معاني كلمات القران الكريم




فهرس معاني الكلمات001 الفاتحة ►002 البقرة ►003 آل عمران ►004 النساء ►005 المائدة ►006 الأنعام ►007 الأعراف ►008 الأنفال ►009 التوبة ►010 يونس ►011 هود ►012 يوسف ►013 الرعد ►014 إبراهيم ►015 الحجر ►016 النحل ►017 الإسراء ►018 الكهف ►019 مريم ►020 طه ►021 الأنبياء ►022 الحج ►023 المؤمنون ►024 النور ►025 الفرقان ►026 الشعراء ►027 النمل ►028 القصص ►029 العنكبوت ►030 الروم ►031 لقمان ►032 السجدة ►033 الأحزاب ►034 سبأ ►035 فاطر ►036 يس ►037 الصافات ►038 ص ►039 الزمر ►040 غافر ►041 فصلت ►042 الشورى ►043 الزخرف ►044 الدخان ►045 الجاثية ►046 الأحقاف ►047 محمد ►048 الفتح ►049 الحجرات ►050 ق ►051 الذاريات ►052 الطور ►053 النجم ►054 القمر ►055 الرحمن ►056 الواقعة ►057 الحديد ►058 المجادلة ►059 الحشر ►060 الممتحنة ►061 الصف ►062 الجمعة ►063 المنافقون ►064 التغابن ►065 الطلاق ►066 التحريم ►067 الملك ►068 القلم ►069 الحاقة ►070 المعارج ►071 نوح ►072 الجن ►073 المزمل ►074 المدثر ►075 القيامة ►076 الإنسان ►077 المرسلات ►078 النبأ ►079 النازعات ►080 عبس ►081 التكوير ►082 الإنفطار ►083 المطففين ►084 الانشقاق ►085 البروج ►086 الطارق ►087 الأعلى ►088 الغاشية ►089 الفجر ►090 البلد ►091 الشمس ►092 الليل ►093 الضحى ►094 الشرح ►095 التين ►096 العلق ►097 القدر ►098 البينة ►099 الزلزلة ►100 العاديات ►101 القارعة ►102 التكاثر ►103 العصر ►104 الهمزة ►105 الفيل ►106 قريش ►107 الماعون ►108 الكوثر ►109 الكافرون ►110 النصر ►111 المسد ►112 الإخلاص ►113 الفلق ►114 الناس ►

مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بؤامج نداء الايمان

النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق/مدونة ديوان الطلاق//المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة

الجامع لمؤلفات الشيخ الألباني / / /*الـذاكـر / /القرآن الكريم مع الترجمة / /القرآن الكريم مع التفسير / /القرآن الكريم مع التلاوة / / /الموسوعة الحديثية المصغرة/الموسوعة الفقهية الكبرى //برنامج الأسطوانة الوهمية /برنامج المنتخب فى تفسير القرآن الكريم //برنامج الموسوعة الفقهية الكويتية / /برنامج الموسوعة القرآنية المتخصصة / /برنامج حقائق الإسلام في مواجهة المشككين / /برنامج فتاوى دار الإفتاء في مائة عام ولجنة الفتوى بالأزهر / /برنامج مكتبة السنة / /برنامج موسوعة المفاهيم الإسلامية / /برنامج موسوعة شرح الحديث الشريف فتح البارى لشرح صحيح البخارى وشرح مسلم لعبد الباقى وشرح مالك للإمام اللكنوى / /خلفيات إسلامية رائعة / /مجموع فتاوى ابن تيمية / /مكتبة الإمام ابن الجوزي / /مكتبة الإمام ابن حجر العسقلاني / /مكتبة الإمام ابن حجر الهيتمي / /مكتبة الإمام ابن حزم الأندلسي / /مكتبة الإمام ابن رجب الحنبلي / /مكتبة الإمام ابن كثير / /مكتبة الإمام الذهبي / /مكتبة الإمام السيوطي / /مكتبة الإمام محمد بن علي الشوكاني / /مكتبة الشيخ تقي الدين الهلالي / /مكتبة الشيخ حافظ بن أحمد حكمي / /مكتبة الشيخ حمود التويجري / /مكتبة الشيخ ربيع المدخلي / /مكتبة الشيخ صالح آل الشيخ / /مكتبة الشيخ صالح الفوزان / /مكتبة الشيخ عبد الرحمن السعدي / /مكتبة الشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم / /مكتبة الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان / /مكتبة الشيخ عبد المحسن العباد / /مكتبة الشيخ عطية محمد سالم / /مكتبة الشيخ محمد أمان الجامي /مكتبة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي / /مكتبة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / /مكتبة الشيخ مقبل الوادعي / /موسوعة أصول الفقه / /موسوعة التاريخ الإسلامي / /موسوعة الحديث النبوي الشريف / /موسوعة السيرة النبوية / /موسوعة المؤلفات العلمية لأئمة الدعوة النجدية / موسوعة توحيد رب العبيد / موسوعة رواة الحديث / موسوعة شروح الحديث / /موسوعة علوم الحديث / /موسوعة علوم القرآن / /موسوعة علوم اللغة / /موسوعة مؤلفات الإمام ابن القيم /موسوعة مؤلفات الإمام ابن تيمية /

الجمعة، 4 مارس 2022

ج 9- منهاج السنة النبوية من اول صفحة 54- وحتي آخر ص 57.[ منهاج السنة النبوية المؤلف: ابن تيمية /منهاج السنة النبوية الأخيرة 57- ]

منهاج السنة النبوية/54.
منهاج السنة النبوية/54
فصل

قال الرافضي التاسع أن رسول الله ﷺ قال جهزوا جيش أسامة وكرر الأمر بتنفيذه وكان فيهم أبو بكر وعمر وعثمان ولم ينفذ أمير المؤمنين لأنه أراد منعهم من التوثب على الخلافة بعده فلم يقبلوا منه

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل فإن هذ لا يروي بإسناد معروف ولا صححه أحد من علماء النقل ومعلوم أن الاحتجاج بالمنقولات لا يسوغ إلا بعد قيام الحجة بثبوتها وإلا فيمكن أن يقول كل أحد ما شاء

الثاني أن هذا كذب بإجماع علماء النقل فلم يكن في جيش أسامة لا أبو بكر ولا عثمان وإنما قد قيل إنه كان فيه عمر وقد تواتر عن النبي ﷺ أنه استخلف أبا بكر على الصلاة حتي مات وصلى أبو بكر رضي الله عنه الصبح يوم موته وقد كشف سجف الحجرة فرآهم صفوفا خلف أبي بكر فسر بذلك فكيف يكون مع هذا قد أمره أن يخرج في جيش أسامة

الثالث أن النبي ﷺ لو أراد تولية علي لكان هؤلاء أعجز أن يدفعوا أمر رسول الله ﷺ ولكان جمهور المسلمين أطوع لله ورسوله من أن يدعوا هؤلاء يخالفون أمره لا سيما وقد قاتل ثلث المسلمين أو أكثر مع علي لمعاوية وهم لا يعلمون أن معه نصا فلو كان معه نص لقاتل معه جمهور المسلمين

الرابع أنه أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ولم يأمر عليا فلو كان علي هو الخليفة لكان يأمره بالصلاة بالمسلمين فكيف ولم يؤمر عليا على أبي بكر قط

بل في الصحيحين أنه لما ذهب يصلح بين بني عمرو بن عوف قال لبلال إذا حضرت الصلاة فمر أبا بكر أن يصلي بالناس وكذلك في مرضه ولما أراد إقامة الحج أمر أبا بكر أن يحج وأردفه بعلي تابعا له وأبو بكر هو الإمام الذي يصلي بالناس بعلي وغيره ويأمر عليا وغيره فيطيعونه وقد أمر أبا بكر على علي في حجة سنة تسع وكان أبو بكر مؤمرا عليهم إماما لهم
فصل

قال الرافضي العاشر أنه لم يول أبا بكر شيئا من الأعمال وولي عليه

والجواب من وجوه أحدها أن هذا باطل بل الولاية التي ولاها أبا بكر لم يشركه فيها أحد وهي ولاية الحج وقد ولاه غير ذلك

الثاني أن النبي ﷺ قد ولى من هو بإجماع أهل السنة والشيعة من كان عنده دون أبي بكر مثل عمرو بن العاص والوليد ابن عقبة وخالد بن الوليد فعلم أنه لم يترك ولايته لكونه ناقصا عن هؤلاء

الثالث أن عدم ولايته لا يدل على نقصه بل قد يترك ولايته لأنه عنده أنفع له منه في تلك الولاية وحاجته إليه في المقام عنده وغنائه عن المسلمين أعظم من حاجته إليه في تلك الولاية فإنه هو وعمر كانا مثل الوزيرين له يقول كثيرا دخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر وكان أبو بكر يسمر عنده عامة ليله

وعمر لم يكن يولى أهل الشورى كعثمان وطلحة والزبير وغيرهم وهم عنده أفضل ممن ولاه مثل عمرو بن العاص ومعاوية وغيرهما لأن أنتفاعه بهؤلاء في حضوره أكمل من انتفاعه بواحد منهم في ولاية يكفي فيها من دونهم

وأبو بكر كان يدخل مع النبي ﷺ ويليه عمر وقال لهما إذا اتفقتما على شيء لم أخالفكما وإذا قدم عليه الوفد شاورهما فقد يشير هذا بشيء ويشير هذا بشيء ولذلك شاروهما في أسرى بدر وكان مشاورته لأبي بكر أغلب واجتماعه به أكثر هذا أمر يعلمه من تدبر الأحاديث الصحيحة التي يطول ذكرها
فصل

قال الرافضي الحادي عشر أنه ﷺ أنفذه لأداء سورة براءة ثم أنفذ عليا وأمره برده وأن يتولى هو ذلك من لا يصلح لأداء سورة أو بعضها فكيف يصلح للإمامة العامة المتضمنة لأداء الأحكام إلى جميع الأمة

والجواب من وجوه أحدها أن هذا كذب باتفاق أهل العلم وبالتواتر العام فإن النبي ﷺ استعمل أبا بكر على الحج سنة تسع لم يرده ولا رجع بل هو الذي أقام للناس الحج ذلك العام وعلي من جملة رعيته يصلي خلفه ويدفع بدفعه ويأتمر بأمره كسائر من معه

وهذا من العلم المتواتر عند أهل العلم لم يختلف اثنان في أن أبا بكر هو الذي أقام الحج ذلك العام بأمر النبي ﷺ فكيف يقال إنه أمره برده؟ ولكن أردفه بعلي لينبذ إلى المشركين عهدهم لأن عادتهم كانت جارية أن لا يعقد العقود ولا يحلها إلا المطاع أو رجل من أهل بيته فلم يكونوا يقبلون ذلك من كل أحد

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله ﷺ قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وفي رواية ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي وأمره أن يؤذن ببراءة فأذن علي معنا في أهل منى يوم النحر ببراءة وبأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع التي حج فيها رسول الله ﷺ مشرك

قال أبو محمد بن حزم وما حصل في حجة الصديق كان من أعظم فضائله لأنه هو الذي خطب بالناس في ذلك الموسم والجمع العظيم والناس منصتون لخطبته يصلون خلفه وعلي من جملتهم وفي السورة فضل بن أبي بكر وذكر الغار فقرأها علي على الناس فهذا مبالغة في فضل أبي بكر وحجة قاطعة

وتأميره لأبي بكر على علي هذا كان بعد قوله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ولا ريب أن هذا الرافضي ونحوه من شيوخ الرافضة من أجهل الناس بأحوال الرسول وسيرته وأموره ووقائعه يجهلون من ذلك ما هو متواتر معلوم لمن له أدنى معرفة بالسيرة ويجيئون إلى ما وقع فيقبلونه ويزيدون فيه وينقصون

وهذا القدر وإن كان الرافضي لم يفعله فهو فعل شيوخه وسلفه الذين قلدهم ولم يحقق ما قالوه ويراجع ما هو المعلوم عند أهل العلم المتواتر عندهم المعلوم لعامتهم وخاصتهم

الثاني قوله الإمامة العامة متضمنة لاداء جميع الأحكام إلى الأمة

قول باطل فالأحكام كلها قد تلقتها الأمة عن نبيها لا تحتاج فيها إلى الإمام إلا كما تحتاج إلى نظائره من العلماء وكانت عامة الشريعة التي يحتاج الناس إليها عند الصحابة معلومة ولم يتنازعوا زمن الصديق في شيء منها إلا واتفقوا بعد النزاع بالعلم الذي كان يظهره بعضهم لبعض وكان الصديق يعلم عامة الشريعة وإذا خفى عنه الشيء اليسير سأل عنه الصحابة ممن كان عنده علم ذلك كما سألهم عن ميراث الجدة فأخبره من أخبره منهم أن النبي ﷺ أعطاها السدس

ولم يعرف لأبي بكر فتيا ولا حكم خالف نصا وقد عرف لعمر وعثمان وعلي من ذلك أشياء والذي عرف لعلي أكثر مما عرف لهما، مثل قوله في الحامل المتوفى عنها زوجها إنها تعتد أبعد الأجلين وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال لسبيعة الأسلمية لما وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث ليلال حللت فانكحي من شئت ولما قالت له إن أبا السنابل قال ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين قال: كذب أبو السنابل

وقد جمع الشافعي في كتاب خلاف علي وعبدالله من أقوال علي التي تركها الناس لمخالفتها النص أو معنى النص جزءا كبيرا

وجمع بعده محمد بن نصر المروزي أكثر من ذلك فإنه كان إذا ناظره الكوفيون يحتج بالنصوص فيقولون نحن أخذنا بقول علي وابن مسعود يحتج بالنصوص فيقولون نحن أخذنا بقول علي وابن مسعود فجمع لهم أشياء كثيرة من قول علي وابن مسعود تركوه أو تركه الناس يقول إذا جاز لكم خلافهما في تلك المسائل لقيام الحجة على خلافهما فكذلك في سائر المسائل ولم يعرف لأبي بكر مثل هذا الثالث أن القرآن بلغه عن النبي ﷺ كل أحد من المسلمين فيمتنع أن يقال إن أبا بكر لم يكن يصلح لتبليغه

الرابع أنه لا يجوز أن يظن أن تبليغ القرآن يختص بعلي فإن القرآن لا يثبت بخبر الآحاد بل لا بد أن يكون منقولا بالتواتر

الخامس أن الموسم ذلك العام كان يحج فيه المسلمون والمشركون وكان النبي ﷺ أمر أبا بكر أن ينادي في الموسم أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان كما ثبت في الصحيحين فأي حاجة كانت بالمشركين إلى أن يبلغوا القرآن
فصل

قال الرافضي الثاني عشر قول عمر إن محمدا لم يمت وهذا يدل على قلة علمه وأمر برجم حامل فنهاه علي فقال لولا علي لهلك عمر وغير ذلك من الأحكام التي غلط فيها وتلون فيها

والجواب أن يقال أولا ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: قد كان قبلكم في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر ومثل هذا لم يقله لعلي

وأنه قال: رأيت أني أتيت بقدح فيه لبن فشربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم

فعمر كان أعلم الصحابة بعد أبي بكر

وأما كونه ظن أن النبي ﷺ لم يمت فهذا كان ساعة ثم تبين له موته ومثل هذا يقع كثيرا قد يشك الإنسان في موت ميت ساعة وأكثر ثم يتبين له موته وعلي قد تبين له أمور بخلاف ما كان يعتقده فيها أضعاف ذلك بل ظن كثيرا من الأحكام على خلاف ما هي عليه ومات على ذلك ولم يقدح ذلك في إمامته كفتياه في المفوضة التي ماتت ولم يفرض لها وأمثال ذلك مما هو معروف عند أهل العلم

وأما الحامل فإن كان لم يعلم أنها حامل فهو من هذا الباب فإنه قد يكون أمر برجمها ولم يعلم أنها حامل فأخبره علي أنها حامل فقال لولا أن عليا أخبرني بها لرجمتها فقتلت الجنين فهذا هو الذي خاف منه

وإن قدر أنه كان يظن جواز رجم الحامل فهذا مما قد يخفى فإن الشرع قد جاء في موضع بقتل الصبي والحامل تبعا كما إذا حوصر الكفار فإن النبي ﷺ حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق وقد يقتل النساءو الصبيان

وفي الصحيح أنه سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وصبيانهم فقال هم منهم

وقد ثبت عنه أنه نهى عن قتل النساء والصبيان، وقد اشتبه هذا على طائفة من أهل العلم فمنعوا من البيات خوفا من قتل النساء والصبيان

فكذلك قد يشتبه على من ظن جواز ذلك ويقول إن الرجم حد واجب على الفور فلا يجوز تأخيره

لكن السنة فرقت بين ما يمكن تأخيره كالحد وبين ما يحتاج إليه كالبيات والحصار

وعمر رضي الله عنه كان يراجعه آحاد الناس حتى في مسألة الصداق قالت امرأة له أمنك نسمع أم من كتاب الله فقال بل من كتاب الله فقالت إن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا سورة النساء 20 فقال امرأة أصابت ورجل أخطأ

وكذلك كان يرجع إلى عثمان وغيره وهو أعلم من هؤلاء كلهم

وصاحب العلم العظيم إذا رجع إلى من هو دونه في بعض الأمور لم يقدح هذا في كونه أعلم منه فقد تعلم موسى من الخضر ثلاث مسائل وتعلم سليمان من الهدهد خبر بلقيس

وكان الصحابة فيهم من يشير على النبي ﷺ في بعض الأمور وكان عمر أكثر الصحابة مراجعة للنبي ﷺ ونزل القرآن بموافقته في مواضع كالحجاب وأسارى بدر واتخاذ مقام إبراهيم مصلى وقوله عسى ربه إن طلقكن وغير ذلك

وهذه الموافقة والمراجعة لم تكن لا لعثمان ولا لعلي

وفي الترمذي: لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ولو كان بعدي نبي لكان عمر
فصل

قال الرافضي الثالث عشر أنه ابتدع التراويح مع أن النبي ﷺ قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة فإن قليلا في سنة خير من كثير في بدعة ألا وإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار وخرج عمر في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المساجد فقال ما هذا فقيل له إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع فقال بدعة ونعمت البدعة فاعترف بأنها بدعة

فيقال ما رؤى في طوائف أهل البدع والضلال أجرا من هذه الطائفة الرافضة على الكذب على رسول الله ﷺ وقولها عليه ما لم يقله والوقاحة المفرطة في الكذب وإن كان فيهم من لا يعرف أنها كذب فهو مفرط في الجهل كما قال ... فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

والجواب من وجوه أحدها المطالبة فيقال ما الدليل على صحة هذا الحديث وأين إسناده وفي أي كتاب من كتب المسلمين روى هذا ومن قال من أهل العلم بالحديث إن هذا صحيح

الثاني أن جميع أهل المعرفة بالحديث يعلمون علما ضروريا أن هذا من الكذب الموضوع على رسول الله ﷺ وأدنى من له معرفة بالحديث يعلم أنه كذب لم يروه أحد من المسلمين في شئ من كتبه لا كتب الصحيح ولا السنن ولا المساند ولا المعجمات ولا الأجزاء ولا يعرف له إسناد لا صحيح ولا ضعيف بل هو كذب بين

الثالث أنه قد ثبت أن الناس كانوا يصلون بالليل في رمضان على عهد النبي ﷺ وثبت أنه صلى بالمسلمين جماعة ليلتين أو ثلاثا

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ خرج ليلة من جوف الليل فصلى وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله ﷺ فصلى صلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله ﷺ فطفق رجال يقولون الصلاة فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال

أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكن خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها فتوفى رسول الله ﷺ والأمر على ذلك وذلك في رمضان

وعن أبي ذر قال صمنا مع رسول الله ﷺ رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقى سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة فلما كانت الليلة الرابعة لم يقم بنا فلما كانت الليلة الثالثة جمع أهله ونساءه فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قلت وما الفلاح قال: السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال كان رسول الله ﷺ يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة ويقول: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفى رسول الله ﷺ والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر

وخرج البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال خرجت مع عمر ليلة من رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط فقال عمر إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد بذلك آخر الليل وكان الناس يقومون أوله

وهذا الاجتماع العام لما لم يكن قد فعل سماه بدعة لأن ما فعل ابتداء يسمى بدعة في اللغة وليس ذلك بدعة شرعية فإن البدعة الشرعية التي هي ضلالة هي ما فعل بغير دليل شرعي كاستحباب ما لم يحبه الله وإيجاب ما لم يوجبه الله وتحريم ما لم يحرمه الله فلا بد مع الفعل من اعتقاد يخالف الشريعة وإلا فلو عمل الانسان فعلا محرم يعتقد تحريمه لم يقل إنه فعل بدعة

الرابع أن هذا لو كان قبيحا منهيا عنه لكان علي أبطله لما صار أمير المؤمنين وهو بالكوفة فلما كان جاريا في ذلك مجرى عمر دل على استحباب ذلك بل روى عن علي أنه قال نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا

وعن أبي عبد الرحمن السلمي أن عليا دعا القراء في رمضان فأمر رجلا منهم يصلى بالناس عشرين ركعة قال وكان علي يوتر بهم

وعن عرفجة الثقفي قال كان علي يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماما وللنساء إماما قال عرفجة فكنت أنا إمام النساء رواهما البيهقي في سننه

وقد تنازع العلماء في قيام رمضان هل فعله في المسجد جماعة أفضل أم فعله في البيت أفضل على قولين مشهورين هما قولان للشافعي وأحمد وطائفة يرجحون فعلها في المسجد جماعة منهم الليث وأما مالك وطائفة فيرجحون فعلها في البيت ويحتجون بقول النبي ﷺ: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة أخرجاه في الصحيحين

وأحمد وغيره احتجوا بقوله في حديث أبي ذر: الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة

وأما قوله: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة فالمراد بذلك ما لم تشرع له الجماعة وأما ما شرعت له الجماعة كصلاة الكسوف ففعلها في المسجد أفضل بسنة رسول الله ﷺ المتواترة واتفاق العلماء

قالوا فقيام رمضان إنما لم يجمع النبي ﷺ الناس عليه خشية أن يفترض وهذا قد أمن بموته فصار هذا كجمع المصحف وغيره

وإذا كانت الجماعة مشروعة فيها ففعلها في الجماعة أفضل

وأما قول عمر رضي الله عنه والتي تنامون عنها أفضل يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله فهذا كلام صحيح فإن آخر الليل أفضل كما أن صلاة العشاء في أوله أفضل والوقت المفضول قد يختص العمل فيه بما يوجب أن يكون أفضل منه في غيره كما أن الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة أفضل من التفريق بسبب أوجب ذلك وإن كان الأصل أن الصلاة في وقتها الحاضر والإبراد بالصلاة في شدة الحر أفضل

وأما يوم الجمعة فالصلاة عقب الزوال أفضل ولا يستحب الإبراد بالجمعة لما فيه من المشقة على الناس وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أفضل إلا إذا اجتمع الناس وشق عليهم الانتظار فصلاتها قبل ذلك أفضل وكذلك الاجتماع في شهر رمضان في النصف الثاني إذا كان يشق على الناس

وفي السنن عن أبي بن كعب عن النبي ﷺ قال: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله

ولهذا كان الإمام أحمد في إحدى الروايتين يستحب إذا أسفر بالصبح أن يسفر بها لكثرة الجمع وإن كان التغليس أفضل

فقد ثبت بالنص والاجماع أن الوقت المفضول قد يختص بما يكون الفعل فيه أحيانا أفضل

وأما الضحى فليس لعمر فيها اختصاص بل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي ﷺ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام

وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء مثل حديث أبي هريرة

وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي ﷺ قال: يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى
فصل

قال الرافضي الرابع عشر أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها حتى أنكر عليه المسلمون كافة واجتمعوا على قتله أكثر من اجتماعهم على إمامته وإمامة صاحبيه

والجواب من وجوه أحدها أن هذا من أظهر الكذب فإن الناس كلهم بايعوا عثمان في المدينة وفي جميع الأمصار لم يختلف في إمامته اثنان ولا تخلف عنها أحد ولهذا قال الإمام أحمد وغيره إنها كانت أوكد من غير باتفاقهم عليها

وأما الذين قتلوه فنفر قليل قال ابن الزبير يعيب قتلة عثمان خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية فقتلهم الله كل قتلة ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب يعني هربوا ليلا

ومعلوم بالتواتر أن أهل الأمصار لم يشهدوا قتله فلم يقتله بقدر من بايعه وأكثر أهل المدينة لم يقتلوه ولا أحد من السابقين الأولين دخل في قتله كما دخلوا في بيعته بل الذين قتلوه أقل من عشر معشار من بايعه فكيف يقال إن اجتماعهم على قتله كان أكثر من اجتماعهم على بيعته لا يقول هذا إلا من هو من أجهل الناس بأحوالهم وأعظمهم تعمدا للكذب عليهم

الثاني أن يقال الذين أنكروا على علي وقاتلوه أكثر بكثير من الذين أنكروا على عثمان وقتلوه فإن عليا قاتله بقدر الذين قتلوا عثمان أضعافا مضاعفة وقطعه كثير من عسكره خرجوا عليه وكفروه وقالوا أنت ارتددت عن الإسلام لا نرجع إلى طاعتك حتى تعود إلى الاسلام

ثم إن واحدا من هؤلاء قتله قتل مستحل لقتله متقرب إلى الله بقتله معتقدا فيه أقبح مما اعتقده قتله عثمان فيه

فإن الذين خرجوا على عثمان لم يكونوا مظهرين لكفره وإنما كانوا يدعون الظلم وأما الخوارج فكانوا يجهرون بكفر علي وهم أكثر من السرية التي قدمت المدينة لحصار عثمان حتى قتل

فإن كان هذا حجة في القدح في عثمان كان ذلك حجة في القدح في علي بطريق الأولى والتحقيق أن كليهما حجة باطلة لكن القادح في عثمان بمن قتله أدحض حجة من القادح في علي بمن قاتله فإن المخالفين لعلي المقاتلين له كانوا أضعاف المقاتلين لعثمان بل الذين قاتلوا عليا كانوا أفضل باتفاق المسلمين من الذين حاصروا عثمان وقتلوه وكان في المقاتلين لعلي أهل زهد وعبادة ولم يكن قتله عثمان لا في الديانة ولا في إظهار تكفيره مثلهم ومع هذا فعلى خليفة راشد والذين استحلوا دمه ظالمون معتدون فعثمان أولى بذلك من علي

الثالث أن يقال قد علم بالتواتر أن المسلمين كلهم اتفقوا على مبايعة عثمان لم يتخلف عن بيعته أحد مع أن بيعة الصديق تخلف عنها سعد بن عبادة ومات ولم يبايعه ولا بايع عمر ومات في خلافة عمر ولم يكن تخلف سعد عنها قادحا فيها لأن سعدا لم يقدح في الصديق ولا في أنه أفضل المهاجرين بل كان هذا معلوما عندهم لكن طلب أن يكون من الأنصار أمير

وقد ثبت بالنصوص المتواترة عن النبي ﷺ أنه قال: الأئمة من قريش فكان ما ظنه سعد خطأ مخالفا للنص المعلوم فعلم أن تخلفه خطأ بالنص وإذا علم الخطأ بالنص لم يحتج فيه إلى الإجماع

وأما بيعة عثمان فلم يتخلف عنها أحد مع كثرة المسلمين وانتشرهم من إفريقية إلى خراسان ومن سواحل الشام إلى أقصى اليمن ومع كونهم كانوا ظاهرين على عدوهم من المشركين وأهل الكتاب يقاتلونهم وهي في زيادة فتح وانتصار ودوام دولة ودوام المسلمين على مبايعته والرضا عنه ست سنين نصف خلافته معظمين له مادحين له لا يظهر من أحد منهم التكلم فيه بسوء

ثم بعد هذا صار يتكلم فيه بعضهم وجمهورهم لا يتكلم فيه إلا بخير وكانت قد طالت عليهم إمارته فانه بقي اثنتي عشرة سنة لم تدم خلافة أحد من الأربعة ما دامت خلافته فإن خلافة الصديق كانت سنتين وبعض الثالثة وخلافة عمر عشر سنين وبعض الأخرى وخلافة على أربع سنين وبعض الخامسة ونشأ في خلافته من دخل في الإسلام كرها فكان منافقا مثل ابن سبأ وأمثاله وهم الذين سعوا في الفتنة بقتله

وفي المؤمنين من يسمع المنافقين كما قال تعالى لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم سورة التوبة 47 أي وفيكم من يسمع منهم فيستجيب لهم ويقبل منهم لأنهم يلبسون عليه

وهكذا فعل أولئك المنافقون لبسوا على بعض من كان عندهم يحب عثمان ويبغض من كان يبغضه حتى تقاعد بعض الناس عن نصره

وكان الذين اجتمعوا على قتله عامتهم من أوباش القبائل ممن لا يعرف له في الإسلام ذكر بخير ولولا الفتنة لما ذكروا

وأما علي فمن حين تولى تخلف عن بيعته قريب من نصف المسلمين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وغيرهم ممن قعد عنه فلم يقاتل معه ولا قاتله مثل أسامة بن زيد وابن عمر ومحمد بن مسلمة ومنهم من قاتله

ثم كثير من الذين بايعوه رجعوا عنه منهم من كفره واستحل دمه ومنهم من ذهب إلى معاوية كعقيل أخيه وأمثاله

ولم تزل شيعة عثمان القادحين في علي تحتج بهذا على أن عليا لم يكن خليفة راشدا وما كانت حجتهم أعظم من حجة الرافضة فإذا كانت حجتهم داحضة وعلي قتل مظلوم فعثمان أولى بذلك

باب

قال الرافضي الفصل السادس في فسخ حججهم على إمامة أبي بكر احتجوا بوجوه الأول الإجماع والجواب منع الإجماع فإن جماعة من بني هاشم لم يوافقوا على ذلك وجماعة من أكابر الصحابة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وحذيفة وسعد بن عبادة وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد وخالد بن سعيد بن العاص وابن عباس حتى أن أباه أنكر ذلك وقال من استخلف على الناس فقالوا ابنك فقال وما فعل المستضعفان إشارة إلى علي والعباس قالوا اشتغلوا بتجهيز رسول الله ﷺ ورأوا أن ابنك أكبر الصحابة سنا فقال أنا أكبر منه

وبنو حنيفة كافة لم يحملوا الزكاة إليه حتى سماهم أهل الردة وقتلهم وسباهم فأنكر عمر عليه ورد السبايا أيام خلافته

والجواب بعد أن يقال الحمد لله الذي أظهر من أمر هؤلاء إخوان المرتدين ما تحقق به عند الخاص والعام أنهم إخوان المرتدين حقا وكشف أسرارهم وهتك أستارهم بألسنتهم فإن الله لا يزال يطلع على خائنة منهم تبين عداوتهم لله ورسوله ولخيار عباد الله وأوليائه المتقين ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا

فنقول من كان له أدنى علم بالسيرة وسمع مثل هذا الكلام جزم بأحد أمرين إما بأن قائله من أجهل الناس بأخبار الصحابة وإما أنه من أجرأ الناس على الكذب فظنى أن هذا المصنف وأمثاله من شيوخ الرافضة ينقلون ما في كتب سلفهم من غير اعتبار منهم لذلك ولا نظر في أخبار الإسلام وفي الكتب المصنفة في ذلك حتى يعرف أحوال الإسلام فيبقى هذا وأمثاله في ظلمة الجهل بالمنقول والمعقول

ولا ريب أن المفترين للكذب من شيوخ الرافضة كثيرون جدا وغالب القوم ذوو هوى أو جهل فمن حدثهم بما يوافق هواهم صدقوه ولم يبحثوا عن صدقة وكذبه ومن حدثهم بما يخالف أهواءهم كذبوه ولم يبحثوا عن صدقه وكذبه ولهم نصيب وافر من قوله تعالى فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه سورة الزمر 32 كما أن أهل العلم والدين لهم نصيب وافر من قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون سورة الزمر 33

ومن أعظم ما في هذا الكلام من الجهل والضلال جعله بني حنيفة من أهل الإجماع فإنهم لما امتنعوا عن بيعته ولم يحملوا إليه الزكاة سماهم أهل الردة وقتلهم وسباهم وقد تقدم مثل هذا في كلامه

وبنو حنيفة قد علم الخاص والعام أنهم آمنوا بمسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة باليمامة وادعى أنه شريك النبي ﷺ في الرسالة وادعى النبوة في آخر حياة النبي ﷺ فقتل هو والأسود العنسى بصنعاء اليمن وكان اسمه عبهلة واتبع الأسود أيضا خلق كثير ثم قتله الله بيد فيروز الديلمي ومن أعانه على ذلك وكان قتله في حياة النبي ﷺ وأخبر النبي ﷺ بقتله ليلة قتل وقال رجل صالح من أهل بيت صالحين

والأسود ادعى الاستقلال بالنبوة ولم يقتصر على المشاركة وغلب على اليمن وأخرج منها عمال النبي ﷺ حتى قتله الله ونصر عليه المسلمين بعد أن جرت أمور وقد نقل في ذلك ما هو معروف عند أئمة العلم

وأما مسيلمة فانه ادعى المشاركة في النبوة وعاش إلى خلافة أبي بكر

وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال رأيت في منامي كأن في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فقيل لي انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما الكذابين صاحب صنعاء وصاحب اليمامة وأمر مسيلمة وادعاؤه النبوة واتباع بني حنيفة له أشهر وأظهر من أن يخفي إلا على من هو من أبعد الناس عن المعرفة والعلم

وهذا أمر قد علمه من يعلمه من اليهود والنصارى فضلا عن المسلمين وقرآنه الذي قرأه قد حفظ الناس منه سورا إلى اليوم مثل قوله يا ضفدع بنت ضفدعين نقي كم تنقين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين رأسك في الماء وذنبك في الطين

ومثل قوله الفيل وما أدراك ما الفيل له زلوم طويل إن ذلك من خلق ربنا لقليل

ومثل قوله إنا أعطيناك الجماهر فصل لربك وهاجر ولاتطع كل ساحر وكافر

ومثل قوله والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا إهالة وسمنا إن الأرض بيننا وبين قريش نصفين ولكن قريشا قوم لا يعدلون وأمثال هذا الهذيان

ولهذا لما قدم وفد بني حنيفة على أبي بكر بعد قتل مسيلمة طلب منهم أبو بكر أن يسمعوه شيئا من قرآن مسيلمة فلما أسمعوه قال لهم ويحكم أين يذهب بعقولكم إن هذا كلام لم يخرج من إل أي من رب

وكان مسيلمة قد كتب إلى النبي ﷺ في حياته من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك فكتب إليه النبي ﷺ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ولما جاء رسوله إلى النبي ﷺ قال له أتشهد أن مسيلمة رسول الله قال نعم قال لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقك ثم بعد هذا أظهر أحد الرسولين الردة بالكوفة فقتله ابن مسعود وذكره بقول النبي ﷺ هذا

وكان مسيلمة قد قدم في وفد بني حنيفة إلى النبي ﷺ وأظهر الإسلام ثم لما رجع إلى بلده قال لقومه إن محمد قد أشركني في الأمر معه واستشهد برجلين أحدهما الرحال بن عنفوة فشهد له بذلك ويروي عن النبي ﷺ أنه قال لثلاثة أحدهم أبو هريرة والثاني الرحال هذا إن أحدكم ضرسه في النار أعظم من كذا وكذا فاستشهد الثالث في سبيل الله وبقي أبو هريرة خائفا حتى شهد هذا لمسيلمة بالنبوة واتبعه فعلم أنه هو كان المراد بخبر النبي ﷺ

وكان مؤذن مسيلمة يقول أشهد أن محمدا ومسيلمة رسولا الله

ومن أعظم فضائل أبي بكر عند الإمة أولهم وآخرهم أنه قاتل المرتدين وأعظم الناس ردة كان بنو حنيفة ولم يكن قتاله لهم على منع الزكاة بل قاتلهم على أنهم آمنوا بمسيلمة الكذب وكانوا فيما يقال نحو مائة ألف

والحنيفة أم محمد بن الحنيفة سرية علي كانت من بني حنيفة وبهذا احتج من جوز سبي المرتدات إذا كان المرتدون محاربين فإذا كانوا مسلمين معصومين فكيف استجاز علي أن يسبي نساءهم ويطأ من ذلك السبي

