلم أعظم لكن الاعتبار بما دل عليه الكتاب والسنة والذين منعوا من هذا عمدتهم أن التائب من الذنب يكون ناقصا مذموما لا يستحق النبوة ولو صار من أعظم الناس طاعة وهذا هو الأصل الذي نوزعوا فيه والكتاب والسنة والإجماع يدل على بطلان قولهم فيه

فصل

قال الرافضي البرهان الثاني عشر قوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا روى الحافظ أبو نعيم الاصبهاني بإسناده إلى ابن عباس قال نزلت في علي والود محبة في القلوب المؤمنة وفي تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب قال قال رسول الله ﷺ يا لعلي قل اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في صدور المؤمنين مودة فانزل الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ولم يثبت لغيره ذلك فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها انه لا بد من إقأمةالدليل على صحة المنقول إلا فالاستدلال بما لا تثبت مقدماته باطل بالاتفاق وهو من القول بلا علم ومن قفو الإنسان بما ليس له به علم ومن المحاجة بغير علم والعزو المذكور لا يفيد الثبوت باتفاق أهل السنة والشيعة

الوجه الثاني أن هذين الحديثين من الكذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث

الثالث أن قوله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات عام في جميع المؤمنين فلا يجوز تخصيصها بعلي بل هي متناولة لعلي وغيره والدليل عليه أن الحسن والحسين وغيرهما من المؤمنين الذين تعظمهم الشيعة داخلون في الآية فعلم بذلك الإجماع على عدم اختصاصها بعلي

وأما قوله ولم يثبت مثل ذلك لغيره من الصحابة فممنوع كما تقدم فانهم خير القرون فالذين آمنوا وعملوا الصالحات فيهم أفضل منهم في سائر القرون وهم بالنسبة إليهم أكثر منهم في كل قرن بالنسبة إليه

الرابع أن الله قد اخبر انه سيجعل للذين آمنوا وعملوا الصالحات ودا وهذا وعد منه صادق ومعلوم أن الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم لا سيما الخلفاء رضي الله عنهم لا سيما أبو بكر وعمر فان عأمةالصحابة والتابعين كانوا يودونهما وكانوا خير القرون

ولم يكن كذلك علي فان كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما قد ابغضهما وسبهما الرافضة والنصيرية والغالية والإسماعيلية لكن معلوم أن الذين احبوا دينك أفضل وأكثر وأن الذين ابغضوهما ابعد عن الإسلام واقل بخلاف علي فان الذين ابغضوه وقاتلوه هم خير من الذين ابغضوا أبا بكر وعمر بل شيعة عثمان الذين يحبونه ويبغضون عليا وان كانوا مبتدعين ظالمين فشيعة علي الذين يحبونه ويبغضون عثمان انقص منهم علما ودينا وأكثر جهلا وظلما

فعلم أن المودة التي جعلت للثلاثة أعظم

وإذا قيل علي قد ادعيت فيه الاهية والنبوة

قيل قد كفرته الخوارج كلها وأبغضته المر وانية وهؤلاء خير من الرافضة الذين يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فضلا عن الغالية

فصل

قال الرافضي البرهان الثالث عشر قوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد من كتاب الفردوس عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ أنا المنذر وعلي الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون ونحوه رواه أبو نعيم وهو صريح في ثبوت الولاية والإمأمة

والجواب من وجوه وأحدها أن هذا لم يقم دليل على صحته فلا يجوز الاحتجاج به وكتاب الفردوس للديلمي فيه موضوعات كثيرة اجمع أهل العلم على أن مجرد كونه رواه لا يدل على صحة الحديث وكذلك رواية أبي نعيم لا تدل على الصحة

الثاني أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث فيجب تكذيبه ورده

الثالث أن هذا الكلام لا يجوز نسبته إلى النبي ﷺ فان قوله أنا المنذر وبك يا علي يهتدى المهتدون ظاهره انهم بك يهتدون دوني وهذا لا يقوله مسلم فان ظاهره أن النذارة والهداية مقسومة بينهما فهذا نذير لا يهتدي به وهذا هاد وهذا لا يقوله مسلم

الرابع أن الله تعالى قد جعل محمدا هاديا فقال وانك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله فكيف يجعل الهادي من لم يوصف بذلك دون من وصف به

الخامس أن قوله بك يهتدي المهتدون ظاهره أن كل من اهتدى من أمةمحمد فبه اهتدى وهذا كذب بين فانه قد آمن بالنبي ﷺ خلق كثير واهتدوا به ودخلوا الجنة ولم يسمعوا من علي كلمة واحدة وأكثر الذين آمنوا بالنبي ﷺ واهتدوا به لم يهتدوا بعلي في شيء وكذلك لما فتحت الأمصار وآمن واهتدى الناس بمن سكنها من الصحابة وغيرهم كان جماهير المؤمنين لم يسمعوا من علي شيئا فكيف يجوز أن يقال بك يهتدي المهتدون

السادس انه قد قيل معناه إنما أنت نذير ولكل قوم هاد وهو الله تعالى وهو قول ضعيف وكذلك قول من قال أنت نذير وهاد لكل قوم قول ضعيف والصحيح أن معناها إنما أنت نذير كما أرسل من قبلك نذير ولكل أمةنذير يهديهم أن يدعوهم كما في قوله وإن من أمةإلا خلا فيها نذير وهذا قول جماعة من المفسرين مثل قتادة وعكرمة وأبي الضحى وعبد الرحمن بن زيد قال ابن جرير الطبري حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن السدي عن عكرمة ومنصور عن أبي الضحى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قالا محمد هو المنذر وهو الهادي

حدثنا يونس حدثنا ابن وهب قال قال ابن زيد لكل قوم نبي الهادي النبي والمنذر النبي أيضا وقرأ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير وقرا نذير من النذر الأولى قال نبي من الأنبياء

حدثنا بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان عن ليث عن مجاهد قال المنذر محمد ولكل قوم هاد قال نبي

وقوله يوم ندعوا كل أناس بإمامهم إذ الإمام هو الذي يؤتم به أي يقتدي به وقد قيل أن المراد به هو الله الذي يهديهم والأول اصح

وأما تفسيره بعلي فانه باطل لأنه قال ولكل قوم هاد وهذا يقتضي أن يكون هادي هؤلاء غيرها دي هؤلاء فيتعدد الهداة فكيف يجعل علي هاديا لكل قوم من الأولين والآخرين

السابع أن الاهتداء بالشخص قد يكون بغير تاميره عليهم كما يهتدي بالعالم وكما جاء في الحديث الذي فيه أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم

فليس هذا صريحا في أن الإمامة كما زعمه هذا المفتري

الثامن أن قوله لكل قوم هاد نكرة في سياق الإثبات وهذا لا يدل على معين فدعوى دلالة القران على علي باطل والاحتجاج بالحديث ليس احتجاجا بالقرآن مع انه باطل

التاسع أن قوله كل قوم صيغة عموم ولو أريد أن هاديا واحدا للجميع لقيل لجميع الناس هاد لا يقال لكل قوم فان هؤلاء القوم غير هؤلاء القوم وهو لم يقل لجميع القوم ولا يقال ذلك بل أضاف كلا إلى نكرة لم يضفه إلى معرفة كما في قولك كل الناس يعلم أن هنا قوما وقوما متعددين وأن كل قوم لهم هاد ليس هو هادي الآخرين وهذا يبطل قول من يقول أن الهادي هو الله تعالى ودلالته على بطلان قول من يقول هو علي اظهر

فصل

قال الرافضي البرهان الرابع عشر قوله تعالى قفوهم انهم مسؤولون من طريق أبي نعيم عن الشعبي عن ابن عباس قال في قوله تعالى وقفوهم انهم مسئولون عن ولآية علي وكذا في كتاب الفردوس عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ وإذا سئلوا عن الولاية وجب ان تكون ثابتة له ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل والعزو إلى الفردوس وإلى أبي نعيم لا تقوم به حجة باتفاق أهل العلم

الثاني أن هذا كذب موضوع بالاتفاق

الثالث أن الله تعالى قال بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون وقالوا إن هذا إلا سحر مبين أإذا متنا وكنا ترأبا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل نعم وانتم دآخرون فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم انهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون واقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن أليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فانهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين انهم كانوا إذا قيل لهم لا اله إلاالله يستكبرون ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين

فهذا خطاب عن المشركين المكذبين بيوم الدين وهؤلاء يسألون عن توحيد الله والأيمان برسله واليوم الآخر وأي مدخل لحب علي في سؤال هؤلاء تراهم لو أحبوه مع هذا الكفر والشرك أكان ذلك ينفعهم أو تراهم لو ابغضوه أين كان بغضهم له في بغضهم لأنبياء الله ولكتابه ودينه

وما يفسر القران بهذا ويقول النبي ﷺ فسره بمثل هذا إلا زنديق ملحد متلاعب بالدين قادح في دين الإسلام أو مفرط في الجهل لا يدري ما يقول وأي فرق بين حب علي وطلحة والزبير وسعد وأبي بكر وعمر وعثمان

ولو قال قائل انهم مسئولون عن حب أبي بكر لم يكن قوله ابعد من قول من قال عن حب علي ولا في الآية ما يدل على أن ذلك القول ارجح بل دلالتها على ثبوتهما وانتفائهما سواء والأدلة الدالة على وجوب حب أبي بكر أقوى

الرابع أن قوله مسئولون لفظ مطلق لم يوصل به ضمير يخصه بشيء وليس في السياق ما يقتضي ذكر حب علي فدعوى المدعي دلالة اللفظ على سؤالهم عن حب علي من أعظم الكذب والبهتان

الخامس انه لو ادعى مدع انهم مسئولون عن حب أبي بكر وعمر لم يكن إبطال ذلك بوجه إلا وإبطال السؤال عن حب علي أقوى واظهر

فصل

قال الرافضي البرهان الخامس عشر قوله تعالى ولتعرفنهم في لحن القول روى أبو نعيم بإسناده عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى ولتعرفنهم في لحن القول قال ببغضهم عليا ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك فيكون أفضل منهم فيكون هو الإمام

والجواب المطالبة بصحة النقل أولا

والثاني أن هذا من الكذب على أبي سعيد عند أهل المعرفة بالحديث

الثالث أن يقال لو ثبت انه قاله فمجرد قول أبي سعيد قول واحد من الصحابة وقول الصاحب إذا خالفه صاحب آخر ليس بحجة باتفاق أهل العلم وقد علم قدح كثير من الصحابة في علي وإنما احتج عليهم بالكتاب والسنة لا بقول آخر من الصحابة

الرابع إنا نعلم بالاضطرار أن عأمةالمنافقين لم يكن ما يعرفون به من لحن القول هو بغض علي فتفسير القران بهذا فرية ظاهرة

الخامس أن عليا لم يكن أعظم معاداة للكفار والمنافقين من عمر بل ولا نعرف انهم كانوا يتأذون منه كما يتأذون من عمر بل ولا نعرف انهم كانوا يتأذون منه إلا وكان بغضهم لعمر اشد

السادس انه في الصحيح عن النبي ﷺ انه قال آية الأيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار

وقال: لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر، فكان معرفة المنافقين في لحنهم ببغض الأنصار أولى

فان هذه الأحاديث اصح مما يروى عن علي انه قال انه لعهد النبي الأمي إلي انه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني لا منافق فان هذا من أفراد مسلم وهو من رواية عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي والبخاري عن هذا الحديث بخلاف أحاديث الأنصار فإنها مما اتفق عليه أهل الصحيح كلهم البخاري غيره وأهل العلم يعلمون يقينا أن النبي قاله وحديث علي قد شك فيه بعضهم

السابع أن علامات النفاق كثيرة كما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ انه قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان

فهذه علامات ظاهرة فعلم أن علامات النفاق لا تختص بحب شخص أو طائفة ولا بغضهم إن كان ذلك من العلامات ولا ريب أن من حب عليا لله بما يستحقه من المحبة لله فذلك من الدليل على أيمانه وكذلك من احب الأنصار لأنهم نصروا الله ورسوله فذلك من علامات أيمانه ومن ابغض عليا والأنصار لما فيهم من الأيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله فهو منافق

وأما من احب الأنصار أو عليا أو غيرهم لأمر طبيعي مثل قرابة بينهما فهو كمحبة أبي طالب للنبي وذلك لا ينفعه عند الله ومن غلا في الأنصار أو في علي أو في المسيح أو في نبي فاحبه واعتقد فيه فوق مرتبته فانه لم يحبه في الحقيقة إنما احب مالا وجود له كحب النصارى للمسيح فان المسيح أفضل من علي

وهذه المحبة لا تنفعهم فإنه إنما ينفع الحب لله لا الحب مع الله

قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حبا لله

ومن قدر انه سمع عن بعض الأنصار أمرا يوجب بغضه فابغضه لذلك كان ضالا مخطئا ولم يكن منافقا بذلك وكذلك من اعتقد في بعض الصحابة اعتقادا غير مطابق وظن فيه انه كان كافرا أو فاسقا فابغضه لذلك كان جاهلا ظالما ولم يكن منافقا

وهذا مما يبين به كذب ما يروى عن بعض الصحابة كجابر انه قال ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي ﷺ إلا ببغضهم علي بن أبي طالب فان هذا النفي من اظهر الأمور كذبا لا يخفى بطلان هذا النفي على آحاد الناس فضلا عن أن يخفى مثل ذلك على جابر أو نحوه

فان الله قد ذكر في سورة التوبة وغيرها من علامات المنافقين وصفاتهم أمورا متعددة ليس في شيء منها بغض علي

كقوله ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني إلا في الفتنة سقطوا

وقوله ومنهم من يلمزك في الصدقات فان أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون

وقوله ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله

وقوله ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين إلى قوله وبما كانوا يكذبون إلى أمثال ذلك من الصفات التي يصف بها المنافقين وذكر علاماتهم وذكر الأسباب الموجبة للنفاق

وكل ما كان موجبا للنفاق فهو دليل عليه وعلامة له فكيف يجوز لعاقل أن يقول لم يكن للمنافقين علامة يعرفون بها غير بغض علي وقد كان من علامتهم التخلف عن الجماعة كما في الصحيح عن ابن مسعود انه قال أيها الناس حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وان الله شرع لنبيه سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رايتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف

وعامة علا مات النفاق وأسبابه ليست في أحد من أصناف الأمة اظهر منها في الرافضة حتى يوجد فيهم من النفاق الغليظ الظاهر ما لا يوجد في غيرهم وشعار دينهم التقية التي هي أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه وهذا علامة النفاق

كما قال الله تعالى وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبأذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ اقرب منهم للأيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون

وقال تعالى يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا

وقال تعالى في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وفيها قراءتان يكذبون ويكذبون

وفي الجملة فعلامات النفاق مثل الكذب والخيانة وإخلاف الوعد والغدر لا يوجد في طائفة أكثر منها في الرافضة وهذا من صفاتهم القديمة حتى انهم كانوا يغدرون بعلي والحسن والحسين

وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ انه قال أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وهذا لبسطه موضوع آخر

والمقصود هنا أنه يمتنع أن يقال لا علامة للنفاق إلا بغض على ولا يقول هذا أحد من الصحابة لكن الذي قد يقال أن بغضه من علا مات النفاق كما في الحديث المرفوع لا يبغضني إلا منافق فهذا يمكن توجيهه فانه من علم ما قام به على رضى الله عنه من الأيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ثم ابغضه على ذلك فهو منافق ونفاق من يبغض الأنصار اظهر فان الأنصار قبيلة عظيمة لهم مدينة وهم الذين تبؤاالدار الدار والأيمان من قبل المهاجرين وبالهجرة إلى دارهم عز الأيمان واستظهر أهله وكان لهم من نصر الله ورسوله ما لم يكن لأهل مدينة غيرهم ولا لقبيلة سواهم فلا يبغضهم إلا منافق ومع هذا فليسوا بأفضل من المهاجرين بل المهاجرون أفضل منهم فعلم انه لا يلزم من كون بغض الشخص من علامات النفاق أن يكون أفضل من غيره ولا يشك من عرف أحوال الصحابة أن عمر كان اشد عداوة للكفار والمنافقين من على وان تأثيره في نصر الإسلام وإعزازه وإذلال الكفار والمنافقين أعظم من تأثير على وان الكفار والمنافقين أعداء الرسول يبغضونه أعظم مما يبغضون علي ولهذا كان الذي قتل عمر كافرا يبغض دين الإسلام ويبغض الرسول وأمته فقتله بغضا للرسول ودينه وأمته والذي قتل عليا كان يصلى ويصوم ويقرأ القران وقتله معتقدا أن الله ورسوله يحب قتل على وفعل ذلك محبة لله ورسول في زعمه وان كان في ذلك مبتدعا ضالا والمقصود أن النفاق في بغض عمر اظهر منه في بغض علي ولهذا لما كان الرافضة من أعظم الطوائف نفاقا كانوا يسمون عمر فرعون الأمة وكانوا يوالون أبا لؤلؤة قاتله الله الذي هو من اكفر الخلق وأعظمهم عداوة لله ولرسوله فصل قال الرافضي البرهان السادس عشر قوله تعالى والسابقون السابقون أولئك المقربون روى أبو نعيم عن ابن عباس في هذه الآية سابق هذه الأمة علي بن أبي طالب روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي عن مجاهد عن ابن عباس في قوله والسابقون السابقون قال سبق يوشع بن نون إلى موسى وسبق موسى إلى هارون وسبق صاحب يس إلى عيسى وسبق على إلى محمد ﷺ وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة فيكون هو الإمام والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل فان الكذب كثير فيما يرويه هذا وهذا

الثاني أن هذا باطل عن ابن عباس ولو صح عنه لم يكن حجة إذا خالفه من هو أقوى منه

الثالث أن الله يقول والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار

وقال تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله الآية

والسابقون الأولون هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا الذين هم أفضل ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل ودخل فيهم أهل بيعة الرضوان وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة فكيف يقال أن سابق هذه الأمة واحد الرابع قوله وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة ممنوع فان الناس متنازعون في أول من اسلم فقيل أبو بكر أول من اسلم فهو اسبق إسلاما من على وقيل أن عليا أسلم قبله لكن علي كان صغيرا وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء ولا نزاع في أن إسلام أبي بكر أكمل وانفع فيكون هو أكمل سبقا بالاتفاق واسبق على الإطلاق على القول الآخر فكيف يقال على اسبق منه بلا حجة تدل على ذلك الخامس أن هذه الآية فضلت السابقين الأولين ولم تدل على أن كل من كان اسبق إلى الإسلام كان أفضل من غيره وإنما يدل على أن السابقين أفضل قوله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى

فالذين سبقوا إلى الإنفاق والقتال قبل الحديبية أفضل ممن بعدهم فان الفتح فسره النبي ﷺ بالحديبية

وإذا كان أولئك السابقون قد سبق بعضهم بعضا إلى الإسلام فليس في الآيتين ما يقتضي أن يكون أفضل مطلقا بل قد يسبق إلى الإسلام من سبقه غيره إلى الإنفاق والقتال

ولهذا كان عمر رضي الله عنه ممن اسلم بعد تسعة وثلاثين وهو أفضل من أكثرهم بالنصوص الصحيحة وبإجماع الصحابة والتابعين وما علمت أحدا قط قال أن الزبير ونحوه أفضل من عمر والزبير اسلم قبل عمر ولا قال من يعرف من أهل العلم إن عثمان أفضل من عمر وعثمان اسلم قبل عمر وان كان الفضل بالسبق إلى الإنفاق والقتال فمعلوم أن أبا بكر أخص بهذا فانه لم يجاهد قبله أحد لا بيده ولا بلسانه بل هو من حين آمن بالرسول ينفق ماله ويجاهد بحسب الإمكان فاشترى من المعذبين في الله غير واحد وكان يجاهد مع الرسول قبل الأمر بالقتال وبعد الأمر بالقتال كما قال تعالى وجاهدهم به جهادا كبيرا فكان أبو بكر اسبق الناس وأكملهم في أنواع الجهاد بالنفس والمال

ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح إن آمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر والصحبة بالنفس وذات اليد هو المال فاخبر النبي ﷺ انه آمن الناس عليه في النفس والمال

فصل

قال الرافضي البرهان السابع عشر قوله تعالى الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله روى رزين بن معاوية في الجمع بين الصحاح الستة أنها نزلت في علي لما افتخر طلحة بن شيبة والعباس وهذه لم ثبت لغيره من الصحابة فيكون أفضل فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل ورزين قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح

الثاني أن الذي في الصحيح ليس كما ذكره عن رزين بل الذي في الصحيح ما رواه النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله ﷺ فقال رجل لا أبالي أن لا اعمل عملا بعد الإسلام إلا أن اسقي الحاج وقال آخر لا أبالي أن لا اعمل عملا بعد الإسلام إلا أن اعمر المسجد الحرام وقال آخر الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله ﷺ وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فانزل الله تعالى أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله الآية إلى آخرها أخرجه مسلم وهذا الحديث يقتضي أن قول على الذي فضل به الجهاد على السدانة والسقامة اصح من قول من فضل السدانة والسقاية وان عليا كان اعلم بالحق في هذه المسالة ممن نازعه فيها وهذا صحيح وعمر قد وافق ربه في عدة أمور يقول شيئا وينزل القران بموافقته قال للنبي ﷺ لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقال إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن بالحجاب فنزلت آية الحجاب وقال عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات فنزلت كذلك وأمثال ذلك وهذا كله ثابت في الصحيح وهذا أعظم من تصويب علي في مسالة واحدة

وأما التفضيل بالأيمان والهجرة والجهاد فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فليس هاهنا فضيلة اختص بها علي حتى يقال أن هذا لم يثبت لغيره

الثالث انه لو قدر انه اختص بمزية فهذه ليست من خصائص الإمامة ولا موجبة لأن يكون أفضل مطلقا فان الخضر لما علم ثلاث مسائل لم يعلمها موسى لم يكن أفضل من موسى مطلقا والهدهد لما قال لسليمان أحطت بما لم تحط به لم يكن اعلم من سليمان مطلقا

الرابع أن عليا كان يعلم هذه المسألة فمن أين يعلم أن غيره من الصحابة لم يعلمها فدعوى اختصاصه بعلمها باطل فبطل الاختصاص على التقديرين بل من المعلوم بالتواتر أن جهاد أبي بكر بماله أعظم من جهاد على فان أبا بكر كان موسرا قال فيه النبي ﷺ ما نفعني مال كمال أبي بكر وعلي كان فقيرا وأبو بكر أعظم جهادا بنفسه كما سنذكره إن شاء الله تعالى فصل قال الرافضي البرهان الثامن عشر قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقه من طريق الحافظ أبي نعيم إلى ابن عباس قال أن الله حرم كلام رسول الله ﷺ إلا بتقديم الصدقة وبخلوا أن يتصدقوا قبل كلامه وتصدق علي ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره ومن تفسير الثعلبي قال ابن عمر كان لعلي ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى وروى رزين بن معاوية في الجمع بين الصحاح الستة عن علي ما عمل بهذه الآية غيري وبي خفف الله عن هذه الأمة وهذا يدل على فضيلته عليهم فيكون هو أحق بالإمامة

والجواب أن يقال أما الذي ثبت فهو أن عليا رضي الله عنه تصدق وناجى ثم نسخت الآية قبل أن يعمل بها غيره لكن الآيه لم توجب الصدقة عليهم لكن أمرهم إذا ناجوا أن يتصدقوا فمن لم يناج لم يكن عليه أن يتصدق وإذا لم تكن المناجاة واجبة لم يكن أحد ملوما إذا ترك ما ليس بواجب ومن كان فيهم عاجزا عن الصدقة ولكن لو قدر لناجى فتصدق فله نيته واجره ومن لم يعرض له سبب يناجي لأجله لم يجعل ناقصا ولكن من عرض له سبب اقتضى المناجاة فتركه بخلا فهذا قد ترك المستحب ولا يمكن أن يشهد على الخلفاء أنهم كانوا من هذا الضرب ولا يعلم أنهم كانوا ثلاثتهم حاضرين عند نزول هذه الآية بل يمكن غيبة بعضهم ويمكن حاجة بعضهم ويمكن عدم الداعي إلى المناجاة

ولم يطل زمان عدم نسخ الآية حتى يعلم أن الزمان الطويل لا بد أن يعرض فيه حاجة إلى المناجاة

وبتقدير أن يكون أحدهم ترك المستحب فقد بينا غير مرة أن من فعل مستحبا لم يجب أن يكون أفضل من غيره مطلقا

وقد ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال لأصحابه من اصبح منكم اليوم صائما فقال أبو بكر أنا قال فمن تبع منكم جنازة قال أبو بكر أنا قال هل فيكم من عاد مريضا قال أبو بكر أنا قال هل فيكم من تصدق بصدقة فقال أبو بكر أنا قال ما اجتمع لعبد هذه الخصال إلا وهو من أهل الجنة

وهذه الأربعة لم ينقل مثلها لعلي ولا غيره في يوم

وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال: من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة وأن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد وأن كان من اهل الصدقة دعي من باب الصدقة فقال أبو بكر يا رسول الله فما على من دعى من تلك الأبواب كلها من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال: نعم وارجوا أن تكون منهم

ولم يذكر هذا لغير أبي بكر رضي الله عنه

وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه وقالت إني لم اخلق لهذا ولكني أنما خلقت للحرث. فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلم فقال رسول الله ﷺ: فإني أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر

وما هما ثم قال أبو هريرة وقال رسول الله ﷺ: بينما راع في غنمه عدا عليها الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى استنقذها منه فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري فقال الناس سبحان الله فقال رسول الله ﷺ: فإني أؤمن بذلك أنا وأبو بكر وعمر وهما ثم

وقد قال رسول الله ﷺ: ما نفعني مال كمال أبي بكر

وهذا صريح في اختصاصه بهذه الفضيلة لم يشركه فيها علي ولا غيره

وكذلك قوله في الصحيحين: أن آمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا لكن اخوة الإسلام ومودته لا يبقين باب في المسجد إلا سد إلا بارك أبي بكر

وفي سنن أبي داود أن النبي ﷺ قال لأبي بكر: أما أنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي

وفي الترمذي وسنن أبي داود عن عمر رضي الله عنه قال امرنا رسول الله ﷺ أن نتصدق فوافق منى مالا فقلت اليوم اسبق أبا بكر أن سبقته قال فجئت بنصف مالي فقال النبي ﷺ ما أبقيت لأهلك قلت مثله واتى أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال الله ورسوله قلت لا أسابقه إلى شيء أبدا

وفي البخاري عن أبي الدرداء قال كنت جالسا عند النبي ﷺ إذ اقبل أبو بكر أخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي الله عليه وسلم أما صاحبكم فقد غامر فسلم

وقال أنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم أن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر قالوا لا فأتى النبي ﷺ فسلم عليه فجعل وجه النبي ﷺ يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه وقال: يا رسول الله والله أنا كنت اظلم مرتين فقال النبي ﷺ: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواسني بنفسه وماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي فهل أنتم تاركون لي صاحبي فما أوذي بعدها وفي لفظ آخر إني قلت أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت

وفي الترمذي مرفوعا: لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره

وتجهيز عثمان بألف بعير أعظم من صدقة علي بكثير كثير فإن الأنفاق في الجهاد كان فرضا بخلاف الصدقة إمام النجوى فإنه مشروط بمن يريد النجوى فمن لم يردها لم يكن عليه أن يتصدق

وقد أنزل الله في بعض الأنصار ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي لله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق نبيا ما عندي إلا ماء ثم إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال من يضيفه هذه الليلة رحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله وأنطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء فقالت لا قوت صبياننا فقال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال فقعدوا فأكل الضيف فلما اصبح غدا على رسول الله ﷺ فقال: قد عجب الله صنعكما بضيفكما الليلة

وفي رواية فنزلت هذه الآية ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

وبالحملة فباب الإنفاق في سبيل الله وغيره لكثير من المهاجرين والأنصار فيه من الفضيلة ما ليس لعلي فإنه لم يكن له مال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

فصل

قال الرافضي البرهان التاسع عشر واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا قال ابن عبد البر وأخرجه أبو نعيم أيضا أن النبي الله عليه وسلم ليلة اسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء ثم قال سلهم يا محمد علام بعثتم قالوا بعثنا على شهادة ا ن لا اله إلا الله وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب وهذا صريح بثبوت الإمامة لعلي والجواب من وجوه أحدها المطالبة في هذا وأمثاله بالصحة وقولنا في هذا الكذب القبيح وأمثاله المطالبة بالصحة ليس بشك منا في أن هذا وأمثاله من اسمج الكذب أقبحه لكن علي طريق التنزل في المناظرة وأن هذا لو لم يعلم أنه كذب ولم يجز أن يحتج به حتى يثبت صدقه فإن الاستدلال بما لا تعلم صحته لا يجوز بالاتفاق فإنه قول بلا علم وهو حرام بالكتاب بالسنة والإجماع

الوجه الثاني أن مثل هذا مما أتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع

الوجه الثالث أن هذا مما يعلم من له علم ودين أنه من الكذب الباطل الذي لا يصدق به من له عقل ودين وإنما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجراءة في الكذب فإن الرسل صلوات الله عليهم كيف يسألون عما لا يدخل في اصل الإيمان

وقد اجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي ﷺ وأطاعه ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليا لم يضره ذلك شيئا ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة فإذا كان هذا في أمة محمد ﷺ فكيف يقال أن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة

والله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه هكذا قال ابن عباس وغيره كما قال تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول إلى قوله تعالى أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين

فأما الإيمان بتفصيل ما بعث به محمد فلم يؤخذ عليهم فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين

الرابع أن لفظ الآية وسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ليس في هذا سؤال لهم بماذا بعثوا الخامس أن قول القائل أنهم بعثوا بهذه الثلاثة أن أراد أنهم لم يبعثوا إلا بها فهذا كذب على الرسل وأن أراد أنها أصول ما بعثوا به فهذا أيضا كذب فإن أصول الدين التي بعثوا بها من الإيمان بالله واليوم الآخر وأصول الشرائع أهم عندهم من ذكر الإيمان بواحد من أصحاب نبي غيرهم بل ومن الإقرار بنبوة محمد ﷺ فإن الإقرار بمحمد يجب عليهم مجملا كما يجب علينا نحن الإقرار بنبواتهم مجملا لكن من أدركه منهم وجب عليه الإيمان بشرعه على التفصيل كما يجب علينا وأما الإيمان بشرائع الأنبياء على التفصيل فهو واجب على أممهم فكيف يتركون ذكر ما هو واجب على أممهم ويذكرون ما ليس هو الأوجب الوجه السادس أن ليلة الإسراء كانت بمكة قبل الهجرة بمدة قيل أنها سنة ونصف وقيل أنها خمس سنين وقيل غير ذلك وكان على صغيرا ليلة المعراج لم يحصل له هجرة ولا جهاد ولا أمر يوجب أن يذكره به الأنبياء والأنبياء لم يكن يذكر على في كتبهم أصلا وهذه كتب الأنبياء الموجودة التي اخرج الناس ما فيها من ذكر النبي ﷺ ليس في شيء منها ذكر على بل ذكروا أن في التابوت الذي كان فيه عند المقوقس صور الأنبياء صورة أبي بكر وعمر مع صورة النبي ﷺ وأنه بها يقيم الله أمره وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر علي عندهم فكيف يجوز أن يقال أن كلا من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية علي ولم يذكروا ذلك لأممهم ولا نقله أحد منهم

فصل

قال الرافضي البرهان العشرون قوله تعالى وتعيها أذن واعية في تفسير الثعلبي قال قال رسول الله ﷺ سالت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي ومن طريق أبي نعيم قال قال رسول الله ﷺ يا علي أن الله امرني أن أدنيك وأعلمك يا علي أن الله امرني أن أدنيك وأعلمك لتعي وأنزلت علي هذه الآية وتعيها أذن واعية فأنت أذن واعية وهذه الفضيلة لم تحصل لغيره فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها بيان صحة الإسناد والثعلبي وأبو نعيم يرويان ما لا يحتج به بالإجماع

الثاني أن هذا موضوع باتفاق أهل العلم

الثالث أن قوله لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية لم يرد به أذن واحد من الناس فقط فإن هذا خطاب لبني آدم وحملهم في السفينة من أعظم الآيات قال تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وقال ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته أن في ذلك لآيات لكل صبار شكور فكيف يكون ذلك كله ليعي ذلك واحد من الناس