وأما الذين قاتلهم على منع الزكاة فأولئك ناس آخرون ولم يكونوا يؤدونها وقالوا لا نؤديها إليك بل امتنعوا من أدائها بالكلية فقاتلهم على هذا لم يقاتلهم ليؤووها إليه وأتباع الصديق كأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهما يقولون إذا قالوا نحن نؤديها ولا ندفعها إلى الإمام لم يجز قتالهم لعلهم بأن الصديق إنما قاتل من امتنع عن أدائها جملة لا من قال أنا أؤديها بنفسي

ولو عد هذا المفترى الوافضي من المتخلفين عن بيعة أبي بكر المجوس واليهود والنصارى لكان ذلك من جنس عدة لبني حنيفة بل كفر بني حنيفة من بعض الوجوه كان أعظم من كفر اليهود والنصارى والمجوس فإن أولئك كفار مليون وهؤلاء مرتدون وأولئك يقرون بالجزية وهؤلاء لا يقرون بالجزية وإولئك لهم كتاب أو شبهة كتاب وهؤلاء اتبعوا مفتريا كذابا لكن كان مؤذنه يقول أشهد أن محمدا ومسيلمة رسولا الله وكانوا يجعلون محمدا ومسيلمة سواء

وأمر مسيلمة مشهور في جميع الكتب الذي يذكر فيها مثل ذلك من كتب الحديث والتفسير والمغازي والفتوح والفقه والأصول والكلام وهذا أمر قد خلص إلى العذاري في خدورهن بل قد أفرد الإخباريون لقتال أهل الردة كتبا سموها كتب الردة والفتوح مثل كتاب الردة لسيف بن عمر والواقدي وغيرهما يذكرون فيها من تفاصيل أخبار أهل الردة وقتالهم ما يذكرون كما قد أوردوا مثل ذلك في مغازي رسول الله ﷺ وفتوح الشام

فمن ذلك ما هو متواتر عند الخاصة والعامة ومنه ما نقله الثقات ومنه أشياء مقاطيع ومراسيل يحتمل أن تكون صدقا وكذبا ومنه ما يعلم أنه ضعيف وكذب

لكن تواتر ردة مسليمة وقتال الصديق وحربة له كتواترهرقل وكسرى وقيصر ونحوهم ممن قاتله الصديق وعمر وعثمان وتواتر كفر من قاتله النبي ﷺ من اليهود والمسركين مثل عتبة وأبي ابن خلف وحيى بن أخطب وتتواتر نفاق عبد الله بن أبي بن سلول وأمثال ذلك

بل تواتر ردة مسيلمة وقتال الصديق له أظهر عند الناس من قتال الجمل وصفين ومن كون طلحة والزبير قاتلا عليا ومن كون سعد وغيره تخلفوا عن بيعة علي

وفي الصحيحين عن ابن عباس قال قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله ﷺ المدينة فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته فقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله ﷺ ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد النبي ﷺ قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت وهذا ثابت يجيبك عني ثم انصرف عنه قال ابن عباس فسألت عن قول النبي ﷺ: أريت فيك ما رأيت فأخبرني أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحى إلى في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان بعدي فكان أحدهما العنس صاحب صنعاء والآخر مسيلمة

وأما قول الرافضي إن عمر أنكر قتال أهل الردة، فمن أعظم الكذب والافتراء على عمر بل الصحابة كانوا متفقين على قتال مسليمة وأصحابه ولكن كانت طائفة أخرى مقرين بالإسلام وامتنعوا عن أداء الزكاة فهؤلاء حصل لعمر أولا شبهة في قتالهم حتى ناظره الصديق وبين له وجوب قتالهم فرجع إليه والقصة في ذلك مشهورة

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأقوالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال أبو بكر ألم يقل إلا بحقها فإن الزكاة من حقها والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها قال عمر فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق

وعمر احتج بما بلغه أو سمعه من النبي ﷺ فبين له الصديق أن قوله بحقها يتناول الزكاة فإنهما حق المال

وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها

فهذا اللفظ الثاني الذي قاله رسول الله ﷺ بين فقه أبي بكر وهو صريح في القتال عن أداء الزكاة وهو مطابق للقرآن

قال تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم سورة التوبة 5 فعلق تخلية السبيل على الإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة

والأخبار المنقولة عن هؤلاء أن منهم من كان قد قبض الزكاة ثم أعادها إلى أصحابها لما بلغه موت النبي ﷺ ومنهم من كان يتربص ثم هؤلاء الذين قاتلهم الصديق عليها لما قاتلهم صارت العمال الذين كانوا على الصدقات زمن النبي ﷺ وغيرهم يقبضونها كما كانوا يقبضونها في زمنه ويصرفونها كما كانوا يصرفونها

وكتب الصديق لمن كان يستعمله كتابا للصدقة فقال بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله ﷺ والتي أمر بها

وبهذا الكتاب ونظائره يأخذ علماء المسلمين كلهم فلم يأخذ لنفسه منها شيئا ولا ولى أحدا من أقاربه لا هو ولا عمر بخلاف عثمان وعلي فإنهما وليا أقاربهما

فإن جاز أن يطعن في الصديق والفاروق أنهما قاتلا لأخذ المال فالطعن في غيرهما أوجه فإذا وجب الذب عن عثمان وعلي فهو عن أبي بكر وعمر أوجب

وعلي يقاتل ليطاع ويتصرف في النفوس والأموال فكيف يجعل هذا قتالا على الدين وأبو بكر يقاتل من ارتد عن الإسلام ومن ترك ما فرض الله ليطيع الله ورسوله فقط ولا يكون هذا قتالا على الدين

وأما الذين عدهم هذا الرافضي أنهم تخلفوا عن بيعة الصديق من أكابر الصحابة فذلك كذب عليهم إلا على سعد بن عبادة فإن مبايعة هؤلاء لأبي بكر وعمر أشهر من أن تنكر وهذا مما اتفق عليه أهل العلم بالحديث والسير والمنقولات وسائر أصناف أهل العلم خلفا عن سلف

وأسامة بن زيد ما خرج في السرية حتى بايعه ولهذا يقول له يا خليفة رسول الله

وكذلك جميع من ذكره بايعه لكن خالد بن سعيد كان نائبا للنبي ﷺ فلم مات النبي ﷺ قال لا أكون نائبا لغيره فترك الولاية وإلا فهو من المقرين بخلافة الصديق وقد علم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة

وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له

لكن قيل علي تأخرت بيعته ستة أشهر وقيل بل بايعه ثاني يوم وبكل حال فقد بايعوه من غير إكراه

ثم جميع الناس بايعوا عمر إلا سعدا لم يتخلف عن بيعة عمر أحد لابنو هاشم ولا غيرهم

وأما بيعة عثمان فاتفق الناس كلهم عليها وكان سعد قد مات في خلافة عمر فلم يدركها وتخلف سعد قد عرف سببه فإنه كان يطلب أن يصير أميرا ويجعل من المهاجرين أميرا ومن الأنصار أميرا وما طلبه سعد لم يكن سائغا بنص رسول الله ﷺ وإجماع المسلمين

وإذا ظهر خطأ الواحد المخالف للإجماع ثبت أن الإجماع كان صوابا وأن ذلك الواحد الذي عرف خطؤه بالنص شاذ لا يعتد به بخلا ف الواحد الذي يظهر حجة شرعية من الكتاب والسنة فإن هذا يسوغ خلافة وقد يكون الحق معه ويرجع إليه غيره

كما كان الحق مع أبي بكر في تجهيز جيش أسامة وقتال مانعي الزكاة وغير ذلك حتى تبين صواب رأيه فيما بعد

وما ذكره عن أبي قحافة فمن الكذب المتفق عليه ولكن أبو قحافة كان بمكة وكان شيخا كبيرا أسلم عام الفتح أتى به أبو بكر إلى النبي ﷺ ورأسه ولحيته مثل الثغامة فقال النبي ﷺ: لو أقررت الشيخ مكانة لأتيناه إكراما لأبي بكر وليس في الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأولاده وأدركوا النبي ﷺ وأدركه أيضا بنو أولاده إلا أبو بكر من جهة الرجال والنساء فمحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة هؤلاء الأربعة كانوا في زمن النبي ﷺ مؤمنين وعبد الله بن الزبير بن أسماء بنت أبي بكر كلهم أيضا آمنوا بالنبي ﷺ وصحبوه وأم أبي بكر أم الخير آمنت بالنبي ﷺ فهم أهل بيت إيمان ليس فيهم منافق ولا يعرف في الصحابة مثل هذا لغير بيت أبي بكر

وكان يقال للإيمان بيوت وللنفاق بيوت فبيت أبي بكر من بيوت الإيمان من المهاجرين وبنو النجار من بيوت الإيمان من الأنصار وقوله إنهم قالوا لأبي قحافة إن أبنك أكبر الصحابة سنا كذب ظاهر وفي الصحابة خلق كثير أسن من أبي بكر مثل العباس فإن العباس كان أسن من النبي ﷺ بثلاث سنين والنبي ﷺ كان أسن من أبي بكر

قال أبو عمر بن عبد البر لا يختلفون أنه يعني أبا بكر مات وسنه ثلاث وستون سنة وأنه استوفى سن النبي ﷺ إلا ما لا يصح لكن المأثور عن أبي قحافة أنه لما توفي النبي ﷺ ارتجت مكة فسمع ذلك أبو قحافة فقال ما هذا قالوا قبض رسول الله ﷺ قال أمر جليل فمن ولى بعده قالوا ابنك قال فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة قالوا نعم قال لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع

وحينئذ فالجواب عن منعه الإجماع من وجوه

أحدها أن هؤلاء الذين ذكرهم لم يتخلف منهم إلا سعد بن عبادة وإلا فالبقية كلهم بايعوه باتفاق أهل النقل وطائفة من بني هاشم قد قيل إنها تخلفت عن مبايعته أولا ثم بايعته بعد ستة أشهر من غير رهبة ولا رغبة

والرسالة التي يذكر بعض الكتاب أنه أرسلها إلى علي كذب مختلق عند أهل العلم بل على أرسل أبي بكر أن ائتنا فذهب هو إليهم فاعتذر على إليه وبايعه

ففي الصحيحين عن عائشة قالت أرسلت فاطمة إلى أبي بكر رضي الله عنهما تسأله ميراثها من رسول الله ﷺ مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله ﷺ قال: لا نورث ما تركناه صدقة وإنما يأكل آل محمد من هذا المال وإني والله لأغير شيئا من صدقة رسول الله ﷺ عن حالها التي كانت عليه في عهده وإني لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله علي وسلم يعمل به إلا عملت به وإني اخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ﷺ ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي

وكان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة فلما ماتت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر أن أئتنا ولا يأتنا معك أحد كراهة محضر عمر فقال عمر لأبي بكر والله لا تدخل عليهم وحدك فقال أبو بكر ما عساهم أن يفعلوا بي والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي ثم قال إنا قد عرفنا فضيلتك يا أبا بكر وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك استبددت بالأمر علينا وكنا نرى أن لنا فيه حقا لقرابتنا من رسول الله ﷺ فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبا بكر فلما تكلم أبو بكر قال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ﷺ أحب إلي أن أصل من قرابتي وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الحق ولم أترك أمرا رأيت رسول الله ﷺ يصنعه فيها إلا صنعته فقال علي لأبي بكر موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر رقى على المنبر وتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره الذي اعتذر به ثم استغفر وتشهد علي فعظم حق أبي بكر وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكار للذي فضله الله به ولكنا كنا نرى أن لنا في الأمر نصيبا فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا فسر بذلك المسلمون وقالوا أصبت وكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف

ولا ريب أن الإجماع المعتبر في الإمامة لا يضر فيه تخلف الواحد والاثنين والطائفة القليلة فإنه لو اعتبر ذلك لم يكد ينعقد إجماع على إمامة فإن الإمامة أمر معين فقد يتخلف الرجل لهوى لا يعلم كتخلف سعد فإنه كان قد استشرف إلى أن يكون هو أميرا من جهة الأنصار فلم يحصل له ذلك فبقي في نفسه بقيه هوى

ومن ترك الشيء لهوى لم يؤثر تركه بخلاف الإجماع على الاحكام العامة كالإيجاب والتحريم والإباحة فإن هذا لو خالف فيه الواحد أو الاثنان فهل يعتد بخلافهما فيه قولان للعلماء وذكر عن أحمد في ذلك روايتان إحداهما لا يعتد بخلاف الواحد والاثنين وهو قول طائفة كمحمد بن جرير الطبري والثاني يعتد بخلاف الواحد والاثنين في الأحكام وهو قول الأكثرين والفرق بينه وبين الإمامة أن الحكم أمر عام يتناول هذا وهذا فإن القائل بوجوب الشيء يوجبه على نفسه وعلى غيره والقائل بتحريمه يحرمه على نفسه وعلى غيره فالمنازع فيه ليس متهما ولهذا تقبل رواية الرجل للحديث عن النبي ﷺ في القصة وإن كان خصما فيها لأن الحديث عام يتناولها ويتناول غيرها وإن كان المحدث اليوم محكوما له بالحديث فغدا يكون محكوما عليه بخلاف شهادته لنفسه فإنها لا تقبل لأنه خصم والخصم لا يكون شاهدا

فالإجماع على إمامة المعين ليس حكما على أمر عام كلي كالأحكام على أمر خاص معين

وأيضا فالواحد إذا خالف النص المعلوم كان خلافة شاذا كخلاف سعيد بن المسيب في أن المطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجا غيره أبيحت للأول بمجرد العقد فإن هذا لما جاءت السنة الصصحيحة بخلافه لم يعتد به

وسعد كان مراده أن يولوا رجلا من الأنصار وقد دلت النصوص الكثيرة عن النبي ﷺ أن الإمام من قريش فلو كان المخالف قرشيا واستقر خلافة لكان شبهة بل علي كان من قريش وقد تواتر أنه بايع الصديق طائعا مختارا

الثاني أنه لو فرض خلاف هؤلاء الذين ذكرهم وبقدرهم مرتين لم يقدح ذلك في ثبوت الخلافة فإنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذين يقام بهم الأمر بحيث يمكن أن يقام بهم مقاصد الإمامة

ولهذا قال النبي ﷺ: عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة

وقال: إن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد

وقال إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم والذئب إنما يأخذ القاصية

وقال: عليكم بالسواد الأعظم ومن شذ شذ في النار

الثالث أن يقال إجماع الأمة على خلافة أبي بكر كان أعظم من اجتماعهم على مبايعة علي فإن ثلث الأمة أو أقل أو أكثر لم يبايعوا عليا بل قاتلوه والثلث الآخر لم يقاتلوا معه وفيهم من لم يبايعه أيضا والذين لم يبايعوه منهم من قاتلهم ومنهم من لم يقاتلهم فإن جاز القدح في الإمامة بتخلف بعض الأمة عن البيعة كان القدح في إمامة علي أولى بكثير

وإن قيل جمهور الأمة لم تقاتله أو قيل بايعه أهل الشوكة والجمهور أو نحو ذلك كان هذا في حق أبي بكر أولى وأحرى

وإذا قالت الرافضة إمامة ثبتت بالنص فلا يحتاج إلى الإجماع والمبايعة

قيل النصوص إنما دلت على خلافة أبي بكر لا على خلافة علي كما تقدم التنبيه عليه وكما سنذكره إن شاء الله تعالى ونبين أن النصوص دلت على خلافة أبي بكر الصديق وعلى أن عليا لم يكن هو الخليفة في زمن الخلفاء الثلاثة فخلافة أبي بكر لا تحتاج إلى الإجماع بل النصوص دالة على صحتها وعلى انتفاء ما يناقضها

الرابع أن يقال الكلام في إمامة الصديق إما أن يكون في وجودها وإما أن يكون في استحقاقه لها أما الأول فهو معلوم بالتواتر واتفاق الناس بأنه تولى الأمر وقام مقام رسول الله ﷺ وخلفه في أمته وأقام الحدود واستوفى الحقوق وقاتل الكفار والمرتدين وولى الأعمال وقسم الأموال وفعل جميع ما يفعل الإمام بل هو أول من باشر الإمامة في الأمة وأما إن أريد بإمامته كونه مستحقا لذلك فهذا عليه أدلة كثيرة غير الإجماع فلا طريق يثبت بها كون علي مستحقا للإمامة إلا وتلك الطريق يثبت بها أن أبا بكر مستحق للإمامة وأنه أحق للإمامة من علي وغيره وحينئذ فالإجماع لا يحتاج إليه في الأولى ولا في الثانية وإن كان الإجماع حاصلا

فصل

قال الرافضي وأيضا الإجماع ليس أصلا في الدلالة بل لا بد أن يستند المجمعون إلى دليل على الحكم حتى يجتمعوا عليه وإلا كان خطأ وذلك الدليل إما عقلي وليس في العقل دلالة على إمامته وإما نقلي وعندهم أن النبي ﷺ مات من غير وصية ولا نص على إمام والقرآن خال منه فلو كان الإجماع متحققا كان خطأ فتنتفى دلالته

والجواب من وجوه

أحدها أن قوله الإجماع ليس أصلا في الدلالة

إن أراد به أمر المجتمعين لا تجب طاعته لنفسه وإنما تجب لكونه دليلا على أمر الله ورسوله فهذا صحيح ولكن هذا لا يضر فإن أمر الرسول كذلك لم تجب طاعته لذاته بل لأن أطاع الرسول فقد أطاع الله ففي الحقيقة لا يطاع أحد لذاته إلا الله له الخلق والأمر وله الحكم وليس الحكم إلا لله وإنما وجبت طاعة الرسول لأن طاعته طاعه الله ووجبت طاعة المؤمنين المجتمعين لأن طاعتهم طاعة الله والرسول ووجب تحكيم الرسول لأن حكمة حكم الله وكذلك تحكيم الأمة لأن حكمها حكم الله

وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني

وقد قامت الأدلة الكثيرة على أن الأمة لا تجتمع على ضلالة بل ما أمرت به الأمة فقد أمر الله به ورسوله

والأمة أمرت بطاعة أبي بكر في إمامته فعلم أن الله ورسوله أمرا بذلك فمن عصاه كان عاصيا لله ورسوله

وإن أراد به أنه قد يكون موافقا للحق وقد يكون مخالفا له وهذا هو الذي أراده فهذا قدح في كون الإجماع حجة ودعوى أن الأمة قد تجتمع علي الضلالة والخطأ كما يقول ذلك من يقوله من الرافضة الموافقين للنظام

وحينئذ فيقال كون علي إماما ومعصوما وغير ذلك من الأصول الإمامية أثبتوه بالإجماع إذ عمدتهم في أصول دينهم على ما يذكرونه من من العقليات وعلى الإجماع وعلى ما ينقلونه فهم يقولون علم بالعقل لأنه لا بد للناس من إمام معصوم وإمام منصوص عليه وغير علي ليس معصوما ولا منصوصا عليه بالإجماع فيكون المعصوم هو عليا وغير ذلك من مقدمات حججهم

فيقال لهم إن لم يكن الإجماع حجة فقد بطلت تلك الحجج فبطل ما بنوه على الإجماع من أصولهم فبطل قولهم وإذا بطل ثبت مذهب أهل السنة

وإن كان الإجماع حقا فقد ثبت أيضا مذهب أهل السنة فقد تبين بطلان قولهم سواء قالوا الإجماع حجة أم لم يقولوا وإذا بطل قولهم ثبت مذهب أهل السنة وهو المطلوب

وإن قالوا نحن ندع الإجماع ولا نحتج به في شيء من أصولنا وإنما عمدتنا العقل والنقل عن الأئمة المعصومين

قيل لهم إذا لم تحتجوا بالإجماع لم يبق معكم حجة سمعية غير النقل المعلوم عن النبي ﷺ فإن ما ينقلونه عن علي وغيره من الأئمة لا يكون حجة حتى نعلم عصمة الواحد من هؤلاء

وعصمة الواحد من هؤلاء لا تثبت إلا بنقل عمن علم عصمته والمعلوم عصمتة هو الرسول فما لم يثبت نقل معلوم عن الرسول بما يقولونه لم يكن معهم حجة سمعية اصلا لا في اصول الدين ولا في فروعه وحينئذ فيرجع الأمر إلى دعوى خلافة علي بالنص فإن أثبتم النص بالإجماع فهو باطل لنفيكم كون الإجماع حجة وان لم تثبتوه إلا بالنقل الخاص الذي يذكره بعضكم فقد تبين تطلانه من وجوه وتبين أن ما ينقله الجمهور وأكثر الشيعة مما يناقض هذا القول يوجب علما يقينا بأن هذا كذب

وهذه الأمور من تدبرها تبين له أن الإمامية لا يرجعون في شيء مما ينفردون به عن الجمهور إلى الحجة أصلا لا عقلية ولا سمعية ولا نص ولا إجماع وإنما عمدتهم دعوى نقل مكذوب يعلم أنه كذب أو دعوى دلالة نص أو قياس يعلم أنه لا دلالة له

وهم وسائر أهل البدع كالخوارج والمعتزلة وإن كانوا عند التحقيق لا يرجعون إلى حجة صحيحة لا عقلية ولا سمعية وإنما لهم شبهات لكن حججهم اقوى من حجج الرافضة السمعية والعقلية أما السمعيات فإنهم لا يتعمدون الكذب كما تتعمده الرافضة ولهم في النصوص الصحيحة شبهة أقوى من شبه الرافضة

وأيضا فإن سائر أهل البدع أعلم بالحديث والآثار منهم والرافضة أجهل الطوائف بالأحاديث والآثار وأحوال النبي ﷺ ولهذا يوجد في كتبهم وكلامهم من الجهل والكذب في المنقولات ما لا يوجد في سائر الطوائف وكذلك لهم في العقليات مقاييس هي مع ضعفها وفسادها أجود من مقاييس الرافضة

وأيضا فنحن نشير إلى ما يدل على أن الإجماع حجة بالدلالة المبسوطة في غير هذا الموضع ولكل مقام مقال

ونحن لا نحتاج في تقرير إمامة الصديق رضي الله عنه ولا غيره إلى هذا الإجماع ولا نشترط في إمامة أحد هذا الإجماع لكن هو لما ذكر أن أهل السنة اعتمدوا على الإجماع تكلمنا على ذلك فنشير إلى بعض ما يدل على صحة الإجماع

فنقول أولا ما من حكم اجتمعت الأمة عليه إلا وقد دل عليه النص فالإجماع دليل على نص موجود معلوم عند الأئمة ليس مما درس علمه والناس قد اختلفوا في جواز الإجماع عن اجتهاد ونحن نجوز أن يكون بعض المجمعين قال عن اجتهاد لكن لا يكون النص خافيا على جميع المجتهدين وما من حكم يعلم أن فيه إجماعا إلا وفي الأمة من يعلم أن فيه نصا وحينئذ فالإجماع دليل على النص

ولهذا قال تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى سورة النساء 115 فعلق الوعيد بمشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين مع العلم بأن مجرد مشاقة الرسول توجد الوعيد ولكن هما متلازمان فلهذا علقه بهما كما كما يعلقه بمعصية الله ورسوله وهما متلازمان أيضا

وخلافة الصديق من هذا الباب فإن النصوص الكثيرة دلت على أنها حق وصواب وهذا مما لم يختلف العلماء فيه واختلفوا هل انعقدت بالنص الذي هو العهد كخلافة عمر أو بالإجماع والاختيار

وأما دلالة النصوص على أنها حق وصواب فما علمت أحدا نازع فيه من علماء السنة كلهم يحتج على صحتها بالنصوص إذا كنا نبين أن ما انعقد عليه الإجماع فهو منصوص عليه كان ذكر الإجماع لأنه دليل على النص لا يفارقه البتة

ومع هذا فنحن نذكر بعض ما يستدل به على الإجماع مطلقا ويستدل به على من يقول قد لا يكون معه نص

كقوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر سورة آل عمران 110 فهذا يقتضي أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر ومن المعلوم أن إيجاب ما أوجبه الله وتحريم ما حرمه الله هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هو نفسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب أن يوجبوا كل ما أوجبه الله ورسوله ويحرموا كل ما حرمه الله ورسوله وحينئذ فيمتنع أن يوجبوا حراما ويحرموا واجبا بالضرورة فإنه لا يجوز عليهم السكوت عن الحق في ذلك فكيف نجوز السكوت عن الحق والتكلم بنقيضه من الباطل ولو فعلوا ذلك لكانوا قد أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف وهو خلاف النصر

فلو كانت ولاية أبي بكر حراما وطاعته حراما منكرا لوجب أن ينهوا عن ذلك ولو كانت مبايعة علي واجبة لكان ذلك من أعظم المعروف الذي يجب أن يأمروا به فلما لم يكن كذلك أعلم أن مبايعة هذا إذ ذاك لم تكن معروفا ولا واجبا ولا مستحبا ومبايعة ذلك لم تكن منكرا وهو المطلوب

وأيضا فقوله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر سورة التوبة 71 والاستدلال به كما تقدم

وأيضا فقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس سورة البقرة 143 وقوله هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس سورة الحج 87 ومن جعلهم الرب شهداء على الناس فلا بد أن يكونوا عالمين بما يشهدون به ذوي عدل في شهادتهم فلو كانوا يحللون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله ويوجبون ما عفا الله عنه ويسقطون ما أوجبه الله لم يكونوا كذلك وكذلك إذا كانوا يجرحون الممدوح ويمدحون المجروح

فإذا شهدوا أن أبا بكر أحق بالإمامة وجب أن يكونوا صادقين في هذه الشهادة عالمين بما شهدوا به وكذلك إذا شهدوا أن هذا مطيع لله وهذا عاص لله وهذا فعل ما يستحق عليه الثواب وهذا فعل ما يستحق عليه العقاب وجب قبول شهادتهم فإن الشهادة على الناس تتناول الشهادة بما فعلوه من مذموم ومحمود والشهادة بأن هذا مطيع وهذا عاص هي تتضمن الشهادة بأفعالهم وأحكام أفعالهم وصفاتهم وهو المطلوب وفي الصحيحين عن عمر أن النبي ﷺ مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال وجبت فقيل يا رسول الله ما قولك وجبت قال: هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت وجبت لها الجنة وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت لها النار أنتم شهداء الله في الأرض


وأيضا فقوله ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى الآية سورة النساء 115 فإنه توعد على المشاقة للرسول واتباع غير سبيل المؤمنين وذلك يقتضي أن كلا منهما مذموم فإن مشاقة الرسول وحدها مذمومة بالإجماع فلو لم يكن الآخر مذموما لكان قد رتب الوعيد على وصفين مذموم وغير مذموم وهذا لا يجوز

ونظير هذا قوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا سورة الفرقان 68 69 فإنه يقتضي أن كل واحد من الخصال الثلاثة مذموم شرعا

وحينئذ فإذا كان المؤمنون قد أوجبوا أشياء وحرموا أشياء فخالفهم مخالف وقال إن ما أوجبوه ليس بواجب وما حرموه ليس بحرام فقد اتبع غير سبيلهم لأن المراد بسبيلهم اعتقاداتهم وأفعالهم وإذا كان كذلك كان مذموما ولو لم يكن سبيلهم صوابا وحقا لم يكن المخالف لهم مذموما

وأيضا فقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول سورة النساء 59 فجعل وجوب الرد إلى الله والرسول معلقا بالتنازع والحكم المعلق بالشرط عدم عند عدمه فعلم أنه عند انتفاء التنازع لا يجب الرد إلى الله ورسوله فدل على أن إجماعهم إنما يكون على حق وصواب فإنه لو كان على باطل وخطأ لم يسقط عنهم وجوب الرد إلى الكتاب والسنة لأجل باطلهم وخطئهم ولأن أمر الله ورسوله حق حال إجماعهم ونزاعهم فإذا لم يجب الرد عليه عند الإجماع دل على أن الإجماع موافق له لا مخالف له فلما كان المستدل بالإجماع متبعا له في نفس الأمر لم يحتج إلى الرد إليه

وأيضا قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا سورة آل عمران 103 أمرهم بالاجتماع ونهاهم عن الافتراق فلو كان في حال الاجتماع قد يكونون مطيعين لله تارة وعاصين له أخرى لم يجز أن يأمر به إلا إذا كان اجتماعا على طاعة والله أمر به مطلقا ولأنه لو كان كذلك لم يكن فرق بين الإجتماع والإفتراق لأن الإفتراق إذا كان معه طاعة كان مأمورا به مثل أن يكون الناس نوعين نوع يطيع الله ورسوله ونوع يعصيه فإنه يجب أن يكون مع المطيعين وإن كان في ذلك فرقة فلما أمرهم بالاجتماع دل على أنه مستلزم لطاعة الله

وأيضا فإنه قال إنما وليكم الله ورسوله سورة المائدة 55 فجعل موالاتهم كموالاة الله ورسوله وموالاة الله ورسوله لا تتم إلا بطاعة أمره وكذلك المؤمنون لا تتم موالاتهم إلا بطاعة أمرهم وهذا لا يكون إلا إذا كان أمرهم أمرا متفقا فإن أمر بعضهم بشيء وأمر آخر بضده لم يكن موالاة هذا بأولى من موالاة هذا فكانت الموالاة في حال النزاع بالرد إلى الله والرسول وأيضا فقد ثبت عن النبي ﷺ في أحاديث كثيرة متعددة الأمر بالاعتصام بالجماعة والمدح لها وذم الشذوذ وأن الخير والهدى والرحمة مع الجماعة وأن الله لم يكن ليجمع هذه الأمة على ضلالة وأنه لن يزال فيها طائفة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعة الله وأن خير هذه الأمة القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

وقد روى الحاكم وغيره عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: لا يجمع الله أمتي على الضلالة أبدا ويد الله على الجماعة

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: من خالف جماعة المسلمين شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه

وعن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية

وعن الحارث الأشعري قال قال رسول الله ﷺ: آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه إلا أن يرجع

وعن معاوية قال قال رسول الله ﷺ: من فارق الجماعة شبرا دخل النار

وعن ابن عمر قال سمعت رسول الله ﷺ: يقول من فارق أمته أو عاد أعرابيا بعد هجرته فلا حجة له

وعن ربعي قال أتيت حذيفة ليالي سار الناس إلى عثمان فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول: من فارق الجماعة واستبدل الإمارة لقي الله ولا حجة له

وعن فضالة بن عبيد عن النبي ﷺ: قال ثلاثة لا يسأل عنهم رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصيا فذكر الحديث

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: الصلاة المكتوبة إلى التي بعدها كفارة لما بينهما والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر يعني رمضان كفارة لما بينهما قال بعد ذلك إلا من ثلاث فعرفت أن ذلك من أمر حدث فقال: إلا من الإشراك بالله ونكث الصفقة وترك السنة وأن تبايع رجلا بيمينك ثم تخالف تقاتله بسيفك وترك السنة الخروج من الجماعة

وعن النعمان بن بشير قال خطبنا رسول الله ﷺ فقال: نضر الله وجه امريء سمع مقالتي فحملها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة ألأمر ولزوم جماعة المسلمين روى هذه الأحاديث الحاكم في المستدرك وذكر أنها على شرط الصحيح

وذلك يقتضي أن اجتماع الأمة لا يكون إلا على حق وهدى وصواب وأن أحق الأمة بذلك هم أصحاب رسول الله ﷺ وذلك يقتضى أن ما فعلوه من خلافة الصديق كان حقا وهدى وصوابا

وأيضا فإن السلف كان يشتد إنكارهم على من يخالف الإجماع ويعدونه من أهل الزيغ والضلال فلو كان ذلك شائعا عندهم لم ينكروه وكانوا ينكرون عليه إنكارا هم قاطعون به لا يسوغون لأحد أن يدع الإنكار عليه فدل على أن الإجماع عندهم كان مقطوعا به والعقول المتباينة لا تتفق على القطع من غير تواطؤ ولا تشاعر إلا لما يوجب القطع وإلا فلو لم يكن هناك ما يوجب القطع بل لا يوجب الظن لم تكن الطوائف الكثيرة مع تباين هممهم وقرائحهم وعدم تواطئهم يقطعون في موضع لا قطع فيه

فعلم أنه كان عندهم أدلة قطعية توجب كون الإجماع حجة يجب اتباعها ويحرم خلافها

وأيضا فإن السنة والشيعة اتفقوا على أنه إذا كان علي معهم كان إجماعهم حجة ولا يجوز أن يكون ذلك لأجل عصمة علي لأن عصمته لم تثبت إلا بالإجماع فإن عمدتهم في ذلك الإجماع على انتفاء العصمة من غيره إذ ليس في النص ولا المعقول ما ينفى العصمة عن غيره

وهذا مما يبين تناقض الرافضة فإن أصل دينهم بنوه على الإجماع ثم قدحوا فيه والقدح فيه قدح في عصمة علي فلا يبقى لهم ما يعتمدون عليه وهذا شأنهم في عامة أقوالهم التي ينفردون بها

ولهذا قال فيهم الشعبي يأخذون بأعجاز لا صدور لها أي بفروع لا أصول لها

فإن كان الإجماع ليس بحجتهم لم تثبت عصمته وإن كان حجة لم يحتج إلى عصمته فثبت أنه على التقديرين لا يجوز أن يكون قولهم حجة لأجل علي فلزم أن يكون الإجماع حجة وإلا لزم بطلان قول السنة والشيعة
فصل

قال الرافضي وأيضا الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة ومعلوم أنه لم يحصل بل ولا أجماع أهل المدينة أو بعضهم وقد أجمع أكثر الناس على قتل عثمان

والجواب أن يقال أما الإجماع على إلإمامة فإن أريد به الإجماع الذي ينعقد به الإمامة فهذا يعتبر فيه موافقة أهل الشوكة بحيث يكون متمكنا بهم من تنفيذ مقاصد الإمامة حتى إذا كان رؤوس الشوكة عددا قليلا ومن سواهم موفق لهم حصلت الإمامة بمبايعتهم له هذا هو الصواب الذي عليه أهل السنة وهو مذهب الأئمة كأحمد وغيره

وأما أهل الكلام فقدرها كل منهم بعدد وهي تقديرات باطلة

وإن أريد به الإجماع على الإستحقاق والأولوية فهذا يعتبر فيه إما الجميع وإما المجهور وهذه الثلاثة حاصلة في خلافة أبي بكر

وأما عثمان فلم يتفق على قتله إلا طائفة قليلة لا يبلغون نصف عشر عشر عشر الأمة كيف وأكثر جيش علي والذين قاتلوه والذين قعدوا عن القتال لم يكونوا من قتلة عثمان وإنما كان قتلة عثمان فرقة يسيرة من عسكر علي

والأمة كانوا في خلافة عثمان مئى ألوف والذين اتفقوا على قتله الألف أو نحوهم وقد قال عبدا لله بن الزبير يعيب قتلة عثمان خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية وقتلهم الله كل قتلة ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب
فصل

قال الرافضي وأيضا كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع

والجواب أن يقال من المعلوم إن الإجماع إذا حصل حصل له من الصفات ما ليس للآحاد لم يجز أن يجعل حكم الواحد الاجتماع فإن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط والكذب فإذا انتهى المخبرون إلى حد التواتر امتنع عليهم الكذب والغلط

وكل واحد من اللقم والجرع والأقداح لا يشبع ولا يروى ولا يسكر فإذا اجتمع من ذلك عدد كثير أشبع وأروى وأسكر وكل واحد من الناس لا يقدر على قتال العدو فإذا اجتمع طائفة كثيرة قدروا على القتال فالكثرة تؤثر في زيادة القوة وزيادة العلم وغيرهما ولهذا قد يخطىء الواحد والاثنان في مسائل الحساب فإذا كثر العدد امتنع ذلك فيما لم يكن يمتنع في حال الإنفراد ونحن نعلم بالاضطرار أن علم الإثنين أكثر من علم أحدهما إذا انفرد وقوتهما أكثر من قوته فلا يلزم من وقوع الخطأ حال الانفراد وقوعه حال الكثرة

قال تعالى إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى سورة البقرة 28والناس في الحساب قد يخطىء الواحد منهم ولا تخطىء الجماعة كالهلال فقد يظنه الواحد هلالا وليس كذلك فأما العدد الكثير فلا يتصور فيهم الغلط