نعم أذن علي من الأذن الواعية كأذن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم وحينئذ فلا اختصاص لعلي بذلك وهذا مما يعلم بالاضطرار أن الآذان الواعية ليست أذن علي وحدها أترى أذن رسول الله ﷺ ليست واعية ولا أذن الحسن والحسين وعمار وأبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وسهل بن حنيف وغيرهم ممن يوافقون على فضيلتهم وإيمانهم

وإذا كانت الأذن الواعية له ولغيره لم يجز أن يقال هذه الأفضلية لم تحصل لغيره

ولا ريب أن هذا الرافضي الجاهل الظالم يبني أمره على مقدمات باطلة فإنه لا يعلم في طوائف أهل البدع أوهى من حجج الرافضة بخلاف المعتزلة ونحوهم فإن لهم حججا وأدلة قد تشبه على كثير من أهل العلم والعقل أما الرافضة فليس لهم حجة قط تنفق إلا على جاهل أو ظالم صاحب هوى يقبل ما يوافق هواه سواء كان حقا أو باطلا

ولهذا يقال فيهم ليس لهم عقل ولا نقل ولا دين صحيح ولا دنيا منصورة

وقالت طائفة من العلماء لو علق حكما بأجهل الناس لتناول الرافضة مثل أن يحلف إني ابغض اجهل الناس ونحو ذلك وأما لو وصى لأجهل الناس فلا تصح الوصية لأنها لا تكون إلا قربة فإذا وصى لقوم يدخل فيهم الكافر جاز بخلاف ما لو جعل الكفر والجهل جهة وشرطا في الاستحقاق

ثم الرافضي يدعي في شيء أنه من فضائل علي وقد لا يكون كذلك ثم يدعي أن تلك الفضيلة ليست لغيره وقد تكون من الفضائل المشتركة فإن فضائل علي الثابتة عامتها مشتركة بينه وبين غيره بخلاف فضائل أبي بكر وعمر فإن عامتها خصائص لم يشاركا فيها ثم يدعي أن تلك الفضيلة توجب الإمامة ومعلوم أن الفضلية الجزئية في أمر من الأمور ليست مستلزمة للفضيلة المطلقة ولا للإمامة ولا مختصة بالإمام بل تثبت للإمام ولغيره وللفاضل المطلق ولغيره

فبنى هذا الرافضي أمره على هذه المقدمات الثلاث والثلاث باطلة ثم يردفها بالمقدمة الرابعة وتلك فيها نزاع لكن نحن لا ننازعه فيها بل نسلم أنه من كان أفضل كان أحق بالإمامة لكن الرافضي لا حجة معه على ذلك

فصل

قال الرافضي البرهان الحادي والعشرون سورة هل اتى في تفسير الثعلبي من طرق مختلفة قال مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله ﷺ وعامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر صوم ثلاثة أيام وكذا نذرت أمهما فاطمة وجاريتهم فضة فبرئا وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فاستقرض علي ثلاثة آصع من شعير فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرصا وصلى علي مع النبي ﷺ المغرب ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فقال السلام عليكم أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح

فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة فخبزت صاعا وصلى علي مع النبي ﷺ ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فاتاهم يتيم فوقف بالباب وقال السلام عليكم أهل بيت محمد ﷺ يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح

فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الثالث فطحنته وخبزته وصلى علي مع النبي ﷺ ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ اتى أسير فقال أتأسروننا وتشردوننا ولا تطعموننا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام، ومكثوا ثلاثة أيام بلياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح

فلما كان اليوم الرابع وقد وفوا نذورهم أخذ علي الحسن بيده اليمنى والحسين بيده اليسرى واقبل على رسول الله ﷺ وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصرهما النبي ﷺ قال يا أبا الحسن ما اشد ما يسوؤني ما أرى بكم أنطلق بنا إلى منزل ابنتي فاطمة فانطلقوا أليها وهي في حجرتها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها النبي ﷺ قال واغوثاه بالله أهل بيت محمد يموتون جوعا فهبط جبريل على محمد ﷺ فقال يا محمد خذ ما هنأك الله في أهل بيتك فقال ما أخذ يا جبريل فأقراه هل اتى على الإنسان حين

وهي تدل على فضائل جمة لم يسبقه إليها أحد ولا يلحقه أحد فيكون أفضل من غيره فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل كما تقدم ومجرد رواية الثعلبي والواحدي وأمثالهما لا تدل على أنه صحيح باتفاق أهل السنة والشيعة ولو تنازع اثنان في مسالة من مسائل الأحكام والفضائل واحتج أحدهما بحديث لم يذكر ما يدل على صحته إلا رواية الواحد من هؤلاء له في تفسيره لم يكن ذلك دليلا على صحته ولا حجة على منازعه باتفاق العلماء

وهؤلاء من عادتهم يروون ما رواه غيرهم وكثير من ذلك لا يعرفون هل هو صحيح أم ضعيف ويروون من الأحاديث الإسرائيليات ما يعلم غيرهم أنه باطل في نفس الأمر لأن وصفهم النقل لما نقل أو حكاية أقوال الناس وأن كان كثير من هذا وهذا باطلا وربما تكلموا على صحة بعض المنقولات وضعفها ولكن لا يطردون هذا ولا يلتزمونه

الثاني أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث الذي هم أئمة هذا الشأن وحكامه وقول هؤلاء هو المنقول في هذا الباب ولهذا لم يرو هذا الحديث في شيء من الكتب التي يرجع أليها في النقل لا في الصحاح ولا في المساند ولا في الجوامع ولا السنن ولا رواه المصنفون في الفضائل وأن كانوا قد يتسامحون في رواية أحاديث ضعيفة كالنسائي فإنه صنف خصائص علي وذكر فيها عدة أحاديث ضعيفة ولم يرو هذا وأمثاله

وكذلك أبو نعيم في الخصائص وخيثمة بن سليمان والترمذي في جامعة روى أحاديث كثيرة في فضائل علي كثير منها ضعيف ولم يرو مثل هذا لظهور كذبه

وأصحاب السير كابن اسحق وغيره يذكرون من فضائله أشياء ضعيفة ولم يذكروا مثل هذا ولا رووا ما قلنا فيه أنه موضوع باتفاق أهل النقل من أئمة أهل التفسير الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة كتفسير ابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد وإسحاق وتفسير بقي بن مخلد وابن جرير الطبري ومحمد بن أسلم الطوسي وابن أبي حاتم وأبي بكر بن المنذر وغيرهم من العلماء الأكابر الذين لهم في الإسلام لسان صدق وتفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير

الوجه الثالث أن الدلائل على كذب هذا كثيرة منها أن عليا أنما تزوج فاطمة بالمدينة ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر كما ثبت ذلك في الصحيح والحسن والحسين ولدا بعد ذلك سنة ثلاث أو أربع والناس متفقون على أن عليا لم يتزوج فاطمة إلا بالمدينة لم يولد له ولد إلا بالمدينة وهذا من العم العام المتواتر الذي يعرفه كل من عنده طرف من العلم بمثل هذه الأمور

وسورة هل اتى مكية باتفاق أهل التفسير والنقل لم يقل أحد منهم أنها مدنية وهي على طريقة السور المكية في تقرير أصول الدين المشتركة بين الأنبياء كالإيمان بالله واليوم الآخر وذكر الخلق والبعث ولهذا قيل أنه كان النبي ﷺ يقرؤها مع ألم تنزيل في فجر يوم الجمعة لأن فيه خلق آدم وفيه دخل الجنة وفيه تقوم الساعة

وهاتان السورتان متضمنتان لابتداء خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان إلى أن يدخل فريق الجنة وفريق النار وإذا كانت السورة نزلت بمكة قبل أن يتزوج علي بفاطمة تبين أن نقل أنها نزلت بعد مرض الحسن والحسين من الكذب والبين

الوجه الرابع أن سياق هذا الحديث وألفاظه من وضع جهال الكذابين فمنه قوله فعادهما جدهما وعامة العرب فإن عامة العرب لم يكونوا بالمدينة والعرب الكفار ما كانوا يأتونهما يعودونهما

ومنه قوله فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك وعلي لا يأخذ الدين من أولئك العرب بل يأخذه من النبي ﷺ فإن كان هذا أمرا بطاعة فرسول الله ﷺ أحق أن يأمره به من أولئك العرب وأن لم يكن طاعة لم يكن علي يفعل ما يأمرون به ثم كيف يقبل منهم ذلك من غير مراجعة إلى النبي ﷺ في ذلك

الوجه الخامس أن في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه نهى عن النذر وقال أنه لا يأتي بخير وأنما يستخرج به من البخيل

وفي طريق آخر أن النذر يرد ابن آدم إلى القدر فيعطى على النذر ما لا يعطى غيره

وإذا كان رسول الله ﷺ ينهى عن النذر ويقول أنه لا يأتي بخير وإنما يرد ابن آدم إلى القدر

فإن كان علي وفاطمة وسائر أهلهما لم يعلموا مثل هذا وعلمه عموم الأمة فهذا قدح في علمهم فأين المدعي للعصمة

وإن كانوا علموا بذلك وفعلوا ما لا طاعة فيه لله ولرسوله ولا فائدة لهما فيه بل قد نهيا عنه إما نهي تحريم وأما نهي تنزيل كان هذا قدحا أما في دينهم وأما في عقلهم وعلمهم

فهذا الذي يروي مثل هذا في فضائلهم جاهل يقدح فيهم من حيث يمدحهم ويخفضهم من حيث يرفعهم ويذمهم من حيث يحمدهم

ولهذا قال بعض أهل البيت للرافضة ما معناه أن محبتكم لنا صارت معرة علينا وفي المثل السائر عدو عاقل خير من صديق جاهل والله تعالى أنما مدح على الوفاء بالنذر لا على نفس عقد النذر والرجل ينهى عن الظهار وأن ظاهر وجبت عليه كفارة للظهار وإذا عاود مدح على فعل الواجب وهو التكفير لا على نفس الظهار المحرم وكذلك إذا طلق امرأته ففارقها بالمعروف مدح على فعل ما أوجبه الطلاق لا نفس الطلاق المكروه وكذلك من باع أو اشترى فأعطى ما عليه مدح على فعل ما أوجبه العقد لا على نفس العقد الموجب ونظائر هذا كثيرة

الوجه السادس أن عليا وفاطمة لم يكن لهما جارية اسمها فضة بل ولا لأحد من أقارب النبي ﷺ ولا نعرف أنه كان بالمدينة جارية اسمها فضة ولا ذكر ذلك أحد من أهل العلم الذين ذكروا أحوالهم دقها وجلها ولكن فضة هذه بمنزلة ابن عقب الذي يقال أنه كان معلم الحسن والحسين وأنه أعطى تفاحة كان فيها علم الحوادث المستقبلة ونحو ذلك من الأكاذيب التي تروج على الجهال وقد اجمع أهل العلم على أنهما لم يكن لهما معلم ولم يكن في الصحابة أحد يقال له أب عقب

وهذه الملاحم المنظومة المنسوبة إلى ابن عقب هي من نظم بعض متأخري الجهال الرافضة الذين كانوا زمن نور الدين وصلاح الدين لما كان كثير من الشام بأيدي النصارى ومصر بأيدي القرامطة الملاحدة بقايا بني عبيد فذكر من الملاحم ما يناسب تلك الأمور بنظم جاهل عامي

وهكذا هذه الجارية فضة وقد ثبت في الصحيحين عن علي أن فاطمة سالت النبي ﷺ خادما فعلمها أن تسبح عند المنام ثلاثا وثلاثين وتكبر ثلاثا وثلاثين وتحمد أربعا وثلاثين وقال هذا خير لك من خادم قال علي فما تركتهن منذ سمعتهن من النبي ﷺ قيل له ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وهذا خبر صحيح باتفاق أهل العلم وهو يقتضي أنه لم يعطها خادما فإن كان بعد ذلك حصل خادم فهو ممكن لكن لم يكن اسم خادمها فضة بلا ريب

الوجه السابع أنه قد ثبت في الصحيح عن بعض الأنصار أنه آثر ضيفه بعشائهم ونوم الصبية وبات هو وامرأته طاويين فأنزل الله سبحانه وتعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

وهذا المدح أعظم من المدح بقوله ويطعمون الطعام على حبه مسكينا فإن هذا كقوله وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين

وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه سئل أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخاف الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان

وقال تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فالتصدق بما يحبه الإنسان جنس تحته أنواع كثيرة وأما الإيثار مع الخصاصة فهو اكمل من مجرد التصدق مع المحبة فإنه ليس كل متصدق محبا مؤثرا ولا كل متصدق يكون به خصاصة بل قد يتصدق بما يحب مع اكتفائه ببعضه مع محبة لا تبلغ به الخصاصة

فإذا كان الله مدح الأنصار بإيثار الضيف ليلة بهذا المدح والإيثار المذكور في قصة أهل البيت هو أعظم من ذلك فكان ينبغي أن يكون المدح عليه اكثر أن كان هذا مما يمدح عليه وأن كان مما لا يمدح عليه فلا يدخل في المناقب

الثامن أن في هذه القصة ما لا ينبغي نسبته إلى علي وفاطمة رضي الله عنهما فإنه خلاف المأمور به المشروع وهو إبقاء الأطفال ثلاثة أيام جياعا ووصالهم ثلاثة أيام ومثل هذا الجوع قد يفسد العقل والبدن والدين

وليس هذا مثل قصة الأنصاري فإن ذلك بيتهم ليلة واحدة بلا عشاء وهذا قد يحتمله الصبيان بخلاف ثلاثة أيام بلياليها

التاسع أن في هذه القصة أن اليتيم قال استشهد والدي يوم العقبة وهذا من الكذب الظاهر فإن ليلة العقبة لم يكن فيها قتال ولكن النبي ﷺ بايع الأنصار ليلة العقبة قبل الهجرة وقبل أن يؤمر بالقتال

وهذا يدل على أن الحديث مع أنه كذب فهو من كذب اجهل الناس بأحوال النبي ﷺ ولو قال استشهد والدي يوم أحد لكان اقرب

العاشر أن يقال أن النبي ﷺ كان يكفي أولاد من قتل معه ولهذا قال لفاطمة لما سألته خادما: لا ادع يتامى بدر وأعطيك.

فقول القائل أنه كان من يتامى المجاهدين الشهداء من لا يكفيه النبي ﷺ كذب عليه وقدح فيه

الحادي عشر أنه لم يكن في المدينة قط أسير يسال الناس بل كان المسلمون يقومون بالأسير الذي يستاسرونه فدعوى المدعي أن أسراهم كانوا محتاجين إلى مسالة الناس كذب عليهم وقدح فيهم والإسراء الكثيرون أنما كانوا يوم بدر قبل أن يتزوج علي بفاطمة رضي الله عنها وبعد ذلك فالأسرى في غاية القلة

الثاني عشر أنه لو كانت هذه القصة صحيحة وهي من الفضائل لم تستلزم أن يكون صاحبها أفضل الناس ولا أن يكون هو الإمام دون غيره فقد كان جعفر اكثر إطعاما للمساكين من غيره حتى قال له النبي ﷺ: أشبهت خلقي وخلقي

وكان أبو هريرة يقول ما احتذى النعال بعد النبي ﷺ أحد أفضل من جعفر يعني في الأحسان إلى المساكين إلى غير ذلك من الفضائل فلم يكن بذلك أفضل من علي ولا غيره فضلا عن أن يكون مستحقا للإمامة

الثالث عشر أنه من المعلوم أن أنفاق الصديق أمواله أعظم وأحب إلى الله ورسوله فإن إطعام الجائع من جنس الصدقة المطلقة التي يمكن كل واحد فعلها إلى يوم القيامة بل وكل أمة يطعمون جياعهم من المسلمين وغيرهم وأن كانوا لا يتقربون إلى الله بذلك بخلاف المؤمنين فإنهم يفعلون ذلك لوجه الله بهذا تميزوا كما قال تعالى عنهم أنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا

وأما إنفاق الصديق ونحوه فإنه كان في أول الإسلام لتخليص من آمن والكفار يؤذونه أو يريدون قتله مثل اشترائه بماله سبعة كانوا يعذبون في الله منهم بلال حتى قال عمر أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعني بلالا وأنفاقه على المحتاجين من أهل الإيمان وفي نصر الإسلام حيث كان أهل الأرض قاطبة أعداء الإسلام وتلك النفقة ما بقي يمكن مثلها ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث المتفق على صحته لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ أحدهم ولا نصيفه

وهذا في النفقة التي اختصوا بها وأما جنس إطعام الجائع مطلقا فهذا مشترك يمكن فعله إلي يوم القيامة

فصل

قال الرافضي البرهان الثاني والعشرون قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون من طريق أبي نعيم عن مجاهد في قوله والذي جاء بالصدق محمد ﷺ وآله وصدق به قال علي بن أبي طالب ومن طريق الفقيه الشافعي عن مجاهد والذي جاء بالصدق وصدق به قال جاء به محمد ﷺ وصدق به علي وهذه فضيلة اختص بها فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها أن هذا ليس منقولا عن النبي ﷺ وقول مجاهد وحده ليس بحجة يجب اتباعها على كل مسلم لو كان هذا النقل صحيحا عنه فكيف إذا لم يكن ثابتا عنه فإنه قد عرف بكثرة الكذب

والثابت عن مجاهد خلاف هذا وهو أن الصدق هو القرآن والذي صدق به هو المؤمن الذي عمل به فجعلها عامة رواه الطبري وغيره عن مجاهد قال هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة

فيقولون هذا الذي أعطيتمونا قد اتبعنا ما فيه ورواه أبو سعيد الأشج قال حدثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد فذكره وحدثنا المحاربي عن جويبر عن الضحاك وصدق به قال المؤمنون جميعا

قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وصدق به قال رسول الله ﷺ

الوجه الثاني أن هذا معارض بما هو اشهر منه عند أهل التفسير وهو أن الذي جاء بالصدق محمد والذي صدق به أبو بكر فإن هذا يقوله طائفة وذكره الطبري بإسناده إلى علي قال جاء به محمد وصدق به أبو بكر وفي هذا حكاية ذكرها بعضهم عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر غلام أبي بكر الخلال أن سائلا سأله عن هذه الآية فقال له هو أو بعض الحاضرين نزلت في أبي بكر فقال السائل بل في علي فقال أبو بكر ابن جعفر اقرأ ما بعدها أولئك هم المتقون إلى قوله ليكفر الله عنهم اسوأ الذي عملوا الآية فبهت السائل

الثالث أن يقال لفظ الآية عام مطلق لا يختص بابي بكر ولا بعلي بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها ولا ريب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا أحق هذه الأمة بالدخول فيها لكنها لا تختص بهم وقد قال تعالى فمن اظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذا جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون الآية فقد ذم الله سبحانه وتعالى الكاذب على الله والمكذب بالصدق وهذا ذم عام

والرافضة أعظم أهل البدع دخولا في هذا الوصف المذموم فإنهم أعظم الطوائف افتراء للكذب على الله وأعظمهم تكذيبا بالصدق لما جاءهم وأبعد الطوائف عن المجيء بالصدق والتصديق به

وأهل السنة المحضة أولى الطوائف بهذا فإنهم يصدقون ويصدقون بالحق في كل ما جاء به وليس لهم هوى إلا مع الحق

والله تعالى مدح الصادق فيما يجئ به والمصدق بهذا الحق فهذا مدح للنبي ﷺ ولكل من آمن به وبما جاء به وهو سبحانه لم يقل والذي جاء بالصدق والذي صدق به فلم يجعلهما صنفين بل جعلهما صنفا واحدا لأن المراد مدح النوع الذي يجئ بالصدق ويصدق بالصدق فهو ممدوح على اجتماع الوصفين على أن لا يكون من شأنه إلا أن يجيء بالصدق ومن شأنه أن يصدق بالصدق

وقوله جاء بالصدق اسم جنس لكل صدق وأن كان القرآن أحق بالدخول في ذلك من غيره ولذلك صدق به أي بجنس الصدق وقد يكون الصدق الذي صدق به ليس هو عين الصدق الذي جاء به كما تقول فلان يسمع الحق ويقول الحق ويقبله ويأمر بالعدل ويعمل به أي هو موصوف بقول الحق لغيره وقبول الحق من غيره وأنه يجمع بين الأمر بالعدل والعمل به وإن كان كثير من العدل الذي يأمر به ليس هو عين العدل الذي يعمل به

فلما ذم الله سبحانه من اتصف بأحد الوصفين الكذب على الله والتكذيب بالحق إذ كل منهما يستحق به الذم مدح ضدهما الخالي عنهما بأن يكون يجيء بالصدق لا بالكذب وأن يكون مع ذلك مصدقا بالحق لا يكون ممن يقوله هو وإذا قاله غيره لم يصدقه فإن من الناس من يصدق ولا يكذب لكن يكره أن غيره يقوم مقامه في ذلك حسدا ومنافسة فيكذب غيره في غيره أو لا يصدقه بل يعرض عنه وفيهم من يصدق طائفة فيما قالت قبل أن يعلم ما قالوه اصدق هو أم كذب والطائفة الأخرى لا يصدقها فيما تقول وأن كان صادقا بل إما أن يصدقها وإما أن يعرض عنها

وهذا موجود في عامة أهل الأهواء تجد كثيرا منهم صادقا فيما ينقله لكن ما ينقله عن طائفته يعرض عنه فلا يدخل هذا في المدح بل في الذم لأنه لم يصدق بالحق الذي جاءه

والله قد ذم الكاذب والمكذب بالحق لقوله في غير آية ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه وقال ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته

ولهذا لما كان مما وصف الله به الأنبياء الذين هم أحق الناس بهذه الصفة أن كلا منهم يجيء بالصدق فلا يكذب فكل منهم صادق في نفسه مصدق لغيره

ولما كان قوله والذي صنفا من الأصناف لا يقصد به واحد بعينه أعاد الضمير بصيغة الجمع فقال والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون

وأنت تجد كثيرا من المنتسبين إلى علم ودين لا يكذبون فيما يقولونه بل لا يقولون إلا الصدق لكن لا يقبلون ما يخبر به غيرهم من الصدق بل يحملهم الهوى والجهل على تكذيب غيرهم وإن كان صادقا أما تكذيب نظيره وإما تكذيب من ليس من طائفته

ونفس تكذيب الصادق هو من الكذب ولهذا قرنه بالكاذب على الله فقال فمن اظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه فكلاهما كاذب هذا كاذب فيما يخبر به عن الله وهذا كاذب فيما يخبر به عن المخبر عن الله

والنصارى يكثر فيهم المفترون للكذب على الله واليهود يكثر فيهم المكذبون بالحق وهو سبحانه ذكر المكذب بالصدق نوعا ثانيا لأنه أولا لم يذكر جميع أنواع الكذب بل ذكر من كذب على الله وأنت إذا تدبرت هذا وعلمت أن كل واحد من الكذب على الله والتكذيب بالصدق مذموم وأن المدح لا يستحقه إلا من كان آتيا بالصدق مصدقا للصدق علمت أن هذا مما هدى الله به عباده إلى صراطه المستقيم

إذا تأملت هذا تبين لك أن كثيرا من الشر أو أكثره يقع من أحد هذين فتجد إحدى الطائفتين أو الرجلين من الناس لا يكذب فيما يخبر به من العلم لكن لا يقبل ما تأتي به الطائفة الأخرى فربما جمع بين الكذب على الله والتكذيب بالصدق

وهذا وإن كان يوجد في عامة الطوائف شيء منه فليس في الطوائف ادخل في ذلك من الرافضة فإنما أعظم الطوائف كذبا على الله وعلى رسوله وعلى الصحابة وعلى ذوي القربى وكذلك هم من أعظم الطوائف تكذيبا بالصدق فيكذبون بالصدق الثابت المعلوم من المنقول الصحيح والمعقول الصريح

فهذه الآية ولله الحمد ما فيها من مدح فهو يشتمل على الصحابة الذين افترت عليهم الرافضة وظلمتهم فإنهم جاءوا بالصدق وصدقوا به وهم من أعظم أهل الأرض دخولا في ذلك وعلي منهم وما فيها من ذم فالرافضة ادخل الناس فيه فهي حجة عليهم من الطرفين وليس فيها حجة على اختصاص علي دون الخلفاء الثلاثة بشيء فهي حجة عليهم من كل وجه ولا حجة لهم فيها بحال

فصل

قال الرافضي البرهان الثالث والعشرون قوله تعالى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين من طريق أبي نعيم عن أبي هريرة قال مكتوب على العرش لا اله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي بن أبي طالب وذلك قوله في كتابه هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين يعني بعلي وهذه من أعظم الفضائل التي لم تحصل لغيره من الصحابة فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل وأما مجرد العزو إلى رواية أبي نعيم فليس حجة بالاتفاق وأبو نعيم له كتاب مشهور في فضائل الصحابة وقد ذكر قطعة من الفضائل في أول الحلية فإن كانوا يحتجون بما رواه فقد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان ما ينقض بنيانهم ويهدم أركانهم وإن كانوا لا يحتجون بما رواه فلا يعتمدون على نقله ونحن نرجع فيما رواه هو وغيره إلى أهل العلم بهذا الفن والطرق التي بها يعلم صدق الحديث وكذبه من النظر في إسناده ورجاله وهل هم ثقات سمع بعضهم من بعض أم لا وننظر إلى شواهد الحديث وما يدل عليه على أحد الأمرين لا فرق عندنا بين ما يروى في فضائل علي أو فضائل غيره فما ثبت أنه صدق صدقناه وما كان كذبا كذبناه

فنحن نجيء بالصدق ونصدق به ولا نكذب صادقا وهذا معروف عند أئمة السنة وأما من افترى على الله كذبا أو كذب بالحق فعلينا أن نكذبه في كذبه وتكذيبه للحق كأتباع مسيلمة الكذاب والمكذبين بالحق الذي جاء به الرسول واتبعه عليه المؤمنون به صديقه الأكبر وسائر المؤمنين

ولهذا نقول في الوجه الثاني إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث وهذا الحديث وأمثاله مما جزمنا أنه كذب موضوع نشهد أنه كذب موضوع فنحن والله الذي لا اله إلا هو نعلم علما ضروريا في قلوبنا لا سبيل لنا إلى دفعه أن هذا الحديث كذب ما حدث به أبو هريرة وهكذا نظائره مما نقول فيه مثل ذلك

وكل من كان عارفا بعلم الحديث وبدين الإسلام يعرف وكل من لم يكن له بذلك علم لا يدخل معنا كما أن أهل الخبرة بالصرف يحلفون على ما يعلمون يعلمون أنه مغشوش وإن كان من لا خبرة له لا يميز بين المغشوش والصحيح

الثالث أن الله تعالى قال هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم وهذا نص في أن المؤمنين عدد مؤلف بين قلوبهم وعلي واحد منهم ليس له قلوب يؤلف بينها، والمؤمنون صيغة جمع فهذا نص صريح لا يحتمل أنه أراد به واحدا معينا وكيف يجوز أن يقال المراد بهذا علي وحده

الوجه الرابع أن يقال من المعلوم بالضرورة والتواتر أن النبي ﷺ ما كان قيام دينه بمجرد موافقة علي فإن عليا كان من أول من أسلم فكان الإسلام ضعيفا فلولا أن الله هدى من هداه إلى الأيمان والهجرة والنصرة لم يحصل بعلي وحده شيء من التأييد ولم يكن إيمان الناس وهجرتهم ولا نصرتهم على يد علي ولم يكن علي منتصبا لا بمكة ولا بالمدينة للدعوة إلى الإيمان كما كان أبو بكر منتصبا لذلك ولم ينقل أنه أسلم على يد علي أحد من السابقين الأولين لا من المهاجرين ولا من الأنصار بل لا نعرف أنه على يد علي أحد من الصحابة لكن لما بعثه النبي ﷺ إلى اليمن قد يكون قد أسلم على يديه من أسلم إن كان وقع ذلك وليس أولئك من الصحابة وإنما أسلم أكابر الصحابة على يد أبي بكر ولا كان يدعو المشركين ويناظرهم كما كان أبو بكر يدعوهم ويناظرهم ولا كان المشركون يخافونه كما يخافون أبا بكر وعمر

بل قد ثبت في الصحاح والمساند والمغازي واتفق عليه الناس أنه لما كان يوم أحد وانهزم المسلمون صعد أبو سفيان على الجبل وقال أفي القوم محمد أفي القوم محمد فقال النبي ﷺ: لا تجيبوه. فقال أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة فقال النبي ﷺ لا تجيبوه. فقال أفي القوم ابن الخطاب فقال النبي ﷺ لا تجيبوه فقال لأصحابه أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه أن قال كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء وقد بقي لك ما يسوؤك فقال يوم بيوم بدر فقال عمر لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ثم أخذ أبو سفيان يرتجز ويقول اعل هبل اعل هبل فقال النبي ﷺ ألا تجيبوه فقالوا وما نقول قال: قولوا الله أعلى وأجل فقال إن لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبي ﷺ ألا تجيبوه فقالوا وما نقول قال: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم فقال: ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني

فهذا جيش المشركين إذ ذاك لا يسال إلا على النبي ﷺ وأبي بكر وعمر فلو كان القوم خائفين من علي أو عثمان أو طلحة أو الزبير أو نحوهم أو كان للرسول تأييد بهؤلاء كتأييده بابي بكر وعمر لكان يسال عنهم كما يسال عن هؤلاء فإن المقتضى للسؤال قائم والمانع منتف ومع وجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب معه وجود الفعل

الوجه الخامس أنه لم يكن لعلي في الإسلام اثر حسن إلا ولغيره من الصحابة مثله ولبعضهم آثار أعظم من آثاره وهذا معلوم لمن عرف السيرة الصحيحة الثابتة بالنقل وأما من يأخذ بنقل الكذابين وأحاديث الطرقية فباب الكذب مفتوح وهذا الكذب يتعلق بالكذب على الله ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه ومجموع المغازي التي كان فيها القتال مع النبي ﷺ تسع مغاز والمغازي كلها بضع وعشرون غزاة وأما السرايا فقد قيل إنها تبلغ سبعين

ومجموع من قتل من الكفار في غزوات الرسول ﷺ يبلغون ألفا أو اكثر أو اقل ولم يقتل علي منهم عشرهم ولا نصف عشرهم وأكثر السرايا لم يكن يخرج فيها وأما بعد النبي ﷺ فلم يشهد شيئا من الفتوحات لا هو ولا عثمان ولا طلحة ولا الزبير إلا أن يخرجوا مع عمر حين خرج إلى الشام وأما الزبير فقد شهد فتح مصر وسعد شهد فتح القادسية وأبو عبيدة فتح الشام

فكيف يكون تأييد الرسول بواحد من أصحابه دون سائرهم والحال هذه وأين تأييده بالمؤمنين كلهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوه تحت الشجرة والتابعين لهم بإحسان

وقد كان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وثلاث عشر ويوم أحد نحو سبعمائة ويوم الخندق اكثر من ألف أو قريبا من ذلك ويوم بيعة الرضوان ألفا وأربع مائة وهم الذين شهدوا فتح خيبر ويوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف ويوم حنين كانوا اثني عشر ألفا تلك العشرة والطلقاء ألفان وأما تبوك فلا يحصى من شهدها بل كانوا اكثر من ثلاثين ألفا وأما حجة الوداع فلا يحصى من شهدها معه وكان قد أسلم على عهده أضعاف من رآه وكان من أصحابه وأيده الله بهم في حياته باليمن وغيرها وكل هؤلاء من المؤمنين الذين أيده الله بهم بل كل من آمن وجاهد إلى يوم القيامة دخل في هذا المعنى

===========

 

فصل

قال الرافضي البرهان الرابع والعشرون قوله تعالى يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين من طريق أبي نعيم قال نزلت في علي وهذه فضيلة لم تحصل لأحد من الصحابة غيره فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها منع الصحة

الثاني أن هذا القول ليس بحجة

الثالث أن يقال هذا الكلام من أعظم الفرية على الله ورسوله وذلك أن قوله حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين معناه أن الله حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين فهو وحده كافيك وكافي من معك من المؤمنين وهذا كما تقول العرب حسبك وزيدا درهم

ومنه قول الشاعر ... فحسبك والضحاك سيف مهند

وذلك أن حسب مصدر فلما أضيف لم يحسن العطف عليه إلا بإعادة الجار فإن العطف بدون ذلك وإن كان جائزا في اصح القولين فهو قليل وإعادة الجار احسن وأفصح فعطف على المعنى والمضاف إليه في معنى المنصوب فإن قوله فحسبك والضحاك معناه يكفيك والضحاك. وزياده المصدر يعمل عمل الفعل لكن إذا أضيف عمل في غير المضاف إليه ولهذا أن أضيف إلى الفاعل نصب المفعول وإن أضيف إلى المفعول رفع الفاعل فتقول أعجبني دق القصار الثوب وهذا وجه الكلام وتقول أعجبني دق الثوب القصار

ومن النحاة من يقول إعماله منكرا احسن من إعماله مضافا لأنه بالإضافة قوي شبهه بالأسماء والصواب أن إضافته إلى أحدهما وإعماله في الآخر احسن من تنكيره وإعماله فيهما فقول القائل أعجبني دق القصار الثوب احسن من قوله دق الثوب القصار فإن التنكير أيضا من خصائص الأسماء والإضافة أخف لأنه اسم والأصل فيه أن يضاف ولا يعمل لكن لما تعذرت إضافته إلى الفاعل والمفعول جميعا أضيف إلى أحدهما واعمل في الآخر

وهكذا في المعطوفات إن أمكن إضافتها إليها كلها كالمضاف إلى الظاهر فهو احسن كقول النبي ﷺ إن الله حرم بيع الخمر والميتة والدم والخنزير والأصنام وكقولهم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين وحبل الحبلة وإن تعذر لم يحسن ذلك كقولك حسبك وزيدا درهم عطفا على المعنى ومما يشبه هذا قوله وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا نصب هذا على محل الليل المجرور فإن اسم الفاعل كالمصدر ويضاف تارة ويعمل تارة أخرى

وقد ظن بعض الغالطين أن معنى الآية أن الله والمؤمنين حسبك ويكون من اتبعك رفعا عطفا على الله وهذا خطا قبيح مستلزم للكفر فإن الله وحده حسب جميع الخلق كما قال تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل أي الله وحده كافينا كلنا

وفي البخاري عن ابن عباس في هذه الكلمة قالها إبراهيم حين القي في النار وقالها محمد حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل

فكل من النبيين قال حسبي الله فلم يشرك بالله غيره في كونه حسبه فدل على أن الله وحده حسبه ليس معه غيره

ومنه قوله تعالى أليس الله بكاف عبده وقوله تعالى ولو أنهم رضوا ما أتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله الآية فدعاهم إلى أن يرضوا ما اتاهم الله ورسوله وإلى أن يقولوا حسبنا الله ولا يقولوا حسبنا الله ورسوله لأن الإيتاء يكون بإذن الرسول كما قال وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، وأما الرغبة فإلى الله كما قال تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب

وكذلك التحسب الذي هو التوكل على الله وحده فلهذا أمروا أن يقولوا حسبنا الله ولا يقولوا ورسوله فإذا لم يجز أن يكون الله ورسوله حسب المؤمن كيف يكون المؤمنون مع الله حسبا لرسوله

وأيضا فالمؤمنون محتاجون إلى الله كحاجة الرسول إلى الله فلا بد لهم من حسبهم ولا يجوز أن يكون معونتهم وقوتهم من الرسول وقوة الرسول منهم فإذا هذا يستلزم الدور بل قوتهم من الله وقوة الرسول من الله فالله وحده يخلق قوتهم والله وحده يخلق قوة الرسول

فهذا كقوله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم فإنه وحده هو المؤيد للرسول بشيئين أحدهما نصره الذي ينصر به والثاني بالمؤمنين الذين اتى بهم

وهناك قال حسبك الله ولم يقل نصر الله فنصر الله منه كما أن المؤمنين من مخلوقاته أيضا فعطف ما منه على ما منه إذ كلاهما منه وأما هو سبحانه فلا يكون معه غيره في إحداث شيء من الأشياء بل هو وحده الخالق لكل ما سواه ولا يحتاج في شيء من ذلك إلى غيره

وإذا تبين هذا فهؤلاء الرافضة رتبوا جهلا على جهل فصاروا في ظلمات بعضها فوق بعض فظنوا أن قوله حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين معناه أن الله ومن اتبعك من المؤمنين حسبك ثم جعلوا المؤمنين الذين اتبعوه هم علي بن أبي طالب

وجهلهم في هذا أظهر من جهلهم في الأول فإن الأول قد يشتبه على بعض الناس وأما هذا فلا يخفى على عاقل فإن عليا لم يكن وحده من الخلق كافيا لرسول الله ﷺ ولو لم يكن معه إلا علي لما اقام دينه وهذا علي لم يغن عن نفسه ومعه أكثر جيوش الأرض بل لما حاربه معاوية مع أهل الشام كان معاوية مقاوما له أو مستظهرا سواء كان ذلك بقوة قتال أو قوة مكر واحتيال فالحرب خدعة

الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ... بلغت من العلياء كل مكان

فإذا لم يغن عن نفسه بعد ظهور الإسلام واتباع اكثر أهل الأرض له فكيف يغني عن الرسول ﷺ وأهل الأرض كلهم أعداؤه

وإذا قيل أن عليا أنما لم يغلب معاوية ومن معه لأن جيشه لا يطيعونه بل كانوا مختلفين عليه، قيل فإذا كان من معه من المسلمين لم يطيعوه فكيف يطيعه الكفار الذين يكفرون بنبيه وبه

وهؤلاء الرافضة يجمعون بين النقيضين لفرط جهلهم وظلمهم يجعلون عليا اكمل الناس قدرة وشجاعة حتى يجعلوه هو الذي أقام دين الرسول وأن الرسول كان محتاجا إليه ويقولون مثل هذا الكفر إذ يجعلونه شريكا لله في إقامة دين محمد ثم يصفونه بغاية العجز والضعف والجزع والتقية بعد ظهور الإسلام وقوته ودخول الناس فيه أفواجا

ومن المعلوم قطعا أن الناس بعد دخولهم في الدين الإسلام أتبع للحق منهم قبل دخولهم فيه فمن كان مشاركا لله في إقامة دين محمد حتى قهر الكفار وأسلم الناس كيف لا يفعل هذا في قهر طائفة بغوا عليه هم اقل من الكفار الموجودين عند بعثة الرسول واقل منهم شوكة واقرب إلى الحق منهم، فإن الكفار حين بعث الله محمدا كانوا اكثر ممن نازع عليا ابعد عن الحق فإن أهل الحجاز والشام واليمن ومصر والعراق وخرا سان والمغرب كلهم كانوا كفارا ما بين مشرك وكتابي ومجوسي وصابئ ولما مات النبي ﷺ كانت جزيرة العرب قد ظهر فيها الإسلام ولما قتل عثمان كان الإسلام قد ظهر في الشام ومصر والعراق وخرا سان والمغرب

فكان أعداء الحق عند موت النبي ﷺ اقل منهم واضعف واقل عداوة منهم له عند مبعثه وكذلك كانوا عند مقتل عثمان اقل منهم واضعف واقل عداوة منهم له حين بعث محمد ﷺ فإن جميع الحق الذي كان يقاتل عليه علي هو جزء من الحق الذي قاتل عليه النبي ﷺ فمن كذب بالحق الذي بعث به محمد ﷺ وقاتله عليه كذب بما قاتل عليه علي من ذلك

فإذا كان على في هذه الحال قد ضعف وعجز عن نصر الحق ودفع الباطل فكيف يكون حاله حين المبعث وهو اضعف واعجز وأعداء الحق أعظم واكثر واشد عداوة

ومثل الرافضة في ذلك مثل النصارى ادعوا في المسيح الإلهية وأنه رب كل شيء ومليكه وهو على كل شيء قدير ثم يجعلون أعداءه صفعوه ووضعوا الشوك على رأسه وصلبوه وأنه جعل يستغيث فلا يغيثوه فلا افلحوا بدعوى تلك القدرة القاهرة ولا بإثبات هذه الذلة التامة

وإن قالوا كان هذا برضاه قيل فالرب إنما يرضى بأن يطاع لا بأن يعصى فإن كان قتله وصلبه برضاه كان ذلك عبادة وطاعة لله فيكون اليهود الذين صلبوه عابدين لله مطيعين في ذلك فيمدحون على ذلك لا يذمون وهذا من أعظم الجهل والكفر

وهكذا يوجد من فيه شبه من النصارى والرافضة من الغلاة في أنفسهم وشيوخهم تجدهم في غاية الدعوى وفي غاية العجز كما قال ﷺ في الحديث الصحيح ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم شيخ زان وملك كذاب وفقير مختال وفي لفظ عائل مزهو وفي لفظ وعائل مستكبر وهذا معنى قول بعض العامة الفقر والزنطرة

فهكذا شيوخ الدعاوى والشطح يدعى أحدهم الإلهية وما هو أعظم من النبوة ويعزل الرب عن ربوبيته والنبي عن رسالته ثم آخرته شحاذ يطلب ما يقيته أو خائف يستعين بظالم على دفع مظلمته فيفتقر إلى لقمة ويخاف من كلمة فأين هذا الفقر والذل من دعوى الربوبية المتضمنة للغنى والعز

وهذه حال المشركين الذين قال الله فيهم ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق وقال مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وأن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون وقال سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا

والنصارى فيهم شرك بين كما قال تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا اله إلا هو سبحانه عما يشركون وهكذا من أشبههم من الغالية من الشيعة والنساك فيه شرك وغلو كما في النصارى شرك وغلو واليهود فيهم كبر والمستكبر معاقب بالذل

قال تعالى ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون

وقال تعالى أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون فتكذيبهم وقتلهم للأنبياء كان استكبارا

فالرافضة فيهم شبه من اليهود من وجه وشبه من النصارى من وجه ففيهم شرك وغلو وتصديق بالباطل كالنصارى وفيهم من جبن وكبر وحسد وتكذيب بالحق كاليهود

وهكذا غير الرافضة من أهل الأهواء والبدع تجدهم في نوع من الضلال ونوع من الغي فيهم شرك وكبر

لكن الرافضة ابلغ من غيرهم في ذلك ولهذا تجدهم من أعظم الطوائف تعطيلا لبيوت الله ومساجده من الجمع والجماعات التي هي أحب الاجتماعات إلى الله وهم أيضا لا يجاهدون الكفار أعداء الدين بل كثيرا ما يوالونهم ويستعينون بهم على عداوة المسلمين فهم أولياء الله المؤمنين ويوالون أعداءه المشركين وأهل الكتاب كما يعادون أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان ويوالون اكفر الخلق من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم من الملاحدة وأن كانوا يقولون هم كفار فقلوبهم وابدأنهم إليهم أميل منها إلى المهاجرين والأنصار والتابعين وجماهير المسلمين

وما من أحد من أهل الأهواء والبدع حتى المنتسبين إلى العلم والكلام والفقه والحديث والتصوف إلا وفيه شعبة من ذلك كما يوجد أيضا شعبة من ذلك في أهل الأهواء من اتباع الملوك والوزراء والكتاب والتجار لكن الرافضة ابلغ في الضلال والغي من جميع الطوائف أهل البدع

فصل

قال الرافضي البرهان الخامس والعشرون قوله تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال الثعلبي إنما نزلت في علي وهذا يدل على أنه أفضل فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها أن هذا كذب على الثعلبي فإنه قال في تفسيره في هذه الآية قال علي وقتادة والحسن إنهم أبو بكر وأصحابه وقال مجاهد هم أهل اليمن وذكر حديث عياض بن غنم أنهم أهل اليمن وذكر الحديث أتاكم أهل اليمن فقد نقل الثعلبي أن عليا فسر هذه الآية بأنهم أبو بكر وأصحابه

وأما أئمة التفسير فروى الطبري عن المثنى حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا سيف بن عمر عن أبي روق عن الضحاك عن أبي أيوب عن علي في قوله يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه قال علم الله المؤمنين ووقع معنى السوء على الحشو الذي فيهم من المنافقين ومن في علمه أن يرتدوا فقال من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله المرتدة في دورهم بقوم يحبهم ويحبونه بابي بكر وأصحابه رضي الله عنهم وذكر بإسناده هذا القول عن قتادة والحسن والضحاك وابن جريج وذكر قوم أنهم الأنصار وعن آخرين أنهم أهل اليمن ورجح هذا الآخر وأنهم رهط أبي موسى قال ولولا صحة الخبر بذلك عن النبي ﷺ ما كان القول عندي في ذلك إلا قول من قال هم أبو بكر وأصحابه قال لما ارتد المرتدون جاء الله بهؤلاء على عهد عمر رضي الله عنه

الثاني أن هذا قول بلا حجة فلا يجب قبوله

الثالث أن هذا معارض بما هو اشهر منه واظهر وهو أنها نزلت في أبي بكر وأصحابه الذين قاتلوا معه أهل الردة وهذا هو المعروف عند الناس كما تقدم لكن هؤلاء الكذابون أرادوا أن يجعلوا الفضائل التي جاءت في أبي بكر يجعلونها لعلي وهذا من المكر السيء الذي لا يحيق إلا بأهله

وحدثني الثقة من أصحابنا أنه اجتمع بشيخ أعرفه وكان فيه دين وزهد وأحوال معروفة لكن كان فيه تشيع قال وكان عنده كتاب يعظمه ويدعي أنه من الأسرار وأنه أخذه من خزائن الخلفاء وبالغ في وصفه فلما أحضره فإذا به كتاب قد كتب بخط حسن وقد عمدوا إلى الأحاديث التي في البخاري ومسلم جميعها في فضائل أبي بكر وعمر ونحوهما جعلوها لعلي ولعل هذا الكتاب كان من خزائن بني عبيد المصريين فإن خواصهم كانوا ملاحدة زنادقة غرضهم قلب الإسلام وكانوا قد وضعوا من الأحاديث المفتراة التي يناقضون بها الدين ما لا يعلمه إلا الله

ومثل هؤلاء الجهال يظنون أن الاحاديث التي في البخاري ومسلم إنما أخذت عن البخاري ومسلم كما يظن مثل ابن الخطيب ونحوه ممن لا يعرف حقيقة الحال وأن البخاري ومسلما كان الغلط يروج عليهما أو كانا يتعمدان الكذب ولا يعلمون أن قولنا رواه البخاري ومسلم علامة لنا على ثبوت صحته لا أنه كان صحيحا بمجرد رواية البخاري ومسلم بل أحاديث البخاري ومسلم رواها غيرهما من العلماء والمحدثين من لا يحصي عدده إلا الله ولم ينفرد واحد منهما بحديث بل ما من حديث إلا وقد رواه قبل زمانه وفي زمانه وبعد زمانه طوائف ولو لم يخلق البخاري ومسلم لم ينقص من الدين شيء وكانت تلك الأحاديث موجوده بأسانيد يحصل بها المقصود وفوق المقصود

وإنما قولنا رواه البخاري ومسلم كقولنا قراه القراء السبعة والقرآن منقول بالتواتر لم يختص هؤلاء السبعة بنقل شيء منه وكذلك التصحيح لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلما بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحا متلقى بالقبول وكذلك في عصرهما وكذلك بعدهما قد نظر أئمة هذا الفن في كتابيهما ووافقوهما على تصحيح ما صححاه إلا مواضع يسيرة نحو عشرين حديثا غالبها في مسلم انتقدها عليهما طائفة من الحفاظ وهذه المواد المنتقدة غالبها في مسلم وقد انتصر طائفة لهما فيها وطائفة قررت قول المنتقدة

والصحيح التفصيل فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب مثل حديث أم حبيبة وحديث خلق الله البرية يوم السبت وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر

وفيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري فإنه أبعد الكتابين عن الانتقاد ولا يكاد يروي لفظا فيه انتقاد إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه منتقد فما في كتابه لفظ منتقد إلا وفي كتابه ما يبين أنه منتقد

وفي الجملة من نقد سبعة آلاف درهم فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة ومع هذا فهي مغيرة ليست مغشوشة محضة فهذا إمام في صنعته والكتابان سبعة آلاف حديث وكسر

والمقصود أن أحاديثهما انتقدها الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم ورواها خلائق لا يحصي عددهم إلا الله فلم ينفردا لا برواية ولا بتصحيح والله سبحانه وتعالى هو الكفيل بحفظ هذا الدين كما قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون

وهذا مثل غالب المسائل التي توجد في الكتب المصنفة في مذاهب الأئمة مثل القدوري والتنبيه والخرقي والجلاب غالب ما فيها إذا قيل ذكره فلأن علم أنه مذهب ذلك الإمام وقد نقل ذلك سائر أصحابه وهم خلق كثير ينقلون مذهبه بالتواتر

وهذه الكتب فيها مسائل أنفرد بها بعض أهل المذهب وفيها نزاع بينهم لاكن غالبا هو قول أهل المذهب وأما البخاري ومسلم فجمهور ما فيهما أتفق عليه أهل العلم بالحديث الذين هم اشد عناية بألفاظ الرسول وضبطا لها ومعرفة بها من اتباع الأئمة لألفاظ أئمتهم وعلماء الحديث أعلم بمقاصد الرسول في ألفاظه من أتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم والنزاع بينهم في ذلك اقل من تنازع اتباع الأئمة في مذاهب أئمتهم

والرافضة لجهلهم يظنون أنهم إذا قبلوا ما في نسخة من ذلك وجعلوا فضائل الصديق لعلي أن ذلك يخفى على أهل العلم الذين حفظ الله بهم الذكر

الرابع أن يقال أن الذي تواتر عند الناس أن الذي قاتل أهل الردة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قاتل مسيلمة الكذاب المدعي للنبوة واتباعه بني حنيفة وأهل اليمامة ز قد قيل كانوا نحو مائة ألف أو اكثر وقاتل طليحة الاسدي وكان قد ادعى النبوة بنجد واتبعه من أسد تميم وغطفات ما شاء الله ادعت النبوة سجاح امرأة تزوجها مسيلمة الكذاب فتزوج الكذاب بالكذابة

وأيضا فكان من العرب من ارتد عن الإسلام ولم يتبع متنبئا كذابا ومنهم قوم اقروا بالشهادتين لكن امتنعوا من أحكامهما كمانعي الزكاة وقصص هؤلاء مشهورة متواترة يعرفها كل من له بهذا الباب أدنى معرفة

والمقاتلون للمرتدين هم من الذين يحبهم الله ويحبونه وهم أحق الناس بالدخول في هذه الآية وكذلك الذين قاتلوا سائر الكفار من الروم والفرس وهؤلاء أبو بكر وعمر ومن اتبعهما من أهل اليمن وغيرهم ولهذا روي أن هذه الآية لما نزلت سئل النبي ﷺ عن هؤلاء فأشار إلى أبي موسى الاشعري وقال هم قوم هذا

فهذا أمر يعرف بالتواتر والضرورة أن الذين أقاموا الإسلام وثبتوا عليه حين الردة وقاتلوا المرتدين والكفار هم داخلون في قوله فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم

وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله لكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان ولا كان جهاده للكفار والمرتدين أعظم من جهاد هؤلاء ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم مما حصل بهؤلاء بل كل منهم له سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خير جزاء فهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون

وأما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين والدنيا أعظم فيجعلهم كفارا أو فساقا ظلمة ويأتي إلى من لم يجر على يديه من الخير مثل ما جرى على يد واحد منهم فيجعله الله أو شريكا لله أو شريك رسول الله ﷺ أو الإمام المعصوم الذي لا يؤمن إلا من جعله معصوما منصوصا عليه ومن خرج عن هذا فهو كافر ويجعل الكفار المرتدين الذي قاتلهم أولئك كانوا مسلمين ويجعل المسلمين الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان ويحجون البيت ويؤمنون بالقرآن يجعلهم كفارا لأجل قتال هؤلاء

فهذا عمل أهل الجهل والكذب والظلم والإلحاد في دين الإسلام عمل من لا عقل له ولا دين ولا إيمان

والعلماء دائما يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقا ملحدا مقصوده إفساد دين الإسلام ولهذا صار الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية والمعطلة كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم

وأول الفكرة آخر العمل فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد دين الإسلام ونقض عراه وقلعه بعروشه آخرا لكن صار يظهر منه ما يكنه من ذلك ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون

وهذا معروف عن ابن سبأ وأتباعه وهو الذي ابتدع النص في علي وابتدع أنه معصوم فالرافضة الإمامية هم اتباع المرتدين وغلمان الملحدين وورثة المنافقين لم يكونوا أعيان المرتدين الملحدين

الوجه الخامس أن يقال هب أن الآية نزلت في علي أيقول القائل أنها مختصة به ولفظها يصرح بأنهم جماعة قال تعالى من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه إلى قوله لومة لائم أفليس هذا صريحا في أن هؤلاء ليسوا رجلا فإن الرجل لا يسمى قوما في لغة العرب لا حقيقة ولا مجازا

ولو قال المراد هو وشيعته لقيل إذا كانت الآية أدخلت مع على غيره فلا ريب أن الذين قاتلوا الكفار والمرتدين أحق بالدخول فيها ممن لم يقاتل إلا أهل القبلة فلا ريب أن أهل اليمن الذين قاتلوا مع أبي بكر وعمر وعثمان أحق بالدخول فيها من الرافضة الذين يوالون اليهود والنصارى والمشركين ويعادون السابقين الأولين

فإن قيل الذين قاتلوا مع علي كان كثير منهم من أهل اليمن،

قيل والذين قاتلوه أيظا كان كثير منهم من أهل اليمن فكلا العسكرين كانت اليمانية والقيسية فيهم كثيرة جدا واكثر اذواء اليمن كانوا مع معاوية كذى كلاع وذى وذي رعين عمرو ونحوهم وهم الذين يقال لهم الذوين

كما قال الشاعر:

وما أعني بذلك أصغريهم ... ولكنى أريد به الذوينا

الوجه السادس قوله فسوف يأتي الله بقوم بحبهم ويحبونه لفظ مطلق ليس فيه تعيين وهو متناول لمن قام بهذه الصفات كائنا ما كان لا يختص ذلك بابي بكر ولا بعلي وإذا لم يكن مختصا بإحداهما لم يكن هذا من خصائصه فبطل أن يكون بذلك أفضل ممن يشاركه فيه فضلا عن أن يستوجب بذلك الإمامة

بل هذه الآية تدل على أنه لا يرتد أحد عن الدين إلى يوم القيامة إلا أقام الله قوما يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون هؤلاء المرتدين

والردة قد تكون عن اصل الإسلام كالغالية من النصيرية والإسماعيلية فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السنة والشيعة وكالعباسية وقد تكون الردة عن بعض الدين كحال أهل البدع الرافضة وغيرهم والله تعالى يقيم قوما يحبهم ويحبونه ويجاهدون من ارتد عن الدين أو عن بعضه كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين أو عن بعضه في كل زمان

والله سبحانه المسؤول أن يجعلنا من الذين يحبهم ويحبونه الذين يجاهدون المرتدين واتباع المرتدين ولا يخافون لومة لائم

فصل

قال الرافضي البرهان السادس والعشرون قوله تعالى والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم روى أحمد بن حنبل بإسناد عن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ الصديقون ثلاثة حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال اتقتلوا رجلا أن يقول ربي الله وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم ونحوه روى أبن المغازلي الفقيه الشافعي وصاحب كتاب الفردوس هذه وفضيلة تدل على إمامته

والجواب من وجوه إحدهما المطالبة بصحة الحديث وهذا ليس في مسند أحمد ومجرد روايته له في الفضائل لو كان رواه لا يدل على صحته عنده باتفاق أهل العلم فإنه يروي ما رواه الناس وأن لم تثبت صحته وكل من عرف العلم يعلم أنه ليس كل حديث رواه أحمد في الفضائل ونحوه يقول أنه صحيح بل ولا كل حديث رواه في مسنده يقول أنه صحيح بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس عمن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه وقد يكون في بعضها علة تدل على أنه ضعيف بل باطل لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يحتج بها وهي أجود من أحاديث سنن أبي داود وأما ما رواه في الفضائل فليس من هذا الباب عنده

والحديث قد يعرف أن محدثه غلط فيه أو كذبه من غير علم بحال المحدث بل بدلائل آخر

والكوفيون كان قد اختلط كذبهم بصدقهم فقد يخفى كذب أحدهم أو غلطه على المتأخرين ولكن يعرف ذلك بدليل آخر فكيف وهذا الحديث لم يروه أحمد لا في المسند ولا في كتاب الفضائل وإنما هو من زيادات القطيعى رواه عن محمد بن يونس القرشي حدثنا الحسن بن محمد الأنصاري حدثنا عمرو بن جميع حدثنا بن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ فذكره ورواه القطيعي أيضا من طريق آخر قال كتب إلينا عبد الله بن غنام الكوفي يذكر أن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المكفوف حدثهم قال حدثنا عمرو بن جميع حدثنا محممد بن أبي ليلى عن عيسى ثم ذكر الحديث وعمرو بن جميع ممن لا يحتج بنقله بل قال بن عدي يتهم بالوضع قال يحيى كذاب خبيث وقال النسائي والدار قطني متروك وقال بن حبان يروي الموضوعات عن الإثبات والمناكير عن المشاهير لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار

الثاني أن هذا الحديث موضوع على رسول الله ﷺ

الثالث أن في الصحيح من غير وجه تسميه غير علي صديقا كتسمية أبي بكر الصديق فكيف يقال الصديقون الثلاثة

وفي الصحيحين عن أنس أن النبي ﷺ صعد أحدا وتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال النبي ﷺ اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق وشهيدان ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن قتادة عن أنس وفي رواية ارتج بهم أحد

وفي الصحيح عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا

الوجه الرابع أن الله تعالى قد سمى مريم صديقة فكيف يقال الصديقون ثلاثة

الوجه الخامس أن قول قول القائل الصديقون ثلاثة أن أراد به أنه لا صديق إلا هؤلاء فإنه كذب مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين وأن أراد أن الكامل في الصديقية هم الثلاثة فهو أيضا خطا لأن امتنا خير أمة أخرجت للناس فكيف يكون المصدق بموسى ورسل عيسى أفضل من المصدقين بمحمد؟

والله تعالى لم يسم مؤمن آل فرعون صديقا ولا يسمى صاحب آل ياسين صديقا ولكنهم صدقوا بالرسل والمصدقون بمحمد ﷺ أفضل منهم، وقد سمى الله الأنبياء صديقين في مثل قوله واذكر في الكتاب إبراهيم أنه كان صديقا نبيا واذكر في الكتاب إدريس أنه كان صديقا نبيا وقوله عن يوسف أيها الصديق

الوجه السادس أن الله تعالى قال والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم وهذا يقتضي أن كل مؤمن آمن بالله ورسله فهو صديق

السابع أن يقال إن كان الصديق هو الذي يستحق الإمامة فأحق الناس بكونه صديقا أبو بكر فإنه الذي ثبت له هذا الاسم بالدلائل الكثيرة وبالتواتر الضروري عند الخاص والعام حتى أن أعداء الإسلام يعرفون ذلك فيكون هو المستحق للإمامة وأن لم يكن كونه صديقا يستلزم الإمامة بطلت الحجة

فصل

قال الرافضي البرهان السابع والعشرون قوله تعالى الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية من طريق أبي نعيم بإسناده إلى ابن عباس نزلت في على كان معه أربعة دراهم فأنفق درهما بالليل ودرهما بالنهار ودرهما سرا ودرهما علانية وروى الثعلبي ذلك ولم يحصل ذلك لغيره فيكون أفضل فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل ورواية أبي نعيم والثعلبي لا تدل على الصحة الثاني أن هذا كذب ليس بثابت

الثالث أن الآية عامة في كل من ينفق بالليل والنهار سرا وعلانية فمن عمل بها دخل فيها سواء كان عليا أو غيره ويمتنع أن لا يراد بها إلا واحد معين

الرابع أن ما ذكر من الحديث يناقض مدلول الآية فإن الآية تدل على الأنفاق في الزمانين اللذين لا يخلو الوقت عنهما وفي الحالين اللذين لا يخلو الفعل منهما فالفعل لابد له من زمان والزمان أما ليل وأما نهار والفعل أما سرا وأما علانية فالرجل إذا أنفق بالليل سرا كان قد أنفق ليلا سرا وإذا أنفق علانية نهارا كان قد أنفق علانية نهارا وليس الأنفاق سرا وعلانية خارجا عن الأنفاق بالليل والنهار فمن قال أن المراد من أنفق درهما بالسر ودرهما في العلانية ودرهما بالليل ودرهما بالنهار كان جاهلا فإن الذي أنفقه سرا وعلانية قد أنفقه ليلا ونهارا والذي قد أنفقه ليلا ونهارا قد أنفقه سرا وعلانية فعلم أن الدرهم الواحد يتصف بصفتين لا يجب أن يكون المراد أربعة

لكن هذه التفاسير الباطلة يقول مثلها كثير من الجهال كما يقولون محمد رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعا سجدا علي يجعلون هذه الصفات لموصوفات متعددة ويعينون الموصوف في هؤلاء الأربعة

والآية صريحة في إبطال هذا وهذا فإنها صريحة في أن هذه الصفات كلها لقوم يتصفون بها كلها وأنهم كثيرون ليسوا واحدا ولا ريب أن الأربعة أفضل هؤلاء وكل من الأربعة موصوف بهذا كله وأن كان بعض الصفات في بعض أقوى منها في آخر

واغرب من ذلك قول بعض جهال المفسرين والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين أنهم الأربعة فإن هذا مخالف للعقل والنقل لكن الله اقسم بالأماكن الثلاثة التي أنزل فيها كتبه الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن وظهر منها موسى وعيسى ومحمد كما قال في التوراة جاء الله من طور سينا واشرق من ساعين واستعلن من جبال فاران

فالتين والزيتون الأرض التي بعث فيها المسيح وكثيرا ما تسمى الأرض بما ينبت فيها فيقال فلأن خرج إلى الكرم والى الزيتون وإلى الرمان ونحو ذلك ويراد الأرض التي فيها ذلك فإن الأرض تتناول ذلك فعبر عنها ببعضها

وطور سينين حيث كلم الله موسى وهذا البلد الأمين مكة أم القرى التي بعث بها محمد ﷺ

والجاهل بمعنى الآية لتوهمه أن الذي أنفقه سرا وعلانية غير الذي أنفقه في الليل والنهار يقول نزلت فيمن أنفق أربعة دراهم أما على وإما غيره ولهذا قال الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية لم يعطف بالواو فيقول سرا وعلانية بل هذأن داخلان في الليل والنهار سواء قيل هما منصوبان على المصدر لأنهما نوعان من الأنفاق أو قيل على الحال فسواء قدرا سرا وعلانية أو مسرا ومعلنا فتبين أن الذي كذب هذا كان جاهلا بدلالة القرآن والجهل في الرافضة ليس بمنكر

الخامس أنا لو قدرنا أن عليا فعل ذلك ونزلت فيه الآية فهل هنا إلا أنفاق أربعة دراهم في أربعة أحوال وهذا عمل مفتوح بابه ميسر إلى يوم القيامة والعاملون بهذا وأضعافه اكثر من أن يحصوا وما من أحد فيه خير إلا ولا بد أن ينفق ان إنشاء الله تارة بالليل وتارة بالنهار وتارة في السر وتارة في العلانية فليس هذا من الخصائص فلا يدل على فضيلة الإمامة

فصل

قال الرافضي البرهان الثامن والعشرون ما رواه أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال ليس من آية في القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا علي رأسها وأميرها وشريفها وسيدها ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير وهذا يدل على أنه أفضل فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل وليس هذا في مسند أحمد ولا مجرد روايته له لو رواه في الفضائل يدل على أنه صدق فكيف ولم يروه أحمد لا في المسند ولا في الفضائل وإنما هو من زيادات القطيعي رواه عن إبراهيم عن شريك الكوفي حدثنا زكريا بن يحيى الكسائى حدثنا عيسى عن على بن بذيمة عن عكرمة عن بن عباس ومثل هذا الإسناد لا يحتج به باتفاق أهل العلم فإن زكريا بن يحيى الكسائى قال فيه يحيى رجل سوء يحدث بأحاديث يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها وقال الدارقطني قطني متروك وقال ابن عدي كان يحدث بأحاديث في مثالب الصحابة

الثاني أن هذا كذب على ابن عباس والمتواتر عنه أنه كان يفضل عليه أبا بكر وعمر وله معايبات يعيب بها عليا ويأخذ عليه في أشياء من أموره حتى أنه لما حرق الزنادقة الذين ادعوا فيه الإلهية قال لو كنت أنا لم احرقهم لنهى النبي ﷺ أن يعذب بعذاب الله ولضربت أعناقهم لقول النبي ﷺ من بدل دينه فاتتلوه رواه البخاري وغيره ولما بلغ عليا ذلك عليا قال ويح أم ابن عباس

ومن الثابت أن ابن عباس أنه كان يفتي إذا لم يكن معه نص بقول أبي بكر وعمر فهذا اتباعه لأبي بكر وعمر وهذه معارضته لعلي