وتعلم أن المسلمين إذا اجتمعوا وكثروا يكون داعيهم إلى الفواحش والظلم أقل من داعيهم إذا كانوا قليلا فإنهم في حال الإجتماع لا يجتمعون على مخالفة شرائع الإسلام كما يفعله الواحد والإثنان فإن الإجتماع والتمدن لا يمكن إلا مع قانون عدلي فلا يمكن أهل مدينة أن يجتمعوا على إباحة ظلم بعضهم بعضا مطلقا لأنه لا حياة لهم مع ذلك بل نجد الأمير إذا ظلم بعض الرعية فلا بد أن يكون بعض أصحابه لا يظلم حين يظلم الرعية وما استووا كلهم فيه فليس فيه ظلم من بعضهم لبعض ومعلوم أن المجموع قد خالف حكمه حكم الأفراد سواء كان اجتماع أعيان أو أعراض

ومن الأمثال التي يضربها المطاع لأصحابه أن السهم الواحد يمكن كسره وإذا اجتمعت السهام لم يمكن كسرها والإنسان قد يغلبه عدوه ويهزمه فإذا صاروا عددا كثيرا لم يمكن ذلك كما كان يمكنه حال الانفراد

وأيضا فإن كان الإجماع قد يكون خطأ لم يثبت أن عليا معصوم فإنه إنما علمت عصمته بالإجماع على أنه لا معصوم سواه فإذا جاز كون الإجماع أخطأ أمكن أن يكون في الأمة معصوم غيره وحينئذ فلا يعلم أنه هو المعصوم

فتبين أن قدحهم في الإجماع يبطل الأصل الذي اعتمدوا عليه في إمامة المعصوم وإذا بطل أنه معصوم بطل أصل مذهب الرافضة فتبين أنهم إن قدحوا في الإجماع بطل أصل مذهبهم وإن سلموا أنه حجة بطل مذهبهم فتبين بطلان مذهبهم على التقديرين
فصل

قال الرافضي وقد بينا ثبوت النص الدال على إمامة أمير المؤمين فلو أجمعوا على خلافه لكان خطأ لأن الإجماع الواقع على خلاف النص يكون عندهم خطأ

والجواب من وجوه أحدها أنه قد تقدم ببيان بطلان كل ما دل على أنه إمام قبل الثلاثة

الثاني أن النصوص إنما دلت على خلافة الثلاثة قبله

الثالث أن يقال الإجماع المعلوم حجة قطعية لا سمعية لا سيما مع النصوص الكثيرة الموافقة له فلو قدر ورود خبر يخالف الإجماع كان باطلا إما لكون الرسول لم يقله وإما لكونه لا دلالة فيه

الرابع أنه يمتنع تعارض النص المعلوم والإجماع المعلوم فإن كليهما حجة قطعية والقطعيات لا يجوز تعارضها لوجوب وجود مدلولاتها فلو تعارضت لزم الجمع بن النقيضين وكل من أدعى إجماعا يخالف نصا فأحد الأمرين لازم إما بطلان إجماعه وإما بطلان نصه وكل نص اجتمعت الأمة على خلافه فقد علم النص الناسخ له

وأما أن يبقى في الأمة نص معلوم والإجماع مخالف له فهذا غير واقع وقد دل الإجماع المعلوم والنص المعلوم على خلافة الصديق رضي الله عنه وبطلان غيرها ونص الرافضة مما نحن نعلم كذبه بالاضطرار وعلى كذبه أدلة كثيرة
=====





منهاج السنة النبوية/55











فصل

قال الرافضي الثاني ما رووه عن النبي أنه قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر والجواب المنع من الرواية ومن دلالتها على الإمامة فإن الإقتداء بالفقهاء لا يستلزم كونهم أئمة وأيضا فإن أبا بكر وعمر قد اختلفا في كثير من الأحكام فلا يمكن الإقتداء بهما وأيضا فإنه معارض لما رووه من قوله أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم مع إجماعهم على انتفاء إمامتهم

والجواب من وجوه

أحدها أن يقال هذا الحديث بإجماع أهل العلم بالحديث أقوى من النص الذي يروونه في إمامة علي فإن هذا أمر معروف في كتب أهل الحديث المعتمدة ورواه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده والترمذي في جامعه

وأما النص على علي فليس في شيء من كتب أهل الحديث المعتمدة وأجمع أهل الحديث على بطلانه حتى قال أبو محمد بن حزم وما وجدنا قط رواية عن أحد في هذا النص المدعى إلا رواية واهية عن مجهول إلى مجهول يكنى أبا الحمراء لا نعرف من هو في الخلق فيمتنع أن يقدح في هذا الحديث مع تصحيح النص على علي

وأما الدلالة فالحجة في قوله باللذين من بعدي أخبر أنهما من بعده وأمر بالإقتداء بهما فلو كانا ظالمين أو كافرين في كونهما بعده لم يأمر بالإقتداء بهما فإنه لا يأمر بالإقتداء بالظالم فإن الظالم لا يكون قدوة يؤتم به بدليل قوله لا ينال عهدي الظالمين سورة البقرة فدل على أن الظالم لا يؤتم به والائتمام هو الإقتداء فلما أمر بالإقتداء بمن بعده والاقتداء هو الائتمام مع إخباره أنهما يكونان بعده دل على أنهما إمامان قد أمر بالائتمام بهما بعدت وهذا هو المطلوب

وأما قوله اختلفا في كثير من الأحكام فليس الأمر كذلك بل لا يكاد يعرف اختلاف أبي بكر وعمر إلا في الشيء اليسير والغالب أن يكون عن أحدهما فيه روايتان كالجد مع الإخوة فإن عمر عنه فيه روايتان إحداهما كقول أبي بكر

وأما اختلافهما في قسمة الفيء هل يسوى فيه بين الناس أو يفضل فالتسوية جائزة بلا ريب كما كان النبي ﷺ يقسم الفيء والغنائم فيسوى بين الغانمين ومستحقي الفيء

والنزاع في جواز التفضيل وفيه للفقهاء قولان هما روايتان عن أحمد والصحيح جوازه للمصلحة فإن النبي ﷺ كان يفضل أحيانا في قسمة الغنائم والفيء وكان يفضل السرية في البدأة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس فما فعله الخليفتان فهو جائز مع أنه قد روى عن عمر أنه أختار في آخر عمره التسوية وقال لئن عشت إلى قابل لأجعل الناس بابا واحدا

وروى عن عثمان التفضيل وعن علي التسوية ومثل هذا لا يسوغ فيه إنكار إلا أن يقال فضل من لا يستحق التفضيل كما أنكر على عثمان في بعض قسمه وأما تفضيل عمر فما بلغنا أن أحدا ذمه فيه

وأما تنازعهما في تولية خالد وعزله فكل منهما فعل ما كان أصلح فكان الأصلح لأبي بكر تولية خالد لأن أبا بكر ألين من عمر فينبغي لنائبه أن يكون أقوى من نائب عمر فكانت استنابة عمر لأبي عبيدة أصلح له واستنابة أبي بكر لخالد أصلح له ونظائر هذا متعددة وأما الأحكام التي هي شرائع كلية فاختلافهما فيها إما نادر وإم معدوم وإما لأحدهما فيه قولان

وأيضا فيقال النص يوجب الإقتداء بهما فيما اتفقا عليه وفيما اختلفا فيه فتسويغ كل منهما المصير إلى قول الآخر متفق عليه بينهما فإنهما اتفقا على ذلك

وأيضا فإذا كان الإقتداء بهما يوجب الإئتمام بهما فطاعة كل منهما إذا كان إماما وهذا هو المقصود وأما بعد زوال إمامته فالإقتداء بهما أنهما إذا تنازعا رد ما تنازعا فيه إلى الله والرسول

وأما قوله أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم فهذا الحديث ضعيف ضعفه أهل الحديث قال البزار هذا حديث لا يصح عن رسول الله ﷺ وليس هو في كتب الحديث المعتمدة

وأيضا فليس فيه لفظ بعدي والحجة هناك قوله بعدي

وأيضا فليس فيه الأمر بالإقتداء بهم وهذا فيه الأمر بالإقتداء بهم
فصل

قال الرافضي الثالث ما ورد فيه من الفضائل كآية الغار وقوله تعالى وسيجنبها الأتقى سورة الليل 17 وقوله قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد سورة الفتح 16 والداعي هو أبو بكر وكان أنيس رسول الله ﷺ في العريش يوم بدر وأنفق على النبي ﷺ وتقدم في الصلاة

قال والجواب أنه لا فضيلة له في الغار لجواز أن يستصحبه حذرا منه لئلا يظهر أمره

وأيضا فإن الآية تدل على نقيضه لقوله لا تحزن فإنه يدل على خوره وقله صبره وعدم يقينه بالله تعالى وعدم رضا بمساواته النبي ﷺ وبقضاء الله وقدره ولأن الحزن إن كان طاعة استحال أن ينهى عنه النبي ﷺ وإن كان معصية كان ما ادعوه من الفضيلة رذيلة

وأيضا فإن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله شرك معه المؤمنين إلا في هذا الموضع ولا نقص أعظم منه

وأما وسيجنبها الأتقى فإن المراد أبو الدحداح حيث اشترى نخلة شخص لأجل جاره وقد عرض النبي ﷺ على صاحب النخلة نخلة في الجنة فأبى فسمع أبو الدحداح فاشتراها ببستان له ووهبها الجار فجعل النبي ﷺ عوضها له بستانا في الجنة

وأما قوله تعالى قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد سورة الفتح 16 يريد سندعوكم إلى قوم فإنه أراد الذين تخلفوا عن الحديبية والتمس هؤلاء أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى بقوله قل لن تتبعونا سورة الفتح 15 لأنه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ثم قال قل للمخلفين من الأعراب ستدعون سورة الفتح 16 يريد سندعوكم فيما بعد إلى قتال قوم أولى بأس شديد وقد دعاهم رسول الله ﷺ إلى غزوات كثيرة كمؤتة وحنين وتبوك وغيرهما فكان الداعي رسول الله ﷺ

وأيضا جاز أن يكون علي هو الداعي حيث قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وكان رجوعهم إلى طاعته إسلاما لقوله عليه الصلاة والسلام يا علي حربك حربي وحرب رسول الله ﷺ كفر

وأما كونه أنيسه في العريش يوم بدر فلا فضل فيه لأن النبي ﷺ كان أنسه بالله تعالى مغنيا له عن كل أنيس لكن لما عرف النبي ﷺ أن أمره لأبي بكر بالقتال يؤدي إلى فساد الحال حيث هرب عدة مرات في غزواته وإنما أفضل القاعد عن القتال أو المجاهد بنفسه في سبيل الله

وأما إنفاقه على رسول الله ﷺ فكذب لأنه لم يكن ذا مال فإن أباه كان فقيرا في الغاية وكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان بمد كل يوم يقتات به فلو كان أبو بكر غنيا لكفى أباه وكان أبو بكر في الجاهلية معلما للصبيان وفي الإسلام كان خياطا ولما ولي أمر المسلمين منعه الناس عن الخياطة فقال إني محتاج إلى القوت فجعلوا له كل يوم ثلاثة دراهم من بيت المال والنبي صلى الله عليه وسلم كان قبل الهجرة غنيا بمال خديجة ولم يحتج إلى الحرب وتجهيز الجيوش وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر ألبتة شيء ثم لو أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن كما نزل في علي هل أتى سورة الإنسان ومن المعلوم أن النبي ﷺ أشرف من الذين تصدق عليهم أمير المؤمين والمال الذي يدعون إنفاقه أكثر فحيث لم ينزل فيه قرآن دل على كذب النقل

وأما تقديمه في الصلاة فخطأ لأن بلالا لما أذن بالصلاة أمرته عائشة أن يقدم أبا بكر ولما أفاق النبي ﷺ سمع التكبير فقال من يصلي بالناس فقالوا أبو بكر. فقال أخرجوني فخرج بين علي والعباس فنحاه عن القبلة وعزله عن الصلاة وتولى هو الصلاة

قال الرافضي فهذه حال أدلة القوم فلينظر العاقل بعين الإنصاف وليقصد اتباع الحق دون اتباع الهوى ويترك تقليد الآباء والأجداد فقد نهى الله تعالى في كتابه عن ذلك ولا تلهيه الدنيا عن إيصال الحق إلى مستحقه ولا يمنح المستحق عن حقه فهذا آخر ما أردنا إثباته في هذه المقدمة

والجواب أن يقال في هذا الكلام من الأكاذيب والبهت والفرية ما لا يعرف مثله لطائفة من طوائف المسلمين ولا ريب أن الرافضة فيهم شبه قوى من اليهود فإنهم قوم بهت يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون

وظهور فضائل شيخي الإسلام أبي بكر وعمر أظهر بكثير عند كل عاقل من فضل وغيرهما فيريد هؤلاء الرافضة قلب الحقائق ولهم نصيب من قوله تعالى فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه فمن أظلم ممن افترى الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون سورة يونس 17 ونحو هذه الآيات

فإن القوم من أعظم الفرق تكذيبا بالحق وتصديق بالكذب وليس في الإمة من يماثلهم في ذلك

أما قوله لا فضيلة في الغار

فالجواب أن الفضيلة في الغار ظاهرة بنص القرآن لقوله تعالى إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا سورة التوبة 40 فأخبر الرسول ﷺ أن الله معه ومع صاحبه كما قال لموسى وهارون إنني معكما أسمع وأرى سورة طه 4وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال نظرت إلى إقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما

وهذا الحديث مع كونه مما اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق فلم يختلف في ذلك اثنان منهم فهو مما دل القرآن على معناه يقول إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا سورة التوبة 4

والمعية في كتاب الله على وجهين عامة وخاصة فالعامة كقوله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض في سنة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم الآية سورة الحديد 4 وقوله ألم تر أن الله يعلم ما في السموات والأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما علموا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم سورة المجادلة فهذه المعية عامة لكل متناجين وكذلك الأولى عامة لجميع الخلق

ولما أخبر سبحانه في المعية أنه رابع الثلاثة وسادس الخمسة قال النبي ﷺ: ما ظنك باثنين الله ثالثهما فإنه لما كان معهما كان ثالثهما كما دل القرآن على معنى الحديث الصحيح وإن كان هذه معية خاصة وتلك عامة

وأما المعية الخاصة فكقوله تعالى لما قال لموسى وهارون لا تخافا انني معكما اسمع وأرى سورة طه 46 فهذا تخصيص لهما دون فرعون وقومه فهو مع موسى وهارون دون فرعون

وكذلك لما قال النبي ﷺ لأبي بكر: لا تحزن إن الله معنا كان معناه إن الله معنا دون المشركين الذين يعادونهما ويطلبونهما كالذين كانوا فوق الغار ولو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصر ما تحت قدميه

وكذلك قوله تعالى إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون سورة النحل 128 فهذا تخصيص لهم دون الفجار والظالمين وكذلك قوله تعالى إن الله مع الصابرين سورة البقرة 153 تخصيص لهم دون الجازعين

وكذلك قوله تعالى ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي الآية سورة المائدة 12

وقال إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سورة الأنفال 1وفي ذكره سبحانه للمعية عامة تارة وخاصة أخرى ما يدل على أنه ليس المراد بذلك أنه بذاته في كل مكان أو أن وجوده عين وجود المخلوقات ونحو ذلك من مقالات الجهمية الذين يقولون بالحلول العام والاتحاد العام أو الوحدة العامة لأنه على هذا القول لا يختص بقوم دون قوم ولا مكان دون مكان بل هو في الحشوش على هذا القول وأجواف البهائم كما هو فوق العرش فإذا أخبر أنه مع قوم دون قوم كان هذا مناقضا لهذا المعنى لأنه على هذا القول لا يختص بقوم دون قوم ولا مكان دون مكان بل هو في الحشوش على هذا القول كما هو فوق العرش

والقرآن يدل على اختصاص المعية تارة وعمومها أخرى فعلم أنه ليس المراد بلفظ المعية اختلاطه

وفي هذا أيضا رد على من يدعى أن ظاهر القرآن هو الحلول لكن يتعين تأويله على خلاف ظاهره ويجعل ذلك أصلا يقيس عليه ما يتأوله من النصوص

فيقال له قولك إن القرآن يدل على ذلك خطأ كما أن قول قرينك الذي اعتقد هذا المدلول خطأ وذلك لوجوه

أحدها أن لفظ مع في لغة العرب إنما تدل على المصاحبة والموافقة والاقتران ولا تدل على أن الأول مختلط بالثاني في عامة موارد الاستعمال، كقوله تعالى محمد رسول الله والذين معه سورة الفتح 29 لم يرد أن ذواتهم مختلطة بذاته

وقوله اتقوا الله وكونوا مع الصادقين سورة التوبة 11وكذلك قوله والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم سورة الانفال 7وكذلك قوله عن نوح وما آمن معه إلا قليل سورة هود 043وقوله عن نوح أيضا فأنجيناه والذين معه في الفلك الآية سورة الأعراف 6وقوله عن هود فأنجيناه والذين معه برحمة منا سورة الأعراف 7وقول قوم شعيب لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا سورة الأعراف 8وقوله إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين الآية سورة النساء 14وقوله وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين سورة الأنعام 6وقوله ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم سورة المائدة 53

وقوله ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم سورة الحشر 1وقوله عن نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم سورة هود 4وقوله وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين سورة الأعراف 43وقوله فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين سورة التوبة 83

وقوله رضوا بأن يكونوا مع الخوالف سورة التوبة 8وقال لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم سورة التوبة 8ومثل هذا كثير في كلام الله تعالى وسائر الكلام العربي

وإذا كان لفظ مع إذا استعملت في كون المخلوق مع المخلوق لم تدل على اختلاط ذاته بذاته فهي أن لا تدل على ذلك في حق الخالق بطريق الأولى

فدعوى ظهورها في ذلك باطل من وجهين أحدهما أن هذا ليس معناها في اللغة ولا اقترن بها في الاستعمال ما يدل على الظهور فكان الظهور منتفيا من كل وجه

الثاني أنه إذا انتفى الظهور فيما هو أولى به فانتفاؤه فيما هو أبعد عنه أولى

الثاني أن القرآن قد جعل المعية خاصة أكثر مما جعلها عامة ولو كان المراد اختلاط ذاته بالمخلوقات لكانت عامة لا تقبل التخصيص

الثالث أن سياق الكلام أوله وآخره يدل على معنى المعية كما قال تعالى في آية المجادلة ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله كل شيء عليم سورة المجادلة 7 فافتتحها بالعلم وختمها بالعلم فعلم أنه أراد عالم بهم لا يخفى عليه منهم خافية

وهكذا فسرها السلف الإمام أحمد ومن قبله من العلماء كابن عباس والضحاك وسفيان الثوري

وفي آية الحديد قال ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ننزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير سورة الحديد 4 فختمها أيضا بالعلم وأخبر أنه مع استوائه على العرش يعلم هذا كله

كما قال النبي ﷺ في حديث الأوعال، والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه فهناك أخبر بعموم العلم لكل نجوى وهنا أخبر أنه مع علوه على عرشه يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وهو من العباد أينما كانوا يعلم أحوالهم والله بما يعملون بصير

وأما قوله إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون سورة النحل 128 فقد دل السياق على أن المقصود ليس مجرد علمه وقدرته بل هو معهم في ذلك بتأييده ونصره وأنه يجعل للمتقين مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون

وكذلك قوله لموسى وهارون إننس معكما أسمع وأرى سورة طه 46 فإنه معهما بالتأييد والنصر والإعانة على فرعون وقومه كما إذا رأى الإنسان من يخاف فقال له من ينصره نحن معك اي معاونوك وناصروك على عدوك

وكذلك قول النبي ﷺ لصديقه: إن الله معنا يدل على أنه موافق لهما بالمحبة والرضا فيما فعلاه وهو مؤيد لهما ومعين وناصر

وهذا صريح في مشاركة الصديق للنبي في هذه المعية التي اختص بها الصديق لم يشركه فيها أحد من الخلق

والمقصود هنا أن قول النبي ﷺ لأبي بكر: إن الله معنا هي معية الاختصاص التي تدل على أنه معهم بالنصر والتأييد والإعانة على عدوهم فيكون النبي ﷺ قد أخبر أن الله ينصرني وينصرك يا أبا بكر على عدونا ويعيننا عليهم

ومعلوم أن نصر الله نصر إكرام ومحبة كما قال تعالى إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا سورة غافر 51 وهذا غاية المدح لأبي بكر إذ دل على أنه ممن شهد له الرسول بالإيمان المقتضى نصر الله له مع رسوله وكان متضمنا شهادة الرسول له بكمال الإيمان المقتضى نصر الله له مع رسوله في مثل هذه الحال التي بين الله فيها غناه عن الخلق فقال إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار سورة التوبة 4ولهذا قال سفيان بن عيينة وغيره إن الله عاتب الخلق جميعهم في نبيه إلا أبا بكر وقال من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافر لأنه كذب القرآن وقال طائفة من أهل العلم كأبي القاسم السهيلي وغيره هذه المعية الخاصة لم تثبت لغير أبي بكر

وكذلك قوله: ما ظنك باثنين الله ثالثهما بل ظهر اختصاصهما في اللفظ كما ظهر في المعنى فكان يقال للنبي ﷺ محمد رسول الله فلما تولى أبو بكر بعده صاروا يقولون وخليفة رسول الله فيضيفون الخليفة إلى رسول الله المضاف إلى الله والمضاف إلى المضاف مضاف تحقيقا لقوله إن الله معنا ما ظنك باثنين الله ثالثهما ثم لما تولى عمر بعده صاروا يقولون أمير المؤمنين فانقطع الاختصاص الذي امتازه به أبو بكر عن سائر الصحابة

ومما يبين هذا أن الصحبة فيها عموم وخصوص فيقال صحبة ساعة ويوما وجمعة وشهرا وسنة وصحبة عمره كله

وقد قال تعالى والصاحب بالجنب سورة النساء 36 قيل هو الرفيق في السفر وقيل الزوجة وكلاهما تقل صحبته وتكثر وقد سمى الله الزوجة صاحبة في قوله أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة سورة الأنعام 10ولهذا قال أحمد بن حنبل في الرسالة التي رواها عبدوس بن مالك عنه من صحب النبي ﷺ سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه مؤمنا به فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه

وهذا قول جماهير العلماء من الفقهاء وأهل الكلام وغيرهم يعدون في أصحابه من قلت صحبته ومن كثرت وفي ذلك خلاف ضعيف

والدليل على قول الجمهور ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى رسول الله ﷺ فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى من صحب النبي ﷺ فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله ﷺ فيقولون نعم فيفتح لهم وهذا لفظ مسلم وله في رواية أخرى

يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ فيوجد الرجل فيفتح لهم به ثم يبعث البعث الثاني فيقولون هل فيكم من رأى أصحاب رسول الله ﷺ فيقولون نعم فيفتح لهم به ثم يبعث البعث الثالث فيقال انظروا هل ترون فيكم من رأى من رأى أصحاب رسول الله ﷺ فيقولون نعم ثم يكون البعث الرابع فيقال هل ترون فيكم أحدا رأى من رأى أصحاب رسول الله ﷺ فيوجد الرجل فيفتح لهم به ولفظ البخاري ثلاث مرات كالرواية الأولى لكن لفظه: يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس وكذلك قال في الثانية والثالثة وقال فيها كلها صحب واتفقت الروايات على ذكر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم القرون الثلاثة وأما القرن الرابع فهو في بعضها وذكر القرن الثالث ثابت في المتفق عليه من غير وجه

كما في الصحيحين عن أبن مسعود قال قال رسول الله ﷺ: خير أمتي القرن الذين يلونني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته

وفي الصحيحين عن عمران أن النبي ﷺ قال: إن خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران فلا أدري أقال رسول الله ﷺ بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون وفي رواية ويحلفون ولا يستحلفون فقد شك عمران في القرن الرابع

وقوله يشهدون ولا يستشهدون حمله ظائفة من العلماء على مطلق الشهادة حتى كرهوا أن يشهد الرجل بحق قبل أن يطلب منه المشهود له إذا علم الشهادة وجمعوا بذلك بين هذا وبين قوله: ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها

وقال طائفة أخرى إنما المراد ذمهم على الكذب أي يشهدون بالكذب كما ذمهم على الخيانة وترك الوفاء فإن هذه من آيات النفاق التي ذكرناها في قوله

آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان أخرجاه في الصحيحين

وأما الشهادة بالحق إذا أداها الشاهد لمن علم أنه محتاج إليها ولم يسأله ذلك فقد قام بالقسط وأدى الواجب قبل أن يسأله وهو أفضل ممن لا يؤديه إلا بالسؤال كمن له عند غيره أمانة فأدها قبل أن يسأله أداءها حيث يحتاج إليها صاحبها وهذا أفضل من أن يحوج صاحبها إلى ذل السؤال وهذا أظهر القولين

وهذا يشبه اختلاف الفقهاء في الخصم إذا ادعى ولم يسأل الحاكم سؤال المدعي عليه هل يسأله الجواب والصحيح أنه يسأله الجواب ولا يحتاج ذلك إلى سؤال المدعي لأن دلالة الحال تغني عن السؤال ففي الحديث الأول هل فيكم من رأى رسول الله ﷺ ثم قال هل فيكم من رأى من صحب رسول الله ﷺ فدل على أن الرائي هو الصاحب وهكذا يقول في سائر الطبقات في السؤال هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله ثم يكون المراد بالصاحب الرائي

وفي الرواية الثانية هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ ثم يقال في الثالثة هل فيكم من رأى من رأى أصحاب رسول الله ﷺ

ومعلوم إن كان الحكم لصاحب الصاحب معلقا بالرؤية ففي الذي صحب رسول الله ﷺ بطريق الأولى والأخرى

ولفظ البخاري قال فيها كلها صحب وهذه الألفاظ إن كانت كلها من ألفاظ رسول الله ﷺ فهي نص في المسألة وإن كان قد قال بعضها والراوي مثل أبي سعيد يروي اللفظ بالمعنى فقد دل على أن معنى أحد اللفظين عندهم هو معنى الآخر وهم أعلم بمعاني ما سمعوه من كلام رسول الله ﷺ

وأيضا فإن كان لفظ النبي ﷺ رأى فقد حصل المقصود وإن كان لفظه صحب في طبقة أو طبقات فإن لم يرد به الرؤية لم يكن قد بين مراده فإن الصحبة اسم جنس ليس لها حد في الشرع ولا في اللغة والعرف فيها مختلف

والنبي ﷺ لم يقيد الصحبة بقيد ولا قدرها بقدر بل علق الحكم بمطلقها ولا مطلق لها إلا الرؤية

وأيضا فإنه يقال صحبه ساعة وصحبه سنة وشهرا فتقع على القليل والكثير فإذا أطلقت من غير قيد لم يجز تقييدها بغير دليل بل تحمل على المعنى المشترك بين سائر موارد الاستعمال

ولا ريب أن مجرد رؤية الإنسان لغيره لا توجب أن يقال قد صحبه ولكن إذا رآه على وجه الاتباع له والاقتداء به دون غيره والاختصاص به ولهذا لم يعتد برؤية من رأى النبي ﷺ من الكفار والمنافقين فإنهم لم يروه من قصده أن يؤمن به ويكون من أتباعه وأعوانه المصدقين له فيما أخبر المطيعين له فيما أمر الموالين له المعادين لمن عاداه الذي هو أحب إليهم من أنفسهم وأموالهم وكل شيء

وامتاز أبو بكر عن سائر المؤمنين بأن رآه وهذه حاله معه فكان صاحبا له بهذا الاعتبار

ودليل ثان ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: وددت أني رأيت إخواني قالوا يا رسول الله أولسنا إخوانك قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني

ومعلوم أن قوله إخواني أراد به إخواني الذين ليسوا بأصحابي وأما أنتم فلكم مزية الصحبة ثم قال: قوم يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني فجعل هذا حدا فاصلا بين إخوانه الذين ود أن يراهم وبين أصحابه فدل على أن من آمن به ورآه فهو من أصحابه لا من هؤلاء الإخوان الذين لم يرهم ولم يروه

فإذا عرف أن الصحبة اسم جنس تعم قليل الصحبة وكثيرها وأدناها أن يصحبه زمنا قليلا فمعلوم أن الصديق في ذروة سنام الصحبة وأعلى مراتبها فإنه صحبه من حين بعثه الله إلى أن مات وقد أجمع الناس على أنه أول من آمن به من الرجال الأحرار كما أجمعوا على أن أول من آمن به من النساء خديجة ومن الصبيان علي ومن الموالي زيد بن حارثة وتنازعوا في أول من نطق بالإسلام بعد خديجة فإن كان أبو بكر أسلم قبل علي فقد ثبت أنه أسبق صحبة كما كان أسبق إيمانا وإن كان علي أسلم قبله فلا ريب أن صحبة أبي بكر للنبي ﷺ كانت أكمل وأنفع له من صحبة علي ونحوه فإنه شاركه في الدعوة فأسلم على يديه أكابر أ 6 هل الشورى كعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وكان يدفع عنه من يؤذيه ويخرج معه إلى القبائل ويعينه في الدعوة وكان يشتري المعذبين في الله كبلال وعمار وغيرهما فإنه اشترى سبعة من المعذبين في الله فكان أنفع الناس له في صحبته مطلقا

ولا نزاع بين أهل العلم بحال النبي ﷺ وأصحابه أن مصاحبة أبي بكر له كانت أكمل من مصاحبة سائر الصحابة من وجوه أحدها أنه كان أدوم اجتماعا به ليلا ونهارا وسفرا وحضرا كما في الصحيحين عن عائشة أنها قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمض علينا يوم إلا ورسول الله ﷺ يأتينا فيه طرفي النهار

فكان النبي ﷺ في أول الأمر يذهب إلى أبي بكر طرفي النهار والإسلام إذا ذاك ضعيف والأعداء كثيرة وهذا غاية الفضيلة والاختصاص في الصحبة

وأيضا فكان أبو بكر يسمر عند النبي ﷺ بعد العشاء يتحدث معه في أمور المسلمين دون غيره من أصحابه

وأيضا فكان النبي ﷺ إذا استشار أصحابه أول من يتكلم أبو بكر في الشورى وربما تكلم غيره وربما لم يتكلم غيره فيعمل برأيه وحده فإذا خالفه غيره اتبع رأيه دون رأي من يخالفه

فالأول كما في الصحيحين أنه شاور أصحابه في أسارى بدرفتكلم أبو بكر فروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال لما أسر الأسارى يوم بدر قال رسول الله ﷺ لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر هم بنو العم والعشيرة فأرى أن تقبل منهم الفدية فتكون لنا قوة على الكفار فقال عمر لا والله يا رسول الله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أن تمكننا فنضرب أعناقهم تمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه وتمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه وأشار ابن رواحة بتحريقهم فاختلف أصحابه فمنهم من يقول الرأي ما رأى أبو بكر ومنهم من يقول الرأي ما رأى عمر ومنهم من يقول الرأي ما رأى ابن رواحة قال فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وذكر تمام الحديث

وأما الثاني ففي يوم الحديبية لما شاورهم على أن يغير على ذرية الذين أعانوا قريش أو يذهب إلى البيت فمن صده قاتله والحديث معروف عند أهل العلم أهل التفسير والمغازي والسير والفقه والحديث رواه البخاري ورواه أحمد في مسنده حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال قال الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل منهما صاحبه قالا خرج رسول الله ﷺ زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله ﷺ الهدى وأشعره وأحرم بعمرة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش وسار رسول الله ﷺ حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريب من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش قال أحمد وقال يحيى بن سعيد عن ابن المبارك قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي ﷺ: أشيروا علي أترون أن أميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين وإن نجوا يكن عنقا قطعها الله أو ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر الله ورسوله أعلم يا نبي الله إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه قال النبي ﷺ: فروحوا إذا قال الزهري وكان أبو هريرة يقول ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله ﷺ قال الزهري حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق

ومن هنا رواه البخاري من طريق ورواه في المغازي والحج

وقال الزهري في حديث المسور الذي اتفق عليه أحمد والبخاري حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي ﷺ إن خالد ابن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي ﷺ حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت فقالوا خلأت القصواء خلأت القصواء فقال النبي ﷺ: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبث الناس أن نزحوه وشكوا إلى رسول الله ﷺ العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فو الله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينما هم كذلك إذا جاء بديل بن ورقاء الخزاعي ونفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله ﷺ من أهل تهامة وفي لفظ لأحمد مسلمهم ومشركهم فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحدينية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله ﷺ: إنا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين فإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره قال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجةلنا أن تخبرنا عنه بشئ وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله ﷺ فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم ألستم بالوالد قالوا بلى قال أولست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها منه ودعوني آته قالوا اءته فأتاه فجعل يكلم النبي ﷺ فقال النبي ﷺ له نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت أحدا من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى فإني والله لأرى وجوها وإني لأرى أوباشا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ولفظ أحمد خلقاء أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر رضي الله عنه امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر قال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وجعل يكلم النبي ﷺ فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة قائم على رأس رسول الله ﷺ ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى رسول الله ﷺ ضرب يده بنعل السيف ويقول أخر يدك عن لحية رسول الله ﷺ فرفع عروة رأسه فقال من ذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر أو لست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي ﷺ: أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شئ ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله ﷺ بعينيه قال فوالله ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا عظيما قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم بنخامة إلا وقعت في يد رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من كنانة دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف على النبي ﷺ وأصحابه قال النبي ﷺ: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهذا أن يصد عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصد عن البيت فقام رجل يقال له مرز بن حفص فقال دعوني آته فلما أشرف عليهم قال النبي ﷺ: هذا مكرز بن حفص وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي ﷺ فبينما هو يكلمه جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي ﷺ: قد سهل لكم من أمركم قال معمر عن الزهري في حديثه فجاء سهيل فقال له هات اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا النبي ﷺ الكاتب فقال النبي ﷺ: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كماكنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي ﷺ: اكتب باسمك اللهم ثم قال: هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي ﷺ: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله قال الزهري وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها قال النبي ﷺ على أن تخلوا بيننا وبين المسجد الحرام نطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذاك من العام المقبل فكتب وقال سهيل وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل ابن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي قال فقال النبي ﷺ: إنا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله إذا لا أصالحك على شئ أبدا قال النبي ﷺ: فأجزه لي قال ما أنا مجيزه قال: بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجزناه لك قال أبو جندل أي معاشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وقد كان عذب عذابا شديدا في الله فقال عمر فأتيت النبي ﷺ فقلت ألست نبي الله حقا قال: بلى قال قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال: بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال: إني رسول الله ولست آعصيه وهو ناصري قلت أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال: فأخبرتك أنك آتيه العام قلت لا قال: فإنك آتيه ومطوف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزة فوالله إنه على الحق قلت أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال عمر فعملت لذلك أعمالا قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ﷺ لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقىمن الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ولا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار إلى قوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر سورة الممتحنة 10 فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي ﷺ إلى المدينة فجاء أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضرب به حتى برد وفر الآخر حتى آتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال النبي ﷺ حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي ﷺ قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير رضي الله عنه فقال يا نبي الله قد وفى بذمتك فلقد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي ﷺ: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل رضي الله عنه فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة قال فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي ﷺ تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل النبي ﷺ إليهم وأنزل الله عزا وجل وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة سورة الفتح 24 حتى بلغ حمية الجاهلية سورة الفتح 26 وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت رواه البخاري عن عبد الله بن محمد المسندي عن عبد الرازق ورواه أحمد عن عبد الرازق وهو أجل قدرا من المسندي شيخ البخاري فما فيه من زيادة هي أثبت مما في البخاري

وفي الصحيحين عن البراء بن عازب قال كتب علي بن أبي طالب الصلح بين النبي ﷺ وبين المشركين يوم الحديبية فكتب هذا ماكاتب عليه محمد رسول الله ﷺ فقالوا لا تكتب رسول الله لو نعلم أنك نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك فقال النبي ﷺ لعلي: امحه فقال ما أنا بالذي أمحوه قال فمحاه النبي ﷺ بيده قال وكان فيما اشترطوا عليه أن يدخلوا فيقيموا بها ثلاثا ولا يدخلوا بسلاح إلا جلبان السلاح قال شعبة قلت لأبي إسحاق وما جلبان السلاح قال القراب وما فيه

وفي الصحيحين عن أبي وائل قال قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال يا أيها الناس اتهموا أنفسكم وفي لفظ اتهموا رأيكم على دينكم لقد كنا مع رسول الله ﷺ يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله ﷺ وبين المشركين وجاء عمر فأتى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل قال: بلى قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال: بلى قال ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بننا وبينهم قال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا قال فانطلق عمر فلم يصبر متغيضا فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر ألسنا على حق وهم على باطل قال بلى قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قال فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم فقال يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا قال فنزل القرآن على رسول الله ﷺ بالفتح فأرسل إلى عمر: فأقرأه إياه فقال يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: نعم.

وفي لفظ مسلم فطابت نفسه ورجع

وفي لفظ لمسلم أيضا أيها الناس اتهموا رأيكم لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته

وفي رواية والله ورسوله أعلم والله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر قط إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه إلا أمركم هذا ما نسد منه خصما إلا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له يعني يوم صفين

وقال ذلك سهل يوم صفين لما خرجت الخوارج على علي حين أمر بمصالحة معاوية وأصحابه

وهذه الأخبار الصحيحة هي باتفاق أهل العلم بالحديث في عمرة الحديبية تبين اختصاص أبي بكر بمنزلة من الله ورسوله لم يشركه فيها أحد من الصحابه لا عمر ولا علي ولا غيرهما وأنه لم يكن فيهم أعظم إيمانا وموافقة وطاعة لله ورسوله منه ولا كان فيهم من يتكلم بالشورى قبله

فإن النبي ﷺ كان يصدر عن رأيه وحده في الأمور العظيمة وإنه كان يبدأ بالكلام بحضرة النبي ﷺ معاونة لرسول الله ﷺ كما كان يفتي بحضرته وهو يقره على ذلك ولم يكن هذا لغيره

فإنه لما جاء النبي ﷺ جاسوسه الخزاعي وأخبره أن قريشا قد جمعوا له الأحابيش وهي الجماعات المستجمعة من قبائل والتحبش التجمع وأنهم مقاتلوه وصادوه عن البيت استشار أصحابه أهل المشورة مطلقا هل يميل إلى ذراري الأحابيش أو ينطلق إلى مكة فلما أشار عليه أبو بكر أن لا يبدأ أحدا بالقتال فإنا لم نخرج إلا للعمرة لا للقتال فإن منعنا أحد من البيت قاتلناه لصده لنا عما قصدنا لا مبتدئين له بقتال قال النبي ﷺ: روحوا إذا ثم إنه لما تكلم عروة بن مسعود الثقفي وهو من سادات ثقيف وحلفاء قريش مع النبي ﷺ كما تقدم وأخذ يقول له عن أصحابه إنهم أشواب أي أخلاط وفي المسند أوباش يفرون عنك ويدعوك قال له الصديق رضي الله عنه امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه فقال له عروة ولما يجاوبه عن هذه الكلمة لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وكان الصديق قد أحسن إليه قبل ذلك فرعى حرمته ولم يجاوبه عن هذه الكلمة

ولهذا قال من قال من العلماء إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة وليس من الفحش المنهى عنه

كما في حديث أبي بن كعب عن النبي ﷺ قال من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضموه هن أبيه ولا تكنوا رواه أحمد فسمع أبي بن كعب رجلا يقول يا فلان فقال اعضض أير أبيك فقيل له في ذلك فقال بهذا أمرنا رسول الله ﷺ

ثم إنه لما صالح النبي ﷺ قريشا كان ظاهر الصلح فيه غضاضة وضيم على المسلمين وفعله النبي ﷺ طاعة لله وثقة بوعده له وأن الله سينصره عليهم واغتاظ من ذلك جمهور الناس وعز عليهم حتى على مثل عمر وعلي وسهل بن حنيف ولهذا كبر عليه علي رضي الله عنه لما مات تبيينا لفضله على غيره يعني سهل بن حنيف فعلي أمره النبي ﷺ أن يمحو اسمه من الكتاب فلم يفعل حتى أخذ النبي ﷺ الكتاب ومحاه بيده

وفي صحيح البخاري أنه قال لعلي: امح رسول الله قال لا والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله ﷺ الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله

وسهل بن حنيف يقول لو استطعت أن أرد أمر رسول الله ﷺ لرددته وعمر يناظر النبي ﷺ ويقول إذا كنا على الحق وعدونا على الباطل وقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار وأنت رسول الله حقا فعلام نعطي الدنية في ديننا ثم إنه عن ذلك وعمل له أعمالا

وأبو بكر أطوعهم لله ورسوله لم يصدر عنه مخالفة في شئ قط بل لما ناظره عمر بعد مناظرته للنبي ﷺ أجابه أبو بكر بمثل ما أجابه النبي ﷺ من غير أن يسمع جواب رسول الله ﷺ

وهذا من أبين الأمور دلالة على موافقته للنبي ﷺ ومناسبته له واختصاصه به قولا وعملا وعلما وحالا إذ كان قوله من جنس قوله وعمله من جنس عمله وفي المواطن التي ظهر فيها تقدمه على غيره في ذلك فأين مقامه من مقام غيره هذا يناظره ليرده عن أمره وهذا يأمره ليمحو اسمه وهذا يقول لو أستطيع أن أرد أمر رسول الله ﷺ لرددته وهو يأمر الناس بالحلق والنحر فيتوقفون

ولا ريب أن الذي حملهم على ذلك حب الله ورسوله وبغض الكفار ومحبتهم أن يظهر الإيمان على الكفر وأن لا يكون قد دخل على أهل الإيمان غضاضة وضيم من أهل الكفر ورأوا أن قتالهم لئلا يضاموا هذا الضيم أحب إليهم من هذه المصالحة التي فيها من الضيم ما فيها

لكن معلوم وجوب تقديم النص على الرأي والشرع على الهوى فالأصل الذي افترق فيه المؤمنون بالرسل والمخالفون لهم تقديم نصوصهم على الآراء وشرعهم على الأهواء وأصل الشر من تقديم الرأي على النص والهوى على الشرع فمن نور الله قلبه فرأى ما في النص والشرع من الصلاح والخير وإلا فعليه الانقياد لنص رسول الله ﷺ وشرعه وليس له معارضته برأيه وهواه

كما قال ﷺ: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري فبين أنه رسول الله يفعل ما أمره به مرسله لا يفعل من تلقاء نفسه وأخبر أنه يطيعه لا يعصيه كما يفعل المتبع لرأيه وهواه وأخبر أنه ناصره فهو على ثقة من نصر الله فلا يضره ما حصل فإن في ضمن ذلك من المصلحة وعلو الدين ماظهر بعد ذلك وكان هذا فتحا مبينا في الحقيقة وإن كان فيه ما لم يعلم حسن ما فيه كثير من الناس بل رأى ذلك ذلا وعجزا وغضاضة وضيما

ولهذا تاب الذين عارضوا ذلك رضي الله عنهم كما في الحديث رجوع عمر وكذلك في الحديث أن سهل بن حنيف اعترف بخطئه حيث قال والله ورسوله أعلم وجعل رأيهم عبرة لمن بعدهم فأمرهم أن يتهموا رأيهم على دينهم فإن الرأي يكون خطأ كما كان رأيهم يو الحديبية خطأ وكذلك علي الذي لم يفعل ما أمره به والذين لم يفعلوا ما أمروا به من الحلق والنحر حتى فعل هو ذلك قد تابوا من ذلك والله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات

والقصة كانت عظيمة بلغت منهم مبلغا عظيما لا تحمله عامة النفوس وإلا فهم خير الخلق وأفضل الناس وأعظمهم علما وإيمانا وهم الذين بايعوا تحت الشجرة وقد رضي الله عنهم وأثنى عليهم وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار

ولاعتبار في الفضائل بكمال النهاية لا بنقص البداية وقد قص الله علينا من توبة أنبيائه وحسن عاقبتهم وما آل إليه أمرهم من علي الدرجات وكرامة الله لهم بعد أن جرت لهم أمور ولا يجوز أن يظن بغضهم لأجلها إذا كان الاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية

وهكذا السابقون الأولون من ظن بغضهم لأجلها إذا كان الاعتبار بكمال النهاية كما ذكر فهو جاهل لكن المطلوب أن الصديق أكمل القوم وأفضلهم وأسبقهم إلى الخيرات وأنه لم يكن فيهم من يساويه

وهذا أمر بين لا يشك فيه إلا من كان جاهلا بحالهم مع الرسول ﷺ أو كان صاحب هوى صده اتباع هواه عن معرفة الحق وإلا فمن كان له علم وعدل لم يكن عنده في ذلك شك كما لم يكن عند أهل العلم والإيمان شك بل كانوا مطبقين على تقديم الصذيق وتفضيله على من سواه كما اتفق على ذلك علماء المسلمين وخيارهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم وهو مذهب مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وداود وأصحابه والثوري وأصحابه والأوزاعي وأصحابه والليث وأصحابه وسائر العلماء الذين لهم في الأمة لسان صدق

ومن ظن أن مخالفة من خالف أمر الرسول يوم الحديبية أو غيره لم تكن من الذنوب التي تجب التوبة منها فهو غالط كما قال من أخذ يعتذر لمن خالف أمره عذرا يقصد به رفع الملام بأنهم إنما تأخروا عن النحر والحلق لأنهم كانوا ينتظرون النسخ ونزول الوحي بخلاف ذلك

وقول من يقول إنما تخلف من تخلف عن طاعته إما تعظيما لمرتبته أن يمحو اسمه أو يقول مراجعة من راجعه في مصالحة المشركين إنما كانت قصدا لظهور أ الإيمان على الكفر ونحو ذلك

فيقال الأمر الجازم من الرسول ﷺ الذي أراد به الإيجاب موجب لطاعته باتفاق أهل الإيمان وإنما نازع في الأمر المطلق بعض الناس لاحتمال أنه ليس بجازم أراد به الإيجاب وأما مع ظهور الجزم والإيجاب فلم يسترب أحد في ذلك

ومعلوم أن أمره بالنحر والحلق كان جازما وكان مقتضاه الفعل على الفور بدليل أنه ردده ثلاثا فلما لم يقم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس وروى أنه غضب وقال: مالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا يتبع

وروي أنه قال ذلك لما أمرهم بالتحلل في حجة الوداع

ومعلوم أن الأمر بالتحلل بهذه العمرة التي أحصروا فيها كان أوكد من الأمر بالتحلل في حج الوداع

وأيضا فإنه كان متحاجا إلى محو اسمه من الكتاب ليتم الصلح ولهذا محاه بيده والأمر بذلك كان جازما والمخالف لأمره إن كان متأولا فهو ظان أن هذا لا يجب لما فيه من قلة احترام الرسول ﷺ أو لما فيه من انتظار العمرة وعدم إتمام ذلك الصلح فحسب المتأول أن يكون مجتهدا مخطئا فإنه مع جزم النبي ﷺ وتشكيه ممن لم يمتثل أمره وقوله

مالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر ولا أتبع لا يمكن تسويغ المخالفة لكن هذا مما تابوا منه كما تابوا من غيره

فليس لأحد أن يثبت عصمة من ليس بمعصوم فيقدح بذلك في أمر المعصوم ﷺ كما فعل ذلك في توبة من تاب وحصل له بالذنب نوع من العقاب فأخذ ينفى على الفعل ما يوجب الملام والله قد لامه لوم المذنبين فيزيد تعظيم البشر فيقدح في رب العالمين

ومن علم أن الاعتبار بكمال النهاية وأن التوبة تنقل العبد إلى مرتبة أكمل مما كان عليه علم أن ما فعله الله بعباده المؤمنين كان من أعظم نعمه الله عليهم

وأيضا ففي المواضع التي لا يكون مع النبي ﷺ من أكابر الصحابة إلا واحد كان يكون هو ذلك الواحد مثل سفره في الهجرة ومقامه يوم بدر في العريش لم يكن معه فيه إلا أبو بكر ومثل خروجه إلى قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام كان يكون معه من أكابر الصحابة أبو بكر

وهذا الاختصاص في الصحبة لم يكن لغيره باتفاق أهل المعرفة بأحوال النبي ﷺ وأما من كان جاهلا أحوال النبي ﷺ أو كذابا فذلك يخاطب خطاب مثله

فقوله تعالى في القرآن إذ يقول لصاحبه لا تحزن سورة التوبة 40 لا يختص بمصاحبته في الغار بل هو صاحبه المطلق الذي كمل في الصحبة كمالا لم يشركه فيه غيره فصار مختصا بالأكملية من الصحبة

كما في الحديث رواه البخاري عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال: أيها الناس اعرفوا لأبي بكر حقه فإنه لم يسؤني قط أيها الناس إني راض عن عمر وعثمان وعلي وفلان وفلان

فقد تبين أن النبي ﷺ خصه دون غيره مع أنه قد جعل غيره من أصحابه أيضا لكن خصه بكمال الصحبة

ولهذا قال من قال من العلماء إن فضائل الصديق خصائص لم يشركه فيها غيره

ومن أراد أن يعرف فضائلهم ومنازلهم عند النبي ﷺ فليتدبر الأحاديث الصحيحة التى صححها أهل العلم بالحديث الذين كملت خبرتهم بحال النبي ﷺ ومحبتهم له وصدقهم في التبليغ عنه وصار هواهم تبعا لما جاء به فليس لهم غرض إلا معرفة ما قاله وتمييزه عما يخلط بذلك من كذب الكاذبين وغلط الغالطين

كأصحاب الصحيح مثل البخاري ومسلم والإسماعيلي والبرقاني وأبي نعيم والدارقطني ومثل صحيح ابن خزيمة وابن منده وأبي حاتم البستي والحاكم

وما صححه أئمة أهل الحديث الذين هم أجل من هؤلاء أو مثلهم من المتقدمين والمتأخرين مثل مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك وأحمد وابن معين وابن المديني وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وخلائق لا يحصى عددهم إلا الله تعالى

فإذا تدبر العاقل الأحاديث الصحيحة الثابتة عند هؤلاء وأمثالهم عرف الصدق من الكذب فإن هؤلاء من أكمل الناس معرفة بذلك وأشدهم رغبة في التمييز بين الصدق والكذب وأعظمهم ذبا عن رسول الله ﷺ فهم المهاجرون إلى سنته وحديثه والأنصار له في الدين يقصدون ضبط ما قاله وتبليغه للناس وينفون عنه ما كذبه الكذابون وغلط فيه الغالطون ومن شركهم في علمهم علم ما قالوه وعلم بعض قدرهم وإلا فليسلم القوس إلى باريها كما يسلم إلى الأطباء طبهم وإلى النحاة نحوهم وإلى الفقهاء فقههم وإلى أهل الحساب حسابهم مع أن جميع هؤلاء قد يتفقون على خطأ في صناعتهم إلا الفقهاء فيما يفتون به من الشرع وأهل الحديث فيما يفتون به من النقل فلا يجوز أن يتفقوا على التصديق بكذب ولا على التكذيب بصدق بل إجماعهم معصوم في التصديق والتكذيب بأخبار النبي ﷺ كما أن إجماع الفقهاء معصوم في الإخبار عن الفعل بدخوله في أمره أو نهيه أو تحليله أو تحريمه

ومن تأمل هذا وجد فضائل الصديق التي في الصحاح كثيرة وهي خصائص مثل حديث المخالة وحديث إن الله معنا وحديث إنه أحب الرجال إلى النبي ﷺ وحديث الإتيان إليه بعده وحديث كتابة العهد إليه بعده وحديث تخصيصه بالتصديق ابتداء والصحبة وتركه له وهو قوله

فهل أنتم تاركولي صاحبي وحديث دفعه عنه عقبة بن أبي معيط لما وضع الرداء في عنقه حتى خلصه أبو بكر وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وحديث استخلافه في الصلاة وفي الحج وصبره وثباته بعد موت النبي ﷺ وانقياد الأمة له وحديث الخصال التي اجتمعت فيه في يوم وما اجتمعت في رجل إلا وجبت له الجنة وأمثال ذلك

ثم له مناقب يشركه فيها عمر كشهادته بالإيمان له ولعمر وحديث علي حيث يقول كثيرا ما كنت أسمع النبي ﷺ يقول خرجت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وحديث استقائه من القليب وحديث البقرة التي يقول فيها النبي ﷺ: أومن بها أنا وأبو بكر وعمر وأمثال ذلك

وأما مناقب علي التي في الصحاح فأصحها قوله يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وقوله في غزوة تبوك: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ومنها دخوله في المباهلة وفي الكساء ومنها قوله: أنت مني وأنا منك وليس في شيء من ذلك خصائص وحديث: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ومنها ما تقدم من حديث الشورى وإخبار عمر أن النبي ﷺ توفي وهو راض عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن

فمجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث ليس فيها ما يختص به ولأبي بكر في الصحاح نحو عشرين حديثا أكثرها خصائص

وقول من قال صح لعلي من الفضائل مالم يصح لغيره كذب لا يقول أحمد ولا غيره من أئمة الحديث لكن قد يقال روي له ما لم يرو لغيره لكن أكثر ذلك من نقل من علم كذبه أو خطؤه ودليل واحد صحيح المقدمات سليم عن المعارضة خير من عشرين دليلا مقدماتها ضعيفة بل باطلة وهي معارضة بأصح منها يدل على نقيضها

والمقصود هنا بيان اختصاصه في الصحبة الإيمانية بما لم يشركه مخلوق لا في قدرها ولا في صفتها ولا في نفعها فإنه لو أحصى الزمان الذي كان يجتمع فيه أبو بكر بالنبي ﷺ والزمان الذي كان يجتمع فيه عثمان أو علي أو غيرهما من الصحابة لوجد ما يختص به أبو بكر أضعاف ما اختص به واحد منهم لا أقول ضعفه

وأما المشترك بينهم فلا يختص به واحد

وأما كمال معرفته ومحبته للنبي ﷺ وتصديقه له فهو مبرز في ذلك على سائرهم تبريزا باينهم فيه مباينه لا تخفى على من كان له معرفة بأحوال القوم ومن لا معرفة له بذلك لم تقبل شهادته

وأما نفعه للنبي ﷺ ومعاونته له على الدين فكذلك

فهذه الأمور التي هي مقاصد الصحبة ومحامدها التي بها يستحق الصحابة أن يفضلوا بها على غيرهم لأبي بكر فيها من الاختصاص بقدرها ونوعها وصفتها وفائدتها ما لا يشركه فيه أحد

ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي الدرداء قال كنت جالسا عند النبي ﷺ إذا أقبل أبو بكر آخذا بطرق ثوبه حتى أبدي عن ركبتيه فقال النبي ﷺ: أما صاحبكم فقد غامر فسلم وقال إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته ان يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر قالوا لا فأتى النبي ﷺ فجعل وجه النبي ﷺ يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه وقال يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين فقال رسول الله ﷺ: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها

وفي رواية كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه مغضبا فأتبعه أبو بكر يسأله أن يغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى النبي ﷺ الحديث قال وغضب النبي ﷺ وفيه: إني قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت

فهذا الحديث الصحيح فيه تخصيصه بالصحبة في قوله: فهل أنتم تاركو لي صاحبي وبين فيه من أسباب ذلك أن الله لما بعثه إلى الناس قال: إني رسول الله إليكم جميعا قالوا كذبت وقال أبو بكر صدقت فهذا يبين فيه أنه لم يكذبه قط وأنه صدقه حين كذبه الناس طرا

وهذا ظاهر في أنه صدقه قبل أن يصدقه أحد من الناس الذين بلغهم الرسالة وهذا حق فإنه أول ما بلغ الرسالة فآمن

وهذا موافق لما رواه مسلم عن عمرو بن عبسة قلت يا رسول الله من معك على هذا الأمر قال: حر وعبد ومعه يومئذ أبو بكر وبلال وأما خديجة وعلي وزيد فهؤلاء كانوا من عيال النبي ﷺ وفي بيته وخديجة عرض عليها أمره لما فجأه الوحي وصدقته ابتداء قبل أن يؤمر بالتبليغ وذلك قبل أن يجب الإيمان به فإنه إنما يجب إذا بلغ الرسالة فأول من صدق به بعد وجوب الإيمان به أبو بكر من الرجال فإنه لم يجب عليه أن يدعو عليا إلى الإيمان لأن عليا كان صبيا والقلم عنه مرفوع

ولم ينقل أن النبي ﷺ أمره بالإيمان وبلغه الرسالة قبل يأمر أبا بكر ويبلغه ولكنه كان في بيت النبي ﷺ فيمكن أنه آمن به لما سمعه يخبر خديجة وإن كان لم يبلغه فإن ظاهر قوله: يا أيها الناس إني أتيت اليكم فقلت إني رسول الله إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت كما في الصحيحين يدل على أن كل من بلغه الرسالة كذبه أولا إلا أبا بكر

ومعلوم أن خديجة وعليا وزيدا كانوا في داره وخديجة لم تكذبه فلم تكن داخله فيمن بلغ

وقوله في حديث عمرو بن عبسة قلت يا رسول الله من معك على هذا الأمر قال: حر وعبد

والذي في صحيح مسلم موافق لهذا أي اتبعه من المبلغين المدعوين ثم ذكر قوله: وواساني بنفسه وماله وهذه خاصة لم يشركه فيها أحد

وقد ذكر هذا النبي ﷺ في أحاديث المخالة التي هي متواترة عنه كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ جلس على المنبر فقال: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الحياة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال فكان رسول الله ﷺ هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله ﷺ: إن من آمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أنا بكر خليلا ولكن غخوة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر وفي رواية للبخاري لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته وفي رواية إلا خلة الاسلام وفيه قد فعجبنا له وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه الله من زهرة الحياة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا وفي رواية: وبين ما عنده فاختار ما عنده وفيه فقال: لا تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر

وروى البخارى من حديث ابن عباس قال خرج النبي ﷺ في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنه ليس أحد من الناس أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا من الناس خليلالاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر

وفي رواية: لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته ولكن أخوة الإسلام أفضل

وفي رواية: ولكن أخي وصاحبي

ورواه البخاري عن ابن الزبير قال قال رسول الله ﷺ: لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته يعني أبا بكر

ورواه مسلم عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا

وفي رواية لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لأتخذت ابن أبي قحافة ولكن صاحبكم خليل الله

وفي أخرى: ألا إني إبرأ كل خل من خله ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا إن صاحبكم خليل الله

فهذه النصوص كلها مما تبين اختصاص أبي بكر من فضائل الصحبة ومناقبها والقيام بها وبحقوقها بما لم يشركه فيه أحد حتى استوجب أن يكون خليله دون الخلق لو كانت المخالة ممكنة

وهذه النصوص صريحة بأنه أحب الخلق إليه وأفضلهم عنده كما صرح بذلك في حديث عمرو بن العاص أن النبي ﷺ بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال: عائشة قلت فمن الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر وعد رجالا وفي رواية للبخاري

قال فسكت مخافة أن يجعلني آخرهم
فصل

ومما يبين من القرآن فضيلة أبو بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال التي يخذل فيها عامة الخلق إلا من نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار سورة التوبة 40 أي أخرجوه في هذه القلة من العدد لم يصحبه إلا الواحد فإن الواحد أقل ما يوجد فإذا لم يصحبه إلا واحد دل على أنه في غاية القلة

ثم قال إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا سورة التوبة 40 وهذا يدل على أن صاحبه كان مشفقا عليه محبا له ناصرا له حيث حزن وإنما يحزن الإنسان حال الخوف على من يحبه وأما عدوه فلا يحزن إذا انعقد سبب هلاكه

فلو كان أبو بكر مبغضا كما يقول المفترون لم يحزن ولم ينه عن الحزن بل كان يضمر الفرح والسرور ولا كان الرسول يقول له لا تحزن إن الله معنا

فإن قال المفتري إنه خفي على الرسول حاله لما أظهر له الحزن وكان في الباطن مبغضا

قيل له فقد قال: إن الله معنا فهذا إخبار بأن الله معهما جميعا بنصره ولا يجوز للرسول أن يخبر بنصر الله لرسوله وللمؤمنين وأن الله معهم ويجعل ذلك في الباطن منافقا فإنه معصوم في خبره عن الله لا يقول عليه إلا الحق وإن جاز أن يخفى عليه حال بعض الناس فلا يعلم أنه منافق كما قال وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سورة التوبة 101 فلا يجوز أن يخبر عنهم بما يدل على إيمانهم

ولهذا لما جاءه المخلفون عام تبوك فجعلوا يحلفون ويعتذرون وكان يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لا يصدق أحدا منهم فلما جاء كعب وأخبره بحقيقة أمره قال: أما هذا فقد صدق أو قال صدقكم

وأيضا فإن سعد بن أبي وقاص لما قال للنبي ﷺ أعطيت فلانا وفلانا وتركت فلانا وهو مؤمن قال أو مسلم مرتين أو ثلاثا فأنكر عليه إخباره بالإيمان ولم يعلم منه إلا ظاهر الإسلام، فكيف يشهد لأبي بكر بأن الله معهما وهو لا يعلم ذلك والكلام بلا علم لا يجوز

وأيضا فإن الله أخبر بهذا عن الرسول إخبار مقرر له لا إخبار منكر له فعلم أن قوله إن الله معنا من الخبر الصدق الذي أمر الله به ورضيه لا مما أنكره وعابه

وأيضا فمعلوم أن أضعف الناس عقلا لا يخفى عليه حال من يصحبه في مثل هذا السفر الذي يعاديه فيه الملأ الذين هم بين أظهرهم ويطلبون قتله وأولياؤه هناك لا يستطيعون نصره فكيف يصحب واحدا ممن يظهر له موالاته دون غيره وقد أظهر له هذا حزنه وهو مع ذلك عدو له في الباطن والمصحوب يعتقد أنه وليه وهذا لا يفعله إلا أحمق الناس وأجهلهم

فقبح الله من نسب رسوله الذي هو أكمل الخلق عقلا وعلما وخبرة إلى مثل هذه الجهالة والغباوة

ولقد بلغني عن ملك المغول خدابنده الذي صنف له هذا الرافضي كتابه هذا في الإمامة أن الرافضة لما صارت تقول له مثل هذا الكلام إن أبا بكر كان يبغض النبي ﷺ وكان عدوه ويقولون مع هذا إنه صحبه في سفر الهجرة الذي هو أعظم الأسفار خوفا قال كلمة تلزم عن قولهم الخبيث وقد برأ الله رسوله منها لكن ذكرها على من افترى الكذب الذي أوجب أن يقال في الرسول مثلها حيث قال كان قليل العقل

ولا ريب أن فعل ما قالته الرافضة فهو قليل العقل وقد برأ الله رسوله وصديقه من كذبهم وتبين أن قولهم يستلزم القدح في الرسول
فصل

ومما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة والإيمان وغير ذلك من الصفات التي يتفاضل فيها الناس في قدرها ونوعها وصفتها ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله ﷺ: لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه انفرد مسلم بذكر خالد وعبد الرحمن دون البخاري فالنبي ﷺ يقول لخالد ونحوه لا تسبوا اصحابي يعني عبد الرحمن بن عوف وأمثاله لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون وهم الذين أسلموا قبل الفتح وقاتلوا وهم أهل بيعة الرضوان فهؤلاء أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان وهم الذين أسلموا بعد الحديبية وبعد مصالحة النبي ﷺ أهل مكة ومنهم خالد وعمرو بن العاص وعثمان بن أبي طلحة وأمثالهم

وهؤلاء أسبق من الذين تأخر إسلامهم إلى أن فتحت مكة وسموا الطلقاء مثل سهيل بن عمرو والحارث بن هشام وأبي سفيان بن حرب وابنيه يزيد ومعاوية وأبي سفيان بن الحارث وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وغيرهم مع أنه قد يكون في هؤلاء من برز بعلمه على بعض من تقدمه كثيرا كالحارث بن هشام وأبي سفيان بن الحارث وسهيل بن عمرو وعلى بعض من أسلم قبلهم ممن أسلم قبل الفتح وقاتل وكما برز عمر بن الخطاب على أكثر الذين أسلموا قبله

والمقصود هنا أنه نهى لمن صحبه آخرا يسب من صحبه أولا لامتيازهم عنهم في الصحبة بما لا يمكن أن يشركهم فيه حتى قال: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه

فإذا كان هذا حال الذين أسلموا من بعد الفتح وقاتلوا وهم من أصحابه التابعين للسابقين مع من أسلم من قبل الفتح وقاتل وهم أصحابه السابقون فكيف يكون حال من ليس من أصحابه بحال مع أصحابه

وقوله لا تسبوا أصحابي قد ثبت في الصحيحين من غير وجه منها ما تقدم ومنها ما أخرجوه في الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه
فصل

وأما قول الرافضي يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه

والجواب أن هذا باطل من وجوه كثيرة لا يمكن استقصاؤها

أحدها أنه قد علم بدلالة القرآن موالاته له ومحبته لا عداوته فبطل هذا

الثاني أنه قد علم بالتواتر أن أبا بكر كان محبا للنبي ﷺ مؤمنا به من أعظم الخلق اختصاصا به أعظم مما تواتر من شجاعة عنترة ومن سخاء حاتم ومن موالاة علي ومحبته له ونحو ذلك من التواترات المعنوية فيها الأخبار الكثيرة على مقصود واحد

والشك في محبة أبي بكر كالشك في غير وأشد ومن الرافضة من ينكر كون أبي عمر مدفونين في الحجرة النبوية وبعض غلاتهم ينكر أن يكون هو صاحبه الذي كان معه في الغار وليس هذا من بهتانهم ببعيد فإن القوم قوم بهت يجحدون المعلوم ثبوته بالاضطرار ويدعون ثبوت ما يعلم انتفاؤه بالاضطرار في العقليات والنقليات

ولهذا قال من قال لو قيل من أجهل الناس لقيل الرافضة حتى فرضها بعض الفقهاء مسألة فقهية فيما إذا أوصى لأجهل الناس قال هم الرافضة لكن هذه الوصية باطلة فإن الوصية باطلة فإن الوصية والوقف لا يكونان معصية بل على جهة لا تكون مذمومة في الشرع والوقف والوصية لأجهل الناس فيه جعل الأجهلية والبدعية موجبة للاستحقاق فهو كما لو أوصى لأكفر الناس أو للكفار دون المسلمين بحيث يجعل الكفر شرطا في الاستحقاق فإن هذا لا يصح

وكون أبي بكر كان مواليا للنبي ﷺ أعظم من غيره أمر علمه المسلمون والكفار والأبرار والفجار حتى أني أعرف طائفة من الزنادقة كانوا يقولون إن دين الإسلام اتفق عليه في الباطن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وثالثهما عمر لكن لم يكن عمر مطلعا على سرهما كله كما وقعت دعوة الإسماعيلية الباطنية والقرامطة فكان كل من كان أقرب إلى إمامهم كان أعلم بباطن الدعوة وأكتم لباطنها من غيره

ولهذا جعلوهم مراتب فالزنادقة المنافقون لعلمهم بأن أبا بكر أعظم موالاة واختصاصا بالنبي ﷺ من غيره جعلوه ممن يطلع على باطن أمره ويكتمه عن غيره ويعاونه على مقصوده بخلاف غيره

فمن قال إنه كان في الباطن عدوه كان من أعظم أهل الأرض فرية ثم إن قاتل هذا إذا قيل له مثل هذا في علي وقيل له إنه كان في الباطن معاديا للنبي ﷺ وإنه كان عاجزا في ولاية الخلفاء الثلاثة عن إفساد ملته فلما ذهب أكابر الصحابة وبقي هو طلب حينئذ إفساد ملته وإهلاك أمته ولهذا قتل من المسلمين خلقا كثيرا وكان مراده إهلاك الباقين لكن عجز وإنه بسبب ذلك انتسب إليه الزنادقة المنافقون المبغضون للرسول كالقرامطة والإسماعيلية والنصيرية فلا تجد عدوا للإسلام إلا وهو يستعين على ذلك بإظهار موالاة على استعانة لا تمكنه بإظهار موالاة أبي بكر وعمر

فالشبهة في دعوى موالاة علي للرسول أعظم من الشبهة في دعوى معاداة أبي بكر وكلاهما باطل معلوم الفساد بالاضطرار لكن الحجج الدالة على بطلان هذه الدعوى في أبي بكر أعظم من الحجج الدالة على بطلانها في حق علي فإذا كانت الحجة على موالاة علي صحيحة والحجة على معاداته باطلة فالحجة على موالاة أبي بكر أولى بالصحة والحجة على معاداته أولى بالبطلان

الوجه الثالث أن قوله استصحبه حذرا من أن يظهر أمره، كلام من هو من أجهل الناس بما وقع فأن أمر النبي ﷺ في خروجه من مكة ظاهر عرفه أهل مكة وأرسلوا الطلب فإنه في الليلة التي خرج فيها عرفوا في صبيحتها أنه خرج وانتشر ذلك وأرسلوا إلى أهل الطرق يبذلون الدية فيه وفي أبي بكر بذلوا الدية لمن يأتى بأبي بكر فأي شيء كان يخاف وكون المشركين بذلوا الدية لمن يأتى بأبي بكر دليل على أنهم كانوا يعلمون موالاته لرسول الله ﷺ وأنه كان عدوهم في الباطن ولو كان معهم في الباطن لم يفعلوا ذلك

الرابع أنه إذا كان خرج ليلا كان وقت الخروج لم يعلم به أحد فما يصنع بأبي بكر واستصحابه معه

فإن قيل فلعله علم خروجه دون غيره

قيل أولا قد كان يمكنه أن يخرج في وقت لا يشعر به كما خرج في وقت لم يشعر به المشركون وكان يمكنه أن لا يعينه

فكيف وقد ثبت في الصحيحين أن أبا بكر استأذنه في الهجرة فلم يأذن له حتى هاجر معه والنبي ﷺ أعلمه بالهجرة في خلوة

ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال جاء أبو بكر إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا فقال لعازب أبعث ابنك معي يحمله إلى منزلي فحملته وخرج أبي معه ينتقد ثمنه فقال أبي يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما ليلة سريت مع النبي ﷺ قال نعم سرينا ليلتنا كلها ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق فلا يمر بنا فيه أحد حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس بعد فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ينام فيه النبي ﷺ في ظلها ثم بسطت عليه فروة ثم قلت نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك فنام رسول الله ﷺ في ظلها وخرجت أنفض ما حوله فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا فلقيته فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من أهل المدينة يريد مكة لرجل من قريش سماه فعرفته فقلت له أفي غنمك لبن فقال نعم قلت أفتحلب لي قال نعم فأخذ شاة فقلت له انفض الضرع من الشعر والتراب والقذى فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن قال ومعي إداوة أرتوى فيها لرسول الله ﷺ ليشرب منها ويتوضأ قال فأتيت النبي ﷺ وكرهت أن أوقظه من نومه فوافيته قد استيقظ فصببت على اللبن الماء حتى برد أسفله فقلت يا رسول الله اشرب من هذا اللبن فشرب حتى رضيت ثم قال: ألم يأن للرحيل قلت بلى فارتحلنا بعد ما زالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك قال ونحن في جلد من الأرض فقلت: يا رسول الله أتينا فقال لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه رسول الله ﷺ فارتطمت فرسه إلى بطنها فقال إني قد علمت أنكما دعوتما علي فادعوا لله لي فالله لكما أن أرد عنكما اطلب فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا إلا قال قد كفيتم ماهنا ولا يلقى أحدا إلا رده وقال خذ سهما من كنانتي فإنك قمر بإبلي وغلماني فخذ منها حاجتك فقال: لا حاجة لي في أبلك قال فقدمنا المدينة فتنازعوا أيهم ينزل عليه فقال رسول الله ﷺ: أنزل على بني النجار أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك فصعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون يا محمد يا رسول الله يا محمد يا رسول الله