وقد ذكر غير واحد منهم الزبير بن بكار مجاوبته لعلي لما أخذ ما أخذ من مال البصرة فأرسل إليه رسالة فيها تغليط عليه فأجاب عليا بجواب يتضمن أن ما فعلته دون ما فعلته من سفك دماء المسلمين على الإمارة ونحو ذلك

الثالث أن هذا الكلام ليس فيه مدح لعلي فإن الله كثيرا ما يخاطب الناس بمثل هذا في مقام عتاب كقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون فإن كان علي راس هذه الآية فقد وقع منه هذا الفعل الذي أنكره الله وذمه

وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وثبت في الصحاح أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بمكة فأرسل النبي ﷺ عليا والزبير ليأتيا بالمرأة التي كان معها الكتاب وعلي كان بريئا من ذنب حاطب فكيف يجعل راس المخاطبين الملامين على هذا الذنب

وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القي إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا وهذه الآية نزلت في الذين وجدوا رجلا في غنيمة له فقال أنا مسلم فلم يصدقوه وأخذوا غنمه فأمرهم الله سبحانه وتعالى بالتثبت والتبين ونهاهم عن تكذيب مدعي الإسلام طمعا في دنياه وعلي رضي الله عنه بري من ذنب هؤلاء فكيف يقال هو رأسهم وأمثال هذا كثير في القرآن

الرابع هو ممن شمله لفظ الخطاب وأن لم يكن هو سبب الخطاب فلا ريب أن اللفظ شمله كما يشمل غيره وليس في لفظ الآية تفريق بين مؤمن ومؤمن

الخامس أن قول القائل عن بعض الصحابة أنه راس الآيات وأميرها وشريفها وسيدها كلام لا حقيقة له فإن أريد أنه أول من خوطب بها فليس كذلك فإن الخطاب يتناول المخاطبين تناولا واحدا لا تتقدم بعضهم بما تناوله عن بعض

وإن قيل أنه أول من عمل بها فليس كذلك فإن في الآيات آيات قد عمل بها من قبل علي وفيها آيات لم يحتج علي أن يعمل بها

وإن قيل أن تناولها لغيره أو عمل غيره بها مشروط به كالإمام في الجمعة فليس الأمر كذلك فإن شمول الخطاب لبعضهم ليس مشروطا بشموله لآخرين ولا وجوب العمل على بعضهم مشروط على آخرين بوجوبه

وإن قيل أنه أفضل من عنى بها فهذا يبنى على كونه أفضل الناس فإن ثبت ذلك فلا حاجة إلى الاستدلال بهذه الآية وأن لم يثبت لم يجز الاستدلال بها فكان الاستدلال بها باطلا على التقديرين

وغاية ما عندكم أن تذكروا أن ابن عباس كان يفضل عليا وهذا مع أنه هذا كذب على ابن عباس وخلاف المعلوم عنه فلو أنه قدر أنه قال ذلك مع مخالفة جمهور الصحابة لم يكن حجة

السادس أن قول القائل لقد عاتب الله أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير كذب معلوم فإنه لا يعرف أن الله عاتب أبا بكر في القرآن بل ولا أنه ساء رسول الله بل روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في خطبته أيها الناس اعرفوا أبي بكر حقه فإنه لم يسؤني يوما قط

والثابت من الأحاديث الصحيحة يدل على أن النبي ﷺ كان ينتصر لأبي بكر وينهى الناس عن معارضته ولم ينقل أنه ساءه كما نقل ذلك عن غيره فإن عليا لما خطب بنت أبي جهل خطب النبي ﷺ الخطبة المعروفة وما حصل مثل هذا في حق أبي بكر قط

وأيضا فعلي لم يكن يدخل مع النبي ﷺ في الأمور العامة كما كان يدخل معه أبو بكر مثل المشاورة في ولايته وحربه وعطائه وغير ذلك فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا مع النبي ﷺ مثل الوزيرين له شاورهما في أسرى بدر ما يصنع بهم وشاورهما في وفد بني تميم لمن يولي عليهم وشاورهما في غير ذلك من الأمور العامة يخصهما بالشورى

وفي الصحيحين عن علي أن عمر لما مات قال له والله إني لأرجو أن يحشرك الله مع صاحبيك فإني كنت كثيرا ما اسمع من رسول الله ﷺ يقول دخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر

وكان يشاور أبا بكر بأمور حروبه يخصه كما شاوره في قصة الإفك كما استشار أسامة بن زيد وكما سال بريرة وهذا أمر يخصه فإنه لما اشتبه عليه أمر عائشة رضي الله عنها وتردد هل يطلق لما بلغه عنها أم يمسكها صار يسال عنها بريرة لتخبره بباطن أمرها ويشاور فيها عليا أيمسكها أم يطلقها فقال له أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا وقال على لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير واسأل الجارية تصدقك ومع هذا فنزل القرآن ببراءتها وإمساكها موافقة لما أشار به أسامة بن زيد حب النبي ﷺ وكان عمر يدخل في مثل هذه الشورى ويتكلم مع نسائه فيما يخص النبي ﷺ حتى قالت له أم سلمة يا عمر لقد دخلت في كل شيء حتى دخلت بين رسول الله ﷺ وبين نسائه

وأما الأمور العامة الكلية التي تعم المسلمين إذا لم يكن فيها وحي خاص فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر وأن دخل غيرهما في الشورى لكن هما الأصل في الشورى وكان عمر تاره ينزل القرآن بموافقته فيما يراه وتارة يتبين له الحق في الخلاف ما رآه فيرجع عنه

وأما الأمور العامة الكلية التي تعم المسلمين إذا لم يكن فيها وحي خاص فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر وأن دخل غيرهما في الشورى لكن هما الأصل في الشورى وكان عمر تارة ينزل القرآن بموافقته فيما يراه وتارة يتبين له الحق في خلاف ما رآه فيرجع عنه

وأما أبو بكر فلم يعرف أنه أنكر عليه شيئا ولا كان أيضا يتقدم في شيء اللهم إلا لما تنازع هو وعمر فيمن يولى من بني تميم حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول وليس تأذي النبي ﷺ في ذلك بأكثر من تأذيه في قصة فاطمة

وقد قال تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله وقد أنزل الله تعالى في على يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون لما صلى فقرا وخلط

وقال النبي ﷺ وكان الإنسان اكثر شيء جدلا لما قال له ولفاطمة إلا تصليان فقالا أنما أنفسنا بيد الله سبحانه وتعالى

فصل

قال الرافضي البرهان التاسع والعشرون قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما من صحيح البخاري عن كعب بن عجرة قال سألنا رسول الله ﷺ فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفي صحيح مسلم قلنا يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ولا شك أن عليا أفضل آل محمد فيكون أولى بالإمامة

والجواب أنه لا ريب أن هذا الحديث صحيح متفق عليه وأن عليا من آل محمد الداخلين في قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ولكن ليس هذا من خصائصه فإن جميع بني هاشم داخلون في هذا كالعباس وولده والحارث بن عبد المطلب وولده وكبنات النبي ﷺ زوجتي عثمان رقية وأم كلثوم وبنته فاطمة وكذلك أزواجه كما في الصحيحين فيه قوله اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته بل يدخل فيه سائر أهل بيته إلى يوم القيامة ويدخل فيه إخوة علي كجعفر وعقيل

ومعلوم أن دخول هؤلاء في الصلاة والتسليم لا يدل على أنه أفضل من كل من لم يدخل في ذلك ولا أنه يصلح بذلك للإمامة فضلا عن أن يكون مختصا بها إلا ترى أن عمارا والمقداد وأبا ذر وغيرهم ممن أتفق أهل السنة والشيعة على فضلهم لا يدخلون في الصلاة على إلال ويدخل فيها عقيل والعباس وبنوه وأولئك أفضل من هؤلاء باتفاق أهل السنة والشيعة وكذلك يدخل فيها عائشة وغيرها من أزواجه ولا تصلح امرأة لإمامه وليست أفضل الناس باتفاق أهل السنة والشيعة فهذه فضيلة مشتركة بينه وبين غيره وليس كل من اتصف بها أفضل ممن لم يتصف بها

وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم فالتابعون أفضل من القرن الثالث

وتفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم تفصيل الأفراد على كل فرد فإن القرن الثالث والرابع فيهم من هو أفضل من كثير ممن أدرك الصحابة كالاشتر النخعي وأمثاله من رجال الفتن وكالمختار بن أبي عبيد وأمثاله من الكذابين والمفترين والحجاج بن يوسف وأمثاله من أهل الظلم والشر

وليس على أفضل أهل البيت بل أفضل أهل البيت رسول الله ﷺ فإنه داخل في أهل البيت، كما قال للحسن أما علمت أنا أهل بيت لا نأكل الصدقة. وهذا الكلام يتناول المتكلم ومن معه

وكما قالت الملائكة رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وإبراهيم فيهم

وكما قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم آل إبراهيم وإبراهيم داخل فيهم

وكما في قوله تعالى إلا آل لوط نجيناهم فإن لوطا دخل فيهم وكذلك قوله أن الله اصطفى آدم ونوحا وال إبراهيم وال عمران على العالمين فقد دخل إبراهيم في الاصطفاء

وكذلك قوله سلام على آل ياسين فقد دخل ياسين في السلام وكذلك قول النبي اللهم صل عرلى آل أبي أوفى دخل في ذلك أبو أوفى وكذلك قوله لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود

وليس إذا كان علي أفضل أهل البيت بعد رسول الله ﷺ يجب أن يكون أفضل الناس بعده لأن بني هاشم أفضل من غيرهم فإن رسول الله ﷺ منهم وأما إذا خرج منهم فلا يجب أن يكون أفضلهم بعده أفضل ممن سواهم

كما أن التابعين إذا كانوا أفضل من تابعي التابعين وكان فيهم واحد أفضل لم يجب أن يكون الثاني أفضل من أفضل تابعي التابعين

بل الجملة إذا فضلت على الجملة فكان أفضلهما أفضل من الجملة الأخرى حصل مقصود التفضيل وما بعد ذلك فموقوف على الدليل

بل قد يقال لا يلزم أن يكون أفضلها أفضل من فاضل الأخرى إلا بدليل

وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال أن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فإذا كان جملة قريش أفضل من غيرها لم يلزم أن يكون كل منهم أفضل من غيرهم بل في سائر العرب وغيرهم من المؤمنين من هو أفضل من اكثر قريش والسابقون الأولون من قريش نفر معدودون وغالبهم أنما أسلموا عام الفتح وهم الطلقاء

وليس كل المهاجرين من قريش بل المهاجرون من قريش وغيرهم كابن مسعود الهزلي وعمران بن حصين الخزاعي والمقداد بن الاسود الكندي وهؤلاء وغيرهم من البدريين أفضل من اكثر بني هاشم فالسابقون من بني هاشم حمزة وعلى وجعفر وعبيدة بن الحارث أربعة أنفس وأهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر فمنهم من بني هاشم ثلاثة وسائرهم أفضل من سائر بني هاشم

وهذا كله بناء على أن الصلاة والسلام على آل محمد وأهل بيته تقتضي أن يكونوا أفضل من سائر أهل البيوت وهذا مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون بنو هاشم أفضل قريش وقريش أفضل العرب والعرب أفضل بني آدم

وهذا هو المنقول عن أئمة السنة كما ذكره حرب الكرماني عمن لقيهم مثل أحمد وإسحاق وسعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهم

وذهبت طائفة إلى منع التفضيل بذلك كما ذكره القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى في المعتمد وغيرهما

والأول اصح فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ في الصحيح أنه قال لأن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريش من كنانة واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم وروي أن الله اصطفى بني إسماعيل وهذا مبسوط في غير هذا الموضع

فصل

قال الرافضي البرهان الثلاثون قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان من تفسير الثعلبي وطريق أبي نعيم عن ابن عباس في قوله مرج البحرين يلتقيان قال علي وفاطمة بينهما برزخ لا يبغيان النبي ﷺ وآله يخرج منها اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة فيكون أولى بالإمامة

والجواب أن هذا وأمثاله أنما يقوله من لا يعقل ما يقول وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن وهو من جنس تفسير الملاحدة ة والقرامطة الباطنية للقرآن بل هو شر من كثير منه والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن والطعن فيه بل تفسير القرآن بمثل هذا من أعظم القدح فيه والطعن فيه

ولجهال المنتسبين إلى السنة تفاسير في الأربعة وهي أن كانت باطلة فهي امثل من هذا كقولهم الصابرين محمد والصادقين أبو بكر والقانتين عمر والمنفقين عثمان والمستغفرين بالأسحار علي

وكقوله محمد رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعا سجدا على

وكقولهم والتين أبو بكر والزيتون عمر وطور سينين عثمان وهذا البلد الأمين علي

وكقولهم والعصر أن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا أبو بكر وعملوا الصالحات عمر وتواصوا بالحق عثمان وتواصوا بالصبر علي

فهذه التفاسير من جنس تلك التفاسير وهي أمثل من الحادات الرافضة كقولهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين علي وكقولهم وأنه في أم الكتاب لدنيا لعلي حكيم أنه علي بن أبي طالب والشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية وأمثال هذا الكلام الذي لا يقوله من يرجو لله وقارا ولا يقوله من يؤمن بالله وكتابه

وكذلك قول القائل مرج البحرين يلتقيان علي وفاطمة بينهما برزخ لا يبغيان النبي ﷺ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين وكل من له أدنى علم وعقل يعلم بالاضطرار بطلان هذا التفسير وأن ابن عباس لم يقل هذا

وهذا من التفسير الذي في تفسير الثعلبي وذكره بإسناد رواته مجهولون لا يعرفون عن سفيان الثوري وهو كذب على سفيان قال الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد الدينوري حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال قرا أبي على أبي محمد بن الحسن بن علوية القطان من كتابه وأنا اسمع حدثنا بعض أصحابنا حدثنا رجل من أهل مصر يقال له طسم حدثنا أبو حذيفة عن أبيه عن سفيان الثوري في قوله مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان قال فاطمة وعلي يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين

وهذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض لا يثبت بمثله شيء

ومما يبين كذب ذلك وجوه أحدها أن تسمية هذين بحرين وهذا لؤلؤا هذا في سورة الرحمان وهي مكية بإجماع المسلمين والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة الثاني أن عن عيسى ثم ذكر وهذا مرجانا وجعل النكاح مرجا أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه لا حقيقة ولا مجازا بل كما أنه كذب على الله وعلى القرآن فهو كذب على اللغة

الثالث أنه ليس في هذا شيء زائد على ما يوجد في سائر بني آدم فإن كل من تزوج امرأة وولد لهما ولدان فهما من هذا الجنس فليس في ذكر هذا ما يستعظم من قدرة الله وآياته إلا ما في نظائره من خلق الآدميين فلا موجب للتخصيص وإن كان ذلك لفضيلة الزوجين والولدين فإبراهيم واسحق ويعقوب افضل من علي

وفي الصحيح أن النبي ﷺ سئل أي الناس اكرم فقال اتقاهم فقالوا ليس عن هذا نسألك فقال يوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله

وآل إبراهيم الذين أمرنا أن نسأل لمحمد وأهل بيته من الصلاة مثل ما صلى الله عليهم ونحن وكل مسلم نعلم أن آل إبراهيم افضل من آل علي لكن محمد افضل من إبراهيم ولهذا ورد هنا سؤال مشهور وهو انه إذا كان محمد افضل فلم قيل كما صليت على إبراهيم والمشبه دون المشبه به

وقد أجيب عن ذلك بأجوبه منها أن يقال أن آل إبراهيم فيهم الأنبياء ومحمد فيهم قال ابن عباس محمد من آل إبراهيم فمجموع آل إبراهيم بمحمد افضل من آل محمد ومحمد قد دخل في الصلاة على آل إبراهيم ثم طلبنا له من الله ولأهل بيته دونه مثل ما صلى على إبراهيم فيأخذ أهل بيته ما يليق بهم ويبقى سائر ذلك لمحمد ﷺ فيكون قد طلب له من الصلاة ما جعل للأنبياء من آل إبراهيم والذي يأخذه الفاضل من أهل بيته لا يكون مثلما يحصل لنبي فتعظم الصلاة عليه بهذا الاعتبار ﷺ وقيل أن التشبيه في الأصل لا في القدر

الرابع أن الله ذكر انه مرج البحرين في آية أخرى فقال في الفرقان وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج فلو أريد بذلك علي وفاطمة لكان ذلك ذما لأحدهما وهذا باطل بإجماع أهل السنة والشيعة

الخامس انه قال بينهما برزخ لا يبغيان فلو أريد بذلك علي وفاطمة لكان البرزخ الذي هو النبي ﷺ بزعمهم أو غيره هو المانع لأحدهما أن يبغي على الآخر وهذا بالذم أشبه منه بالمدح

السادس أن أئمة التفسير متفقون على خلاف هذا كما ذكره ابن جرير وغيره فقال ابن عباس بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام وقال الحسن مرج البحرين يعني بحر فارس والروم بينهما برزخ هو الجزائر، وقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قال الزجاج إنما يخرج من البحر الملح وإنما جمعهما لانه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما مثل وجعل القمر فيهن نورا وقال الفارسي أراد من أحدهما فحذف المضاف وقال ابن جرير إنما قال منهما لانه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء

وأما اللؤلؤ والمرجان ففيهما قولان أحدهما أن المرجان ما صغر من اللؤلؤ واللؤلؤ العظام قاله الأكثر ون منهم ابن عباس وقتادة والفراء والضحاك وقال الزجاج اللؤلؤ اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر والمرجان صغاره الثاني أن اللؤلؤ الصغار والمرجان الكبار قاله مجاهد والسدى ومقاتل قال ابن عباس إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فما وقع فيها من المطر فهو لؤلؤ وقال ابن جرير حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة وقال ابن مسعود المرجان الخرز الأحمر وقال الزجاج المرجان ابيض شديد البياض وحكى عن أبي يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان

فصل

قال الرافضي البرهان الحادي والثلاثون قوله تعالى ومن عنده علم الكتاب من طريق أبي نعيم عن ابن الحنفية قال هو علي بن أبي طالب وفي تفسير الثعلبي عن عبد الله بن سلام قال قلت من هذا الذي عنده علم الكتاب قال ذلك علي بن أبي طالب وهذا يدل على انه افضل فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل عن ابن سلام وابن الحنفية

الثاني انه بتقدير ثبوته ليس بحجة مع مخالفة الجمهور لها

الثالث أن هذا كذب عليهما

الرابع أن هذا باطل قطعا وذلك أن الله تعالى قال قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ولو أريد به علي لكان المراد أن محمدا يستشهد على ما قاله بابن عمه علي ومعلوم أن عليا لو شهد له بالنبوة وبكل ما قال لم ينتفع محمد بشهادته له ولا يكون ذلك حجة له على الناس ولا يحصل بذلك دليل المستدل ولا ينقاد بذلك أحد لأنهم يقولون من أين لعلي بذلك وإنما هو استفاد ذلك من محمد فيكون محمد هو الشاهد لنفسه

ومنها أن يقال أن هذا ابن عمه ومن أول من آمن به فيظن به المحاباة والمداهنة والشاهد أن لم يكن عالما بما يشهد به بريئا من التهمه لم يحكم بشهادته ولم يكن حجة على المشهود عليه فكيف إذا لم يكن له علم بها إلا من المشهود له ومعلوم انه لو شهد له بتصديقه فيما قاله أبو بكر وعمر وغيرهما كان انفع له لان هؤلاء ابعد عن ا لتهمة ولان هؤلاء قد يقال انهم كانوا رجالا وقد سمعوا من أهل الكتاب ومن الكهان أشياء علموها من غير جهة محمد بخلاف على فانه كان صغيرا فكان الخصوم يقولون لا يعلم ما شهد به إلا من جهة المشهود له

وأما أهل الكتاب فإذا شهدوا بما تواتر عندهم عن الأنبياء وبما علم صدقه كانت تلك شهادة نافعة كما لو كان الأنبياء موجودين وشهدوا له لان ما ثبت نقله عنهم بالتواتر وغيره كان بمنزلة شهادتهم أنفسهم

ولهذا نحن نشهد على الأمم بما علمناه من جهة نبينا كما قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا

فهذا الجاهل الذي جعل هذا فضيلة لعلى قدح بها فيه وفي النبي الذي صار به على من المؤمنين وفي الأدلة الدالة على الإسلام ولا يقول هذا إلا زنديق أو جاهل مفرط في الجهل

فان كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وان كنت تدري فالمصيبة أعظم

الخامس أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير آية كقوله تعالى قل ارأيتم أن كان من عند الله ثم كفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل علي مثله افترى عليا هو من بني إسرائيل

وقال تعالى فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك فهل كان على من الذين يقرؤون الكتاب من قبله

وقال وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر فهل أهل الذكر الذين يسألونهم هل أرسل الله إليهم رجالا هم علي بن أبي طالب

السادس انه لو قدر أن عليا هو الشاهد لم يلزم أن يكون افضل من غيره كما أن أهل الكتاب الذين يشهدون بذلك مثل عبد الله بن سلام وسلمان وكعب الأحبار وغيرهم ليسوا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كابي بكر وعمر وعثمان وعلى وجعفر وغيرهم

فصل

قال الرافضي البرهان الثاني والثلاثون قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه روى أبو نعيم مرفوعا إلى ابن عباس قال أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم عليه السلام بخلته من الله ومحمد ﷺ لانه صفوة الله ثم على يزف بينهما إلى الجنان ثم قرا ابن عباس يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه قال علي وأصحابه وهذا يدل على انه افضل من غيره فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل لا سيما في مثل هذا الذي لا اصل له

الثاني أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث

الثالث أن هذا باطل قطعا لان هذا يقتضي أن يكون علي افضل من إبراهيم ومحمد لانه وسط وهما طرفان وافضل الخلق إبراهيم ومحمد فمن فضل عليهما عليا كان اكفر من اليهود والنصارى

الرابع انه قد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ انه قال أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم

وليس فيه ذكر محمد ولا علي وتقديم إبراهيم بالكسوة لا يقتضي انه افضل من محمد مطلقا كما أن قوله إن الناس يصعقون يوم القيامة فاكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بالعرش فلا ادري هل استفاق قبلي أم كان من الذين استثنى الله، فتجويز أن يكون سبقه في الإفاقة أو لم يصعق بحال لا يمنعنا أن نعلم أن محمدا افضل من موسى

ولكن إذا كان التفضيل على وجه الغض من المفضول في النقص له نهى عن ذلك كما نهى في هذا الحديث عن تفضيله على موسى وكما قال لمن قال يا خير البرية قال ذاك إبراهيم وصح قوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر وكذلك الكلام في تفضيل الصحابة يتقى فيه نقص أحد عن رتبته أو الغض من درجته أو دخول الهوى والفرية في ذلك كما فعلت الرافضة والنواصب الذين يبخسون بعض الصحابة حقوقهم

الخامس أن قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير وقوله يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم نص عام في المؤمنين الذين مع النبي ﷺ وسياق الكلام يدل على عمومه والآثار المروية في ذلك تدل على عمومه

قال ابن عباس ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره يوم القيامة والمؤمن يشفق مما يرى من إطفاء نور المنافق فهو يقول ربنا أتمم لنا نورنا فان العموم في ذلك يعلم قطعا ويقينا وانه لم يرد به شخص واحد فكيف يجوز أن يقال انه على وحده ولو أن قائلا قال في كل ما جعلوه عليا انه أبو بكر أو عمر أو عثمان أي فرق كان بين هؤلاء وهؤلاء إلا محض الدعوى والافتراء بل يمكن ذكر شبه لمن يدعي اختصاص ذلك بابي بكر وعمر أعظم من شبه الرافضة آلتي تدعى اختصاص ذلك بعلى وحينئذ فدخول على في هذه الآية كدخول الثلاثة بل هم أحق بالدخول فيها فلم يثبت بها أفضليته ولا إمامته

فصل

قال الرافضي البرهان الثالث والثلاثون قوله تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية روى الحافظ أبو نعيم بإسناده إلى ابن عباس لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ لعلي تأتى أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي خصماؤك غضابا مفحمين وإذا كان خير البرية وجب أن يكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل وان كنا غير مرتابين في كذب ذلك لكن مطالبة المدعي بصحة النقل لا يأباه إلا معاند ومجرد رواية أبي نعيم ليست بحجة باتفاق طوائف المسلمين

الثاني أن هذا مما هو كذب موضوع باتفاق العلماء وأهل المعرفة بالمنقولات

الثالث أن يقال هذا معارض بمن يقول أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم النواصب كالخوارج وغيرهم ويقولون أن من تولاه فهو كافر مرتد فلا يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويحتجون على ذلك بقوله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون قالوا ومن حكم الرجال في دين الله فقد حكم بغير ما انزل الله فيكون كافرا ومن تولى الكافر فهو كافر لقوله ومن يتولهم منكم فانه منهم وقالوا انه هو وعثمان ومن تولاهما مرتدون بقول النبي ﷺ ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال فأقول أي رب أصحابي أصحابي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم

قالوا وهؤلاء هم الذين حكموا في دماء المسلمين واموالهم بغير ما انزل الله

واحتجوا بقوله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض قالوا والذين ضرب بعضهم رقاب بعض رجعوا بعده كفارا

فهذا وأمثاله من حجج الخوارج وهو وان كان باطلا بلا ريب فحجج الرافضة ابطل منه والخوارج اعقل واصدق واتبع للحق من الرافضة فانهم صادقون لا يكذبون أهل دين ظاهرا وباطنا لكنهم ضالون جاهلون مارقون مرقوا من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية وأما الرافضة فالجهل والهوى والكذب غالب عليهم وكثير من أئمتهم وعامتهم زنادقة ملا حدة ليس لهم غرض في العلم ولا في الدين بل أن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى

والمروانية الذين قاتلوا عليا وان كانوا لا يكفرونه فحججهم أقوى من حجج الرافضة وقد صنف الجاحظ كتابا للمر وانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن الرافضة نقضه بل لا يمكن الزيدية نقضه دع الرافضة

وأهل السنة والجماعة لما كانوا معتدلين متوسطين صارت الشيعة تنتصر بهم فيما يقولونه في حق علي من الحق ولكن أهل السنة قالوا ذلك بأدلة يثبت بها فضل الأربعة وغيرهم من الصحابة ليس مع أهل السنة ولا غيرهم حجة تخص عليا بالمدح وغيره بالقدح فان هذا ممتنع لا ينال إلا بالكذب المحال لا بالحق المقبول في ميدان النظر والجدال

الوجه الرابع أن يقال قوله أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات عام في كل من اتصف بذلك فما الذي أوجب تخصيصه بالشيعة فان قيل لان من سواهم كافر قيل أن ثبت كفر من سواهم بدليل كان ذلك مغنيا لكم عن هذا التطويل وان لم يثبت لم ينفعكم هذا الدليل فانه من جهة النقل لا يثبت فان أمكن إثباته بدليل منفصل فذاك هو الذي يعتمد عليه لا هذه الآية

الوجه الخامس أن يقال من المعلوم المتواتر أن ابن عباس كان يوالي غير شيعة علي اكثر مما يوالي كثيرا من الشيعة حتى الخوارج كان يجالسهم ويفتيهم ويناظرهم فلو اعتقد أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الشيعة فقط وأن من سواهم كفار لم يعمل مثل هذا وكذلك بنو أمية كانت معاملة ابن عباس وغيره لهم من اظهر الأشياء دليلا على انهم مؤمنون عنده لا كفار

فان قبل نحن لا نكفر من سوى الشيعة لكن نقول هم خير البرية، قيل الآية تدل على أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية فان قلتم أن من سواهم لا يدخل في ذلك فأما أن تقولوا هو كافر أو تقولوا فاسق بحيث لا يكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأن دخل اسمهم في الإيمان وإلا ممن كان مؤمنا فليس بفاسق فهو داخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات

فان قلتم هو فاسق، قيل لكم أن ثبت فسقهم كفاكم ذلك في الحجة وأن لم يثبت لم ينفعكم ذلك في الاستدلال وما تذكرون به فسق طائفة من الطوائف إلا وتلك الطائفة تبين لكم أنكم أولى بالفسق منهم من وجوه كثيرة وليس لكم حجة صحيحة تدفعون بها هذا، والفسق غالب عليكم لكثرة الكذب فيكم والفواحش والظلم فان ذلك اكثر فيكم منه في الخوارج وغيرهم من خصومكم واتباع بني أمية كانوا اقل ظلما وكذبا وفواحش ممن دخل في الشيعة بكثير وأن كان في بعض الشيعة صدق ودين وزهد فهذا في سائر الطوائف اكثر منهم ولو لم يكن إلا الخوارج الذين قيل فيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم

الوجه السادس انه قال قبل ذلك أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ثم قال أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية وهذا يبين أن هؤلاء من سوى المشركين وأهل الكتاب وفي القران مواضع كثيرة ذكر فيها الذين آمنوا وعملوا الصالحات وكلها عامة فما الموجب لتخصيص هذه الآية دون نظائرها

وإنما دعوى الرافضة أو غيرهم من أهل الاهواء الكفر في كثير ممن سواهم كالخوار وكثير من المعتزلة والجهمية وانهم هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات دون من سواهم كقول اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهذا عام في كل من عمل لله بما أمره الله فالعمل الصالح هو المأمور به وإسلام وجهه لله إخلاص قصده لله

فصل

قال الرافضي البرهان الرابع والثلاثون قوله تعالى وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وفي تفسير الثعلبي عن ابن سيرين قال نزلت في النبي ﷺ وعلي بن أبي طالب زوج فاطمة عليا وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهر ولم يثبت لغيره ذلك فكان افضل فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أولا المطالبة بصحة النقل

وثانيا أن هذا كذب على ابن سيرين بلا شك

وثالثا أن مجرد قول ابن سيرين الذي خالفه فيه الناس ليس بحجة

الرابع أن يقال هذه الآية في سورة الفرقان وهي مكية وهذا من الآيات المكية باتفاق الناس قبل أن يتزوج علي بفاطمة فكيف يكون ذلك قد أريد به علي وفاطمة

الخامس أن الآية مطلقة في كل نسب وصهر لا اختصاص لها بشخص دون شخص ولا ريب أنها تتناول مصاهرته لعلي كما تتناول مصاهرته لعثمان مرتين كما تتناول مصاهرة أبي بكر وعمر للنبي ﷺ فان النبي ﷺ تزوج عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر من أبويهما وزوج عثمان برقية وأم كلثوم بنتيه وزوج عليا بفاطمة فالمصاهرة ثابتة بينه وبين الأربعة وروي عنه انه قال لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها عثمان

وحينئذ فتكون المصاهرة مشتركة بين علي وغيره فليست من خصائصه فضلا عن أن توجب أفضليته وإمامته عليهم

السادس انه لو فرض انه أريد بذلك مصاهرة علي فمجرد المصاهرة لا تدل على انه افضل من غيره باتفاق أهل السنة والشيعة فان المصاهرة ثابتة لكل من الأربعة مع ان بعضهم افضل من بعض فلو كان المصاهرة توجب الأفضلية للزم التناقض

فصل

قال الرافضي البرهان الخامس والثلاثون قوله تعالى يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين أوجب الله علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق وليس إلا المعصوم لتجويز الكذب في غيره فيكون هو عليا إذ لا معصوم من الأربعة سواه وفي حديث أبي نعيم عن ابن عباس أنها نزلت في علي

والجواب من وجوه أحدها أن الصديق مبالغة في الصادق فكل صديق صادق وليس كل صادق صديقا وأبو بكر رضي الله عنه قد ثبت انه صديق بالأدلة الكثيرة فيجب أن تتناوله الآية قطعا وأن تكون معه بل تناولها له أولى من تناولها لغيره من الصحابة وإذا كنا معه مقرين بخلافته امتنع أن نقر بان عليا كان هو الإمام دونه فالآية تدل على نقيض مطلوبهم

الثاني أن يقال علي أما أن يكون صديقا وأما أن لا يكون فان لم يكن صديقا فأبو بكر الصديق فالكون مع الصادق الصديق أولى من الكون مع الصادق الذي ليس بصديق وأن كان صديقا فعمر وعثمان أيضا صديقون وحينئذ فإذا كان الأربعة صديقين لم يكن علي مختصا بذلك ولا بكونه صادقا فلا يتعين الكون مع واحد دون الثلاثة بل لو قدرنا التعارض لكان الثلاثة أولى من الواحد فانهم اكثر عددا لا سيما وهم اكمل في الصدق