وروى البخاري عن عائشة قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله ﷺ طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا إلى الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر قال أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي قال ابن الدغنة إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجل يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره ثم بدا لأبي بكر فأبتني بفناء داره مسجدا وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فتنقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا كنا قد أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن بالصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإلا فإن أبي إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك جوارك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسول الله يومئذ بمكة فقال رسول الله ﷺ: قد أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر إلى المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال النبي ﷺ: على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ﷺ ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو لخبط أربعة أشهر قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله ﷺ متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداه أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت فجاء رسول الله ﷺ فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي ﷺ لأبي بكر: أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال: فإني قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر الصحابة يا رسول الله قال نعم قال أبو بكر فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله ﷺ بالثمن قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله ﷺ وأبو بكر بغار في جبل ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر هو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت ولا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من الليل فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله ﷺ وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث فانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل وأخذ بهما طريق الساحل قال ابن شهاب فأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة ابن مالك بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله ﷺ وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت له إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي ثم خرجت به من ظهر البيت فحططت بزحة الأرض وخفضت عالية حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أرده فآخذ المائة ناقة أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله ﷺ وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله ﷺ

الوجه الخامس أنه لما كان في الغار كان يأتيه بالأخبار عبد الله بن أبي بكر وكان معهما عامر بن فهيرة كما تقدم ذلك فكان يمكنه أن يعلمهم بخبره

السادس أنه إذا كان كذلك والعدو قد جاء إلى الغار ومشوا فوقه كان يمكنه حينئذ أن يخرج من الغار وينذر العدو به وهو وحده ليس معه أحد يحميه منه ومن العدو فمن يكون مبغضا لشخص طالبا لإهلاكه ينتهز الفرصة في مثل هذه الحال التي لا يظفر فيها عدو بعدوه إلا أخذه فإنه وحده في الغار والعدو قد صاروا عند الغار وليس لمن في الغار هناك من يدفع عنه وأولئك هم العدو الظاهرون الغالبون المتسلطون بمكة ليس بمكة من يخافونه إذا أخذوه فإن كان أبو بكر معهم مباطنا لهم كان الداعي إلى أخذه تاما والقدرة تامة وإذا اجتمع القدرة التامة والداعي التام وجب وجود الفعل فحيث لم يوجد دل على انتفاء الداعي أو انتفاء القدرة والقدرة موجودة فعلم انتفاء الداعي وأن أبا بكر لم يكن له غرض في أذاه كما يعلم ذلك جميع الناس إلا من أعمى الله قلبه

ومن هؤلاء المفترين من يقول إن أبا بكر كان يشير بإصبعه إلى العدو يدلهم على النبي ﷺ فلدغته حيه فردها حتى كفت عنه الألم وأن النبي ﷺ قال له إن نكثت نكث يدك وإنه نكث بعد ذلك فمات منها وهذا يظهر كذبه من وجوده نبهنا على بعضها ومنهم من قال أظهر كعبه ليشعروا به فلدغته الحية وهذا من نمط الذي قبله
========

56



فصل

وأما قول الرافضي الآية تدل على نقصه لقوله تعالى لا تحزن إن الله معنا سورة التوبة 40 فإنه يدل على خوره وقله صبره وعدم يقينه وعدم رضاه بمساواته للنبي ﷺ وبقضاء الله وقدره

فالجواب أولا أن هذا يناقض قولكم إنه استصحبه حذرا منه لئلا يظهر أمره فإنه إذا كان عدوه وكان مباطنا لعداه الذين يطلبونه كان ينبغي أن يفرح ويسر ويطمئن إذا جاء العدو وأيضا فالعدو قد جاءوا ومشوا فوق الغار فكان ينبغي أن ينذرهم به

وأيضا فكان الذي يأتيه بأخبار قريش ابنه عبد الله فكان يمكنه أن يأمر ابنه أن يخبر بهم قريشا

وأيضا فغلامه عامر بن فهيرة هو الذي كان معه رواحلهما فكان يمكنه أن يقول لغلامه أخبرهم به

فكلامهم في هذا يبطل قولهم إنه كان منافقا ويثبت أنه كان مؤمنا به

واعلم أنه ليس في المهاجرين منافق وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار لأن أحدا لم يهاجر إلا باختياره والكافر بمكة لم يكن يختار الهجرة ومفارقة وطنه وأهله لنصر عدوه وإنما يختارها الذين وصفهم الله تعالى للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون سورة الحشر وقوله أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله سورة الحج 39 4

وأبو بكر أفضل هؤلاء كلهم

وإذا كان هذا الكلام يستلزم إيمانه فمعلوم أن الرسول لا يختار لمصاحبته في سفر هجرته الذي هو أعظم الأسفار خوفا وهو السفر الذي جعل مبدأ التاريخ لجلالة قدره في النفوس ولظهور أمره فإن التاريخ لا يكون إلا بأمر ظاهر معلوم لعامة الناس لا يستصحب الرسول فيه من يختص بصحبته إلا وهو من أعظم الناس طمأنينة إليه ووثوقا به

ويكفي هذا في فضائل الصديق وتمييزه على غيره وهذا من فضائل الصديق التي لم يشركه فيها غيره ومما يدل على أنه أفضل أصحاب رسول الله ﷺ عنده
فصل

وأما قوله إنه يدل على نقصه

فنقول أولا النقص نوعان نقص ينافي إيمانه ونقص عمن هو أكمل منه

فإن أراد الأول فهو باطل فإن الله تعالى قال لنبيه ﷺ ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون سورة النحل 12وقال للمؤمنين عامة ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون سورة آل عمران 13وقال ولقد أتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لاتمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم سورة الحجر 87 88 فقد نهى نبيه عن الحزن في غير موضع ونهى المؤمنين جملة فعلم أن ذلك لا ينافي الإيمان

وإن أراد بذلك أنه ناقص عمن هو أكمل منه فلا ريب أن حال النبي ﷺ أكمل من حال أبي بكر وهذا لا ينازع فيه أحد من أهل السنة ولكن ليس في هذا ما يدل على أن عليا أو عثمان أو عمر أو غيرهم أفضل منه لأنهم لم يكونوا مع النبي ﷺ في هذه الحال ولو كانوا معه لم يعلم أن حالهم يكون أكمل من حال الصديق بل المعروف من حالهم دائما وحاله أنهم وقت المخاوف يكون الصديق أكمل منهم كلهم يقينا وصبرا وعند وجود أسباب الريب يكون الصديق أعظم يقينا وطمأنينة وعند ما يتأذى منه النبي ﷺ يكون الصديق أتبعهم لمرضاته وأبعدهم عما يؤذيه

هذا هو المعلوم لكل من استقرأ أحوالهم في محيا رسول الله ﷺ وبعد وفاته حتى أنه لما مات وموته كان أعظم المصائب التي تزلزل بها الإيمان حتى ارتد أكثر الأعراب واضطرب لها عمر الذي كان أقواهم إيمانا وأعظمهم يقينا كان مع هذا تثبيت الله تعالى للصديق بالقول الثابت أكمل وأتم من غيره وكان في يقينه وطمأنينته وعلمه وغير ذلك أكمل من عمر وغيره فقال الصديق رضي الله عنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ثم قرأ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا الآية سورة آل عمران 144وفي البخاري عن عائشة أن النبي ﷺ مات وأبو بكر بالسنح فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله قالت وقال عمر والله ما كان يقع في نفسي إلا ذلك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله ﷺ فقبله وقال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا

ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال إنك ميت وإنهم ميتون سورة الزمر 30 وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين سورة آل عمران 144 قال فنشج الناس يبكون

وفي صحيح البخاري عن أنس أنه سمع خطبة عمر الأخيرة حين جلس على المنبر وذلك وذلك الغد من يوم توفى رسول الله عليه وسلم فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال كنت أرجو أن يعيش رسول الله ﷺ حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فإن بك محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به وبه هدى الله محمدا وإن أبا بكر صاحب رسول الله ﷺ الله عليه وسلم ثاني اثنين وإنه أولى المسلمين بأمورهم فقوموا فبايعوه وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر

وفي طريق آخر في البخاري أما بعد فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم وهذا الذي هدى به رسوله فخذوا به تهتدوا وإنما هدى الله به رسوله ﷺ ذكره البخاري في كتاب الاعتصام بالسنة

وروى البخاري أيضا عن عائشة في هذه القصة قالت ما كان من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم

وأيضا فقصة يوم بدر في العريش ويوم الحديبية في طمأنينته وسكينته معروفة برز بذلك على سائر الصحابة فكيف ينسب إلى الجزع

وأيضا فقيامه بقتال المرتدين ومانعي الزكاة وتثبيت المؤمنين مع تجهيز أسامة مما يبين أنه أعظم الناس طمأنينة ويقينا وقد روى أنه قيل له قد نزل بك ما لو نزل بالجبال لهاضها وبالبحار لغاضها وما نراك ضعفت فقال ما دخل قلبي رعب بعد ليلة الغار فإن النبي ﷺ لما رأى حزني أو كما قال لا عليك يا أبا بكر فإن الله قد تكفل لهذا الأمر بالتمام

ثم يقال من شبه يقين أبي بكر وصبره بغيره من الصحابة عمر أو عثمان أو علي فإنه يدل على جهله والسنى لا ينازع في فضله على عمر وعثمان ولكن الرافضي الذي أدعى أن عليا كان أكمل من الثلاثة في هذه الصفات دعواه بهت وكذب وفرية فإن من تدبر سيرة عمر وعثمان علم أنهما كانا في الصبر والثبات وقلة الجزع في المصائب أكمل من علي فعثمان حاصروه وطلبوا خلعه من الخلافة أو قتله ولم يزالوا به حتى قتلوه وهو يمنع الناس من مقاتلتهم إلى أن قتل شهيدا وما دافع عن نفسه فهل هذا إلا من أعظم الصبر على المصائب

ومعلوم أن عليا لم يكن صبره كصبر عثمان بل كان يحصل له من إظهار التأذي من عسكره الذين يقاتلون معه ومن العسكر الذين يقاتلهم ما لم يكن يظهر مثله لا من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان مع كون الذين يقاتلونهم كانوا كفارا وكان الذين معهم بالنسبة إلى عدوهم أقل من الذين مع علي بالنسبة إلى من يقاتله فإن الكفار الذين قاتلهم أبو بكر وعمر وعثمان كانوا أضعاف المسلمين ولم يكن جيش معاوية أكثر من جيش علي بل كانوا أقل منه

ومعلوم أن خوف الإمام من استيلاء الكفار على المسلمين أعظم من خوفه من استيلاء بعض المسلمين على بعض فكان ما يخافه الأئمة الثلاثة أعظم مما يخافه علي والمقتضي للخوف منهم أعظم ومع هذا فكانوا أكمل يقينا وصبرا مع أعدائهم ومحاربيهم من علي مع أعدائه ومحاربيه فكيف يقال إن يقين علي وصبره كان أعظم من يقين أبي بكر وصبره وهل هذا إلا من نوع السفسطة والمكابرة لما علم بالتواتر خلافة
فصل

قول الرافضي إن الآية تدل على خوره وقلة صبره وعدم يقينه بالله وعدم رضاه بمساواته للنبي ﷺ وبقضاء الله وقدره فهذا كله كذب منه ظاهر ليس في الأية ما يدل على هذا وذلك من وجهين

أحدهما أن النهي عن الشيء لا يدل على وقوعه بل يدل على أنه ممنوع منه لئلا يقع فيما بعد كقوله تعالى يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين سورة الاحزاب 1 فهذا لا يدل على أنه كان يطيعهم

وكذلك قوله ولا تدع مع الله إلها آخر سورة القصص 88 أو لا تجعل مع الله إلها آخر سورة الإسراء 22 فإنه ﷺ لم يكن مشركا قط لا سيما بعد النبوة فالأمة متفقة على أنه معصوم من الشرك بعد النبوة وقد نهى عن ذلك بعد النبوة ونظائره كثيرة فقوله لا تحزن لا يدل على أن الصديق كان قد حزن لكن من الممكن في العقل أنه يحزن فقد ينهى عن ذلك لئلا يفعله

الثاني أنه بتقدير أن يكون حزن على النبي ﷺ لئلا يقتل فيذهب الإسلام وكان يود أن يفدي النبي ﷺ ولهذا لما كان معه في سفر الهجرة كان يمشي أمامه تارة ووراءه تارة فسأله النبي ﷺ عن ذلك فقال أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون وراءك رواه أحمد في كتاب مناقب الصحابة فقال حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة قال لما هاجر النبي ﷺ خرج معه أبو بكر فأخذ طريق ثور قال فجعل أبو بكر يمشي خلفه ويمشي أمامه فقال له النبي ﷺ مالك قال يا رسول الله أخاف أن تؤتى من خلفك فأتأخر وأخاف أن تؤتى من أمامك فأتقدم قال فلما انتهينا إلى الغار قال أبو بكر يا رسول الله كما أنت حتى أقمه قال نافع حدثني رجل عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر رأى جحرا في الغار فألقمها قدمه وقال يا رسول الله إن كانت لسعة أو لدغة كانت بي

وحينئذ لم يكن يرضى بمساواة النبي ﷺ لا بالمعنى الذي أراده الكاذب المفترى عليه أنه لم يرض بأن يموتا جميعا بل كان لا يرضى بأن يقتل رسول الله ﷺ ويعيش هو بل كان يختار أن يفديه بنفسه وأهله وماله

وهذا واجب على كل مؤمن والصديق أقوم المؤمنين بذلك قال تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم سورة الأحزاب 6 وفي الصحيحين عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من ولده ووالده والناس أجمعين

وحزنه على النبي ﷺ يدل على كمال موالاته ومحبته ونصحه له واحتراسه عليه وذبه عنه ودفع الأذى عنه وهذا من أعظم الإيمان وإن كان مع ذلك يحصل له بالحزن نوع ضعف فهذا يدل على أن الأتصاف بهذه الصفات مع عدم الحزن هو المأمور به فإن مجرد الحزن لا فائدة فيه ولا يدل ذلك على أن هذا ذنب يذم به فإن من المعلوم أن الحزن على الرسول أعظم من حزن الإنسان على ابنه فإن محبة الرسول أوجب من محبة الإنسان على ابنه فإن محبة الرسول أوجب من محبة الإنسان لابنه

ومع هذا فقد أخبر الله عن يعقوب أنه حزن على ابنه يوسف وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله الآية سورة يوسف 84 86 فهذا إسرائيل نبي كريم قد حزن على ابنه هذا الحزن على النبي ﷺ خوفا أن يقتل وهو الذي علقت به سعادة الدنيا والآخرة

ثم إن هؤلاء الشيعة وغيرهم يحكون عن فاطمة من حزنها على النبي ﷺ ما لا يوصف وأنها بنت بيت الأحزان ولا يجعلون ذلك ذما لها مع أنه حزن على أمر فائت لا يعود وأبو بكر إنما حزن عليه في حياته خوف أن يقتل وهو حزن يتضمن الاحتراس ولهذا لما مات لم يحزن هذا الحزن لأنه لا فائدة فيه فحزن أبي بكر بلا ريب أكمل من حزن فاطمة فإن كان مذموما على حزنه ففاطمة أولى بذلك وإلا فأبو بكر أحق بأن لا يذم على حزنه على النبي ﷺ من حزن غيره عليه بعد موته

وإن قيل أبو بكر إنما حزن على نفسه لا يقتله الكفار

قيل فهذا يناقض قولكم إنه كان عدوه وكان استصحبه لئلا يظهر أمره

وقيل هذا باطل بما علم بالتواتر من حال أبي بكر مع النبي ﷺ وبما أوجبه الله على المؤمنين

ثم يقال هب أن حزنه كان عليه وعلى النبي ﷺ أفيستحق أن يشتم على ذلك ولو قدر أنه حزن خوفا أن يقتله عدوه لم يكن هذا مما يستحق به هذا السب

ثم إن قدر أن ذلك ذنب فلم يصبر عنه بل لما نهاه عنه انتهى فقد نهى الله تعالى الأنبياء عن أمور كثيرة انتهوا عنها ولم يكونوا مذمومين بما فعلوه قبل النهي

وأيضا فهؤلاء ينقلون عن علي وفاطمة من الجزع والحزن على فوت مال فدك وغيرها من الميراث ما يقتضي أن صاحبه إنما يحزن على فوت الدنيا وقد قال تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم سورة الحديد 23 فقد دعا الناس إلى أن لا يأسوا على ما فاتهم من الدنيا ومعلوم أن الحزن على الدنيا أولى بأن ينهى عنه من الحزن على الدين

وإن قدر أنه حزن على الدنيا فحزن الإنسان على نفسه خوفا أن يقتل أولى أن يعذر به من حزنه على مال لم يحصل له

وهؤلاء الرافضة من أجهل الناس يذكرون فيمن يوالونه من أخبار المدح وفيمن يعادونه من أخبار الذم ما هو بالعكس أولى فلا تجدهم يذمون أبا بكر وأمثاله بأمر إلا ولو كان ذلك الأمر ذما لكان علي أولى بذلك ولا يمدحون عليا بمدح يستحق أن يكون مدحا إلا وأبو بكر أولى بذلك فإنه أكمل في الممادح كلها وأبرأ من المذام كلها حقيقيها وخياليها
فصل

وأما قوله إنه يدل على قلة صبره، فباطل بل ولا يدل على انعدام شي من الصبر المأمور به فإن الصبر على المصائب واجب بالكتاب والسنة ومع هذا فحزن القلب لا ينافي ذلك

كما قال ﷺ: إن الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا على حزن القلب ولكن يؤاخذ على هذا يعني اللسان أو يرحم

وقوله إنه يدل على عدم يقينه بالله، كذب وبهت فإن الأنبياء قد حزنوا ولم يكن ذلك دليلا على عدم يقينهم بالله كما ذكر الله عن يعقوب وثبت في الصحيح أن النبي ﷺ لما مات ابنه إبراهيم قال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون

وقد نهى الله عن الحزن نبيه ﷺ بقوله ولا تحزن عليهم سورة النحل 12وكلك قوله يدل على الخور وعدم الرضا بقضاء الله وقدره هو باطل كما تقدم نظائره
فصل

وقوله وإن كان الحزن طاعة استحال نهي النبي ﷺ عنه وإن كان معصية كان ما ادعوه فضيلة رذيلة

والجواب أولا أنه لم يدع أحد أن مجرد الحزن كان هو الفضيلة بل الفضيلة ما دل عليه قوله تعالى إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا الآية سورة التوبة 4فالفضيلة كونه هو الذي خرج مع النبي ﷺ في هذه الحال واختص بصحبته وكان له كمال الصحبة مطلقا وقول النبي ﷺ له إن الله معنا وما يتضمنه ذلك من كمال موافقته للنبي ﷺ ومحبته وطمأنينته وكمال معونته للنبي ﷺ وموالاته ففي هذه الحال من كمال إيمانه وتقواه ما هو الفضيلة

وكمال محبته ونصره للنبي ﷺ هو الموجب لحزنه إن كان حزن مع أن القرآن لم يدل على أنه حزن كما تقدم

ويقال ثانيا هذا بعينه موجود في قوله عز وجل لنبيه ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون سورة النحل 127 وقوله لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم سورة الحجر 88 ونحو ذلك بل في قوله تعالى لموسى خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى سورة طه 24

فيقال إن كان الخوف طاعة فقد نهى عنه وإن كان معصية فقد عصى

ويقال إنه أمر أن يطمئن ويثبت لأن الخوف يحصل بغير اختيار العبد إذا لم يكن له ما يوجب الأمن فإذا حصل ما يوجب الأمن زال الخوف

فقول لموسى ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى سورة طه 21 هو أمر مقرون بخبره بما يزيل الخوف

وكذلك قوله فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى سورة طه 67 68 هو نهي عن الخوف مقرون بما يوجب زواله

وكذلك قول النبي ﷺ لصديقه: لا تحزن إن الله معنا نهى عن الحزن مقرون بما يوجب زواله وهو قوله: إن الله معنا وإذا حصل الخبر بما يوجب زوال الحزن والخوف زال وإلا فهو تهجم على الإنسان بغير اختياره

وهكذا قول صاحب مدين لموسى لما قص عليه القصص لا تخف نجوت من القوم الظالمين سورة القصص 25 وكذلك قوله ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين سورة آل عمران 139 قرن النهى عن ذلك بما يزيله من إخباره أنهم هم الأعلون إن كانوا مؤمنين وكذلك قوله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون سورة النحل 127 مقرون بقوله إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون سورة النحل 128 وإخبارهم بأن الله معهم يوجب زوال الضيق من مكر عدوهم

وقد قال لما أنزل الله الملائكة يوم بدر وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم سورة آل عمران 12ويقال ثالثا ليس في نهيه عن الحزن ما يدل على وجوده كما تقدم بل قد ينهى عنه لئلا يوجد إذا وجد مقتضيه وحينئذ فلا يضرنا كونه معصية لو وجد قالنهي قد يكون نهي تسلية وتعزية وتثبيت وإن لم يكن المنهي عنه معصية بل قد يكون مما يحصل بغير اختيار المنهى وقد يكون الحزن من هذا الباب

ولذلك قد ينهى الرجل عن إفراطه في الحب وإن كان الحب مما لا يملك وينهى عن الغشى والصعق والاختلاج وإن كان هذا يحصل بغير اختياره والنهي عن ذلك ليس لأن المنهى عنه معصية إذا حصل بغير اختياره ولم يكن سببه محظورا

فإن قيل فيكون قد نهي عما لا يمكن تركه

قيل المراد بذلك أنه مأمور بأن يأتي بالضد المنافي للحزن وهو قادر على اكتسابه فإن الإنسان قد يسترسل في أسباب الحزن والخوف وسقوط بدنه فإذا سعى في اكتساب ما يقويه ثبت قلبه وبدونه وعلى هذا فيكون النهي عن هذا أمرا بما يزيله وإن لم يكن معصية كما يؤمر الإنسان بدفع عدوه عنه وبإزالة النجاسة ونحو ذلك مما يؤذيه وإن لم يكن حصل بذنب منه

والحزن يؤذي القلب فأمر بما يزيله كما يؤمر بما يزيل النجاسة والحزن إنما حصل بطاعة وهو محبة الرسول ونصحه وليس هو بمعصية يذم عليه وإنما حصل بسبب الطاعة لضعف القلب الذي لا يذم المرء عليه وأمر باكتساب قوة تدفعه عنه ليثاب على ذلك

ويقال رابعا لو قدر أن الحزن كان معصية فهو فعله قبل أن ينهى عنه فلما نهي عنه لم يفعله وما فعل قبل التحريم فلا إثم فيه كما كانوا قبل تحريم الخمر يشربونها ويقامرون فلما نهوا عنها انتهوا ثم تابوا كما تقدم

قال أبو محمد بن حزم وأما حزن أبي بكر رضي الله عنه فإنه قبل أن ينهاه رسول الله ﷺ عنه كان غاية الرضا لله فإنه كان إشفاقا على رسول الله ﷺ ولذلك كان الله معه والله لا يكون قط مع العصاه بل عليهم وما حزن أبو بكر قط بعد أن نهاه رسول الله ﷺ عن الحزن ولو كان لهؤلاء الأرذال حياء أو علم لم يأتوا بمثل هذا إذ لو كان حزن أبي بكر عيبا عليه لكان ذلك على محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام عيبا لأن الله تعالى قال لموسى سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون سورة القصص 35 ثم قال عن السحرة لما قالوا إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى إلى قوله فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى سورة طه 67 68 فهذا موسى رسول الله وكليمه كان قد أخبره الله عز وجل بأن فرعون وملأه لا يصلون إليهما وأنه هو الغالب ثم أوجس في نفسه خيفة بعد ذلك فإيجاس موسى لم يكن إلا لنسيانه الوعد المتقدم وحزن أبي بكر كان قبل أن ينهى عنه وأما محمد ﷺ فإن الله قال ومن كفر فلا يحزنك كفره سورة لقمان 23 وقال تعالى ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون سورة النحل 127 وقال فلا يحزنك قولهم سورة يس 76 فلا تذهب نفسك عليهم حسرات سورة فاطر ووجدناه تعالى قد قال قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون سورة الأنعام 33 فقد أخبرنا أنه يعلم أن رسوله يحزنه الذي يقولون ونهاه عن ذلك فيلزمهم في حزن رسول الله ﷺ كالذي أوردوا في حزن أبي بكر سواء ونعم إن حزن رسول الله ﷺ بما كانوا يقولون من الكفر كان طاعة لله قبل أن ينهاه الله كما كان حزن أبي بكر طاعه لله قبل أن ينهاه عنه وما حزن أبو بكر بعد ما نهاه النبي ﷺ عن الحزن فكيف وقد يمكن أن أبا بكر لم يكن حزن يومئذ لكن نهاه ﷺ عن أن يكون منه حزن كما قال تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا سورة الإنسان 2
فصل

قال شيخ الإسلام المصنف رحمه الله تعالى ورضي الله عنه وقد زعم بعض الرافضة أن قوله تعالى إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا سورة التوبة 40 لا يدل على إيمان أبي بكر فإن الصحبة قد تكون من المؤمن والكافر

كما قال تعالى واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا سورة الكهف 32 35 إلى قوله قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة سورة الكهف 37 الآية

فيقال معلوم أن لفظ الصاحب في اللغة يتناول من صحب غيره ليس فيه دلالة بمجرد هذا اللفظ على أنه وليه أو عدوه أو مؤمن أو كافر إلا لما يقترن به

وقد قال تعالى والصاحب بالجنب وابن السبيل سورة النساء 36 وهو يتناول الرفيق في السفر والزوجة وليس فيه دلالة على إيمان أو كفر

وكذلك قوله تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى سورة النجم 1 2 وقوله وما صاحبكم بمجنون سورة التكوير 22 المراد به محمد ﷺ لكونه صحب البشر فإنه إذا كان قد صحبهم كان بينه وبينهم من المشاركة ما يمكنهم أن ينقلوا عنه ما جاءه من الوحي وما يسمعون به كلامه ويفقهون معانيه بخلاف الملك الذي لم يصحبهم فإنه لا يمكنهم الأخذ عنه

وأيضا قد تضمن ذلك أنه بشر من جنسهم وأخص من ذلك أنه عربي بلسانهم كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه سورة التوبة 128 وقال وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه سورة إبراهيم 4 فإنه إذا كان قد صحبهم كان قد تعلم لسانهم وأمكنه أن يخاطبهم بلسانهم فيرسل رسولا بلسانهم ليتفقهوا عنه فكان ذكر صحبته لهم هنا على اللطف بهم والإحسان إليهم

وهذا بخلاف إضافة الصحبة إليه كقوله تعالى لا تحزن إن الله معنا وقول النبي ﷺ: لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه

وقوله: هل أنتم تاركي لي صاحبي وأمثال ذلك

فإن إضافة الصحبة إليه في خطابه وخطاب المسلمين تتضمن صحبة موالاة له وذلك لا يكون إلا بالإيمان به فلا يطلق لفظ صاحبه على من صحبه في سفره وهو كافر به

والقرآن يقول فيه إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا سورة التوبة 40 فأخبر الرسول أن الله معه ومع صاحبه وهذا المعية تتضمن النصر والتأييد وهو إنما ينصره على عدوه وكل كافر عدوه فيمتنع أن يكون الله مؤيدا له ولعدوه معا ولو كان مع عدوه لكان ذلك مما يوجب الحزن ويزيل السكينة فعلم أن لفظ صاحبه تضمن صحبة ولاية ومحبة وتستلزم الإيمان له وبه

وأيضا فقوله لا تحزن دليل على أنه وليه وإنه حزن خوفا من عدوهما فقال له لا تحزن إن الله معنا ولو كان عدوه لكان لم يحزن إلا حيث يتمكن من قهره فلا يقال له لا تحزن إن الله معنا لأن كون الله مع نبيه مما يسر النبي وكونه مع عدوه مما يسوءه فيمتنع أن يجمع بينهما لا سيما مع قوله لا تحزن ثم قوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار سورة التوبة 4ونصره لا يكون بأن يقترن به عدوه وحده وإنما يكون باقتران وليه ونجاته من عدوه فكيف لا ينصر على الذين كفروا من يكونون قد لزموه ولم يفارقوه ليلا ولا نهارا وهم معه في سفره

وقوله ثاني اثنين حال من الضمير في أخرجه أي أخرجوه في حال كونه نبيا ثاني اثنين فهو موصوف بأنه أحد الاثنين فيكون الاثنان مخرجين جميعا فإنه يمتنع أن يخرج ثاني اثنين إلا مع الآخر فإنه لو أخرج دونه لم يكن قد أخرج ثاني اثنين فدل على أن الكفار أخرجوه ثاني اثنين فأخرجوه مصاحبا لقرينه في حال كونه معه فلزم أن يكونوا أخرجوهما

وذلك هو الواقع فإن الكفار أخرجوا المهاجرين كلهم كما قال تعالى للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا سورة الحشر وقال تعالى أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله سورة الحج 39 4وقال إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم سورة الممتحنة وذلك أنهم منعوهم أن يقيموا بمكة مع الإيمان وهم لا يمكنهم ترك الإيمان فقد أخرجوهم إذا كانوا مؤمنين وهذا يدل على أن الكفار أخرجوا صاحبه كما أخرجوه والكفار إنما أخرجوا أعداءهم لا من كان كافرا منهم

فهذا يدل على أن صحبته صحبة موالاة وموافقة على الإيمان لا صحبة مع الكفر

وإذا قيل هذا يدل على أنه كان مظهرا للموافقة وقد كان يظهر الموافقة له من كان في الباطن منافقا وقد يدخلون في لفظ الأصحاب في مثل قوله لما استؤذن في قتل بعض المنافقين قال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه فدل على أن هذا اللفظ قد كان الناس يدخلون فيه من هو منافق

قيل قد ذكرنا فيما تقدم أن المهاجرين لم يكن فيهم منافق وينبغي أن يعرف أن المنافقين كانوا قليلين بالنسبة إلى المؤمنين وأكثرهم انكشف حاله لما نزل فيهم القرآن وغير ذلك وإن كان النبي ﷺ لا يعرف كلا منهم بعينه فالذين باشروا ذلك كانوا يعرفونه

والعلم يكون الرجل مؤمنا في الباطن أو يهوديا أو نصرانيا أو مشركا أمر لا يخفى مع طول المباشرة فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه

وقال تعالى ولو نشا لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم سورة محمد 30 وقال ولتعرفنهم في لحن القول سورة محمد 30 فالضمر للكفر لا بد أن يعرف في لحن القول وأما بالسيما فقد يعرف وقد لا يعرف

وقد قال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنونهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار سورة الممتحنة 1والصحابة المذكورون في الرواية عن النبي ﷺ والذين يعظمهم المسلمون على الدين كلهم كانوا مؤمنين به ولم يعظم المسلمون ولله الحمد على الدين منافقا

والإيمان يعلم من الرجل كما يعلم سائر أحوال قلبه من موالاته ومعاداته وفرحه وغضبه وجوعه وعطشه وغير ذلك فإن هذه الأمور لها لوازم ظاهرة والأمور الظاهرة تستلزم أمورا باطنة وهذا أمر يعرفه الناس فيمن جربوه وامتحنوه

ونحن نعلم بالاضطرار أن ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبا سعيد الخدري وجابر أو نحوهم كانوا مؤمنين بالرسول محبين له معظمين له ليسوا منافقين فكيف لا يعلم ذلك في مثل الخلفاء الراشدين الذين أخبارهم وإيمانهم ومحبتهم ونصرهم لرسول الله ﷺ قد طبقت البلاد مشارقها ومغاربها

فهذا مما ينبغي أن يعرف ولا يجعل وجود قوم منافقين موجبا للشك في إيمان هؤلاء الذين لهم في الأمة لسان صدق بل نحن نعلم بالضرورة إيمان سعيد بن المسيب والحسن وعلقمة والأسود ومالك والشافعي وأحمد والفضيل والجنيد ومن هو دون هؤلاء فكيف لا يعلم إيمان الصحابة ونحن نعلم إيمان كثير ممن باشرناه من الأصحاب

وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع وبين أن العلم بصدق الصادق في أخباره إذا كان دعوى نبوة أو غير ذلك وكذب الكاذب مما يعلم بالاضطرار في مواضع كثيرة بأسباب كثيرة

وإظهار الإسلام من هذا الباب فإن الإنسان إما صادق وإما كاذب

فهذا يقال أولا ويقال ثانيا وهو ما ذكره أحمد وغيره ولا أعلم بين العلماء فيه نزاعا أن المهاجرين لم يكن فيهم منافق أصلا وذلك لأن المهاجرين إنما هاجروا باختيارهم لما آذاهم الكفار على الإيمان وهم بمكة لم يكن يؤمن أحدهم إلا باختياره بل مع احتمال الأذى فلم يكن أحد يحتاج أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر لا سيما إذا هاجر إلى دار يكون فيها سلطان الرسول عليه ولكن لما ظهر الإسلام في قبائل الأنصار صار بعض من لم يؤمن بقلبه يحتاج إلى أن يظهر موافقة قومه لأن المؤمنين صار لهم سلطان وعز ومنعة وصار معهم السيف يقتلون من كفر

ويقال ثالثا عامة عقلاء بني آدم إذا عاشر أحدهم الآخر مدة يتبين له صداقته من عداوته فالرسول يصحب أبا بكر بمكة بضع عشرة سنة ولا يتبين له هل هو صديقه أو عدوه وهو يجتمع معه في دار الخوف وهل هذا إلا قدح في الرسول

ثم يقال جميع الناس كانوا يعرفون أنه أعظم أوليائه من حين المبعث إلى الموت فإنه أول من آمن به من الرجال الأحرار ودعا غيره إلى الإيمان به حتى آمنوا وبذل أمواله في تخليص من كان آمن به من المستضعفين مثل بلال وغيره وكان يخرج معه إلى الموسم فيدعو القبائل إلى الإيمان به ويأتي النبي ﷺ كل يوم إلى بيته إما غدوة وإما عشية وقد آذاه الكفار على إيمانه حتى خرج من مكة فلقيه ابن الدغنة أمير من أمراء العرب سيد القارة وقال إلى أين وقد تقدم حديثه فهل يشك من له أدنى مسكة من عقل أن مثل هذا لا يفعله إلا من هو في غاية الموالاة والمحبة للرسول ولما جاء به وأن موالاته ومحبته بلغت به إلى أن يعادي قومه ويصبر على أذاهم وينفق أمواله على من يحتاج إليه من إخوانه المؤمنين

وكثير من الناس يكون مواليا لغيره لكن لا يدخل معه في المحن والشدائد ومعاداة الناس وإظهار موافقته على ما يعاديه الناس عليه فأما إذا أظهر اتباعه وموافقته على ما يعاديه عليه جمهور الناس وقد صبر على أذى المعادين وبذل الأموال في موافقته من غير أن يكون هناك داع يدعو إلى ذلك من الدنيا لأنه لم يحصل له بموافقته في مكة شيء من الدنيا لا مال ولا رياسة ولا غير ذلك بل لم يحصل له من الدنيا إلا ما هو أذى ومحنة وبلاء

والإنسان قد يظهر موافقته للغير إما لغرض يناله منه أو لغرض آخر يناله بذلك مثل أن يقصد قتله أو الأحتيال عليه وهذا كله كان منتفيا بمكة فإن الذين كانوا يقصدون أذى النبي ﷺ كانوا من أعظم الناس عداوة لأبي بكر لما آمن بالنبي ﷺ ولم يكن بهم اتصال يدعو إلى ذلك ألبتة ولم يكونوا يحتاجون في مثل ذلك إلى أبي بكر بل كانوا أقدر على ذلك ولم يكن يحصل للنبي ﷺ أذى قط من أبى بكر مع خلوته به واجتماعه به ليلا ونهارا وتمكنه مما يريد المخادع من إطعام سم أو قتل أو غير ذلك

وأيضا فكان حفظ الله لرسوله وحمايته له يوجب أن يطلعه على ضميره السوء لو كان مضمرا له سوءا وهو قد أطلعه الله على ما في نفس أبي عزة لما جاء مظهرا للإيمان بنية الفتك به وكان ذلك في قعدة واحدة وكذلك أطلعه على ما في نفس الحجبي يوم حنين لما انهزم المسلمون وهم بالسوأة وأطلعه على ما في نفس عمير بن وهب لما جاء من مكة مظهرا للإسلام يريد الفتك به وأطلعه الله على المنافقين في غزوة تبوك لما أرادوا أن يحلوا حزام ناقته