الثالث أن يقال هذه الآية نزلت في قصة كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة تبوك وصدق النبي ﷺ في انه لم يكن له عذر وتاب الله عليه ببركة الصدق وكان جماعة أشاروا عليه بان يعتذر ويكذب كما اعتذر غيره من المنافقين وكذبوا وهذا ثابت في الصحاح والمساند وكتب التفسير والسير والناس متفقون عليه

ومعلوم انه لم يكن لعلي اختصاص في هذه القصة بل قال كعب بن مالك فقام إلي طلحة يهرول فعانقني والله ما قام إلي من المهاجرين غيره فكان كعب لا ينساها لطلحة وإذا كان كذلك بطل حملها على علي وحده

الوجه الرابع أن هذه الآية نزلت في هذه القصة ولم يكن أحد يقال انه معصوم لا علي ولا غيره فعلم أن الله أراد مع الصادقين ولم يشترط كونه معصوما

الخامس انه قال مع الصادقين وهذه صيغة جمع وعلي واحد فلا يكون هو المراد وحده

السادس أن قوله تعالى مع الصادقين أما أن يراد كونوا معهم في الصدق وتوابعه فاصدقوا كما يصدق الصادقون ولا تكونوا مع الكاذبين كما في قوله واركعوا مع الراكعين وقوله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وكما في قوله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما

وأما أن يراد به كونوا مع الصادقين في كل شيء وان لم يتعلق بالصدق

والثاني باطل فان الانسان لا يجب عليه أن يكون مع الصادقين في المباحات كالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك فإن كان الأول هو الصحيح فليس في هذا أمر بالكون مع شخص معين بل المقصود اصدقوا ولا تكذبوا

كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياك والكذب فان الكذب يهدي إلى الفجور وان الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا

وهذا كما يقال كن مع المؤمنين كن مع الأبرار أي ادخل معهم في هذا الوصف وجامعهم عليه ليس المراد انك مأمور بطاعتهم في كل شيء

الوجه السابع أن يقال إذا أريد كونوا مع الصادقين مطلقا فذلك لان الصدق مستلزم لسائر البر كقول النبي ﷺ عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر الحديث وحينئذ فهذا وصف ثابت لكل من اتصف به

الثامن أن يقال أن الله امرنا أن نكون مع الصادقين ولم يقل مع المعلوم فيهم الصدق كما انه قال واشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله لم يقل من علمتم انهم ذوو عدل منكم وكما قال أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها لم يقل إلى من علمتم انهم أهلها وكما قال وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل لم يقل بما علمتم انه عدل لكن علق الحكم بالوصف

ونحن علينا الاجتهاد بحسب الإمكان في معرفة الصدق والعدالة وأهل الأمانة والعدل ولسنا مكلفين في ذلك بعلم الغيب كما أن النبي ﷺ المأمور أن يحكم بالعدل قال إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض وإنما اقضي بنحو مما اسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما اقطع له من النار

الوجه التاسع هب أن المراد من المعلوم فيهم الصدق لكن العلم كالعلم في قوله فان علمتموهن مؤمنات والإيمان أخفى من الصدق فإذا كان العلم المشروط هناك يمتنع أن يقال فيه ليس إلا العلم بالمعصوم كذلك هنا يمتنع أن يقال لا يعلم إلا صدق المعصوم

الوجه العاشر هب أن المراد علمنا صدقه لكن يقال أن أبا بكر وعمر وعثمان ونحوهم ممن علم صدقهم وانهم لا يتعمدون الكذب وان جاز عليهم الخطأ أو بعض الذنوب فان الكذب أعظم ولهذا ترد شهادة الشاهد بالكذبة الواحدة في أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن احمد وقد روى في ذلك حديث مرسل ونحن قد نعلم يقينا أن هؤلاء لم يكونوا يتعمدون الكذب على رسول الله ﷺ بل ولا يتعمدون الكذب بحال ولا نسلم أنا لا نعلم انتفاء الكذب إلا عمن يعلم انه معصوم مطلقا بل كثير من الناس إذا اختبرته تيقنت انه لا يكذب وان كان يخطىء ويذنب ذنوبا أخرى ولا نسلم أن كل من ليس بمعصوم يجوز أن يتعمد الكذب، وهذا خلاف الواقع فان الكذب لا يتعمده إلا من هو من شر الناس وهؤلاء الصحابة لم يكن فيهم من يتعمد الكذب على رسول البنبي الله ﷺ وأهل العلم يعلمون بالاضطرار أن مثل مالك وشعبة ويحيى بن سعيد والثوري والشافعي واحمد ونحوهم لم يكونوا يتعمدون الكذب على النبي ﷺ بل ولا على غيره فكيف بابن عمر وابن عباس وأبى سعيد وغيرهم

الوجه الحادي عشر انه لو قدر أن المراد به المعصوم لا نسلم الإجماع على انتفاء العصمة من غير على كما تقدم بيان ذلك فان كثيرا من الناس الذين هم خير من الرافضة يدعون في شيوخهم هذا المعنى وان غيروا عبارته وأيضا فنحن لا نسلم انتفاء عصمتهم مع ثبوت عصمته بل أما انتفاء الجميع وأما ثبوت الجميع

======

 


فصل

قال الرافضي البرهان السادس والثلاثون قوله تعالى واركعوا مع الراكعين من طريق أبي نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في رسول الله ﷺ وعلي خاصة وهما أول من صلى وركع وهذا يدل على فضيلته فيدل على إمامته الجواب من وجوه أحدها أنا لا نسلم صحة هذا ولم يذكر دليلا على صحته

الثاني أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم الحديث

الثالث أن هذه الآية في سورة البقرة وهي مدنية باتفاق المسلمين وهي في سياق مخاطبة لبني إسرائيل وسواء كان الخطاب لهم أو لهم وللمؤمنين فهو خطاب انزل بعد الهجرة وبعد أن كثر المصلون والراكعون ولم تنزل في أول الإسلام حتى يقال أنها مختصة بأول من صلى وركع

الرابع أن قوله مع الراكعين صيغة جمع ولو أريد النبي ﷺ وعلي لقيل مع الراكعين بالتثنية وصيغة الجمع لا يراد بها اثنان فقط باتفاق الناس بل أما الثلاثة فصاعدا وأما الاثنان فصاعدا أما إرادة اثنين فقط فخلاف الإجماع

الخامس انه قال لمريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ومريم كانت قبل الإسلام فعلم انه كان راكعون قبل الإسلام فليس فيهم علي فكيف لا يكون راكعون في أول الإسلام ليس فيهم علي وصيغة الاثنين واحدة

السادس أن الآية مطلقة لا تخص شخصا بعينه بل أمر الرجل المؤمن أن يصلي مع المصلين وقيل المراد به الصلاة في الجماعة لان الركعة لا تدرك إلا بادراك الركوع

السابع انه لو كان المراد الركوع معهما لا نقطع حكمها بموتهما فلا يكون أحد مأمورا أن يركع مع الراكعين

الثامن أن قول القائل علي أول من صلى مع النبي ﷺ ممنوع بل اكثر الناس على خلاف ذلك وان أبا بكر صلى قبله

التاسع انه لو كان أمرا بالركوع معه لم يدل ذلك على ان من ركع معه يكون هو الإمام فان عليا لم يكن إماما مع النبي ﷺ وكان يركع معه

فصل

قال الرافضي البرهان السابع والثلاثون قوله تعالى واجعل لي وزيرا من أهلي من طريق أبي نعيم عن ابن عباس قال اخذ النبي ﷺ بيد علي وبيدي ونحن بمكة وصلى أربع ركعات ورفع يده إلى السماء فقال اللهم موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي اشدد به أزرى أشركه في أمري قال ابن عباس سمعت مناديا ينادي يا احمد قد أوتيت ما سالت وهذا نص في الباب

والجواب المطالبة بالصحة كما تقدم أولا

الثاني أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث بل هم يعلمون أن هذا من أسمج الكذب على رسول الله ﷺ

الثالث أن النبي ﷺ لما كان بمكة في اكثر الأوقات لم يكن ابن عباس قد ولد وابن عباس ولد وبنو هاشم في الشعب محصور ون ولما هاجر رسول الله ﷺ لم يكن ابن عباس بلغ سن التمييز ولا كان ممن يتوضأ ويصلي مع النبي ﷺ فان النبي ﷺ مات وهو لم يحتلم بعد وكان له عند الهجرة نحو خمس سنين أو اقل منها وهذا لا يؤمر بوضوء ولا صلاة فان النبي ﷺ قال مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ومن يكون بهذا السن لا يعقل الصلاة ولا يحفظ مثل هذا الدعاء إلا بتلقين لا يحفظ بمجرد السماع

الرابع انهم قد قدموا في قوله إنما وليكم الله ورسوله وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة أن النبي ﷺ دعا بهذا الدعاء وهنا قد ذكروا انه قد دعا بهذا الدعاء بمكة قبل تلك الواقعة بسنين متعددة فان تلك كانت في سورة المائدة والمائدة من آخر القران نزولا وهذا في مكة فإذا كان قد دعا بهذا في مكة وقد استجيب له فأي حاجة إلى الدعاء به بعد ذلك بالمدينة بسنين متعددة

الخامس أنا قد بينا فيما تقدم وجوها متعددة في بطلان مثل هذا فان هذا الكلام كذب على رسول الله ﷺ من وجوه كثيرة ولكن هنا قد زادوا فيه زيادات كثيرة لم يذكروها هناك وهي قوله أشركه في أمري فصرحوا هنا بان عليا كان شريكه في أمره كما كان هارون شريك موسى وهذا قول من يقول بنبوته وهذا كفر صريح وليس هو قول الأمامية وإنما هو من قول الغالية

وليس الشريك في الأمر هو الخليفة من بعده فانهم يدعون إمامته بعده ومشاركته له في أمره في حياته وهؤلاء الأمامية وإن كانوا يكفرون من يقول بمشاركته له في النبوة لكنهم يكثرون سوادهم في المقال والرجال بمن يعتقدون فيه الكفر والضلال وبما يعتقدون انه من الكفر والضلال لفرط منابذتهم للدين ومخالفتهم لجماعة المسلمين وبغضهم لخيار أولياء الله المتقين واعتقادهم فيهم انهم من المرتدين فهم كما قيل في المثل رمتني بدائها وانسلت

وهذا الرافضي الكذاب يقول وهذا نص في الباب، فيقال له يا دبير هذا نص في أن عليا شريكه في أمره في حياته كما كان هارون شريكا لموسى فهل تقول بموجب هذا النص أم ترجع عن الإحتجاج بأكاذيب المفترين وترهات إخوانك المبطلين

فصل

قال الرافضي البرهان الثامن والثلاثون قوله تعالى إخوانا على سرر متقابلين من مسند احمد بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى قال دخلت على رسول الله ﷺ مسجده فذكر قصة مؤاخاة رسول الله ﷺ فقال علي لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين فعلت بأصحابك فان كان هذا من سخط الله علي فلك العقبى والكرامة فقال رسول الله ﷺ والذي بعثني بالحق نبيا ما اخترتك لا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي وأنت معي في قصري في الجنة ومع ابنتي فاطمة فأنت أخي ورفيقي ثم تلا رسول الله ﷺ إخوانا على سرر متقابلين المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض والمؤاخاة تستدعي المناسبة والمشاكلة فلما اختص علي بمؤاخاة النبي ﷺ كان هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا الإسناد وليس هذا الحديث في مسند احمد ولا رواه احمد قط لا في المسند ولا في الفضائل ولا ابنه فقول هذا الرافضي من مسند احمد كذب وافتراء على المسند وإنما هو من زيادات القطيعي التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على انه كذب موضوع رواه القطيعي عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا حسين بن محمد الذارع حدثنا عبد المؤمن بن عباد حدثنا يزيد بن معن عن عبد الله بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى

وهذا الرافضي لم يذكره بتمامه فان فيه عند قوله وأنت أخي ووارثي قال وما ارث منك يا رسول الله قال ما ورث الأنبياء من قبلي قال وما ورث الأنبياء من قبلك قال كتاب الله وسنة نبيهم

وهذا الإسناد مظلم انفرد به عبد المؤمن بن عباد أحد المجروحين ضعفه أبو حاتم عن يزيد بن معن ولا يدرى من هو فلعله الذي اختلقه عن عبد الله بن شرحبيل وهو مجهول عن رجل من قريش عن زيد بن أبي أوفى

الوجه الثاني أن هذا مكذوب مفترى باتفاق أهل المعرفة

الثالث أن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض والانصار بعضهم مع بعض كلها كذب والنبي ﷺ لم يؤاخ عليا ولا آخى بين أبي بكر وعمر ولا بين مهاجري ومهاجري لكن آخى بين المهاجرين والأنصار كما آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وبين علي وسهل بن حنيف

وكانت المؤاخاة في دور بني النجار كما اخبر بذلك انس في الحديث الصحيح لم تكن في مسجد النبي ﷺ كما ذكر في الحديث الموضوع وإنما كانت في دار كان لبعض بني النجار وبناه في محلتهم فالمؤاخاة التي اخبر بها انس ما في الصحيحين عن عاصم بن سليمان الأحول قال قلت لأنس أبلغت أن رسول الله ﷺ قال: لا حلف في الإسلام، فقال انس قد حالف رسول الله ﷺ بين قريش والأنصار في داري

الرابع أن قوله في هذا الحديث أنت أخي ووارثي باطل على قول أهل السنة والشيعة فانه أن أراد ميراث المال بطل قولهم أن فاطمة ورثته وكيف يرث ابن العم مع وجود العم وهو العباس وما الذي خصه بالإرث دون سائر بني العم الذين هم في درجة واحدة وأن أراد وارث العلم والولاية بطل احتجاجهم بقوله وورث سليمان داود وقوله فهب لي من لدنك وليا يرثني

إذ لفظ الإرث إذا كان محتملا لهذا ولهذا أمكن أن أولئك الأنبياء ورثوا كما ورث علي النبي ﷺ

وأما أهل السنة فيعلمون أن ما ورثه النبي ﷺ من العلم لم يختص به علي بل كل من أصحابه حصل له نصيب بحسبه وليس العلم كالمال بل الذي يرثه هذا يرثه هذا ولا يتزاحمان إذ لا يمتنع أن يعلم هذا ما علمه هذا كما يمتنع أن يأخذ هذا المال الذي أخذه هذا

الوجه الخامس أن النبي ﷺ قد اثبت الاخوة لغير علي كما في الصحيحين انه قال لزيد: أنت أخونا ومولانا

وقال له أبو بكر لما خطب ابنته الست أخي قال: أنا أخوك وبنتك حلال لي

وفي الصحيح انه قال في حق أبي بكر: ولكن اخوة الإسلام

وقال في الصحيح أيضا: وددت أن قد رأيت إخواني

قالوا اولسنا إخوانك يا رسول الله قال: لا انتم أصحابي ولكن إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني

يقول انتم لكم من الاخوة ما هو أخص منها وهو الصحبة وأولئك لهم اخوة بلا صحبة

وقد قال تعالى إنما المؤمنون اخوة وقال ﷺ: لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا أخرجاه في الصحيحين

وقال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه

وقال: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه

وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح وإذا كان كذلك علم أن مطلق المؤاخاة لا يقتضي التماثل من كل وجه ولا يقتضي المناسبة والمشاكلة من كل وجه بل من بعض الوجوه

وإذا كان كذلك فلم قيل إن مؤاخاة علي لو كانت صحيحة اقتضت الإمامة والأفضلية مع أن المؤاخاة مشتركة وثبت عن النبي ﷺ في الصحاح من غير وجه انه قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر أن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر

وفي هذا إثبات لخصائص لأبي بكر لا يشركه فيها أحد غيره وهو صريح في انه ليس من أهل الأرض من هو احب إليه ولا أعلى منزلة عنده ولا ارفع درجة ولا اكثر اختصاصا به من أبي بكر

كما في الصحيحين قيل له أي الناس احب إليك قال: عائشة. قيل ومن الرجال قال: أبوها

وفي الصحيحين عن عمر انه قال أنت سيدنا وخيرنا واحبنا إلى رسول الله ﷺ فهذه الأحاديث التي اجمع أهل العلم على صحتها وتلقيها بالقبول ولم يقدح فيها أحد من العلم تبين أن أبا بكر كان احب إليه وأعلى عنده من جميع الناس

وحينئذ فان كانت المؤاخاة دون هذه المرتبة لم تعارضها وأن كانت أعلي كانت هذه الأحاديث الصحيحة تدل على كذب أحاديث المؤاخاة وأن كنا نعلم أنها كذب بدون هذه المعارضة

لكن المقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة تبين أن أبا بكر كان احب إلى رسول الله ﷺ من علي وأعلى قدرا عنده منه ومن كل من سواه وشواهد هذا كثيرة

وقد روى بضعة وثمانون نفسا عن علي انه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رواها البخاري في الصحيح عن علي رضي الله عنه وهذا هو الذي يليق بعلي رضي الله عنه فانه من اعلم الصحابة بحق أبي بكر وعمر واعرفهم بمكانهما من الإسلام وحسن تأثيرهما في الدين حتى انه تمنى أن يلقى الله بمثل عمل عمر رضي الله عنهم أجمعين

وروى الترمذي وغيره مرفوعا عن علي رضي الله عنه عن النبي ﷺ انه قال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين لا تخبرهما يا علي

وهذا الحديث وأمثاله لو عورض بها أحاديث المؤاخاة وأحاديث الطير ونحوه لكانت باتفاق المسلمين اصح منها فكيف إذا انضم إليها سائر الأحاديث التي لا شك في صحتها مع الدلائل الكثيرة المتعددة التي توجب علما ضروريا لمن علمها أن أبا بكر كان احب الصحابة إلى النبي ﷺ وافضل عنده من عمر وعثمان وعلي وغيرهم وكل من كان بسنة رسول الله ﷺ وأحواله اعلم كان بهذا اعرف وإنما يستريب فيه من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة فأما أن يصدق الكل أو يتوقف في الكل

وأما أهل العلم بالحديث الفقهاء فيه فيعلمون هذا علما ضروريا دع هذا فلا ريب أن كل من له في الأمة لسان صدق من علمائها وعبادها متفقون على تقديم أبي بكر وعمر كما قال الشافعي رضي الله عنه فيما نقله عنه البيهقي بإسناده قال لم يختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتقديمهما على جميع الصحابة

وكذلك أيضا لم يختلف علماء الإسلام في ذلك كما هو قول مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه واحمد وأصحابه وداود وأصحابه والثورى وأصحابه والليث وأصحابه والاوزاعي وأصحابه وإسحاق وأصحابه وابن جرير وأصحابه وأبي ثور وأصحابه وكما هو قول سائر العلماء المشهورين إلا من لا يؤبه له ولا يلتفت إليه

وما علمت من نقل عنه في ذلك نزاع من أهل الفتيا إلا ما نقل عن الحسن بن صالح بن حي انه كان يفضل عليا وقيل أن هذا كذب عليه ولو صح هذا عنه لم يقدح فيما نقله الشافعي من الإجماع فان الحسن بن صالح لم يكن مكن التابعين ولا من الصحابة والشافعي ذكر إجماع الصحابة والتابعين على تقديم أبي بكر ولو قاله الحسن فإذا أخطأ واحد من مائة ألف إمام أو اكثر لم يكن ذلك بمنكر

وليس في شيوخ الرافضة إمام في شيء من علوم الإسلام لا علم الحديث ولا الفقه ولا التفسير ولا القرآن بل شيوخ الرافضة إما جاهل وإما زنديق كشيوخ أهل الكتاب

بل السابقون الأولون وأئمة السنة والحديث متفقون على تقديم عثمان ومع هذا انهم لم يجتمعوا على ذلك رغبة ولا رهبة بل مع تباين آرائهم وأهوائهم وعلومهم واختلافهم وكثرة اختلافاتهم فيما سوى ذلك من مسائل العلم فأئمة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم متفقون على هذا ثم من بعدهم كمالك بن انس وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن الماجشون وغيرهم من علماء المدينة

ومالك يحكي الإجماع عمن لقيه انهم لم يختلفوا في تقديم أبي بكر وعمر وابن جريج وابن عيينة وسعد بن سالم ومسلم بن خالد وغيرهم من علماء مكة وأبي حنيفة والثوري وشريك بن عبد الله وابن أبي ليلى وغيرهم من فقهاء الكوفة وهي دار الشيعة حتى كان الثوري يقول من قدم عليا على أبي بكر ما أرى أن يصعد له إلى الله عمل رواه أبو داود في سننه

وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسعيد بن أبي عروبة وأمثالهم من علماء البصرة والاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وغيرهم من علماء الشام والليث وعمرو بن الحارث وابن وهب وغيرهم من علماء مصر ثم مثل عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن ومثل الشافعي واحمد بن حنبل واسحق ابن إبراهيم وإبي عبيد ومثل لالبخاري وأبي داود وإبراهيم الحربي ومثل الفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسرى السقطي والجنيد وسهل بن عبد الله التستري ومن لا يحصي عدده إلا الله ممن له في الإسلام لسان صدق كلهم يجزمون بتقديم أبي بكر وعمر كما يجزمون بإمامتهما مع فرط اجتهادهم في متابعة النبي ﷺ وموالاته فهل يوجب هذا إلا ما علموه من تقديمه هو لأبي بكر وعمر وتفضيله لهما بالمحبة والثناء والمشاورة وغير ذلك من أسباب التفضيل

فصل

قال الرافضي البرهان التاسع والثلاثون قوله تعالى وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين في كتاب الفردوس لابن شيرويه يرفعه عن حذيفة بن اليمان قال رسول الله ﷺ لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد قال تعالى وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على انفسهم الست بربكم قالت الملائكة بلى فقال تبارك وتعالى أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم وهو صريح في الباب

والجواب من وجوه أحدها منع الصحة والمطالبة بتقريرها وقد اجمع أهل العلم بالحديث على أن مجرد رواية صاحب الفردوس لا تدل على أن الحديث صحيح فابن شيرويه الديلمي الهمذاني ذكر في هذا الكتاب أحاديث كثيرة صحيحة وأحاديث حسنة وأحاديث موضوعة وأن كان من أهل العلم والدين ولم يكن ممن يكذب هو لكنه نقل ما في كتب الناس والكتب فيها الصدق والكذب ففعل كما فعل كثير من الناس في جمع الأحاديث أما بالأسانيد وأما محذوفة الأسانيد

الثاني أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث

الثالث أن الذي في القران انه قال الست بربكم قالوا بلى ليس فيه ذكر النبي ولا الأمير وفيه قوله أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فدل على أنه ميثاق التوحيد خاصة ليش فيه ميثاق النبوة فكيف ما دونها

الرابع أن الأحاديث المعروفة في هذا التي في المسند والسنن والموطأ وكتب التفسير وغيرها ليس فيها شيء من هذا ولو كان ذلك مذكورا في الأصل لم يهمله جميع الناس وينفرد به من لا يعرف صدقه بل يعرف انه كذب

الخامس أن الميثاق اخذ على جميع الذرية فيلزم أن يكون علي أميرا على الأنبياء كلهم من نوح إلى محمد ﷺ وهذا كلام المجانين فان أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله عليا فكيف يكون أميرا عليهم

وغاية ما يمكن أن يكون أميرا على أهل زمانه أما الإمارة على من خلق قبله وعلى من يخلق بعده فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول ولا يستحي فيما يقول

ومن العجب أن هذا الحمار الرافضي الذي هو أحمر من عقلاء اليهود الذين قال الله فيهم مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا والعامة معذورون في قولهم الرافضي حمار اليهودي وذلك أن عقلاء اليهود يعلمون أن هذا ممتنع عقلا وشرعا وأن هذا كما يقال خر عليهم السقف من تحتهم فيقال لا عقل ولا قرآن

وكذلك كون علي أميرا على ذرية آدم كلهم وإنما ولد بعد موت آدم بألوف السنين وأن يكون أميرا على الأنبياء الذين هم متقدمون عليه في الزمن والمرتبة وهذا من جنس قول ابن عربي الطائي وأمثاله من ملاحدة المتصوفة الذين يقولون إن الأنبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء الذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة فدعوى هؤلاء في الإمامة من جنس دعوى هؤلاء في الولاية وكلاهما يبني أمره على الكذب والغلو والشرك والدعاوي الباطلة ومناقضة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة

ثم أن هذا الحمار الرافضي يقول وهو صريح في الباب فهل يكون هذا حجة عند أحد من أولي الألباب أو يحتج بهذا من يستحق أو يؤهل للخطاب فضلا عن أن يحتج به في تفسيق خيار هذه الأمة وتضليلهم وتكفيرهم وتجهيلهم

ولولا أن هذا المعتدي الظالم قد اعتدى على خيار أولياء الله وسادات أهل الأرض خير خلق الله بعد النبيين اعتداء يقدح في الدين ويسلط الكفار والمنافقين ويورث الشبه والضعف عند كثير من المؤمنين لم يكن بنا حاجة إلى كشف أسراره وهتك أستاره والله حسيبه وحسيب أمثاله

فصل

قال الرافضي البرهان الأربعون قوله تعالى فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير اجمع المفسرون أن صالح المؤمنين هو علي روى أبو نعيم بإسناده إلى أسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله ﷺ يقرأ هذه الآية وأن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين قال صالح المؤمنين علي بن أبي طالب واختصاصه بذلك يدل عل أفضليته فيكون هو الإمام والآيات في هذا المعنى كثيرة اقتصرنا على ما ذكرنا للاختصار

والجواب من وجوه أحدها قوله اجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو علي كذب مبين فانهم لم يجمعوا على هذا ولا نقل الإجماع على هذا أحد من علماء التفسير ولا علماء الحديث ونحوهم ونحن نطالبهم بهذا النقل ومن نقل هذا الإجماع

الثاني أن يقال كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا قال ابن مسعود وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم هو أبو بكر وعمر وذكر هذا جماعة من المفسرين كابن جرير الطبري وغيره

وقيل هو أبو بكر رواه مكحول عن أبي امامة

وقيل عمر قاله سعيد بن جبير ومجاهد

وقيل خيار المؤمنين قاله الربيع بن انس وقيل هم الأنبياء قاله قتادة والعلاء بن زياد وسفيان

وقيل هو علي حكاه الماوردي ولم يسم قائله فلعله بعض الشيعة

الثالث أن يقال لم يثبت هذا القول بتخصيص علي به عمن قوله حجة والحديث المذكور كذب موضوع وهو لم يذكر دلالة علي صحته ومجرد رواية أبي نعيم له لا تدل على الصحة

الرابع أن يقال قوله وصالح المؤمنين اسم يعم كل صالح من المؤمنين كما في الصحيحين عن النبي ﷺ انه قال أن آل أبي فلان ليسو لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين

الخامس أن يقال أن الله جعل في هذه الآية صالح المؤمنين مولى رسول الله ﷺ كما اخبر أن الله مولاه والمولى يمنع أن يراد به الموالي عليه فلم يبق المراد به إلا الموالي

ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من المؤمنين كان مواليا للنبي ﷺ قطعا فانه لو لم يواله لم يكن من صالح المؤمنين بل قد يواليه المؤمن وان لم يكن صالحا لكن لا تكون موالاة كاملة وأما الصالح فيواليه موالاة كاملة فانه إذا كان صالحا احب ما احبه الله ورسوله وابغض ما ابغضه الله ورسوله وأمر بما أمر به الله ورسوله ونهى عما نهى الله عنه ورسوله وهذا يتضمن الموالاة وقد قال رسول الله ﷺ لابن عمر أن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل فما نام بعدها

وقال عن أسامة بن زيد انه من صالحيكم فاستوصوا به خيرا

وأما قوله والآيات في هذا المعنى كثيرة فغايته أن يكون المتروك من جنس المذكور والذي ذكره خلاصة ما عندهم وباب الكذب لا ينسد ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب ولكن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمعه فإذا هو زاهق وللكذابين الويل مما يصفون

وما ذكر وقال أريد به علي إذا ذكر انه أريد به أبو بكر أو عمر أو عثمان لم يكن هذا القول بأبعد من قولهم بل يرجح على قوله لا سيما في مواضع كثيرة

وإذا قال فهذا لم يقله أحد بخلاف قولنا، كان الجواب من وجهين أحدهما أن هذا ممنوع بل من الناس من يخص أبا بكر وعمر ببعض ما ذكره من الآيات وغيرهما

الثاني أن قول القائل خص هذا بواحد من الصحابة إذا أمكن غيره أن يخصه بآخر تكون حجته من جنس حجته فانه يدل على فساد قوله وان كان لم يقله فان الإنسان إذا كذب كذبة لم يمكن مقابلتها بمثلها ولم يمكنه دفع هذا إلا بما يدفع به قوله ووجب أما تصديق الاثنين وأما كذب الاثنين

كالحكاية المشهورة عن قاسم بن زكريا المطرز قال دخلت على بعض الشيعة وقد قيل انه عباد بن يعقوب فقال لي من حفر البحر فقلت الله تعالى فقال تقول من حفره قلت من حفره قال علي ابن أبي طالب قال من جعل فيه الماء قلت الله قال تقول من هو الذي جعل فيه الماء قلت من هو قال الحسن قال فلما أردت أن أقوم قال من حفر البحر قلت معاوية قال ومن الذي جعل فيه الماء قلت يزيد فغضب من ذلك وقام، وكان غرض القاسم أن يقول هذا القول مثل قولك وأنت تكره ذلك وتدفعه وبما به يدفع ذلك يدفع به قولك

وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة والرافضة ونحوهم كقولهم في قوله فقاتلوا أئمة الكفر طلحة والزبير وأبو بكر وعمر ومعاوية فيقابل هذا بقول الخوارج انهم علي الحسن والحسين وكل هذا باطل لكن الغرض انهم يقابلون بمثل حجتهم والدليل على فسادها يعم النوعين فعلم بطلان الجميع

فصل

قال الرافضي المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنة المنقولة عن النبي ﷺ وهي اثنا عشر

الأول ما نقله الناس كافة انه لما نزل قوله تعالى وانذر عشيرتك الاقربين جمع رسول الله ﷺ بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلا وامر أن يصنع لهم فخذ شاه مع مد من البر ويعد لهم صاعا من اللبن وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد ويشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام فأكلت الجماعة كلهم من ذلك الطعام اليسير حتى شبعوا ولم يتبين ما أكلوه فبهرهم النبي ﷺ بذلك وتبين لهم آية نبوته فقال يا بني عبد المطلب أن الله بعثني بالحق إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال وانذر عشيرتك الاقربين وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان تقيلتن في الميزان تملكون بهما العرب والعجم وتنقاد لكم بهما الأمم وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار شهادة أن لا اله إلا الله وأني رسول الله فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم فقال أمير المؤمنين أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانية فصمتوا فقال علي فقمت فقلت مثل مقالتي الأولى فقال اجلس ثم أعاد القول ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف فقمت فقلت أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر فقال اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك

والجواب من وجوه الأول المطالبة بصحة النقل وما ادعاه من نقل الناس كافة من اظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث فان هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل لا في الصحاح ولا في المساند والسنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي بل وابن جرير وابن أبي حاتم لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلا على صحته باتفاق أهل العلم فانه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف

وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث والسمين وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة مع أن كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلبي والبغوي ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية فانهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة باتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك ولكن هؤلاء المفسرون ذكروا ذلك على عادتهم في انهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة والضعيفة ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال ليذكر أقوال الناس وما نقلوه فيها وأن كان بعض ذلك هو الصحيح وبعضه كذب وإذا احتج بمثل هذا الضعيف وأمثاله واحد بذكر بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك كان هذا من افسد الحجج كمن احتج بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه وقد ناقضه عدول كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته أو يحتج برواية واحد لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ويدع روايات كثيرين عدول وقد رووا ما يناقض ذلك

بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك لوجب النظر في الروايتين أيهما اثبت وارجح فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضه لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة بل هذا الحديث مناقض لما علم بالتواتر وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم انه باطل

الثاني أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين أما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع ولو انه مسالة فرعية وأما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم

فانه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يعلم انه مسند إسنادا تقوم به الحجة أو يصححه من يرجع إليه في ذلك فأما إذا لم يعلم إسناده ولم يثبته أئمة النقل فمن أين يعلم لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسالة فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالما صححه

الثالث أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم انه كذب موضوع ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات لان أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب

وقد رواه بن جرير والبغوي بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد أبو مريم الكوفي وهو مجمع على تركه كذبه سماك بن حرب وأبو داود، وقال احمد ليس بثقة عامة أحاديث بواطيل قال يحيى ليس بشيء قال ابن المدينى كان يضع الحديث وقال النسائي وأبو حاتم متروك الحديث وقال ابن حبان البستي كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر وهو مع ذلك يقلب الأخبار لا يجوز الاحتجاج به وتركه احمد ويحيى.