وأبو بكر معه دائما ليلا ونهارا حضرا وسفرا في خلوته وظهوره ويوم بدر يكون معه وحده في العريش ويكون في قلبه ضمير سوء والنبي ﷺ لا يعلم ضمير ذلك قط وأدنى من له نوع فطنة يعلم ذلك في أقل من هذا الاجتماع فهل يظن ذلك بالنبي ﷺ وصديقه إلا من هو مع فرط جهله وكمال نقص عقله من أعظم الناس تنقصا للرسول وطعنا فيه وقدحا في معرفته فإن كان هذا الجاهل مع ذلك محبا للرسول فهو كما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل

ولا ريب أن كثيرا ممن يحب الرسول من بني هاشم وغيرهم وقد تشيع قد تلقى من الرافضة ما هو من أعظم الأمور قدحا في الرسول فإن أصل الرفض إنما أحدثه زنديق غرضه إبطال دين الإسلام والقدح في رسول الله ﷺ كما قد ذكر ذلك العلماء

وكان عبد الله بن سبأ شيخ الرافضة لما أظهر الإسلام أراد أن يفسد الإسلام بمكره وخبثه كما فعل بولص بدين النصارى فأظهر النسك ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى سعى في فتنة عثمان وقتله ثم لما قدم على الكوفة أظهر الغلو في علي والنص عليه ليتمكن بذلك من أغراضه وبلغ ذلك عليا فطلب قتله فهرب منه إلى قرقيسيا وخبره معروف وقد ذكره غير واحد من العلماء

وإلا فمن له أدنى خبرة بدين الإسلام يعلم أن مذهب الرافضة مناقض له ولهذا كانت الزنادقة الذين قصدهم إفساد الإسلام يأمرون باظهار التشيع والدخول إلى مقاصدهم من باب الشيعة كما ذكر ذلك إمامهم صاحب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم

قال القاضي أبو بكر بن الطيب وقد اتفق جميع الباطنية وكل مصنف لكتاب ورسالة منهم في ترتيب الدعوة المضلة على أن من سبيل الداعي إلى دينهم ورجسهم المجانب لجميع أديان الرسل والشرائع أن يجيب الداعي إليه الناس بما يبين وما يظهر له من أحوالهم ومذاهبهم وقالوا لكل داع لهم إلى ضلالتهم ما أنا حاك لألفاظهم وصيغة قولهم بغير زيادة ولا نقصان ليعلم بذلك كفرهم وعنادهم لسائر الرسل والملل فقالوا للداعي يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلما أن تجعل التشيع عنده دينك وشعارك واجعل المدخل عليه من جهة ظلم السلف وقتلهم الحسين وسبيهم نساءه وذريته والتبرى من تيم وعدي ومن بني أمية وبني العباس وأن تكون قائلا بالتشبيه والتجسيم والبدء والتناسخ والرجعة والغلو وأن عليا إله يعلم الغيب مفوض إليه خلق العالم وما أشبه ذلك من أعاجيب الشيعة وجهلهم فإنهم أسرع إلى إجابتك بهذ الناموس حتى تتمكن منهم مما تحتاج إليه أنت ومن بعدك ممن تثق به من أصحابك فترقيهم إلى حقائق الأشياء حالا فحالا ولا تجعل كما جعل المسيح ناموسه في زور موسى القول بالتوراة وحفظ السبت ثم عجل وخرج عن الحد وكان له ما كان يعني من قتلهم له بعد تكذيبهم إياه وردهم عليه وتفرقهم عنه فإذا آنست من بعض الشيعة عند الدعوة إجابة ورشدا أوفقته على مثالب علي وولده وعرفته حقيقة الحق لمن هو وفيمن هو وباطل بطلان كل ما عليه أهل ملة محمد ﷺ وغيره من الرسل ومن وجدته صابئا فأدخله مداخله بالأشانيع وتعظيم الكواكب فإن ذلك ديننا وجل مذهبنا في أول أمرنا وأمرهم من جهة الأشانيع يقرب عليك أمره جدا ومن وجدته مجوسيا اتفقت معه في الأصل في الدرجة الرابعة من تعظيم النار والنور والشمس والقمر واتل عليهم أمر السابق وأنه نهر من الذي يعرفونه وثالثه المكنون من ظنه الجيد والظلمة المكتوبة فإنهم مع الصابئين أقرب الأمم إلينا وأولاهم بنا لولا يسير صحفوه بحهلهم به قالوا وإن ظفرت بيهودي فادخل عليه من جهة انتظار المسيح وأنه المهدى الذي ينتظره المسلمون بعينه وعظم السبت عندهم وتقرب إليهم بذلك وأعلمهم أنه مثل يدل على ممثول وأن ممثوله يدل على السابع المنتظر يعنون محمد بن إسماعيل بن جعفر وأنه دوره وأنه هو المسيح وهو المهدي وعند معرفته تكون الراحة من الأعمال وترك التكليفات كما أمروا بالراحة يوم السبت وأن راحة السبت هو دلالة على الراحة من التكليف والعبادات في دور السابع المنتظر وتقرب من قلوبهم بالطعن على النصارى والمسلمين الجهال الحياري الذين يزعمون أن عيسى لم يولد ولا أب له وقو في نفوسهم أن يوسف النجار أبوه وأن مريم أمه وأن يوسف النجار كان ينال منها ما ينال الرجال من النساء وما شاكل ذلك فإنهم لن يلبثوا أن يتبعوك

قال وإن وجدت المدعي نصرانيا فادخل عليه بالطعن على اليهود والمسلمين جميعا وصحة قولهم في الثالوث وأن الأب والابن وروح القدس صحيح وعظم الصليب عندهم وعرفهم تأويله

وإن وجدته مثانيا فإن المثانية تحرك الذي منه يعترف فداخلهم بالممازجة في الباب السادس في الدرجة السادسة من حدود البلاغ التي يصفها من بعد وامتزج بالنور وبالظلام فإنك تملكهم بذلك وإذا آنست من بعضهم رشدا فاكشف له الغطاء

ومتى وقع إليك فيلسوف فقد علمت أن الفلاسفة هم العمدة لنا وقد أجمعنا نحن وهم على إبطال نواميس الأنبياء وعلى القول بقدم العالم لولا ما يخالفنا بعضهم من أن للعالم مدبرا لا يعرفونه فإن وقع الاتفاق منهم على أنه لا مدبر للعالم فقد زالت الشبهة بيننا وبينهم

وإذا وقع لك ثنوي منهم فبخ بخ قد ظفرت يداك بمن يقل معه تعبك والمدخل عليه بإبطال التوحيد والقول بالسابق والتالي ورتب له ذلك على ما هو مرسوم لك في أول درجة البلاغ وثانيه وثالثه

وسنصف لك عنهم من بعد واتخذ غليظ العهود وتوكيد الأيمان وشدة المواثيق جنة لك وحصنا ولا تهجم على مستجيبك بالأشياء الكبار التي يستبشعونها حتى ترقيهم إلى أعلى المراتب حالا فحالا وتدرجهم درجة درجة على ما سنبينه من بعد وقف بكل فريق حيث احتمالهم فواحد لا تزيده على التشيع والائتمام بمحمد بن إسماعيل وأنه حي لا تجاوز به هذا الحد لا سيما إن كان مثله ممن يكثر به وبموضع اسمه وأظهر له العفاف عن الدرهم والدينار وخفف عليه وطأتك مرة بصلاة السبعين وحذره الكذب والزنا واللواط وشرب النبيذ وعليك في أمره بالرفق والمداراة له والتودد وتصبر له إن كان هواه متبعا لك تحظ عنده ويكون لك عونا على دهرك وعلى من لعله يعاديك من أهل الملل ولا تأمن أن يتغير عليك بعض أصحابك ولا تخرجه عن عبادة إلهة والتدين بشريعة محمد نبيه ﷺ والقول بإمامة علي وبنيه إلى محمد بن إسماعيل وأقم له دلائل الأسابيع فقط ودقه بالصوم والصلاة دقا وشدة الاجتهاد فإنك يومئذ إن أو مات إلى كريمته فضلا عن ماله لم يمنعك وإن أدركته الوفاة فوض إليك ما خلفه وورثك إياه ولم ير في العالم من هو أوثق منك وآخر ترقية إلى نسخ شريعة محمد وأن السابع هو الخاتم للرسل وأنه ينطق كما ينطقون ويأتي بأمر جديد وأن محمدا صاحب الدور السادس وأن عليا لم يكن إماما وإنما كان سوسا لمحمد وحسن القول فيه وإلا سياسية فإن هذا باب كبير وعمل عظيم منه ترقى إلى ما هو أعظم منه وأكبر منه ويعينك على زوال ما جاء به من قبلك من وجوب زوال النبوات على المنهاج الذي هو عليه وإياك أن ترتفع من هذا الباب إلا إلى من تقدر فيه النجابة وآخر ترقيه من هذا إلى معرفة القرآن ومؤلفه وسببه وإياك أن تغتر بكثير ممن يبلغ معك إلى هذه المنزلة فترقيه إلى غيرها ألا يغلطون المؤانسة والمدارسة واستحكام الثقة به فإن ذلك يكون لك عونا على تعطيل النبوات والكتب التي يدعونها منزلة من عند الله وآخر ترقية إلى إعلامه أن القائم قد مات وأنه يقوم روحانيا وأن الخلق يرجعون إليه بصورة روحانية تفصل بين العباد بأمر الله عز وجل ويستصفى المؤمنين من الكافرين بصوره روحانية فإن ذلك يكون أيضا عونا لك عند إبلاغه إلى إبطال المعاد الذي يزعمونه والنشور من القبر

وآخر ترقيه من هذا إلى إبطال أمر الملائكة في السماء والجن في الأرض وأنه كان قبل آدم بشر كثير وتقيم على ذلك الدلائل المرسومة في كتبنا فإن ذلك مما يعينك وقت بلاغه على تسهيل التعطيل للوحى والإرسال إلى البشر بملائكة والرجوع إلى الحق والقول بقدم العالم وآخر ترقية إلى أوائل درجة التوحيد وتدخل عليه بما تضمنه كتابهم المترجم بكتاب الدرس الشافعي للنفس من أنه لا إله ولا صفة ولا موصوف فإن ذلك يعينك على القول بالإلهية لمستحقها عند البلاغ

وإلى ذلك يعنون بهذا أن كل داع منهم يترقى درجة درجة إلى أن يصير إماما ناطقا ثم ينقلب الها روحانيا على ما سنشرح قولهم فيه من بعد

قالوا ومن بلغته إلى هذا المنزلة فعرفه حسب ما عرفناك من حقيقة أمر الإمام وأن إسماعيل وأباه محمدا كانا من نوابه ففي ذلك عون لك على إبطال إمامة على وولده عند البلاغ والرجوع إلى القول بالحق ثم لا يزال كذلك شيئا فشيئا حتى يبلغ الغاية القصوى على تدريج يصفه عنهم فيما بعد

قال القاضي فهذه وصيتهم جميعا للداعي إلى مذاهبهم وفيها أوضح دليل لكل عاقل على كفر القوم وإلحادهم وتصريحهم بإبطال حدوث العالم ومحدثه وتكذيب ملائكته ورسله وجحد المعاد والثواب والعقاب وهذا هو الأصل لجميعهم وإنما يتمحرقون بذكر الأول والثاني والناطق والأساس إلى غير ذلك ويخدعون به الضعفاء حتى إذا استجاب لهم مستجيب أخذوه بالقول بالدهر والتعطيل

وسأصف من بعد من عظيم سبهم لجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وتجريدهم القول بالاتحاد وأنه نهاية دعوتهم ما يعلم به كل قار له عظيم كفرهم وعنادهم للدين

قلت وهذا بين فإن الملاحدة من الباطنية الإسماعيلية وغيرهم والغلاة النصيرية وغير النصيرية إنما يظهرون التشيع وهم في الباطن أكفر من اليهود والنصارى فدل ذلك على أن التشيع دهليز الكفر والنفاق

والصديق رضي الله عنه هو الإمام في قتال المرتدين وهؤلاء مرتدون فالصديق وحزبه هم أعداؤه

والمقصود هنا أن الصحبة المذكورة في قوله إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا سورة التوبة 40 صحبة موالاة للمصحوب ومتابعة له لا صحبة نفاق كصحبة المسافر للمسافر وهي من الصحبة التي يقصدها الصاحب لمحبة المصحوب كما هو معلوم عند جماهير الخلائق علما ضروريا بما تواتر عندهم من الأمور الكثيرة أن أبا بكر كان في الغاية من محبة النبي ﷺ وموالاته والإيمان به أعظم مما يعلمون أن عليا كان مسلما وأنه كان ابن عمه

وقوله إن الله معنا لم يكن لمجرد الصحبة الظاهرة التي ليس فيها متابعة فإن هذه تحصل للكافر إذا صحب المؤمن ليس الله معه بل إنما كانت المعية للموافقة الباطنية والموالاة له والمتابعة

ولهذا كل من كان متبعا للرسول كان الله معه بحسب هذا الاتباع قال الله تعالى يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين سورة الأنفال 64 أي حسبك وحسب من اتعبك فكل من اتبع الرسول من جميع المؤمنين فالله حسبه وهذا معنى كون الله معه

والكفاية المطلقة مع الاتباع المطلق والناقصة مع الناقص وإذا كان بعض المؤمنين به المتبعين له قد حصل له من يعاديه على ذلك فالله حسبه وهو معه وله نصيب من معنى قوله إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فإن هذا قلبه موافق للرسول وإن لم يكن صحبه ببدنه والأصل في هذا القلب

كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: إن بالمدينة رجالا ما سرتم ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا وهم بالمدينة قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر

فهؤلاء بقلوبهم كانوا مع النبي ﷺ وأصحابه الغزاة فلهم معنى صحبته في الغزاة فالله معهم بحسب تلك الصحبة المعنوية

ولو انفرد الرجل في بعض الأمصار والأعصار بحق جاء به الرسول ولم تنصره الناس عليه فإن الله معه وله نصيب من قوله إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا سورة التوبة 40 فإن نصر الرسول هو نصر دينه الذي جاء به حيث كان ومتى كان ومن وافقه فهو صاحبه عليه في المعنى فإذا قام به ذلك الصاحب كما أمر الله فإن الله مع ما جاء به الرسول ومع ذلك القائم به

وهذا المتبع له حسبه الله وهو حسب الرسول كما قال تعالى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين سورة الأنفال 6
فصل

وأما قول الرافضي إن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله ﷺ شرك معه المؤمنين إلا هذا الموضع ولا نقص أعظم منه فالجواب أولا أن هذا يوهم أنه ذكر ذلك في مواضع متعددة وليس كذلك بل لم يذكر ذلك إلا في قصة حنين

كما قال تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها سورة التوبة 25 26 فذكر إنزال السكينة على الرسول والمؤمنين بعد أن ذكر توليتهم مدبرين

وقد ذكر إنزال السكينة على المؤمنين وليس معهم الرسول في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا سورة الفتح 1 إلى قوله هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين سورة الفتح 4 الآية وقوله لقد رضي الله عنها المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم سورة الفتح 1ويقال ثانيا الناس قد تنازعوا في عود الضمير في قوله تعالى فأنزل الله سكينته عليه سورة التوبة 40 فمنهم من قال إنه عائد إلى النبي ﷺ ومنهم من قال إنه عائد إلى أبي بكر لأنه أقرب المذكورين ولأنه كان محتاجا إلى إنزال السكينة فأنزل السكينة عليه كما أنزلها على المؤمنين الذين بايعوه تحت الشجرة

والنبي ﷺ كان مستغنيا عنها في هذه الحال لكمال طمأنينته بخلاف إنزالها يوم حنين فإنه كان محتاجا إليها لانهزام جمهور أصحابه وإقبال العدو نحوه وسوقه ببغلته إلى العدو

وعلى القول الأول يكون الضمير عائدا إلى النبي ﷺ كما عاد الضمير إليه في قوله وأيده بجنود لم تروها سورة التوبة 40 ولأن سياق الكلام كان في ذكره وإنما ذكر صاحبه ضمنا وتبعا

لكن يقال على هذا لما قال لصاحبه إن الله معنا والنبي ﷺ هو المتبوع المطاع وأبو بكر تابع مطيع وهو صاحبه والله معهما فإذا حصل للمتبوع في هذه الحال سكينة وتأييد كان ذلك للتابع أيضا بحكم الحال فإنه صاحب تابع لازم ولم يحتج أن يذكر هنا أبو بكر لكمال الملازمة والمصاحبة التي توجب مشاركة النبي ﷺ في التأييد

بخلاف حال المنهزمين يوم حنين فإنه لو قال فأنزل الله سكينته على رسوله وسكت لم يكن في الكلام ما يدل على نزول السكينة عليهم لكونهم بانهزامهم فارقوا الرسول ولكونهم لم يثبت لهم من الصحبة المطلقة التي تدل على كمال الملازمة ما ثبت لأبي بكر

وأبو بكر لما وصفه بالصحبه المطلقة الكاملة ووصفها في أحق الأحوال أن يفارق الصاحب فيها صاحبه وهو حال شدة الخوف كان هذا دليلا بطريق الفحوى على أنه صاحبه وقت النصر والتأييد فإن من كان صاحبه في حال الخوف الشديد فلأن يكون صاحبه في حال حصول النصر والتأييد أولى وأحرى فلم يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحال لدلالة الكلام والحال عليها

وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال علم أن ما حصل للرسول من إنزال السكينة والتأييد بإنزال الجنود التي لم يرها الناس لصاحبه المذكور فيها أعظم مما لسائر الناس وهذا من بلاغة القرآن وحسن بيانه

وهذا كما في قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه سورة التوبة 62 فإن الضمير في قوله أحق أن يرضوه إن عاد إلى الله فإرضاؤه لا يكون إلا بإرضاء الرسول وإن عاد إلى الرسول فإنه لا يكون إرضاؤه إلا بإرضاء الله فلما كان ارضاؤهما لا يحصل أحدهما إلا مع الآخر وهما يحصلان بشئ واحد والمقصود بالقصد الأول إرضاء الله وإرضاء الرسول تابع وحد الضمير في قوله أحق أن يرضوه وكذلك وحد الضمير في قوله فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها لأن نزول ذلك على أحدهما يستلزم مشاركة الآخر له إذ محال أن ينزل ذلك على الصاحب دون المصحوب أو على المصحوب دون الصاحب الملازم فلما كان لا يحصل ذلك إلا مع الآخر وحد الضمير وأعاده إلى الرسول فإنه هو المقصود والصاحب تابع له

ولو قيل فأنزل السكينة عليهما وأيدهما لأوهم أبا بكر شريك في النبوة كهارون مع موسى حيث قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا الآية سورة القصص 35 وقال ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم سورة الصافات 114 118 فذكرهما أولا وقومهما فيما يشركونهما فيه

كما قال فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين سورة الفتح 26 إذا ليس في الكلام ما يقتضي حصول النجاة والنصر لقومهما إذا نصرا ونجيا ثم فيما يختص بهما ذكرهما بلفظ التثنية إذا كانا شريكين في النبوة لم يفرد موسى كما أفرد الرب نفسه بقوله والله ورسوله أحق أن يرضوه سورة التوبة 62 وقوله أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله سورة التوبة 2فلو قيل أنزل الله سكينته عليهما وأيدهما لأوهم الشركة بل عاد الضمير إلى الرسول المتبوع وتأييده تأييد لصاحبه التابع له الملازم بطريق الضرورة2)

ولهذا لم ينصر النبي ﷺ قط في موطن إلا كان أبو بكر رضي الله عنه أعظم المنصورين بعده ولم يكن أحد من الصحابة أعظم يقينا وثباتا في المخاوف منه ولهذا قيل لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح

كما في السنن عن أبي بكرة عن النبي ﷺ قال: هل رأى أحد منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فاستاء لها النبي ﷺ فقال: خلافة نبوة ثم يؤتى الله الملك من يشاء

وقال أبو بكر بن عياش ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه
فصل

قال الرافضي وأما قوله وسيجنبها الأتقى سورة الليل 17 فإن المراد به أبو الدحداح حيث اشترى نخلة لشخص لأجل جاره وقد عرض النبي ﷺ على صاحب النخلة نخلة في الجنة فسمع أبو الدحداح فاشتراها ببستان له ووهبها الجار فجعل النبي ﷺ له بستانا عوضها في الجنة

والجواب أن يقال لا يجوز أن تكون هذه الآية مختصة بأبي الدحداح دون أبي بكر باتفاق أهل العلم بالقرآن وتفسيره وأسباب نزوله وذلك أن هذه السورة مكية باتفاق العلماء وقصة أبي الدحداح كانت بالمدينة باتفاق العلماء فإنه من الأنصار والأنصار إنما صحبوه بالمدينة ولم تكن البساتين وهي الحدائق التي تسمى بالحيطان إلا بالمدينة فمن الممتنع أن تكون الآية لم تنزل إلا بعد قصة أبي الدحداح بل إن كان قد قال بعض العلماء إنها نزلت فيه فمعناه أنه ممن دخل في الآية وممن شمله حكمها وعمومها فإن كثيرا ما يقول بعض الصحابة والتابعين نزلت هذه الآية في كذا ويكون المراد بذلك أنها دلت على هذا الحكم وتناولته وأريد بها هذا الحكم

ومنهم من يقول بل قد تنزل الآية مرتين مرة لهذا السبب ومرة لهذا السبب

فعلى قول هؤلاء يمكن أنها نزلت مرة ثانية في قصة أبي الدحداح وإلا فلا خلاف بين أهل العلم أنها نزلت بمكة قبل أن يسلم أبو الداحداح وقبل أن يهاجر النبي ﷺ

وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنها نزلت في قصة أبي بكر فذكر ابن جرير في تفسيره بإسناده عن عبد الله بن الزبير وغيره أنها نزلت في أبي بكر

وكذلك ذكره ابن أبي حاتم والثعلبي أنها نزلت في أبي بكر عن عبد الله وعن سعيد بن المسيب

وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا محمد بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال أعتق أبو بكر سبعة كلهم يعذب في الله بلالا وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنيرة وأم عميس وأمه بني المؤمل قال سفيان فأما زنيرة فكانت رومية وكانت لبني عبد الدار فلما أسلمت عميت فقالوا أعمتها اللات والعزى قالت فهي كافرة باللات والعزى فرد الله إليها بصرها وأما بلال فاشتراه وهو مدفون في الحجارة فقالوا لو أبيت إلا أوقية لبعناكه فقال أبو بكر لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته قال وفيه نزلت وسيجنبها الأتقى سورة الليل 17 إلى آخر السورة

وأسلم وله أربعون ألفا فأنفقها في سبيل الله ويدل على أنها نزلت في أبي بكر وجوه

أحدها أنه قال وسيجنيها الأتقى وقال إن أكرمكم عند الله أتقاكم سورة الحجرات 13 فلا بد أن يكون أتقى الأمة داخلا في هذه الآية وهو أكرمهم عند الله ولم يقل أحد إن أبا الدحداح ونحوه أفضل وأكرم من السابقين الأولين من المهاجرين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم بل الأمة كلهم سنيهم وغير سنيهم متفقون على أن هؤلاء وأمثالهم من المهاجرين أفضل من أبي الدحداح فلا بد أن يكون الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى فيهم

وهذا القائل قد ادعى أنها نزلت في أبي الدحداح فإذا كان القائل قائلين قائلا يقول نزلت فيه وقائلا يقول نزلت في أبي بكر كان هذا القائل هو الذي يدل القرآن على قوله وإن قدر عموم الأية لهما فأبو بكر أحق بالدخول فيها من أبي الدحداح

وكيف لا يكون كذلك وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: ما نفعني مال قط كمال أبي بكر فقد نفى عن جميع مال الأمة أن ينفعه مال أبي بكر فكيف تكون تلك الأموال المفضولة دخلت في الآية والمال الذي هو أنفع الأموال له لم يدخل فيها

الوجه الثاني أنه إذا كان الأتقى هو الذي يؤتى ماله يتزكى وأكرم الخلق أتقاهم كان هذا أفضل الناس والقولان المشهوران في هذه الآية قول أهل السنة أن أفضل الخلق أبو بكر وقول الشيعة علي فلم يجز أن يكون الأتقى الذي هو أكرم الخلق على الله واحدا غيرهما وليس منهما واحد يدخل في الأتقى وإذا ثبت أنه لا بد من دخول أحدهما في الأتقى وجب أن يكون أبو بكر داخلا في الآية ويكون أولى بذلك من علي لأسباب

أحدها أنه قال الذي يؤتى ماله يتزكى سورة الليل 18 وقد ثبت في النقل المتواتر في الصحاح وغيرها أن أبا بكر أنفق ماله وأنه مقدم في ذلك على جميع الصحابة كما ثبت في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس قال خرج رسول الله ﷺ في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد إلا خوخة أبي بكر

وفي الصحيحين عنه أنه قال ﷺ: إن أمن الناس في صحبته وماله أبو بكر وفي البخاري عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ﷺ: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه ماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين فما أوذى بعدها

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله

وعن عمر قال أمرنا رسول الله ﷺ أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال النبي ﷺ ما أبقيت لأهلك قلت مثله وجاء أبو بكر بماله كله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا رواه أبو داود والترمذي وصححه

فهذه النصوص الصحيحة المتواترة الصريحة تدل على أنه كان من أعظم الناس إنفاقا لماله فيما يرضى الله ورسوله

وأما علي فكان النبي ﷺ يمونه لما أخذه من أبي طالب لمجاعة حصلت بمكة وما زال علي فقيرا حتى تزوج بفاطمة وهو فقير وهذا مشهور معروف عن أهل السنة والشيعة وكان في عيال النبي ﷺ لم يكن له ما ينفقه ولو كان له مال لأنفقه لكنه كان منفقا عليه لا منفقا

السبب الثاني قوله وما لأحد عنده من نعمة تجزى سورة الليل 19 وهذه لأبي بكر دون علي لأن أبا بكر كان للنبي ﷺ عنده نعمة الإيمان أن هداه الله به وتلك النعمة لا يجزى بها الخلق بل أجر الرسول فيها على الله كما قال تعالى قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين سورة ص 86 وقال قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله سورة سبأ 4وأما النعمة التي يجزى بها الخلق فهي نعمة الدنيا وأبو بكر لم تكن للنبي ﷺ عنده نعمة الدنيا بل نعمة دين بخلاف علي فإنه كان للنبي ﷺ عنده نعمة دنيا يمكن أن تجزى

الثالث أن الصديق لم يكن بينه وبين النبي ﷺ سبب يواليه لأجله ويخرج ماله إلا الإيمان ولم ينصره كما نصره أبو طالب لأجل القرابة وكان عمله كاملا في إخلاصه لله تعالى كما قال إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى سورة الليل 20 2وكذلك خديجة كانت زوجته والزوجة قد تنفق مالها على زوجها وإن كان دون النبي ﷺ

وعلي لو قدر أنه أنفق لكان أنفق على قريبه وهذه أسباب قد يضاف الفعل إليها بخلاف إنفاق أبي بكر فإنه لم يكن له سبب إلا الإيمان بالله وحده فكان من أحق المتقين بتحقيق قوله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى وقوله وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى سورة الليل 17 20 إستثناء منقطع والمعنى لا يقتصر في العطاء على من له عنده نعمة يكافئه بذلك فإن هذا من باب العدل الواجب للناس بعضهم على بعض بمنزلة المعاوضة في المبايعة والمؤاجرة وهو واجب لكل أحد على أحد فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى لم يحتج إلى هذه المعاوضة فيكون عطاؤه خالصا لوجه ربه الأعلى بخلاف من كان عنده لغيره نعمة يحتاج أن يجزيه بها فإنه يحتاج أن يعطيه مجازاة على ذلك

وهذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكى في معاملته للناس دائما يكافئهم ويعاوضهم ويجازيهم فحين إعطائه ماله يتزكى لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزى

وفيه أيضا ما يبين أن الفضل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجب من المعاوضات كما قال تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو سورة البقرة 219 فمن عليه ديون من أثمان وقرض وغير ذلك فلا يقدم الصدقة على قضاء هذه الواجبات ولو فعل ذلك فهل ترد صدقته على قولين معروفين للفقهاء فهذه الآية يحتج بها من صدقته لأن الله تعالى إنما أثنى على من آتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه أن يجزى بها قبل أن يؤتى ماله يتزكى فإذا آتى ماله يتزكى قبل أن يجزى بها لم يكن ممدوحا فيكون عمله مردودا لقوله ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد

الرابع أن هذه الآية إن قدر أنه دخل فيها من دخل من الصحابة فأبو بكر أحق الأمة بالدخول فيها فيكون هو الأتقى من هذه الأمة فيكون أفضلهم وذلك لأن الله تعالى وصف الأتقى بصفات أبو بكر أكمل يها من جميع الأمة وهو قوله الذي يؤتى ماله يتزكى وقوله وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى سورة الليل 18 2أما إيتاء المال فقد ثبت في الصحاح عن النبي ﷺ أن إنفاق أبي بكر أفضل من إنفاق غيره وأن معاونته له بنفسه وماله أكمل من معاونة غيره

وأما ابتغاء التي تجزى فأبو بكر لم يطلب من النبي ﷺ مالا قط ولا حاجة دنيوية وأنه كان يطلب منه العلم لقوله الذي ثبت في الصحيحين أنه قال للنبي ﷺ علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم

ولا أعطاه النبي ﷺ مالا يخصه به قط بل إن حضر غنيمة كان كآحاد الغانمين وأخذ النبي ﷺ ماله كله وأما غيره من المنفقين من الأنصار وبني هاشم فقد كان النبي ﷺ يعطيهم مالا يعطى غيرهم فقد أعطى بني هاشم وبني المطلب نمن الخمس ما لم يعط غيرهم واستعمل عمر وأعطاه عماله وأما أبو بكر فلم يعطه شيئا فكان أبعد الناس من النعمة التي تجزى وأولاهم بالنعمة التي لا تجزى وأما إخلاصه في ابتغاء وجه ربه الأعلى فهو أكمل الأمة في ذلك فعلم أنه أكمل من تناولته الآية في الصفات المذكورة


كما أنه أكمل من تناول قوله والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون سورة الزمر 33

وقوله لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى سورة الحديد 15وقوله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار سورة التوبة 100 وأمثال ذلك من الآيات التي فيها مدح المؤمنين من هذه الأمة فأبو بكر أكمل الأمة في الصفات التي يمدح الله بها المؤمنين فهو أولاهم بالدخول فيها وأكمل من دخل فيها فعلم أنه أفضل الأمة
فصل

قال الرافضي وأما قوله تعالى قل للمخلفين من الأعراب سورة الفتح 16 فإنه أراد الذين تخلفوا عن الحديبية والتمس هؤلاء أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى بقوله قل لن تتبعونا سورة الفتح 15 لأنه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ثم قال تعالى قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد سورة الفتح وقد دعاهم رسول الله ﷺ إلى غزوات كثيرة كمؤته وحنين وتبوك وغيرها وكان الداعي رسول الله ﷺ وأيضا جاز أن يكون عليا حيث قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وكان رجوعهم إلى طاعته إسلاما لقوله ﷺ: يا علي حربك حربي وحرب رسول الله ﷺ كفر

فالجواب أما الاستدلال بهذه الآية على خلافة الصديق ووجوب طاعته فقد استدل بها طائفة من أهل العلم منهم الشافعي والأشعري وابن حزم وغيرهم واحتجوا بأن الله تعالى قال فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا الآية سورة التوبة 83 قالوا فقد أمرالله رسوله أن يقول لهؤلاء لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا فعلم أن الداعي لهم إلى القتال ليس رسول الله ﷺ فوجب أن يكون من بعده وليس إلا أبا بكر ثم عمر ثم عثمان الذين دعوا الناس إلى قتال فارس والروم وغيرهم أو يسلمون حيث قال تقاتلونهم أو يسلمون

وهؤلاء جعلوا المذكورين في سورة الفتح هم المخاطبين في سورة براءة ومن هنا صار في الحجة نظر فإن الذين في سورة الفتح هم الذين دعوا زمن الحديبية ليخرجوا مع النبي ﷺ لما أراد أن يذهب إلى مكة وصده المشركون وصالحهم عام حينئذ بالحديبية وبايعه المسلمون تحت الشجرة

وسورة الفتح نزلت في هذه القصة وكان ذلك العام عام ست من الهجرة بالاتفاق وفي ذلك نزل قوله وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى سورة البقرة 196 وفيها نزلت فدية الأذى في كعب بن عجرة وهي قوله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك سورة البقرة 196 ولما رجع النبي ﷺ إلى المدينة خرج إلى خيبر ففتحها الله على المسلمين في أول سنة سبع وفيها أسلم أبو هريرة وقد جعفر وغيره من مهاجرة الحبشة ولم يسهم النبي ﷺ لأحد ممن شهد خيبر إلا لأهل الحديبية الذين بايعوا تحت الشجرة إلا أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر وفي ذلك نزل قوله سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا سورة الفتح 15 إلى قوله تقاتلونهم أو يسلمون سورة الفتح 16 وقد دعا الناس بعد ذلك رسول الله ﷺ إلى مكة عام ثمان من الهجرة وكانت خيبر سنة سبع ودعاهم عقب الفتح إلى قتال هوازن بحنين ثم حاصر الطائف سنة ثمان وكانت هي آخر الغزوات التي قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزا تبوك سنة تسع لكن لم يكن فيها قتال غزا فيها النصارى بالشام وفيها أنزل الله سورة براءة وذكر فيها المخلفين الذين قال فيهم فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا سورة التوبة 83

وأما مؤته فكانت سرية قال فيها النبي ﷺ: أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة وكانت بعد عمرة القضية وقبل فتح مكة فإن جعفرا حضر عمرة القضية وتنازع هو وعلي وزيد في بنت حمزة قضى بها النبي ﷺ لأسماء إمرأة جعفر خاله البنت وقال: الخالة بمنزلة الأم ولم يشهد زيد ولا جعفر ولا ابن رواحة فتح مكة لأنهم استشهدوا قبل ذلك في غزوة مؤتة

واذا عرف هذا فوجه الاستدلال من الآية أن يقال قوله تعالى ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون سورة الفتح 16 يدل على أنهم متصفون بأنهم أولو بأس شديد وبأنهم يقاتلون أو يسلمون قالوا فلا يجوز أن يكون دعاهم إلى قتال أهل مكة وهوازن عقيب عام الفتح لأن هؤلاء هم الذين دعوا إليهم عام الحديبية ومن لم يكن منهم فهو من جنسهم ليس هو أشد بأسا منهم كلهم عرب من أهل الحجاز وقتالهم من جنس واحد وأهل مكة ومن حولها كانوا أشد بأسا وقتالا للنبي ﷺ وأصحابه يوم بدر وأحد والخندق من أولئك وكذلك في غير ذلك من السرايا

فلا بد أن يكون هؤلاء الذين تقع الدعوة إلى قتالهم لهم اختصاص بشدة البأس ممن دعوا إليه عام الحديبية كما قال تعالى أولي بأس شديد سورة الفتح 16 وهنا صنفان أحدهما بنو الأصفر الذين دعوا إلى قتالهم عام تبوك سنة تسع فإنهم أولو بأس شديد وهم أحق بهذه الصفة من غيرهم وأول قتال كان معهم عام مؤتة عام ثمان قبل تبوك فقتل فيها أمراء المسلمين زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة ورجع المسلمون كالمنهزمين

ولهذا قالوا للنبي ﷺ لما رجعوا نحن الفرارون فقال: بل أنتم العكارون أنا فئتكم وفئة كل مسلم

ولكن قد عارض بعضهم هذا بقوله تقاتلونكم أو يسلمون سورة الفتح 16 وأهل الكتاب يقاتلون حتى يعطوا الجزية فتأول الآية طائفة أخرى في المرتدين الذين قاتلهم الصديق أصحاب مسيلمة الكذاب فإنهم كانوا أولي بأس شديد ولقي المسلمون في قتالهم شدة عظيمة واستحر القتل يومئذ بالقراء وكانت من أعظم الملاحم التي بين المسلمين وعدوهم والمرتدون يقاتلون أو يسلمون لا يقبل منهم جزية وأول من قاتلهم الصديق وأصحابه فدل على وجوب طاعته في الدعاء إلى قتالهم