ورواه ابن أبي حاتم وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس وهو ليس بثقة وقال فيه يحيى بن معين ليس بشيء رافضي خبيث وقال النسائي ليس بثقة وقال الدار قطني ضعيف

وإسناد الثعلبي اضعف لان فيه من لا يعرف وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في اقل مسالة الرابع أن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية فإنها نزلت بمكة في أول الأمر ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبي ﷺ فان بني عبد المطلب لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة العباس وأبو طالب والحارث وأبو لهب وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة وهم بنو هاشم ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب فآمن اثنان وهما حمزة والعباس وكفر اثنان أحدهما نصره وأعانه وهو أبو طالب والآخر عاداه وعان أعداءه وهو أبو لهب

وما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين طالب وعقيل وجعفر وعلي وطالب لم يدرك الإسلام وأدركه الثلاثة فآمن علي وجعفر في أول الإسلام وهاجر جعفر إلى ارض الحبشة ثم إلى المدينة عام خيبر

وكان عقيل قد استولى على رباع بني هاشم لما هاجروا وتصرف فيها ولهذا لما قيل للنبي ﷺ في حجته ننزل غدا في دارك بمكة قال وهل ترك لنا عقيل من دار

وأما العباس فبنوه كلهم صغار إذ لم يكن فيهم بمكة رجل وهب انهم كانوا رجالا فهم عبد الله وعبيد الله والفضل وأما قثم فولد بعدهم وأكبرهم الفضل وبه كان يكنى وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله وانذر عشيرتك الاقربين وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين ولم يولد للعباس في حياة النبي ﷺ إلا الفضل وعبد الله وعبيد الله وأما سائرهم فولدوا بعده

وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما اقل والحارث كان له ابنان أبو سفيان وربيعة وكلاهما تأخر إسلامه وكان من مسلمة الفتح

وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح وكان له ثلاثة ذكور فاسلم منهم اثنان عتبة ومغيث وشهد الطائف وحنينا وعتيبة دعا عليه رسول الله ﷺ أن يأكله الكلب فقتله السبع بالزرقاء من الشام كافرا فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلا فأين الأربعون

الخامس قوله أن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن فكذب على القوم ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقا

السادس أن قوله للجماعة من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي كلام مفترى على النبي ﷺ لا يجوز نسبته إليه فان مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله فان جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين وأعانوه على هذا الأمر وبذلوا أنفسهم وأموالهم في اقامته وطاعته وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم وصبروا على الشتات بعد الألفة وعلى الذل بعد العز وعلى الفقر بعد الغنى وعلى الشدة بعد الرخاء وسيرتهم معروفة مشهورة ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له

وأيضا فان كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه أو أكثرهم أو عدد منهم فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده أيعين واحدا بلا موجب أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد وذلك انه لم يعلق الوصية والخلافة والاخوة والمؤازرة إلا بأمر سهل وهو الإجابة على الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة إلا وله من هذا نصيب وافر ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي ﷺ

السابع أن حمزة وجعفر وعبيده بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه علي من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر فان هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر بل حمزة اسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلا وكان النبي ﷺ في دار الأرقم ابن أبي الأرقم وكان اجتماع النبي ﷺ به في دار الأرقم ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة فان أبا لهب كان مظهرا لمعاداة رسول الله ﷺ ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو لهب

الثامن أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبي هريرة واللفظ له عن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت وانذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله ﷺ قريشا فاجتمعوا فخص وعم فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا املك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا لما نزلت هذه الآية قال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا اغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد المطلب لا اغني عنكم من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا اغني عنك من الله شيئا يافاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا سلاني ما شئتما من مالي

وخرجه مسلم من حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو ومن حديث عائشة وقال فيه قام علي الصفا

وقال في حديث قبيصة: انطلق إلى رضمة من جبل فعلا أعلاها حجرا ثم نادى يا بني عبد مناف إني لكم نذير إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فجعل ينادي: يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب

وفي رواية: يا بني فهر يا بني عدي يا بني فلان، لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو فاجتمعوا فقال: ارايتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل اكنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا فقام فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب وتب

وفي رواية: ارأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ويمسيكم اكنتم تصدقوني قالوا بلى.

فان قيل فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنفين في الفضائل كالثعلبي والبغوي وأمثالهما والمغازلي

قيل له مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث فان في كنت هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على انه كذب موضوع وفيها شيء كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب بل فيها ما يعلم بالاضطرار انه كذب

والثعلبي وأمثاله لا يتعمدون الكذب بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب ويروون ما سمعوه وليس لاحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لائمة الحديث كشعبة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي واحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق ومحمد بن يحيى الذهلي والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وأبي عبد الله بن منده والدار قطني وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده ومكامه وحفاظه الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي وسلم وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم

وقد صنفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار وأسماءهم وذكروا أخبارهم وأخبار من اخذوا عنه ومن اخذ عنهم مثل كتاب العلل وأسماء الرجال عن يحيى القطان وابن المديني واحمد وابن معين والبخاري ومسلم وأبي زرعة وأبي حاتم زو النسائي والترمذي واحمد بن عدي وابن حبان وأبي الفتح الازدي والدار قطين قطني وغيرهم

وتفسير الثعلبي فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة ومن الموضوع فيه الأحاديث التي في فضائل السور سورة [سورة]

وقد ذكر هذا الحديث الزمخشري والواحدي وهو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث وكذلك غير هذا

وكذلك الواحدي تلميذ الثعلبي والبغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي والواحدي لكنهما اخبر بأقوال المفسرين منه والواحدي اعلم بالعربية من هذا وهذا والبغوي أتبع للسنة منهما

وليس لكون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يوجب له أن كل ما رواه صدق كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذبا بل الاعتبار بميزان العدل

وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأصول والأحكام والزهد والفضائل ووضعوا كثيرا من فضائل الخلفاء الأربعة وفضائل معاوية

ومن الناس من يكون قصده رواية كل ما روي في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء وكذلك غيره ممن صنف في الفضائل ومثل مل جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس وأبو علي الاهوازي وغيرهما في فضائل معاوية ومثل ما جمعه النسائي في فضائل علي وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل علي وغيره فان هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه فلا يجوز أن يجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم

وأما من يذكر الحديث بلا إسناد ومن المصنفين في الأصول والفقه والزهد والرقائق فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة ويذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ذلك

فصل

قال الرافضي الثاني الخبر المتواتر عن النبي وسلم انه لما نزل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك خطب الناس في غدير خم وقال للجمع كله يا أيها الناس الست أولى منكم بأنفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقال عمر بخ بخ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرف لتقدم التقرير منه ﷺ بقوله الست أولى منكم بأنفسكم

والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدم وبينا أن هذا كذب وأن قوله بلغ ما انزل إليك من ربك نزل قبل حجة الوداع بمدة طويلة

ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج وعاش بعد ذلك شهرين وبعض الثالث ومما يبين ذلك أن آخر المائدة نزولا قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي وهذه الآية نزلت بعرفة تاسع ذي الحجة في حجة الوداع والنبي ﷺ واقف بعرفة كما ثبت ذلك في الصحاح والسنن وكما قاله العلماء قاطبة من أهل التفسير والحديث وغيرهم

وغدير خم كان بعد رجوعه إلى المدينة ثامن عشر ذي الحجة بعد نزول هذه الآية بتسعة أيام فكيف يكون قوله بلغ ما انزل إليك من ربك نزل ذلك الوقت ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية نزلت قبل ذلك وهي من أوائل ما نزل بالمدينة وإن كان ذلك في سورة المائدة كما أن فيها تحريم الخمر والخمر حرمت في أوائل الأمر عقب غزوة أحد وكذلك فيها الحكم بين أهل الكتاب بقوله فان جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وهذه الآية نزلت إما في الحد لما رجم اليهوديين وإما في الحكم بين قريظة والنضير لما تحاكموا إليه في الدماء ورجم اليهوديين كان أول ما فعله بالمدينة وكذلك الحكم بين قريظة والنضير فان بني النضير أجلاهم قبل الخندق وقريظة قتلهم عقب غزوة الخندق

والخندق باتفاق الناس كان قبل الحديبية وقبل فتح خيبر وذلك كله قبل فتح مكة وغزوة حنين وذلك كله قبل حجة الوداع وحجة الوداع قبل خطبة الغدير

فمن قال أن المائدة نزل فيها شيء بغدير خم فهو كاذب مفتر باتفاق أهل العلم

وأيضا فان الله تعالى قال في كتابه يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس فضمن له سبحانه انه يعصمه من الناس إذا بلغ الرسالة ليؤمنه بذلك من الأعداء ولهذا روى أن النبي ﷺ كان قبل نزول هذه الآية يحرس فلما نزلت هذه الآية ترك ذلك

وهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ وفي حجة الوداع تم التبليغ

وقال في حجة الوداع ألا هل بلغت ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد وقال لهم أيها الناس إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وأنتم تسألون عني فما انتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول اللهم اشهد اللهم اشهد وهذا لفظ حديث جابر في صحيح مسلم وغيره في الأحاديث الصحيحة

وقال ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع.

فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدم فلا تكون هذه الآية نزلت بعد حجة الوداع لانه قد بلغ قبل ذلك ولأنه حينئذ لم يكن خائفا من أحد يحتاج أن يعصم منه بل بعد حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم كافر والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول منه فلا يقال له في هذه الحال بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس

وهذا مما يبين أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في حجة الوداع فإن كثيرا من الذين حجوا معه أو أكثرهم لم يرجعوا معه إلى المدينة بل رجع أهل مكة إلى مكة أهل الطائف إلى الطائف وأهل اليمن إلى اليمن وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريبا منها

فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في الحج لبلغه في حجة الوداع كما بلغ غيره فلما لم يذكر في حجة الوداع امامة ولا ما يتعلق بالإمامة أصلا ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف انه في حجة الوداع ذكر امامة علي بل ولا ذكر عليا في شيء من خطبته وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام علم أن امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في إمامته

والذي رواه مسلم انه بغدير خم قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال وعثرتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري وقد رواه الترمذي وزاد فيه وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض

وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة وقال إنها ليست من الحديث والذين اعتقدوا صحتها قالوا إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون على ضلالة وهذا قاله طائفة من أهل السنة وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره

والحديث الذي في مسلم إذا كان النبي ﷺ قد قاله فليس فيه إلا الوصية باتباع كتاب الله وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك وهو لم يأمر باتباع العترة لكن قال أذكركم الله في أهل بيتي وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خم، فعلم انه لم يكن في غدير خم أمر يشرع نزل إذ ذاك لا في حق علي ولا غيره لا إمامته ولا غيرها

لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد والترمذي في مسنده عن النبي ﷺ انه قال من كنت مولاه فعلى مولاه وأما الزيادة وهي قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الخ فلا ريب انه كذب

ونقل الأثرم في سننه عن احمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر وأنه حدث بحديثين أحدهما قوله لعلي انك ستعرض على البراءة مني فلا تبرا والآخر اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فأنكره أبو عبيد الله جدا لم يشك أن هذين كذب

وكذلك قوله أنت أولى بكل مؤمن ومؤمنة كذب أيضا

وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه وضعفوه ونقل عن احمد بن حنبل انه حسنه كما حسنه الترمذي وقد صنف أبو العباس بن عقدة مصنفا في جميع طرقه

وقال ابن حزم الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي ﷺ أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وقوله لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وهذه صفة واجبة لكل مسلم مؤمن وفاضل وعهده ﷺ أن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وقد صح مثل هذا في الأنصار انهم لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر

قال وأما من كنت مولاه فعلى مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلا وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها

فان قيل لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله أنت مني وأنا منك وحديث المباهلة والكساء

قيل مقصود ابن حزم الذي في الصحيح من الحديث الذي لا يذكر فيه إلا علي وأما تلك ففيها ذكر غيره فإنه قال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا وحديث المباهلة والكساء فيهما ذكر علي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فلا يرد هذا على ابن حزم

ونحن نجيب بالجواب المركب فنقول أن لم يكن النبي ﷺ قاله فلا كلام وإن كان قاله فلم يرد به قطعا الخلافة بعده إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغا مبينا

وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة وذلك أن المولى كالمولى والله تعالى قال إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا وقال وإن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير فبين أن الرسول ولي المؤمنين وأنهم مواليه أيضا كما بين أن الله ولي المؤمنين وأنهم أولياؤهم وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض

فالموالاة ضد المعاداة وهي تثبت من الطرفين وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا وولايته إحسان وتفضل وولاية الآخر طاعة وعبادة كما أن الله يحب المؤمنين والمؤمنون يحبونه فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة والكفار لا يحبون الله ورسوله ويحادون الله ورسوله ويعادونه

وقد قال تعالى لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وهو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله

وهو ولي المؤمنين وهو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم وكون الرسول وليهم ومولاهم وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة

والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة وهذا حكم ثابت لكل مؤمن فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه

وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن والشهادة له بأنه يستحق المولاة باطنا وظاهرا وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب لكن ليس فيه انه ليس للمؤمنين مولى غيره فكيف ورسول الله ﷺ له موالي وهم صالحو المؤمنين فعلي أيضا له مولى بطريق الأولى والأحرى وهم المؤمنون الذين يتولونه

وقد قال النبي ﷺ إن اسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله

وجعلهم موالي رسول الله ﷺ كما جعل صالح المؤمنين مواليه والله ورسوله مولاهم

وفي الجملة فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك وبين الوالي فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء وباب الولاية التي هي الإمارة شيء

والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية والنبي ﷺ لم يقل من كنت واليه فعلي واليه وإنما اللفظ من كنت مولاه فعلي مولاه

وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل فان الولاية تثبت من الطرفين فان المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم

وأما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلا من طرفه ﷺ وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته ولو قدر انه نص على خليفة من بعده لم يكن ذلك موجبا أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه كما انه لا يكون أزواجه أمهاتهم ولو أريد هذا المعنى لقال من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه وهذا لم يقله ولم ينقله أحد ومعناه باطل قطعا لان كون النبي ﷺ أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته ومماته وخلافة علي لو قدر وجودها لم تكن إلا بعد موته لم تكن في حياته فلا يجوز أن يكون علي خليفة في زمنه فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين إذا أريد به الخلافة وهذا مما يدل على انه لم يرد الخلافة فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي ﷺ لم يتأخر حكمه إلى الموت وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت فعلم أن هذا ليس هذا

وإذا كان النبي ﷺ هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته أو قدر انه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته أو قدر انه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته

وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي ﷺ وبعد مماته وبعد ممات علي فعلي اليوم مولى كل مؤمن وليس اليوم متوليا على الناس وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وامواتا

فصل

قال الرافضي الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي اثبت له عليه السلام جميع منازل هارون من موسى عليه السلام للاستثناء ومن جملة منازل هارون انه كان خليفة لموسى ولو عاش بعده لكان خليفة أيضا وإلا لزم تطرق النقض إليه ولأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بأن يكون خليفته

والجواب أن هذا الحديث ثبت في الصحيحين بلا ريب وغيرهما كان النبي ﷺ قال له ذلك في غزوة تبوك وكان ﷺ كلما سافر في غزوة أو عمرة أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة كما استخلف على المدينة في غزوة ذي أمر عثمان وفي غزوة بني قينقاع بشير بن عبد المنذر ولما غزا قريشا ووصل إلى الفرع استعمل ابن أم مكتوم وذكر ذلك محمد بن سعد وغيره

وبالجملة فمن المعلوم انه كان لا يخرج من المدينة حتى يستخلف وقد ذكر المسلمون من كان يستخلفه فقد سافر من المدينة في عمرتين عمرة الحديبية وعمرة القضاء وفي حجة الوداع وفي مغازيه اكثر من عشرين غزاة وفيها كلها استخلف وكان يكون بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من يستخلفه فلما كان في غزوة تبوك لم يأذن لاحد في التخلف عنها وهي آخر مغازيه ﷺ ولم يجتمع معه أحد كما اجتمع معه فيها فلم يتخلف عنه إلا النساء والصبيان أو من هو معذور لعجزه عن الخروج أو من هو منافق وتخلف الثلاثة الذين تيب عليهم ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم كما كان يستخلف عليهم في كل مرة بل كان هذا الاستخلاف اضعف من الاستخلافات المعتادة منه لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحدا كما كان يبقى في جميع مغازيه فإنه كان يكون بالمدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم من يستخلف فكل استخلاف استخلفه في مغازيه مثل استخلافه في غزوة بدر الكبرى والصغرى وغزوة بني المصطلق والغابة وخيبر وفتح مكة وسائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال ومغازيه بضع عشرة غزوة وقد استخلف فيها كلها إلا القليل وقد استخلف في حجة الوداع وعمرتين قبل غزوة تبوك

وفي كل مرة يكون بالمدينة افضل ممن بقي في غزوة تبوك فكان كل استخلاف قبل هذه يكون علي افضل ممن استخلف عليه عليا فلهذا خرج إليه علي رضي الله عنه يبكي وقال أتخلفني مع النساء والصبيان؟

وقيل إن بعض المنافقين طعن فيه وقال أنما خلفه لانه يبغضه فبين له النبي ﷺ اني إنما استخلفتك لأمانتك عندي وأن الاستخلاف ليس بنقص ولا غض فإن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يكون نقصا وموسى ليفعله بهارون فطيب بذلك قلب علي وبين أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته لا يقتضي إهانته ولا تخوينه وذلك لان المستخلف يغيب عن النبي ﷺ وقد خرج معه جميع الصحابة

والملوك وغيرهم إذا خرجوا في مغازيهم اخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به ومعاونته لهم ويحتاجون إلى مشاورته والانتفاع برأيه ولسانه ويده وسيفه

والمتخلف إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله فظن من ظن أن هذا غضاضة من علي ونقص منه وخفض من منزلته حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة التي تحتاج إلى سعي واجتهاد بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير سعي واجتهاد فكان قول النبي ﷺ مبينا أن جنس الاستخلاف ليس نقصا ولا غضا إذ لو كان نقصا أو غضا لما فعله موسى بهارون ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون لان العسكر كان مع هارون وإنما ذهب موسى وحده

وأما استخلاف النبي ﷺ فجميع العسكر كان معه ولم يخلف بالمدينة غير النساء والصبيان إلا معذور أو عاص

وقول القائل هذا بمنزلة هذا وهذا مثل هذا هو كتشبيه الشيء بالشيء وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي ﷺ في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر وأشار بالفداء واستشار عمر فاشار بالقتل قال سأخبركم عن صاحبيكم مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثل عيسى إذ قال أن تعذبهم فانهم عبادك وأن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ومثل موسى إذ قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم

فقوله هذا مثلك كمثل إبراهيم وعيسى ولهذا مثل نوح وموسى أعظم من قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى فان نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى أعظم من هارون وقد جعل هذين مثلهم ولم يرد انهما مثلهم في كل شيء لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله

وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق وهو استخلافه في مغيبه كما استخلف موسى هارون وهذا الاستخلاف ليس من خصائص علي بل ولا هو مثل استخلافاته فضلا عن أن يكون افضل منها وقد استخلف من علي افضل منه في كثير من الغزوات ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على علي إذا قعد معه فكيف يكون موجبا لتفضيله على علي

بل قد استخلف على المدينة غير واحد وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف علي بل كان ذلك الاستخلاف يكون علي اكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك وكانت الحاجة إلى الاستخلاف اكثر فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة

فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز وفتحت مكة وظهر الإسلام وعز ولهذا أمر الله نبيه أن يغزو أهل الكتاب بالشام ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو ولهذا لم يدع النبي ﷺ عند علي أحدا من المقاتلة كما كان يدع بها في سائر الغزوات بل اخذ المقاتلة كلهم معه

وتخصيصه لعلي بالذكر هنا هو مفهوم اللقب وهو نوعان لقب هو جنس ولقب يجري مجرى العلم مثل زيد وأنت وهذا المفهوم اضعف المفاهيم ولهذا كان جماهير أهل الأصول والفقه على انه لا يحتج به فإذا قال محمد رسول الله لم يكن هذا نفيا للرسالة عن غيره لكن إذا كان في سياق الكلام ما يقتضي التخصيص فإنه يحتج به على الصحيح

كقوله ففهمناها سليمان وقوله كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون

وأما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه فلا يحتج به باتفاق الناس فهذا من ذلك فإنه إنما خص عليا بالذكر لأنه خرج إليه يبكي ويشتكي تخليفه مع النساء والصبيان

ومن استخلفه سوى علي لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصا لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام والتخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتض الاختصاص بالحكم فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى كما أنه لما قال للمضروب الذي نهى عن لعنه دعه فإنه يحب الله ورسوله لم يكن هذا دليلا على أن غيره لا يحب الله ورسوله بل ذكر ذلك لاجل الحاجة إليه لينهى بذلك عن لعنه

ولما استأذنه عمر رضي الله عنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة قال دعه فانه قد شهد بدرا ولم يدل هذا على أن غيره لم يشهد بدرا بل ذكر المقتضى لمغفرة ذنبه

وكذلك لما شهد للعشرة بالجنة لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة لكن ذكر ذلك لسبب اقتضاه

وكذلك لما قال للحسن وأسامة اللهم إني احبهما فأحبهما وأحب من يحبهما لا يقتضي انه لا يحب غيرهما بل كان يحب غيرهما أعظم من محبتهما

وكذلك لما قال لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة لم يقتض أن من سواهم يدخلها

وكذلك لما شبه أبا بكر بإبراهيم وعيسى لم يمنع ذلك أن يكون في أمته وأصحابه من يشبه إبراهيم وعيسى وكذلك لما شبه عمر بنوح وموسى لم يمتنع أن يكون في أمته من يشبه نوحا وموسى

فان قيل أن هذين افضل من يشبههم من أمته

قيل الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة في اصل التشبيه

وكذلك لما قال عن عروة بن مسعود إنه مثل صاحب ياسين

وكذلك لما قال للأشعريين هم مني وأنا منهم لم يختص ذلك بهم بل قال لعلي أنت مني وأنا منك

وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا

وذلك لا يختص بزيد بل أسامة أخوهم ومولاهم

وبالجملة الأمثال والتشبيهات كثيرة جدا وهي لا توجب التماثل من كل وجه بل فيما سيق الكلام له ولا يقتضي اختصاص المشبه بالتشبيه بل يمكن أن يشاركه غيره له في ذلك

قال تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة

وقال تعالى واضرب لهم مثلا أصحاب القرية

وقال مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر

وقد قيل أن في القران اثنين وأربعين مثلا

وقول القائل انه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل فان قوله

أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، دليل على انه يسترضيه بذلك ويطيب قلبه لما توهم من وهن الاستخلاف ونقص درجته فقال هذا على سبيل الجبر له

قوله: بمنزلة هارون من موسى، أي مثل منزلة هارون فإن نفس منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره وإنما يكون له ما يشابهها فصار هذا كقوله هذا مثل هذا وقوله عن أبي بكر مثله مثل إبراهيم وعيسى وعمر مثله مثل نوح وموسى

ومما يبين ذلك أن هذا كان عام تبوك ثم بعد رجوع النبي ﷺ بعث أبا بكر أميرا على الموسم وأردفه بعلي فقال لعلي أمير أم مأمور فقال بل مأمور فكان أبو بكر أميرا عليه وعلي معه كالمأمور مع أميره يصلي خلفه ويطيع أمره وينادي خلفه مع الناس بالموسم ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

وإنما اردفه به لينبذ العهد إلى العرب فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع أو رجل من أهل بيته فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي ﷺ

ومما يبين ذلك انه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده لم يكن هذا خطابا بينهما يناجيه به ولا كان أخره حتى يخرج إليه على ويشتكي بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه وتبليغه للناس كلهم بلفظ يبين المقصود

ثم من جهل الرافضة انهم يتناقضون فان هذا الحديث يدل على أن النبي ﷺ لم يخاطب عليا بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك فلو كان علي قد عرف انه المستخلف من بعده كما رووا ذلك في ما تقدم لكان علي مطمئن القلب انه مثل هارون بعده وفي حياته ولم يخرج إليه يبكي ولم يقل له أتخلفني مع النساء والصبيان

ولو كان علي بمنزلة هارون مطلقا لم يستخلف عليه أحدا وقد كان يستخلف على المدينة غيره وهو فيها كما استخلف على المدينة عام خيبر غير علي وكان علي بها ارمد حتى لحق بالنبي ﷺ فأعطاه النبي ﷺ الراية حين قدم وكان قد أعطى الراية رجلا فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله

وأما قوله لانه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بان يكون خليفته

فالجواب انه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي استخلافا أعظم من استخلاف علي واستخلف أولئك على افضل من الذين استخلف عليهم عليا وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير علي في حجة الوداع فليس جعل علي هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه وأعظم مما استخلفه وآخر الاستخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع وكان علي باليمن وشهد معه الموسم لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير علي

فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك

وبالجملة فالاستخلافات على المدينة ليست من خصائصه ولا تدل على الأفضلية ولا على الإمامة بل قد استخلف عددا غيره لكن هؤلاء جهال يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين علي وغيره خاصة بعلي وإن كان غيره اكمل منه فيها كما فعلوا في النصوص والوقائع

وهكذا فعلت النصارى جعلوا ما اتى به المسيح من الآيات دالا على شيء يختص به من الحلول والاتحاد وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما اتى به وكان ما اتى به موسى من الآيات أعظم مما جاء به المسيح فليس هناك سبب يوجب اختصاص المسيح دون إبراهيم وعيسى لا بحلول ولا اتحاد بل إن كان ذلك كله ممتنعا فلا ريب انه كله ممتنع في الجميع وإن فسر ذلك بأمر ممكن كحصول معرفة الله والإيمان به والأنوار الحاصلة بالإيمان به ونحو ذلك فهذا قدر مشترك وأمر ممكن

وهكذا الأمر مع الشيعة يجعلون الأمور المشتركة بين علي وغيره التي تعمه وغيره مختصة به حتى رتبوا عليه ما يختص به من العصمة والإمامة والأفضلية وهذا كله منتف

فمن عرف سيرة الرسول وأحوال الصحابة ومعاني القرآن والحديث علم انه ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته ولا إمامته بل فضائله مشتركة وفيها من الفائدة إثبات إيمان علي وولايته والرد على النواصب الذين يسبونه أو يفسقونه أو يكفرونه ويقولون فيه من جنس ما تقوله الرافضة في الثلاثة

ففي فضائل علي الثابتة رد على النواصب كما أن في فضائل الثلاثة ردا على الروافض

وعثمان رضي الله عنه تقدح فيه الروافض والخوارج ولكن شيعته يعتقدون إمامته ويقدحون في إمامة علي وهم في بدعتهم خير من شيعة علي الذين يقدحون في غيره والزيدية الذين يتولون أبا بكر وعمر مضطربون فيه

وأيضا فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة لا بد منه لكل ولي أمر وليس كل من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح إن يستخلف بعد الموت فإن النبي ﷺ استخلف في حياته غير واحد ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته وذلك كبشير بن عبد المنذر وغيره

وأيضا فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس كما يطالب بذلك ولاة الأمور وأما بعد موته فلا يطالب بشيء لانه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه ففي حياته يجب عليه جهاد الأعداء وقسم الفيء وإقامة الحدود واستعمال العمال وغير ذلك مما يوجب على ولاة الأمور بعده وبعد موته لا يجب عليه شيء من ذلك

فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت والإنسان إذا استخلف أحدا في حياته على أولاده وما يأمر به من البر كان المستخلف وكيلا محضا يفعل ما أمر به الموكل وان استخلف أحدا على أولاده بعد موته كان وليا مستقلا يعمل بحسب المصلحة كما أمر الله ورسوله ولم يكن وكيلا للميت

وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصا في حياته فانه يفعل ما يأمره به في القضايا المعينة وأما إذا استخلفه بعد موته فإنه يتصرف بولايته كما أمر الله ورسوله فإن هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت بخلاف ما فعله في الحياة بأمر مستخلفه فإنه يضاف إلى من استخلفه لا إليه فأين هذا من هذا

===========

 


فصل

قال الرافضي الرابع انه ﷺ استخلفه على المدينة مع قصر مدة الغيبة فيجب أن يكون خليفة له بعد موته وليس غير علي إجماعا ولأنه لم يعزله عن المدينة فيكون خليفة له بعد موته فيها وإذا كان خليفة فيها كان خليفة في غيرها إجماعا

والجواب أن هذه الحجة وأمثالها من الحجج الداحضة التي هي من جنس بيت العنكبوت والجواب عنها من وجوه

أحدها أن نقول على أحد القولين انه استخلف أبا بكر بعد موته كما تقدم وإذا قالت الرافضة بل استخلف عليا قيل الراوندية من جنسكم قالوا استخلف العباس وكل من كان له علم بالمنقولات الثابتة يعلم أن الأحاديث الدالة على استخلاف أحد بعد موته إنما تدل على استخلاف أبي بكر ليس فيها شيء يدل على استخلاف علي ولا العباس بل كلها تدل على انه لم يستخلف واحدا منهما فيقال حينئذ إن كان النبي ﷺ استخلف أحدا فلم يستخلف إلا أبا بكر وان لم يستخلف أحدا فلا هذا ولا هذا

فعلى تقدير كون الاستخلاف واجبا على الرسول لم يستخلف إلا أبا بكر فان جميع أهل العلم بالحديث والسيرة متفقون على أن الأحاديث الثابتة لا تدل على استخلاف غير آبي بكر وإنما يدل ما يدل منها على استخلاف آبي بكر وهذا معلوم بالاضطرار عند العالم بالأحاديث الثابتة

الوجه الثاني أن نقول انتم لا تقولون بالقياس وهذا احتجاج بالقياس حيث قستم الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب وأما نحن إذا فرضنا على أحد القولين فنقول الفرق بينهما ما نبهنا عليه في استخلاف عمر في حياته وتوقفه في الاستخلاف بعد موته لان الرسول في حياته شاهد على الأمة مأمور بسياستها بنفسه أو نائبه وبعد موته انقطع عنه التكليف

كما قال المسيح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم الآية لم يقل كان خليفتي الشهيد عليهم وهذا دليل على أن المسيح لم يستخلف فدل على أن الأنبياء لا يجب عليهم الاستخلاف بعد الموت

وكذلك ثبت عن النبي ﷺ انه قال فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم

وقد قال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين

فالرسول بموته انقطع عنه التكليف وهو لو استخلف خليفة في حياته لم يجب إن يكون معصوما بل كان يولي الرجل ولاية ثم يتبين كذبه فيعزله كما ولى الوليد بن عقبة بن آبي معيط وهو لو استخلف رجلا لم يجب إن يكون معصوما وليس هو بعد موته شهيدا عليه ولا مكلفا برده عما يفعله بخلاف الاستخلاف في الحياة

الوجه الثالث أن يقال الاستخلاف في الحياة واجب على كل ولي أمر فإن كل ولي أمر رسولا كان أو إماما عليه إن يستخلف فيما غاب عنه من الأمور فلا بد له من إقامة الأمر إما بنفسه وإما بنائبه فما شهده من الأمر أمكنه إن يقيمه بنفسه وأما ما غاب عنه فلا يمكنه إقامته إلا بخليفة يستخلفه عليه فيولى على من غاب عنه من رعيته من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويأخذ منهم الحقوق ويقيم فيهم الحدود ويعدل بينهم في الأحكام كما كان النبي ﷺ يستخلف في حياته على كل ما غاب عنه فيولي الأمراء على السرايا يصلون بهم ويجاهدون بهم ويسوسونهم ويؤمر أمراء على الأمصار كما أمر عتاب بن اسيد على مكة أمر خالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد بن العاص وأبا سفيان بن حرب ومعاذا وأبا موسى على قرى عرينة وعلى نجران وعلى اليمن وكما كان يستعمل عمالا على الصدقة فيقبضونها ممن تجب عليه ويعطونها لمن تحل له كما استعمل غير واحد

وكان يستخلف في إقامة الحدود كما قال لأنيس يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها

وكان يستخلف على الحج كما استخلف أبا بكر على إقامة الحج عام تسع بعد غزوة تبوك وكان علي من جملة رعية أبي بكر يصلي خلفه ويأتمر بأمره وذلك بعد غزوة تبوك

وكما استخلف على المدينة مرات كثيرة فإنه كان كلما خرج في غزاة استخلف ولما حج واعتمر استخلف فاستخلف في غزوة بدر وبنى المصطلق وغزوة خيبر وغزوة الفتح واستخلف في غزوة الحديبية وفي غزوة القضاء وحجة الوداع وغير ذلك

وإذا كان الاستخلاف في الحياة واجبا على متولي الأمر وإن لم يكن نبيا مع انه لا يجب عليه الاستخلاف بعد موته لكون الاستخلاف في الحياة أمرا ضروريا لا يؤدى الواجب إلا به بخلاف الاستخلاف بعد الموت فإنه قد بلغ الأمة وهو الذي يجب عليهم طاعته بعد موته فيمكنهم إن يعينوا من يؤمرونه عليهم كما يمكن ذلك في كل فروض الكفاية التي تحتاج إلى واحد معين علم انه لا يلزم من وجوب الاستخلاف في الحياة وجوبه بعد الموت الرابع أن الاستخلاف في الحياة واجب في أصناف الولايات كما كان النبي ﷺ يستخلف على من غاب عنهم من يقيم فيهم الواجب ويستخلف في الحج وفي قبض الصدقات حفظ مال الفيء وفي إقامة الحدود وفي الغزو وغير ذلك

ومعلوم إن هذا الاستخلاف لا يجب بعد الموت باتفاق العقلاء بل ولا يمكن فإنه لا يمكن إن يعين للأمة بعد موته من يتولى كل أمر جزئي فإنهم يحتاجون إلى واحد بعد واحد وتعيين ذلك متعذر ولأنه لو عين واحدا فقد يختلف حاله ويجب عزله فقد كان يولي في حياته من يشكى إليه فيعزله كما عزل الوليد بن عقبة وعزل سعد بن عبادة عام الفتح وولى ابنه قيسا وعزل إماما كان يصلي بقوم لما بصق في القبلة وولى مرة رجلا فلم يقيم بالواجب فقال أعجزتم إذا وليت من لا يقوم بأمري إن تولوا رجلا يقوم بأمري فقد فوض إليهم عزل من لا يقوم بالواجب من ولاته فكيف لا يفوض إليهم ابتداء تولية من يقوم بالواجب

وإذا كان في حياته من يوليه ولا يقوم بالواجب فيعزله أو يأمر بعزله كان لو ولى واحدا بعد موته يمكن فيه أن لا يقوم بالواجب وحينئذ فيحتاج إلى عزله فإذا ولته الأمة وعزلته كان خيرا لهم من إن يعزلوا من ولاه النبي ﷺ وهذا مما يتبين به حكمة ترك الاستخلاف وعلى هذا فنقول في


الوجه الخامس إن ترك الاستخلاف بعد مماته كان أولى من الاستخلاف كما اختاره الله لنبيه فإنه لا يختار له إلا افضل الأمور وذلك لأنه إما أن يقال يجب إن لا يستخلف في حياته من ليس بمعصوم وكان يصدر من بعض نوابه أمور منكرة فينكرها عليهم ويعزل من يعزل منهم كما استعمل خالد بن الوليد على قتال بني جذيمة فقتلهم فوداهم النبي ﷺ بنصف دياتهم وأرسل علي بن آبي طالب فضمن لهم حتى ميلغة الكلب ورفع النبي ﷺ يديه إلى السماء وقال اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد

واختصم خالد وعبد الرحمن بن عوف حتى قال ﷺ لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ولكن مع هذا لم يعزل النبي ﷺ خالدا

واستعمل الوليد بن عقبة على صدقات قوم فرجع فاخبره إن القوم امتنعوا وحاربوا فأراد غزوهم فأنزل الله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن تصيبوا قوما بجهالة

وولى سعد بن عبادة يوم الفتح فلما بلغه إن سعدا قال: اليوم يوم الملحمة ... اليوم تستباح الحرمة

عزله وولى ابنه قيسا وأرسل بعمامته علامة على عزله ليعلم سعد أن ذلك أمر من النبي ﷺ.

وكان يشتكى إليه بعض نوابه فيأمره بما أمر الله به كما اشتكى أهل قباء معاذا لتطويله الصلاة بهم لما قرأ البقرة في صلاة العشاء فقال افتان أنت يا معاذ اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى ونحوها

وفي الصحيح إن رجلا قال له إني أتخلف عن صلاة الفجر مما يطول بنا فلان فقال يا أيها الناس إذا أم أحدكم فليخفف فإن من ورائه الضعيف والكبير وذي الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء

ورأى إماما قد بصق في قبلة المسجد فعزله عن الإمامة وقال إنك آذيت الله ورسوله

وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء أرسل إليه يسأله عنه

فكان الرسول ﷺ في حياته يعلم خلفاءه ما جهلوا ويقومهم إذا زاغوا ويعزلهم إذا لم يستقيموا ولم يكونوا مع ذلك معصومين فعلم انه لم يكن يجب عليه إن يولي المعصوم

وأيضا فإن هذا تكليف ما لا يمكن فإن الله لم يخلق أحدا معصوما غير الرسول ﷺ فلو كلف إن يستخلف معصوما لكلف ما لا يقدر عليه وفات مقصود الولايات وفسدت أحوال الناس في الدين والدنيا

وإذا علم انه كان يجوز بل يجب إن يستخلف في حياته من ليس بمعصوم فلو استخلف بعد موته كما استخلف في حياته لاستخلف أيضا غير معصوم وكان لا يمكن إن يعلمه ويقومه كما كان يفعل في حياته فكان أن لا يستخلف خيرا من ان يستخلف

والأمة قد بلغها أمر الله ونهيه وعلموا ما أمر الله به نهى عنه فهم يستخلفون من يقوم بأمر الله ورسوله ويعاونونه على إتمامهم القيام بذلك إذا كان الواحد لا يمكنه القيام بذلك فما فاته من العلم بينه له من يعلمه وما احتاج إليه من القدرة عاونه عليه من يمكنه الإعانة وما خرج فيه عن الصواب أعادوه إليه بحسب الإمكان بقولهم وعملهم وليس على الرسول ما حملوه كما انهم ليس عليهم ما حمل

فعلم أن ترك الاستخلاف من النبي ﷺ بعد الموت اكمل في حق الرسول من الاستخلاف وان من قاس وجوب الاستخلاف بعد الممات على وجوبه في الحياة كان من اجهل الناس

وإذا علم الرسول إن الواحد من الأمة هو أحق بالخلافة كما كان يعلم أن أبا بكر هو أحق بالخلافة من غيره كان في دلالته للأمة على انه أحق مع علمه بأنهم يولونه ما يغنيه عن استخلافه لتكون الأمة هي القائمة بالواجب ويكون ثوابها على ذلك أعظم من حصول مقصود الرسول

واما أبو بكر فلما علم انه ليس في الأمة مثل عمر وخاف إن لا يولوه إذا لم يستخلفه لشدته فولاه هو كان ذلك هو المصلحة للأمة

فالنبي ﷺ علم إن الأمة يولون أبا بكر فاستغنى بذلك عن توليته مع دلالته لهم على أنه أحق الأمة بالتولية وأبو بكر لم يكن يعلم إن الأمة يولون عمر إذا لم يستخلفه أبو بكر فكان ما فعله النبي ﷺ هو اللائق به لفضل علمه وما فعله صديق الأمة هو اللائق به إذ لم يعلم ما علمه النبي ﷺ

الوجه السادس أن يقال هب إن الاستخلاف واجب فقد استخلف النبي ﷺ أبا بكر على قول من يقول انه استخلفه ودل على استخلافه على القول الآخر

وقوله لانه لم يعزله عن المدينة، قلنا هذا باطل فانه لما رجع النبي ﷺ انعزل علي بنفس رجوعه كما كان غيره ينعزل إذا رجع وقد أرسله بعد هذا إلى اليمن حتى وافاه بالموسم في حجة الوداع واستخلف على الدينة في حجة الوداع غيره

أفترى النبي ﷺ فيها مقيما وعلي باليمن وهو خليفة بالمدينة؟

ولا ريب إن كلام هؤلاء كلام جاهل بأحوال النبي ﷺ كأنهم ظنوا إن عليا ما زال خليفة على المدينة حتى مات النبي ﷺ ولم يعلموا أن عليا بعد ذلك أرسله النبي ﷺ سنة تسع مع أبي بكر لنبذ العهود وأمر عليه أبا بكر ثم بعد رجوعه مع أبي بكر أرسله إلى اليمن كما أرسل معاذا وأبا موسى

ثم لما حج النبي ﷺ حجة الوداع استخلف على المدينة غير علي ووافاه علي بمكة ونحر النبي ﷺ مائة بدنة نحر بيده ثلثيها ونحر علي ثلثها وهذا كله معلوم عند أهل العلم متفق عليه بينهم وتواترت به الأخبار كأنك تراه بعينك ومن لم يكن له عناية بأحوال الرسول لم يكن له أن يتكلم في هذه المسائل الأصولية

والخليفة لا يكون خليفة إلا مع مغيب المستخلف أو موته فالنبي ﷺ إذا كان بالمدينة امتنع أن يكون له خليفة فيها كما أن سائر من استخلفه النبي ﷺ لما رجع انقضت خلافته وكذلك سائر ولاة الأمور إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك إذا حضر المستخلف

ولهذا لا يصلح إن يقال إن الله يستخلف أحدا عنه فانه حي قيوم شهيد مدبر لعباده منزه عن الموت والنوم والغيبة

ولهذا لما قالوا لأبى بكر يا خليفة الله قال لست خليفة الله بل خليفة رسول الله وحسبي ذلك

والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد كما قال ﷺ اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل وقال في حديث الدجال والله خليفتي على كل مسلم. وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله

كقوله ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم

وكذلك قوله إني جاعل في الأرض خليفة أي عن خلق كان في الأرض قبل ذلك كما ذكر المفسرون وغيرهم

وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية وغيرهم أن الإنسان خليفة الله فهذا جهل وضلال

فصل

قال الرافضي الخامس ما رواه الجمهور عن النبي ﷺ انه قال لأمير المؤمنين أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني وهو نص في الباب

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا الحديث فان هذا الحديث ليس في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها ولا صححه إمام من أئمة الحديث

وقوله رواه الجمهور إن أراد بذلك إن علماء الحديث رووه في الكتب التي يحتج بما فيها مثل كتاب البخاري ومسلم ونحوهما وقالوا انه صحيح فهذا كذب عليهم وإن أراد بذلك إن هذا يرويه مثل آبي نعيم في الفضائل والمغازلي وخطيب خوارزم ونحوهم أو يروى في مكتب الفضائل فمجرد هذا ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع فكيف في مسألة الإمامة التي قد أقمتم عليها القيامة

الثاني إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث وقد تقدم كلام ابن حزم إن سائر هذه الأحاديث موضوعة يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها وقد صدق في ذلك فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث وضعيفة ليعلم إن هذا الحديث ومثله ضعيف بل وكذب موضوع ولهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها وإنما يرويه من يرويه في الكتب التي يجمع فيها بين الغث والسمين التي يعلم كل عالم إن فيها ما هو كذب مثل كثير من كتب التفسير تفسير الثعلبي والواحدي ونحوهما والكتب التي صنفها في الفضائل من يجمع الغث والسمين لا سيما خطيب خوارزم فإنه من أروى الناس للمكذوبات وليس هو من أهل العلم بالحديث ولا المغازلي

قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات لما روى هذا الحديث من طريق آبي حاتم البستي حدثنا محمد بن سهل بن أيوب حدثنا عمار بن رجاء حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف عن انس أن النبي ﷺ قال: إن أخي ووزيري وخليفتي من أهلي وخير من اترك بعدي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن آبي طالب

قال هذا حديث موضوع قال ابن حبان مطر بن ميمون يروى الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه. رواه أيضا من طريق احمد بن عدي بنحو هذا اللفظ ومداره على عبيد الله بن موسى عن مطر بن ميمون وكان عبيد الله بن موسى في نفسه صدوقا روى عنه البخاري لكنه معروف بالتشيع فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ما يوافق هواه كما روى عن مطر بن ميمون هذا وهو كذب وقد يكون علم انه كذب ذلك وقد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه ولو بحث عنه لتبين له انه كذب هذا مع انه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدثون وخليفتي من بعدي وإنما في تلك الطريق وخليفتي في أهلي وهذا استخلاف خاص

وأما اللفظ الآخر الذي رواه ابن عدي فإنه قال حدثنا ابن آبي سفيان حدثنا عدي بن سهل حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا مطر عن انس قال قال رسول الله ﷺ: علي أخي وصاحبي وابن عمي وخير من اترك من بعدي يقضي ديني وينجز موعدي

ولا ريب أن مطرا هذا كذاب لم يرو عنه أحد من علماء الكوفة مع روايته عن انس فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطان ولا وكيع ولا أبو معاوية ولا أبو نعيم ولا يحيى بن آدم ولا أمثالهم مع كثرة من بالكوفة من الشيعة ومع أن كثيرا من عوامها يفضل عليا على عثمان ويروى حديثه أهل الكتب الستة حتى الترمذي وابن ماجة قد يرويان عن ضعفاء ولم يرووا عنه وإنما روى عنه عبيد الله بن موسى لانه كان صاحب هوى متشيعا فكان لأجل هواه يروي عن هذا ونحوه وإن كانوا كذابين

ولهذا لم يكتب احمد عن عبيد الله بن موسى بخلاف عبد الرزاق وذكر احمد إن عبيد الله كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق

ومما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في تاريخه من حديث عبيد الله بن موسى عند مطر عن انس قال كنت عند النبي ﷺ فرأي عليا مقبلا فقال أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة

قال ابن الجوزي هذا حديث موضوع والمتهم بوضعه مطر قال أبو حاتم يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه

الوجه الثالث أن دين النبي ﷺ لم يقضه علي، بل في الصحيح إن النبي ﷺ مات ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله فهذا الدين الذي كان عليه يقضى من الرهن الذي رهنه ولم يعرف عن النبي ﷺ دين آخر

وفي الصحيح عنه انه قال: لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة

فلو كان عليه دين قضي مما تركه وكان ذلك مقدما على الصدقة كان ثبت ذلك في الحديث الصحيح

فصل

قال الرافصي السادس حديث المؤاخاة روى انس إن النبي ﷺ لما كان يوم المباهلة وأخي بين المهاجرين والأنصار وعلي واقف يراه ويعرفه ولم يؤاخ بينه وبين أحد فانصرف باكيا فقال النبي ﷺ ما فعل أبو الحسن قالوا انصرف باكي العين قال يا بلال اذهب فائتني به فمضى إليه ودخل منزله باكي العين فقالت له فاطمة ما يبكيك قال أخي النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار ولم يؤاخ بيني وبين أحد قالت لا يخزيك الله لعله إنما ادخرك لنفسه فقال بلال يا علي اجب رسول الله ﷺ فأتى فقال ما يبكيك يا أبا الحسن فأخبره فقال إنما ادخرك لنفسي ألا يسرك أن تكون أخا نبيك قال بلى فأخذ بيده فأتى المنبر فقال اللهم هذا مني وأنا منه إلا انه مني بمنزلة هارون من موسى إلا من كنت مولاه فعلي مولاه فانصرف فاتبعه عمر فقال بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مسلم فالمؤاخاة تدل على الأفضلية فيكون هو الإمام

والجواب أولا المطالبة بتصحيح النقل فإنه لم يعز هذا الحديث إلى كتاب أصلا كما عادته يعزو وإن كان عادته يعزو إلى كتب لا تقوم بها الحجة وهنا أرسله إرسالا على عادة أسلافه شيوخ الرافضة يكذبون ويروون الكذب بلا إسناد وقد قال ابن المبارك الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء فإذا سئل وقف وتحير

الثاني إن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع وواضعه جاهل كذب كذبا ظاهرا مكشوفا يعرف انه كذب من له أدنى معرفة بالحديث كما سيأتي بيانه

الثالث إن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة والنبي ﷺ لم يؤاخ أحدا ولا أخي بين مهاجري ومهاجري ولا بين آبي بكر وعمر ولا بين أنصاري وأنصاري ولكن أخي بين المهاجرين والأنصار في أول قدومه المدينة

وأما المباهلة فكانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر من الهجرة

الرابع إن دلائل الكذب على هذا الحديث بينة منها انه قال لما كان يوم المباهلة وأخي بين المهاجرين والأنصار والمباهلة كانت لما قدم وفد نجران النصارى وأنزل الله سورة آل عمران وكان ذلك في آخر الأمر سنة عشر أو سنة تسع لم يتقدم على ذلك باتفاق الناس والنبي ﷺ لم يباهل النصارى لكن دعاهم إلى المباهلة فاستنظروه حتى يشتوروا فلما اشتوروا قالوا هو نبي وما باهل قوم نبيا إلا استؤصلوا فأقروا له بالجزية ولم يباهلوا وهم أول من اقر بالجزية من أهل الكتاب وقد اتفق الناس على انه لم يكن في ذلك اليوم مؤاخاة

الخامس إن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت في السنة الأولى من الهجرة في دار بني النجار وبين المباهلة وذلك عدة سنين

السادس انه كان قد أخي بين المهاجرين والأنصار والنبي ﷺ وعلي كلاهما من المهاجرين فلم يكن بينهم مؤاخاة بل أخي بين علي وسهل بن حنيف فعلم انه لم يؤاخ عليا وهذا مما يوافق ما في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين والأنصار لم تكن بين مهاجري ومهاجري

السابع إن قوله أما ترضى إن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إنما قاله في غزوة تبوك مرة واحدة لم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلا باتفاق أهل العلم بالحديث

وأما حديث الموالاة فالذين رووه ذكروا انه قاله بغدير خم مرة واحدة لم يتكرر في غير ذلك المجلس أصلا

الثامن انه قد تقدم الكلام على المؤاخاة وإن فيها عموما وإطلاقا لا يقتضي الأفضلية والإمامة وأن ما ثبت للصديق من الفضيلة لا يشركه فيه غيره كقوله: لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا، وإخباره إن احب الرجال إليه أبو بكر وشهادة الصحابة له انه احبهم إلى رسول الله ﷺ وغير ذلك مما يبين أن الاستدلال بما روى من المؤاخاة باطل نقلا ودلالة

التاسع أن من الناس من يظن أن المؤاخاة وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض لأنه روى فيها أحاديث لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن وكل ما روي في ذلك فإنه باطل إما إن يكون من رواية من يتعمد الكذب وإما إن يكون اخطأ فيه ولهذا لم يخرج أهل الصحيح شيئا من ذلك

والذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ومعلوم انه لو آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض وبين الأنصار بعضهم مع بعض لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ولكان يذكر في أحاديث المؤاخاة ويذكر كثيرا فكيف وليس في هذا حديث صحيح ولا خرج أهل الصحيح من ذلك شيئا

وهذه الأمور يعرفها من كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة والسيرة المتواترة وأحوال النبي ﷺ وسبب المؤاخاة وفائدتها ومقصودها وأنهم كانوا يتوارثون بذلك فآخى النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار كما آخى بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء ليقعد الصلة بين المهاجرين والأنصار حتى انزل الله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وهي المحالفة التي انزل الله فيها والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم

وقد تنازع الفقهاء هل هي محكمة يورث بها عند عدم النسب أو لا يورث بها على قولين هما روايتان عن احمد الأول مذهب أبي حنيفة والثاني مذهب مالك والشافعي

فصل

قال الرافضي السابع ما رواه الجمهور كافة أن النبي ﷺ لما حاصر خيبر تسعا وعشرين ليلة وكانت الراية لأمير المؤمنين علي فلحقه رمد أعجزه عن الحرب وخرج مرحب يتعرض للحرب فدعا رسول الله ﷺ أبا بكر فقال له خذ الراية فأخذها في جمع من المهاجرين فاجتهد ولم يغن شيئا ورجع منهزما فلما كان من الغد تعرض لها عمر فسار غير بعيد ثم رجع يخبر أصحابه فقال النبي ﷺ جيؤني بعلي فقيل انه أرمد فقال ارونيه اروني رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار فجاءوا بعلي فتفل في يده ومسحها على عينيه ورأسه فبرئ فأعطاه الراية ففتح الله على يديه وقتل مرحبا ووصفه عليه السلام بهذا الوصف يدل على انتفائه عن غيره وهو يدل على أفضليته فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بتصحيح النقل وأما قوله رواه الجمهور فان الثقات الذين رووه لم يرووه هكذا بل الذي في الصحيح إن عليا كان غائبا عن خيبر لم يكن حاضرا فيها تخلف عن الغزاة لأنه كان ارمد ثم انه شق عليه التخلف عن النبي ﷺ فلحقه فقال النبي ﷺ قبل قدومه

لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله علي يديه

ولم تكن الراية قبل ذلك لأبى بكر ولا لعمر ولا قربها واحد منهما بل هذا من الأكاذيب ولهذا قال عمر فما أحببت الإمارة إلا يومئذ وبات الناس كلهم يرجون إن يعطاها فلما اصبح دعا عليا فقيل له انه ارمد فجاءه فتفل في عينيه حتى برأ فأعطاه الراية

وكان هذا التخصيص جزاء مجيء علي مع الرمد وكان أخبار النبي ﷺ بذلك وعلي ليس بحاضر لا يرجونه من كراماته ﷺ فليس في الحديث تنقيص بأبي بكر وعمر أصلا

الثاني إن أخباره أن عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله حق وفيه رد على النواصب لكن الرافضة الذين يقولون إن الصحابة ارتدوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا لأن الخوارج تقول لهم هو ممن ارتد أيضا كما قالوا لما حكم الحكمين انك قد ارتددت عن الإسلام فعد إليه

قال الأشعري في كتاب المقالات أجمعت الخوارج على كفر علي. وأما أهل السنة فيمكنهم الاستدلال على بطلان قول الخوارج بأدلة كثيرة لكنها مشتركة تدل على إيمان الثلاثة والرافضة تقدح فيها فلا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج على إن عليا مات مؤمنا بل أي دليل ذكروه قدح فيه ما يبطله على أصلهم لان أصلهم فاسد

وليس هذا الوصف من خصائص علي بل غيره يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لكن فيه الشهادة لعينه بذلك كما شهد لاعيان العشرة بالجنة وكما شهد لثابت بن قيس بالجنة وشهد لعبد الله حمار بأنه يحب الله ورسوله وقد كان ضربه في الحد مرات

وقول القائل إن هذا يدل على انتفاء هذا الوصف عن غيره

فيه جوابان أحدهما انه إن سلم ذلك فانه قال لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله علي يديه

فهذا المجموع اختص به وهو أن ذلك الفتح كان على يديه ولا يلزم إذا كان ذلك الفتح المعين على يديه أن يكون افضل من غيره فضلا عن إن يكون مختصا بالإمامة

الثاني إن يقال لا نسلم إن هذا يوجب التخصيص كما لو قيل لأعطين هذا المال رجلا فقيرا أو رجلا صالحا ولأدعون اليوم رجلا مريضا صالحا أو لأعطين هذه الراية رجلا شجاعا ونحو ذلك لم يكن في هذه الألفاظ ما يوجب إن تلك الصفة لا توجد إلا في واحد بل هذا يدل على أن ذلك الواحد موصوف بذلك

ولهذا لو نذر إن يتصدق بألف درهم على رجل صالح أو فقير فأعطى هذا المنذور لواحد لم يلزم إن يكون غيره ليس كذلك ولو قالوا أعطوا هذا المال لرجل قد حج عني فأعطوه رجلا لم يلزم أن غيره لم يحج عنه

الثالث انه لو قدر ثبوت أفضليته في ذلك الوقت فلا يدل ذلك على أن غيره لم يكن افضل منه بعد ذلك

الرابع انه لو قدرنا أفضليته لم يدل ذلك على انه إمام معصوم منصوص عليه بل كثير من الشيعة الزيدية ومتأخري المعتزلة وغيرهم يعتقدون أفضليته وأن الإمام هو أبو بكر وتجوز عندهم ولاية المفضول وهذا مما يجوزه كثير من غيرهم ممن يتوقف في تفضيله بعض الأربعة على بعض أو ممن يرى إن هذه المسألة ظنية لا يقوم فيها دليل قاطع على فضيلة واحد معين فإن من لم يكن له خبره بالسنة الصحيحة قد يشك في ذلك

وأما أئمة المسلمين المشهورون فكلهم متفقون على أن أبا بكر وعمر افضل من عثمان وعلي ونقل هذا الإجماع غير واحد كما روى البيهقي في كتب مناقب الشافعي مسنده عن الشافعي قال ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة

وروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال كنا نفاضل على عهد رسول الله ﷺ فنقول خير الناس بعد رسول الله ﷺ أبو بكر ثم عمر

وقد تقدم نقل البخاري عن علي هذا الكلام

والشيعة الذين صحبوا عليا كانوا يقولون ذلك وتواتر ذلك عن علي من نحو ثمانين وجها وهذا مما يقطع به أهل العلم ليس هذا مما يخفى على من كان عارفا بأحوال الرسول والخلفاء

فصل

قال الرافضي الثامن خبر الطائر روى الجمهور كافة أن النبي ﷺ أتى بطائر فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلي يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي فدق الباب فقال انس إن النبي ﷺ على حاجة فرجع ثم قال النبي ﷺ كما قال أولا فدق الباب فقال انس ألم اقل لك انه علي حاجة فانصرف فعاد النبي ﷺ فعاد علي فدق الباب اشد من الأولين فسمعه النبي ﷺ فأذن له بالدخول وقال ما ابطأك عني قال جئت فردني انس ثم جئت فردني انس ثم جئت فردني الثالثة فقال يا انس ما حملك على هذا فقال رجوت أن يكون الدعاء لرجل من الأنصار فقال يا انس أو في الأنصار خير من علي أو في الأنصار افضل من علي فإذا كان احب الخلق إلى الله وجب أن يكون هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بتصحيح النقل وقوله روى الجمهور كافة كذب عليهم فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح ولا صححه أئمة الحديث ولكن هو مما رواه بعض الناس كما رووا أمثاله في فضل غير علي بل قد روي في فضائل معاوية أحاديث كثيرة وصنف في ذلك مصنفات وأهل العلم بالحديث لا يصححون لا هذا ولا هذا

الثاني أن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل قال أبو موسى المديني قد جمع غير واحد من الحفاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار والمعرفة كالحاكم النيسابوري وأبي نعيم وابن مردويه وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال لا يصح

هذا مع إن الحاكم منسوب إلى التشيع وقد طلب منه إن يروي حديثا في فضل معاوية فقال ما يجيء من قلبي ما يجيء من قلبي وقد ضربوه على ذلك فلم يفعل وهو يروي في الأربعين أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث كقوله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين لكن تشيعه وتشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث كالنسائي وابن عبد البر وأمثالهما لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر وعمر فلا يعرف في علماء الحديث من يفضله عليهما بل غاية المتشيع منهم أن يفضله على عثمان أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله ونحو ذلك لأن علماء الحديث قد عصمهم وقيدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين ومن ترفض ممن له نوع اشتغال بالحديث كابن عقدة وأمثاله فهذا غايته أن يجمع ما يروى في فضائله من المكذوبات والموضوعات لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح في فضائل علي واصح وأصرح في الدلالة

وأحمد بن حنبل لم يقل إنه صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره بل أحمد أجل من إن يقول مثل هذا الكذب بل نقل عنه أنه قال روي له ما لم يرو لغيره مع إن في نقل هذا عن احمد كلاما ليس هذا موضعه

الثالث إن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب إن يجيء احب الخلق إلى الله ليأكل منه فان إطعام الطعام مشروع للبر والفاجر وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل ولا معونة على مصلحة دين ولا دينا فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله

الرابع إن هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة فانهم يقولون إن النبي ﷺ كان يعلم إن عليا احب الخلق إلى الله وانه جعله خليفة من بعده وهذا الحديث يدل على انه ما كان يعرف احب الخلق إلى الله

الخامس إن يقال إما أن يكون النبي ﷺ كان يعرف أن عليا احب الخلق إلى الله أو ما كان يعرف فان كان يعرف ذلك كان يمكنه إن يرسل يطلبه كما كان يطلب الواحد من الصحابة أو يقول اللهم ائتني بعلي فإنه احب الخلق إليك فأي حاجة إلى الدعاء والإبهام في ذلك ولو سمى عليا لاستراح انس من الرجاء الباطل ولم يغلق الباب في وجه علي. وإن كان النبي ﷺ لم يعرف ذلك بطل ما يدعونه من كونه كان يعرف ذلك ثم ان في لفظه احب الخلق إليك وإلي فكيف لا يعرف احب الخلق إليه

السادس إن الأحاديث الثابتة في الصحاح التي اجمع أهل الحديث على صحتها وتلقيها بالقبول تناقض هذا فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لم يصححوه

يبين هذا لكل متأمل ما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من فضائل القوم كما في الصحيحين انه قال: لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا

وهذا الحديث مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث فإنه قد اخرج في الصحاح من وجوه متعددة من حديث ابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وابن الزبير وهو صريح في انه لم يكن عنده من أهل الأرض أحد احب إليه من آبي بكر فإنه الخلة هي كمال الحب وهذا لا يصلح إلا لله فإذا كانت ممكنة ولم يصلح لها إلا أبو بكر علم انه احب الناس إليه

وقوله في الحديث الصحيح لما سئل أي الناس احب إليك قال عائشة. قيل من الرجال قال أبوها.

وقول الصحابة أنت خيرنا وسيدنا وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله عمر بين المهاجرين والأنصار ولا ينكر ذلك منكر

وأيضا فالنبي ﷺ محبته تابعة لمحبة الله وأبو بكر احبهم إلى الله تعالى فهو احبهم إلى رسوله

وإنما كان كذلك لأنه اتقاهم وأكرمهم وأكرم الخلق علي الله تعالى اتقاهم بالكتاب والسنة وإنما كان اتقاهم لأن الله تعالى قال وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى

وأئمة التفسير يقولون إنه أبو بكر

ونحن نبين صحة قولهم بالدليل فنقول الأتقى قد يكون نوعا وقد يكون شخصا وإذا كان نوعا فهو يجمع أشخاصا فإن قيل انهم ليس فيهم شخص هو اتقى كان هذا باطلا لأنه لا شك إن بعض الناس اتقى من بعض مع أن هذا خلاف قول أهل السنة والشيعة فإن هؤلاء يقولون إن اتقى الخلق بعد رسول الله ﷺ من هذه الأمة هو أبو بكر وهؤلاء يقولون هو علي وقد قال بعض الناس هو عمر ويحكى عن بعض الناس غير ذلك ومن توقف أو شك لم يقل انهم مستوون في التقوى فإذا قال انهم متساوون في الفضل فقد خالف إجماع الطوائف فتعين إن يكون هذا اتقى

وإن كان الأتقى شخصا فإما إن يكون أبا بكر أو عليا فإنه إذا كان اسم جنس يتناول من دخل فيه وهو النوع وهو القسم الأول أو معينا غيرهما وهذا القسيم منتف باتفاق أهل السنة والشيعة وكونه عليا باطل أيضا لأنه قال الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى

وهذا الوصف منتف في علي لوجوه

أحدها إن هذه السورة مكية بالاتفاق وكان علي فقيرا بمكة في عيال النبي ﷺ ولم يكن له مال ينفق منه بل كان النبي ﷺ قد ضمه إلى عياله لما أصابت أهل مكة سنة

الثاني انه قال وما لأحد عنده من نعمة تجزى وعلي كان للنبي ﷺ عنده نعمة تجزى وهو إحسانه إليه لما ضمه إلى عياله بخلاف أبي بكر فإنه لم يكن له عنده نعمة دنيوية لكن كان له عنده نعمة الدين وتلك لا تجزى فإن اجر النبي ﷺ فيها على الله لا يقدر أحد يجزيه فنعمة النبي ﷺ عند آبي بكر دينية لا تجزى ونعمته عند علي دنيوية تجزى ودينية

وهذا الأتقى ليس لأحد عنده نعمة تجزى وهذا الوصف لأبى بكر ثابت دون علي

فان قيل المراد به انه انفق ماله لوجه الله لا جزاء لمن انعم عليه وإذا قدر أن شخصا أعطى من احسن إليه أجرا وأعطى شيئا آخر لوجه الله كان هذا مما ليس لأحد عنده من نعمة تجزى

قيل هب إن الأمر كذلك لكن علي لو انفق لم ينفق إلا فيما يأمره به النبي ﷺ والنبي له عنده نعمة تجزى فلا يخلص إنفاقه عن المجازاة كما يخلص إنفاق أبي بكر

وعلي اتقى من غيره لكن أبا بكر اكمل في وصف التقوى مع إن لفظ الآية انه ليس عنده قط لمخلوق نعمة تجزى وهذا وصف من يجازي الناس على إحسانهم إليه فلا يبقى لمخلوق عليه منة وهذا الوصف منطبق على أبي بكر انطباقا لا يساويه فيه أحد من المهاجرين فإنه لم يكن في المهاجرين عمر وعثمان وعلي وغيرهم رجل اكثر إحسانا إلى الناس قبل الإسلام وبعده بنفسه وماله من أبي بكر كان مؤلفا محببا يعاون الناس على مصالحهم كما قال فيه ابن الدغنة سيد القارة لما أراد إن يخرج من مكة مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج فإنك تحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق

وفي صلح الحديبية لما قال لعروة بن مسعود امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه قال لأبى بكر لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك

وما عرف قط إن أحدا كانت له يد على أبي بكر في الدنيا لا قبل الإسلام ولا بعده فهو أحق الصحابة وما لأحد عنده من نعمة تجزى فكان أحق الناس بالدخول في الآية

وأما علي رضي الله عنه فكان للنبي ﷺ عليه نعمة دنيوية وفي المسند لأحمد أن أبا بكر رضي الله عنه كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه ويقول إن خليلي امرني أن لا أسال الناس شيئا

وفي المسند والترمذي وأبي داود حديث عمر قال عمر امرنا رسول الله ﷺ إن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم اسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال رسول الله ﷺ: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت مثله قال واتى أبو بكر بكل ما عنده فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا.