والقرآن يدل والله اعلم على أنهم يدعون إلى قوم موصوفين بأحد الأمرين إما مقاتلتهم لهم وإما إسلامهم لا بد من أحدهما وهم أولو بأس شديد وهذا بخلاف من دعوا إليه عام الحديبية فإنهم لم يوجد منهم لا هذا ولا هذا ولا أسلموا بل صالحهم الرسول بلا إسلام ولا قتال فبين القرآن الفرق بين من دعوا إليه عام الحديبية وبين من يدعون إليه بعد ذلك

ثم إذا فرض عليهم الإجابة والطاعة إذا دعوا إلى قوم أولي بأس شديد فلأن يجب عليهم الطاعة إذا دعوا إلى من ليس بذي بأس شديد بطريق الأولى والأحرى فتكون الطاعة واجبة عليهم في دعاء النبي ﷺ إلى مكة وهوازن وثقيف

ثم لما دعاهم بعد هؤلاء إلى بني الأصفر كانوا أولي بأس شديد والقرآن وقد وكد الأمر في عام تبوك وذم المتخلفين عن الجهاد ذما عظيما كما تدل عليه سورة براءة وهؤلاء وجد فيهم أحد الأمرين القتال أو الإسلام وهو سبحانه لم يقل تقاتلونهم أو يسلمون سورة الفتح 16 إلى أن يسلموا ولا قال قاتلوهم حتى يسلموا بل وصفهم بأنهم يقاتلون أو يسلمون ثم إذا قوتلوا فإنهم يقاتلون كما أمر الله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

فليس في قوله تقاتلونهم ما يمنع أن يكون القتال إلى الإسلام وأداء الجزية لكن يقال قوله ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد سورة الفتح 16 كلام حذف فاعله فلم يعين الفاعل الداعي لهم إلى القتال فدل القرآن على وجوب الطاعة لكل من دعاهم إلى قتال قوم أولي بأس شديد يقاتلونهم أو يسلمون

ولا ريب أن أبا بكر دعاهم إلى قتال المرتدين ثم قتال فارس والروم وكذلك عمر دعاهم إلىقتال فارس والروم وعثمان دعاهم إلى قتال البربر ونحوهم والآية تناول هذا الدعاء كله

أما تخصيصها بمن دعاهم بعد النبي ﷺ كما قاله طائفة من المحتجين بها على خلافة أبي بكر فخطأ بل إذا قيل تتناول هذا وهذا كان هذ مما يسوغ ويمكن أن يراد بالآية ويستدل عليه بها ولهذا وجب قتال الكفار مع كل أمير دعا إلى قتالهم وهذا أظهر الأقوال في الآية وهو أن المراد تدعون إلى قتال أولي بأس شديد أعظم من العرب لا بد فيهم من أحد أمرين إما أن يسلموا وإما أن يقاتلوا بخلاف من دعوا إليه عام الحديبية فإن بأسهم لم يكن شديدا مثل هؤلاء ودعوا إليهم ففي ذلك لم يسلموا ولم يقاتلوا

وكذلك عام الفتح في أول الأمر لم يسلموا ولم يقاتلوا لكن بعد ذلك أسلموا

وهؤلاء هم الروم والفرس ونحوهم فإنه لا بد من قتالهم إذا لم يسلموا وأول الدعوة إلى قتال هؤلاء عام مؤتة وتبوك وعام تبوك لم يقاتلوا النبي ﷺ ولم يسلموا لكن في زمن الصديق والفاروق كان لا بد من أحد الأمرين إما الإسلام وإما القتال وبعد القتال أدوا الجزية لم يصالحوا ابتداء كما صالح المشركون عام الحديبية فتكون دعوة أبي بكر وعمر إلى قتال هؤلاء داخلة في الآية وهو المطلوب

والآية تدل على أن قتال علي لم تتناوله الآية فإن الذين قاتلهم لم يكونوا أولي بأس شديد أعظم من بأس أصحابه بل كانوا من جنسهم وأصحابه كانوا أشد بأسا

وأيضا فهم لم يكونوا يقاتلون أو يسلمون فإنهم كانوا مسلمين

وما ذكره في الحديث من قوله حربك حربي لم يذكر له إسنادا فلا يقوم به حجة فكيف وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث

ومما يوضح الأمر أن النبي ﷺ قبل نزول براءة وآية الجزية كان الكفار من المشركين وأهل الكتاب تارة يقاتلهم وتارة يعاهدهم فلا يقاتلهم ولا يسلمون فلما أنزل الله براءة وأمره فيها بنبذ العهد إلى الكفار وأمره أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون صار حينئذ مأمورا بأن يدعو الناس إلى قتال من لا بد من قتالهم أو إسلامهم وإذا قاتلهم قاتلهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية لم يكن له حينئذ أن يعاهدهم بلا جزية كما كان يعاهد الكفار من المشركين وأهل الكتاب كما عاهد أهل مكة عام الحديبية وفيها دعا الأعراب إلى قتالهم وأنزل فيها سورة الفتح وكذلك دعا المسلمين وقال فيها قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون سورة الفتح 16 بخلاف هؤلاء الذين دعاهم إليهم عام الحديبية

والفرق بينهما من وجهين أحدهما أن الذين يدعون إلى قتالهم في المستقبل أولوا بأس شديد بخلاف أهل مكة وغيرهم من العرب

والثاني أنكم تقاتلونهم أو يسلمون ليس لكم أن تصالحوهم ولا تعاهدوهم بدون أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما قاتل أهل مكة وغيرهم والقتال إلى أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

وهذا يبين أن هؤلاء أولي البأس لم يكونوا ممن يعاهدون بلا جزية فإنهم يقاتلون أو يسلمون ومن يعاهد بلا جزية له حال ثالث لا يقاتل فيها ولا يسلم وليسوا أيضا من جنس العرب الذين قوتلوا قبل ذلك

فتبين أن الوصف لا يتناول الذين قاتلهم بحنين وغيرهم فإن هؤلاء بأسهم من جنس بأس أمثالهم من العرب الذين قوتلوا قبل ذلك

فتبين أن الوصف يتناول فارس والروم الذين أمر الله بقتالهم أو يسلمون وإذا قوتلوا قبل ذلك فإنهم يقاتلون حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

وإذا قيل إنه دخل ذلك في قتال المرتدين لأنهم يقاتلون أو يسلمون كان أوجه من أن يقال المراد قتال أهل مكة وأهل حنين الذين قوتلوا في حال كان يجوز فيها مهادنة الكفار فلا يسلمون ولا يقاتلون والنبي ﷺ عام الفتح وحنين كان بينه وبين كثير من الكفار عهود بلا جزية فأمضاها لهم ولكن لما أنزل الله براءة بعد ذلك عام تسع سنة غزوة تبوك بعث أبا بكر بعد تبوك أميرا على الموسم فأمره أن ينادي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وأن من كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته وأردفه بعلى يأمره بنبذ العهود المطلقة وتأجيل من لا عهد له أربعة أشهر كان آخرها شهر ربيع سنة عشر

وهذه الحرم المذكورة في قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية سورة التوبة 5 ليس المراد الحرم المذكورة في قوله منها أربعة حرم سورة التوبة 36 ومن قال ذلك فقد غلط غلطا معروفا عند أهل العلم كما هو مبسوط في موضعه

ولما أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أخذ النبي ﷺ الجزية من المجوس واتفق المسلمون على أخذها من أهل الكتاب والمجوس

وتنازع العلماء في سائر الكفار على ثلاثة أقوال فقيل جميعهم يقاتلون بعد ذلك حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون إذا لم يسلموا وهذا قول مالك

وقيل يستثنى من ذلك مشركون العرب وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه

وقيل ذلك مخصوص بأهل الكتاب ومن له شبهة كتاب وهو قول الشافعي وأحمد في رواية أخرى عنه

والقول الأول والثاني متفقان في المعنى فإن آية الجزية لم تنزل إلا بعد فراغ النبي ﷺ من قتال مشركي العرب فإن آخر غزواته للعرب كانت غزوة الطائف وكانت بعد حنين وحنين بعد فتح مكة وكل ذلك سنة ثمان وفي السنة التاسعة غزا النصارى عام تبوك وفيها نزلت سورة براءة وفيها أمر بالقتال حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

وكان النبي ﷺ إذا بعث أميرا على جيش أو سرية أمره أن يقاتلهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما رواه مسلم في صحيحه وصالح النبي ﷺ نصارى نجران على الجزية وهم أول من أدى الجزية وفيهم أنزل الله صدر سورة آل عمران ولما كانت سنة تسع نفى المشركون عن الحرم ونبذ العهود إليهم وأمره الله تعالى أن يقاتلهم وأسلم المشركون من العرب كلهم فلم يبق مشرك معاهد لا بجزية ولا بغيرها وقبل ذلك كان يعاهدهم بلا جزية فعدم أخذ الجزية منهم هل كان لأنه لم يبق فيهم من يقاتل حتى يعطوا الجزية بل أسلموا كلهما لما رأوا من حسن الإسلام وظهوره وقبح ما كانوا عليه من الشرك وأنفتهم من أن يؤتوا الجزية عن يد وهم صاغرون

أو لأن الجزية لا يجوز أخذها منهم بل يجب قتالهم إلى الإسلام فعلى الأول تؤخذ من سائر الكفار كما قاله أكثر الفقهاء وهؤلاء يقولون لما أمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ونهى عن معاهدتهم بل جزية كما كان الأمر أولا وكان هذا تبيها على أن من هو دونهم من المشركين أولى أن لا يهادن بغير جزية بل يقاتل حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

ولهذا قال النبي ﷺ في المجوس سنوا بهم سنة أهل الكتاب وصالح أهل البحرين على الجزية وفيهم مجوس واتفق على ذلك خلفاؤه وسائر علماء المسلمين وكان الأمر في أول الإسلام أنه يقاتل الكفار ويهادنهم بلا جزية كما كان النبي ﷺ يفعله قبل نزوله براءة فلما نزلت براءة أمره فيها بنبذ هذه العهود المطلقة وأمره أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية فغيرهم أولى أن يقاتلوا ولا يعاهدوا

وقوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصرووهم واقعدوا لهم كل مرصد وقال فإن تابوا سورة التوبة 5 ولم يقل قاتلوهم حتى يتوبوا

وقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله حق فإن من قال لا إله إلا الله لم يقاتل بحال ومن لم يقلها قوتل حتى يعطى الجزية وهذا القول هو المنصوص صريحا عن أحمد والقول الآخر الذي قاله الشافعي ذكره الخرقي في مختصره ووافقه عليه طائفة من أصحاب أحمد

=============








ومما يبين ذلك أن آية براءة لفظها يخص النصارى وقد اتفق المسلمون على أن حكمها يتناول اليهود والمجوس

والمقصود أنه لم يكن الأمر في أول الإسلام منحصرا بين أن يقاتلهم المسلمون وبين إسلامهم إذا كان هنا قسم ثالث وهو معاهدتهم فلما نزلت آية الجزية لم يكن بد من القتال أو الإسلام والقتال إذا لم يسلموا حتى يعطوا الجزية فصار هؤلاء إما مقاتلين وإما مسلمين ولم يقل تقاتلونهم أو يسلمون ولو كان كذلك لوجب قتالهم إلى أن يسلموا

وليس الأمر كذلك بل إذا أدوا الجزية لم يقاتلوا ولكنهم مقاتلين أو مسلمين فإنهم لا يؤدون الجزية بغير القتال لأنهم أولو بأس شديد ولا يجوز مهادنتهم بغير جزية

ومعلوم أن أبا بكر وعمر بل وعثمان في خلافتهم قوتل هؤلاء وضربت الجزية على أهل الشام والعراق والمغرب فأعظم قتال هؤلاء القوم وأشده وكان في خلافة هؤلاء

والنبي ﷺ لم يقاتلهم في غزوة تبوك وفي غزوة مؤته استظهروا على المسلمين وقتل زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة وأخذ الراية خالد وغايتهم أن نجوا

والله أخبر أننا نقاتلهم أو يسلمون فهذه صفة الخلفاء الراشدين الثلاثة فيمتنع أن تكون الآية مختصة بغزوة مؤتة ولا يدخل فيها قتال المسلمين في فتوح الشام والعراق والمغرب ومصر وخراسان وهي الغزوات التي أظهر الله فيها الإسلام وظهر الهدى ودين الحق في مشارق الأرض ومغاربها

لكن قد يقال مذهب أهل السنة أن يغزى مع كل أمير دعا برا كان أو فاجرا فهذه الآية تدل على وجوب الجهاد مع كل أمير دعا الناس إليه لأنه ليس فيها ما يدل على أن الداعي إمام عدل

فيقال هذا ينفع أهل السنة فإن الرافضة لا ترى الجهاد إلا مع إمام معصوم ولا معصوم عندهم من الصحابة إلا علي فهذه الآية حجة عليهم في وجوب غزو الكفار مع جميع الأمراء وإذا ثبت هذا فأبو بكر وعمر وعثمان أفضل من غزا الكفار من هؤلاء الأمراء بعد النبي ﷺ

ثم من المحال أن يكون كل من أمر الله المسلمين أن يجاهدوا معه الكفار بعد النبي ﷺ لا يكون إلا ظالما فاجرا معتديا لا تجب طاعته في شيء من الأشياء فإن هذا خلاف القرآن حيث وعد على طاعته بأن يؤتى أجرا حسنا ووعد على التولي عن طاعته بالعذاب الأليم

وقد يستدل بالآية على عدل الخلفاء لأنه وعد بالأجر الحسن على مجرد الطاعة إذا دعوا إلى القتال وجعل المتولى عن ذلك كما تولى من قبل معذبا عذابا أليما

ومعلوم أن الأمير الغازي إذا كان فاجرا لا تجب طاعته في القتال مطلقا بل فيما أمر الله به ورسوله والمتولى عن طاعته لا يتولى كما تولى عن طاعة الرسول بخلاف المتولى عن طاعة الخلفاء الراشدين فإنه قد يقال إنه تولى كما تولى من قبل إذا كان أمر الخلفاء الراشدين مطابقا لأمر رسول الله ﷺ

وفي الجملة فهذا الموضع في الاستدلال به نظر ودقة ولا حاجة بنا إليه ففي غيره ما يغني عنه

وأما قول الرافضي إن الداعي جاز أن يكون عليا دون من قبله من الخلفاء لما قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين يعني أهل الجمل وصفين والحرورية والخوارج

فيقال له هذا باطل قطعا من وجوه

أحدها أن هؤلاء لم يكونوا أشد بأسا من بني جنسهم بل معلوم أن الذين قاتلوه يوم الجمل كانوا أقل من عسكره وجيشه كانوا أكثر منهم وكذلك الخوارج كان جيشه أضعافهم وكذلك أهل صفين كان جيشه أكثر منهم وكانوا من جنسهم فلم يكن في وصفهم بأنهم أولو بأس شديد ما يوجب امتيازهم عن غيرهم

ومعلوم أن بني حنيفة وفارس والروم كانوا في القتال أشد بأسا من هؤلاء بكثير ولم يحصل في أصحاب علي من الخوارج من استحرار القتل ما حصل في جيش الصديق الذين قاتلوا أصحاب مسيلمة وأما فارس والروم فلا يشك عاقل أن قتالهم كان أشد من قتال المسلمين العرب بعضهم بعضا وإن كان قتال العرب للكفار في أول الإسلام كان افضل وأعظم فذاك لقلة المؤمنين وضعفهم في أول الأمر لا أن عدوهم كان أشد الناس بأسا من فارس والروم

ولهذا قال تعالى ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة سورة آل عمران 123 فإن هؤلاء تجمعهم دعوة الإسلام والجنس فليس في بعضهم لبعض من البأس ما كان في فارس والروم والنصارى والمجوس للعرب المسلمين الذين لم يكونوا يعدونهم إلا من أضعف جيرانهم ورعاياهم وكانوا يحتقرون أمرهم غاية الاحتقار ولولا أن الله أيد المؤمنين بما أيد به رسوله والمؤمنين على سنته الجميلة معهم لما كانوا ممن يثبت معهم في القتال ويفتح البلاد وهم أكثر منهم عددا وأعظم قوة وسلاحا لكن قلوب المؤمنين أقوى بقوة الإيمان التي خصم الله بها

الوجه الثاني أن عليا لم يدع ناسا بعيدين منه إلى قتال أهل الجمل وقتال الخوارج ولما قدم البصرة لم يكن في نيته قتال أحد بل وقع القتال بغير اختيار منه ومن طلحة والزبير وأما الخوارج فكان بعض عسكره يكفيهم لم يدع أحدا إليهم من أعراب الحجاز

الثالث أنه لو قدر أن عليا تجب طاعته في قتال هؤلاء فمن الممتنع أن يأمر الله بطاعة من يقاتل أهل الصلاة لردهم إلى طاعة ولى الأمر ولا يأمر بطاعة من يقاتل الكفار ليؤمنوا بالله ورسوله

ومعلوم أن من خرج من طاعة علي ليس بأبعد عن الإيمان بالله ورسوله ممن كذب الرسول والقرآن ولم يقر بشيء مما جاء به الرسول بل هؤلاء أعظم ذنبا ودعاؤهم إلى الإسلام أفضل وقتالهم أفضل إن قدر أن الذين قاتلوا عليا كفار

وإن قيل هم مرتدون كما تقوله الرافضة

فمعلوم أن من كانت ردته إلى أن يؤمن برسول آخر غير محمد كأتباع مسيلمة الكذاب فهو أعظم ردة ممن لم يقر بطاعة الإمام مع إيمانه بالرسول

فبكل حال لا يذكر ذنب لمن قاتله علي إلا وذنب من قاتله الثلاثة أعظم ولا يذكر فضل ولا ثواب لمن قاتل مع علي إلا والفضل والثواب لمن قاتل مع الثلاثة أعظم

هذا بتقدير أن يكون من قاتله علي كافرا ومعلوم أن هذا قول باطل لا يقوله إلا حثالة الشيعة وإلا فعقلاؤهم لا يقولون ذلك وقد علم بالتواتر عن علي وأهل بيته أنهم لم يكونوا يكفرون من قاتل عليا وهذا كله إذا سلم أن ذلك القتال كان مأمورا به كيف وقد عرف نزاع الصحابة والعلماء بعدهم في هذا القتال هل كان من باب قتال البغاة الذي وجد في شرط وجوب القتال فيه أم لم يكن من ذلك لانتفاء الشرط الموجب للقتال

والذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفين لم يكن من القتال المأمور به وأن تركه أفضل من الدخول فيه بل عدوه قتال فتنة وعلى هذا جمهور أهل الحديث وجمهور ائمة الفقهاء فمذهب أبي حنيفة فيما ذكره القدوري أنه لا يجوز قتال البغاة إلا أن يبدأوا بالقتال وأهل صفين لم يبدأوا عليا بقتال

وكذلك مذهب أعيان فقهاء المدينة والشام والبصرة وأعيان فقهاء الحديث كمالك وأيوب والأوزاعي وأحمد وغيرهم أنه لم يكن مأمورا به وأن تركه كان خيرا من فعله وهو قول جمهور ائمة السنة كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا الباب بخلاف قتال الحرورية والخوارج أهل النهروان فإن قتال هؤلاء واجب بالسنة المستفيضة عن النبي ﷺ وباتفاق الصحابة وعلماء السنة

ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال أشرف النبي ﷺ على أطم من آطام المدينة وقال: هل ترون ما أرى قالوا لا قال: فإني ارى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر

وفي السنن عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال قال رسول الله ﷺ: إنها ستكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار اللسان فيها أشد من وقع السيف

وفي السنن عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرفت له واستشراف اللسان فيها كوقوع السيف

وعن أم سلمة قالت استيقظ النبي ﷺ ذات ليلة فقال: سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن وماذا أنزل من الفتن

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ومن يستشرف لها تستشرف له ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به

ورواه أبو بكرة في الصحيحين وقال فيه: فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه قال فقال رجل يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت فقال رجل يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى الحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني فقال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار

ومثل هذا الحديث معروف عن سعد بن أبي وقاص وغيره من الصحابة والذين رووا هذه الأحاديث من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وأبي هريرة وغيرهم جعلوا قتال الجمل وصفين من ذلك بل جعلوا ذلك أول قتال فتنة كان في الإسلام وقعدوا عن القتال وأمرهم غيرهم بالقعود عن القتال كما استفاضت بذلك الآثار عنهم

والذين قاتلوا من الصحابة لم يأت أحد منهم بحجة توجب القتال لا من كتاب ولا من سنة بل أقروا بأن قتالهم كان رأيا رأوه كما أخبر بذلك علي رضي الله عنه عن نفسه ولم يكن في العسكرين أفضل من علي فيكون ممن هو دونه أولى وكان علي أحيانا يظهر فيه الندم والكراهة للقتال مما يبين أنه لو لم يكن عنده فيه شيء من الأدلة الشرعية مما يوجب رضاه وفرحه بخلاف قتاله للخوارج فإنه كان يظهر فيه من الفرح والرضا والسرور ما يبين أنه كان يعلم أن قتالهم كان طاعة لله ورسوله يتقرب به إلى الله لأن في قتال الخوارج من النصوص النبوية والأدلة الشرعية ما يوجب ذلك

ففي الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي ﷺ قال: تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق

وفي لفظ مسلم قال: ذكر قوما يخرجون في أمته يقتلهم ادنى الطائفتين إلى الحق سيماهم التحليق هم شر الخلق أو من شر الخلق قال أبو سعيد فأنتم قتلتموهم يا أهل العراق

ولفظ البخاري يخرج ناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يعودون فيه حتى يعود السهم

وفي الصحيحين عن علي قال سمعت النبي ﷺ يقول: يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس في قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل آيتهم أن فيهم رجلا له عضد ليس فيها ذراع على رأسه عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض

الوجه الرابع أن الآية لا تتناول القتال مع علي قطعا لأنه قال تقاتلونهم أو يسلمون سورة الفتح 16 فوصفهم بأنهم لا بد فيهم من أحد الأمرين المقاتلة أو الإسلام ومعلوم أن الذين دعا إليهم علي فيهم خلق لم يقاتلوه ألبته بل تركوا قتاله فلم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه فكانوا صنفا ثالثا لا قاتلوه ولا قاتلوا معه ولا اطاعوه وكلهم مسلمون وقد دل على إسلامهم القرآن والسنة وإجماع الصحابة علي وغيره

قال تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصبحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين سورة الحجرات 9 فوصفهم بالإيمان مع الاقتتال والبغي وأخبر أنهم إخوة وأن الأخوة لا تكون إلا بين المؤمنين لا بين مؤمن وكافر

وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي بكرة أن النبي ﷺ قال للحسن: إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فأصلح الله به بين عسكر علي وعسكر معاوية فدل على أن كليهما مسلمون ودل على أن الله يحب الإصلاح بينهما ويثنى على من فعل ذلك ودل على أن ما فعله الحسن كان رضي لله ورسوله ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لم يكن تركه رضى لله ولرسوله

وأيضا فالنقل المتواتر عن الصحابة أنهم حكموا في الطائفتين بحكم الإسلام وورثوا بعضهم من بعض ولم يسبوا ذراريهم ولم يغنموا أموالهم التي لم يحضروا بها القتال بل كان يصلي بعضهم على بعض وخلف بعض

وهذا أحد ما نقمته الخوارج على علي فإن مناديه نادى يوما لجمل لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح ولم يغنم أموالهم ولا سبى ذراريهم وأرسل ابن عباس إلى الخوارج وناظرهم في ذلك

فروى أبو نعيم بالإسناد الصحيح عن سليمان بن الطبراني عن محمد بن إسحاق بن راهوية وسليمان عن علي بن عبد العزيز عن أبي حذيفة وعبد الرزاق قالا حدثنا عكرمة بن عمار حدثناأبو زميل الحنفي عن ابن عباس قال لما اعتزلت الحرورية قلت لعلي يا أمير المؤمنين أبرد عن الصلاة فلعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم قال إني أتخوفهم عليك قال قلت كلا إن شاء الله فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة فدخلت على قوم لم أر قوما أشد اجتهادا منهم أيديهم كأنها ثفن الإبل ووجوههم معلمة من آثار السجود قال فدخلت فقالوا مرحبا بك يا ابن عباس ما جاء بك قال جئت أحدثكم على أصحاب رسول الله ﷺ نزل الوحي وهم أعلم بتأويله فقال بعضهم لا تحدثوه وقال بعضهم لنحدثنه قال قلت أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله ﷺ وختنه وأول من آمن به وأصحاب رسول الله معه قالوا ننقم عليه ثلاثا قلت ما هن قالوا أولهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال تعالى إن الحكم إلا لله سورة الأنعام 57 قال قلت وماذا قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم وإن كانوا مؤمنين فقد حرمت عليه دماؤهم قال قلت وماذا قالوا ومحا نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين

قال قلت أرأيتم إن قرأت عليكم كتاب الله المحكم وحدثتكم عن سنة نبيكم ما لا تنكرون أترجعون قالوا نعم قال قلت أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فإن الله يقول يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم سورة المائدة 95 وقال في المرأة وزوجها وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها سورة النساء 35 أنشدكم الله أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم أرنب ثمنها ربع درهم قالوا في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم قال أخرجت من هذه قالوا اللهم نعم قال وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم أتسبون أمكم ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فقد كفرتم وإن زعمتم أنها ليست أمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام إن الله يقول النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم سورة الأحزاب 6 وأنتم مترددون بين ضلالتين فاختاروا أيهما شئتم أخرجت من هذه قالوا اللهم نعم. قال وأما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين فإن رسول الله ﷺ دعا قريش يوم الحديبية على أن يكتب بينهم وبينه كتابا فقال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال: والله إني لرسول وإن كذبتموني اكتب يا علي محمد بن عبد الله ورسول الله كان أفضل من علي أخرجت من هذه قالوا اللهم نعم فرجع منهم عشرون ألفا وبقى منهم أربعة آلاف فقتلوا

وأما تكفير هذا الرافضي وأمثاله لهم وجعل رجوعهم إلى طاعة علي إسلاما لقوله ﷺ فيما زعمه يا علي حربك حربي فيقال من العجائب وأعظم المصائب على هؤلاء المخذولين أن يثبتوا مثل هذا الأصل العظيم بمثل هذا الحديث الذي لا يوجد في شئ من دواوين أهل الحديث التي يعتمدون عليها لا هو في الصحاح ولا السنن ولا المساند ولا الفوائد ولا غير ذلك مما يتناقله أهل العلم بالحديث ويتدواولونه بينهم ولا هو عندهم لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف بل هو أخس من ذلك وهو من أظهر الموضوعات كذبا فإنه خلاف المعلوم المتواتر من سنة رسول الله ﷺ من أنه جعل الطائفتين مسلمين وأنه جعل ترك القتال في تلك الفتنة خيرا من القتال فيها وأنه أثنى على من أصلح به بين الطائفتين فلو كانت إحدى الطائفتين مرتدين عن الإسلام لكانوا أكفر من اليهود والنصارى الباقين على دينهم وأحق بالقتال منهم كالمرتدين أصحاب مسيلمة الكذاب الذين قاتلهم الصديق وسائر الصحابة واتفقوا على قتالهم بل وسبوا ذراريهم وتسرى على من ذلك السبي بالحنفية أم محمد بن الحنيفية
فصل

قال الرافضي وأما كونه أنيسه في العريش يوم بدر فلا فضل فيه لأن النبي ﷺ كان أنسه بالله مغنيا له عن كل أنيس لكن لما عرف النبي ﷺ أن أمره لأبي بكر بالقتال يؤدي إلى فساد الحال حيث هرب عدة مرار في غزواته وأيما أفضل القاعد عن القتال أو المجاهد بنفسه في سبيل الله

الجواب أن يقال لهذا المفتري الكذاب ما ذكرته من أظهر الباطل من وجوه

أحدها أن قوله هرب عدة مرار في غزوات يقال له هذا الكلام يدل على أن قائله من أجهل الناس بمغازي رسول الله ﷺ وأحواله والجهل بذلك غير منكر من الرافضة فإنهم من أجهل الناس بأحوال الرسول وأعظمهم تصديقا بالكذب فيها وتكذيبا بالصدق منها

وذلك أن غزوة بدر هي أول مغازي القتال لم يكن قبلها لرسول الله ﷺ ولا لأبي بكر غزاة مع الكفار أصلا وغزوات القتال التي قاتل فيها النبي ﷺ تسع غزوات بدر وأحد والخندق وبني المصطلق وغزوة ذي قرد وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف وأما الغزوات التي لم يقاتل فيها فهي نحو بضعة عشر وأما السرايا فمنها ما كان فيه قتال ومنها ما لم يكن فيه قتال

وبكل حال فبدر أولى مغازي القتال باتفاق الناس وهذا من العلم الذي يعلمه كل من له علم بأحوال الرسول من أهل التفسير والحديث والمغازي والسير والفقه والتواريخ والأخبار يعلمون أن بدرا هي أول الغزوات التي قاتل فيها النبي ﷺ وليس قبلها غزوة ولا سرية كان فيها قتال إلا قصة ابن الحضرمي ولم يكن فيها أبو بكر

فكيف يقال أنه هرب قبل ذلك عدة مرار في مغازيه

الثاني أن أبا بكر رضي الله عنه لم يهرب قط حتى يوم أحد لم ينهزم لا هو ولا عمر وإنما كان عثمان تولى وكان ممن عفا الله عنه وأما أبو بكر وعمر فلم يقل أحد قط إنهما انهزما مع من انهزم بل ثبتا مع النبي ﷺ يوم حنين كما تقدم ذلك عن أهل السيرة لكن بعض الكذابين ذكر أنهما أخذا الراية يوم حنين فرجعا ولم يفتح عليهما ومنهم من يزيد في الكذب ويقول إنهما انهزما مع من انهزم وهذا كذب كله

وقبل أن يعرف الإنسان أنه كذب فمن أثبت ذلك عليهما هو المدعى لذلك فلا بد من إثبات ذلك بنقل يصدق ولا سبيل إلى هذا فأين النقل المصدق على أبي بكر أنه هرب في غزوة واحدة فضلا عن أن يكون هرب عدة مرات

الثالث أنه لو كان في الجبن بهذه الحال لم يخصه النبي ﷺ دون أصحابه بأن يكون معه في العريش بل لا يجوز استصحاب مثل هذا في الغزو فإنه لا ينبغي للإمام أن يستصحب منخذلا ولا مرجفا فضلا عن أن يقدم على سائر أصحابه ويجعله معه في عريشه

الرابع أن الذي في الصحيحين من ثباته وقوة يقينه في هذه الحال يكذب هذا المفترى ففي الصحيحين عن ابن عباس عن عمر قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله ﷺ إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وسبعة عشر رجلا فاستقبل رسول الله ﷺ القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم سورة الأنفال 9 الآية وذكر الحديث

الخامس أن يقال قد علم كل من علم السيرة أن أبا بكر كان أقوى قلبا من جميع الصحابة لا يقاربه في ذلك أحد منهم فإنه من حين بعث الله رسوله إلى أن مات أبو بكر لم يزل مجاهدا ثابتا مقداما شجاعا لم يعرف قط أنه جبن عن قتال عدو بل لما مات رسول الله ﷺ ضعفت قلوب أكثر الصحابة وكان هو الذي يثبتهم حتى قال أنس خطبنا أبو بكر ونحن كالثعالب فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود

وروى أن عمر قال يا خليفة رسول الله تألف الناس فأخذ بلحيته وقال يا ابن الخطاب أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام علام أتألفهم على حديث مفترى أم على شعر مفتعل

السادس قوله أيما أفضل القاعد عن القتال أو المجاهد نفسه في سبيل الله

فيقال بل كونه مع النبي ﷺ في هذ الحال هو من أفضل الجهاد فإنه هو الذي كان العدو يقصده فكان ثلث العسكر حوله يحفظونه من العدو وثلثه اتبع المنهزمين وثلثه أخذوا الغنائم ثم إن الله قسمها بينهم كلهم

السابع قوله إن أنس النبي ﷺ بربه كان مغنيا له عن كل أنيس

فيقال قول القائل إنه كان أنيسه في العريش ليس هو من ألفاظ القرآن والحديث ومن قاله وهو يدري ما يقول لم يرد به أنه يؤنسه لئلا يستوحش بل المراد أنه كان يعاونه على القتال كما كان من هو دونه يعاونه على القتال

وقد قال تعالى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين سورة الأنفال 62 وهو أفضل المؤمنين الذين أيده الله بهم

وقال فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرصضالمؤمنين سورة النساء 84 وكان الحث على أبي بكر أن يعاونه بغاية ما يمكنه وعلى الرسول أن يحرضهم على الجهاد ويقاتل بهم عدوه بدعائهم ورأيهم وفعلهم وغير ذلك مما يمكن الاستعانة به على الجهاد

الثامن أن يقال من المعلوم لعامة العقلاء أن مقدم القتال المطلوب الذي قد قصده أعداؤه يريدون قتله إذا أقام في عريش أو قبة او حركاه أو غير ذلك مما يجنه ولم يستصحب معه من أصحابه إلا واحدا وسائرهم خارج ذلك العريش لم يكن هذا إلا أخص الناس به وأعظمهم موالاة له وانتفاعا به

وهذا النفع في الجهاد لا يكون إلا مع قوة القلب وثباته لا مع ضعفه وخوره

فهذا يدل على أن الصديق كان أكملهم إيمانا وجهادا وأفضل الخلق هم أهل الإيمان والجهاد فمن كان أفضل في ذلك كان أفضل مطلقا

قال تعالى أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله إلى قوله وأولئك هم الفائزون سورة التوبة 19 20 فهؤلاء أعظم درجة عند الله من أهل الحج والصدقة والصديق أكمل في ذلك

وأما قتال علي بيده فقد شاركه في ذلك سائر الصحابة الذين قاتلوا يوم بدر ولم يعرف أن عليا قاتل أ كثر من جميع الصحابة يوم بدر ولا أحد ولا غير ذلك

ففضيلة الصديق مختصة به لم يشركه فيها غيره وفضيلة علي مشتركه بينه وبين سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

الوجه التاسع أن النبي ﷺ هو وأبو بكر خرجا بعد ذلك من العريش ورماهم النبي ﷺ الرمية التي قال الله فيها وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى سورة الانفال 17 والصديق قاتلهم حتى قال له ابنه عبدالرحمن قد رأيتك يوم بدر فصدفت عنك فقال لكني لو رأيتك لقتلتك
فصل

قال الرافضي وأما إنفاقه على النبي ﷺ فكذب لأنه لم يكن ذا مال فإن أباه كان فقيرا في الغاية وكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان كل يوم بمد يقتات به ولو كان أبو بكر غنيا لكفى أباه وكان أبو بكر معلما للصبيان في الجاهلية وفي الإسلام كان خياطا ولما ولي أمر المسلمين منعه الناس عن الخياطة فقال إني محتاج إلى القوت فجعلوا له كل يوم ثلاثة دراهم من بيت المال

والجواب أن يقال أولا من أعظم الظلم والبهتان أن ينكر الرجل ما تواتر به النقل وشاع بين الخاص والعام وامتلأت به الكتب كتب الحديث الصحاح والمساند والتفسير والفقه والكتب المصنفة في أخبارالقوم وفضائلهم ثم يدعى شيئا من المنقولات التي لا تعلم بمجرد قوله ولا ينقله بإسناد معروف ولا إلى كتاب يعرفه يوثق به ولا يذكر ما قاله فلو قدرنا أنه ناظر أجهل الخلق لأمكنه أن يقول له بل الذي ذكرت هو الكذب والذي قاله منازعوك هو الصدق فكيف تخبر عن أمر كان بلا حجة أصلا ولا نقل يعرف به ذلك ومن الذي نقل من الثقات ما ذكره عن أبي بكر

ثم يقال أما إنفاق أبي بكر ماله فمتواتر منقول في الحديث الصحيح من وجوه كثيرة حتى قال: ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر وقال: إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر وثبت عنه أنه اشترى المعذبين من ماله بلالا وعامر بن فهيرة اشترى سبعة أنفس

وأما قول القائل إن أباه كان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان، فهذا لم يذكر له إسنادا يعرف به صحته ولو ثبت لم يضر فإن هذا كان في الجاهلية قبل الإسلام فإن ابن جدعان مات قبل الإسلام وأما في الإسلام فكان لأبي قحافة ما يعينه ولم يعرف قط أن أبا قحافة كان يسأل الناس وقد عاش أبو قحافة إلى أن مات أبو بكر وورث السدس فرده على أولاده لغناه عنه

ومعلوم أنه لو كان محتاجا لكان الصديق يبره في هذه المدة فقد كان الصديق ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابة بعيدة وكان ممن تكلم في الإفك فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه فأنزل الله تعالى ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين إلى قوله غفور رحيم سورة النور 22 فقال أبو بكر بلى والله أحب أن يغفر الله لي فأعاد عليه النفقة والحديث بذلك ثابت في الصحيحين

وقد اشترى بماله سبعة من المعذبين في الله ولما هاجر مع النبي ﷺ استصحب ماله فجاء أبو قحافة وقال لأهله ذهب أبو بكر بنفسه فهل ترك ماله عندكم أو أخذه قالت أسماء فقلت بل تركه ووضعت في الكوة شيئا وقلت هذا هو المال لتطيب نفسه أنه ترك ذلك لعياله ولم يطلب أبو قحافة منهم شيئا وهذا كله يدل على غناه

وقوله إن أبا بكر كان معلما للصبيان في الجاهلية،

فهذا من المنقول الذي لو كان صدقا لم يقدح فيه بل يدل على أنه كان عنده علم ومعرفة وكان جماعة من علماء المسلمين يؤدبون منهم أبو صالح صاحب الكلبي كان يعلم الصبيان وأبو عبد الرحمن السلمي وكان من خواص أصحاب علي وقال سفيان بن عينية كان الضحاك بن مزاحم وعبد الله بن الحارث يعلمان الصبيان فلا يأخذان أجرا ومنهم قيس بن سعد وعطاء بن أبي رباح وعبد الكريم أبو أميه وحسين المعلم وهو ابن ذكوان والقاسم بن عمير الهمداني وحبيب المعلم مولى معقل بن يسار

ومنهم علقمة بن أبي علقمة وكان يروى عنه مالك بن أنس وكان له مكتب يعلم فيه

ومنهم أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام المجمع على إمامته وفضله

فكيف إذا كان ذلك من الكذب المختلق

بل لو كان الصديق قبل الإسلام من الأرذلين لم يقدح ذلك فيه فقد كان سعد وابن مسعود وصهيب وبلال وغيرهم من المستضعفين وطلب المشركون من النبي ﷺ طردهم فنهاه الله عن ذلك وأنزل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء إلى قوله أليس الله بأعلم بالشاكرين سورة الأنعام 52 53

وقوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا سورة الكهف 2وقال في المستضعفين من المؤمنين إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون إلى آخر السورة سورة المطففين 29 3وقال زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب سورة البقرة 21وقال ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون سورة الأعراف 48 4وقال وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار سورة ص 62 63

وقال عن قوم نوح قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون سورة الشعراء 115وقال تعالى فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي سورة هود 27 وقال عن قوم صالح قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون سورة الأعراف 75 7وفي الصحيحين أن هرقل سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي ﷺ قال أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم قال بل ضعفاؤهم قال هم أتباع الرسل

فإذا قدر أن الصديق كان من المستضعفين كعمار وصهيب وبلال لم يقدح ذلك في كمال أيمانه وتقواه كما لم يقدح في إيمان هؤلاء وتقواهم وأكمل الخلق عند الله أتقاهم

ولكن كلام الرافضة من جنس كلام المشركين الجاهلية يتعصبون للنسب والآباء لا للدين ويعيبون الإنسان بما لا ينقض إيمانه وتقواه وكل هذا من فعل الجاهلية ولهذا كانت الجاهلية ظاهرة عليهم فهم يشبهون الكفار من وجوه خالفوا بها أهل الإيمان والإسلام

وقوله إن الصذيق كان خياطا في الإسلام ولما ولى أمر المسلمين منعه الناس عن الخياطة، كذب ظاهر يعرف كل أحد أنه كذب وإن كان لا غضاضة فيه لو كان حقا فإن أبا بكر لم يكن خياطا وإنما كان تاجرا تارة يسافر في تجارته وتارة لا يسافر وقد سافر إلى الشام في تجارته في الإسلام والتجارة كانت أفضل مكاسب قريش وكان خيار أهل الأموال منهم أهل التجارة وكانت العرب تعرفهم بالتجارة ولما ولى أراد أن يتجر لعياله فمنعه المسلمون وقالوا هذا يشغلك عن مصالح المسلمين

وكان عامة ملابسهم الأردية والأزز فكانت الخياطة فيهم قليلة جدا وقد كان بالمدينة خياط دعا النبي ﷺ إلى بيته

وأما المهاجرون المشهورون فما أعلم فيهم خياطا مع أن الخياطة من أحسن الصناعات وأجلها

وإنفاق أبي بكر في طاعة الله ورسوله هو من المتواتر الذي تعرفه العامة والخاصة وكان له مال قبل الإسلام وكان معظما في قريش محببا مؤلفا خبيرا بأنساب العرب وأيامهم وكانوا يأتونه لمقاصد التجارة ولعلمه وإحسانه ولهذا لما خرج من مكة قال له ابن الدغنة مثلك لا يخرج ولا يخرج

ولم يعلم أحد من قريش وغيرهم عاب أبا بكر بعيب ولا نقصه ولا استرذله كما كانوا يفعلون بضعفاء المؤمنين ولم يكن له عندهم عيب إلا إيمانه بالله ورسوله كما أن رسول الله ﷺ لم يكن قط به عيب عند قريش ولا نقص ولا يذمونه بشئ قط بل كان معظما عندهم بيتا ونسبا معروفا بمكارم الأخلاق والصدق والأمانة وكذلك صديقه الأكبر لم يكن له عيب عندهم من العيوب

وابن الدغنة سيد القارة إحدى قبائل العرب كان معظما عند قريش يجرون من أجاره لعظمته عندهم

وفي الصحيحين أن أبا بكر لما ابتلى المسلمون خرج مهاجرا إلى أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي فقال ابن الدغنة فإن مثلك لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار فارجع واعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذنا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا له فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن وأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم إليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فجاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال قد علمت الذي عاقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلى ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال أبو بكر فإني أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله وذكر الحديث فقد وصفه ابن الدغنة بحضرة أشراف قريش بمثل ما وصفت به خديجة النبي ﷺ لما نزل عليه الوحي وقال لها: لقد خشيت على عقلي فقالت له كلا والله لن يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقرى الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق

فهذه صفة النبي ﷺ أفضل النبيين وصديقه أفضل الصديقين

وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن النبي ﷺ جلس على المنبر وقال: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان النبي ﷺ هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال النبي ﷺ: لا تبك يا أبا بكر إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر

وفي الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كنت جالسا عند النبي ﷺ إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه وذكر الحديث إلى أن قال فقال النبي ﷺ: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين

وروى البخاري عن ابن عباس قال خرج رسول الله ﷺ في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما من الناس أحدا من علي في ماله ونفسه من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا خليلا فذكر تمامه

وروى أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر فبكى وقال وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله

وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله ﷺ: ما مال رجل من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر ومنه أعتق بلالا وكان يقضي في مال أبي بكر كما يقضي الرجل في مال نفسه
فصل

وقوله كان النبي ﷺ قبل الهجرة غنيا بمال خديجة ولم يحتج إلى الحرب

والجواب أن إنفاق إبي بكر لم يكن نفقة على النبي ﷺ في طعامه وكسوته فإن الله قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين بل كان معونة له على إقامة الإيمان فكان إنفاقه فيما يحبه الله ورسوله لا نفقة على نفس الرسول فاشترى المعذبين مثل بلال وعامر بن فهيرة وزنيرة وجماعة
فصل

وقوله وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر شيء ألبتة

فهذا كذب ظاهر بل كان يعين النبي ﷺ بماله وقد حث النبي ﷺ على الصدقة فجاء بماله كله وأصحاب الصفة كانوا فقراء فحث النبي ﷺ على طعمتهم فذهب بثلاثة كما في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال إن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وإن النبي ﷺ قال مرة: من كان طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس وسادس أو كما قال وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق نبي الله ﷺ بعشرة وذكر الحديث

وروى زيد بن أسلم عن أبيه قال قال عمر أمرنا رسول الله ﷺ أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال النبي ﷺ: ما أبقيت لأهلك فقلت مثله قال وأتى أبو بكر بكل مال عنده فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك فقال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح
فصل

وأما قوله ثم لو أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن كما أنزل في علي هل أتى سورة الإنسان والجواب أما نزول هل أتى في علي فمما اتفق أهل العلم بالحديث على أنه كذب موضوع وإنما يذكره من المفسرين من جرت عادته بذكر أشياء من الموضوعات والدليل الظاهر على أنه كذب أن سورة هل أتى مكية باتفاق الناس نزلت قبل الهجرة وقبل أن يتزوج علي بفاطمة ويولد الحسن والحسين وقد بسط الكلام على هذه القضية في غير موضع ولم ينزل قط قرآن في إنفاق علي بخصوصه لأنه لم يكن له مال بل كان قبل الهجرة في عيال النبي ﷺ وبعد الهجرة كان أحيانا يؤجر نفسه كل دلو بتمرة ولما تزوج بفاطمة لم يكن له مهر إلا درعه وإنما أنفق على العرس ما حصل له من غزوة بدر

وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وأعطاني رسول الله ﷺ شارفا من الخمس فلما أردت أن أبتنى بفاطمة واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي فبينا أنا أجمع لشارفي متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاى مناخان إلى جانب بيت رجل من الأنصار قال وحمزة يشرب في ذلك البيت وقينة تغنيه فقالت: ألا يا حمز للشرف النواء. فثار إليها حمزة فاجتب أسنمتها وبقر خواصرها وذكر الحديث في البخاري وذلك قبل تحريم الخمر

وأما الصديق رضي الله عنه فكل آية نزلت في مدح المنفقين في سبيل الله فهو أول المرادين بها من الأمة مثل قوله تعالى لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا سورة الحديد 10 وأبو بكر أفضل هؤلاء وأولهم

وكذلك قوله الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم سورة التوبة 2وقوله وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى سورة الليل 18 فذكر المفسرون مثل ابن جرير الطبري وعبد الرحمن بن أبي حاتم وغيرهما بالأسانيد عن عروة بن الزبير وعبد الله بن الزبير وسعيد ابن المسيب وغيرهم أنها نزلت في أبي بكر
فصل

قال الرافضي وأما تقديمه في الصلاة فخطأ لأن بلالا لما أذن بالصلاة أمرت عائشة أن يقدم أبا بكر فلما أفاق رسول الله ﷺ سمع التكبير فقال من يصلي بالناس فقالوا أبو بكر فقال أخرجوني فخرج بين علي والعباس فنحاه عن القبلة وعزله عن الصلاة وتولى الصلاة

والجواب أن هذا من الكذب المعلوم عند جمع أهل العلم بالحديث ويقال له أولا من ذكر ما نقلته بإسناد يوثق به وهل هذا إلا في كتب من نقله مرسلا من الرافضة الذين هم من أكذب الناس وأجهلهم بأحوال الرسول مثل المفيد بن النعمان والكراجكي وأمثالهما من الذين هم من أبعد الناس عن معرفة حال الرسول وأقواله وأعماله

ويقال ثانيا هذا كلام جاهل يظن أن أبا بكر لم يصل بهم إلا صلاة واحدة وأهل العلم يعلمون أنه لم يزل يصلي بهم حتى مات رسول الله ﷺ بإذنه واستخلافه له في الصلاة بعد أن راجعته عائشة وحفصة في ذلك وصلى بهم أياما متعددة وكان قد استخلفه في الصلاة قبل ذلك لما ذهب إلى بني عمرو ابن عوف ليصلح بيهم ولم ينقل أن النبي ﷺ استخلف في غيبته على الصلاة في غير سفر في حال غيبته وفي مرضه إلا أبا بكر ولكن عبد الرحمن بن عوف صلى بالمسلمين مرة صلاة الفجر في السفر عام تبوك لأن النبي بعد أن راجعته ﷺ كان قد ذهب ليقضي حاجته فتأخر وقدم المسلمون عبد الرحمن ابن عوف فلما جاء النبي ﷺ ومعه المغيرة ابن شعبة وكان النبي ﷺ قد توضأ ومسح على خفيه فأدرك معه ركعة وقضى ركعة وأعجبه ما فعلوه من صلاتهم لما تأخر فهذا إقرار منه على تقديم عبد الرحمن.

وكان إذا سافر عن المدينة استخلف من يستخلفه يصلي بالمسلمين كما استخلف ابن أم مكتوم تارة وعليا تارة في الصلاة واستخلف غيرهما تارة

فأما في حال غيبته ومرضه فلم يستخلف إلا أبا بكر لا عليا ولا غيره واستخلافه للصديق في الصلاة متواتر ثابت في الصحاح والسنن والمساند من غير وجه كما أخرج البخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من أهل الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال مرض النبي ﷺ فاشتد مرضه فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف فصلى بهم أبو بكر في حياة رسول الله ﷺ وذكر البخاري فيه مراجعة عائشة للنبي ﷺ ثلاث مرات

وهذا الذي فيه من أن أبا بكر صلى بهم في حياة النبي ﷺ في مرضه إلى أن مات مما اتفق عليه العلماء بالنقل فإن النبي ﷺ مرض أياما متعددة حتى قبضه الله إليه وفي تلك الأيام لم يكن يصلي بهم إلا أبو بكر وحجرته إلى جانب المسجد فيمتنع والحال هذه أن يكون قد أمر غيره بالصلاة فصلى أبو بكر بغير أمره تلك المدة ولا مراجعة أحد في ذلك

والعباس وعلي وغيرهما كانوا يدخلون عليه بيته وقد خرج بينهما في بعض تلك الأيام وقد روى أن ابتداء مرضه كان يوم الخميس وتوفي بلا خلاف يوم الإثنين من الأسبوع الثاني فكان مدة مرضه فيما قيل اثنى عشر يوما

وفي الصحيح عن عبيد الله بن عبد الله قال دخلت على عائشة فقلت لها ألا تحدثيني عن مرض رسول الله ﷺ قالت بلى ثقل رسول الله ﷺ قال: أصلى الناس قلنا لا وهم ينتظرونك يا رسول الله قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس فقلنا لا وهم ينتظرونك يا رسول الله قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله ﷺ لصلاة العشاء الآخرة قالت فأرسل رسول الله ﷺ إلى أبي بكر يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا يا عمر صلي بالناس فقال عمر أنت أحق بذلك قالت فصلى بهم أبو بكر رضي الله عنه تلك الأيام

ثم إن رسول الله ﷺ وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي ﷺ أن لا يتأخر وقال لهما: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة رسول الله ﷺ والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي ﷺ قاعد قال عبيد الله فدخلت على ابن عباس فقلت ألا أعرض عليك ما حدثتني به عائشة عن مرض رسول الله ﷺ قال هات فعرضت عليه حديثها فما أنكر منه شيئا غير أنه قال أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت لا هو علي بن أبي طالب

فهذا الحديث الذي اتفقت فيه عائشة وابن عباس كلاهما يخبران بمرض النبي ﷺ واستخلاف أبي بكر في الصلاة وأنه صلى بالناس قبل خروج النبي ﷺ أياما وأنه لما خرج لصلاة الظهر أمره أن لا يتأخر بل يقيم مكانه وجلس النبي ﷺ إلى جنبه والناس يصلون بصلاة أبي بكر وأبو بكر يصلي بصلاة النبي ﷺ

والعلماء كلهم متفقون على تصديق هذا الحديث وتلقيه بالقبول وتفقهوا في مسائل فيه منها صلاة النبي ﷺ قاعدا وأبو بكر قائم هو والناس هل كان من خصائصه أو كان ذلك ناسخا لما استفاض عنه من قوله وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون أو يجمع بين الأمرين ويحمل ذلك على ما إذا أبتدأ الصلاة قاعدا وهذا على ما إذا حصل القعود في أثنائها على ثلاثة أقوال للعلماء والأول قول مالك ومحمد بن الحسن والثاني قول أبي حنيفة والشافعي والثالث قول أحمد وحماد بن زيد والأوزاعي وغيرهما ممن يأمر المؤتمين بالقعود إذا قعد الإمام لمرض وتكلم العلماء فيما إذا استخلف الإمام الراتب خليفة ثم حضر الإمام هل يتم الصلاة بهم كما فعل النبي ﷺ في مرضه وفعله مرة أخرى سنذكرها أم ذلك من خصائصه على قولين هما وجهان في مذهب أحمد

وقد صدق ابن عباس عائشة فيما أخبرت به مع أنه كان بينهما بعض الشيء بسبب ما كان بينهما وبين علي ولذلك لم تسمه وابن عباس يميل إلى على ولايتهم عليه ومع هذا فقط صدقها في جميع ما قالت وسمى الرجل الآخر عليا فلم يكذبها ولم يخطئها في شيء مما روته

وفي الصحيحين عن عائشة قالت لقد راجعت رسول الله ﷺ في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا وإلا اني كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله ﷺ عن أبي بكر قال البخاري ورواه ابن عمر وأبو موسى وابن عباس عن النبي ﷺ

وفي الصحيحين عنها قالت لما ثقل رسول الله ﷺ جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت لحفصة قولي له إن إبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقالت له فقال رسول الله ﷺ: إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فأمروا أبا بكر أن يصلي بالناس وفي رواية البخاري ففعلت حفصة فقال رسول الله ﷺ: مه إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا

ففي هذا أنها راجعته وأمرت حفصة بمراجعته وأن النبي ﷺ لامهن على هذه المراودة وجعلها من المراودة على الباطل كمراودة صواحب يوسف ليوسف فدل هذا على أن تقديم غير أبي بكر في الصلاة من الباطل الذي يذم من يراود عليه كما ذم النسوة على مراودة يوسف هذا مع أن أبا بكر قد قال لعمر يصلي فلم يتقدم عمر وقال أنت أحق بذلك فكان في هذا اعتراف عمر له أنه أحق بذلك منه كما اعترف له بأنه أحق بالخلافة منه ومن سائر الصحابة وأنه أفضلهم

كما في البخاري عن عائشة لما ذكرت خطبة أبي بكر بالمدينة وقد تقدم ذلك قالت واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا إني هيأت كلاما أعجبني خفت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعرقهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله ﷺ فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله

ففي هذا الخبر إخبار عمر بين المهاجرين والأنصار أن أبا بكر سيد المسلمين وخيرهم وأحبهم إلى رسول الله ﷺ ذلك علة مبايعته فقال بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله ﷺ ليبين بذلك أن المأمور به تولية الأفضل وأنت أفضلنا فنبايعك

كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ سئل من أحب الرجال إليك قال: أبو بكر

ولما قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا وهذا مما يقطع أهل العلم بالحديث أن النبي ﷺ قاله وإن كان من ليس له مثل علمهم لم يسمعه أو سمعه ولا يعرف أصدق هو أم كذب فلكل علم رجال يقولون به وللحروب رجال يعرفون بها وللدواوين حساب وكتاب وهؤلاء الثلاثة هم الذين عنتهم عائشة فيما رواه مسلم عن ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة وسئلت من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف قالت أبو بكر فقيل لها من بعد أبي بكر قال عمر قيل لها من بعد عمر قالت أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هذا

والمقصود هنا أن استخلافه في الصلاة كان أياما متعددة كما اتفق عليه رواية الصحابة ورواه أهل الصحيح من حديث أبي موسى وابن عباس وعائشة وابن عمر وأنس ورواه البخاري من حديث ابن عمر وفيه قوله: مروا أبا بكر فليصل بالناس ومراجعة عائشة له في هذه القصة وذكر المراجعة مرتين وفيه قوله: مروه فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف ولم يزل يصلي بهم باتفاق الناس حتى مات رسول الله ﷺ وقد رآهم النبي ﷺ يصلون خلفه آخر صلاة في حياته وهي صلاة الفجر يوم الإثنين وسر بذلك وأعجبه

كما في الصحيحين عن أنس أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع رسول الله ﷺ الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله ﷺ ستر الحجرة فنظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله ﷺ ضاحكا قال فبهتنا ونحن في الصلاة من الفرح بخروج النبي ﷺ ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله ﷺ خارج للصلاة فأشار إليهم رسول الله ﷺ بيده أن أتموا صلاتكم قال ثم دخل رسول الله ﷺ فأرخى الستر قال فتوفى رسول الله ﷺ من يومه ذلك

وفي بعض طرق البخارى قال فهم الناس أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا في رسول الله ﷺ وذكر أن ذلك كان في صلاة الفجر

وفي صحيح مسلم عن أنس قال آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله ﷺ كشف الستارة يوم الإثنين وذكر القصة

وفي الصحيحين عن أنس قال لم يخرج إلينا رسول الله ﷺ ثلاثا فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله ﷺ بالحجاب فرفعه فلما وضح لنا وجه النبي ﷺ ما نظرنا منظرا قط أعجب ألينا من وجهه حين وضح لنا قال فأومأ نبي الله ﷺ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى نبي الله ﷺ الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات

فقد أخبر أنس أن هذه الخرجة الثانية إلى باب الحجرة كانت بعد احتباسه ثلاثا وفي تلك الثلاث كان يصلي بهم أبو بكر كما كان يصلي بهم قبل خرجته الأولى التي خرج فيها بين علي والعباس وتلك كان يصلي قبلها أياما فكل هذا ثابت في الصحيح كأنك تراه

وفي حديث أنس أنه أومأ إلى أبي بكر أن يتقدم فيصلى بهم هذه الصلاة الآخرة التي هي آخر صلاة صلاها المسلمون في حياة النبي ﷺ وهنا باشره بالإشارة اليه إما في الصلاة وإما قبلها

وفي أول الأمر أرسل إليه رسلا فأمروه بذلك ولم تكن عائشة هي المبلغة لأمره ولا قالت لأبيها إنه أمره كما زعم هؤلاء الرافضة المفترون

فقول هؤلاء الكذابين إن بلالا لما أذن أمرته عائشة أن يقدم أبا بكر كذب واضح لم تأمره عائشة أن يقدم أبا بكر ولا تأمره بشيء ولا أخذ بلال ذلك عنها بل هو الذي آذنه بالصلاة وقال النبي ﷺ لكل من حضره لبلال وغيره: مروا أبا بكر فليصل بالناس فلم يخص عائشة بالخطاب ولا سمع ذلك بلال منها

وقوله فلما أفاق سمع التكبير فقال: من يصلي بالناس فقالوا أبو فكر فقال: أخرجوني

فهو كذب ظاهر فإنه قد ثبت بالنصوص المستفيضة التي اتفق أهل العلم بالحديث على صحتها أن أبا بكر صلى بهم أياما قبل خروجه كما صلى بهم أياما بعد خروجه وأنه لم يصل بهم في مرضه غيره

ثم يقال من المعلوم المتواتر أن النبي ﷺ مرض أياما متعددة عجز فيها عن الصلاة بالناس أياما فمن الذي كان يصلي بهم تلك الأيام غير أبي بكر ولم ينقل أحد قط لا صادق ولا كاذب أنه صلى بهم غير أبي بكر لا عمر ولا علي ولا غيرهما وقد صلوا جماعة فعلم أن المصلي بهم كان أبا بكر

ومن الممتنع أن يكون الرسول لم يعلم ذلك ولم يستأذنه المسلمون فيه فإن مثل هذا ممتنع عادة وشرعا فعلم أن ذلك كان بإذنه

كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة وثبت أنه روجع في ذلك وقيل له لو أمرت غير أبي بكر فلام من من راجعة وجعل ذلك من المنكر الذي أنكره لعلمه بأن المستحق لذلك هو أبو بكر لا غيره

كما في الصحيحين عن عائشة قالت قال لي رسول الله ﷺ: ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا لأبي بكر فإني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل أنا أولى ويأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر

وفي البخاري عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة وارأساه فقال النبي ﷺ ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة واثلكتاه والله إني لأظنك تحب موتي فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك فقال النبي ﷺ: وارأساه لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى الممتمنون ويدفع الله ويأبى المؤمنون وهذا الحديث الصحيح فيه همه بأن يكتب لأبي بكر كتابا بالخلافة لئلا يقول قائل أنا أولى ثم قال: يأبي الله ذلك والمؤمنون فلما علم الرسول أن الله تعالى لا يختار إلا أبا بكر والمؤمنون لا يختارون إلا إياه اكتفى بذلك عن الكتاب فأبعد الله من لا يختار ما اختاره الله ورسوله والمؤمنون

وقد أراد النبي ﷺ ذلك مرتين في مرضه قال لعائشة: ادعي لي أباك وأخاك وقال قبل ذلك لما اشتكت عائشة: لقد هممت أن أكتب لأبي بكر كتابا

ثم إنه عزم يوم الخميس في مرضه على الكتاب مرة أخرى كما في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال يوم الخميس اشتد برسول الله ﷺ الوجع فقال: ائتوني بكتف أكتل لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شأنه هجر استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه فأمرهم بثلاث فقال: أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها

وفي رواية في الصحيحين قال وفي البيت رجال فيهم عمر فقال النبي ﷺ: هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده فقال بعضهم وفي رواية عمر رسول الله ﷺ قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبكم كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم ومنهم من يقول ما قال عمر ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغط قال: قوموا عني قال عبيد الله الراوي عن الزهري قال ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ﷺ وبين كتابه فحصل لهم شك هل قوله: أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده هو مما أوجبه المرض أو هو الحق الذي يجب اتباعه وإذا حصل الشك لهم لم يحصل به المقصود فأمسك عنه وكان لرأفته بالأمة يحب أن يرفع الخلاف بينها ويدعو الله بذلك ولكن قدر الله قد مضى بأنه لا بد من الخلاف

كما في الصحيح عنه أنه قال: سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن لا يهلهكم بسنة عامة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها

ولهذا قال ابن عباس إن الرزية كل الزرية ما حال بين النبي ﷺ وبين الكتاب فإن ذلك رزية في حق من شك في خلافة الصديق وقدح فيها إذ لو كان الكتاب الذي هم به أمضاه لكانت شبهة هذا المرتاب تزول بذلك ويقول خلافته ثبتت بالنص الصريح الجلي فلما لم يوجد هذا كان رزية في حقه من غير تفريط من الله ورسوله بل قد بلغ رسول الله ﷺ البلاغ المبين وبين الأدلة الكثيرة الدالة على أن الصديق أحق بالخلافة من غيره وأنه المقدم

وليست هذه رزية في حق أهل التقوى الذين يهتدون بالقرآن وإنما كانت رزية في حق من في قلبه مرض كما كان نسخ ما نسخه الله وإنزل القرآن وانهزام المسلمين يوم احد وغير ذلك من مصائب الدنيا رزية في حق من في قلبه مرض

قال تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله سورة آل عمران وإن كانت هذه الأمور في حق من هداه الله مما يزيدهم الله به علما وإيمانا

وهذا كوجود الشياطين من الجن والإنس يرفع الله به درجات أهل الإيمان بمخالفتهم ومجاهدتهم مع ما في وجودهم من الفتنة لمن أضلوه وأغووه

وهذا كقوله تعالى وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا سورة المدثر 3وقوله وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه سورة البقرة 143

وقول موسى إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء سورة الأعراف 15وقوله إنا مرسلو الناقة فتنة لهم سورة القمر 2وقوله وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم سورة الحج 52 55
فصل

وقد تقدم التنبيه على أن النبي ﷺ أرشد الأمة إلى خلافة الصديق ودلهم علها وبين لهم أنه أحق بها من غيره

مثل ما أخرجاه في الصحيحين عن جبير بن مطعم أن امرأة سألت النبي ﷺ شيئا فأمرها أن ترجع إليه فقالت يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك كأنها تعني الموت قال: فإن لم تجديني فأتي أبا بكر

والرسول علم أن الله لا يختار غيره والمؤمنون لا يختارون غيره ولذلك قال: يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر فكان فيما دلهم به من الدلائل الشرعية وما علم بأن الله سيقدره من الخير الموافق لأمره ورضاه ما يحصل به تمام الحكمة في خلقه وأمره قدرا وشرعا

وقد ذكرنا أن ما اختاره الله كان أفضل في حق الأمة من وجوه وأنهم إذا ولوا بعلمهم واختيارهم من علموا أنه الأحق بالولاية عند الله ورسوله كان في ذلك من المصالح الشرعية ما لا يحصل بدون ذلك

وبيان الأحكام يحصل تارة بالنص الجلي المؤكده وتارة بالنص الجلي المجرد وتارة بالنص الذي قد يعرض لبعض الناس فيه شبهة بحسب مشيئة الله وحكمته

وذلك كله داخل في البلاغ المبين فإنه من ليس شرط البلاغ المبين أن لا يشكل على أحد فإن هذا لا ينضبط وأذهان الناس وأهواؤهم متفاوتة تفاوتا عظيما وفيهم من يبلغه العلم وفيهم من لا يبلغه إما لتفريطه وإما لعجزه

وإنما على الرسول البلاغ المبين البيان الممكن وهذا ولله الحمد قد حصل منه ﷺ فإنه بلغ البلاغ المبين وترك الأمة على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك وما ترك من شئ يقرب إلى الجنة إلا أمر الخلق به ولا من شئ يقربهم من النار إلا نهاهم عنه فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته

وأيضا فأمر النبي ﷺ أبا بكر بالصلاة بالناس إذا غاب وإقراره إذا حضر قد كان في صحته قبل هذه المرة

كما في الصحيحين عن سهل بن سعد أن النبي ﷺ ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي بالناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء النبي ﷺ في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصلاة فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس من التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله ﷺ أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله ﷺ من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي ﷺ فصلى بهم ثم انصرف فقال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لأبن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ: مالي أراكم أكثرتم التصفيق من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء وفي رواية فجاء رسول الله ﷺ فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المقدم وفيها أن أبا بكر رجع القهقرى وفي رواية للبخاري فجاء بلال إلى أبي بكر فقال يا أبا بكر إن رسول الله ﷺ قد حبس وقد حانت الصلاة فهل لك أن تؤم الناس فقال نعم إن شئت وفي رواية

أيها الناس مالكم حين نابكم شيء في صلاتكم أخذتم في التصفيق إنما التصفيق للنساء من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله فإنه لا يسمعه أحد يقول سبحان الله إلا التفت يا أبا بكر ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك وفي رواية أن تلك الصلاة كانت صلاة العصر وأن النبي ﷺ ذهب إلى بني عمرو بن عوف بعد ما صلى الظهر وفيه فلما أوما إليه النبي ﷺ أن أمضه وأومأ بيده هكذا فلبث أبو بكر هنيهة يحمد الله على قول رسول الله ﷺ ثم مشى القهقرى

وفي رواية أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله ﷺ فقال: اذهبوا بنا نصلح بينهم وفي رواية فحضرت الصلاة ولم يأت النبي ﷺ فأذن بالصلاة ولم يأت النبي ﷺ فهذا الحديث من أصح حديث على وجه الأرض وهو مما اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول وفيه أن أبا بكر أمهم في مغيب النبي ﷺ لما حضرت صلاة العصر وهي الوسطى التي أمروا بالمحافظة عليها خصوصا وقد علموا أن النبي ﷺ كان مشغولا ذهب إلى قباء ليصلح بين أهل قباء لما اقتتلوا وقد علموا من سنته أنه يأمرهم في مثل هذه الحال أن يقدموا أحدهم كما قدموا عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك لصلاة الفجر لما أبطأ النبي ﷺ حين ذهب هو والمغيرة لقضاء حاجته وكان عليه جبة من صوف وبلال هو المؤذن الذي هو أعلم بذلك من غيره فسأل أبا بكر أن يصلي بهم فصلى بهم لا سيما وقد أمرهم بتقديمه

ففي الصحيحين عن سهل بن سعد قال كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فأتاهم ليصلح بينه بعد الظهر فقال لبلال

إن حضرت الصلاة ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس وذكر الحديث ثم لما قدم النبي ﷺ أشار إلى إبا بكر أن يتم بهم الصلاة فسلك أبو بكر مسلك الأدب معه وعلم أن أمره أمر إكرام لا أمر إلزام فتأخر تأدبا معه لا معصية لأمره فإذا كان هو ﷺ يقره في حال صحته وحضوره على إتمام الصلاة بالمسلمين التي شرع فيها ويصلي خلفه ﷺ كما صلى الفجر خلف عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك صلى إحدى الركعتين وقضى الأخرى فكيف يظن به أنه في مرضه وإذنه له في الصلاة بالناس حتى يخرج ليمنعه من إمامته بالناس

فهذا ونحوه مما يبين أن حال الصديق عند الله وعند رسوله والمؤمنين في غاية المخالفة لما هي عند هؤلاء الرافضة المفترين الكذابين الذين هم ردء المنافقين وإخوان المرتدين والكافرين الذين يوالون أعداء الله ويعادون أولياءه

ولا ريب أن أبا بكر وأعوانه وهم أشد الأمة جهادا لللكفار والمنافقين والمرتدين وهم الذين قال الله فيهم فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء سورة المائدة 54 فأعوانه وأولياؤه خير الأمة وأفضلها وهذا أمر معلوم في السلف والخلف فخيار المهاجرين والأنصار الذين كانوا يقدمونه في المحبة على غيره ويرعون حقه ويدفعون عنه من يؤذيه

مثال ذلك أن أمراء الأنصار اثنان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن معاذ أفضلهما

ففي الصحيح عن النبي ﷺ أنه اهتز لموت سعد عرش الرحمن فرحا بقدوم روحه وحمله النبي ﷺ على كاهله

ولما حكم في بني قريظة بحكم لم تأخذه في الله لومة لائم قال له النبي ﷺ: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات

وقد عرف أنه وابن عمه أسيد بن حضير كانا من أعظم أنصار أبي بكر وابنته على أهل الإفك ولما دخل النبي ﷺ مكة يوم الفتح كان أبو بكر رأس المهاجرين عن يمينه وأسيد بن حضير رأس الأنصار عن يساره فإن سعد بن معاذ كان قد توفي عقب الخندق بعد حكمه في بني قريظة

وقال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ما نزل ما تكرهينه إلا جعل الله لك فيه فرجا وجعل المسلمين فيه بركة

وعمر وأبو عبيدة وأمثالهما من خيار المهاجرين وكانا من أعظم أعوان الصديق وهؤلاء أفضل من سعد بن عبادة الذي تخلف عن بيعته وعن القيام على أهل الإفك وعزله عن الإمارة يوم فتح مكة وقد روي أن الجن قتله وإن كان مع ذلك من السابقين الأولين من أهل الجنة

وكذلك عمر وعثمان أفضل من علي فإنه لم يكن له في قصة الإفك من نصرة الصديق وفي خلافة أبي بكر من القيام بطاعة الله ورسوله ومعاونته أبو بكر ما كان لغيره والله حكم عدل يجزي الناس بقدر أعمالهم وقد فضل الله النبيين بعضهم على بعض وفضل الرسل على غيرهم وأولو العزم أفضل من سائر الرسل وكذلك فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على غيرهم وكلهم أولياء الله وكلهم في الجنة وقد رفع الله درجات بعضهم على بعض فكل من كان إلى الصديق أقرب من المهاجرين والأنصار كان أفضل فما زال خيار المسلمين مع الصديق قديما وحديثا وذلك لكمال نفسه وإيمانه

وكان رضي الله عنه من أعظم المسلمين رعاية لحق قرابة رسول الله ﷺ وأهل بيته فإن كمال محبته للنبي ﷺ أوجب سراية الحب لأهل بيته إذا كان رعاية أهل بيته مما أمر الله ورسوله به وكان الصديق رضي الله عنه يقول ارقبوا محمدا في آل بيته رواه عنه البخاري وقال والله لقرابة رسول الله ﷺ أحب إلي أن أصل من قرابتي 
=========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل المقحمات هي الذنوب العظام كما قال النووي أم أنها ذنوب أرتكبت بقصد طاعة الله لكن التسرع والاندفاع دافع للخطأ من غير قصد

تعقيب علي المقحمات يتبين من تعريف المقحمات بين النووي ومعاجم اللغة العتيدة أن النووي أخطأ جدا في التعريف { المقحمات مفتوح للكتابة...