فأبو بكر رضي الله عنه جاء بماله كله ومع هذا فلم يكن يأكل من أحد لا صدقة ولا صلة ولا نذرا بل كان يتجر ويأكل من كسبه ولما ولي الناس واشتغل عن التجارة بعمل المسلمين أكل من مال الله ورسوله الذي جعله الله له لم يأكل من مال مخلوق

وأبو بكر لم يكن النبي ﷺ يعطيه شيئا من الدنيا يخصه به بل كان في المغازي كواحد من الناس بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين وقد استعمله النبي ﷺ وما عرف انه أعطاه عمالة وقد أعطى عمر عمالة وأعطى عليا من الفيء وكان يعطي المؤلفة قلوبهم من الطلقاء وأهل نجد والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لا يعطيهم كما فعل في غنائم حنين وغيرها ويقول: إني لأعطي رجالا وادع رجالا والذي ادع احب إلي من الذي أعطي أعطى رجالا لما في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل رجالا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير

ولما بلغه عن الأنصار كلام سألهم عنه فقالوا يا رسول الله أما ذوو الرأي منا فلم يقولوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله ﷺ: فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أفلا ترضون إن يذهب الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به. قالوا بلى يا رسول الله قد رضينا قال: فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض. قالوا سنصبر.

وقوله تعالى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى استثناء منقطع والمعنى لا يقتصر في العطاء على من له عنده يد يكافئه بذلك فان هذا من العدل الواجب للناس بعضهم على بعض بمنزلة المعاوضة في المبايعة والمؤاجرة

وهذا واجب لكل أحد على كل أحد فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى لم يحتج إلى هذه المعادلة فيكون عطاؤه خالصا لوجه ربه الأعلى بخلاف من كان عنده لغيره نعمة يحتاج إن يجزيه لها فإنه يحتاج أن يعطيه مجازاة له على ذلك وهذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكى فانه في معاملته للناس يكافئهم دائما ويعاونهم ويجازيهم فحين أعطاه الله ماله يتزكى لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزى

وفيه أيضا ما يبين أن التفضيل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجبات من المعاوضات كما قال تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ومن تكون عليه ديون وفروض وغير ذلك أداها ولا يقدم الصدقة على قضاء هذه الواجبات ولو فعل ذلك فهل ترد صدقته على قولين معروفين للفقهاء

وهذه الآية يحتج بها من ترد صدقته لأن الله إنما أثنى على من اتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه إن يجزيها قبل إن يؤتي ماله يتزكى فإما إذا آتى ماله يتزكى قبل إن يجزيها لم يكن ممدوحا فيكون عمله مردودا لقوله عليه الصلاة والسلام من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد

الثالث انه قد صح عن النبي ﷺ انه قال: ما نفعني مال كمال أبي بكر

وقال: إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر

بخلاف علي رضي الله عنه فإنه لم يذكر عنه النبي ﷺ شيئا من إنفاق المال وقد عرف إن أبا بكر اشترى سبعة من المعذبين في الله في أول الإسلام وفعل ذلك ابتغاء لوجه ربه الأعلى لم يفعل ذلك كما فعله أبو طالب الذي أعان النبي ﷺ لأجل نسبه وقرابته لا لأجل الله تعالى ولا تقربا إليه

وإن كان الأتقى اسم جنس فلا ريب انه يجب أن يدخل فيه اتقى الأمة والصحابة خير القرون فأتقاها اتقى الأمة وأتقى الأمة إما أبو بكر وإما علي وإما غيرهما والثالث منتف بالإجماع وعلي إن قيل انه يدخل في هذا النوع لكونه بعد أن صار له مال اتى ماله يتزكى فيقال أبو بكر فعل ذلك في أول الإسلام وقت الحاجة إليه فيكون اكمل في الوصف الذي يكون صاحبه هو الأتقى

وأيضا فالنبي ﷺ إنما كان يقدم الصديق في المواضع التي لا تحتمل المشاركة كاستخلافه في الصلاة والحج ومصاحبته وحده في سفر الهجرة ومخاطبته وتمكينه من الخطاب والحكم والإفتاء بحضرته ورضاه بذلك إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفها ومن كان اكمل في هذا الوصف كان اكرم عند الله فيكون احب إليه فقد ثبت بالدلائل الكثيرة إن أبا بكر هو اكرم الصحابة في الصديقية وافضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون ومن كان اكمل في ذلك كان افضل

وأيضا فقد ثبت في النقل الصحيح عن علي انه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر واستفاض ذلك وتواتر عنه وتوعد بجلد المفتري من يفضله عليه وروي عنه انه سمع ذلك من النبي ﷺ ولا ريب أن عليا لا يقطع بذلك إلا عن علم

وأيضا فإن الصحابة اجمعوا على تقديم عثمان الذي عمر افضل منه وأبو بكر افضل منهما وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع وتقدم بعض ذلك ولكن ذكر هذا لنبين إن حديث الطير من الموضوعات

فصل

قال الرافضي التاسع ما رواه الجمهور انه أمر الصحابة بان يسلموا على علي بإمرة المؤمنين وقال انه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقال هذا ولي كل مؤمن بعدي وقال في حقه إن عليا مني وأنا منه أولى بكل مؤمن ومؤمنة فيكون علي وحده هو الإمام لذلك وهذه نصوص في الباب

والجواب من وجوه

أحدها المطالبة بإسناده وبيان صحته وهو لم يعزه إلى كتاب على عادته فإما قوله رواه الجمهور فكذب فليس هذا في كتب الأحاديث المعروفة لا الصحاح ولا المساند ولا السنن وغير ذلك فإن كان رواه بعض حاطبي الليل كما يروي أمثاله فعلم مثل هذا ليس بحجة يجب اتباعها باتفاق المسلمين

والله تعالى قد حرم علينا الكذب وأن نقول عليه ما لا نعلم وقد تواتر عن النبي ﷺ انه قال: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار

الوجه الثاني أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث وكل من له أدنى معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه لا الصحاح ولا السنن ولا المساند المقبولة

الثالث أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي ﷺ فإن قائل هذا كاذب والنبي ﷺ منزه عن الكذب وذلك إن سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين هو رسول الله ﷺ باتفاق المسلمين

فان قيل علي هو سيدهم بعده، قيل ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا التأويل بل هو مناقض لهذا لأن افضل المسلمين المتقين المحجلين هم القرن الأول ولم يكن لهم على عهد النبي ﷺ سيد ولا إمام ولا قائد غيره فكيف يخبر عن شيء بعد إن لم يحضر ويترك الخبر عما هو أحوج إليه وهو حكمهم في الحال

ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله ﷺ فمن يقود علي؟

وأيضا فعند الشيعة جمهور المسلمين المحجلين كفار أو فساق فلمن يقود

وفي الصحيح عن النبي ﷺ انه قال: وددت إني قد رأيت إخواني. قالوا اولسنا إخوانك يا رسول الله قال: انتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. قالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله قال: أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم إلا يعرف خيله؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض... الحديث فهذا يبين إن كل من توضأ وغسل وجهه ويديه ورجليه فإنه من الغر المحجلين وهؤلاء جماهيرهم إنما يقدمون أبا بكر وعمر والرافضة لا تغسل بطون أقدامها ولا أعقابها فلا يكونون من المحجلين في الأرجل وحينئذ فلا يبقى أحد من الغر المحجلين يقودهم ولا يقادون مع الغر المحجلين فإن الحجلة لا تكون إلا في ظهر القدم وإنما الحجلة في الرجل كالحجلة في اليد

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ انه قال: ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار

ومعلوم إن الفرس لو لم يكن البياض إلا لمعة في يده أو رجله لم يكن محجلا وإنما الحجلة بياض اليد أو الرجل فمن لم يغسل الرجلين إلى الكعبين لم يكن من المحجلين فيكون قائد الغر المحجلين بريئا منه كائنا من كان

ثم كون علي سيدهم وإمامهم وقائدهم بعد رسول الله ﷺ مما يعلم بالاضطرار انه كذب وأن رسول الله ﷺ لم يقل شيئا من ذلك بل كان يفضل عليه أبا بكر وعمر تفضيلا بينا ظاهرا عرفه الخاصة والعامة حتى أن المشركين كانوا يعرفون منه ذلك

ولما كان يوم أحد قال أبو سفيان وكان حينئذ أمير المشركين أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه. فقال أفي القوم ابن آبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاثا فقال النبي ﷺ: لا تجيبوه. فقال أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب ثلاثا فقال النبي ﷺ: لا تجيبوه فقال أبو سفيان لأصحابه أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر نفسه إن قال كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء وقد بقي لك ما يسوءك وقد ذكر باقي الحديث رواه البخاري وغيره.

فهذا مقدم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي ﷺ وأبي بكر وعمر لعلمه وعلم الخاص والعام إن هؤلاء الثلاثة هم رؤوس هذا الأمر وأن قيامه بهم ودل ذلك على انه كان ظاهرا عند الكفار إن هذين وزيراه وبهما تمام أمره وأنها أخص الناس به وإن لهما من السعي في إظهار الإسلام ما ليس لغيرهما

وهذا أمر كان معلوما للكفار فضلا عن المسلمين والأحاديث الكثيرة متواترة بمثل هذا وكما في الصحيحين عن ابن عباس قال وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون له ويثنون عليه ويصلون عليه قبل إن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلا برجل قد اخذ بمنكبي من ورائي فالتفت فإذا هو علي فترحم على عمر وقال ما خلفت أحدا احب إلي إن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت لأظن إن يجعلك الله مع صاحبيك وذلك أني كثيرا ما كنت اسمع النبي ﷺ يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر فإن كنت لأرجوا إن يجعلك الله معهما.

فلم يكن تفضيلهما عليه وعلى أمثاله مما يخفى على أحد ولهذا كانت الشيعة القدماء الذين أدركوا عليا يقدمون أبا بكر وعمر عليه إلا من الحد منهم وإنما كان نزاع من نازع منهم في عثمان

وكذلك قوله: هو ولي كل مؤمن بعدي كذب على رسول الله ﷺ بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن وكل مؤمن وليه في المحيا والممات فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها والي كل مؤمن بعدي كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر وقيل يقدم الولي

فقول القائل علي ولي كل مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى النبي ﷺ فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج ان يقول بعدي وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن

وأما قوله لعلي أنت مني وأنا منك فصحيح في غير هذا الحديث ثبت انه قال له ذلك عام القضية لما تنازع هو وجعفر وزيد ابن حارثة في حضانة بنت حمزة فقضى النبي ﷺ بها لخالتها وكانت تحت جعفر وقال: الخالة أم

وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي

وقال لعلي: أنت مني وأنا منك

وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا

وفي الصحيحين عنه انه قال: إن الأشعريين إذا أرملوا في السفر أو نقصت نفقة عيالاتهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد فقسموه بينهم بالسوية هم مني وأنا منهم

فقال للاشعريين:هم مني وأنا منهم، كما قال لعلي: أنت مني وأنا منك

وقال لجليبيب: هذا مني وأنا منه

فعلم إن هذه اللفظة لا تدل على الإمامة ولا على أن من قيلت له كان هو افضل الصحابة

فصل

قال الرافضي العاشر ما رواه الجمهور من قول النبي ﷺ إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض وقال أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته وعلي سيدهم فيكون واجب الطاعة على الكل فيكون هو الإمام

والجواب من وجوه

أحدها أن لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم: قام فينا رسول الله ﷺ خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فقال: أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب ربي وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي.

وهذا اللفظ يدل على إن الذي امرنا بالتمسك به وجعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله

وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى فما انتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد ثلاث مرات

وأما قوله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فهذا رواه الترمذى وقد سئل عنه احمد بن حنبل فضعفه

وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا لا يصح وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة قالوا ونحن نقول بذلك كما ذكر القاضي أبو يعلي وغيره

ولكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة بل هم المبرؤون المنزهون عن التدنس بشيء منه

وأما قوله مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات فهذا ما يزيده وهنا

الوجه الثاني إن النبي ﷺ قال عن عترته أنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وهو الصادق المصدوق فيدل على إن اجماع العترة حجة وهذا قول طائفة من أصحابنا وذكره القاضي في المعتمد لكن العترة هم بنو هاشم كلهم ولد العباس وولد علي وولد الحارث بن عبد المطلب وسائر بني أبي طالب وغيرهم وعلي وحده ليس هو العترة وسيد العترة هو رسول الله ﷺ

يبين ذلك إن علماء العترة كابن عباس وغيره لم يكونوا يوجبون اتباع علي في كل ما يقوله ولا كان علي يوجب على الناس طاعته في كل ما يفتي به ولا عرف أن أحدا من أئمة السلف لا من بنى هاشم ولا غيرهم قال انه يجب اتباع علي في كل ما يقوله

الوجه الثالث أن العترة لم تجتمع على إمامته ولا أفضليته بل أئمة العترة كابن عباس وغيره يقدمون أبا بكر وعمر في الإمامة والأفضلية وكذلك سائر بنو هاشم من العباسيين والجعفريين واكثر العلويين وهم مقرون بإمامة أبي بكر وعمر وفيهم من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي واحمد وغيرهم أضعاف من فيهم من الإمامية

والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت من بني هاشم من التابعين وتابعيهم من ولد الحسين بن علي وولد الحسن وغيرهما انهم كانوا يتولون أبا بكر وعمر وكانوا يفضلونهما على علي والنقول عنهم ثابتة متواترة

وقد صنف الحافظ أبو الحسن الدارقطني كتاب ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة وذكر فيه من ذلك قطعة وكذلك كل من صنف من أهل الحديث في السنة مثل كتاب السنة لعبد الله ابن احمد والسنة للخلال والسنة لابن بطة والسنة للآجري واللالكائي والبيهقي وابن ذر الهروي والطلمنكي وابن حفص بن شاهين وأضعاف هؤلاء الكتب التي يحتج هذا بالعزو إليها مثل كتاب فضائل الصحابة للإمام احمد ولأبي نعيم وتفسير الثعلبي وفيها من ذكر فضائل الثلاثة ما هو من أعظم الحجج عليه فان كان هذا القدر حجة فهو حجة له وعليه والا فلا يحتج به

الوجه الرابع إن هذا معارض بما هو أقوى منه وهو أن إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع والعترة بعض الأمة فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة وأفضل الأمة أبو بكر كما تقدم ذكره ويأتي

وإن كانت الطائفة التي إجماعها حجة يجب اتباع قول أفضلها مطلقا

وان لم يكن هو الإمام ثبت أن أبا بكر هو الإمام وإن لم يجب إن يكون الأمر كذلك بطل ما ذكروه في إمامة علي فنسبة آبي بكر إلى جميع الأمة بعد نبيها كنسبة علي إلى العترة بعد نبيها على قول هذا

فصل

قال الرافضي الحادي عشر ما رواه الجمهور من وجوب محبته وموالاته روى احمد بن حنبل في مسنده أن رسول الله ﷺ اخذ بيد حسن وحسين فقال من احبني وأحب هذين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة

وروى ابن خالويه عن حذيفة قال قال رسول الله ﷺ من احب إن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي وعن أبي سعيد قال قال رسول الله ﷺ لعلي حبك إيمان وبغضك نفاق وأول من يدخل الجنة محبك وأول من يدخل النار مبغضك وقد جعلك الله أهلا لذلك فأنت مني وأنا منك ولا نبي بعدي وعن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال رأيت رسول الله ﷺ وهو اخذ بيد علي وهو يقول هذا وليي وأنا وليه عاديت من عادى وسالمت من سالم وروى اخطب خوارزم عن جابر قال قال رسول الله ﷺ جاءني جبريل من عند الله بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض إني قد افترضت محبة علي على خلقي فبلغهم ذلك عني والأحاديث في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين وهي تدل على أفضليته واستحقاقه للإمامة

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بتصحيح النقل وهيهات له بذلك وأما قوله رواه احمد فيقال أولا احمد له المسند المشهور وله كتاب مشهور في فضائل الصحابة روى فيه أحاديث لا يرويها في المسند لما فيها من الضعف لكونها لا تصلح إن تروى في المسند لكونها مراسيل أو ضعافا بغير الإرسال ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات ثم إن القطيعى الذي رواه عن ابنه عبد الله زاد عن شيوخه زيادات وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة

وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهال فهم ينقلون من هذا المصنف فيظنون إن كل ما رواه القطيعي أو عبد الله قد رواه احمد نفسه ولا يميزون بين شيوخ احمد وشيوخ القطيعي ثم يظنون إن احمد إذا رواه فقد رواه في المسند فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلى مسند احمد أحاديث ما سمعها احمد قط كما فعل ابن البطريق وصاحب الطرائف منهم وغيرهما بسبب هذا الجهل منهم وهذا غير ما يفترونه من الكذب فان الكذب كثير منهم

وبتقدير إن يكون احمد روى الحديث فمجرد رواية احمد لا توجب إن يكون صحيحا يجب العمل به بل الإمام احمد روى أحاديث كثيرة ليعرف ويبين للناس ضعفها وهذا في كلامه وأجوبته اظهر وأكبر من أن يحتاج إلى بسط لا سيما في مثل هذا الأصل العظيم

مع إن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي رواه عن نصر بن علي الجهضمي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر والحديث الثاني ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وبين انه موضوع وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على إن هذا الحديث صحيح باتفاق أهل العلم وكذلك رواية خطيب خوارزم فان في روايته من الأكاذيب المختلفة ما هو من اقبح الموضوعات باتفاق أهل العلم

الوجه الثاني إن هذه الأحاديث التي رواها ابن خالويه كذب موضوعة عند أهل الحديث وأهل المعرفة يعلمون علما ضروريا يجزمون به إن هذا كذب على رسول الله ﷺ وهذه ليست في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها علماء الحديث لا الصحاح ولا المساند ولا السنن ولا المعجمات ولا نحو ذلك من الكتب

الثالث إن من تدبر ألفاظها تبين له أنها مفتراة على رسول الله ﷺ مثل قوله من احب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فهذه من خرافات الحديث وكأنهم لما سمعوا إن الله خلق آدم بيده من تراب ثم قال له كن فكان قاسوا هذه الياقوتة على خلق آدم وآدم خلق من تراب ثم قال له كن فكان فصار حيا بنفخ الروح فيه فإما هذا القصب فبنفس خلقه كمل ثم لم يكن له بعد هذا حال يقال له فيها كن ولم يقل أحد من أهل العلم إن الله خلق بيده ياقوتة بل قد روي في عدة آثار إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء آدم والقلم وجنة عدن. ثم قال لسائر خلقه كن فكان فلم يذكر فيها هذه الياقوتة. ثم أي عظيم في إمساك هذه الياقوتة حتى يجعل على هذا وعدا عظيما؟

وكذلك قوله أول من يدخل النار مبغضك فهل يقول مسلم إن الخوارج يدخلون النار قبل أبي جهل بن هشام وفرعون وأبي لهب وأمثالهم من المشركين

وكذلك قوله أول من يدخل الجنة محبك فهل يقول عاقل إن الأنبياء والمرسلين سبب دخولهم الجنة أولا هو حب علي دون حب الله ورسوله وسائر الأنبياء ورسله وحب الله ورسله ليس هو السبب في ذلك وهل تعلق السعادة والشقاوة بمجرد حب علي دون حب الله ورسوله إلا كتعلقها بحب أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم فلو قال قائل من احب عثمان ومعاوية دخل الجنة ومن ابغضهما دخل النار كان هذا من جنس قول الشيعة

فصل

قال الرافضي الثاني عشر روى اخطب خوارزم بإسناده عن أبي ذر الغفاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناصب عليا الخلافة فهو في كافر وقد حارب الله ورسوله ومن شك في علي فهو كافر وعن انس قال كنت عند النبي ﷺ فرأي عليا مقبلا فقال أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة وعن معاوية بن حيدة القشيري قال سمعت النبي ﷺ يقول لعلي من مات وهو يبغضك مات يهوديا أو نصرانيا

والجواب من وجوه

أحدها المطالبة بتصحيح النقل وهذا على سبيل التنزل فإن مجرد رواية الموفق خطيب خوارزم لا تدل على أن الحديث ثابت قاله رسول الله ﷺ وهذا لو لم يعلم ما في الذي جمعه من الأحاديث من الكذب والفرية فأما من تأمل ما في جمع هذا الخطيب فإنه يقول سبحانك هذا بهتان عظيم

الثاني إن كل من له معرفة بالحديث يشهد أن هذه الأحاديث كذب مفتراة على رسول الله ﷺ

الثالث أن هذه الأحاديث إن كانت مما رواها الصحابة والتابعون فأين ذكرها بينهم ومن الذي نقلها عنهم وفي أي كتاب وجد انهم رووها ومن كان خبيرا بما جرى بينهم علم بالاضطرار إن هذه الأحاديث مما ولدها الكذابون بعدهم وأنها مما عملت أيديهم

الوجه الرابع إن يقال علمنا بان المهاجرين والأنصار كانوا مسلمين يحبون الله ورسوله وإن النبي ﷺ كان يحبهم ويتولاهم أعظم من علمنا بصحة شيء من هذه الأحاديث وإن أبا بكر الإمام بعد رسول الله ﷺ فكيف يجوز أن يرد ما علمناه بالتواتر المتيقن بأخبار هي اقل وأحقر من إن يقال لها أخبار آحاد لا يعلم لها ناقل صادق بل أهل العلم بالحديث متفقون على أنها من أعظم المكذوبات ولهذا لا يوجد منها شيء في كتب الأحاديث المعتمدة بل أئمة الحديث كلهم يجزمون بكذبها

الوجه الخامس إن القران يشهد في غير موضع برضا الله عنهم وثنائه عليهم كقوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه

وقوله لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى

وقوله محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا

وقوله لقد رضي الله عنها المؤمنين إذ يباعيونك تحت الشجرة

وقوله للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وأمثال ذلك فكيف يجوز إن يرد ما علمنا دلالة القران عليه يقينا بمثل هذه الأخبار المفتراة التي رواها من لا يخاف مقام ربه ولا يرجو لله وقارا

الوجه السادس أن هذه الأحاديث تقدح في علي وتوجب انه كان مكذبا بالله ورسوله فيلزم من صحتها كفر الصحابة كلهم هو وغيره

أما الذين ناصبوه الخلافة فإنهم في هذا الحديث المفترى كفار وأما علي فإنه لم يعمل بموجب هذه النصوص بل كان يجعلهم مؤمنين مسلمين وشر من قاتلهم علي هم الخوارج ومع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفار بل حرم أموالهم وسبيهم وكان يقول لهم قبل قتالهم إن لكم علينا إن لا نمنعكم مساجدنا ولا حقكم من فيئنا ولما قتله ابن ملجم قال إن عشت فأنا ولي دمي ولم يجعله مرتدا بقتله

وأما أهل الجمل فقد تواتر عنه انه نهى عن أن يتبع مدبرهم وأن يجهز على جريحهم وأن يقتل أسيرهم وأن تغنم أموالهم وأن تسبى ذراريهم فإن كان هؤلاء كفارا بهذه النصوص فعلي أول من كذب بها فيلزمهم ان يكون علي كافرا

وكذلك أهل صفين كان يصلي على قتلاهم ويقول إخواننا بغوا علينا طهرهم السيف ولو كانوا عنده كفارا لما صلى عليهم ولا جعلهم إخوانه ولا جعل السيف طهرا لهم

وبالجملة نحن نعلم بالاضطرار من سيرة علي رضي الله عنه انه لم يكن يكفر الذين قاتلوه بل ولا جمهور المسلمين ولا الخلفاء الثلاثة ولا الحسن ولا الحسين كفروا أحدا من هؤلاء ولا علي بن الحسين ولا أبو جعفر فإن كان هؤلاء كفارا فأول من خالف النصوص علي وأهل بيته وكان يمكنهم إن يفعلوا ما فعلت الخوارج فيعتزلوا بدار غير دار الإسلام وإن عجزوا عن القتال ويحكموا على أهل دار الإسلام بالكفر والردة كما يفعل ذلك كثير من شيوخ الرافضة وكان الواجب على علي إذا رأى أن الكفار لا يؤمنون أن يتخذ له ولشيعته دار غير أهل الردة والكفر ويباينهم كما باين المسلمون لمسيلمة الكذاب وأصحابه

وهذا نبي الله ﷺ كان بمكة هو وأصحابه في غاية الضعف ومع هذا فكانوا يباينون الكفار ويظهرون مباينتهم بحيث يعرف المؤمن من الكافر وكذلك هاجر من هاجر منهم إلى ارض الحبشة مع ضعفهم وكانوا يباينون النصارى ويتكلمون بدينهم قدام النصارى

وهذه بلاد الإسلام مملوءة من اليهود والنصارى وهم مظهرون لدينهم متحيزون عن المسلمين

فان كان كل من يشك في خلافة علي كافرا عنده وعند أهل بيته وليس بمؤمن عندهم إلا من اعتقد انه الإمام المعصوم بعد رسول الله ﷺ ومن لم يعتقد ذلك فهو مرتد عند علي وأهل بيته فعلي أول من بدل الدين ولم يميز المؤمنين من الكافرين ولا المرتدين من المسلمين

وهب انه كان عاجزا عن قتالهم وإدخالهم في طاعته فلم يكن عاجزا عن مباينتهم ولم يكن اعجز من الخوارج الذين هم شرذمة قليلة من عسكره والخوارج اتخذوا لهم دارا غير دار الجماعة وباينوهم كما كفروهم وجعلوا أصحابهم هم المؤمنين

وكيف كان يحل للحسن أن يسلم أمر المسلمين إلى من هو عنده من المرتدين شر من اليهود والنصارى كما يدعون في معاوية وهل يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر وقد كان الحسن يمكنه إن يقيم بالكوفة ومعاوية لم يكن بدأه بالقتال وكان قد طلب منه ما أراد فلو قام مقام أبيه لم قاتله معاوية وأين قول رسول الله ﷺ الثابت عنه في فضل الحسن إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فإن كان علي وأهل بيته والحسن منهم يقولون لم يصلح الله به بين المؤمنين والمرتدين فهذا قدح في الحسن وفي جده الذي أثنى على الحسن إن كان الأمر كما يقوله الرافضة

فتبين إن الرافضة من أعظم الناس قدحا وطعنا في أهل البيت وأنهم هم الذين عادوا أهل البيت في نفس الأمر ونسبوهم إلى أعظم المنكرات التي من فعلها كان من الكفار وليس هذا ببدع من جهل الرافضة وحماقاتهم

ثم إن الرافضة تدعي أن الإمام المعصوم لطف من الله بعباده ليكون ذلك ادعى إلى إن يطيعوه فيرحموا وعلى ما قالوه فلم يكن على أهل الأرض نقمة أعظم من علي فإن الذين خالفوه وصاروا مرتدين كفارا والذين وافقوه أذلاء مقهورين تحت النقمة لا يد ولا لسان وهم مع ذلك يقولون إن خلقه مصلحة ولطف وان الله يجب عليه أن يخلقه وإنه لا تتم مصلحة العالم في دينهم ودنياهم إلا به وأي صلاح في ذلك على قول الرافضة

ثم انهم يقولون إن الله يجب عليه ان يفعل اصلح ما يقدر عليه للعباد في دينهم ودنياهم وهو يمكن الخوارج الذين يكفرون به بدار لهم فيها شوكة ومن قتال أعدائهم ويجعلهم هم والأئمة المعصومين في ذل أعظم من ذل اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الذمة فإن أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم وهؤلاء الذين يدعي انهم حجج الله على عباده ولطفه في بلاده وأنه لا هدى إلا بهم ولا نجاة إلا بطاعتهم ولا سعادة إلا بمتابعتهم قد غاب خاتمتهم من اكثر من أربعمائة وخمسين سنة فلم ينتفع به أحد في دينه ولا دنياه وهم لا يمكنهم إظهار دينهم كما تظهر اليهود والنصارى دينهم

ولهذا ما زال أهل العلم يقولون إن الرفض من إحداث الزنادقة الملاحدة الذين قصدوا إفساد الدين دين الإسلام ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون فإن منتهى أمرهم تكفير علي وأهل بيته بعد أن كفروا الصحابة والجمهور

ولهذا كان صاحب دعوى الباطنية الملاحدة رتب دعوته مراتب أول ما يدعو المستجيب إلى التشيع ثم إذا طمع فيه قال له علي مثل الناس ودعاه إلى القدح في علي أيضا ثم إذا طمع فيه دعاه إلى القدح في الرسول ثم إذا طمع فيه دعاه إلى إنكار الصانع هكذا ترتيب كتابهم الذي يسمونه البلاغ الأكبر والناموس الأعظم وواضعه الذي أرسل به إلى القرمطي الخارج بالبحرين لما استولى على مكة وقتلوا الحجاج وأخذوا الحجر الأسود واستحلوا المحارم وأسقطوا الفرائض وسيرتهم مشهورة عند أهل العلم

وكيف يقول النبي ﷺ من مات وهو يبغض عليا مات يهوديا أو نصرانيا والخوارج كلهم تكفره وتبغضه وهو نفسه لم يكن يجعلهم مثل اليهود والنصارى بل يجعلهم من المسلمين أهل القبلة ويحكم فيهم بغير ما يحكم به بين اليهود والنصارى

وكذلك من كان يسبه ويبغضه من بني أمية وأتباعهم فكيف يكون من يصلي الصلوات ويصوم شهر رمضان ويحج البيت ويؤدي الزكاة مثل اليهود والنصارى وغايته إن يكون قد خفي عليه كون هذا إماما أو عصاه بعد معرفته

وكل أحد يعلم أن أهل الدين والجمهور ليس لهم غرض مع علي ولا لأحد منهم غرض في تكذيب الرسول وأنهم لو علموا أن الرسول جعله إماما كانوا اسبق الناس إلى التصديق بذلك

وغاية ما يقدر انهم خفي عليهم هذا الحكم فكيف يكون من خفي عليه جزء من الدين مثل اليهود والنصارى

وليس المقصود هنا الكلام في التكفير بل التنبيه على أن هذه الأحاديث مما يعلم بالاضطرار أنها كذب على النبي ﷺ وأنها مناقضة لدين الإسلام وأنها تستلزم تكفير علي وتكفير من خالفه وأنه لم يقلها من يؤمن بالله واليوم الآخر فضلا عن أن تكون من كلام رسول الله ﷺ بل إضافتها والعياذ بالله إلى رسول الله من أعظم القدح والطعن فيه ولا شك أن هذا فعل زنديق ملحد لقصد إفساد دين الإسلام فلعن الله من افتراها وحسبه ما وعده به الرسول حيث قال: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار

===== =====================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل المقحمات هي الذنوب العظام كما قال النووي أم أنها ذنوب أرتكبت بقصد طاعة الله لكن التسرع والاندفاع دافع للخطأ من غير قصد

تعقيب علي المقحمات يتبين من تعريف المقحمات بين النووي ومعاجم اللغة العتيدة أن النووي أخطأ جدا في التعريف { المقحمات مفتوح للكتابة...